• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

كليم الله موسى: شجاعة الكلمة وسكينة الرحمن

كليم الله موسى: شجاعة الكلمة وسكينة الرحمن
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/11/2014 ميلادي - 16/1/1436 هجري

الزيارات: 21660

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات وامضة مع الأنبياء

لمحات وامضة مع خِيرة الخلق (للنفوس التي أرهقتها الحِدثان)

الوقفة الثالثة مع موسى عليه السلام

كليم الله موسى: شجاعة الكلمة، وسكينة الرحمن


مقدمة:

ضريبة الاجتباء: المتميزون المصطفَوْن يقع عليهم بذلك الاصطفاء وتلك المسؤولية العظمى عبءٌ لا يوصف، بل إن مقدرتهم على حمل الأمانة لا يعلمها إلا المولى سبحانه؛ ولذلك اصطفاهم، وكانت رسالة موسى عليه السلام مثالاً أمميًّا مصغَّرًا، سَبَق المثال التام المكتمل في رسالة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، كما أن موسى - كإنسان - تمت صناعته على عين الله تعالى منذ ولادته، قال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، فسيرةٌ عن إنسان هذه صناعته، هي زاخرةٌ بالدروس الأخلاقية والتربوية، وسنتناول - بإذن الله تعالى - لمحات وامضة من تلك السيرة للنبي الثالث من أولي العزم من الرسل، عليهم صلوات ربي وسلامه؛ علَّنا نستفيد منها.

 

إضاءة في التوازن بين التلطف في الكلمة، والجرأة في الحق:

ولموسى مع الكلمة شأن، وأي شأن، أليس هو الكليم؟ وكلَّمه سبحانه تكليمًا، وخاطب فرعون وملأه، وخاطب قومه بالكلمة، وحاوَرَهم، ودعاهم، صابرًا على سوئهم المرة تلو المرة.

 

ولقد واجه موسى عليه السلام جبروت ثلاثة من صناديد الشرك والكفر، يمثلون طغيان السلطة والمال، لدرجة ادعاء الألوهية؛ هم: فرعون، وهامان، وقارون (العنكبوت 39)، فحقق معهم ذلك التوازن الصعب:

1- فهو - أولاً - أُرسل ليدعوهم للهدى ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 16 - 19]، والعجيب أن هذه العبارة الرفيقة ﴿ هَلْ لَكَ ﴾، يقولها موسى لمن؟! للذي ينادي: "أنا ربكم الأعلى"؟! بلى، فليس الهدف إقامة الحجة على مدعي الألوهية، وقاتل الأطفال، ليُلقى في جهنم! الهدف: إصلاح تلك النفس وهدايتها؛ لعله يتذكر، يتزكى، يخشى ويهتدي.

 

فهو أمر من الله تعالى بالتلطف في الدعوة، مهما كان المدعوّ، قال تعالى يخاطب موسى وهارون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

 

2- وهو - ثانيًا - أُرسل لينقذ قومه من استعبادهم وظلمهم، انظر قوله لفرعون: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 22]، كلمات تعلن بجرأة الحق أن حرية الإنسان هي فقط عندما يتحرر من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، وهو بدأهم بالدعوة الحوارية الفكرية في الخلق والتقدير للكون والإنسان ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 50 - 55]، وإن حواريته هذه مع فرعون بإيجاز قرآني بليغ، هي من أبلغ وأقوى ما يُدعى به متجبّر الأرض إلى طاعة جبار السموات والأرض، القاهر فوق عباده؛ لذلك رمَوْه بالجنون، وهدّدوه بالسَّجن - سلاح العاجز - قبل أن يقدم لهم المعجزات المادية الحسية التي تناسب تفكيرهم وثقافتهم، وتبرز عجزهم أكثر وأكثر، ولكنهم تمادوا في الطغيان "ظلمًا وعُلوًّا"، فزادوه تهمة السحر، وحشدوا له سَحَرة البلاد، ونعلم أنّ الله تعالى لا يترك عبده هَمَلاً بعد أن يجتبيه لحمل الأمانة، في سورة الشعراء: نرى كيف أن عزة فرعون الفراعنة أتفه شأنًا عند الله، من عصا يتوكأ عليها عبدٌ اصطفاه، قال - عزّ مِن قائل -: ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [الشعراء: 44، 45]، درس عملي لكل مَن يعتز بغير الله تعالى.

 

وهكذا بدت حياة موسى زاخرة بالمعجزات والآيات الربانية، صغرت أو كبرت، وأهمها أن الله تعالى كلمه تكليمًا، وجعل البحر يَبَسًا؛ لينجيه وقومه قبل إغراق مدعي الألوهية ومن معه من الجاحدين ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 13، 14].

 

3- وهو ما كاد يهنأ بالخلاص من هؤلاء بمعجزةِ شق البحر، حتى ابتُلي بنكوص قومه بني إسرائيل عن الحق، الذين بلغوا الذروة في التخاذل عندما قالوا له: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا ﴾ [المائدة: 24]، تخيل! أي ناس هم هؤلاء؟!

 

تأمل قولهم: ﴿ رَبُّكَ ﴾!! ما جبلّتهم؟! أليس هو ربهم سبحانه وتعالى كما هو رب موسى؟! والذي أنجاهم من سَوْم العذاب، وأغرق آل فرعون، وهم ينظرون؟!

 

فكانت معاناته معهم من معالم رسالته وشدة ابتلائه عليه السلام، وكان صبره على توليهم وأذاهم مع طول المدة مَضْرِبَ المثل لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده، حين قال: ((رحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر))؛ صححه الألباني، وسنرى بعض ذلك في الملمح الأخير.

 

إضاءة في أدب العالم والمتعلم:

من خلال ومضات تربوية لموسى مع الرجل الصالح من سورة الكهف:

أ- ما هو الهدف من العلم والتعليم؟

انظر ما يطلبه الأنبياء والصالحون؛ لتقتدي، إنه تَعَلُّم الرشد[1]، ومثال عملي: ما طلبه سيدنا موسى من الرجل الصالح: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

 

• أين تعلُّم الرشد من تربيتنا؟ نحن نبحث عن الصواب المادي: حلول المسائل صحيحة وصائبة ولو نقلها "الطالب" من صديقه، اختلاق الأعذار للتغيب، الحصول على الشهادة ولو ببعض الغش أو الرشوة، هل هذا "طالب" رشد؟!

 

• وأين الرشد من كثير من مناهجنا؟! تاريخ مغلوط، فلسفة الكفر، الشعر المسيء والسيئ، ناهيك عن التعقيد وسوء الترجمة لبعض المناهج.

 

في زمن قلب المفاهيم، تذكر وأنت تربِّي ولدك، وتُعلِّم طلبتك، أن الصواب المادي ليس رشدًا.

 

ب- التشمير وشدّ الهمة في الرحلة للعلم:

قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، حيث لقي موسى عليه السلام في سفره نَصَبًا، ولكنه أصر وتابع.

 

ج- الصبر على التعلم وطاعة المعلم:

لأن الطريق إلى الهدف "تعلُّم الرشد" هو ذاته الطريق إلى الهدف الأعظم لوجودنا؛ وهو إرضاء الله تعالى، وحسن عبادته، وهو ما عبَّر عنه موسى عليه السلام حين وعد أستاذه بالصبر على طاعته، وناط وعده بمشيئة الله تعالى، فجمع بين الأمرين: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].

 

وقد فهم علماؤنا أهمية الهدف في تحقيق الصبر، بعد التشمير وشد الهمة، فليس كل الأهداف يُصبر عليها، قال الإمام الشافعي: "إن كنت في الطريق إلى الله فاركض، وإن صعب عليك فهرول، وإن تعبت فامشِ، وإن لم تستطع كل هذا فسِرْ ولو حبوًا، ولكن إياك والرجوع"، وهو ما فعله موسى في سيرته.

 

د- أدب الاعتذار:

عندما لم يَفِ موسى عليه السلام بوعده قدَّم اعتذاره، طالبًا عدم المؤاخذة أولاً، ومُخليًا الأستاذ المعلم من مسؤوليته لدى الخطأ الثاني، إذا تكرر منه الخطأ؛ ليفترقا بعد الثالث، وهكذا، فمراحل الاعتذار مع تكرار الخطأ:

1) طلب الإعذار.

 

2) تكرار الاعتذار بصيغة الوعد بالالتزام بشروط المعلم وطاعته.

 

3) وفي الثالثة لابدّ من تغيير سلوكي جذري في العلاقة بين المتعلم والمعلم، وهي هنا أخذت شكل الافتراق، وتقابلها في مؤسساتنا التربوية أشكال متنوعة؛ أوسعها: مصطلح العقوبة، الذي ينبغي أن يكون بالشكل التربوي الإيجابي.

 

وتلك القاعدة العملية تفيد في جميع حالات الاعتذار في حياتنا، ولا تقتصر على العملية التربوية، كل ذلك بمنتهى الأدب والرفق، وليس بالسخط والتشاحن من أي من الطرفين: المعتذِر، أو المعتذَر له[2].

 

إضاءة من معالم هجرة موسى عليه السلام:

كما ذكرت كانت رسالة موسى عليه السلام لقومه مثالاً أمميًّا مصغَّرًا، وكذلك هجرته، مقارنة لها مع الهجرة في سيرة سيد الخلق رسولنا صلى الله عليه وسلم، وعلمنا أن تلك الهجرة كانت - ابتداء - تفاديًا للخطر على الحياة - حيث ترك موسى عليه السلام مصر، وانطلق خفية ﴿ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21]، ناجيًا برُوحه، عندما علم أنه سيُقتل - يجعلنا نرفع عن أنفسنا الحرج في ظروف مشابهة، وكل فتى يخرج خروجَ اضطرار من بلده لحفظ إحدى الضرورات الخمس أو كلها، يتذكر الفتى الشاب موسى، بالخطوات التالية:

• توجيه النية وتجديدها: في طلب موسى الهدى من ربه في هجرته، ويقينه أنه لن يضيعه.

 

• الدعاء لله تعالى، والتجرد والتذلل له.

 

• الأدب مع أهل البقعة التي هاجر إليها، بل وتقديم المعروف، فأقبل بشهامة على فتاتين تذودان غنمهما تجنبًا للاختلاط بالرعاء؛ ليستفهم بأوجز عبارة، ويخدمهما، فيسقي لهما، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ [القصص: 24]، فعوضه الله خيرًا، وكانت البشارات من الرجل الصالح، وأولها نجاته من كيد فرعون وجنده ﴿ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25]، ثم العمل والأجر، والزوجة الصالحة، فما أسرع ما استجاب الله تعالى دعاء المهاجر الصادق! وكما قيل: "صاحب المعروف لا يقع، وإذا وقع وجد متكأً".

 

ملمح بين الغضب والسكينة الرحمانية:

تزداد الحاجة للسكينة كلما ازدادت المسؤوليات، وعظمت المهام، حتى لو كان المرء حادَّ الطبع ابتداء، وحتى لو أحرز نجاحات تجعله يتعاظم في نفسه وبمن حوله، وأخيرًا حتى لو وقع به ما يخرجه إلى دائرة الغضب الكاسح وهو في موقع وساعة اتخاذ قرار حاسم، بل ولو كان غضبه هو لله تعالى ولدينه ابتداء، ولمصلحة الأمَّة؛ إذ إن الغضب مهما كان باعثه شريفًا وساميًا فلا بد لمواجهته من تحري السكينة؛ لتفسح المجال للتفكير المثمر، واتخاذ القرار الصائب، وتلك الحالات وإن كانت قد تعرض لأي إنسان بدرجات متفاوتة، إلا أن اجتماعها في سيرة أحد أنبياء الله - وهو من أولي العزم من الرسل - يجعل المسؤولية أعظم على عاتق كلٍّ منا في العلم بها، والعمل بمقتضيات السكينة في ترشيد وإنجاح عمل "الراعي المسؤول"[3] مهما كان موقعه في المجتمع.

 

وهو ما كان من حال نبي الله موسى عليه السلام عندما غضب لاتخاذ قومه العِجْلَ بعد أن غادرهم لميقات ربه، وكان عليه السلام سريع الانفعال والغضب للحق، الأمر الذي يمكن أن يفتح الباب لأخطاء في قيادة الأمة وإدارة المعركة بين الحق والباطل؛ من أخطرها: شق الصف، وتصديع الجبهة الداخلية، لولا أنْ سكَّنه الله تعالى بسكينته[4]، وهي سكينة أهَّلَهُ لها، وكان مصدرها المباشر إيمانه واستغفاره من جهة، وأخاه هارون الذي كان يتمتع بالرفق والسكينة الطبعية أكثر منه من جهة أخرى، قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150، 151]، ولعلها الآية الوحيدة من نوعها في القرآن الكريم، فيها تلك الاستجاشة الرحيمة ﴿ ابْنَ أُمَّ ﴾، الشجية النديّة، التي أطفأت فورة غضب موسى، وهذا يعطينا درسًا في اتّخاذ سَمْت المؤمن؛ ثباتًا وسكينة وصبرًا، حتى لو غضبنا لله تعالى فلا نخرج عن الأخلاق والأسس العملية لمصلحة الأسرة والمجتمع، بل والأمة، وإن كدنا نفعل وجاء من يذكّرنا - كأخ في الله مثلاً - فيجب أن نتواضع، ونتراجع؛ حتى لا نفتح الباب للشيطان بالبعد عن السكينة، ولنتخيل لو أن أحدنا مكان موسى عليه السلام، وكان هدفًا للشيطان:

• لبدا لنفسه ولمن حوله أنه محق في أن يغضب، ويغضب، ويفعل ما يشاء وهو غاضب؛ لأنه يغضب لله تعالى، يغضب لأن أخاه قصّر في حماية الدعوة، ولأن قومه أضلَّهم السامري.

 

• ولرَكِبَه العجب والغرور الخفي:

1- وهو الرسول قادمًا يحمل الألواح من الله تعالى.

2- وهو كليم الله تعالى.

3- وهو الذي قاد قومه في رحلتهم من مصر، وأظهَرَ الله المعجزات على يديه، وأهلك لأجله فرعون، فنجَّاه وأنجاهم، وهو...، وهو...، ومَن مِثلُه في كل ذلك (وغير ذلك) في زمانه وبين من سبقوه؟! بل مَن مثله في بعض ذلك حتى يومنا هذا، وحتى الساعة؟! أي أمجاد؟! وأي عطاءات؟! وأي إنجازات؟! وجلي أنّ الاستسلام لهذه الاعتبارات - وفيها ما فيها من الغرور، أو العزة بالرأي المتفرد - سيعني معركة بين الأخوين.

 

• ولفَرِحَ الشيطان، وانهارت أعمدة الدعوة إلى الله، وكل ذلك باسم العمل في سبيل الله.

 

ولكن موسى عليه السلام أعطانا درسًا في التجرد والانتصار على الأنا والهوى، ودرسًا في تطويع الطبع الغضبي بالسكن لرحمة الله والاستغفار، فسكت عنه الغضب، ولم يتملكه بفضلٍ من الله، عبر سكينة الرحمن وفيوضها، (وانظر الآيات 86 حتى 94 من سورة طه)؛ ليتابع مسيرته مع قومه في تعهدهم، ومد جسور الحوار معهم، والتواضع لهم، والصبر على شدة أذاهم، حتى صار قدوة ومثلاً، وفيه يقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر))[5].

 

أقف هنا - والحديث لا يريد أن يقف - مكتفية من الومضات بهذه التي جهدتُ في انتقاء وإيجاز بعضها.



[1] الرشد: أوجز تفسير له: الصواب.

[2] د. غنية عبدالرحمن النحلاوي، مقال الاعتذار، مجلة النور، بيت التمويل الكويتي.

[3] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ متفق عليه، وفي لفظ آخر عن ابن عمر فيه تفصيلات دقيقة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: ((والخادم راعٍ في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته))؛ صححه الألباني في صحيح الجامع - مرجع سابق- برقم 4445/ مج الرابع ص 183.

[4] البحث عن السكينة في الزمن الصعب؛ لكاتبة المقال، مخطوط.

[5] صححه الألباني برقم 3494 مج 3 / ص176.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة موسى مع فرعون
  • دعوة موسى عليه السلام لفرعون في القرآن الكريم والتوراة المحرفة - دراسة مقارنة
  • موسى وفرعون وكلام الله في نصيحة العمر
  • قصة موسى مع الخضر
  • القرآن وتوراة موسى
  • موسى وعاشوراء
  • موسى والخضر عليهما السلام
  • هل البحر انشق لموسى طريقا واحدا أو اثني عشر طريقا؟
  • كليم الله

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة جزء في ذكر كليم اللَّه موسى بن عمران صلوات اللَّه وسلامه عليه وما يتعلق بقبره(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فوائد ولطائف ومهام من حياة موسى الكليم عليه الصلاة والسلام(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كليم الله موسى عليه السلام (6)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كليم الله موسى عليه السلام (5)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كليم الله موسى عليه السلام (2)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كليم الله موسى عليه السلام (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كليم الله موسى عليه السلام (3)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كليم الله موسى عليه السلام (1)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثناء الكليم عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب