• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

موقعة القادسية

موقعة القادسية
فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/8/2013 ميلادي - 29/9/1434 هجري

الزيارات: 19950

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موقعة القادسية


في التاريخ الإسلامي أيامٌ لا تنسى، وذكريات لا تمحى، ومواقف خالدة، حفرها أصحابها في سجل التاريخ بمِداد دمائهم، لا بحبرِ أقلامهم، ومن ثَمَّ فإن هذه الصفحات لا تنسى على مر التاريخ، ولا تمحى على مرور الأيام وتعاقب الشهور والأعوام.

 

ومن هذه الأيام الخالدة يوم "القادسية"، اليوم الذي يعرف بيوم "سعد بن أبي وقاص" - رضي الله عنه - خال النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

النعمان بن مقرن، والمغيرة بن زرارة مع ملك الفرس يزدجرد:

كان سعدٌ قد بعث طائفة من أصحابه إلى يزدجرد ملك الفرس، وذلك قبل السير إلى القادسية، فلما وصلوا استأذنوا على الملك يزدجرد فأَذِن لهم وأجلسهم بين يديه، وكان متكبرًا قليل الأدب، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها؟ عن الأردية والنعال والسياط، ثم كلما قالوا شيئًا من ذلك تفاءل فردَّ الله فأله على رأسه، ثم قال لهم: ما الذي أقدمكم هذه البلاد؟ أظننتم أنَّا لما تشاغلنا بأنفسِنا اجترأتم علينا؟ فقال له النعمان بن مقرن: إن الله رَحِمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلُّنا على الخير ويأمرنا به، ويعرِّفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابتِه خيرَ الدنيا والآخرة، فلم يدعُ إلى ذلك قبيلةً إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده، ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمر أن ينهد إلى مَن خالفه من العرب ويبدأ بهم، ففعل فدخلوا معه جميعًا على وجهين مكروه عليه فاغتبط، وطائع إياه فازداد؛ فعَرَفنا جميعًا فضلَ ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، وأمرنا أن نبدأ بمَن يَلِينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف؛ فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين الإسلام، حسَّن الحسن، وقبَّح القبيح كله؛ فان أبيتم فأمرٌ من الشر هو أهون من آخر شر منه، الجزاء؛ فإن أبيتم فالمناجزة، وإن أجبتم إلى دينننا خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم، وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجزي قَبِلنا ومنعناكم، وإلا قاتلناكم، قال: فتكلَّم يزدجرد، فقال: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، ولا أسوأ ذاتِ بينٍ منكم، قد كنا نوكِّل بكم قرى الضواحي فيكفوناكم، لا تغزوكم فارس، ولا تطعمون أن تقوموا لهم؛ فإن كان عددُكم كَثُر، فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهَكم، وكسوناكم، وملَّكنا عليكم ملكًا يَرفُق بكم؛ فأُسكِت القوم، فقام المغيرة بن زرارة، فقال: إنك قد وصفتَنا صفة لم تكن بها عالِمًا، فأما ما ذكرتَ من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا، فلم يكن يشبهُ الجوع، كنا نأكل الخنافس، والجعلان، والعقارب، والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل، فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل، وأشعار الغنم، دينُنا أن يقتل بعضنا بعضًا، وأن يبغي بعضُنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنتَه وهي حية؛ كراهية أن تأكلَ من طعامه، وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرتُ لك، فبعث اللهُ إلينا رجلاً معروفًا، نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها، أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى أمر فلم يجبْه أحد أول من تربٍ كان له، وكان الخليفةَ من بعدِه، فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئًا إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا: إن ربكم يقول: أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقتُ كل شيء، وإليَّ يَصِير كل شيء، وإن رحمتي أدركتْكم فبعثتُ إليكم هذا الرجل؛ لأدلَّكم على السبيل التي أنجِيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلَّكم داري دارَ السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال: مَن تابعكم على هذا، فله ما لكم، وعليه ما عليكم، ومَن أبى فاعرِضُوا عليه الجِزْيَة، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومَن أبى فقاتلوه؛ فأنا الحكم بينكم، فمَن قُتِل منكم أدخلتُه جنتي، ومَن بَقِي منكم أعقبتُه النصر على مَن ناوأه، فاخترْ إن شئتَ الجِزْيَة وأنت صاغر، وإن شئتَ فالسيف أو تُسلِم فتنجي نفسك، ورفض يزدجرد أن يسلم، فرجع النعمان والمغيرة إلى سعدٍ.


ثم سار سعدٌ فنزل القادسية، وبث سراياه، وأقام بها شهرًا لم يرَ أحدًا من الفرس، فكتب إلى عمر بذلك، والسرايا تأتي بالمِيرة من كل مكان، فعجَّت رعايا الفرس أطراف بلادهم إلى يزدجرد من الذين يَلْقَون من المسلمين من النهب والسبي، وقالوا: إن لم تُنْجِدونا وإلا أَعْطَينا ما بأيدِينا، وسلَّمنا إليهم الحصون، واجتمع رأي الفرس على إرسال رُسْتُم إليهم، فبعث إليه يزدجرد فأمره على الجيش، فاستعفى رستم من ذلك، وقال: إن هذا ليس برأي في الحرب، إن إرسال الجيوش بعد الجيوش أشد على العرب من أن يكسروا جيشًا كثيفًا مرة واحدة، فأبى الملك إلا ذلك، فكان "رستم" هو قائد الفرس في هذه المعركة بأمرٍ من ملكهم "يزدجرد"، وقد حاول "رستم" التنصُّل من هذه المهمة، غير أنه اضطر للقيام بها تحت إلحاح ملكهم "يزدجرد"، وكانت معنويات الفرس منحطة تمامًا؛ نظرًا للانتصارات الباهرة التي سجَّلها المسلمون في معاركِهم السابقة، وكان من الحيل الرائعة التي قام بها "سعد بن أبي وقاص" - رضي الله عنه -إرساله المجموعات الاستكشافية من جنوده، وبعثه السرايا لتأتيَه بالأخبار، وتزوِّده بالطعام، حتى عرفت أيام قبل "القادسية" بأسماء ما كان فيها من طعام؛ كيوم "الأباقر"، ويوم "الحيتان"، وكان في هذا استنزاف للقوات الفارسية.


وتجهَّز رستم للخروج، ثم بعث سعد كاشفًا إلى الحِيرة وإلى صَلُوبا، فأتاه الخبر بأن الملك يزدجرد قد أمَّر على الحرب رستم بن الفرخزاذ الأرمني، وأمده بالعساكر، فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر: "لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم، ولا ما يأتونك به، واستعنْ بالله، وتوكل عليه، وابعثْ إليه رجالاً من أهل النظر والرأي والجَلَد يدعونه؛ فإن الله جاعلٌ دعاءهم توهينًا لهم، وفلجًا عليهم، واكتبْ إليَّ في كل يوم"، ولما اقترب رستم بجيوشه وعسكر بساباط، كتب سعد إلى عمر يقول: إن رستم قد عسكر بساباط، وجر الخيول والفيول، وزحف علينا بها، وليس شيء أهم عندي ولا أكثر ذكرًا مني لما أحببتُ أن أكون عليه من الاستعانة والتوكل.

 

وقد رأى رستم في منامه كأن ملكًا نزل من السماء، فختم على سلاح الفرس كله، ودفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر، وذكر أن رستم طاول سعدًا في اللقاء حتى كان بين خروجه من المدائن وملتقاه سعدًا بالقادسية أربعة أشهر، كل ذلك لعله يضجر سعدًا ومَن معه؛ ليرجعوا، ولولا أن الملك يزدجرد استعجل رستم ما التقى سعدًا؛ لِما يعلم من غلبة المسلمين لهم، ونصرهم عليهم، لما رأى في منامه، ولما يتوسَّمه، ولما سمع منهم، ولما عنده من علم النجوم، الذي يعتقد صحته في نفسه، لما له من الممارسة لهذا الفن.


موقف ربعي بن عامر ورستم:

ولما اقترب الجيشان بدأتِ المراسلة، فطلب "رستم" من "سعد" - رضي الله عنه - أن يبعث إليه رجلاً من رجاله، فاختار له "سعد" - رضي الله عنه - أسدًا من أسوده، وهو "رِبْعِي بن عامر" - رضي الله عنه - وقبل قدوم "ربعي" - رضي الله عنه - لجأ "رستم" إلى طريقة الإغراء، فزيَّن له مجالسه بالنمارق، وأظهر اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة، بَيْدَ أنهم فوجئوا برجل قصير القامة، عليه ثياب صفيقة، وأسلحة متواضعة، وفرس صغير، ولم يزل "ربعي" - رضي الله عنه - راكبًا فرسه حتى داستْ على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزَّقها، وأقبل على "رستم"، فقالوا له: "ضع سلاحك"، فقال: "إني لم آتِكم، وإنما دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت"، فقال "رستم": "ائذنوا له"، فأقبل - رضي الله عنه - يتوكَّأ على رمحه فوق النمارق، فخرق أكثرَها، فقال له "رستم": "ما الذي جاء بكم"؟، فقال - ويا نِعْمَ ما قال -: "إن الله ابتعثنا لنُخْرِج مَن شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومِن ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوَهم إليه، فمَن قَبِل ذلك قَبِلنا منه ورَجَعنا عنه، ومَن أبى قاتلناه أبدًا حتى نُفضِي إلى موعود الله"، فقال "رستم": وما موعود الله؟، قال: "الجنة لمن مات على قتال مَن أبى، والظفر لمن بقي"، قال "رستم": "قد سمعتُ مقالتَك، فهل لكم أن تؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحب إليكم؟ يومًا أو يومين؟ قال: "لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا"، فقال: "ما سنَّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نؤخِّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرِك وأمرهم، واخترْ واحدة من ثلاث بعد الأجل"، قال "رستم": أسيِّدهم أنت؟ قال: "لا، ولكن المسلمون كالجسدِ الواحد، يُجِير أدناهم على أعلاهم"، فاجتمع "رستم" برؤساء قومه، فقال: "هل رأيتُم قط أعزَّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟"، فقالوا: "معاذ الله أن تَمِيل إلى شيء من هذا، وتدع دينك إلى هذا الكلب! أما ترى من ثيابه؟"، فقال: "ويلكم، لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفُّون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب".


موقف المغيرة بن شعبة مع رستم:

لما رأى "رستم" ما رأى من "ربعي بن عامر" - رضي الله عنه - أرسل إلى "سعدٍ" - رضي الله عنه - يطلب رجلاً آخر ليرى هل هؤلاء القوم كلهم على وتيرة واحدة، أم لا؟ فأرسل له "سعد" - رضي الله عنه - "المغيرة بن شعبة" - رضي الله عنه - لكن "رستم" غيَّر من لهجته، فأظهر حدَّته، وأبدى غضبه وثورته، فقال أول ما قال لـ"المغيرة": "إنما مَثَلُكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل، فقال: مَن يوصلني إليه وله درهمان؟، فلما سقط عليه غَرِق فيه، فجعل يطلب الخلاص، فلم يجده، فجعل يقول: مَن يخلِّصني وله أربعة دراهم؟ ومَثَلكم كمثل ثعلبٍ ضعيفٍ دخل جحرًا في كَرْم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفًا رَحِمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئًا كثيرًا، فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليُخرِجه فلم يستطع لسمنه، فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، وقد أعلم أن الذي حملكم على هذا - معشر العرب - الجَهدُ الذي قد أصابكم، فارجعوا عنَّا عامَكم هذا، فإنَّكم قد شغلتمونا عن عِمارة بلادنا، وعن عدوِّنا، ونحن نوفر لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا، ونأمر لكم بكسوة، فارجعوا عنَّا عافاكم الله!".


فقال "المغيرة بن شعبة" - رضي الله عنه -: "لا تذكُر لنا جهدًا إلا وقد كنَّا في مثله أو أشدَّ منه؛ أفضلُنا في أنفسنا عيشًا الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ مالَه فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزلْ كذلك حتَّى بعث الله فينا نبيًّا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه الكتاب، فدعانا إلى الله، وإلى ما بعثه به، فصدَّقه منا مصدِّق، وكذَّبه منَّا آخر، فقاتَل مَن صدَّقه مَن كذَّبه، حتى دخلنا في دينه؛ من بين مُوقِن به، وبين مقهورٍ، حتى استبان لنا أنه صادق، وأنه رسول من عند الله، فأمرنا أن نقاتل مَن خالفنا، وأخبرنا أن من قُتِل منَّا على دينه فله الجنَّة، ومن عاش ملك وظهر على من خالفه، فنحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله، وتدخل في ديننا، فإن فعلتَ كانتْ لك بلادُك، لا يدخل عليك فيها إلا مَن أحببتَ، وعليك الزكاةُ والخُمُس، وإن أبيتَ ذلك فالجِزْيَة، وإن أبيتَ ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك".


قال رستم: إنكم جيراننا، وكنا نُحسِن إليكم، ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم، ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا، فقال له المغيرة: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولاً، قال له: إني قد سلطتُ هذه الطائفةَ على مَن لم يَدِنْ بديني، فأنا منتقم بهم منهم، واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرِّين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذَلَّ، ولا يعتصم به إلا عَزَّ، فقال له رستم: فما هو؟ فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به، فشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، فقال: ما أحسن هذا؟! وأي شيء أيضًا؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، قال: حسنٌ أيضًا، وأي شيء أيضًا، قال: والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال: حسن أيضًا، أرأيتَ إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: إي والله، ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة، قال: حسن أيضًا، فقال رستم: إذًَا نقتلُكم، قال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلناكم دخلتم النار، وأقسم رستم بالشمس لأقتلنَّكم، فقال المغيرة: ستعلم، ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرتُ لكم بكسوة، ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب، وتنصرفون عنا، فقال المغيرة: أَبَعْدَ أن أوهنَّا مُلكَكم، وضعَّفنا عزَّكم؟ ولنا مدَّة نحو بلادكم، ونأخذ الجِزْيَة منكم عن يدٍ وأنتم صاغرون، وستصيرون لنا عبيدًا على رغمكم، فنخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون إلينا، أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نعبر إليكم، قال "رستم": "ما كنت أظنُّ أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب، لا أُمسِي غدًا حتى أفرُغَ منكم، وأقتلكم كلَّكم".

 

"أبو محجن" - رضي الله عنه - و"البلقاء":

كان "أبو محجن" قد حبسه "سعد" - رضي الله عنه - عند "زبراء" أم ولد "سعد" - رضي الله عنه - لشربه الخمر، فلما سمع "أبو محجن" - رضي الله عنه - صهيلَ الخيل، وقَعْقَعة السيوف، خاطب "زبراء" قائلاً: "يا زبراء، أطلقيني، ولك عليَّ عهد الله وميثاقه، لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رِجْلي"، وكان مما قال - رضي الله عنه -:

كفى حَزَنًا أن تَردِيَ الخيل بالقَنَا
وأُترَكَ مشدودًا عليَّ وثاقيا
إذا قمتُ عنَّاني الحديدُ وأُغلِقت
مصاريعُ دوني لا تجيب المناديا
وقد كنتُ ذا مالٍ كثير وإخوةٍ
فقد تركوني واحدًا لا أخَا لِيا

 

فأطلقتْه "زبراء"، وحملتْه على فرس لـ "سعد" يقال له "البلقاء"، وخلَّت سبيلَه، فجعل - رضي الله عنه - يشدُّ العَدْوَ شدًّا، و"سعد" - رضي الله عنه - ينظر إليه ويقول: الضربُ ضرب "أبي محجن"، والكرُّ كرُّ "البلقاء"، فلما أن فرَغوا من القتال، وهزم الله جموع الفرس، رجع "أبو محجن" إلى "زبراء" وفاءً بوعده بعد أن أرضى ربَّه بقتال عدو الله، ووفاء بوعده لـ "زبراء"، فأدخل رجلَه في قيده، فلما نزل "سعد" - رضي الله عنه - من رأس الحصن رأى فرسه تعرق، فعَرَف أنها قد ركبت، فسأل عن ذلك "زبراء" فأخبرته خبر "أبي محجن"، فأخلى سبيله.


إن "أبا محجن" - رضي الله عنه - وقع في ذنبه هذا، لكنه لم يلبثْ أن ندم على فعله، ولقد تحرك الإيمان في قلبه، حتى بدت الحسرة عليه، وهو مقيَّد في وقتٍ يحتاج فيه الإسلام إلى نصرته، ولست أدري من أي المواقف نعجب؟! من حرقة "أبي محجن" على الإسلام، أم من صدقه ووفائه بعهده ووعده مع "زبراء"، أم من إخلاص الرجل ورضائه بأن يكونَ في القيد بعد قتاله"؟ ولا يعلن عن موقفه حتى علم به "سعد" - رضي الله عنه - وإن هذه لدلالة رائعة على أن كل إنسان مطالَب بنصرة هذا الدين، وأن صاحب المعصية لا تُعْفِيه معصيته من نصرة دين الله - جل وعلا.


ولما دنا جيشُ رستم من سعد أحبَّ سعدٌ أن يطَّلع على أخبارهم على الجلية، فبعث سرية لتأتيَه برجلٍ من الفرس، وكان في السرية طُلَيحة الأسدي الذي كان ادَّعى النبوة ثم تاب، وتقدم الحارث مع أصحابه حتى رجعوا، فلما بعث سعدٌ السريةَ اخترق طليحة الجيوش والصفوف، وتخطى الألوف، وقتل جماعة من الأبطال حتى أسَرَ أحدهم، وجاء به لا يملك من نفسه شيئًا، فسأله سعدٌ عن القوم فجعل يصفُ شجاعة طليحة.

 

وعبَّأ رستم، فجعل على المقدمة - وهي أربعون ألفًا - الجالنوس، وعلى الميمنة الهرمزان، وعلى الميسرة مهران بن بهرام، وذلك ستون ألفًا، وعلى الساقة البندران في عشرين ألفًا؛ فالجيش كله ثمانون ألفًا، وفي روايةٍ كان رستم في مائة ألف وعشرين ألفًا، يتبعها ثمانون ألفًا، وكان معه ثلاث وثلاثون فيلاً؛ منها فيل أبيض كان لسابور، فهو أعظمها وأقدمها.

 

صلى سعدٌ بالناس الظهر، ثم خطب الناس فوعظهم، وحثهم، وتلا قوله -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]، وقرأ القراء آيات الجهاد وسوره، ثم كبَّر سعد أربعًا، ثم حملوا بعد الرابعة فاقتتلوا حتى كان الليل فتحاجزوا، وقد قتل من الفرقين بشرٌ كثير، ثم أصبحوا إلى مواقفهم فاقتتلوا يومَهم ذلك وعامة ليلتهم، ثم أصبحوا كما أَمْسَوا على مواقفهم، فاقتتلوا حتى أمسوا، ثم اقتتلوا في اليوم الثالث كذلك، وأمستْ هذه الليلة تسمَّى ليلة الهرير، فلما أصبح اليوم الرابع كان سعد - رضي الله عنه - قد أصابه عِرْق النَّسَا، ودمامل في جسده، فهو لا يستطيع الركوب، وإنما هو في قصر متكئ على صدره فوق وسادة، وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، وقد جعل أمر الحرب إلى خالد بن عرفطة، وجعل على الميمنة جَرِير بن عبدالله البجلي، وعلى الميسرة قيس بن مكشوح، وكان قيس والمغيرة بن شعبة قد قَدِما على سعدٍ مددًا من عند أبي عبيدة من الشام، فاقتتل المسلمون قتالاً شديدًا، وقد قاسَوا من الفِيَلة بالنسبة إلى الخيول العربية - بسبب نفرتها منها - أمرًا بليغًا، وقد أباد الصحابة الفِيَلة ومَن عليها، وقلعوا عيونها، وأبلى جماعةٌ من الشجعان في هذه الأيام؛ مثل: طليحة الأسدي، وعمرو بن معديكرب، والقعقاع بن عمرو، وجَرِير بن عبدالله البجلي، وضرار بن الخطاب، وخالد بن عرفطة، وأشكالهم وأضرابهم، فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم - ويسمَّى يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرَّم، سنة أربع عشرة؛ كما قاله سيف بن عمر التميمي - هبَّت ريح شديدة، فرفعتْ خيام الفرس عن أماكنها، وألقتْ سرير رستم الذي هو منصوبٌ له، فبادر فرَكِب بغلتَه وهَرَب، فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا جالينوس مقدِّمة الطلائع القادسية، وانهزمت الفرس - ولله الحمد والمنة - عن بكرة أبيهم، ولحقهم المسلمون في أقفائهم، فقتل يومئذٍ المُسَلْسَلون بكمالهم، وكانوا ثلاثين ألفًا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقتلوا قبل ذلك قريبًا من ذلك، وقتل من المسلمين في هذا اليوم وما قبله من الأيام ألفان وخمسمائة - رحمهم الله - وساق المسلمون خلفهم المنهزمين حتى دخلوا وراءهم مدينة الملك يزدجرد، وهي المدائن التي فيها الإيوان الكسروي، وقد غنم المسلمون من وقعة القادسية هذه من الأموال والسلاح ما لا يحدُّ ولا يوصف كثرة، فحصِّلت الغنائم بعد صرف الأسلاب، وخمِّست وبُعِث بالخُمُس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد قتل "رستم" على عناده واستكباره على يد "هلال بن عُلَّفة التيمي"، وأخيرًا فإن يوم القادسية يوم من أيام الله، ومعركة فاصلة من معارك الإسلام، نسأل الله أن يُعِيد لنا هذه الأيام، وتلك المعارك؛ ليعود للإسلام عزه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية وفتح المدائن
  • القادسية معركة غيرت مسار التاريخ
  • معركة القادسية ملحمة رمضانية
  • بطولة أبي محجن الثقفي يوم القادسية
  • موقعة ذات السلاسل
  • وقعة برزند سنة 112هـ
  • موقعة وادي سليط سنة 240 هـ

مختارات من الشبكة

  • صدر حديثاً كتاب (مواقع العلوم في مواقع النجوم) لجلال الدين البلقيني(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • دراسة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي: واقع... نتائج...طموح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مواقع الإنترنت الربحية(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • قصة معركة القادسية(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سعد بن أبي وقاص بطل القادسية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • يوم القادسية(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • في رمضان كانت موقعة البويب الجهادية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التقييم الكمّي لمواقع الويب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أقارن نفسي بالمشهورين على مواقع التواصل(استشارة - الاستشارات)
  • خطبة: مواقع التواصل دمرت بيتي(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- احدى الحسنيين
خالد - السودان 06-08-2013 02:21 PM

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب