إشراف الجهة القضائية على تنفيذ العقوبات الجنائية: دراسة مقارنة

ملخص الرسالة

إشراف الجهة القضائية على تنفيذ العقوبات الجنائية

دراسة مقارنة

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأوَّلين والآخِرين، وقيُّوم السموات والأرَضين، وأشهد أنَّ محمدًا إمامُ المتقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه ومن تَبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلقد اهتمَّت جملةٌ من القوانين والأنظمة بطريقةِ وكيفيَّة سير الدعوى القضائيَّة؛ فوضعَت القواعدَ وسنَّت الطرقَ لردِّ المظالم لأهلها وإيصال الحق لمستحقِّه وإقامته، وأطلق المقنِّنون عليه نظام أو قانون المرافعات.

فهذا النِّظام هو عبارة عن رسم طريق نظاميٍّ لدعوى المدَّعي لأخذ حقه أمام القضاء، ويتوقَّف اختصاص هذا النِّظام عند حدٍّ معيَّن ونهايةٍ محددة؛ وهو مجرَّد إصدار القاضي للحكم، ولا يَنظر هذا النَّظام للطريق المتمم والمكمل للحكم وفائدته؛ ألا وهو (تنفيذ الحكم).

فتنفيذ الحكم القضائي مرتبط ارتباطًا قويًّا بالحكم؛ بل هو ثمرة الحكم القضائي، فليس للحكم قيمة بدون تنفيذٍ بالجملة، ويعظم أمر التنفيذ للحكم إذا كان يَستلزم تنفيذ عقوبة جنائيَّة؛ فالتهاون بتنفيذ العقوبة الجنائيَّة - التي يعتبر تنفيذ عقوبتها قوَّة رادعة عن انتشار الجريمة وفشوها - يؤدِّي في النِّهاية إلى التلاعب بالأحكام القضائية والاستهانة بها، وتذهب بذلك هيبةُ الحكم القضائي، ويصبح الترافُع أمام القضاء وإصدار الحكم مجرَّدَ إجراء صوري لا قيمة له، فتنتفي الحِكمةُ من إيقاع العقوبة بالرَّدع عن الوقوع في الجريمة، فالله سبحانه وتعالى لمَّا وضع عقوبةً للقتل العمد وصف هذه العقوبة بأنَّها حياة، فقال سبحانه: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، فعقوبة القصاص التي هي قتْل مَن قَتَل هي استمرارٌ للحياة، ونفيٌ لجريمة القتل وإيقافها بين الناس، وكما قالت العرب قديمًا: "القتل أَنْفَى للقتل".

ولمَّا كان لتنفيذ الأحكام هذه الأهمية العظيمة، كان من المفترض أن يُسنَد الإشراف عليه إلى جهة مستقلَّة عن السلطة التنفيذية، وأولى هذه الجهات بالإشراف هي الجهة المُصدِرة للحكم؛ وهي الجهة القضائية ذاتها.

ولقد اعتنَت القوانين الوضعيَّة بأهمية هذا الموضوع وأدركَت ضرورته؛ فأنشأَت جهةً قضائية تشرِف على تنفيذ الأحكام؛ وهي ما يطلَق عليها (قضاء التنفيذ)، ووضعَت تلك القوانين مشرفًا على التنفيذ وقاضيًا للتنفيذ، وحدَّدَت اختصاصات كلٍّ منهما، وحدودَ ولايته، ومدى سلطته، وتوسَّعوا في ذلك حتى ظنَّ البعض أنَّ نظام قضاء التنفيذ هو نظام من ابتِكار القوانين الوضعية، والواقع أنَّ أصل نظام قضاء التنفيذ هو نظام إسلامي تكاملَت صورته - مقنَّنة ومنظَّمة - في عهد الدولة العثمانية، والذي يُطلق عليه سابقًا (نظام الإجراء المؤقت)[1].

فمِن منطلق أهمية الموضوع، ونظرًا لأصله الإسلامي العريق، وواجبنا نحوه بالعناية به - آثرتُ أن أتكلَّم عنه وأدرسه دراسة تأصيليَّة مقارنة بالفقه الإسلامي، وأبيِّن في نهاية البحث أهميَّة وجوده في كلِّ دولة مسلمة.

فلقد استعنتُ بالله وعزمتُ أمري أن أختار موضوعًا يتعلَّق بذلك، وهو:

(إشراف الجهة القضائية على تنفيذ العقوبات الجنائية).

وسوف أتكلَّم عن الإشراف القضائي من ناحية تنظيرية، مقارنًا ما أجده في القانون بالفقه الإسلامي؛ وأعني بالقانون هنا هي الكتب القانونية أو شروحها أو أي رسالة علميَّة تعتني وتتحدَّث عن قاضي التنفيذ؛ فإنَّ أعمال المشرف القضائي هي ذاتها أعمال قاضي التنفيذ.

وقد يرِد إشكال هنا: لِمَ لَمْ أعنون لبحثي بنظام قضاء التنفيذ، أو ما شابه ذلك؟ فأقول: إنِّي في الحقيقة قد وضعتُ هذا في الحسبان، لكن اعترض عليَّ بعضُ المختصين، وأخص بالذِّكر أستاذنا د. فؤاد عبدالمنعم، وقال: إنَّ الموضوع إذا كان يتعلَّق بالحديث عن قضاء التنفيذ سيكون طويلاً على بحثٍ تكميليٍّ، ولما نظرتُ في الأمر وقلَّبتُه، رأيتُ أن أسلك طريقًا وسطًا؛ وهو أن أتحدَّث عن أهم وظيفة لقاضي التنفيذ، والتي نحتاجها حاجة ماسَّة في بلادنا المملكة العربية السعودية؛ وهي وظيفة قاضي التنفيذ بإشرافه على تنفيذ العقوبات الجنائية.

فهرس الموضوعات