• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

التاريخ بين الاحتماء والهروب

د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2010 ميلادي - 16/1/1431 هجري

الزيارات: 7774

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
التاريخ ذاكرة الشُّعوب وإشعاعها الكوني وحاستها المنبِّهة؛ ومن ثَمَّ فهو أهم عوامل التحريك نحو غايتها، والإدراك الواعي للتَّاريخ ليس عمليَّة سهلة وبسيطة، ولكنَّه أقسى وأعتى من آلام الميلاد نفسها؛ إن لم يُشكِّل هذا الإدراك أو الوعي جديدًا بكُلِّ ما يُصاحبه من آلام وتمخُّضات، وربَّما كان هذا هو السبب في سعي القوى الاستعمارية والعدائية عامَّة إلى التعتيم على تاريخ الأُمَّة العربية والإسلامية، وإلى محاولة تشويه هُويتها.

ولكن في المقابل، نجد من يرى أنَّ التَّاريخ - كما هو الشأن عند بول فاليري - أخطر مادة كيميائيَّة سامَّة أنتجها عقل الإنسان؛ ذلك أنَّه يضخم الذِّكريات، ويقودُ وراء أحلامٍ عظيمة قديمة، ونجد مَن يُزكِّي هذا الطرح من بني جلدتنا من الحداثيِّين المستغربين - الذين يسعَوْن لقطع صلتهم بماضيهم - بدعوى أنَّ التاريخ لا يرقى إلى مستوى الصِّحَّة؛ نظرًا لتضارُب الرِّوايات في الحادثة الواحدة بقولهم: فما كُتُبُ التاريخ في كُلِّ ما روت قُرَّاؤها إلاَّ حديث ملفَّقُ نظرنا لأمر الحاضرين، فرابنا، فكيف بأمر الغابرين نصدقُ؟

بصيغة أخرى: لا بُدَّ من الاعتراف أنَّ الأمم في مراحل التخلُّف والركود الحضاري تصبح محلاًّ لما يُلقَى إليها من المصطلحات والأفكار والثَّقافات الواردة إليها من الحضارات والثَّقافات الأخرى؛ لملْء الفراغ النَّاتِج عن توقُّف فاعليتها وإنتاجها الثَّقافي، وهو الأمر الذي يدعو الكثير من أفراد الأُمَّة إلى الهروب والالتجاء إلى التَّاريخ؛ للاحتماء به من الاقتلاع أو الذَّوبان، والافتخار بإنجاز الأسلاف لتغطية العَجْز، والتغلُّب على "مركَّب النقص".

بينما يلجأ آخرون من أبناء الأُمَّة إلى اعتناق الثَّقافات والأفكار الوافدة التي ليست من إنتاجهم، ولا تتوافق مع مُعادلات الأُمَّة النفسية والاجتماعيَّة؛ يظنون عندها التقدُّم وبها الارتقاء، أو على الأقل تُسهِّل تلك الثَّقافات الوافدة لهم الالتحاقَ بركب أصحابها وتَمنحهم القَبول في نطاقها، ومنطلَق كِلاَ الفريقين واحد، هو التقليد والمحاكاة والانحياز عند العجز عن الإنتاج، وإن كان أحد الفريقين انحاز إلى المقومات الذاتيَّة والإنجاز التَّاريخي، وانحاز إلى الذَّات، أمَّا الآخر فأسقط الذات، وظنَّ أنَّ الالتحاق بالآخرين يجمِّل صورته، ويُغيِّر موقعه، لعل عقدة "مركَّب النقص" أمام الحضارة الغازية، هي التفسير الأدقُّ لمسالك كلا الفريقين[1].

تعدُّد الرؤى في دراسة التاريخ:
في هذا السياق، تعددت الرُّؤى والتصوُّرات بشأن التعامُل مع دراسة الفكر التَّاريخي؛ حيثُ نجد ثلاثةَ اتجاهات فكريَّة من الدارسين للتاريخ:
فالاتجاه الأوَّل: يُحاول بكُلِّ ما أوتي من علم وقُوَّة طمس معالم الإرث التَّاريخي، ويتمثَّل هذا الاتجاه في التاريخيِّين أو الحداثيين.
أمَّا الاتجاه الثاني: فيقبع في التَّعاطي مع أحلام الماضي دون التطلُّع إلى الحاضر والمستقبل، ويُنعت هذا التيار بالماضيِّين.
أمَّا الاتجاه الثالث الوسط: فإنَّه يُحاول التَّوفيق بين قراءة الماضي قراءة واعية، ومُحاولة استشراف المستقبل بكُلِّ ما يَحمله من مُستجدات علميَّة وتقنية؛ مُراعاة للضَّوابط الشرعية دون الإخلال بها، طبقًا للقاعدة الأصوليَّة: "الأصل في المعاملات الإباحةُ حتى يَرِدَ المنع"، وسعيًا منَّا للإمساك بزمام الموضوع وضبط أهدافه العامَّة والخاصَّة، يكون من الأَوْلى الوقوف على جملةٍ من المفاهيم والمصطلحات والنَّظريَّات التي لها وثيقُ الصِّلة بهذه الإشكاليَّة العُظْمى التي أرَّقت مضاجعَ أغلب الباحثين.

كلٌّ على شاكلته:
التاريخ وُضعت له تعاريف كثيرة إلى حد التُّخمة، ولكن أقف عند تعريفٍ يهمُّنا، تعريف جامع مانع للدكتور محمد بن صامل السلمي، وهو: "التاريخ الإسلامي في مفهومه العام هو: تاريخ دعوة التَّوحيد ودُعاتها من آدم - عليه السلام - إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - عليهم السلام - فإنَّهم جميعًا دَعَوا إلى مِلَّة واحدة واعتقادٍ واحد هو توحيد الله، وهو الدِّين الذي ارتضاه للبشر"[2]، قال الله - تعالى -: {إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19]، فهذه دعوة سابقة لأوان الموضوع لقمع كُلِّ أشكال القوميَّة والعَلْمنة، التي تعمل جاهدة لتضييق الخناق على الإسلام والمسلمين.

التَّاريخيَّة:
مصطلح أطلقه أهلُ التخريب العقدي من العلمانيين الحاقدين وأصحاب الإرهاب الفكري والاستئصال الثَّقافي، ويعنون به: فهم الإسلام في حدود الحقبة الزَّمنية التي ظهر فيها، ووصل الحد بالمتطرف محمد أركون إلى القول: "إن الإسلام كان حَدَاثيًّا وقت ظهوره، أمَّا الآن فقد انتهى دوره"؛ مما دفع هؤلاء الغوغاء إلى المساهمة المكثَّفة في التضليل الثقافي والتطاوُل السافر على تفسير الإسلام من قبل صناديد العلمانيَّة، ممن لا نصيبَ للإسلام من سلوكهم وعقولهم، إضافة إلى أنَّّ بضاعتهم العلمية في هذا الإطار مُحزنة، ومع ذلك يدَّعون لأنفسهم الحقَّ في التَّفسير الإسلامي، وكأن العلمانيَّة أصبحت في العصر الحاضر إحدى مدارس التفسير للإسلام.

القَوميَّة:
حركة سياسيَّة فكرية متعصِّبة تدعو إلى تَمجيد جنس على غيره من الأجناس، وكانت بداية ظهورها في أوروبا، وسرعان ما تغلغلت إلى البلدان العربية بقيادة النَّصراني ميشيل عفلق والسُّوري ساطع الحصري، اللَّذَين دَعَوَا إلى تمجيد العرب على أساس رابطة الدَّم والتَّاريخ المشترك، وقَطْعِ الصلة بكل ما له صلة بالدين؛ يقول الشاعر القومي:
هَبُونِيَ عِيدًا  يَجْعَلُ  الْعُرْبَ  أُمَّةً        وَسِيرُوا بِجُثْمَانِي عَلَى دِينِ بُرْهُمِ
سَلاَمٌ  عَلَى   كُفْرٍ   يُوَحِّدُ   بَيْنَنَا        وَأَهْلاً   وَسَهْلاً   بَعْدَهُ    بِجَهَنَّمِ
دون أن ننسى ما ميَّز الْحِقْبَة الماضية من بروز عدَّة نظريَّات، تقوم على تفسير الأحداث والوقائع، من خلالِ بُعْدٍ واحدٍ واتِّجاه واحد، ويُعبَّر عنها بنظريات العامل الواحد، نذكر بعضها على نحو الإجمال:
1- النظريات المادية الاقتصادية: والتي دعا إليها كارل ماركس وتنُصُّ على أن التاريخ يعيش في صراع في عصر: النظام العبودي: السيد/ العبد، والنظام (الفيودالي): السيد/ الإقطاعي، والنظام الرأسمالي: (البورجوازي) / (البروليتاري) أو العامل، وتُبَدِّل في قِيَمِه وموازينه حَسَبَ تبدُّل وسائل الإنتاج وتطورها.
وكان موقفها من الدين موقفًا عنيفًا؛ دعت إلى إقصائه من الحياة العامَّة بقول ماركس: "إن الدين ابتكرته الطبقة الغنية - تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا - لتتلهَّى به الطبقة الكادحة".
2- النظرية الغريزية الجنسيَّة: ومن رُوَّادها سيغموند فرويد، وهي تنص على أن الدوافع الجنسية هي المفسرة للأحداث التاريخية. 
3- النظرية المثالية: والتي من دُعاتها هيجل، وتنص على أن التاريخ يشرف على الأحداث من وجهة نظر كُلِّيَّة غير خاضعة للزمن، وهي وجهة نظر عقلية؛ لأنَّ العقل - في نظره - جوهر العقل، والعقل - كما يراه هيجل - هو الذي يحكم العالم. 
4- النظرية القومية والعرقية: وتنص على أن الأحداث التاريخية وبواعثها تنشأ من اللغة والتجمُّع الواحد، فمثلاً: يُفسِّرون التاريخ على أساس عرقي وقومي، ولكن هذه النظريَّة تأخذ أبعادًا أخرى في هذا العصر؛ ولكن بطعم خاص، وبنكهة مميزة، تحمل شعار: "خالفْ تُعرف".
5- النَّظريَّة الحضارية: والتي دعا إليها أرنولد توينبي، وتنصُّ هذه النظريَّة على أن نشوء الحضارات يقوم على مَبْدَأَيِ: التحدِّي والاستجابة، ويُفسر الأحداث التاريخيَّة على أساس الجانب المادي والروحي.

الماضِيَّة بين الإلحاد والافتخار بأمجاد الأجداد:
يقال في المثل العربي الدارج: "الدنيا حُبْلَى وستلد العجائب"، وأشد فصاحة واستشرافًا للواقع المُخزِي الذي تمثله هذه التيارات الجاهليَّة، التي تزكي الشرخ والفتق العميق الذي تتخبط فيه الأُمَّة الإسلامية حاليًّا، وهو ما أفصح عنه الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله للصحابة - رضوان الله عليهم - عندما أشرف على أطم من آطام المدينة: ((هل ترون ما أرى؟ إنِّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر))[3]، وينطبق هذا على عصرنا الذي غُلِّف بالغرائب من الفتن بطابع قديم جديد في مُحاولة يائسة لِسلخ أبناء الأُمَّة الإسلامية من هُويتها الدينية، وفي هذا المضمار سأركز على نموذجَيْن خرجا إلى السطح؛ لإحياء أمْجاد الجاهلية وقومياتها مع عنجهيتها وحيفها، وتجبرها على الدين الحنيف، الذي تولى - سبحانه وتعالى - حفظه من دَنَس المُدنِّسين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين وانتحال المبطلين، ويتعلَّق الأمر بالقومية الأمازيغيَّة في المغرب العربي، والقوميَّة الفرعونية بمصر.

إن جُرْأَةَ هؤلاء السُّفهاء على الظُّهور جاءت عقب التقارير التي أصدرتها الخارجية الأمريكيَّة المتجبرة وأدواتها الظالمة منذ 1994م عن الحُرِّيات الدينية، ففي أغلب التقارير نجدها لاذعة تجاه بُلدان حافظت على الدِّين في جميع مراحل حياتها، كالسُّعودية التي نالت الحظ الأوفى والأوفر في تضييق الخناق على باقي العقائد غير السنية التائهة في الأرض، أو الدول التي تُحاول بعث التعاليم الدينية وإحيائها من جديد؛ كالدَّولة التركية التي وُجِّه لها النَّقد بخصوص التضييق على من يَعمل على تغيير دينه، وعلى القيود التي تضعها في وجه البروتستانت واليهود، ولم تسلم مصر من هذا العتاب - عفوًا - العقوق؛ لتضييقها على الطريقة البهائية.

إنَّ إحياء القوميَّة الأمازيغيَّة، في بعض بلدان المغرب العربي - فكرة قديمة جديدة، فهي استكمال لمشروع الفكر الاستشراقي الاستعماري التخريبي.

ما كان للاستعمار الغربي بحقده الدفين وخبرته الواسعة - أنْ يتركَ هذه اللُّغة، التي يعرفها معرفة جيِّدة، ويدرك آثارها الاجتماعيَّة والسياسية، ما كان له أن يَدَعَها تنمو بإيقاعات سريعة تتساوق وإيقاعات النُّمو الحضاري العام؛ فأخذ يوجه إليها الضَّربة تِلْوَ الضربة، تارة بقرار سياسي، وتارة بفتنة عمياء تثير الجدل وتُعيق عن العمل، وتارة باستعمال أبواقِ مَنْ لا خلاقَ لهم؛ للترويج للغة مهجورة متخلفة، أو للدَّعوة إلى عامية شائعة.

ففي الجزائر أصدر الاستعمار الفرنسي عام 1904م قانونًا يَمنع أيَّ معلم عربي أن يُؤدِّي مِهْنته إلاَّ برخصة، وضمن شروط محددة هي:
أ - اقتصار التعليم على حفظ القرآن لا غير.
ب- عدم التعرُّض لتفسير الآيات التي تدعو إلى التحرُّر من الظُّلم والاستبداد.
ج- استبعاد دراسة التَّاريخ العربي والإسلامي، والتاريخ المحلِّي، وجغرافية القُطْر الجزائري والأقطار العربية الأخرى.
د- استبعاد دراسة الأدب العربي بجميع فنونه[4].

أمَّا في المغرب، فتجسد فيما يُسمَّى بالظهير البربري، الذي أصدره المقيم العام الفرنسي لوسيان سان سنة 1930م؛ وذلك سعيًا من الاستعمار الفرنسي إلى إحداث الشَّرخ والفصل العُنصري؛ بل الديني بين العرب والأمازيغ، وإثارة النَّعرات الإثنيَّة العرقية، لكنَّ الشَّعب المغربي المجاهد، بحكم فطرته الإسلاميَّة المتجذِّرة، بقيادة علمائه آنذاك، تصدَّى لكل أشكال التَّفرقة، وأسهم إلى جانب رجال الحركة الوطنية في قَمْع كُلِّ ألوان الطَّيف التي تسعى الاستخباراتُ التخريبيَّة إلى غرسها في أبناء الأُمَّة.

وما إن انتهى عهد الاستعمار حتَّى تقلَّد المستشرقون مسؤوليَّة متابعة عملية الشرخ، وإحياء اللهجات العامية.

ومن أشدِّهم عداوة للإسلام لويس ماسينيون الذي أسهم بكُلِّ ما أوتي من حيلة إلى إحياء اللهجات المحلية، وإحلالها محل اللغة العربية الفصحى.

لكن ما يهمنا ليس سرد الأحداث التاريخية، بقدر ما يهمنا الروغان الثَّعلبي، الذي خلفه الفكر الاستخرابي في أبناء الأُمَّة الإسلاميَّة، وجعلهم أعداء دينهم وعقيدتهم ولُغتهم، وكل ما يَمُتُّ للإسلام بصلة، خاصَّة اللغة العربية، التي تشكل النَّبع الصافي؛ بل الأداة الضروريَّة لفهم تعاليم الإسلام الراقية، طبقًا للقاعدة الأصولية: "ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب".

وللإحاطة فإنِّي لست ضدَّ الأمازيغية، فأنا أتكلم بها بطلاقة، ولكنَّ المشكلة العُظمى أن تَصْدُرَ من بعضِ الرَّعاع المتعصبين المتطرفين من بني جلدتنا، وممن يُسمَّوْن بأسمائنا - بعضُ العبارات التي يشيب لها الوِلدان، من قبيل وصمِ الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا بالاستعمار، والأدهى والأمَرُّ أن تصل الوقاحة بأحد رموزهم إلى القول: إنَّ الإسلام يَجب أن يُسحب البساطُ من تحتِ أقدامه بالمغرب، وإنَّ قضيَّة فلسطين قضية تهم الفلسطينيِّين، ولا شأن لنا بها، وقولهم في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قولاً منكرًا، يعف اللسان عن ذكره، وهلمَّ جرًّا.

أمَّا في مصر، فظهرت حركةٌ تُحاول تأجيج نار الفتنة، بسعيها الحثيث نحو العَودة بمصر إلى سابق عهدها الفرعوني "القوميَّة الفرعونية"، وهذا الاتجاه لم يظهر هكذا اعتباطًا في هذه المرحلة بالذات - كما أشرت في البداية - إلاَّ بعد الضَّوء الأخضر الذي مُنِحَ لأشكالٍ وألوانٍ مُختلفة ومُزركشةٍ من التيَّارات والطوائف؛ لتضييق الخناق على اللغة العربيَّة، بل الإسلام والمسلمين، باسم حرية التعبير المزيفة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكيَّة المتكبرة الظالمة.

ومن ثَمَّ ظهر جدال بيزنطي عقيم: هل مصر عربيَّة أو فرعونية؟ وهل المصريون عرب أو لا؟ تساؤل ربَّما قُتل - كما قال أحد الباحثين المصريين - بحثًا في أزمان التَّرف الفكري إن جاز التعبير، لكن لا الزمان الآن هو الزمان لِطَرْحِ التساؤل، ولا مصر قلب العروبة النابض هي المكان المناسب لهذا الجدل الديالكتيكي العقيم، والأصل في الأمر هو قِصَّة حزب مصر الفرعونيَّة، أو حزب مصر الأم، الذي طرح نفسه على ساحة الحياة السياسية المصرية في الأيام الماضية.

ونحن نتساءل: إلى أيِّ اتجاه تصبو إليه الفرعونيَّة الجديدة؟ هل هو سلخ مصر عن بقية دول الوطن العربي؟

ونحن - الأمة الإسلامية - في غنًى عن هذا التشرذُم، الذي شتت أوصالها، وفتتها إرْبًا إرْبًا، وأخيرًا الخطورة غير المحسوبة خطواتها لإعادة إحياء النَّعرات القوميَّة في الدول العربية.

مصر بين العروبة والفرعونية:
حوار دياليكتيكي، ومناظرة عقيمة لم تغلق أبوابها منذ بداية القرن الماضي بين طرفين: الأول: كان يرى أنَّ العرب قد غَزَوْا مِصْرَ، وأن مصر ليست عربية الأصل؛ بل فرعونية، ويجب أن ترجعَ لأصلها، وهو ما عبَّر عنه طه حسين وسلامة موسى.

بينما الطرف الآخر أخذه الغُلُوُّ بالتطرف الفكري للقول: إنَّ عروبة مصر عبودية لاحتلالٍ طال أمده أكثر مما ينبغي، وأنَّها نكسة حضاريَّة خانقة استمر حصارها لمدة أربعة عشر قرنًا.

بينما آخرون يؤكِّدون على أن أجدادهم العرب اندمجوا مع المصريين غير العرب، وأصبحوا شعبًا واحدًا، تزاوجوا وتناسلوا، وحلَّتِ اللغة العربية محل اللغات السابقة؛ لأن المصريين اختاروا - عن رضًا - اللغة العربية لسانًا، والإسلام دينًا، ومن ثم أصبحوا جزءًا من الحضارة الإسلامية، فلم تعد العروبة إذًا انتماء عرقيًّا؛ بل أضحت انتماء حضاريًّا ثقافيًّا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالإسلام، باعتبار أن العرب هم مَن رفع راية الإسلام.

خلاصة القول: إنَّ هذه الدعوات الهدَّامة تسعى بكلِّ غالٍ ونفيس؛ لتحقيق هدفين مُهمين:
أ- إثارة النعرات القومية والعرقية:
يُحاولون بها القضاء على كُلِّ وحدة مهما كانت؛ يقول لورانس براون: "إذا اتَّحد المسلمون في أُمَّة، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم أجمع"؛ ولذلك أثاروا النعرات القوميَّة، وهي من مغروسات الجاهليَّة، فلَمَّا جاء الإسلام قضى عليها، ونادى بترك هذه العصبيَّات؛ إذ لا عصبيَّة إلاَّ للإسلام وللرَّسول - صلَّى الله عليه وسلم - واتَّخذ إجراءات حاسمة في هذا الباب؛ لمحو أثر التمييز المتجذِّر في أحضان الجاهليَّة المقيتة، منها: مُؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، وخير مثال على ذلك جمع الإسلام لجنسيَّات وألوان مُختلفة: سلمان الفارسي، صهيب الرُّومي، النجاشي، بلال - رضي الله عنهم - ثم بعده سار الصَّحابة - رضي الله عنهم - على المنهج نفسه؛ قال عمر: أبو بكر سيدنا وأعْتَقَ سيِّدَنا يقصد بلالاً، وأمر صهيبًا أن يَؤُمَّ النَّاس يوم طُعِن - رضي الله عنه.

إنَّ الأعداء لا يستريحون لوحدة الإسلام، فهم يريدون الفُرقة بين المسلمين، فقالوا: نحاربهم بإثارة النَّعرات القوميَّة والعرقيَّة، ونقلوا تجربة أوروبا من ناحية إثارة النعرات القومية والعرقية، منها:
Ÿ نادوا بإحياء الحضارات القديمة، كما هو الشَّأن بالنسبة لرُوَّاد النهضة الأوروبية، الذين استعانوا بآليَّات الحضارة الإغريقيَّة، وهذا شأنُهم وقد ساعدهم في ذلك دعوى أنَّ دينهم مُحرَّف.
لكنْ جرَّأهم دفْعُ بني جِلْدَتِنَا إلى تبنِّي ذلك التصوُّر المشوَّه وإِسْقَاطِه، واستغلالُهم لضعفنا العلمي.
Ÿ ونادوا بإحياء الحضارة الفينيقيَّة في سورية ولبنان.
Ÿ ونادوا بإحياء الحضارة الآشورية في العراق.
Ÿ ونادوا بإحياء الحضارة الأمازيغيَّة في المغرب العربي.
Ÿ ونادوا بإحياء العصبيَّة القبليَّة العربية في الجزيرة العربية.
Ÿ ونادوا بإحياء الفارسيَّة في إيران.
Ÿ ونادوا بإحياء القوميَّة العربية، أن تكون وِلايَتُك للعرب لا للإسلام؛ أي: جعلتِ المسلمَ يُفكر في وطنه لا في دينه، وهذا من أخطرها؛ لأنَّك تساعد القوميَّة، ولا تساعد إخوانك في الدين، هذا يظهر جليًّا في القضية الفلسطينية التي حاولوا تقزيمها من قضية تهم كلَّ المسلمين إلى قضية عربية، ومن ثَمَّ فلسطينية وطنية، ولا شأن للمسلمين بها كما يقول بعضُ العلمانيين الأنذال.

من الآثار البغيضة والخبيثة للقومية:
Ÿ تمزيق الوحدة الإسلاميَّة.
Ÿ الإجْهَاز على الخلافة الإسلامية.
Ÿ إحلال اللغة محل الدين.

ب - بث الفرقة والمذاهب الهدامة:
Ÿ وذلك بتكوين جماعات أصحاب مذاهب هدَّامة وتشجيعهم ومساعدتهم بكُلِّ ما يحتاجونه، ومن هذه المذاهب والجماعات الهدامة: القاديانية، البهائية، الروحية الحديثة، والإخوان الجمهوريُّون.

الغايات العظمى من وراء تكوين هذه المذاهب، تتجلى فيما يلي:
Ÿ تشكيك المسلمين في أمور دينهم وعقيدتهم.
Ÿ إسقاط شريعة الجهاد، وظهر ذلك جليًّا مع الحقد الظاهر والباطن الذي تكنُّه الولايات المتحدة الأمريكيَّة - النصارى الجُدُد أو الصِّهْيَوْنية المسيحية مع ذئابها - للإسلام بوضعهم لكتاب الفرقان الباطل وإقصاء آيات الجهاد.
Ÿ إشاعة الفرقة الفكريَّة؛ وذلك بالتجرُّؤ على الشريعة الإسلاميَّة وضربها في ثوابتها السمحاء.
Ÿ نشر عقائدهم الباطلة، كما هو الشأن بالنِّسبة لمصر مع العقيدة المصطنعة الباطلة البهائيَّة التي تحاول نشر سُمُومها[5].

والحقيقة هي أنَّ المستفيد الأوَّل من سلخ مصر ودول المغرب العربي وباقي الدول الإسلامية عن عروبتها - لا أقصد القوميَّة العربية التي أقصت الإسلام في أعظم مبادئها - هو الكيان الصهيوني ومن ورائه دولة إسرائيل، ولست أعجب من شيء كمثل الدَّعوة لإحياء اللغة الهيروغليفية واللغة الأمازيغية، ولا أَنْكر وأَغْرب ممن دعا إلى إحيائها لغةً علميَّة أو لغة أكاديمية أو بحثيَّة، لكن هيهات أن يقدر لها أن تصبح عوضًا عن لسان الضاد، وأقول: إنَّ التخلي عن اللغة العربية حتَّى لو جاء مهذبًا هو حلم الصهاينة، واختفاء اللغة العربيَّة يفتح الباب واسعًا لفكرة مُحاربة الإسلام بطريقة سهلة والعَوْدة إلى المربع رقم واحد، مربع المواجهة مع الإسلام في عقر داره؛ أي: المشرق والمغرب.

وحتَّى لا تكثر المزايدات الكلامية في الموضوع، وحتَّى لا نكون ممن يُعلِّلون دائمًا بالهجمة الصهيونيَّة بشكل جزافي - اطلعت في بعض المجلات على الدَّور الخفي والمعلن للسفير الصهيوني في القاهرة شالوم كوهين الذي تعهَّد للبهائيِّين في مصر بتقديم التسهيلات لهم للحج إلى الدولة الصِّهيَوْنيَّة، حيث تعتبر مدينة حيفا قبلة للبهائيين حول العالم، وكان السَّفير الصهيوني قد قام مؤخرًا بزيارة إلى معقل البهائيين في مدينة المحلَّة الكُبرى، والتقى بزعيمهم نصيب بباوي قرابة ساعة ونصف الساعة، وحثَّه على مشاركة البهائيين في النَّشاط السياسي بمصر عن طريق إنشاء جمعيَّات أو أحزاب، أو الترشح لمجلس الشعب للتأثير بقوة لصالح الدولة الصهيونية؛ قبلة البهائيين، واعدًا إياهم بمساندتهم وحمايتهم[6].

أمَّا عن الموقف المتشنج العدائي تجاه اللغة الأم، فاللغة العربية بقيت شامخة وستبقى؛ لأنَّها لغة القرآن الكريم، وهي لُغة خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيَّتها لأنْ تكون لغة البشرية جمعاء، فينبغي أن نُدرك أبعاد هذه المسألة، ثُمَّ من جهة أخرى فإنَّه لا يُمكن فهمُ مضامين الدِّين الإسلامي إلاَّ باللغة العربية التي اصطفاها رب العالمين؛ قال - تعالى -: {وَإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195]، فلمَّا وصفها الله بالبيان، عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كَلَّل الله به مفرق العربيَّة، خصوصًا حين أناط الله بها كلامه المنزل، قال - تعالى -: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]، وقال - تعالى -: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]، وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:   28  ]، ومن هنا قال حافظ إبراهيم على لسان العربية:
وَسِعْتُ كِتَابَ اللَّهِ لَفْظًا وَغَايَةً        وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
من جهة أخرى، يَجب التأكيد على أنَّ المشكلة ليست في اللُّغة العربيَّة أو الإسلام كما يدَّعي بعضُ الناس، لكن المشكلة تكمُن في ذواتنا وفي اهتماماتنا وركوننا إلى الدَّعة والتَّرف، وبعدنا عن تطبيق شرائع الإسلام؛ زمن القصعة وحب الدنيا وكراهية الموت، كما نبَّه إلى ذلك حبيبنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ورحم الله الشاعر العربي إذ يقول:
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا        وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ  سِوَانَا
وأذكِّر هؤلاء الماضيِّين من جديد، إن كانوا يهتمُّون بماضيهم التليد، فليرجعوا إلى دَوْر آبائهم وأجدادهم في صُنْع الأجيال وتعليمهم، وزرع الهمَّة العالية فيهم، وما المجاهد محمد بن عبدالكريم الخطابي والشيخ المجاهد ابن باديس إلاَّ مثالان ناصعان يُمكن الرجوع إليهما والنَّهل منهما؛ فقد كانا يُقرَّان بأصلهما الأمازيغي، لكنَّهما يعتزَّان بالإسلام والعروبة، يقول الشيخ ابن باديس في أبيات مشهورة له:
شَعْبُ   الْجَزَائِرِ    مُسْلِمٌ        وَإِلَى    الْعُرُوبَةِ    يَنْتَسِبْ
مَنْ قَالَ: حَادَ  عَنَ  اصْلِهِ        أَوْ قَالَ: مَاتَ، فَقَدْ كَذَبْ
لكنَّ العجيبَ في الأمر أن نجد هذا الطرح ساريَ المفعول عند أبناء الصَّحوة الإسلاميَّة - وبطبيعة الحال شتَّان بين الثَّرى والثُّرَيَّا - من خلال استحضار بُطولات المجاهدين الأبطال، في فتح بُلدان وتحرير أخرى، دون السَّير على نهجهم، والسير على خُطاهم في العدل والتسامُح والرِّفق والمعاملة الحسنة، التي أوصلتهم إلى القِمَّة، ودفعت بغيرهم إلى الحضيض، وهذا بطبيعة الحال ليس شماتةً فيهم، ولكنَّها دعوة أخوية لتصويب المسار والسَّعي للعمل الجاد دون البُكاء على الأطلال والانتظار والتَّواكُل.

والطامَّة الكُبرى التي تغلف الساحة الإسلامية أنَّ ما نُشاهده من فتن داخليَّة بين الذين ينتسبون إلى الدين وما وقع من فتن وانشقاقات وتصدُّعات داخل صفوف بعض الحركات الإسلاميَّة، راجعٌ إلى الاحتكام إلى الهوى والجهل بالأمور الشرعيَّة، وتضخيم فرع على أصل، كما هو الشأن عند بعض الجماعات الإسلاميَّة التي تهول من الجانب السياسي، أو تلك التي تبني مشاريعها المستقبليَّة على الرُّؤى والمنامات؛ اقتداءً بإخوانهم الصُّوفيين الذين أعطي لهم الضَّوء الأخضر؛ ليجولوا ويصولوا دون رقيب، وكذلك أولئك الذين يسفكون دماء المسلمين، ويُثيرون الفتن بينهم، ويسعَوْن في تقويض بنيان الأُمَّة الإسلاميَّة وهدمها من الداخل[7].

وبصفة عامَّة، فإن أغلبَ الحركات الإسلاميَّة التي تنشد الفرقة عن جهل أو علم تعيش - كما قال فضيلة الدكتور فريد الأنصاري - حالة من التخبُّط الوسطي بنوعيه اللذين يُشكِّلان الفكر الماضِيَّ الفجَّ، الذي أهلك الأمة الإسلامية ردحًا من الزمن:
أ - الوساطة الرُّوحية القائمة على الوسيط الروحي؛ أي: الشيخ الصوفي، أو شيخ الطريقة واضع الأوراد، وصاحب الأحوال والمقامات، الذي يتدين مُريدوه بواسطة أوراده وأحواله، ويسعَوْن لاكتساب مقاماته، باعتباره الشيخ الكامل و القطب الرباني، فالأفراد السالكون على طريقته، المتربون على يده، كلهم نمط واحد، ورغبة واحدة، يتوسَّطُون إلى رضا الله - تعالى - بمحاكاة الشيخ المطبوعة في أذهانهم وأعمالهم.

ب- الوساطة الفكرية القائمة على أساس الوسيط الفكري؛ أي: الأستاذ المفكر، أو الكتاب المعتمد، وذلك أنَّه من السُّهولة بمكان مُلاحظة ظاهرة الارتباط في مجال التديُّن وسط الحركات الإسلاميَّة بشخصيَّة فكرية مُعينة ارتباطًا تربويًّا، بحيث ينحو المتربي في تديُّنه منحى أستاذه، فهمًا للإسلام، وتنزيلاً له، فيقلده في كل ذلك تقليدًا يقوم على التقديس الشُّعوري، أو اللاشعوري، لأفكاره ومؤلفاته، بحيث لا يكاد يرى الحق إلاَّ فيما قال أستاذه، ولا يجد الصواب إلا فيما ذهب إليه، فيتشكل في مجموع التلامذة من هذا النَّوع نمط تربوي فكري واحد، لا ينظرون إلى الإسلام ولا يتديَّنون به، إلاَّ من خلال منظار الوسيط الفكري، المسيطر على عقولهم ووجدانهم، سيطرةً قد تصل إلى نوع من الوثنية، أو الشرك الخفي[8].

كلُّ ذلك راجع إلى البُعد عن الهُدى بكتاب الله، وسُنَّة نبيِّه الكريم - صلَّى الله عليه وسلم - والنَّهل من العُلماء الربانيين الثِّقات، والاحتكام إلى الهوى، ومن ثَمَّ يصبح كلُّ من تمسك بحبل الشهرة وحب الرِّئاسة، والاعتزاز بالنَّفس، وحب الظهور من جند الشياطين؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "... فعقله مع الشيطان كالأسير في يد الكافر، يستعمله في رعاية الخنازير، وعصر الخمر وحمل الصليب".

العصريُّون أو الحداثيون[9] وطمس الهوية الإسلامية:
أُسِيلَ المدادُ في هذا الموضوع - إلى حدِّ التخمة - من علماءَ ودُعاةٍ ومُفكرين، ولكنْ في هذا المقال - إن شاء الله - نظرًا لبروز وجوهٍ جديدة على سطح المجتمع المغربي، وهذا بطبيعة الحال ليس حصريًّا على المغرب؛ بل يشمل دُولاً عربيَّة أخرى، لكنَّ انتسابي لهذا البلد المسلم، وغَيْرَتي على ديني - دفع بي إلى كتابة هذا المقال المتواضع، عساه أن يَجد آذانًا صاغية، والله المستعانُ.

وجوهٌ تَحمل شعار العصيان على الدِّين، سنقف وقفة تأمُّل وتبصُّر مع اجتهاداتٍ مُزيفة لبعض هؤلاء السُّفهاء - بزعمهم القطيعة (الأبستمولوجيَّة) مع التُّراث بل الإسلام - التاريخيِّين الذين يُشكِّلون شوكةً تعوق مسيرة النُّهوض بالأُمَّة الإسلامية، وتزيد من تأثيرها في أفكار الغافلين الجاهلين بحقيقة الدين وحلاوته - على حدِّ قول أحد الدُّعاة المغاربة - وصدق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ يقول: "والله، ما أخشى على الإسلام من أعدائه، ولكن أخشى على الإسلام من أدعيائه"، والذين استغلوا ما تعانيه الأُمَّة من ركود علمي؛ مما دفع بهم، في مُحاولة يائسة للنَّيل من الإسلام والمسلمين، وأنَّى لهم ذلك؟

وبعبارة أخرى: ابتليت الأُمَّة الإسلاميَّة بأدعياء علمٍ أو أنصاف مُثقفين، حَسِبُوا الاجتهادَ الفقهي مُباحًا لكل راتع، فتجرؤوا على النَّص مسخًا وتحريفًا، وألبسوه حُلَّة خرقاء، ولست أغالي إذا قلت: إن الاجتهاد الفقهي أصبح فنًّا ينتحله كلُّ فاقد لعدَّة العلم وآلياته.

يقول غلادستون وزير المستعمرات البريطاني سنة 1895م: "ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين؛ فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان"، فلتقرَّ أعين الأعداء من صهاينة وصليبيين وملاحدة وشيوعيين، فقد كُفُوا المؤونة، فقد خرج من أبناء الأُمَّة الإسلامية من تَوَلَّى طمس الحقائق وتضليل العباد.

تُطالِعُنا بعضُ الصُّحف المغربيَّة العَلمانيَّة الحداثيَّة الحاقدة على الدِّين - وفي طليعتها جريدة الأحداث المغربيَّة - التي يَنْعَتُها أغلبُ المغاربة بالأخباث المغربيَّة، بأقبح ما يُمكن أن يصدرَ عن رافض للدِّين ومُحارب للإسلام، فها هو أحدهم من الأساتذة الجامعيِّين؛ سعيًا للحصول على أعلى (النياشين) يزعُم - بل يحلم - أنَّ كُلَّ ما جاء به الإسلام كذب وافتراء بقوله: "أنا لا أومن بأفضلية ديانة سماوية على أخرى، وأعتبر أن مَن يبتغي غير الإسلام دينًا يقبل منه..."؛ كذبٌ وافتراء على الله.

وأضاف: "إنَّ الإسلام عُدواني، لا رحمةَ فيه ولا رأفة؛ إذ يحكم برجم الزَّاني، وقتل المرتد، وقطع يد السارق، فحُدودُ شريعتنا - في زعم هذا السَّفيه - ليست سمحاء، إنَّها دموية، وزاد من جُرأته الفائقة في ظِلِّ الصمت المُطبق للمسؤولين، وعلى رأسها الوزارة المُكلَّفة بالحقل الديني، والتي اقتصر دورها فقط على مُراقبة الخطباء والأئمة، أو كما قال أحدهم: مُراقبة أهِلَّة الشهور العربيَّة؛ استهزاء؛ حيث يقول: "إن تحررنا من التخلف مرتبط بتحرر ديننا من التحجر والتزمُّت، وإن صلاحنا رهين بصلاح شريعتنا...".

أيُّ تحرُّرٍ يريد؟ هل هي حرية التطاول على شرع الله، أو هي حرية الدياثة والسفور؟ أهي حرية الدعارة التي يسعَوْن إلى تقنينها، أو حرية الشذوذ الجنسي التي بدأ أصحابها يظهرون بشكل علني في الشواطئ المغربيَّة، أو هي حرية السَّطو على أموال الأُمَّة، وإشغالها بالمهرجانات التافهة التي تستقبل السَّاقطات، والتي تتكلَّف ميزانيَّات ضخمة، في حين أنَّ أبناء الأُمَّة غارقون في أوحال البطالة بشتَّى أنواعها، وضعف فرص العمل؟ أبهذا نتحرر؟ لله المُشتكَى.

والحقيقة ما كنت لأكتب في هذا الباب لولا حُرقتي على هذا الدِّين الحنيف، ولولا ازديادُ حِدَّة هؤلاء الذين وجدوا مظلة مُكافحة الإرهاب آلةً وعصًا غليظة يُوظِّفونها لقمع كُلِّ مَن يتحدَّث في الدِّين، وازدياد نُفُوذهم، وما الزَّوبعة والضَّجة الإعلاميَّة الشرسة ضِدَّ جريدة التجديد التابعة لحزب العدالة والتنمية - عندما نشرت مقالاً وعظيًّا؛ تحذيرًا لما يَجري وينتشر في المغرب من سياحة جنسيَّة وثقافة السفور، وبالأحرى العُري الكامل في بعض الشواطئ المغربيَّة - عنَّا ببعيدة؛ لهذا السبب ظهرت شاعرة جديدة سفيهة، تُعلن التمرُّد والعصيان على الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وألتمس العذر للقارئ الكريم لعرض هاتِه الأبيات الشِّعرية، قالت، ولبئس ما قالت[10]:
ملعون  يا  سيدتي  من  قال   عنك        من     ضلع     أعوج      خرجتِ
ملعون   يا   سيدتي    من    أسماك        علامة    على    الرضا    بالصمتِ
ملعون منذ  الخليقة  من  قال  عنكِ        عورة من صوتك إلى أخمص قدميكِ
لكن الأقلام المخلصة لم تبقَ مكتوفةَ الأيدي؛ مما دفع بهذه الشاعرة إلى الظهور بمظهر جديد غريب بقولها: "الغرض من القصيدة هو إعادة الاعتبار للمرأة؛ لأنها هي مصدر الحياة ومنبعها ورمز العطاء، فأنا ألعن في القصيدة من يُروِّجون أقوالاً شعبية سائدة في المجتمع...".

يقول الداعية المغربي حماد القباج: "إذا كانت جاهلة بأن تلك أحاديثٌ نبويَّة، وأحكامٌ شرعيَّة، فتلك مصيبة؛ إذ لا يليقُ بمسلم أنْ يبلغَ به الجهل بدينه وأحاديث نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى ذلك الحد".

وإذا كانت عالمة، فالمصيبة أعظم؛ قال - تعالى -: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 4 - 5].

وهذه المرأة هي أمُّ جميل، التي كانت تُؤذي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشعرِها، ومنه قولها:
مُذَمَّمًا   أَبَيْنَا
وَدِينَهُ    قَلَيْنَا
وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا
فكان مصيرها ما ذَكَرَ اللهُ - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].

هل بعد هذا كله ما زال مَن يشكُّ أن اقتفاءَ أثرِ الحَدَاثيِّين العَلْمانيِّين من شأنه أن يوصلنا إلى ما وصلت إليه أوروبا وأمريكا من تفكُّكٍ أُسريٍّ وانحلال أخلاقي: السِّحَاق، اللِّواط، والعَلاَقات غير الشرعيَّة؛ مما جعل العقلاء منهم يدعون المرأةَ للرجوع إلى البيت؟

إنَّ المطالب بالمزيد من الأدلَّة والبراهين على بُطلان التصوُّر العلماني الحَدَاثِيِّ ودوره في تدمير الهُوِيَّة الإسلامية، والمشكك في آثاره المدمرة على الفرد والمجتمع حاله كحال من يطلب الدليل على إثبات النهار والشمس في رائعة النهار، ورحم الله الشاعر العربي إذ يقول:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَذْهَانِ شَيْءٌ        إِذَا  احْتَاجَ  النَّهَارُ  إِلَى  دَلِيلِ
وصفوة القول: ما كانت أوروبا بقيادة بُلدان الأجبان الدَّانمارك والنرويج أنْ تَتَجَرَّأ على سبِّ نبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لولا تخاذُل المسلمين وهروبهم واستهانتهم بدينهم الحنيف، والهروب من اتِّباع سنة نبينا المصطفى - صلَّى الله عليه وسلم.

الإسلام: المنهج الشمولي:

لدحض الأفكار والتصوُّرات السَّابقة وقف الأستاذ أنور الجندي، المعروف بجرأته المعهودة في الذَّوْد عن الإسلام - من دعاوى المبطلين، كالطَّوْد العظيم الذي لا يقهر، وهذا ليس إطراءً، ولكن إنجازاته في مُحاربة الفكر الماركسي الموبوء، وتجربته النَّاصعة في الردِّ على العلمانيِّين خيرُ دليل على ذلك، دون أن ننسى استبشاره خيرًا بالصحوة الإسلاميَّة التي غالبيتها العُظمى من الشباب الذين يُشكلون عقبة وجدارًا للوقوف في وجه هؤلاء الملاحدة؛ الذين يتفوَّهون بما لَذَّ وطاب من صور الطَّعن في دين الله - تعالى - الذي تولَّى بنفسه - عزَّ وجلَّ - حفظه من دعاوى المبطلين.

يقول فضيلة الأستاذ - رحمه الله -[11]: "يزداد إيقاع الأحداث في العالم كُلِّه مع تنامي عقود القرن الخامس عشر الهجري، الذي يُتوقع أن تصلَ الصَّحوة الإسلاميَّة فيه إلى مرحلة النُّضوج وامتلاك الإرادة واستعادة الحق، ومن يطالعِ الأحداثَ منذ بزوغ هذا القرن، يستطعْ أن يثقَ بأن المسلمين قد خلَّفوا فعلاً مرحلة البكاء على الأطلال، وترنيمات التَّهافُت على الماضي الذي انقضى، والحزن عليه".

ويضيف: "إنَّ الأحداثَ قد علَّمتِ المسلمين أنْ يخرجوا من دائرة العاطفة الجوفاء إلى دائرة البحث عن خطة، عن طريق، عن منهج يُمكن به تفادي الوقوع في الأخطاء مرَّة أخرى بعد أنْ كَشَفَتْ لهم حقائقَ كثيرة رُبَّما كانوا يَجهلونها، ووضَّحت لهم وجوهًا ربَّما كانوا حَسنِي الظَّن بها، وهي تخفي في أعماقها الرَّغبة في تدميرهم والقَضاء على كيانهم".

{هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119].

يجب أن يكون - كما قال الأستاذ الجندي رحمه الله - واضحًا لنا نحن المسلمين أنَّ المؤامرة التي بدأت مُنذ نزول القرآن وظهور الإسلام لا تزال مُستمرَّة، وهي في كُلِّ عصر تأخذ طابعًا مختلفًا، وقد نبَّأنا الله - تبارك وتعالى - من أخبارها؛ وجاءت الأحداثُ متوالية ومتتابعة؛ لتكشفَ لنا أبعاد المؤامرة التي تدبر للإسلام.

وقد وصلنا الآن إلى مرحلة توصف بأنَّها مرحلة اجتثاث الشجرة من جُذُورها، وهكذا تخطط القوى المتجمعة من غربيَّة وماركسيَّة وصِهْيَونيَّة؛ لكن هل تستطيع؟ وهل الإسلام الذي جاء لينقذ البشريَّة ويُخرجها من الظُّلمات إلى النُّور عرضة للأزمة؟ ومن الحق أن يقال: إنَّ الأزمة مُوجهة إلى المسلمين، وإنَّهم هم الذين سيتحمَّلون عواقبها إذا ما عجزوا عن حماية الأمانة الموكولة إليهم والحفاظ على بيضة الدين، فإذا تولوا فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.

أمَّا الإسلامُ فإنه باقٍ، وهو ملاذ البشرية كلها، وسوف ينصره الله إذا خذله أهله المتفرقون الآن والخاضعون للقوى المختلفة التي تضرب بعضهم ببعض، إنَّ أمامنا المثُلاَت والتَّجارِبَ والأحداث ما تزال قائمة، ويجب أن نلتمس عبرتها، ونُحاول أن نستفيدَ منها للوصول إلى طريق العمل الذي يجب أن يكون قد بدأ فعلاً.

فهذا القرن الخامس عشر الهجري هو قرن بناء الخطط العمليَّة؛ لتحرير العقل المسلم والنفس المسلمة من التبعيَّة للفكر الغربي الوافد، الذي خضعنا له أكثر من مائة عام، منذ فرض علينا قانون نابليون ومنهج دنلوب وخطط زويمر، ومنذ فرضت علينا إرساليَّاتُ التنصير مناهجها التربويَّة والتعليمية، التي تَحوَّلت إلى وزارات التعليم العربية، بكل ما تحمل من أخطار وآثام وازدواجيَّة.

ويستطرد فضيلة الأستاذ بكلمة بارعة، والأَوْلى أن تكتب بماء الذَّهب: "وليعلم المسلمون أن سقوطَ هذه (الأيديولوجيَّات) كلها هو لحساب الإسلام، وأنَّ الغرب لن يستطيعَ أن يسيطر على العالم ويقوده نحو الخضوع والتبعيَّة بعد أن أثبتت مناهجه و(أيديولوجيَّاته) عجزها وفسادها، وأعلن كبار العلماء والمفكرين الغربيِّين أنَّه لا أَمَلَ إلاَّ في الإسلام؛ فهو وحده القادر على إنقاذ البشرية...".

ولإبطال مفعول السموم الصِّهيَونيَّة المتلونة بلون القوميَّة، وللضرب على أيدي الاستئصاليَّة الاجتثاثية توقَّف أيضًا الأستاذ أحمد حسني، في مُحاضرته القيمة: "عظمة الإسلام"، عند دور الإسلام والسر في انتشاره وعظمته، حيث بيَّن أن الإسلام دين مُتكامل في الأمور الدنيويَّة والأُخرويَّة، ويتجلَّى ذلك فيما يلي:
Ÿ أنه دين الفطرة؛ فالنَّفس الإنسانيَّة تنزع إلى شيء هو من طبيعة فطرتها، ولا شكَّ أن أصلح النظم وأحبها إلى النُّفوس ما قبلته الطِّباع وألِفته، وأبعدها عن الصلاحيَّة ما نَفَرَت منها الطِّباع وهجته النُّفوس، فالدين أمرٌ فطري لدى البشر جميعًا، والإنسان خُلِق متدينًا بطبعه؛ قال - تعالى -: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "كلُّ مولودٍ يولد على الفِطْرة؛ فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يمجِّسانه"؛ رواه البخاري.

Ÿ أنَّه دين الوسطية والاعتدال؛ فيجمع بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وبين الثابت والمتحول، أو بلُغَةِ المقال: بين مصادر التشريع الإسلاميِّ ومستجدات العصر؛ قال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

Ÿ أنه دين يتَّفق مع العقل ويسير معه جنبًا إلى جنب، فلم يكن كبعض الشَّرائع التي تدعو إلى إهمال العقل؛ بل يحتكم في تقرير القضايا إلى العقل، ويعيبُ على من يُهمل عقله ويُلغي تفكيرَه، ويعتبره كالحيوان الأعجم؛ قال - تعالى -: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].

Ÿ معجزة القرآن الخالدة التي أعجزت الفُصحاء من العرب وما زالت تُعجز السُّفهاء الأنذال.

Ÿ أنَّه دين التربية، راعى حقوق الإنسان في التربية السليمة مع أوامر الدِّين وتوجيهاته منذ ولادته، بل قبل أن يولد؛ حيث وضع شروطًا للزواج الشرعي يجب توفُّرها في الزوجين.

Ÿ سموُّ مبادئه التي قام عليها في تنظيم حياة الناس من العدالة والحريَّة والمساواة والإخاء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلم -: "لا يُؤمن أحدكم حتَّى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه"[12].

أخيرًا، وليس آخرًا: قيل للإمام أحمد - رحمه الله -: كم بيننا وبين عرش الرَّحمن؟ قال دعوة صادقة من قلب صادق.

نسأل الله العظيم أن يكشف الغُمَّة عن هذه الأُمَّة، وأن يردها إلى صوابها، يا رحمن يا رحيم. 
 
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] "الأصولية والإرهاب الفكري"، عادل خزرون، مجلة النور، العدد: 440، (ص: 6).
[2] "منهج كتابة التاريخ"، مجلة المنهل، العدد: 599، (ص: 18).
[3] "مسلم"، 2885.
[4] للتوسُّع في الموضوع عليك الرجوع لكتاب "اللغة العربية: التحديات والمواجهة"، للأستاذ/ سالم مبارك الفلق.
[5] "الغزو الفكري"، الشبكة العنكبوتية.
[6] "مجلة منار الإسلام"، رجب 1427، (ص: 51).
[7] "التوحيد والوساطة في التربية الدعوية"، الدكتور فريد الأنصاري، دار الكلمة، المنصورة، ط1، 1424هـ - 2002م، (ص: 14).
[8] للتوسع في الموضوع عليك الرجوع إلى كتابَيِ الدكتور فريد الأنصاري: "البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي"، "التوحيد والوساطة في التربية الدعوية".
[9] "مجلة السبيل"، العدد: 13، (ص: 6).
[10] "الهوية الإسلامية ومؤامرة القضاء على الهوية الإسلامية"، أنور الجندي، بتصرف.
[11] "عظمة الإسلام"، مجلة المحجة، العدد: 253، بتصرف.
[12] رواه البخاري.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دراسة التاريخ بمنهجية الإسلام حق.. فأين المطالب؟
  • نهاية التاريخ والإنسان الأخير
  • مصطلح التاريخ
  • القضايا التاريخية بين ميزاني الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية
  • هل صار التحليل التاريخي كلأ مستباحا؟
  • التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم

مختارات من الشبكة

  • كيف نقرأ التاريخ؟ قراءة التاريخ لغير المتخصصين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التصوف في التاريخ العربي والإسلامي: نشأته، مصادره، تاريخه، تياراته، آثاره (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة التاريخ الكبير (ج1-3) ( تاريخ البخاري )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التاريخ العلمي والدعوي للمرأة المسلمة .. تاريخ مظلوم(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • التاريخ الهجري هو تاريخنا(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • التاريخ بين عناية الله والفاعلية الإنسانية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • كافور بين هجاء المتنبي وحقيقة التاريخ(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس وعبر من التاريخ والسير(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- شكر و تقدير
عبد العزيز ثاني يوسفي الورنيدي الشريف التلمساني - تلمسان 2011- الجزائر 30-04-2011 12:55 AM

شكر و تقدير لكل مساهم في انشاء و نشر المقال

هدية اليكم

أحب لقاء الأحباب في كل ساعة
لأن لقاء الأحباب فيه المنافع
فيا قرة الأعين تالله إنني
على عهدكم باق وفي الوصل طامع
لقد نبتت في القلب والله محبتكم
كما نبتت في الراحتين الأصابع
حرام على قلبي محبة غيركم
كما حرمت على موسى تلك المراضع


من أبيات شيخنا اب مدين شعيب  التلمساني رحمه الله تعالى

2- شكرا
عيدالله - السعودية 09-01-2010 03:09 PM
جزاك الله خيراً
1- مقالة مهمة
أبو زيد العنزي - بادية العرب 04-01-2010 09:42 PM
بحق مقالة مهمة ورائعة جدا, قرأتها مرتين. جزى الله الكاتب والناشر خير الجزاء.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب