• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية (2)

شريف محمد جابر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/5/2012 ميلادي - 10/7/1433 هجري

الزيارات: 12130

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية (2)


في الجزء الأوَّل من المقال[1] تحدَّثنا عن ضرورة طرْح نموذجٍ تطبيقي للنظام السياسي الإسلامي، وبيَّنا المقصود "بالنموذج التطبيقي" وما يَعنيه عمليًّا، وتحدَّثنا عن التوجُّهات الموجودة على أرض الواقع؛ بين مُتَبنٍّ للنظام الديمقراطي على أنه هو النموذج السياسي التطبيقي المنشود، وبين رافضٍ له، مُقتصرٍ على بيان المبادئ الشرعيَّة للنظام السياسي، ورفْع الشعارات في المطالبة به، دون طرْح نموذجٍ تطبيقي يَستوعب مستجدَّات الواقع المعاصر.

 

ثم بيَّنا المصادر التي ينبغي الاعتماد عليها في وضْع الصيغة التطبيقيَّة للنظام السياسي الإسلامي المعاصر، فكانت نصوص الكتاب والسُّنة والإجماع، وسياسات وطُرق حُكم الرسول - عليه الصلاة والسلام - وخلفائه الراشدين، ومُراعاة مصلحة الأمة، والمعرفة العميقة بالواقع، وتكون عملية الاجتهاد - لوضْع هذا النظام السياسي - مُنضبطة في إطار الأصول والثوابت الشرعيَّة.

 

ونَوَدُّ في هذا المقال أن نَطرح شكْل النظام السياسي المعاصر برؤية تطبيقيَّة معاصرة، وهي مُستفادة من مصادر عدَّة في الفكر الإسلامي المعاصر، وسنحاول أن نَختصر طرْح الصورة الكاملة لهذا النظام في شكْله المعاصر المقترح؛ حتى تُلائم طبيعة المقال الموجزة، وآثَرنا ألاَّ نُطْنِبَ في سرْد الأدلَّة على كلِّ جزئيَّة فيه؛ منعًا لتضخُّم المقال[2].

 

ونحبُّ أن نُبيِّن أنَّ مُحددات مهمَّة أثَّرت في بناء هذه الرؤية، إلى جانب الالتزام بالأحكام الشرعيَّة، هذه المُحددات مستفادة من مدة حُكم الخلفاء الراشدين، ومن التجربة التاريخيَّة الطويلة لهذه الأُمة، هذه التجربة هي بمثابة دروس تاريخيَّة ينبغي تعلُّمها؛ حتى لا تقع الأُمَّة فيما وقعَت فيه من قبلُ؛ من استبدادٍ، وطغيانٍ، وتوريثٍ للسلطة، وتعطيلٍ للشرع، وضياعٍ للحقوق، ومن أهمِّ هذه المُحددات:

تحقيق التوازن بين ثلاث قُوى:

1- السلطة.

2- أجهزة الدولة.

3- الأُمة.

 

فلا تَطغى السلطة وتَنفرد بقرارها عن الأُمة، فيؤدِّي ذلك إلى الاختراق والخيانة، وتعطيل الشرع، وضياع الحقوق، ولا تَطغى أجهزة الدولة - كالجيش والأمن والشرطة - فيَعدو الأمر كما آلَ إليه الوضْع في فترات تاريخيَّة طويلة لهذه الأُمة، وقيل في ذلك:

خَلِيفَةٌ فِي قَفَصٍ
بَيْنَ وَصِيفٍ وَبُغَا
يَقُولُ مَا قَالاَ لَهُ
كَمَا تَقُولُ البَبَّغَا!

 

ولا تَضعُف السلطة والأجهزة، فتَشيع الفتن في الأُمة، وتَعُم الفوضى؛ مما يؤدي إلى القضاء على الدولة.

 

• تعميق مشاركة الأمة في التغيير وفي السلطة بعد التمكين، من خلال عمل أهل الحَلِّ والعَقْد، وأهل النظر والاجتهاد؛ لتحقيق الشورى المُلزمة والحِسبة، والاختيار والعزْل، وإرجاع الاجتهاد إلى شورى العلماء، لا إلى اختيار الفرد وتسلُّطه، ولو أخطَأ، والاستفادة من دور الصفوة الراشدة في الأُمة لِمَلءِ الفراغ السياسي، وتحقيق التلاحُم والترابط بين السلطة والجماهير؛ لإبعاد كلِّ صورٍ الاغتراب وفِقدان الانتماء[3].

