• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

فقه التدرج في دعوة نوح عليه السلام

فقه التدرج في دعوة نوح عليه السلام
د. أمين الدميري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/3/2014 ميلادي - 3/5/1435 هجري

الزيارات: 101323

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه التدرج في دعوة نوح عليه السلام


تمهيد

حال الناس قبل دعوة نوح عليه السلام (بيئة الدعوة):

أرسل الله - عز وجل - نوحًا عليه السلام إلى قومٍ يعبدون الأصنام المتمثِّلة في تماثيل أو أوثان صنعها القوم لأناس صالحين، ولكن الشيطان خطا بهم خطواته، وزيَّن لهم الأمر شيئًا فشيئًا، وسلك معهم سبيلَ التدرج حتى عبَدوا التماثيل التي صنعوها لهؤلاء الرجال الصالحين، وتشبثوا بعد ذلك وأصروا على هذا الصنيع، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23].

 

ويشرحُ لنا ابن كثير - رحمه الله تعالى - تلك الخطوات المُوصلة إلى عبادة الأصنام، وأن هذه التماثيل كانت لقومٍ صالحين ورجال مُحبَّبِين إلى الناس، فلما ماتوا عكَفوا حول قبورهم يزورونهم ويتذكَّرون كلامهم الطيب، وبمرور الزمن جاء جيل بعد الجيل الأول زيَّن لهم الشيطان فكرة أن يصنعوا لهم صورًا، ثم تطوَّرت الفكرة إلى أن جعلوا تلك الصور تماثيل ثابتة أبقى من الصور، ثم بعد مجيء أجيال جديدةٍ سلكوا سبيل التطوُّر فعبدوا الأصنام من دون الله.

 

يقول ابن كثير - رحمه الله -:

"إن وَدًّا كان مُحبَّبًا في قومه، فلما مات عكفوا حول قبرِه في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلمَّا رأى إبليسُ جزعَهم عليه تشبَّه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعَكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أُصوِّر لكم مثلَه فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم، فصوَّر لهم مثله، قال: ووضعوه في ناديهم يذكرونه، فلما رأى ما بهم مِن ذِكرِه، قال: هل لكم أن أجعل في منزل كلِّ واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم، قال: فمثَّل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به، قال: وتناسلوا ودرَس أمرُ ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلهًا يعبدونه من دون الله"[1].

 

وبهذا تعمَّقت جذور الكفر، وتأصَّلت عبادة الأصنام في عقول وقلوب الناس بفعل الإضلال الشيطاني؛ ليتبيَّن لنا أن زرع الأفكار وبناء العقائد أو تغييرها لا يمكن أن يتم فجأة أو دفعة واحدة؛ وإنما يكون على مراحل وبتدرج.

 

ولهذا؛ كانت المهمة صعبةً، والظروف قاسية بالنسبة لنوح عليه السلام، فلقد ظل يدعو قومه ليلاً ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، ومكث بين قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وأستطيع بعون الله تعالى أن أُحدِّد مراحل دعوة نوح عليه السلام موضحًا خصيصة التدرج فيما يلي:

1- البَدْء بتوحيد الله - عز وجل - ونبذ عبادة الأصنام.

 

2- مواجهة الملأ الذين تصدَّوا لدعوته.

 

3- طول أمد الدعوة؛ مما استدعى تنويع أساليبها وتدرجها من استعمال الرفق واللين والترغيب، ثم التأنيب والتوبيخ، ومواجهة ذلك منهم بالاستخفاف والاستهزاء والسخرية، وتعرُّضه للمساومة كي يَطرُدَ المؤمنين الفقراء.

 

4- اليأس من إيمانهم بعد إخبار الله تعالى له والدعاء عليهم.

 

5- هلاك المكذِّبين.

 

مراحل دعوة نوح عليه السلام:

1- المرحلة الأولى: وهي الدعوة إلى التوحيد:

سبق أن ذكرتُ أن أرض الدعوة كانت وثنيةً، فالقوم يعبدون عدَّة آلهة، وقد وجدوا على ذلك آباءهم وأجدادهم، حتى كان الآباء يُوصُون أبناءهم بالتمسُّك بعبادة تلك الأصنام وعدم التخلِّي عنها، وعلِم ذلك نوحٌ عليه السلام؛ حيث قال في دعائه: ﴿ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 27].

 

ذكر الرازي: "وكان الرجل منهم ينطلقُ بابنِه إليه، ويقول: احذر هذا؛ فإنه كذَّاب، وإن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك"[2].

 

ونتجه إلى سورة الأعراف؛ لنتعرَّف على بعض مراحل الدعوة، وأولها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم ﴾ [الأعراف: 59].

 

يقول الرازي: "في الآية فوائد:

1- أنه عليه السلام أمرهم بعبادة الله تعالى.

 

2- أنه حكم أن لا إله إلا الله، والمقصود من الكلام الأول إثبات التكليف، والمقصود من الكلام الثاني الإقرار بالتوحيد.

 

3- أنه حذَّرهم عذاب يوم عظيم، وهو إما عذاب يوم القيامة، وإما عذاب يوم الطوفان"[3].

 

2- المرحلة الثانية: رد الملأ ومواجهتهم:

لَمَّا دعاهم إلى عبادة الله وحده، وخوَّفهم عذابه، اتَّهموه بالضلال في بداية الأمر ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأعراف: 60]، واتَّهموه بالجنون كما ورد في سورة المؤمنون ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ [المؤمنون: 25]، وفي سورة القمر: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9].

 

واتَّهموه بالكذب كما في قوله تعالى: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27].

 

وسخِروا منه كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾ [هود: 38].

 

هذا بعضُ ما فعله وقاله الملأ، ولكن لماذا الملأ هم أعداء الرسل والرسالات؟!

والجواب قاله المفسرون: "الملأ: الكبراء والسادة الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء... وهم الذين يملؤون صدورَ المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتِهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجَّه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصلُ إلا في الرؤساء، وذلك يدلُّ على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر"[4].

 

لَمَّا اتهموه بالضلال قال: ﴿ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ ﴾ [الأعراف: 61]، وما أعظم هذا الردَّ، وما أبلغه!

 

يقول الرازي:

"فكان هذا أبلغَ في عموم السلب، ثم إنه لَمَّا نفى عن نفسه العيب الذي وصفوه به، ووصف نفسَه بأشرف الصفات وأجلِّها، وهو كونُه رسولاً إلى الخلق من رب العالمين، فذكر المقصود من الرسالة، وهو التبليغ والنصيحة ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ ﴾ [الأعراف: 62]، والفرق بين تبليغ الرسالة وبين النصيحة، هو أن تبليغ الرسالة معناه أن يُعرِّفهم أنواع تكاليف الله وأقسام أوامره ونواهيه، وأما النصيحة، فهي أن يُرغِّبه في الطاعة، ويحذره من المعصية، ويسعى في تقرير ذلك بالترغيب والترهيب بأبلغ الوجوه"[5].

 

وهؤلاء الملأ مِن عِليَة القوم وصَفْوة المجتمع، أصحاب المصالح، أعداء الإصلاح - اتَّهموا نوحًا عليه السلام بأنه ما اتَّبعه إلا الفقراء والعوامُّ وأصحاب الحِرَف، وطلبوا منه أن يطردَهم؛ ليكون المجلس مجلسَ الملأ، فهم الذين يملؤون القلوب هيبة، والمجالسَ أبَّهة، ولا يليق أن يجالسهم الأراذل، يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27].

 

يقول الرازي:

"طعنوا في نبوَّته بثلاثة أنواع من الشبهات:

الأولى: أنه بشر.

 

الثانية: كونه ما اتَّبعه إلا أراذل من القوم كالحياكة وأهل الصنائع، قالوا: ولو كنت صادقًا، لاتَّبعك الأكياس من الناس والأشراف منهم.

 

ونظيره قولُه تعالى: ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء: 111].

 

الشبهة الثالثة: لا نرى لكم علينا من فضل؛ لا في العقل، ولا في رعاية المصالح العاجلة، ولا في قوة الجدل... "[6].

 

أما الرد على هذه الاتهامات وتلك الشبهات، فقد سجَّله القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 28 -30][7].

 

ففي الآيات رد على الشبهات الثلاث السابقة:

فأما الشبهة الأولى: وهي أنه بشر، فقد رد عليها بقوله: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾، وهذه الشبهة هي المعجزة الدالة على النبوة، وأما الرحمة، فهي النبوة ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾[8]، ولكنهم في عمًى عن الحق، فالتبس عليهم الحق ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ بسبب عمى البصيرة.

 

وقوله تعالى: ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا ﴾، قال الرازي: "فيه ثلاثة مضمرات: ضمير المتكلم، وضمير الغائب، وضمير المخاطب"[9].

 

وأما الشبهة الثانية، وهي قولهم لا يتَّبِعك إلا أراذل الناس، فالرد عليها بقوله: ﴿ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾، وأنه لن يطرد الفقراء إرضاءً للأغنياء ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [هود: 29].

 

وأما الشبهة الثالثة: ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ... ﴾ [هود: 27]، فالردُّ عليها: "أن الله تعالى أعطاه أنواعًا كثيرة تُوجِب فضله عليهم، ولذلك لم يَسْعَ في طلب الدنيا، وإنما سعى في طلب الدِّين، والإعراض عن الدنيا من أمهات الفضائل باتفاقِ الكل، فلعل المراد تقريرُ الفضيلة من هذا الوجه"[10].

 

3- أساليب الدعوة المتنوعة وتدرجها مع طول المكث وكثرة الجدال:

لَمَّا دعا نوحٌ قومَه إلى عبادة الله وحده، وخوَّفهم عذابه وانتقامه، اتَّهموه بالضلال، فنفَى عن نفسه الضلال، وأخبرهم أنه مُبلِّغ عن الله تعالى، وأنه ناصح لهم، ثم نتأمَّل الترتيب في قوله تعالى وهو يخاطبهم: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 63].

 

يقول الرازي - رحمه الله -:

"بيَّن تعالى ما لأجله يبعثُ الرسول، فقال تعالى: ﴿ لِيُنْذِرَكُمْ ﴾، وما لأجلِه ينذر، فقال ﴿ وَلِتَتَّقُوا ﴾، وما لأجله يتَّقون، فقال تعالى: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، وهذا الترتيب في غاية الحسن؛ فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى الفوز بالرحمة في دار الآخرة"[11].

 

4- أساليب دعوة نوح عليه السلام:

أ - الدعوة بالليل والنهار، والسر والجهار، قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴾ [نوح: 5]، ﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ [نوح: 8، 9].

 

ولعله فهِم ما لهذا الأسلوب من أثرٍ على النفوس البشرية؛ إذ من الناس مَن يكون وعيُه وإدراكُه في النهار أكثرَ من الليل، ومنهم مَن يكون على العكس، فالصنف الأول دعاه بالنهار، والآخر دعاه بالليل، كما أنه لاحظ اختلافَ طبائع الناس، فوجد أن منهم مَن إذا وُجِّهت له الدعوة جهرًا أمام الناس، تأخذُه العزة والأَنَفة، ولا يمتثلُ للأمر المدعُوِّ إليه؛ تكبرًا أو تعاليًا، وصلفًا وغرورًا، وخوفًا من معايرة أهله وعشيرته، فهذا إذا دُعِي سرًّا، فإنه قد يمتثل إليه، وقد يخفيه سرًّا فترة من الزمن، وكان عليه السلام يُوجِّه الدعوة جهرًا لمن يلمس فيه الشجاعة والاحترام وعدم المبالاة والخوف من أحد، طالما اقتنع بصحة ما أقدم عليه[12].

 

ب- إقامة الأدلة على قدرة الله تعالى في الخلق، والتنبيه على كثرة نعمه وآلائه، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14] وقوله: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ [نوح: 17 - 20].

 

جـ- الترغيب في الطاعة وبيان ثوابها العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].

 

د- أسلوب التأنيب والتوبيخ بعد طول الحوار والجدل، وذلك في قوله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13].

 

ثم الدعاء عليهم، ولكن قبل أن يدعوَ عليهم اشتكى إلى ربه تعالى في قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح: 5 - 7]، وقولِه: ﴿ قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ [نوح: 21، 22].

 

ثم جاء الدعاء؛ دعاء المغلوب المظلوم، دعاء المتوكل على الله عز وجل، دعا عليه السلام بعدما أخبَره الله - عز وجل - أنه لن يُؤمِن من قومه إلا مَن قد آمن، ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36]، إذًا فلا فائدة، وليس إلا الدعاء عليهم:

• ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 26، 27]، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10].

 

فجاء النصر والانتقام؛ النصر والنجاة للمؤمنين الصابرين، والهلاك والانتقام من المجرمين المكذبين، وتلك سنة الله تعالى، ويصف لنا القرآنُ الكريم كيف كان الانتقام:

• ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11، 12].

 

• ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44].

 

• ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا ﴾ [نوح: 25].

 

وتحقَّق قدر الله ووعده، فقد سلط عليهم ماء السماء والأرض فأغرقهم واستأصلهم، وأنجى الله تعالى المؤمنين، وتَبْقَى سنةُ الله تعالى فيمن بعدهم، ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود: 48].

 

وهكذا تظهر لنا سُنَّة التدريج في دعوة نوح عليه السلام فيما يلي:

1- فهم بيئة الدعوة؛ لتحديد نقطة البَدْء.

 

2- الدعوة إلى نَبْذ الأصنام، وتوحيد الله عز وجل.

 

3- استعمال كافة الأساليب الممكنة والمتاحة لدى الداعي مع الصبر والتحمل.

 

4- مراعاة أحوال المخاطَبين ودعوتهم بالحكمة، وفي هذا يقول فضيلة الدكتور عبدالوهاب عبدالعاطي عبدالله:

"على الداعي أن يترسَّم خطى نوح عليه السلام في أساليبه المختلفة، كل أسلوب في مقامِه الذي يليق به، فلا يستعمل الداعي الحلمَ في مقام الشجاعة، ولا الشجاعة في مقام الحلم، ويتدرج في إقامة الأدلة"[13].

 

5- البَدْء بأسلوب اللين والرفق مع المدعوِّين، والترغيب أولاً ثم الترهيب والتوبيخ، ثم التعنيف والتخويف، ثم يدعو الله - عز وجل - أن يفتح بينه وبين قومه.

 

ولكن وبعد ألف سنة إلا خمسين عامًا من الدعوة والجهاد والصبر والتحمل، ماذا كانت حصيلة الدعوة، وماذا كان الحصاد؟

 

قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40].

 

أخبره الله - عز وجل - أن مهمته أوشكَت على الانتهاء، وأنه لن يستجيب له أحدٌ بعد ذلك، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40].

 

وطالما أن الأمر كذلك، فلا بأس من الدعاء عليهم، فدعا ربَّه، فاستجاب الله ونجَّاه ومَن معه وأغرق الآخرين، وشتَّان ما بين بداية الدعوة ونهايتِها، فلقد بدأت باللين والرفق والترغيب، وانتهت بأقسى ما يكون، وهو الدعاء عليهم والانتقام منهم وإهلاكهم بالغرق.

 

من كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج)"



[1] قصص الأنبياء؛ لابن كثير ص 45، مكتبة الصفا، طبعة أولى 2001م / 1422هـ.

[2] مفاتيح الغيب ص 752 جزء 10.

[3] مفاتيح الغيب ص 161 جزء 7.

[4] مفاتيح الغيب ص 163 جزء 7.

[5] مفاتيح الغيب ص 164 جزء 7.

[6] مفاتيح الغيب ص 507 جزء 8.

[7] مفاتيح الغيب ص 510 جزء 8.

[8] المرجع السابق.

[9] المرجع السابق.

[10] مفاتيح الغيب للرازي ص 512 جزء 8.

[11] مفاتيح الغيب ص 167 جزء 7.

[12] مناهج أولي العزم من الرسل؛ أ.د. عبدالوهاب عبدالعاطي عبدالله، ص32، طبعة أولى 1412هـ دار الطباعة المحمدية.

[13] مناهج أولي العزم من الرسل ص70.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التدرج في دعوة المسلم الجديد
  • التدرج في طلب العلم والدعوة
  • خطة عمل بحث : خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله
  • التدرج سنة إلهية في جميع الرسالات السماوية
  • سفينة نوح عليه السلام ( سفينة النجاة )
  • فقه التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام
  • فقه التدرج في دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • التدرج سنة ربانية ( تمهيد وتقديم )
  • التدرج في خلق السماوات والأرض
  • التدرج في التربية والهدف منها
  • من وحي قصة نوح عليه السلام
  • قصة سيدنا نوح عليه السلام
  • التلطف والتدرج: رفع للدرجات ودلالة على العلم وأدعى لقبول النفوس
  • لماذا نصح نوح عليه السلام قومه بالاستغفار؟
  • التدرج في الدعوة إلى الله تعالى
  • دعوة نوح عليه السلام

مختارات من الشبكة

  • كيفية التدرج في طلب الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر التدرج في انتشار الإسلام وترسيخ القيم الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • توصيات مهمة في مسألة التدرج في الدعوة إلى الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في التدرج في الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التدرج في الدعوة الإسلامية وأقسامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر التدرج في الدعوة إلى التوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في الدراسة: مقارنة وتحليل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حكم التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية، البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية نموذجا(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية بين التدرج والتحايل(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • من سنن الله تعالى في خلقه (10) التدرج في الأمر والنهي(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب