انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل (دراسة مقارنة)

ملخص الرسالة

انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيقوم الضمان بكافة صوره منذ العصور القديمة بدور هام في تشجيع الائتمان، وتنشيط عمليات التسليف؛ إذ قلما نجد في التعامل مَن يقبل بأن يمنح الغير ما يحتاج إليه من مال أو أجل، بغير ضمان كافٍ يُؤمِّنُه من خطر إعسار المدين، ويضمن له الوفاء بحقه كاملاً.

وإننا نلاحظ أن ما يحصل عليه المدين عادةً من ائتمان يقدر دائمًا بالضمانات التي يقدمها.

ومما لا شك فيه أن احترام الالتزامات أصبح الآن من الضرورات القُصوى للحياة الاقتصادية، وإنه لمن السهل تصور مدى ما يلحق هذه الحياة من اضطراب إذا ما تخلف المدينون فجأة عن الوفاء بالتزاماتهم.

إن عدم تنفيذ الالتزام يُعدُّ انقطاعًا للتوازن الاقتصادي المؤسَّس على الثقة؛ لأنه إذا كان الالتزام عَلاقةً قانونيةً بين شخصين، هما الدائن والمدين، إلا أن عدم تنفيذه قد يمسُّ الغير؛ لما له من صدًى اجتماعي واقتصادي، فالحياة الاقتصادية ما هي إلا سلسلة من الالتزامات المتداخلة.

ولئن كان الأصل يقضي باعتماد الدائن على ذمة مَدِينه في الوفاء، وأن يستجيب المدين إلى عنصر المديونية في الالتزام، فينفذ الأداء الملقَى على عاتقه طوعًا واختيارًا.

وهو في ذلك يؤدي واجبًا دينيًّا وقانونيًّا، من شأن إنفاذه تدعيمُ الثقة في التعامل، وتشجيع الائتمان، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].

إلا أن هذا الأصل قد يعتريه من الوهن ما يستأهل العمل على تدعيم ثقة الدائن في مدينه، والحفاظ على حقوقه.

ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية، وكذلك في النظم الوضعية، قد عُنِيَتا بضرورة الوفاء بالحقوق، وسنَّتا لذلك من الوسائل ما يكفل حصول الدائن على حقه، ويجعله في مأمن من الجحود أو الضياع.

ومن ذلك ما يتمثَّل في وسيلتَي الكفالة والحوالة؛ إذ لا شك أن ضمَّ ذمة أخرى إلى ذمة المدين إنما يزيد من احتمالات حصول الدائن على حقه، كما أن استبدال ذمة المحيل بذمة المحال عليه يزيد من احتمالات حصول الدائن على حقه كذلك.

ولكن مع ذلك، فإنه قد تأكَّد - ومن خلال الواقع والممارسات العملية - عدمُ كفاية الضمان العام، والضمانات الشخصية الأخرى، في توفير حماية فعَّالة وكاملة للدائنين.

لذا ظهرت أهمية الضمانات العينية، ومن بينها الضمان العيني العقاري؛ لما تقدمه للائتمان العام وللدائنين من حماية فعَّالة، تقيهم من مخاطر احتيال المدينين، وتهريب أموالهم وإفلاسهم.

لذلك رأيت أن يكون موضوع "انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل" موضوعًا بحثيًّا، باعتباره من الوسائل الشرعية والنظامية الفعَّالة في حماية الائتمان والعاملات المالية: المدنية، والتجارية، على السواء.

ومما هو جدير بالذكر: أن الرهن العقاري، أو الرسمي، أو التأميني، هي أسماء لمعنًى واحد، واخترت "الرهن العقاري المسجل"؛ لموافقته لمسمَّى مشروع النظام الذي يناقش حاليًّا في مجلس الشورى.

ولقد أرفقتُ في آخر هذا البحث صورةً من مشروع نظام الرهن العقاري المسجل، والذي يحتوي على ثلاثة فصول:

الفصل الأول: تتحدث مواده عن (إنشاء الرهن)، ويتكون من عشر مواد.

الفصل الثاني: تتحدث مواده عن (آثار الرهن)، فتبدأ بالحديث عن (الراهن) في خمس مواد، ثم عن (المرهون) في مادتين، تم عن (المرتهن) في أربع مواد، ثم عن (حق الغير) في ثلاث مواد، ثم عن (حق التقدم) في ثلاث مواد أيضًا، تم عن (حق التتبع) في اثنتي عشرة مادة، وإذًا تكون مجموع مواد هذا الفصل تسعًا وعشرين مادة.

الفصل الثالث: فيتحدث عن (انقضاء الرهن العقاري)، ويتكون من عشر مواد، ويكون مجموع مواد المشروع بذلك تسعًا وأربعين مادة.

أهمية الموضوع

تأتي أهمية موضوع هذا البحث (انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل) باعتبار الرهن العقاري المسجل موضوعًا لأحد الأنظمة الجديدة، والتي تعتبر جزءًا من حزمة أنظمة التمويل العقاري المتوقع صدورها قريبًا في المملكة، أو تبرز أهمية انعقاد هذا العقد على وجه الخصوص لكونه الأساسَ في الالتزام الناشئ بين المتعاقدين، والذي سيكون مفتاحًا لتطوير السوق العقارية من خلال توفير الضمانات النظامية الكافية للمستثمرين العقاريين، وتجعل السوق العقارية أكثر جاذبية للاستثمارات الداخلية والخارجية للاستثمار في السوق المحلية.

وكذلك يعتبر الالتزام الناشئ عن "عقد الرهن العقاري المسجل" حجرَ الزاوية لحل أزمة الإسكان العقاري؛ مما يساعد على توازن العرض والطلب، أو ذلك انسجامًا مع الأهداف والغايات التي تهدف لها الحكومة، لأجل حل أزمة الإسكان؛ حيث إن عدم توافُرِ ضمانات كافية للمستثمرين المقرضين دفَعَ بالسيولة المالية إلى منتجات عقارية لا تُحقق مَنفعةً عامة، مثل: الأراضي الخام التي تحولت إلى وسيلة لتدوير رؤوس الأموال، ولكن مع صدور النظام الجديد الذي وضع البنية التنظيمية "لعقد الرهن العقاري" سيؤدي ذلك إلى توفير قنوات استثمارية جديدة، من خلال تحويل الأصول العقارية إلى سيولة مالية تضخ في الاقتصاد المحلي، مساهمة في حل أزمة الإسكان، ومع إبرام عقد الرهن العقاري بين الراهن والمرتهن (المستفيد والممول المستثمر) فإن ذلك سيوفِّر عملية إجرائية واضحة لتعزيز الائتمان وتوفير ضمانات للدائنين؛ مما يشجعهم على إقراض الراغبين في التملك العقاري، وزيادة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

أسباب اختيار الموضوع:

إيمانًا بأهمية الدور الذي يقوم به البحث العلمي في الارتقاء بالحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية؛ باعتباره ثمرةَ العملية التعليمية؛ ولقرب صدور نظام الرهن العقاري المسجل، والذي سيشكل البِنية التنظيمية اللازمة لشرعية "عقد الرهن العقاري المسجل"، وما سينتج عن هذا العقد - بإذن الله - من تعزيز ومواكبة لما تشهدُه المملكة العربية السعودية من نهضة حضارية عملاقة، هي نتيجة مُتوقَّعةٌ لخطط التنمية والتطوير التي وضعتها القيادة الحكيمة، كان من الأهمية بمكان أن يُسلَّط الضوء على معنى عقد الرهن العقاري، وأحكامه، وانقضائه.

ولما قد يستشكِلُه البعض تجاهَ أحكام هذا العقد من الناحية الشرعية والنظامية.

ولقد اخترتُ أن يكون موضوعي لنيل درجة الماجستير عن "انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل"، مستعرضًا إياه من الناحيتين النظامية والفقهية.

وللأسباب المذكورة آنفًا؛ خضتُ غِمارَ هذا البحث مستعينًا بالله تعالى، ثم برعاية مشرفي الفاضل الدكتور مصطفى الباز.

ورغم علمي بأن فيه كثيرًا من الصِّعاب التي تواجه الباحث الذي يُنقِّبُ عن أمور مستحدثة، قد لا يجد لها السند الفقهي؛ فكثير من الأحكام النظامية المعلقة بالرهن لم تُدرَسْ دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية إلا عند النَّزْرِ القليل من الفقهاء المُحْدَثين، والذين وجدتُ في اجتهاداتهم عونًا كبيرًا لي في هذا المضمار، كما اطَّلعتُ على بعض رسائل الماجستير، ورسائل الدكتوراه، وهذا ما سأتحدث عنه في الفقرة التالية.

الدراسات السابقة:

بعد رجوعي إلى دليل الرسائل العلمية المسجلة بالمعهد العالي للقضاء، أو دليل مكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة جامعة الملك سعود وغيرهما، لم أجد أحدًا من الباحثين قد كتب في هذا الموضوع كتابة مستقلة أكاديمية مقارنة بالفقه والنظام.

حيث إن ما وقفتُ عليه من الرسائل كان يتحدث إما: عن الرهن الحيازي، أو التجاري فقط، ولم يتناول أحدٌ موضوع الرهن العقاري / الرسمي، فضلاً عن انعقاده.

حيث إن الرهن العقاري أو الرسمي هما اسمان لمعنى واحد، واخترت العقاري بدلاً من الرسمي لموافقته لمسمى مشروع النظام الذي يناقش حاليًّا في مجلس الشورى.

ومن تلك الرسائل التي اطلعت عليها:

1- الرهن في الفقه الإسلامي، للباحث: مبارك الدعيلج، وهي رسالة دكتوراه بالمعهد العالي للقضاء.

2- الرهن التجاري وانقضاؤه، للباحث: ساعد الزهراني، وهي رسالة ماجستير بالمعهد العالي للقضاء لعام 1426 هـ.

3- الرهن في الشريعة الإسلامية مقارنًا بالقانون الوضعي، للباحث: علي الجمعة، وهي رسالة ماجستير بالمعهد العالي للقضاء لعام 1391 هـ.

وتختلف رسالتي عن هذه الرسالة بتناولها موضوع الرهن العقاري / الرسمي، بينما لم يتطرق الزميل إلى ذلك الموضوع، حيث قارن بين الرهن الحيازي في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي.

وبعدما فرغ من هذه المقارنة التي استغرقت كل الرسالة تقريبًا، ذكر أن الرهن الرسمي موجود في القانون الوضعي فقط، وأن الفقه الإسلامي لا يعرف الرهن الرسمي؛ لذلك فإنه سيتجاوز المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في هذا النوع من الرهن.

منهج البحث:

أولاً: أساليب البحث:

الْتزمْتُ في بحثي بما يناسبه من الأساليب الآتية:

1- الأسلوب التأصيلي، بإرجاع كل رأي أو مسألة إلى أصولها، وتوثيق المعلومة من مواردها.

2- الأسلوب النقدي، بتقويم الرأي أو الدليل، والحكم عليه.

3- أسلوب المقارنة، بين المذاهب الفقهية، وبينها وبين الأنظمة.

ثانيًا: إجراءات البحث:

في إعداد البحث اتَّبعتُ الخطوات الآتية:

1- العناية باختيار الموضوع وعنوان البحث.

2- تحديد مشكلة البحث، وبيان أهدافه، والدراسات السابقة.

3- جمع المادة العلمية من مصادرها الأصلية.

4- صياغة البحث بأسلوب علمي دقيق وواضح.

5- العناية بالتعريف بالألفاظ الغريبة والمصطلحات العلمية الواردة في البحث.

6- توثيق النصوص والمقولات من مصادرها.

7- عزو الآيات القرآنية الكريمة، وتخريج الأحاديث والآثار من دواوينها.

8- العناية بالمسائل الخلافية بذكر الأقوال بأدلتها ثم الترجيح بينها.

9- المقارنة بين النظام والفقه، مبتدئًا بما يقتضيه البحث.

10- ترجمة الأعلام غير المشهورة.

11- التزام علامات الترقيم المتعارف عليها.

12- ذكر التطبيقات القضائية التي تتطلبها الدراسة متى وجدت، مع تحليلها.

13- الالتزام بالخطة المعتمدة من القسم المختص.

14- وضع خاتمة في نهاية البحث تتضمن نتائج البحث والتوصيات المناسبة.

15- عمل الفهارس اللازمة.

16- إخراج البحث وطباعتُه وفق تعليمات القسم والنموذج المعتمد.

خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة، وفصل تمهيدي، وفصلين، وخاتمة.

المقدمة، وتشتمل على:

1- تمهيد.

2- أهمية الموضوع.

3- أسباب اختيار الموضوع.

4- الدراسات السابقة.

5- منهج البحث.

وفصل تمهيدي، ويشتمل على تعريف مفردات العنوان:

المبحث الأول: تعريف الانعقاد.

المبحث الثاني: تعريف العقد.

المبحث الثالث: تعريف الرهن.

المبحث الرابع: مفهوم التسجيل.

المبحث الخامس: مفهوم عقد الرهن العقاري المسجل مركبًا.

الفصل الأول: خصائص عقد الرهن العقاري، ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: خصائص عقد الرهن العقاري المسجل في النظام.

المبحث الثاني: خصائص عقد الرهن العقاري في الفقه الإسلامي وعلاقتها بالنظام.

الفصل الثاني: شروط انعقاد عقد الرهن العقاري المسجل فقهًا ونظامًا، ويشمل مبحثين:

المبحث الأول: الشروط الموضوعية في عقد الرهن العقاري المسجل فقهًا ونظامًا.

المطلب الأول: الشروط الموضوعية لعقد الرهن العقاري المسجل في الفقه.

المطلب الثاني: الشروط الموضوعية لعقد الرهن العقاري المسجل في النظام.

المطلب الثالث: المقارنة بين الشروط الموضوعية لعقد الرهن العقاري في الفقه والنظام.

المبحث الثاني: الشروط الشكلية في عقد الرهن العقاري فقهًا ونظامًا.

• الخاتمة، وفيها أهم النتائج والتوصيات.

• المراجع.

• الفهارس.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المحتويات