 

مؤسسات نظام الحكم في الإسلام:

يتألَّف النظام الإسلامي من أربع مؤسَّسات، تُشكِّل - بمجموعها وبتكامُل الأدوار بينها - طبيعةَ نظام الحُكم في الإسلام، بخلاف النظام الديمقراطي الذي يتألَّف من السلطات الثلاث: (التشريعية، والتنفيذيَّة، والقضائيَّة)، هذه المؤسَّسات هي:

1- مؤسَّسة الإمام أو الحاكم، أو الرئيس ومعاونيه.

2- مؤسسة أهل الحَلِّ والعَقْد.

3- مؤسسة أهل النظر والاجتهاد.

4- مؤسَّسة القضاء.

 

مؤسسة الإمام ومعاونيه:

هي الكِيان التنفيذي الأعلى في السلطة، وعلى مؤسسة الإمام واجبات أساسية، تتلخَّص في الحفاظ على الدين وحراسته، وتحقيق مصالح العباد الشرعيَّة والدنيوية، ودَرْء المفاسد عنهم، ومباشرة تنفيذ السياسات المتعلِّقة بمختلف الشؤون الداخلية والخارجية للأُمَّة؛ كالأمن والاقتصاد، والتنمية والخِدمات، والبِنْيَة التحتيَّة للدولة والبِنْيَة البيئيَّة، ونقْل التكنولوجيا، والدخول في عصر القوَّة والتقدُّم.

 

ويُعاونه في ذلك "معاونون"، كلُّ واحد منهم بمثابة "مكتب" متخصِّص في مجاله، والإمام هو مَن يَختار معاونيه، وهم عبارة عن مكاتب متخصِّصة قائمة على دراسات علمية جادَّة، ويكون المعاون على رأس كلِّ واحدة منها، يَنوب عنها عند الإمام، ويمكن إجمالهم في ثمانية تخصُّصات رُوعِيَتْ في اختيارها احتياجات العصر ومُتطلبات الواقع:

1- معاون اقتصادي.

 

2- معاون عسكري.

 

3- معاون أمْن قومي، ويشمل:

أ- الأمن الداخلي.

ب- الأمن الخارجي الإقليمي.

ج- الأمن الخارجي الدولي.

 

4- معاون شرعي: يكون مجتهدًا، عالِمًا بنصوص الكتاب والسُّنة، وبفِقههما، وشتى فروع الفقه، مع عِلْمه بمواضع الإجماع، ويَمتلك القدرة على تنزيل الشريعة على مناطاتها في الواقع، أو يَجتهد عليها بطُرق الاجتهاد الشرعيَّة المُعتبرة.

 

5- معاون إستراتيجي متخصِّص في كلٍّ من: الجغرافيا السياسيَّة والاقتصادية، والعسكرية والاجتماعية، من حيث نظرية السُّكان وتركيبتهم.

 

6- معاون في شؤون التنمية.

 

7- معاون في الخِدمات والبنْيَة التحتيَّة والبيئيَّة.

 

8- معاون متخصِّص في نقْل التكنولوجيا وصناعة القوة والتقدُّم؛ لنقْل البلد إلى الصناعة المدنيَّة والعسكريَّة، والدخول في عصر الصناعة، وعصر القوة والتقدُّم والدولة الحديثة.

 

طريقة اختيار الإمام:

من خلال مراجعة طريقة اختيار الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، نجد أنَّ هناك قاسمًا مشتركًا بينها جميعًا، يكون الالتزام به محقِّقًا لصفة "الشورى" المأمور بها شرعًا، وكذلك لصفة "البيعة"، فلا إمام دون بيعةٍ، ولا بيعة دون شورى، وهذا القاسم المُشترك يتمثَّل في أمورٍ:

1- توفُّر شروط استحقاق الخلافة في الشخص المختار لها، وهي: العدالة على شروطها الجامعة، والعلم المؤدِّي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام، سلامة الحواس، سلامة الأعضاء، الرأي المُفضي إلى رعاية مصالح العباد، الشجاعة والنجدة المؤدِّية إلى حماية البيضة وجهاد العدو[4].

 

2- موافقة أهل الحَلِّ والعَقْد عليه (البيعة الخاصَّة).

 

3- موافقة عامَّة الأُمَّة (البيعة العامَّة).

 

وبناءً على هذه الشروط، فالصيغة العملية المُقترحة اليوم هي: بعد اختيار الناس لممثِّليهم من "أهل الحَلِّ والعَقْد"[5]، يقوم أهل الحَلِّ والعقد بدورهم في ترشيح عددٍ من المؤهَّلين للرئاسة، وتقديمهم للأُمَّة؛ للاختيار من بينهم بطريقة الانتخاب، وهو نوع من الجمْع بين "البيعة الخاصَّة"، و"البيعة العامَّة".

 

مؤسسة أهل الحَلِّ والعقد:

وهم عبارة عن "مجلس رقابي" بصفة أساسيَّة، تَختارهم الأُمة بطريقة الانتخاب، ويتعيَّن أن يتوفَّر فيهم صفات:

1- التمثيل لِمَن يَنوبون عنهم.

2- العدالة.

3- الكفاءة.

 

ودورهم هو:

1- الشورى: وشوراهم مُلزِمة "حتَّى أستأمر السُّعود"[6]، والشورى في السياسات العامَّة المتعلِّقة بالأُمَّة، وليس في الأمور التنفيذيَّة التفصيليَّة، ولا في موضع النصوص الشرعيَّة، ولا في الأمور الشخصيَّة، والاستشارة حقٌّ للإمام كحقِّ أي مسلمٍ على غيره من المسلمين، وله أن يأخذَ بها أو لا يأخُذ، والشورى حقٌّ للأُمَّة على الإمام، يَلتزم بها، ولا يَحيد عنها.

 

2- الحِسبة: فهم قُوَّامٌ على الإمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: الرِّقابة المالية، والرقابة على سياساته وتَرشيدها، كما أنَّه قائمٌ على الأُمَّة بالمُحتسبين.

 

3- الترشيح والعزْل: فبإجماعهم يتمُّ ترشيح الأشخاص المؤهَّلين لمنصب الإمام؛ لِتُطرَح أسماؤهم على الأُمة، فتختار مَن يَحكمها، وبإجماعهم كذلك يتمُّ عزْل الإمام إنْ أخلَّ بالشروط الشرعيَّة المُعتبرة[7].

 

عن طريق عمل مؤسَّسة أهل الحَلِّ والعقد (المجلس الرقابي)، تتحقَّق مشاركة الأُمَّة في الحُكم، من خلال الشورى المُلزمة والحِسبة، والمشاركة في السياسات العامة؛ بالموافقة، أو الرفض، أو التعديل.

 

والعمل الرئيس لمؤسَّسة أهل الحَلِّ والعقْد، ولمؤسَّسة الإمام كذلك، هو رعاية مصالح العباد في إطار الأحكام الشرعيَّة، وسياسة أمور الأُمة، وليس لهم دورٌ في العمل التشريعي؛ منعًا لتَسْييس الدين، وخضوعه للأهواء والرَّغبات الشخصيَّة؛ أي: انحراف الاختيارات الفقهيَّة؛ كي تُلبِّي مصالح سياسيَّة أو حزبيَّة معيَّنة، فتَفقد بذلك الشرط الشرعي لها، وتَفقد النزاهة والموضوعية المطلوبة في عمليَّة الاجتهاد الشرعي المُنضبط بأصوله المُعتبرة.

 

مؤسسة أهل النظر والاجتهاد:

وهي عبارة عن مجلسٍ آخرَ غير المجلس الرقابي، وله حقُّ إصدار القواعد العامَّة المُلزمة التي تَحكم تصرُّفات الناس في الدولة - الفردية والجماعيَّة - استنادًا إلى حاكميَّة الشريعة، وحقِّ الله الخالص في التشريع.

 

فهم ليسوا "مشرِّعين" كما في النظام الديمقراطي، وإنَّما دورُهم هو: استنباط الأحكام الشرعيَّة من الأدلة التفصيليَّة في الكتاب والسُّنة، وإيجاد الأحكام الشرعيَّة - بطُرق الاجتهاد المُنضبطة - لِما يستجدُّ من أمورٍ؛ نتيجة للتطوُّر الحضاري، ومُتغيِّرات الواقع، وتنظيم العلاقات الداخلية والدولية، فيما لا يوجد دليلٌ عليه من كتابٍ أو سُنة، فتَمنع بذلك العبَث بالقوانين، كما هو الحال في القوانين الوضعيَّة، فيما يُسمَّى بـ"ترزية القوانين"؛ نتيجة لجديَّة أحكام الشريعة، وانضباط أصول اجتهادها.

 

ويتكوَّن مجلس أهل النظر والاجتهاد الشرعي من:

1- علماء مجتهدين للنظر الشرعي: ويكونون مستقلِّين عن أيَّة أحزاب، ويُمكن أن يُنتَخبوا من خلال هيئاتهم الشرعيَّة التي يَنتسبون إليها، ويُؤخَذ منهم المتخصِّصون في الشريعة والفقه، وليس مجرَّد المتخرِّج من الكليَّات؛ كداعيةٍ أو واعظٍ، أو في مجال اللغة، ويُمكن ترشيحُهم للانتخاب العام.

 

2- علماء قانون للصياغة القانونيَّة: يُنتخبون من هيئاتهم القانونيَّة، أو بالانتخاب العام.

 

3- علماء وخُبراء وأُمناء من الأُمة: يكون لهم قَبول عندها؛ لصياغة مصالحها واحتياجاتها ومشكلاتها، وتَوصيفها كمتخصِّصين لتُقدَّم للعلماء المجتهدين؛ لاستِنْباط الحكم الشرعي فيها، وتكون مهمَّة الصياغة القانونيَّة لرجال القانون، ويتم اختيار هؤلاء العلماء والخُبراء والأُمناء من الأُمة بالانتخاب العام، بعد ترشيحهم من مؤسَّسات المجتمع ذات الصِّلة، أو بالانتخاب العام مباشرة بعد تحديد الصفة.

 

ووظيفتهم هي:

1- صياغة الأحكام الشرعية على شكْل "قوانين"، وهو ما يُعرف بـ "تقنين الشريعة".

 

2- الاجتهاد عند النوازل: وذلك بأن يَعرض عليهم المجلس النيابي اقتراحات قوانين، أو يَعرض عليهم مجلس العلماء والخُبراء والأمناء عن الأُمة، المصالح والاحتياجات والمشكلات المستجدَّة عند الأُمة، ويقوم مجلس أهل النظر والاجتهاد باستخراج الأحكام الشرعيَّة المتعلِّقة، والتي تُصاغ صياغة شرعيَّة قانونيَّة، من خلال رجال القانون المُنتسبين للمجلس.

 

مؤسسة القضاء:

وظيفة هذه المؤسَّسة: هي الفصل بين المنازعات المعروضة أمامها، وهي مسؤولة عن التفسير الرسمي للقوانين التي تُصدرها مؤسَّسة أهل النظر والاجتهاد، وتُنفِّذها مؤسسة الإمام أو الرئاسة، وهي المسؤولة عن القضاء والمحاكم في الدولة بمختلف أنواعها، ومسؤولة عن تحقيق العدل، كما أنَّها مسؤولة عن مسيرة وتقاليد القضاء في الدولة، ومصداقيَّة القوانين التي تُطبِّقها.

 

ويكون لهذه المؤسسة مجلسٌ أعلى، ومحكمة دستوريَّة، ولها هيئة تمثِّل أعضاءها، ولهم انتخاباتهم الخاصة المستقلَّة، والقضاء كذلك ينبغي أن يكون مستقلاًّ، وغير مُسَيَّسٍ.

 

هذه هي مؤسَّسات النظام السياسي الإسلامي برؤية تطبيقيَّة معاصرة، وقد تتوافَق في الكثير من جزئيَّاتها مع النظام الديمقراطي، ولكنَّه - كما قلنا في الجزء الأوَّل من المقال - توافقٌ عرَضيٌّ؛ فالمؤسَّسات في النظام الإسلامي قائمة على حاكميَّة الشريعة في كلِّ صغيرة وكبيرة، وأمَّا في النظام الديمقراطي، فهي قائمة على ما يُقال: إنه "حُكم الشعب لنفسه"، و"تشريع الشعب لنفسه"، وهو أمرٌ نظري فحسب، فعمليًّا هو حُكم الفئة المُمسكة بالسلطة ومفاصل الدولة والاقتصاد للشعب[8].

