• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

سليمان عليه السلام وملكة سبأ

حسين سامي بدوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2015 ميلادي - 21/12/1436 هجري

الزيارات: 16692

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سليمان عليه السلام وملكة سبأ


بُعث في بني إسرائيل كثيرٌ من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكان من أبرز هؤلاء الأنبياء بعد موسى وهارون، وأعظمِهم أثرًا في الأمَّة الإسرائيلية: نبيُّ الله سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.

 

نشأ عليه السلام في بيت النبوَّة، وورثَ عن أبيه العلمَ والحكمة، وقد عُرف منذ حداثته بالذَّكاء وسعة الفِكر، وسدادِ الرَّأي، وإصابة الحُكم، وصدق الفراسة، وإن فيما قصَّه الله علينا في سورة الأنبياء من حُكمه في مسألة الغنَم لما يدلُّنا على وَفْرة ذكائه، وإشراقِ بصيرته، وإصابة حُكمه، قال الله تعالى: ﴿ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 78 - 79]، وتفصيل هذه القضيَّة أنَّ قومًا من بني إسرائيل كان لهم زَرع أو كرم تدلَّت عناقيدُه، فنفشَت فيه غنمٌ لغير أهلِه؛ أي: أكلَته ليلاً، فجاء المتحاكمون إلى داود وعنده سليمان عليهما السلام، فحكم داودُ لأصحاب الزَّرع بأن يأخذوا الغنمَ عوضًا عن زَرعهم الذي أَتلفَته الغنم، فقال سليمان عليه السلام (وهو ابن إحدى عشرة سنة): غير هذا أرفق يا نبيَّ الله، قال: فماذا ترى؟ قال: أرى أن تُدفع الغنمُ لأصحاب الزَّرع فينتفعوا بألبانها وأولادها وأشعارها، ويُدفع الحَرث إلى أهل الغنَم ليقوموا عليه حتى يعود كما كان، ثمَّ تُردُّ الغنَم لأصحابها، والزرع لأهله، فرجع داودُ إلى حكمه، وقد صوَّب الله تعالى قضاءَ سليمان عليه السلام، وأثنى عليه وعلى أبيه خيرًا؛ لأنَّ كلاًّ منهما بذل أقصى وسعَه في اجتهاده، ولم يأل جهدًا في تحرِّي الحق، ولكنَّ الله فهَّم سليمانَ حكمَه؛ ليُظهر فضلَه وعِلمه، وقد فصَّلنا هذه القضيَّة وبينَّا حكمَ شريعتنا فيها في الكتاب الذي ألَّفناه في قصَّة داود عليه السلام، فليرجِع إليه من أراد الاستزادة.

 

وقد منح الله تعالى سليمانَ عليه السلام منحًا جليلة، منها:

(1) أنَّه علَّمه منطقَ الطَّير، وآتاه كلَّ ما يحتاج إليه في تدبير الملكِ، وورَّثه العلمَ والحكمةَ، وفي ذلك يقول الله جل ذكره: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ [النمل: 16].

 

(2) ومنها أنَّ الله تعالى سخَّر له الجنَّ؛ ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [ص: 37، 38]، ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ ﴾ [الأنبياء: 82]، وكانت الجنُّ تَرهب صولَتَه، وتذعن لأمره؛ ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14]، وكان تسخير الجن له معجزة من بواهِر معجزاتِه، ولكنَّ اليهود قاتَلهم الله افتروا عليه أنَّه كان يخضعهم بسحرِه، فكفروا به من حيث لا يشعرون.

 

(3) وسخَّر الله تعالى له الرِّيح تجري بأمره رخاءً حيث أَصاب، وكانت تسير وقتَ الغدوة مسيرةَ شهر، ومثلها في وقت الرَّواح، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12].

 

(4) وآتاه الله مُلكًا عظيمًا إجابةً لدعوته بقوله: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]، ولم تكن عظمَة مُلكه لسَعةِ البلاد التي يحكمها، وامتداد رقعتِها؛ وإنَّما كانت لشمول نفوذِه عوالِمَ الجن والإنس والطَّير، وخضوع بعض القوى الطبيعيَّة لأمره كالرِّيح يصرِّفها كما يريدُ على خلاف النَّواميس المعروفة.

 

أمَّا مملكته، فلم تمتد إلى أكثر من خليج أيلة وفلسطين وشرقِي الأردن ولبنان وسوريا إلى شطِّ الفرات.

 

وكان عليه السلام يحبُّ رِباط الخيل في سبيل الله، وكان مندوبًا إليه في دينهم كما هو مندوبٌ إليه في دين خاتم الرُّسل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ [ص: 31 - 33]، وبيان ذلك: أنَّ سليمان عليه السلام احتاج مرَّة للغزو، فأمر بإحضار الخيل وإجرائها بين يديه على سبيل الاستعراض، وذكر أنَّه لا يحبُّها لأمر الدُّنيا وشهوة النَّفس؛ وإنَّما يحبها لأمر الله تعالى، وطلب تقوِية دينِه، ثمَّ أمر عليه السلام بإعدائها وتسييرِها حتى توارَت بالحجاب؛ أي: غابت عن بصره، ثمَّ أمر الرائضين أن يردُّوا تِلك الخيلَ إليه، فلما عادَت طفق بمسح سوقها وأعناقها، تشريفًا لها، وإبانةً لعزَّتها، وإظهارًا لتواضعه في سياسة مُلكِه، لمباشرته الأمورَ بنفسه، ولامتحانها بمَسح سوقِها وأعناقها، ليتبيَّن صحيحها من سقيمها؛ لأنَّه كان خبيرًا بأمراضها وعيوبِها، حتى لا يرسل للغزو إلاَّ كلَّ مُطَهَّم منها، وهذا هو الحقُّ والصَّواب في معنى تلك الآيات.

 

