دور رياض الأطفال في غرس خلق الإيثار من وجهة نظر المعلمات بمدينة الرياض

ملخص الرسالة

دور رياض الأطفال في غرس خلق الإيثار

من وجهة نظر المعلمات بمدينة الرياض

المقدمة:

1 - 1: تمهيد للدراسة:

الطفولة هي المرحلة التي تبدأ من الولادة حتى البلوغ، ويعتمد الطفل في هذه المرحلة على غيره أكثر من مرحلة الشباب في تلبية احتياجاته، والتعهُّد له بالتغذية، والرعاية، والتوجيه، وهي المرحلة التي تتشكل وتتبلْوَر فيها قِيم ومُثُل ومبادئ الفرد الأساسية، والتمييز بين الخطأ والصواب، وتكوين الضمير؛ ليكون إنسانًا صالحًا يُعتمد عليه في بناء مستقبل الأمَّة الإسلامية.

وإن المراحل العمرية التي يمر بها الفرد تؤثِّر في بناء شخصيته، ولكن مرحلة الطفولة - وبالأخص الطفولة المبكرة - لها الأثرُ البالغ؛ لذلك وجدَت أكثرُ الدراسات العلمية أن ذكاء الأطفال يسير بسرعة بين (2 - 5) سنوات، وأن التعلُّم فيها يكون أسرع، وأيضًا أن 50 % من المكتسبات الذهنية تكون من تلك المرحلة؛ (الشاش، 1341 هـ، ص 31).

وقد أكدَت مدرسةُ التحليل النفسي على أهمية السنوات الخمس الأولى من حياه الفرد؛ لأنها تعتبر نواة وأساس شخصيته، فإذا وُضعَت فيها أسس غير سويَّة أو غير سليمة شبَّ الطفل مريضًا عاجزًا عن التوافق السليم؛ (الحكمي وحمام ومصطفى، 1323 هـ، ص 101).

لذلك زاد الإقبال على رياض الأطفال؛ بسبب انتشار الوعي بأهمية السنوات الأولى من حياة الطفل؛ فالطفلُ في هذه المرحلة يتميز بالمرونة، والقابليَّة للتعلم، إذا أُتيحت له بيئة متكاملة.

فوظيفة الروضة تقديم الخبرات المناسبة التي تؤدِّي إلى نموِّ الطفل نموًّا جسميًّا، وعقليًّا، وخلقيًّا، وانفعاليًّا؛ لأن السلوكيات الخلقية والاجتماعية التي نريد تزويدَ أطفالنا بها، وغرسها في نفوسهم تتأصلُ لو بدأنا تعليمهم وتدريبَهم عليها في سنواتهم الخمس الأولى.

ويرى الناصر ودرويش (1411 هـ، ص 356): أن سِنَّ قبل السادسة للطفل ليس سن تعليم، وإنما هي مرحلةُ تربية وبناء أخلاق، وإعداده للتعلم مستقبلاً.

وذكر عدس ومصلح (1416 هـ، ص 17): أن الروضة ليست بديلاً عن البيت، بل مكمِّلة في أداء مهمة التربية، ولكنها تتميز بكونها مَنفذ الطفل الأوَّل للاختلاط بالعالم الخارجي، كما تغرس فيه عاداتٍ اجتماعيَّة مقبولة؛ من حيث التعامل واحترام حقوق الغير.

ويرى محفوظ (ب ت، ص 11): أن "التربية التي يقصدها الإسلام، هي أن يُتعهَّد المربَّى تعهُّدًا يبلغه الكمال المهيَّأ له، والمربَّى تستقبله بيئته؛ فهو يحتاج إلى مُربٍّ، هذا المربي هو الذي ينقل له القضايا التي تشكل (خَميرة) سلوكه في الحياة"، وهدفها تكوين النموذج المتكامل للشخصية، وأكبر قدوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم.

مما سبق يتضح لنا أن الروضةَ هي المؤسسة التربوية الأولى للطفل؛ فمعلِّمةُ الروضة تحدِّد الأخلاقيات التي يمكن لأطفال الروضة اكتسابها، والتي يريدها المجتمعُ، ويتقبَّل الفردَ المتحلي بها، وذلك يتم خلال التعاون بين البيتِ والروضة، حتى لا يكون هناك اختلاف في مفهوم خُلُق معيَّن لدى الطفل.

فالأخلاق في الإسلام نظامٌ متكامل، يوجِّه ويضبط سلوكَ الإنسان، ويضعه على الطريق الصحيح؛ لكي تستقيم حياتُه في جميع جوانبها.

لذلك يجب تعويد وتدريب الطفل على فعل مكارم الأخلاق، حتى تكون لديه عادة سهلة؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الخيرُ عادة، والشرُّ لَجَاجَة، ومَن يُرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين))؛ [رواه: ابن ماجه: 221]؛ لأن أسلوب العادة من أنجح الأساليب في بناء الخلق الكريم، ويكون أكثر تأثيرًا إذا غرس في مرحلة الطفولة (جوهري، 1422 هـ، ص 62).

وقد دعت الشريعةُ الإسلامية إلى تربية الطفل على كثيرٍ من الآداب والأخلاق؛ كأدب الطعام، والشراب، والاستئذان، والحديث، وغيرها، وأيضًا عدد من الأخلاق؛ كالصدق، والأمانة، والقناعة، والشكر، والحبِّ، والإيثار، ولكن سوف يكون التركيز في هذا البحث على خُلق الإيثار، وغرسه لدى الأطفال؛ لأن الطفل في هذه المرحلة يتَّسم سلوكُه الاجتماعي بالأنانية، وحبِّ التملُّك، ولا يهتم بالآخرين، وأكد ذلك كالفى (1415 هـ، ص53) بقوله: "تتَّسم علاقة الصغير بالكبير في هذه المرحلة السِّنِّية [مرحلة الطفولة المبكرة] بالإحساس بالغيرة، التي تتجلى في علاقته بأقرانه، غير أنه شعور بالحاجة إلى التملُّك التي يحسها الطفل تجاه والده الذي هو من الجنس المخالف له، كما أنها إحدى تبعات (الأنا المركزية)، و(أنانية الطفولة)"، ولأن الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، ولا يستطيع العيش دون الجماعة، ولكي تتقبلك هذه الجماعة لا بدَّ أن تعطي ولا تكتفي بالأخذ فقط؛ لأن كلَّ فرد يَرى كمالَه عند الآخر.

والإيثار هو تفضيلُ الإنسان غيرَه على نفسه في الخير، وحب البذل، والعطاء، وترك الأنانية، وحب التملك، وقد أثنى اللهُ سبحانه وتعالى على من يتَّصف بهذه الصفة، فقال سبحانه: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، ولقد ضرب لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المثلَ في تحمُّله للأذى، وإيثار المسلمين على نفسه، وسوف أتطرَّق إلى أمثلة عن إيثار الرسول صلى الله عليه وسلم وإيثار صحابته في المبحث الثاني.

وقد أشارت هيام شاهين (2010 م، ص 78) إلى أن السلوك الإيثاري لدى الأبناء يرتبط بالسلوك الإيثاري لدى الآباء، وأن الأسرةَ التي تتَّسم بالإيجابية يزداد لديها السلوك الإيثاري.

وإذا كان الطفل قادرًا على إقامة علاقات اجتماعيه جيِّدة مع الآخرين، ويتفاعل مع المجتمع المحيط به، فهذا دليلٌ على صحة الطفل النفسية.

1 - 2: موضوع الدراسة:

تعدُّ مرحلة رياض الأطفال من المراحل الأساسيَّة، وهي المتنفس الأول للطفل، فيلتقي من خلالها بالعالم الخارجي المحيط به، فيتفاعَل معه ويؤثِّر ويتأثر به، فيختار الوالدان بيئةً صالحة (روضة أطفال) تعزِّز في طفلهم القِيَم، والأخلاقَ الفاضلة، التي يرضاها الدين الإسلامي، والمجتمع الذي يعيش فيه الطفل.

فهرس المحتويات

مستخلص الدراسة:

عنوان الدراسة:

(دور رياض الأطفال في غرس خُلُق الإيثار من وجهة نظر المعلمات بمدينة الرياض).

هدفَت الدراسةُ إلى الكشف عن دور رياض الأطفال في غرس خُلق الإيثار، وبيان الأساليب التربوية المتبعة لغرس خلق الإيثار، وإيضاح بعض الفوائد التي تعود على الفرد والجماعة من غرس خلق الإيثار في نفوس الأطفال.

وقد تكونَت هذه الدراسة من خمسة فصول، بالإضافة إلى المراجع والملاحق، وقد اشتمل الفصلُ الأول على مقدمة البحث، ومشكلته، وأسئلته، وأهدافه، وحدودِه، وأهميته، ثم أهمِّ المصطلحات التي استخدمت في البحث.

وفي الفصل الثاني تم تناول الإطار النظري للدراسة، وقد تكون من ثلاثة مباحث، أستعرض فيها مفهومَ الطفولة، ومرحلة الطفولة المبكرة، وتربية الطفل في الإسلام، والمؤسسات التربوية (رياض الأطفال)، والإيثار في القرآن والسنة النبوية، ومعناه وحقيقته وأنواعه وفوائده، والأساليب التربوية، وخطوات تعديل السلوك.

وأيضًا تم استعراض عدد من الدراسات السابقة ذاتِ الصلة بموضوع الدراسة، ومن ثَم التعقيب والتعليق على هذه الدراسات، موضحة مدى التشابه والاختلاف مع الدراسة الحالية.

وفي الفصل الثالث تناولَت الباحثةُ منهجية البحث وإجراءاته؛ حيث اعتمد على المنهج الوصفي - المسحي - واشتمل مجتمعُ البحث على معلِّمات رياض الأطفال في المدارس الحكومية، وتكونت عينةُ الدراسة من 72 معلمة، وأداة الدراسة هي استبانة مكوَّنة من 55 عبارة مقسَّمة على أربعة محاور.

وفي الفصل الرابع تناولَت الباحثةُ عرضًا تحليليًّا لنتائج الدراسة من خلال الإجابة عن أسئلة الدراسة، وقد أظهرت النتائج ما يلي:

1 - أن سلوك الطفل يُكتسب من الأسرة بدرجةٍ كبيرة، ثم من المدرسة.

2 - تلعب الروضة دورًا مؤثِّرًا في تشكيل سلوك الطفل أثناء التفاعل الاجتماعي.

3 - أن معظم الألعاب تتم بشكلٍ جماعيٍّ، وبالتالي فهي ترتبطُ بشكل كبير بسلوك الطفل ومدى حبه لغيره ولنفسه، ومدى الأنانية أو التعاون لديه.

4 - أن الطفل في هذه المرحلة يُحب مشاركةَ الأصدقاء في الأعمال والحديث، ويدع الأطفالَ يشاركونه في طعامه وفي لعبه.

5 - يقع على المعلمة مسؤولية كبيرة في تصحيح المفاهيم الخلقية والاجتماعية لدى الطفل، وإكساب الأطفال مفاهيمَ تعزز لديهم التفاعلَ الاجتماعي وآداب اللعب والمشاركة.

واشتمل الفصلُ الخامس على خلاصة الدراسة وأهم توصياتها ومقترحاتها.