 

فالأُمة تختار مَن يَحكمها بانتخابٍ حرٍّ، كعودة حقيقيَّة إلى قاعدة "الشورى" الإسلاميَّة، ومنعًا للاستبداد والتغلُّب، الذي عانَت منه الأمة الإسلامية في عهودٍ طويلة.

 

وأمرُ الاجتهاد الشرعي يَرجع إلى جماعة العلماء الممثِّلة للأُمة والمستقلَّة عن الإمام، وليس راجعًا إلى المستوى الشخصي للإمام، فلئن كان تفرُّد الإمام يَصلح في العهود الذهبيَّة خلال فترة حُكم الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، أو عمر بن الخطاب، أو غيرهما من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم أجمعين - فإنَّ ذلك لا يَصلح في واقعنا المعاصر؛ لتشعُّب قضايا الواقع، وتعقُّد مشكلات العصر، وتضخُّم حجم المجتمع وتطوُّره، وكثرة وظائف الدولة والقضايا المتعلِّقة بها، مقارنة باليُسر والبدائيَّة التي كان عليها المجتمع القبَلي إبَّان فترة الخلافة الراشدة، إلى جانب افتقاد الأمة لأمثال أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وغيرهم من الصحابة الأجِلاَّء، ممَّن بُشِّروا بالجنَّة، وأمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالتمسُّك بما هم عليه، بل وإنَّ الرسول نفسه - عليه الصلاة والسلام - والخلفاء الراشدين، كانوا يجعلون الأمر شورى بينهم، ليس في مجرَّد اختيار الحاكم، ولكن في الكثير من القضايا التي تُشكِّل أهميَّة أو خطرًا على مجموع الأُمة، وما تُعلِّمه التجربة أنَّ الرجوع إلى شورى "الجماعة" أكثر قربًا إلى الصواب، وبُعدًا عن الزَّلل والخطأ، من اتِّخاذ القرارات الكبرى والخاصة بعموم الأُمة من قِبَل فردٍ واحدٍ!

 

ومن الجدير بالذكر أنَّ الإمام في النظام السياسي الإسلامي هو رأس الدولة، يُمارس سلطاته بنفسه، ويقوم باختيار وُزرائه الذين يقومون بتنفيذ السياسة العامَّة التي يَرسمها لهم، وليس من حقِّ الوزراء أن يتصرَّفوا كحكَّامٍ مُطلقين فيما أُوكِل إليهم من وزارات.

 

ومن الجدير ذِكْره أيضًا: ابتعاد النظام السياسي الإسلامي عن "الاستبداد البرلماني" الموجود في النظام الديمقراطي البرلماني؛ حيث يُشكِّل حزب الأغلبيَّة الحكومة؛ ممَّا يعني فِقدان الرقابة الجادَّة في البرلمان على الكِيان التنفيذي في السلطة، وهو الحكومة؛ لأنَّها من نفس حزب الأغلبيَّة في البرلمان، فتتم مسرحيَّة "موافقون" الهزليَّة في البرلمان على ما تَقترحه الحكومة من قوانين وسياسات، ويكون هناك انحيازٌ كبير لتحقيق مصلحة حزب الأغلبيَّة من قِبَل الحكومة المُنتمية إليه.

 

وفي الواقع لا يُمكن مقارنة النظام الديمقراطي بالنظام السياسي الإسلامي الراشد في جزئيَّة "مشاركة الأُمة"، فهي - وَفْق قواعد النظام الديمقراطي - مشاركة موهومة لا حقيقةَ لها[9]، وهي - وَفْق قواعد النظام السياسي الإسلامي الراشد - مشاركة حقيقيَّة تُعطي الأُمة - ليس فقط - حقَّها الشرعي في اختيار مَن يَحكمها، بل وحقَّها في محاسبة الإمام، وترشيد سياساته، والرقابة الجادَّة عليه، من خلال عمل مؤسَّسة أهل الحَلِّ والعقْد، ومؤسسة أهل النظر والاجتهاد، الممثِّلتين للأُمة بشكلٍ حُرٍّ ونَزيهٍ.

 

كان هذا نموذجًا تطبيقيًّا للنظام السياسي الإسلامي، برؤية معاصرة تُحدِّد الآليات، وتَستوعب مستجدَّات العصر، مع الْتِزامها بحاكميَّة الشريعة.

 

أمَّا تفصيلات هذا النظام الدقيقة، فمن الصعب تحديدُها دون الشروع في تطبيقه عمليًّا؛ لأنها متعلِّقة بشكلٍ أساسي بالواقع الذي يُراد تطبيقُها عليه، وبمستجدَّات هذا الواقع، وتفصيلات مشكلاته، واحتياجاته العمليَّة.



[1] http://www.alukah.net/Culture/0/41134

[2] يُرجى مراجعة بعض المصادر المعاصرة في ذلك؛ منها: "مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي"؛ لفضيلة الشيخ محمد بن شاكر الشريف، و"النظرية العامة لنظام الحكم في الإسلام"؛ لفضيلة الشيخ د. عطية عدلان، و"الحكومة الإسلامية: رؤية تطبيقية معاصرة"؛ لفضيلة الشيخ عبدالمجيد الشاذلي، واعتمادي في هذا المقال على هذا الكتاب الأخير بصفة أساسية، وقد نقَلنا منه فقرات كاملة، مع التصرُّف بشكلٍ كبيرٍ في ترتيب بعض المواضيع، واختيار الاصطلاحات، وإضافة توضيحات يَقتضيها السياق، وتعديل بعض العبارات.

[3] البلاغ المبين؛ الشيخ عبدالمجيد الشاذلي.

[4] تُراجع هذه الشروط في كُتب السياسة الشرعيَّة، ومنها الكتب التي أشَرنا إليها في هامشٍ سابق.

[5] وسنَتناول تعريفَهم ووظائفهم خلال المقال.

[6] راجع مَجمع الزوائد، ج (6)، ص (191).

[7] راجع بحثنا بعنوان: "المناطات المختلفة لعلاقة المحكومين بالحُكَّام".

[8] راجع فصل "الديمقراطية" في كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"؛ لفضيلة الأستاذ محمد قطب.

[9] راجع كتاب حقيقة الديمقراطية؛ لفضيلة الشيخ محمد بن شاكر الشريف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناخ الديمقراطية وفرص التيار الإسلامي
  • بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية (1)

مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حوار مع رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالكونغو الديمقراطية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ملخص بحث: المبادئ الديمقراطية في الشريعة الإسلامية(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • الهند: الجبهة الديمقراطية تطالب بإنشاء فرع لجامعة أليجار الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • الديمقراطية في العراء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التعريف بكتاب: هذه هي الديمقراطية(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)

 


تعليقات الزوار
2- إلى أخي عزّت النجّار
شريف محمد جابر - فلسطين 12-03-2013 03:14 AM

جزاك الله خيرا أخي عزّت
أما بخصوص المنهج المتبع للوصول إلى هذا النموذج فهو لا يكون إلا منهجا مرحليّا، أي التقدّم إلى النموذج مرحلة بعد أخرى، فالميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه.. وقد طرحت رؤية أخرى لكيفية العمل للتغيير في مقال آخر أحدث من هذا المقال تجده على ملفي في الألوكة بعنوان "مصر.. ورؤية للخروج من النفق المظلم" أدعوك لقراءته.
لكن ينبغي الانتباه إلى خطورة بعض دعاوى التدرّج المنتشرة وهي تعني في حقيقتها التنازل عن الأحكام الشرعية وعن الوضوح في الخطاب الشرعي وهو أمر مرفوض، فالمرحلية لا تعني التنازل ولا المفهوم المغلوط للتدرّج. والله المستعان

1- رأي
عزت النجار - Egypt 04-03-2013 03:35 AM

مقال رائع . و فعلا رد علي كثير من التساؤلات التي كنت أتساءل عنها .
ثانيا
هل هذا الفكر و الرؤية للدولة الاسلامية ينبغي أن يطبق علي مراحل و متدرجا كما أعتقد أن ذلك مسلك الاخوان المسلمين بوضع كلمة الشورى لأول مرة في باب مقومات الدولة في الدستور الجديد .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب