جهود المرأة في خدمة السنة (مشروع خطة رسالة للماجستير)

جهود المرأة في خدمة السنة

(مشروع خطة رسالة للماجستير)[1]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعه ووالاه. وبعد:

فلقد كان من فضل الله العظيم على هذه الأمة أنْ حفظ لها دينها متمثلاً في كتابه الكريم، وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الحفظ إنما كان على أيدي رجال منها ونساء، هيأهم الله تعالى لهذه المهمة الشريفة، والغاية السامية.

وقد كنتُ أقف - من خلال مطالعاتي ومراجعاتي - على جهودٍ رائعةٍ للمرأة المسلمة في خدمة السنة، فأتمنى لو دُرِسَتْ هذه الجهود وأبرزت، إذ هي حقاً من مفاخر المسلمين.

وممّا زاد في تطلعي لهذه الأمنية قولٌ للإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" ونقله عنه سبطُ ابن العجمي في كتابه "الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث"، وهو: "ما علمتُ في النساءِ مَنِ اتُّهِمَتْ، ولا مَنْ تركوها" [2].

وهذه شهادةٌ مِنْ أطرف الشهادات، وحقيقةٌ من أجمل الحقائق، يقدّمها إمام حافظ مشهود له بالضلاعة وسعة الاطلاع؛ يقول عنه المؤرخ السبكي: "إمام الوجود حفظاً، وذهب العصر معنىً ولفظاً، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعتْ الأمة في صعيد واحد، فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إِخبار مَنْ حضرها" [3].

والآن وقد كتبَ اللهُ لي أن أتابع تحصيلي العلمي في رحاب كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، فقد رأيتُ أن ألتفتَ إلى هذا الموضوع التفاتةَ الدارس، بعد أن كنتُ ألتفتُ إليه التفاتَ المُعجب المتمنّي.

ويجدرُ بالذكر هنا أنَّ جهود المرأة المعنية هنا تبتدئ من جهود أمهات المؤمنين والصحابيات رضوان الله عليهن، حتى عصر الناس هذا.

هذا منشأ الفكرة وحدودها، أما تفصيل القول في ذلك فيكون كالآتي:

أولاً: طبيعة الموضوع وأهميته وهدفه:

سيتناول البحث "جهود المرأة في خدمة السنة" في الرواية والدراية، ويشرح جهود المرأة من حيث المنشأ والتطور، والازدهار، والركود.

وأحسب أن أهميتَهُ واضحةٌ تمام الوضوح، فإن من الضروري جداً إبراز هذا الجانب الحضاري العلمي عند المسلمين، الذي يتميزون به عن سائر الأمم، وإلا ففي أية أمة يظهر مثل هذا العدد الكبير من النساء يتلقى الناسُ عنهن العلم؟!

هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى أرى من المؤسف حقاً أن تتخلى المرأة عن هذا الدور العظيم، وتتراجع من الصفوف المتقدّمة إلى زوايا الإهمال والنسيان. إن هذا كله مخالف لدروها الحقيقي، ويحاول هذا البحث أن يذكّر الأمةَ بذلك، ويعرض عليها نماذج مشرقة من تاريخ المرأة عند الأسلاف، لعل ذلك يقود إلى عودة المرأة للقيام والنهوض بهذا الدور..

وقد يكون من المُدهش هذا القول، ولكن الذي هو أشد إدهاشاً إذا علمنا أن رجلاً واحداً - هو الحافظ المؤرِّخ ابن عساكر - تلقى العلم عن أكثر من ثمانين امرأة، فضلاً عن شيوخه الرجال!

وأنَّ مؤرِّخ بغداد ابن النجار "قرأ بنفسه على المشايخ كثيرًا، حتى حصل نحوًا من ثلاثة آلاف شيخ، من ذلك نحو من أربع مئة امرأة"!

وإذا علمنا كذلك أن عالمة بغداد شُهدة الكاتبة قرأ عليها العلماء من بلاد شتى، وظل تلاميذُها - وهم مئات - ينشرون العلم بعدها ثمانية وسبعين عاماً..

أما عن الصحابية؛ فيكفي أن نعلم أنَّ ربع الشريعة قد نقل عنها كما قال الحاكم في "المستدرك"، وأنها كانت تستدرك على الرجال... تلك هي السيدة عائشة، وقد ألّف العلماء في ذلك فقط ثلاثةَ كتب.

أعود فأقول: إن الهدف من هذا البحث إبراز دور المرأة السابق، لتُشكر وتذكر، وللاستفادة من ذلك في تصحيح مفاهيمنا الحالية، ولبعث الروح في المرأة المعاصرة لتعود إلى السُّنة النبوية مُتعلِّمة ومُعلِّمة، ومستنيرة ومنورة.

ثانياً: الدراسات السابقة:

لا أعلم - في حدود اطلاعي القاصر - بحثاً تناول هذا الجانب، وهذا الموضوعَ بدراسة حديثية مفصلة؛ تشرح دول المرأة وأثرها في خدمة السنة من حيث الرواية والدراية، ومن حيث بناء المدارس لتعليم ورواية الحديث، ومن حيث مؤلفاتها. وكل ما رأيته هو تراجم للصحابيات، والمحدّثات، وهذا لا يكفي إطلاقاً في إعطاء الصورة الحقيقية لهذا الدور، ثم إن هذه التراجم موزعة مبعثرة، فلا بد من تتبعها، والخروج منها بصياغةٍ مؤطرة.

وقد كُتِبَ عن المرأة كتب كثيرة، وأُفرد الشواعر منهن بكتبٍ، ولكن لم تُفرد المحدّثات بكتاب، وقد أحصى صاحب "أعلام النساء" قرابة ثلاثة آلاف من فضليات النساء في أربعة عشر قرناً من تاريخ الأمة، وعدةُ المحدّثات منهن (705)، ولكن هذا الرقم أقل بكثير من واقع الحال، ففي "الإصابة في تمييز الصحابة" وحده (1552) ترجمة للصحابيات، وأحصى السخاوي في "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" (1075) ترجمةً؛ كُلّهن مِنْ أهل الحديث.

ثالثاً: منهجي في هذا البحث:

سأتتبع تراجم الصحابيات، والتابعيات، ومَنْ تبعهن إلى يومنا هذا في كتب الرجال والتراجم لاستخراج "المرأة المحدِّثة" من خلال القرون.

وسأنظر في دور المرأة المحدّثة من خلال الأحاديث التي روتها؛ عدداً وموضوعاً وصحةً، وعمّن أخذت، ومَنْ أخذ عنها: أي موقعها في سلسلة الإسناد.

وأخرج من ذلك بحقيقةِ دورها وأهميته، والأسباب التي جعلتْ بعض النساء تصل إلى مرتبة "مسندة الوقت"، أعني بها ست الوزراء وزيرة بنت عمر التنوخية (624 - 716هـ) شيخة الحافظ الذهبي التي طُلِبَتْ من دمشق إلى مصر لتروي الحديث هناك. وسأعمد إلى استخراج نسبة النساء المشتغلات بالسنة في كل قرن، وأدرس بروز ظاهرة "المحدّثات" دون "المفسّرات" و"الفقيهات".

رابعاً: خطة البحث:

ستكون خطة البحث كالآتي:

مقدمة:

تشرح سبب اختيار الموضوع، وأهميته، ومنهج البحث. وتشمل المقدمة كذلك نظرات في المصادر المعتمدة.

الفصل الأول: المرأة في الجاهلية والإسلام، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: المرأة عند عرب الجاهلية، وسائر الأمم.

المبحث الثاني: المرأة في الإسلام من حيث القرآن والسنة.

الفصل الثاني: جهود الصحابيات في خدمة السنة رواية، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: جهود أمهات المؤمنين.

المبحث الثاني: جهود سائر الصحابيات.

الفصل الثالث: جهود المرأة من التابعيات حتى اليوم، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: جهود التابعيات.

المبحث الثاني: جهود سائر النساء.

الفصل الرابع: جهود المرأة في خدمة السنة درايةً، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: جهود الصحابيات ولا سيما السيدة عائشة.

المبحث الثاني: جهود سائر النساء.

الفصل الخامس: كيفية التحمّل والأداء، وفيه مباحث:

المبحث الأول: كيف تحملت الصحابيات السنّة، وكيف أدّينها.

المبحث الثاني: كيف تحملت المرأة السنّة، وكيف أدّتها.

المبحث الثالث: مؤلفات حديثية للمرأة. وقد طُبِعَ بعضها، وبعضها مخطوط.

المبحث الرابع: مدارس حديثية لتبليغ السنّة أنشأتها المرأة.

نتائج البحث.

وملحق بتراجم أشهر المحدثات.

خامساً: المصادر والمراجع:

وهي هنا تنقسم إلى قسمين:

1- مصادر خاصة عن المرأة.

2- ومصادر عامة.

فمن القسم الأول - على سبيل المثال -:

1- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، لمحب الدين الطبري.

2- أعلام النساء، لعمر رضا كحالة.

3- الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، للسيدة زينب فواز العاملية.

4- الروضة الفيحاء في تواريخ النساء، لياسين بن خير الله العمري.

5- الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزركشي[4].

6- عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة، للسيوطي[5].

7- شهيرات النساء في العالم الإسلامي، لحسين قدرية.

8- نساء لهن في التاريخ نصيبٌ، لعلي إبراهيم حسن.

9- عالمات بغداديات في العصر العباسي، للدكتور ناجي معروف.

ومن القسم الثاني:

♦ كتب التراجم: وقد اشتملت جميعُها على تراجم المرأة، بما في ذلك تراجم الصحابة.

♦ كتب علوم الحديث، ولا داعي للإطالة بذكرها.

♦ فهارس المخطوطات، وهي كثيرة أيضاً، وفيها إشارات إلى آثار للمرأة المحدّثة.

♦ كتب المشيخات، وقد اشتملت على ذكر محدّثات كثيرات.

♦ كتب الأثبات التي يفصّل فيها ذكر المرويات، وفيها ذكرٌ لمرويات المرأة: مرويات الحديث، ومرويات الكتب.

♦ كتب التاريخ.

ملحوظات:

♦ هناك جزئيات وأفكار أخرى يمكن أَن تظهر وتدرج في الخطة من خلال البحث.

♦ إذا رُئي أن هذا البحث طويل فيمكن اقتصاره على دور الصحابيات، أو دور مَنْ بعدهن، أو دور أمهات المؤمنين، أو دور السيدة عائشة فقط.

♦ سيتناول هذا البحث الإجابة على سؤال: هل تكلمت المرأةُ في الجرح والتعديل؟ وهل في الأسانيد امرأة غير الصحابيات؟

♦ سيتطرق البحث إلى دور المرأة في غير الرواية والدراية، كتلك التي منعتْ أباها من أهل الحديث في حال اختلاطه إلى أنْ يحضر أخوها فيقرأ له، وهي قصة معروفة، إلى غير ذلك من الجوانب[6].