العلاقات الأسرية في القرآن الكريم

ملخص الرسالة

العلاقات الأسرية في القرآن الكريم

الملخص:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فإن هذا البحث يهدف إلى دراسة العلاقات الأسرية في القرآن الكريم وتتضمن العلاقات الزوجية وعلاقة الآباء بالأبناء، والأبناء بالآباء؛ لإبراز مدى اهتمام الإسلام بالإنسان كمخلوق بشري له حقوق وعليه واجبات.

وقد جاء هذا البحث في: تمهيد وثلاثة فصول رئيسة وخاتمة، جعلت التمهيد للحديث عن الأسرة لغة واصطلاحًا وأهميتها، والزواج لغة واصطلاحًا وأهميته، وجعلت الفصل الأول لتوضيح نظرة القرآن الكريم للعلاقات الزوجية، أما الفصل الثاني فجعلته للحديث عن علاقة الأبناء بالآباء (حقوق الآباء على الأبناء)، وجعلت الفصل الثالث للحديث عن علاقة الآباء بالأبناء (حقوق الأبناء)، ثم ختمت البحث ببيان بعض التوصيات.

المقدمة

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما أمر، والصلاة والسلام على سيد البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد اكتسبت العلاقات الأسرية أهمية كبيرة في الإسلام؛ نظرًا لأن الأسرة أصغر وحدة في بناء المجتمع، وعلى كاهلها تقع مسؤولية إنشاء ورعاية وتربية الأجيال الصاعدة رجال الغد وبُناة المستقبل، وكان للتشريع الإسلامي قصب السبق في مجال تنظيم علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض قبل إنشائها، وبعد ذلك، وما يترتب على كل مرحلة من تَبِعات.

فالإنسان مخلوق مُكرم قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70] وبما أن الإنسان محور رسالة الإسلام، فقد حرصت على رعايته، خاصة عندما لا يستطيع الاستقلال بأمر نفسه وذلك بقصد تربيته، وتدبير شئونه، فأوجبت حضانته صغيرًا والإنفاق عليه من مال أبيه أو من ماله إن وُجِدَ وإلا كفلته الدولة، فهو أغلى ما تملك من رصيد.

وعَنيت الشريعة الإسلامية بالآباء بعد أن يتقدم بهم العُمُر، وأوجبت على الأبناء رعايتهم، وتلبية مطالبهم، وإن قصَّروا هم أنفسهم في تربية أبنائهم فيكفيهم أنهم كانوا السبب الظاهر في وجودهم: ويكفيهم أنه -سبحانه- أَوصى بهم في قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

ولم يسبق أن تناولت القوانين الوضعية العلاقات الزوجية، بهذا التفصيل الدقيق، وما يطرأ عليها من مشاكل وحلول مقترحة لها، كما عالجها التشريع الإسلامي؛ لأنه تشريع رباني مُنزَّل من خالق النفس الإنسانية العالِم بما يُصلحها في الدنيا والآخرة.

سبب اختياري موضوع البحث:

1- التعريف ببعض العلاقات الأسرية، ومدى اعتناء الإسلام بها، وتنظيمها.

2- الرغبة في لمّ َ شعث الموضوع من كتب التفسير، والفقه، والتربية، وجعله في كتاب واحد.

3- تناول الموضوع، وعرضه في حلة جديدة.

4- عرض وجهة نظر الإسلام إلى العلاقات الأسرية ببيان حقوق كل طرف على الطرف الآخر، وواجباته تجاهه.

الجهود السابقة:

يمكن الوقوف على مباحث هذا الموضوع في أمات الكتب الفقهية، وكتب التفسير، وبعض الكتب التربوية، ويمكن القول: إن كتاب "المفصَّل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية" للدكتور عبد الكريم زيدان من أبرز الكتب الحديثة التي عالجت الموضوع بالتفصيل في مواضع مختلفة من الكتاب، وكتاب الدكتور محمد عقلة "نظام الأسرة في الإسلام" بأجزائه الثلاثة قدَّم الكثير له ذا الموضوع، وكذلك كتاب "أحكام الأسرة في الإسلام" لمحمد مصطفى شلبي، وتحت العنوان نفسه كتاب أحمد فراج حسين، وكتاب أحكام وآثار الزوجية شرح مقارن لقانون الأحوال الشخصية لمحمد سماره وغيرها كثير.

منهجية البحث:

استخدمت منهج التفسير الموضوعي الاستقرائي التحليلي في تناولي لموضوع العلاقات الأسرية، فقمت بجمع الآيات القرآنية الكريمة التي تناولت موضوع العلاقات الأسرية واستخرجت تفسيرها من كتب التفسير القديمة والحديثة وعدت إلى كتب الحديث وشروحه فيما يُدعِّم تفسير الآيات، وخرجت الأحاديث وذكرت الحكم عليها واستعنت ببعض الكتب التربوية الحديثة ذات الصلة.

ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في البحث في مسرد التعريف بالأعلام حسب ورود أسمائهم في صفحات الرسالة بالترتيب وكتبت في الهامش انظر ترجمته ص ( ) من مسرد الأعلام.

أما ترتيب المصادر والمراجع فهو حسب ترتيب الحروف الهجائية وحذفت (ابن) و(أبو) و(ال التعريف) من الترتيب واتبعت النظام المعمول بها في توثيق المصادر والمرجع عند ذكر المصدر للمرة الأولى اسم الشهرة ثم اسم المؤلف، عدد المجلدات والطبعة وبلد النشر ودار النشر والسنة إن وُجدت وإلا كتبت د.ت اختصارًا لعبارة الطبعة بدون تاريخ، والجزء إن وُجد والصفحة، فإذا تكرر المرجع بعد ذلك اكتفيت بذكر اسم الشهرة واسم المرجع والجزء والصفحة وقلت مرجع سابق.

وعَمَدت عند تخريج الأحاديث والحكم عليها إلى القول: متفق عليه إذا ورد الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم.

ثم قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول رئيسة، وخاتمة على النحو الآتي:

المقدمة

تمهيد

الفصل الأول: العلاقات الزوجية

المبحث الأول: الحقوق المشتركة بين الزوجين

المطلب الأول: حل استمتاع كل منهما بالآخر

المطلب الثاني: حسن العشرة

المطلب الثالث: حق التوارث بين الزوجين عند انتفاء الموانع

المطلب الرابع: ثبوت نسب الولد للزوج والزوجة

المطلب الخامس: حرمة المصاهرة

المطلب السادس: التعاون بين الزوجين على طاعة الله

المبحث الثاني: حقوق الزوج على زوجته

المطلب الأول: حق الطاعة "القوامة"

المطلب الثاني: القرار في البيت

المطلب الثالث: الحداد على الزوج

المبحث الثالث: حقوق الزوجة على زوجها

المطلب الأول: الحقوق غير المالية

المطلب الثاني: الحقوق المالية

الفصل الثاني: حقوق الآباء على الأبناء

المبحث الأول: بر الوالدين

المبحث الثاني: طاعة الوالدين في غير معصية

المبحث الثالث: الترفق والحسنى في خطاب الأبناء للآباء

الفصل الثالث: حقوق الأبناء على الآباء

المبحث الأول: حقوق الأبناء قبل الولادة

المطلب الأول: شرعية العلاقة بين الأب والأم

المطلب الثاني: اختيار الأم الصالحة

المطلب الثالث: اشتراك الأبوين في أصل الإيمان بالله

المبحث الثاني: حقوق الأبناء بعد الولادة

المطلب الأول: حق النسب والتسمية

المطلب الثاني: حق الرضاعة

المطلب الثالث: حق الحضانة

المطلب الرابع: حق النفقة

المطلب الخامس: المساواة والعدل بين الأبناء لمنع داء الغيرة

المطلب السادس: تعليم الأبناء أدب الاستئذان

المطلب السابع: الرفق واللين في خطاب الآباء للأبناء

الخاتمة: وتتضمن نتائج البحث والتوصيات

وأسأل الله -تعالى- أن يوفقني في عملي هذا، وأن يتقبله مني، وأن يثيبني على القليل كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

الخاتمة

وبعد هذا الجهد المتواضع في إعداد هذا البحث، فإنني أحمد الله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأًصلي وأُسلم وأُبارك على عبده، وخاتم رسله وأنبيائه محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وأن أهم ما توصلت إليه من استنتاجات يمكن تقديمها للقارئ الكريم لتعطيه فكرة عامة عن البحث هي:

1- أن أحكام الإسلام شاملة لكل نواحي حياة الإنسان، صغيرها وكبيرها، فهي تنظم علاقة الإنسان بغيره تنظيمًا دقيقًا يخلو من الثغرات.

2- أن أحكام الإسلام متوازنة لا تحابي طرفًا على حساب غيره، فالمرأة والرجل سواء في الأحكام العامة، ولكل منهما بعض الأحكام الخاصة به.

3- أن أحكام الأسرة مفصلة في التشريع الإسلامي، فالأسرة هي المسئول الأول عن تربية الناشئة. من هذا الموقع الخطير احتل نظام الأسرة في الإسلام مكانة مرموقة من خلال تنظيمه والحث على بنائه على أُسس وقواعد سليمة، وخير مثال على ذلك أحكام الميراث، وأحكام الزواج، وإصلاح ما يطرأ عليه من خلل وإن كان في خصوصيات العلاقة الزوجية.

4- موافقة هذه الأحكام للفطرة السليمة؛ لأنها ربانية المصدر وصالحة ومصلحة لكل زمان ومكان.

5- وجود النسل نتيجة طبيعية للعلاقة الزوجية الشرعية؛ لذا نظم الإسلام صلة الأبناء بالآباء، وحقوق الأبناء مشتملة على النفقة، والحضانة، والنسب والرضاع، وغيرها من الأمور التي يحتاجها الطفل.

6- لكل من الزوجين حقوق على الآخر، ولهما حقوق مشتركة، وقلَّما تجد من يراعي حقوق غيره إلا ما رحم ربي.

7- للآباء حقوق والتزامات على أبنائهم لا تعدو كوَنها ردٌ للجميل الذي قدموه لأبنائهم.

8- للأبناء، وخاصة في بداية حياتهم بل قبل ولادتهم وأُخرى بعدها وخاصة مرحلة الطفولة، حقوقٌ تدور في مجملها حول حمايتهم من الهلاك، أو الضياع، أو التشرّد، فضلًا عن توفير ما يحفظ لهم إنسانيتهم ويوفر لهم العيش الكريم والمستقبل الآمن ما أمكن.

9- المسؤولية الأولى في التعريف بهذه الحقوق وتلك الواجبات، ونشرها بين أفراد المجتمع مسئولية جماعية، لا ينجو منها أي مسئول، كلٌ في موقعه لأن الجهل بها سبب لأكثر المشاكل الأسرية.

التوصيات: توصي الباحثة بما يلي:

1- توعية النساء أولًا ثم ثانيًا ثم ثالثًا؛ لأن المرأة الواعية تبني بيتًا أساسه متين قلما يتعرض للهدم والخراب، أما المرأة الجاهلة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات، فالويل كل الويل لبيت هي أساسه بل هي هادمته من حيث لا تدري.

2- الحرص أشد الحرص على تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية منذ نعومة أظفارهم؛ ليكونوا ذخرًا لآبائهم يوم القيامة.

3- التوافق بين الزوجين من بداية الحياة الزوجية على طريقة تربية الأبناء قبل ولادتهم؛ لأن هذا التوافق يزيل كثيرًا من المشاكل خلال عملية التربية، ويُخرج للمجتمع أفرادًا أسوياء لا يعانون الاضطرابات النفسية، والتي تنشأ عن اختلاف الزوجين كل في طريقة تربتيه.

4- دعم الحكومات للأنشطة الفردية التي تقوم بها بعض المتطوعات في مجال توعية النساء، وتعريفهنّ بحقوقهنّ التي كفلها الإسلام لهنَّ –منذ أربعة عشر قرنًا- قبل وجود الجمعيات والمؤسسات الهدّامة المدعومة من أعداء الإسلام ليقوضوا المجتمع الإسلامي من خلال استهدافهم للنساء غير الواعيات لأهدافهم.

5- عقد دورات وندوات مُنظمَّة في كل حي وفي كل قرية لتوعية الشباب والشابات المُقبلين على الزواج بمالهم وما عليهم من حقوق وواجبات؛ لأن الجهل بهذه الأمور من أكثر أسباب المشاكل الأَسرية وما أكثرها وأَغربها!

6- أن يؤدي المثقفون ضريبة شهاداتهم بأداء أَمانة نشر العلم، ولا ينتظروا من يسألهم حلًا لمشاكلهم، بل الأفضل توعية الشباب والشابات قبل وقوع المشكلات؛ لأن الوقاية خيرٌ من العلاج.

7- ألا يقتصر عمل الوُعاَّظ والواعظات في الحث على أداء العبادات وكيفياتها، وأوقاتها وفضلها، فقد حفظتها العامة عن ظهر قلب والمطلوب تناول ما يطرأ من هموم ومشكلات تعم المجتمع في الخطب والمواعظ، وبيان حكم الإسلام، فيها والحلول العملية المقترحة لعلاجها.

وفي الختام لا أدَّعي أنني أوفيت الموضوع حقه، كلا والله، ولكن حسبي أنني بذلت فيه جهدًا شخصيًا أعتز به، وحسبي قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، فأسال الله –تعالى- أن أكون ممن أراد الله بهم خيرًا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفع به إخواني المسلمين، اللهم آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.