أمَّا ما ذكره القُصَّاص المفتونون بغرائب الأساطير، المغرمون بالأباطيل، مِن أنَّ سليمان عليه السلام عُرض عليه خيلٌ جِياد في وقت صلاة العصر فألهَاه ذلك عن صلاة العصر، فغضب لذلك وطلب من الله أن يردَّ عليه الشمسَ بعد غروبها ليصلِّي العصر حاضرًا، فرُدَّت، ثمَّ غضب على الخيل التي كانت سببًا في فوت الصَّلاة فقطع أعناقَها وسُوقَها، وأنَّ الضمير في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾ [ص: 32] للشمس المفهومة من قوله بالعشيِّ، وأنَّ معنى: ﴿ أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾ [ص: 32] أنَّه أحبَّ هذا الخيل مُعرِضًا عن ذكر الله، وهو الصلاة... إلخ، فإنَّه باطل، وقائلُه أجدر الناس بأن يعزَّى في عقله، ولعلَّ الذين افتجروا هذا المعنى السَّخيف في تفسير الآيات نسوا أنَّها نزلَت في نبيٍّ معصوم ورسولٍ كريم من رُسل الله، وهو سليمان عليه السلام، وأنَّها سِيقَت في مقام المدح لسليمان عليه السلام لا في مساق الذَّمِّ، وأنَّه ما كان لنبيٍّ ورسولٍ كريم أن يَغفل عن صلاةٍ مفروضة عليه لله تعالى، وأن تلهِيه شهوةٌ طارئة، أو رَغبة مُلِحَّة في شيء عن ذِكر الله؛ فإنَّ قلوب الأنبياء عليهم السلام دائمة اليَقَظة، متذكِّرة لعظمة الله في كلِّ لحظة، لا يعتريها من الغَفلة ما يذهلها عن واجبات الله مثل ما يعتري سائرَ البشر، وإذا كان من عباد الله المتقين وخِيار الصالحين من لا يغفلون عن الله مهما احتوشَتهم الشواغلُ، فما ظنُّك بالأنبياء والمرسلين؟ فمِن الغفلة عن الحقِّ أن تتصوَّر في سليمان عليه السلام ذلك التصوُّرَ الخاطئ، ثمَّ إنه ليس في نصِّ عبارة القرآن الكريم ما يدلُّ على أنَّه غضب من استعراض الخيل، ولا أنَّه طلَب من الله تعالى أن يردَّ عليه الشمسَ، ولا أنَّه غضب على الخيل فقطع سوقَها وأعناقَها كما قال المبطلون؛ وإنَّما الآيات صريحة في أنَّه حين عُرضَت عليه الخيلُ قال: ﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ﴾ [ص: 32]؛ أي: أحببتُ الخيلَ حبَّ الخير لأجل تذكُّري لأمر الله بإعدادها وربطها للجهادِ في سبيله، لا لشهوة نفسي، وأنَّه قال ذلك حتى توارَت عنه الخيلُ بالحجاب، وهو النَّقع المُثار والغُبار المتصاعِد في الأفق من وَقع حوافرها على الأرض في عَدْوِها، حتى إذا بلغَت منتهى شوطها، قال للرَّائضين الذين يُعنون بتدريبها: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ﴾ [ص: 33] ليتبيَّن بعد الجري صحيحها من عليلِها، فلا يُرسل للقتال إلاَّ ما كان قويَّ الجسم منها، وطفِق يمسح بسوقِها وأعناقها تكريمًا لها، كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يمسح عُرف فرسِه بكمِّ قميصه، فمن أين أتى عشَّاق الرِّوايات بالمعنى الذي قالوه؟ إن هي إلاَّ روايات باطِلَة استولَت على أفكارهم، فحملوا عليها معنى الآيات، فوقعوا في خطأ مُبين، والصَّواب ما قلناه في تفسيرها، وهو الذي عليه حُذَّاق المفسرين، وممَّا يدلُّك على فساد المعنى الذي تصوَّروه أنَّهم نسبوا إلى سليمان عليه السلام ارتكابَ أشنع أنواعِ الإفساد والظُّلم، وهو غضبه على المظلومة المسكِينة وتقطيعُه لسوقِها وأَعناقها؛ لأنَّها أَلْهَته - في زعمهم - عن صلاة العصر، وهي لا ذَنْب لها في ذلك؛ لأنَّه هو الذي أمر بإحضارها، ولا أدري كيف ينسبون إليه ذلك الإفسادَ والظُّلم وإضاعة المال سدًى، وهم يعلمون أنَّ أنبياء الله أبعدُ الناس عن العبَث والظُّلم والإفساد، وكيف يوفِّقون بين الآيات إذا فهموها على هذا الوجه الشَّنيع، وبين مَدْح الله لسليمان في الآيات التي قبلَها والتي بعدَها؛ إذ يقولُ قبل ذلك: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 30]، ويقول في نهاية قصته: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: 25]؟ أليس من التناقض الشنيع الذي يتنزَّه عنه القرآن أن يَمدح الله نبيًّا من أنبيائه، ثمَّ يعقب المدحَ بما يدلُّ على وقوعه في حمأة الظُّلم والإفساد والعبَث، ثمَّ يُثني عليه بعد ذلك؟ اللهمَّ إنَّ هذا لا يتصوره إلاَّ كلُّ مدخول في عقله، وما أبعد القرآن عن تلك التصوُّرات الخاطئة.

 

ذلكم هو سليمان عليه الصلاة والسلام، الذين سنقصُّ عليكم نبأَه مع بلقيس ملكة سَبَأ كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم.

 

بلقيس ملكة سبأ:

هنالك فوق مشارِق الأرض من بلاد اليمن، وبين أفياء الثَّمر، وخمائلِ الزهر، ومسايل الماء، قامَت مدينةُ (مأرب) عاصِمة اليمن، ومستقر ملوكها وأقيالِها، وقد امتدَّ بين يدي هذه المدينة سدُّ مأرب، مطلع الحضارة القديمة، وآيتها النَّاطقة، وانبسطَ على جانبيه جنَّتان، بلغ من روعتهما أن ذكرهما اللهُ تعالى في القرآن، ونوَّه بهما في مقام الامتنان على سبَأ بنعمِه في غابر الأزمان، فقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15]، ومِن حول هاتين الجنَّتين وبين أفيائهما انتثرَت قصورُ مأرب، التي جاذبَت دورَ مصر دقَّة الوضع، ونازعَت قصورَ فارس حُسن النسق.

 

تلك هي مأرب التي ضُرب بسدِّها الأمثال، وتعاقَب في حكمها عظماءُ الأقيال، ولم يَمْحُ ذِكرَها من تاريخ الحواضر كرورُ الأيام ومرور اللَّيالي، تلك هي حاضرة مُلك بلقيس ابنة اليشرح أنفذ ملوك اليمن رأيًا، وأسناهم ذِكرًا، وأخلدهم أثرًا.

 

ولم يكن لليمن في العهود القديمة نظام مستقرٌّ لتوارث المُلك، ولكن كان يحكمها أقيال كثيرون، فإذا تغلَّب أحدهم وبسَط نفوذَه على غيره أَذعن له الأقيال، واعترفوا بملكه، واستمرَّ مُلكه ما دامَت له قوَّة مرهوبة، وبأس عظيم، وعلى هذا كان شأن بِلقيس وأبيها في ملك بلاد اليمن.

 

ورثَت بلقيس عرشَ أبيها وعرشَ زوجها، وصنعَت لنفسها عرشًا بلغ من فخامته أن وصفَه اللهُ في القرآن بأنَّه عرشٌ عظيم، وكان لدَيها من وسائل تدبير المُلك ما يناسب حالَ عصرها، ودرجة استعداد أهل زمانها، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

 

وكانت متوقدة الذَّكاء، ماضِية العَزم، واسعةَ الحيلة، عظيمةَ الدَّهاء، وقد جعلَت حكمها مركزًا على أساس الشورى؛ ولذلك لما جاءها كتابُ سليمان عليه السلام لم تستبدَّ برأيها، بل جمعَت وجوهَ قومها، وأصحابَ الرَّأي مِنهم، وشاورَتهم: ماذا تصنع؟ فثارَت حماستُهم، وأجمعوا على مقاومته، ولكنَّها كانت أسدَّ منهم رأيًا، وأنفذَ بصيرة في السياسة، فأفهمَتهم أنَّ الحِيلة أجدى على البلاد من الحماسة التي لا تُدرى عواقبها، وأنَّ الرَّأي أن تعجم عُودَه، وأن تتبيَّن مقصدَه، قبل أن تزجَّ بالبلاد في حربٍ ضروس ربَّما التهمَت الأخضرَ واليابسَ فيها، وقرَّرَت أن ترسل إليه بهديَّة مع نفر من أتباعها؛ ليعلموا مبلغَ قوَّته، ومقدارَ استعداده، وهل هو نبيٌّ يريد دعوتَها وقومها إلى دينه فلا يمكن أن تقهرَه، أو مَلِك يَطمع في بلادها، ويريد انتزاعَ مُلكها من يديها، فدلَّت بذلك على نضج استعدادها السياسي، وسموِّ عقلها وتفكيرها؛ ولذلك نزل قومُها عند رأيها.

 

تلك هي بلقيس التي تحدَّث إلينا القرآنُ الكريم عن قصَّتها في سورة النَّمل، وضعنا بين أيدي حضرات القرَّاء صورةً مصغَّرة من أمرها قبل الإفاضة في تفاصيل قصَّتها؛ ليعلموا أنَّها لم تكن امرأةً عاديَّة من أغمار النِّساء، وإنَّما كانت نادرة من نوادر التاريخ؛ ولذلك انتهى أمرُها إلى الإسلام، واتِّباع سليمان عليه الصلاة والسلام.

 

كانت بلقيس وقومها من الصَّابئة الوثنيِّين، يعبدون الشمسَ من دون الله تعالى، كما كان المصريُّون القدامى يعبدونها، ويجعلونها أكبرَ آلهتهم البَاطلة، وكان سليمان عليه السلام يدعو إلى توحيد الله تعالى في فلسطين وسوريا وبلاد الأردن وما جاورَها، فلما انتهى إليه أمرُها، وعلِم أنَّ الشيطان صدَّها وقومَها عن سبيل الله، أراد أن يدعوها إلى دين الله الحق، فكان من أمره وأمرِها ما قَصَّه الله تعالى في سورة النَّمل، وانتهى الأمرُ بقدومها إليه بعد أن رفض هديَّتها، فرأى أن يَضرب لها مثلاً عمليًّا يريها به خطأ العقِيدة الباطلة التي توارثَتها عن آبائها في تَأليه الشمس وعبادتها؛ ظنًّا منها أنَّها مصدر التأثير في هذا الوجود، فعمل لها الصَّرح الممرَّد من قوارير وأجرى تحتَه ماء، حتى إذا خُدعَت بظواهر تموُّجات الماء فظنَّتها لججًا طامية، ولم ترَ الزُّجاج الشفَّاف الذي أَخفتْه عن عينها التموُّجاتُ المائيَّة، علمت أنَّ الشمس ظاهرة من ظواهر الخَلق، لها تأثير محدود في غيرها من الكائنات، ومِن وراء هذه الظاهرة قوَّة خفيَّة مسيطِرة على الخلق، مسخِّرة لعالم الأسباب والمسببات، تَخضع كلُّ الكائنات لسلطانها، وتُذعِن لإرادتها، وهي قوَّة الله تعالى الذي بَرَأ الخلائقَ كلَّها، ووضع لها نظمها، وأجراها على سُنن ثابتة، ونواميس لا تتخلَّف، وأنَّ ظواهر الحياة كانت حجابًا أمام بصائر الكثيرين من الناس منعها من النَّفاذ إلى ما وراءها من سلطان القُدرة الإلهيَّة القاهرة، ففهمَت مقصدَ سليمان عليه السلام، وأنَّه أراد ببناء الصَّرح لها تفهيمها أنَّ الإنسان يجب ألاَّ يقف عند ظواهر الأمور ويغفل عن بواطنها، كما وقفَت هي عند ظاهرة الشمس وغفلَت عن القدرة الإلهيَّة المسخِّرة لها، ولقد كان لهذه الحجَّة العملية أثرٌ عميق في قلبها، وسلطان قويٌّ على عقلها ووجدانها؛ ولذلك خضعَت وأذعنَت، وأعلنَت إيمانها وإسلامها، و﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].

 

ولقد كان إرشاد سليمان عليه السلام لها بتِلك الطريقة العمليَّة من أنجع أساليب الدَّعوة إلى الله تعالى، وكان سلطان حجَّته أقوى من آلاف البراهين المنطقيَّة التي تثير النزوعَ إلى الجدل العقِيم في نفوس مَن عندهم استعداد للعِناد، وقد لا توصِل إلى الغرض بعد الجهد العنيف في تحرير مادَّتها وشكلِها، وهي نموذج حسَن لمن يريد الدَّعوة إلى الله تعالى من أقرب الطرق وأعظمِها تأثيرًا في العقل والقلبِ والوجدان، فما أجدر الدعاة أن يسيروا على خطَّة القرآن الكريم، وهدي الأنبياء والمرسلين في الدَّعوة إلى الله؛ لتثمر في هداية النَّاس إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم.

 

وإنَّما ألمعنا بهذا الغرَض الأسمى المقصود من القصَّة قبل شرحها؛ لنوجِّه أفكارَ القرَّاء إلى أنَّ هذه القصَّة ليس الغرض منها التسلية، وإنَّما نزلَت لبيان طريقة من طرائق سليمان عليه السلام في الدَّعوة إلى الله، وإلى أنَّ الروايات الباطلة المدسوسة في بيان حوادِث القصَّة من وضع المبطلين - ليسَت لها صِلَة بالقصَّة، وإنما هي إِفكٌ وزُور وبُهتان مبين، وسنبيِّن بطلانَها بإذن الله بعد أن نشرح القصَّةَ على وجهها الصحيح.

 

ومن الله تعالى نستمدُّ التوفيقَ والسداد، والهدى والرَّشاد، وموعدنا مع القرَّاء الكرام الأعداد الآتية إن شاء الله تعالى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم (1)
  • السبب في تبسم سليمان عليه السلام لقول النملة
  • سليمان عليه السلام.. النبي القائد
  • سليمان عليه السلام وملكة سبأ (خطبة)
  • اختلاف عدد النساء اللاتي طاف عليهن النبي سليمان عليه السلام
  • قصة سبأ
  • سليمان عليه السلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (6) وفاة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (4) سليمان الملك والقوة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (3) فتنة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص الأنبياء: قصة سليمان عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أحكام وفوائد من قصة طواف سليمان عليه السلام على نسائه (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (5) بناء بيت المقدس(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (2) بلقيس والمعجزة الكبرى(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (1)(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب