الألفاظ الدالة على الخلق في التراث اللغوي العبري والتراث اللغوي العربي

ملخص الرسالة

الألفاظ الدالة على الخلق في التراث اللغوي العبري والتراث اللغوي العربي دراسة دلالية مقارنة

مقدمة من الباحث

عبدالحميد رجب جيوشي

إشراف

د/ آمال محمد عبدالرحمن ربيع

أستاذ اللغة العبرية وعلم اللغة المقارن المساعد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم

د/ ربيع عبدالسلام خلف

أستاذ علم اللغة المساعد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم

1429هـ - 2008م

مقدمة:

الحمد لله القائل في مُحكم التنزيل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعدُ:

يدرس هذا البحث الألفاظ الدالة على الخَلْق[1] في التراث اللغوي العِبري: أسفار العهد القديم[2] نموذجًا، والتراث اللغوي العربي: القرآن الكريم نموذجًا، دراسة دلاليَّة مقارنة؛ ولذا فإني اعتمدْتُ في دراسة الألفاظ الخاصة بموضوع البحث على نصَّين يمثِّلان اللغتين، وهما: أسفار العهد القديم، تمثِّل التراث اللغوي العبري، والقرآن الكريم يمثِّل التراث اللغوي العربي.

كما أنَّ لغة القرآن - من حيث هي أثَر لغوي - فهي تعرض صورة فذَّة لا يُدانيها أثرٌ لغوي في العربية على الإطلاق[3].

ولا يَعزب عن رجال البحث العلمي اللغوي ما في النموذجين من اتصال وثيقٍ بموضوع الخَلْق؛ لذا كان اختياري لنصٍّ لغوي هو القرآن الكريم، وأسفار العهد القديم، وتقتضي طبيعة الدراسات المقارنة أن تقومَ على نصين لُغويين من لغتين تنتميان إلى أُسرة لغويَّة واحدة؛ لذلك كان اختيار العهد القديم؛ لأنه نموذج يمثِّل اللغة العبرية القديمة، ومنه تَستقي الأبحاث المقارنة للغات السامية شواهدها.

ولقد اتَّجهتُ إلى دراسة هذا الموضوع لعدة أسباب، منها:

1- أنَّ موضوع البحث متعلِّق بكتاب الله، المَنبع الدائم الذي تحتاج إليه كلُّ العلوم، وخاصة اللغوية التي تستقي منه القواعد والأصول والشواهد.

2- الوقوف على دَلالات الألفاظ الدَّالة على الخلْق في لغة القرآن الكريم: اللغة العربية، ولغة أسفار العهد القديم: اللغة العبريَّة.

3- الإسهام من خلال نتائج هذه الدراسة في الدراسات اللغوية المقارنة بين اللغات السامية.

4- أنَّ هذه الدراسة تَجمع ضمن مباحثها بين بعض المستويات اللغوية في إطار الموضوع محل الدراسة.

5- اتِّباعًا لنَهْج علمائنا في دراسة لُغتنا في ضوء علم اللغة الحديث، ولأننا نحن - أبناءَ العربية - في حاجة ماسَّة إلى دراسة التراث اللغوي العربي في ضوء علم اللغة الحديث؛ ولذا آثَرت اختيار فكرة دراسة الألفاظ الدَّالة على الخَلْق في ضوء المنهج المقارن، وفي ضوء مُعطَيات نظرية المجالات الدلاليَّة، والاستعانة بمعطيَّات كلٍّ من "نظرية التحليل التكويني، ونظرية السياق"؛ بهدف الوقوف على دَلالات هذه الألفاظ، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها في لُغتين من أُسرة لُغوية واحدة.

منهج الدراسة:

أمَّا منهج البحث في هذه الدراسة، فإنه يتألَّف من المنهج الوصفي، باعتبار أنَّ المنهج الوصفي منهج تحليلي في الأساس، والمنهج المقارن باعتبار أنَّ الدراسة تقوم على نصَّين لغويين من لغتين تنتميان إلى فصيلة لغوية واحدة؛ حيث يستعين الباحث بهذا المنهج في تحليل ومقارنة الألفاظ دَلاليًّا، وتوضيح أوجُه الاتِّفاق والاختلاف بين الدَّلالات اللغويَّة للألفاظ محل الدراسة في اللغتين العربية والعبريَّة.

خُطَّة الدراسة:

اعتمَدْتُ في هذه الدراسة على تطبيق نظرية المجالات الدَّلاليَّة، فقد قسَّمت الألفاظ الدالة على الخلْق إلى مجالات دَلاليَّة، وقسَّمت كلَّ مجال إلى مجموعتين فرعيَّتين، تضمُّ الأولى الألفاظ "الأسماء" الدالة على المخلوق، والثانية تتناول الألفاظ - أسماءً وأفعالاً - الدالة على عملية الخلق.

وقد وضَعت الأسماء في صدر المجموعة، ثم ثنَّيْت بالأفعال، وقد أوْرَدت الشواهد التي تمثِّل الدلالات، مع الإشارة إلى المواضع التي ورَد فيها اللفظ.

ففي القرآن الكريم أذكر الآية، ثم أذكر اسم السورة، ثم رقْم الآية يفصل بينهما شرطة مائلة هكذا (/)، مع وضْع اسم السورة ورقْم الآية بين معقوفين هكذا [/]، أمَّا في الجانب العبري، فذَكَرت الفقرة مع الإشارة في الهامش إلى موضعه، واكْتَفَيت بذِكر اسم السِّفر، ثم ذكَرت رقْم الإصحاح، ثم رقم الفقرة، وقد قُمت بترجمة الشاهد في النص إلى اللغة العربية، مع الإشارة إلى موضعه مُترجمًا بالعربية بذِكر اسم السفر، ثم رقْم الإصحاح، ثم رقْم الفقرة يَفصل بينهما شرطة مائلة هكذا (/).

وقد اتَّبعت في دراسة كل مجال دَلالي الخُطوات الآتية:

1- دارسة الأسماء أولاً، ثم الأفعال محل الدراسة.

2- دراسة كل لفظٍ على حِدَة على النحو الآتي.

أ- بيان الصيغة الصرفية، والوظيفة الصرفية لهذه الصيغة ودَلالتها، مع الإشارة إلى وزن اللفظ، ونوعه أو جنسه النحوي الذي ينتمي إليه.

ب- دراسة اللفظ في المعجم، وما يُشير إليه من وَحدات دَلاليَّة.

ج- ذِكر أمثلة تمثِّل دَلالة اللفظ، مع بيان المعنى الذي يُشير إليه في موضعه الذي ورَد به في سياقه، وبيان عدد المعاني أو الوجوه التي ورَد بها، مع إيراد أمثلة لكلِّ معنًى من هذه المعاني، موضِّحًا المعنى الذي اختصَّ به اللفظ.

د- وَضْع جدول في نهاية دراسة الألفاظ في كلِّ مجال، هذا الجدول يوضِّح نقاط الالتقاء والتقارب الدَّلالي بين ألفاظ كلِّ مجال على حِدَة: "جدول التحليل التكويني"[4].

وقد جعَلت لكلِّ مجال عام منها فصلاً مستقلاًّ؛ ولذا فقد بنَيت هذه الرسالة على مقدِّمة وتمهيد وخمسة فصول، وخاتمة بنتائج الدراسة، ثم ثبَتٍ بالمصادر والمراجع التي أفادَت منها الدراسة، وقد جاءت فصول الدراسة على النحو التالي:

الفصل الأول: نظريات دراسة المعنى.

الفصل الثاني: ألفاظ السماء وخَلقها.

الفصل الثالث: ألفاظ الأرض وخَلقها.

الفصل الرابع: ألفاظ الإنسان وخَلقه.

الفصل الخامس: ألفاظ مادة الخَلق.

الدراسات السابقة:

أمَّا عن الدراسات السابقة لهذا الموضوع، فيبدو لي أنه لا توجد دراسات تتناول الألفاظ الدالة على الخلق في التراث اللغوي العبري: "أسفار العهد القديم نموذجًا" والتراث اللغوي العربي: "القرآن الكريم نموذجًا" في إطار الدراسات اللغوية المقارنة في مصر.

وأمَّا عن أهم الصعوبات التي واجَهت الباحث، فقد تمثَّلت في:

1- نقص المعاجم العبرية التي تتناول التفرِقة بين الكلمات الشديدة التقارُب في معانيها.

2- كثرة الآيات القرآنيَّة والفقرات العبريَّة، وقد تغلَّب الباحث على هذه الصعوبة، من خلال جعْل هذا الكم مَعينًا يستمدُّ منه الأمثلة؛ لإبراز دَلالات العنصر الخاضع للدراسة.

وبعدُ، فهذه دراسة تهتمُّ بدراسة الألفاظ الدالة على الخلق في اللغتين العربية والعبريَّة، في محاولة لتقديم مقارنة بين اللغتين؛ بهدف بيان مدى التقارب والتشابُه اللغوي بين اللغتين من جهة، ومدى التباعد والاختلاف بينهما من جهة أخرى، فاللغتان تشتركان في خصائص لغويَّة تتقارب حينًا وتتباعد حينًا آخر.

وفي إطار ما سَبَق أُقدِّم هذه الدراسة؛ لرَسْم نموذج على المستوى الدلالي للألفاظ الدالة على الخلق في إطار المقارنة بين العربية واللغة العبريَّة، مع الأخْذ في الاعتبار فارق أنَّ اللغة العبرية قد تأثَّرت إلى حدٍّ كبير باللغة العربية.

وأُقدِّم هذه الدراسة للمكتبة العربية، واللهَ تعالى أسأل أن ينفعَ بها، وأن يَجعلني من سَدنة كتابه الكريم، فإن كنت قد وفِّقت، ففضلٌ من الله ونعمة، وإن كانت الأخرى، فحسبي أن حاوَلت، والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ، عليه توكَّلت، وإليه أُنيب، وأسأله التوفيق.

الخاتمة:

وبعد البحث عن دَلالات الألفاظ الدالة على الخلق - في التراث اللغوي العبري: "أسفار العهد القديم نموذجًا"، وفي التراث اللغوي العربي: "القرآن الكريم نموذجًا" - نوجز أهم النتائج والملاحظات الآتية:

1- ظهر واضحًا - من التحليل الدلالي للألفاظ الدالة على الخلق في التراث اللغوي العبري: "أسفار العهد القديم نموذجًا"، والتراث اللغوي العربي: "القرآن الكريم نموذجًا" - اشتراكُها في ملامح دَلاليَّة عامَّة تَجمع بينها في مجال دلالي واحدٍ، مجال الخَلْق بمعناه المصدري الدال على الحدث، ومعناه المصدري الدال على المخلوق.

ومن خلال التحليل الدلالي للألفاظ موضوع البحث، اتَّضح عدم خروج المعاني التي ورَدت بها ألفاظ الخلق عن المعاني العامة للفظ "الخَلق".

2- الألفاظ التي ورَدت في الدلالة على عملية خَلْق المخلوقات: "الإنسان، والسماء، والأرض" - جاءت تعبيرًا عن مراحل الخلق، فكانت علاقتها بمجال الخلق علاقة الجزء بالكلِّ، وعلاقة حدث الخلْق بها علاقة الاشتمال.

3- من بين الألفاظ موضوع الدراسة، نلاحظ مجيء ألفاظ بكثرة متعلقة بموضوع الخلق في القرآن الكريم، أو أسفار العهد القديم، ففي القرآن الكريم لفظ (خلق) بصُوره ومُشتقَّاته، وفي العهد القديم لفظ (עשה)، أمَّا على مستوى الأسماء، فألفاظ الإنسان، والسماء، والأرض، في القرآن الكريم في مقابل אדם. השמים، הארץ في العهد القديم.

4- من خلال البحث وجَدنا علاقة المشترك اللفظي واضحة وموجودة بكثرة بين الألفاظ، فمعظم الألفاظ تدلُّ على أكثر من معنًى واحدٍ في سياقاتها.

وقد يحتمل اللفظ عدَّة دَلالات من خلال السياقات، ولبيان مدى التقارب بين اللفظ وغيره، وضَّحنا ذلك من خلال جدول التحليل التكويني لدلالات الألفاظ في نهاية كل مجال دَلالي.

5- وضَحَ من خلال الدراسة التنوُّع الدلالي لمعظم الألفاظ في مجال الخَلْق، ودَور السياق في تحديد الوجوه الدَّلالية المختلفة للفظ الواحد.

6- أثبتَت الدراسة اقتصار استعمال بعض الألفاظ على النسبة إلى الله تعالى، مثل: لفظ: "خلق - الخالق" في اللغة العربية؛ فاللفظة بدلالة الحدث والصفة لا تجوز لغير الله - عز وجل - لأنَّ الدلالة متعلِّقة بإيجاد الأشياء جميعًا بعد أن لَم تكن موجودة، وإنِ استُعمل لغير الله، فمن باب التقدير.

7- من خلال البحث ورَدت الأفعال مُسندَة إلى الضمائر المعبِّرة عن جلال الخالق "الذات الإلهية" وعظمته، مثل: "خَلقنا" في مقابل (נעשה) = "لنخلق / لنصنع" في العبرية، فاستغلَّ المفسرون والمترجمون في الترجمة السبعينيَّة اللاتينيَّة عن طريق الفهم الخاطئ أو المقصود لضمير العظمة "الذات الإلهية"، بقولهم: إنه تعبير عن الثالوث الأقدس والبلاط الإلهي ودليلهم ورود الفعل بصيغة (נעשה) ومجيء لفظ الرب (אלהים).

8- إطلاق لفظ "خَلَقَ" ومصدره "الخَلْق" على حدث الخَلق في العربيَّة، يقابله لفظ "בָרָא" العبري، كألفاظ أصيلة في الدلالة على الخلق، والألفاظ الأخرى ورَدت في مجال الدلالة على كيفيَّة أو مراحل الخلق في اللغتين، مع الأخذ في الاعتبار ثراء الألفاظ الدالة على الخلق في العربية في الدلالة على تفاصيل الحدث؛ مما يدلُّ على دِقة ألفاظ لغة القرآن الكريم وسلامتها.

9- من خلال البحث لَم يُطلق لفظ "آدم" في لغة القرآن الكريم إلاَّ على الإنسان الأوَّل أبي البشر - عليه السلام - في حين استخدَمت لغة العهد القديم لفظ "אדם" في الدلالة على الإنسان الأوَّل، وأيضًا الإنسان كجنسٍ.

10- انفراد النص القرآني بذِكر حالات مادة الخَلق بدِقة في مقابل قلة ذِكر مادة الخلق في العهد القديم أو حالاتها.

وقد حاوَل هذا البحث تقديم نموذج تطبيقي من خلال الاستعانة بمُعطيات نظريات دراسة المعنى، مثل: "نظرية المجالات الدَّلالية، ونظرية التحليل التكويني، ونظرية السياق" في دراسة الألفاظ الدالة على الخلق في اللغتين العربية والعبرية؛ بهدف تحليل هذه الألفاظ، ومعرفة دقائق الدَّلالات الخاصة بها، وخصائصها والعلاقات بينها.

الفهرس