أحكام نشوز الزوجة في الشريعة الإسلامية

ملخص الرسالة

أحكام نشوز الزوجة في الشريعة الإسلامية

الملخص:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد تم التقديم لهذا الموضوع من خلال فصل تمهيدي، يتضمن الحديث عن الأسرة وأهميتها، ومكانتها في الإسلام، وبيان أهمية حسن العشرة بين الزوجين ومظاهره، وتوضيح مفهوم طاعة الزوجة، وحدودها الشرعية، وخُتم الفصل بعرض لآراء الفقهاء في مسألة خدمة الزوجة في بيت زوجها.

والفصل الأول جاء تحت عنوان (نشوز الزوجة): وتضمن الحديث حول معنى النشوز في اللغة والاصطلاح، ودوافع النشوز، ومظاهره (حالاته)، وقد تم استعراض الحالات المختلفة التي اعتبرها الفقهاء نشوزًا، وعصيانًا للزوج، حيث ذكرت أقوال الفقهاء في كل حالة، واختلاف آرائهم، وعرضت أدلتهم، وبينت الراجح منها بالدليل والبرهان. وذكرت في هذا الفصل أنواع النشوز وحكمه، وحكم نفقة الزوجة الناشز.

أما الفصل الثاني فقد كان بعنوان (علاج النشوز - ولاية التأديب): حيث وضحت فيه منهج الإسلام في علاج النشوز، وذكرت فيه أدلة حق الزوج في تأديب الزوجة، واستعرضت وسائل علاج النشوز، كما وردت في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وهي: الوعظ، والهجر في المضطجع، والضرب غير المبرِّح، وفصَّلتُ أقوال الفقهاء والمفسرين فيها، وقارنت بين الأدلة، مع التعليق والتحليل، وبيان الراجح من تلك الأقوال.

وقد ركزت الحديث في موضوع الضرب؛ لأهميته وحساسيته، وبينت ضوابطه، وما فيه من أحكام تحفظ حق الزوجة، وترفع الظلم والعدوان عنها.

وختمت الفصل بموضوع: رجوع الزوجة عن النشوز، وأنه يرفع عنها أية وسيلة من وسائل التأديب، ويعيد إليها كامل حقوقها من نفقة وغيرها.

والفصل الثالث: كان آخر الفصول، وقد تضمن ذكر النظريات التربوية الحديثة وموقفها من تأديب الزوجة، حيث تناولت فيه مسألة العقاب، وأشكاله، وأغراضه، وإيجابياته، وسلبياته، كل ذلك من منظور أخصائيي التربية وعلم النفس.

وبعد ذلك طبقت هذه النظريات على وسائل التأديب في الشريعة الإسلامية، وبينت مطابقتها للمعايير الصحيحة في العقاب.

ثم عرضت موضوع العنف ضد المرأة، من منظور دعاة تحرير المرأة! وناقشت أقوالهم وفندتها بالحجة والدليل، وكذلك موضوعَ ضرب الزوجات، وموقف الشريعة الإسلامية من قضية العنف ضد المرأة. وختمت هذا الفصل بذكر أهم الشبهات التي يثيرها بعض المغترّين بالثقافة الغربية، حول موضوع تأديب الزوجة، وقمت بالرد عليها في نقاطٍ بالحجة الدامغة والبرهان الصادق.

وجاءت خاتمة الرسالة بعض أهم ما توصلت إليه من نتائج خلال هذا البحث، على شكل نقاطٍ محددة، وكذلك أبرز التوصيات التي تسهم في تحقيق الفائدة المرجوة من هذا البحث، وهي: بناء أسرة مترابطة، يسودها الأمن والمحبة والاستقرار، تسهم في خدمة المجتمع، وبناء مستقبله الزاهر.

والحمد لله في البدء والمنتهى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى.

المقدمة:

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرَّفنا بحمل رسالة القرآن، شرع لنا من الدين نهجًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، فله الحمد كله، وله المجد والثناء كله، سبحانه لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.

ثم الصلاة والسلام على سيد خلقه، وخاتم رسله، محمدٍ الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه وأتباعه الطيبين الطاهرين، وكل من سار على هديه، ونصر سنته، إلى يوم الدين.

أما بعد: فإنَّ الإسلام قد أحاط الحياة الأسرية بكنفه ورعايته، واهتم باستقرارها وسعادتها، أيما اهتمام، وأقامها على ميثاق غليظ، قوامُه الرحمة والمودة، فقال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21] واعتبر أنّ كلًا من الزوجين سكنٌ للآخر، لا غنى له عن شراكته، والأنس به، فهما كنفس واحدة، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].

لذا: حرص الإسلام - من خلال تشريعاته - على توطيد العلاقة داخل الأسرة، وحارب كل سلوك من شأنه أن يؤدي إلى تعكير صفو المحبة والألفة بين أفرادها، وخاصة الزوجين؛ لأنهما عماد الأسرة، وأصل تكوينها.

كما أنه دعا إلى حسن العشرة بين الزوجين، حتى حال وقوع الخلاف بينهما، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، وحث على المسارعة إلى المصالحة والتوفيق عند أي اختلاف داخل الأسرة.

ومن التدابير التي شرعها الإسلام ليحول دون هدم كيان الأسرة وضياعها؛ ويَحُدّ من إمكانية وقوع الطلاق بين الزوجين؛ أحكام النشوز، ومنها نشوز الزوجة على زوجها، وهو موضوع هذه الرسالة وأساسها.

أهمية البحث ومسوغاته:

أولًا: أهمية البحث: يعالج هذا البحث قضية اجتماعية هامة، تعاني منها كثير من الأسر، نظرًا للجهل بالأحكام الشرعية المتعلقة بها، وعدم فهم طبيعة العلاقة بين الزوجين في الأسرة، والقصور في وعي دور الأسرة وأهميتها في بناء المجتمع.

لذا كان لا بدّ من بيان الأحكام الشرعية لهذه القضية (نشوز الزوجة) بأسلوب فقهي حكيم، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويسدي النصح والإرشاد للأزواج، ويسير بهم نحو بر الأمان.

ويعرض هذا البحث لبيان دور الأسرة وأهميتها ومكانتها في الإسلام، ويوضح مفهوم النشوز، وأسبابه، وأعراضه، وحالاته، ويقدم الأسلوب الأمثل لعلاجه، من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة المشرفة.

كما أنه يعالج هذه القضية من الناحيتين الفكرية والتربوية، ويعرض الآراء ويناقشها، ويرجح ما تبين أنه الصواب، أو الأقرب إلى الصواب، من خلال التحليل بالبرهان والدليل.

وربطْتُّ الأحكام بالواقع الذي يعيشه الناس، إذ إنه لا معنى لفقه خيالي، بعيد عن معترك الحياة العملية، لا يراعي الظروف والأحوال، خاصة ونحن نعالج أمورًا اجتهادية، يسمح فيها باختلاف الرأي، بناء على اختلاف الأفهام، وطرق الاستنباط.

وهذا المتسع للرأي الآخر في دائرة الشريعة، وفي ضوء الكتاب الكريم والسنة المطهرة، هو سر عظمة الإسلام، وروعة تشريعاته.

ولعله يكون خطوة مباركة على طريق بناء البيوت السعيدة، حتى تكون عامرة بالحب والخير والحنان، في ظلال القرآن وشريعة الواحد الديان.

ثانيًا: مسوغات البحث:

يمكن تلخيص مسوغات ودوافع اختياري لهذا الموضوع فيما يأتي:

1- أهمية الأسرة في بناء المجتمع، وتكوين نسيجه المترابط، ومساهمة في بيان جانب مهم من أحكامه الشرعية، المنظمة للعلاقات الأسرية فيه.

2- (نشوز الزوجة) له أثر كبير في زعزعة كيان الأسرة، وربما هدمه، لذا كان لا بدّ من تسليط الضوء عليه، بيانًا وأحكامًا وإرشادًا.

3- إن الحاجة تدعو إلى البحث في مثل هذا الموضوع من الناحية الفقهية، تأصيلًا وتجديدًا، بشكل شامل ومعمق يتناول أحكام الشرع فيه، دراسة فقهية معاصرة، تراعي واقع الناس، وحساسية الموضوع.

4- تبرز أهمية الموضوع في زمن ازدادت فيه الهجمة شراسة على الإسلام، في عقيدته وأحكامه وتشريعاته، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها، حيث نال موضوع القوامة في الأسرة، وعلاج نشوز الزوجة حظًّا وافرًا من الطعن والتشكيك، واتهام التشريع الإسلامي فيه بالتخلف والرجعية! فكان لزامًا على كل غيور أن يرد هذه السهام الحاقدة إلى نحور أصحابها، من خلال حوار فكري قائم على الحجة والبرهان.

5- هذا فضلًا عن أن هذه الدراسة تضع بين يدي الأسرة المسلمة علامات واضحة، وخطوطًا عريضة للعلاقة بين الزوجين، كما أنها ترسم لهم أهم الأسس السليمة لبناء علاقة زوجية متينة، قائمة على المحبة، والمودة والمسؤولية، والاحترام المتبادل.

صعوبات البحث:

واجهت أثناء كتابتي لهذا البحث بعض الصعوبات، التي يمكن تلخيصها فيما يأتي:

1) تشتت عناوين موضوعات البحث في ثنايا كتب الفقه المختلفة، حيث شكلت صعوبة كبيرة في لمِّ شتاتها، وتجميع أقوال الفقهاء حتى في المذهب الواحد، فضلًا عن بقية المذاهب.

2) كثرة الآراء في المسألة الواحدة وتشعبها، لدرجة يصعبُ معها معرفة الراجح منها؛ لاعتمادها أحيانًا على الاجتهاد.

3) صعوبة الوصول إلى بعض المراجع الأصيلة.

4) قلة الكتب المعاصرة التي تعالج في موضوع النشوز، بالرغم أنه أصبح قضية معاصرة مطروحة في أوساط المجتمع، كما أن الموجود منها ليس في متناول اليد عندنا.

الدراسات السابقة:

لست أزعم أن هذه الدراسة هي الوحيدة تحت هذا العنوان، أو تحت ما يحمل مضمونه، وهو أحكام النشوز، فقد وجدت دراسات مستقلة في هذا الموضوع لكنها قليلة، ومن ناحية أخرى فهي مقتصرة على الناحية الفقهية غالبًا، وأحيانًا تتناول الناحية الفكرية، ولكنها لا تشمل النواحي التربوية في دراسة هذا الموضوع.

ومن هذه الدراسات كتاب: (النشوز) للدكتور صالح بن غانم السدلان، وبعض المقالات المتناثرة هنا وهناك، عبر الصحف والمجلات، وكذلك على شبكة (الانترنت).

هذا بالإضافة إلى كتب الفقه والأحوال الشخصية، والدراسات الحديثة المعاصرة، في شؤون الأسرة وأحكامها، والتي ذكرت هذا الموضوع في إطار سياق مشترك مع أحكام الأسرة عامة.

والجديد الذي يمكن إضافته هنا من خلال هذا البحث هو: صياغة عناصر الموضوع من جوانبها الثلاثة: الفقهية، والفكرية، والتربوية، وربطها بالواقع المعاصر، حيث يمكن أن يصلح مرجعية لإشكالية النشوز داخل الأسرة، بما فيها من أحكام وتوجيهات.

منهجية البحث:

تقوم منهجية هذا البحث على أساس وصفي استقرائي، من خلال عرض آراء ومذاهب الفقهاء الأربعة المشهورة (المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنبلية)، وأحيانًا الظاهرية، وبيان أدلتهم وأقوالهم، ثم مناقشة هذه المذاهب، وتحليل الآراء والأدلة، والمقارنة بينها، وترجيح ما تبين لي أنه صواب منها، وأقرب إلى تحقيق المصلحة ومقاصد الشريعة.

أسلوب البحث:

يتلخص أسلوب البحث في الأمور الآتية:

1) الرجوع إلى المصادر الرئيسة والأصيلة، ذات الصلة بموضوع البحث، من كتب التفسير، والحديث الشريف، والفقه الإسلامي، وكتب الأحوال الشخصية.

2) الجمع بين الأصالة الفقهية، ومراعاة فقه الواقع المعاصر، من خلال مناقشة الأدلة والآراء، والموازنة بينها مع التوجيه والترجيح.

3) اعتماد ما صح من الأحاديث النبوية الشريفة غالبًا، وأحيانًا ما كان في مرتبة الحسن، وبيان الضعيف منها، إن ذكر في بعض أدلة المذاهب، وخرّجت معظمها، خاصة ما ينبني عليه أحكام منها، وما كان في "الصحيحين" (البخاري ومسلم) اكتفيت بعزوه إليهما.

4) وقد رجعت في الحكم على الأحاديث إلى كتب التخريج المعتمدة، وخاصة كتب الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله.

5) ربط الأحكام الشرعية بالواقع الذي يعيشه الناس، حيث قمت بزيارة القسم الخاص بالإرشاد التربوي الأسري التابع للمحاكم الشرعية، واطلعت على آلية عمله في حل الخلافات الأسرية.

6) اعتمدت الدقة - ما وسعني ذلك- في عزو الأقوال إلى أصحابها ومصادرها، وتوثيق الآيات والأحاديث حسب الأصول.

7) وضعت خاتمة للبحث تضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث، وكذلك عددًا من التوصيات الهامة، ذات الصلة بموضوع البحث.

8) أعددت مجموعة من المسارد المختلفة تسهل الاستفادة من البحث وهي: مسرد للآيات، ورتبت الآيات حسب ترتيب سور القرآن الكريم، ومسرد للأحاديث رتبته أبتثيًا حسب طرف الحديث، ومسرد للأعلام المترجم لهم، كذلك رُتب أبتثيًّا، مع ذكر الصفحات التي وردت فيها، أما المصادر فقد رتبتها حسب اسم الشهرة للمؤلف ترتيبًا أبتثيًّا.

خطة البحث:

قمت بتقسيم هذا البحث كما يلي: (مقدمة، وثلاثة فصول، مع مباحث، وخاتمة)

المقدمة.

الفصل التمهيدي: منهج الإسلام في بناء الأسرة.

المبحث الأول: الأسرة في الإسلام.

المبحث الثاني: القوامة في الأسرة.

المبحث الثالث: حسن العشرة بين الزوجين.

المبحث الرابع: طاعة الزوجة لزوجها.

المبحث الخامس: خدمة الزوجة في بيت زوجها.

الفصل الأول: نشوز الزوجة، وفيه المباحث الآتية:

المبحث الأول: معنى النشوز في اللغة والاصطلاح

المبحث الثاني: حالات النشوز

المبحث الثالث: حالات من العصيان فيها التأديب

المبحث الرابع: نفقة الزوجة الناشز

الفصل الثاني: علاج النشوز (ولاية التأديب)، وفيه المباحث الآتية:

المبحث الأول: منهج الإسلام في علاج النشوز

المبحث الثاني: أدلة حق الزوج في تأديب الزوجة

المبحث الثالث: وسائل علاج نشوز الزوجة

المبحث الرابع: رجوع الزوجة عن النشوز

الفصل الثالث: النظريات التربوية الحديثة وتأديب الزوجة، وفيه المباحث الآتية:

المبحث الأول: مسألة العقاب

المبحث الثاني: العنف ضد المرأة

المبحث الثالث: شبهات وردود

الخاتمة: وتتضمن نتائج البحث والتوصيات

وإنني أسأل الله -تعالى- الأجر والثواب، والتوفيق والسداد، ولست أزعم الكمال، فهو لله وحده، وحسبي أن أكون قد سددت وقاربت، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله الهادي إلى سواء السبيل.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، واتبع هداه.

فهرس المحتويات