أقوال الإمام أبي العباس القرطبي في التفسير وعلوم القرآن الكريم

ملخص الرسالة

أقوال الإمام أبي العباس القرطبي

في التفسير وعلوم القرآن الكريم

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإنَّ أجلَّ العلوم قدرًا، وأعظمها للعبد نفعًا في دنياه وآخرته: العلمُ بما أنزَلَ الله جلَّ وعلا على رسوله صلى الله عليه وسلم من الكِتاب والحكمة، وقد هيَّأ الله سبحانه من عباده المؤمنين علماء راسخين، ذوي عقول ثاقبة، وقلوب واعية، اجتباهم بحكمته، وهداهم بفضله، فوجهوا جُلَّ جهودِهم إلى كتابه العزيز، وقضوا حياتهم بالعناية به ومُدارسته، سالكين طرائق شتى في بيانه ودراسته، كل بحسب علمِه وما أداه إليه اجتهاده، فتركوا لمن خلفَهم ثروةً عِلميَّةً تمثَّلت في كتب التفسير والقراءات وعلوم القرآن المُشتهِرة التي تلقَّتْها الأمة بالقبول.

غير أن ثمَّة ثروة عِلمية مُباركَة في تفسير القرآن وعلومه أودَعها العلماء السابقون كتبًا صنَّفوها في علوم أخرى؛ كالمصنَّفة في شروح الحديث والفقه والرقائق والعقائد ولغة العرب وغيرها، لا تقلُّ أهمية عما في الكتب التي خصِّصت لعلم التفسير وعلوم القرآن، ومما يَجمل بقدرها، ويُتمِّم فائدتها؛ جمْعُها في مصنَّف يَسهُل الرجوع إليه، وتعمُّ الفائدة منها.

لذا تسابق الباحِثون إلى جمع أقوال أئمة الإسلام في التفسير وعلوم القرآن مِن كتُبِهم المصنَّفة في غير التفسير وعوم القرآن ودراستها، فجمعوا أقوال طائفة من علماء الأمة في التفسير وعلوم القرآن ممَّن لهم قدم سبق وصدق ورسوخ من أئمة الإسلام، ممن تطمئن النفوس إلى اختياراتهم في بيان مراد الله من كلامه.

ومن الأئمة الكبار المشهود لهم بالعلم والتحقيق الإمامُ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي (ت: ٦٥٦ هـ)؛ إذ هو أحد الأعلام الذين لم يصنِّفوا في تفسير القرآن وعلومه، لكنه خلَّف تراثًا جليلاً في التفسير وعلوم القرآن فيما تعرَّض له من الآيات وما يتعلق بها في كتبه؛ تميزت بقوة الاستنباط، وحسن الاختيار، ودقة الاستدلال.

كما رسم رحمه الله منهجًا له في الموازنة بين الأقوال والترجيح وحسن الجمع بينها، ويجد الناظر في اختياره الراجح منها عند تعارض الأقوال وتعذر الجمع طمأنينة وثقة.

فعزمتُ على عرض أقواله في تفسير القرآن وعلوم القرآن، ودراستها، وبيان منهجه فيها، وخصائصه وقيمته العلمية؛ لتكون مادة موضوع بحث رسالتي لنيل درجة الماجستير في القرآن وعلومه وسميتُها بعنوان:

"أقوال الإمام أبي العباس القرطبي المتوفَّى عام ٦٥٦ هجرية

في التفسير وعلوم القرآن، عرض ودراسة"

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

١) شرفُه؛ لتعلُّقه بكتاب الله عز وجل؛ إذ الباحث يبقى مدة بحثِه مشتغلًا بكلام الله تعالى، وما يتعلق به مِن بيان رسوله صلى الله عليه وسلم وتفسير أصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم رحمهم الله وأقوال أهل اللغة، وبهذا يَسمو الموضوع حينما يَرتبط بكلام الله تعالى، وينالُه مِن الشرف بقدر هذا الارتباط.

٢) مكانة الإمام أبي العباس القرطبي العِلميَّة، بما حباه الله من قدرة عقلية فذَّة، وبصيرة عِلميَّة نافذة، وتمكُّنه مِن علوم عديدة في القرآن الكريم وتفسيره وما يتعلَّق به، والحديث وعلومه، وعلم الرجال، والفقه وأصوله، وعلوم العربية، مما أهَّله للإمامة؛ حيث ينقل عنه جهابذة العلماء المحقِّقين[1]، وقد شهد له العلماء، فقال عنه ابن فرحون: "من أعيان فقهاء المالكية...كان من الأئمة المشهورين والعلماء المعروفين، جامعًا لمعرفة علوم؛ منها: الحديث، والفقه، والعربية، وغير ذلك"[2].

٣) القيمة العلميَّة التي يتمتَّع بها كتاب "المفهم لما أشكل مِن تلخيص مسلم"؛ فهو مِن أجلِّ مصنَّفات الإمام أبي العباس القرطبي، ومن الشروح المهمة لصحيح مسلم، ومن أمهات الكتب في بابه، فلا يكاد يَستغني عنه من يتصدى للصحيحين أو أحدهما، وقد تصدَّى لكثير من المباحث في علوم القرآن، وفسَّر قدرًا كبيرًا من كلام الله تعالى، بعبارة علمية وافية رصينة، والناظر في هذا الكتاب الجليل يجد فيه شرحًا وافيًا، ملبيًا حاجته، ومشبعًا نهمتَه؛ إذ جمع فيه بين النقل عن علماء السلف والمناقشة والاستدلال.

٤) عناية الإمام أبي العباس بتفسير كلام الله تعالى، وسعة علمه في القراءات وتوجيهها، وأضرُب التفسير وبيانُه كلامَ الله مِن خلالها، ومنهجه الذي تميَّز به فيما تعرَّض له من الآيات، وظهرت عنايته بإيراد أقوال السلف، ومناقشتها، والترجيح بينها، وتنوع المصادر التي أفاد منها.

٥) اهتمام الإمام أبي العباس القرطبي بموضوعات علوم القرآن الكريم، وجهوده في دراستها، ومؤلَّفه هذا سمة بارزة تدلُّ على سعة علمه في كافة العلوم التي لها علاقة بالقرآن الكريم وبيان ألفاظه؛ كالوحي، ونزول القرآن، وأسباب نزوله، وعلم الناسخ والمنسوخ، وغيرها، بالإضافة إلى تضلُّعه التام في أصول الفقه، فله فيه مصنَّف أسماه "الجامع لمقاصد علم الأصول"، وهذا الكتاب لا يزال مفقودًا، وصِلَة هذا العلم بعلوم القرآن الكريم وثيقة، وقد سلك طرقًا عديدة في الاختيار والترجيح، ومنهجه فيها حقيق بالبحث والدراسة، ولا توجد عنه دراسة مُستقلَّة في هذا الميدان حسب علمي.

٦) تميُّز اختيارات أبي العباس القرطبي وترجيحاته في علوم القرآن الكريم، وما تصدَّى له من تفسير كتاب الله تعالى، فحريٌّ بأن تُجمع لتكون في متناول الباحثين؛ حيث تمثِّل اجتهادات واستنباطات عالم له قدمه الراسخة في علوم شتى، مِن أبرزها التفسير وعلوم القرآن الكريم.

٧) عدم وجود دراسة سابقة اعتنتْ بجَمع أقوال وترجيحات أبي العباس القرطبي في التفسير وعلوم القرآن الكريم.

٨) تنمية ملكة الباحث في مناقشة الأقوال والترجيح بينها، وإدراك أسباب الاختيار، ومعرفة طرق الترجيح، ومناهج العلماء في ذلك، وسبر مواردها ومصادرها، وما يلزم لذلك مِن اطِّلاع واسع في كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم، وشروح السنَّة النبوية، وكتب اللغة، وغيرها مما له تعلق بمادة البحث؛ مما يتيح للباحث فرصة الانتفاع والاستفادة وإثراء المادة.

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى:

• استقراء وجمع أقوال الإمام أبي العباس القرطبي في التفسير وعلوم القرآن الكريم من كتبه.

• دراسة أقوال الإمام أبي العباس القرطبي في التفسير وعلوم القرآن الكريم، مقارنةً بأقوال غيره من العلماء.

الدراسات السابقة:

بعد البحث والتتبُّع لم أجد دراسة مستقلة لهذا الموضوع، غاية ما عثرت عليه دراسات إما متعلقة بتحقيق مؤلَّف أبي العباس القرطبي "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"، أو دراسة حديثية، أو أصولية حوله، وهذا بيانها:

• تحقيق كتاب "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"، مجموعة رسائل علمية لمجموعة من الباحثين؛ لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العام الجامعي ١٤١٣ هـ.

• الصناعة الحديثية في كتاب "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"؛ للباحث محمد عودة الحوري، رسالة علمية لنَيل درجة الماجستير من جامعة آل البيت ١٩٩٩ م.

• القواعد الأصولية عند الحافظ أبي العباس القرطبي من خلال كتابه "المفهم" جمعًا ودراسة، في العام الجامعي ١٤٢١ هـ.

هذا ما وقفت عليه من دراسات سابقة، ولذا تتبيَّن الحاجة لدراسة أقوال الإمام أبي العباس القرطبي في تفسير القرآن الكريم، والاستفادة من آرائه ومنهجه وطريقته في تناوله ومناقشته وترجيحاته، وهو ما سيُحقِّقه هذا البحث بمشيئة الله تعالى.

خطة البحث:

تتكوَّن خطة البحث مِن: مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة، وهي كالتالي:

المقدمة: وتتضمَّن أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهداف البحث، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهج الكتابة فيه.

تمهيد: ترجمة موجزة للإمام أبي العباس القرطبي، وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده.

المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم.

المبحث الثالث: شيوخه وتلاميذه.

المبحث الرابع: عقيدته ومذهبه.

المبحث الخامس: مكانته وثناء العلماء عليه.

المبحث السادس: مؤلَّفاته.

المبحث السابع: وفاته.

الباب الأول: منهج أبي العباس القرطبي في التفسير، وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: مصادر أبي العباس القرطبي، وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: القرآن الكريم.

المبحث الثاني: السنَّة النبوية.

المبحث الثالث: أقوال الصحابة والتابعين.

المبحث الرابع: جمهور أهل العلم.

المبحث الخامس: أئمة المالكية.

المبحث السادس: اللغة العربية وقواعدها.

المبحث السابع: أصول الفقه وقواعده.

الفصل الثاني: منهج أبي العباس القرطبي في التفسير، وفيه أربعة عشر مبحثًا:

المبحث الأول: تفسير القرآن بالقرآن.

المبحث الثاني: إيراده للقراءات القرآنية.

المبحث الثالث: تفسير القرآن بالسنة.

المبحث الرابع: التفسير بسبب الترول.

المبحث الخامس: تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.

المبحث السادس: تفسير القرآن بلغة العرب.

المبحث السابع: ذكره لأقوال أهل التفسير ومناقشتها.

المبحث الثامن: إيراده سبب الخلاف في تفسير الآية.

المبحث التاسع: منهجُه في الترجيح بين الأقوال.

المبحث العاشر: منهجه في تفسير آيات الأحكام.

المبحث الحادي عشر: منهجه في تفسير الآيات المشكلة.

المبحث الثاني عشر: إيراده النسخ عند تفسير الآية.

المبحث الثالث عشر: إيراده للقواعد الأصولية والفقهية.

المبحث الرابع عشر: موقفه من آيات الصفات.

الفصل الثالث: خصائص منهج أبي العباس القرطبي وقيمته العلمية، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: خصائص منهج أبي العباس القرطبي في تفسير القرآن الكريم.

المبحث الثاني: سمات منهج أبي العباس القرطبي في تفسير القرآن الكريم.

الباب الثاني: دراسة أقوال أبي العباس القرطبي في علوم القرآن والتفسير، وفيه فصلان:

الفصل الأول: دراسة أقوال أبي العباس القرطبي في علوم القرآن، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: علم نزول القرآن الكريم وجمعه وقراءته، وفيه ستة مطالب:

المطلب الأول: الوحي ونزول القرآن الكريم.

المطلب الثاني: جمع القرآن الكريم.

المطلب الثالث: سور القرآن الكريم وآياته.

المطلب الرابع: الأحرف السبعة.

المطلب الخامس: الإقراء والقراءات.

المطلب السادس: أحكام القرآن وتلاوته.

المبحث الثاني: دلالات القرآن الكريم، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المحكم والمتشابه.

المطلب الثاني: دلالات الألفاظ.

المطلب الثالث: النسخ، وشروطه، وأنواعه.

المطلب الرابع: القسَم في القرآن الكريم.

الفصل الثاني: دراسة أقوال أبي العباس القرطبي في التفسير، وفق الآتي:

١) استقراء الآيات التي فسَّرها الإمام أبو العباس القرطبي.

٢) ترتيب الآيات حسب ورودها على ترتيب المصحف في سوره وآياته، وترقيمها.

٣) ذكر نص قول الإمام أبي العباس في تفسير الآية.

٤) إن كان تفسير الآية محل إجماع ذكرت أقوال أئمة التفسير فيها.

٥) وإن كان معنى الآية محلَّ خلاف ذكرت أقوال أشهر من يخالفه، مع استدلالاتهم إن وجدت.

الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج هذا البحث، وتوصياته.

الفهارس؛ وتشمل:

١- فهرس الآيات القرآنية.

٢- فهرس الأحاديث النبوية.

٣- فهرس الآثار.

٤- فهرس الأبيات الشعرية.

٥- فهرس الأعلام المترجَم لهم.

٦- ثبت المصادر والمراجع.

٧- فهرس الموضوعات.