• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

القضايا التاريخية بين ميزاني الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية

د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/8/2011 ميلادي - 24/9/1432 هجري

الزيارات: 20234

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القضايا التاريخية بين ميزاني الثقافة الغربية

والثقافة الإسلامية


إنَّ الباحثَ في قضايا التَّاريخ والمتقصي لأخباره لا يروم من وراء الرُّجوع إلى الماضي الاستمتاعَ بحوادثه ورواياته؛ بل الهدف منه استخلاص العِبَر والعظات، واستكشاف القوى المحرّكة للتَّاريخ، ومع ذلك يَجب التنبيه، وأخْذُ الحيطة والحذر من المزالق والتشويهات، التي قد يُلحقها الباحث "الإسطوغرافي" على بعضِ القضايا التاريخيَّة، فيدخلها في خانة الانتحال والتلفيق والتنميط، وخاصَّة مع موجة الغزو الفكري، الذي هو مجموعة الجهود التي تقوم بها أُمَّة من الأمم للاستيلاء على أمَّة أخري، أو التأثير عليها حتَّى تتجه وجهة معينة، وهو أخطر من الغزو العسكري؛ لأنَّ الغزو الفكري ينحو إلى السريَّة، وسلوك المسارب الخفية في بداية الأمر، فلا تُحسُّ به الأمة المغزُوَّة، ولا تستعدُّ لصدِّه والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له، وتكون نتيجته أنَّ هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس، تُحب ما يريده لها عدوها أن تحبه، وتكره ما يريد منها أن تكرهه.[1]


وقديمًا قيل: لا حضارةَ من دون قاموس، ولا قاموسَ من دون مصطلحات، وكأنَّ المصطلح كائن بكينونة الحضارة، وزائل بزوالها، فالمصطلحات تحيا كما يَحيا النَّاس، وتشيخ كما يشيخون، وتَموت كما يَموتون، ومن المفارقات العجيبة أنْ نَجد للمصطلح مَيْزَتَيِ الرسوم والتبدُّل، وهو الوصف الذي يعطيه شحنة تاريخية لا تُنسى عند شعوب الحضارات.[2]


وسعيًا منَّا للأخذ بالمنهج العلمي؛ نقف عند المفاهيم والمصطلحات المهيكلة للموضوع في أُفُق مناقشة بعضِ القضايا المنهجيَّة في قراءة التاريخ، ودَوْر الغزو الفكري في نشر القراءة التاريخية في البرامج التعليمية العربية والإسلامية، بل حتَّى في المنابر الإعلاميَّة؛ مما ينعكس سلبًا على هُوِيَّتِنَا وأبنائنا وأمَّتنا وعقيدتنا:

• التَّاريخ لغة يعني تَحديد الزَّمن، وهي كلمة مشتقة من مادة "أرَّخ يؤرخ"، التي تعني الشهر في اللُّغات السامية القديمة، كاللُّغة الأكادية والبابلية والأشورية، وتطلق لفظة تاريخ تارة على الماضي البشري ذاته، وتارة على الجهد المبذول لمعرفة الماضي ورواية أخباره، أو العلم المعني بهذا الموضوع.

 

تعريف ابن خلدون المتوفَّى في 1406م: "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيَّام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتَحقيق وتعليل للكائنات، ومبادئها وعلم بكيفيَّات الوقائع وأسبابها عميق".

 

• ابن خَلْدُون في مقدمته: "إنَّ فنَّ التاريخ فن جمُّ الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على الأحوال الماضية من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سِيَرهم، والملوك في دولهم وسياساتِهم...خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العُمران من الأحوال؛ من حيث التقدُّم والتأخُّر وعلاقات البشر ببعضهم، وقيام الدول وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصَّنائع، وسائر ما يَحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال"[3].

 

ولَمَّا كان التَّاريخ اليوم أحد الأسلحة التي تُستخدم من قبل الأدعياء قبل الأعداء في مجال التَّوجيه وصياغة الأفكار، ونشر المبادئ وتأييدها، كما أنَّه أصبح يأخذ دوره في الصِّراع العَقَدي بين الأمم؛ ("نظرية صدام الحضارات التي روجها الأمريكي صامويل هانتجتون"، و"نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما)، ومن هنا كان لزامًا على أبناء الأُمَّة عمومًا العنايةُ بالتاريخ، والنظر في بعض قضاياه؛ لئلا يزيغ بهم الطريق، هناك غفلة لدى كثير من المسلمين عن أعدائهم الذين يتربصون بهم الدَّوائر، ويَحيكون لهم المؤامرات، وينتظرون الفرصة للقضاء عليهم.

 

يا مَن تَرى، ما أهم القضايا التاريخيَّة التي يسعى الغرب ومِن ورائه صُنَّاعه إلى تنميطه، وجعله ثقافة راسخة بين صفوف أبناء الأمة الإسلاميَّة؟

 

إليك - أخي القارئ - بعضَ القضايا، بعضها يتمُّ ترسيخها في البرامج التعليميَّة، وبعضها الآخر يتم إذاعتها في وسائلِ الإعلام المختلفة، وبين "النخبة المثقفة"، ومِنْ ثَمَّ تصبح سهلة الابتلاع.

 

قضية التحقيب التَّاريخي:

قام الغرب بدِراسة التاريخ بناء على تقسيم تحقيب ثلاثي - للأسف وَقَعَ في فخِّه أغلب الكتابات الإسلاميَّة، كأنَّه وحي مُنَزَّل، وكأنَّ ما وقع في أوروبا الغربية ينطبق على جُلِّ مناطق العالم - يصنف إلى ثلاثة عصور:

1- العصر القديم: ويبدأ من بداية العالم إلى سُقُوط روما سنة 476م، وهو في نظرهم عصر الحضارات الغربيَّة "الرومانيَّة، والإغريقيَّة".

 

2- العصر الوسيط: ويبدأ من سقوط روما إلى سُقُوط القسطنطينيَّة سنة 1453م، وتشكِّل هذه المرحلة بالنسبة للغرب الأوربي عَصْرَ انحطاطِ وتسلُّطِ الكنيسة، ومعها رجالاتُها على جميع دواليب، مما أسْهَمَ في تكريس التخلُّف العقلي وكل أشكال الظُّلم: المالي: "صكوك الغفران..."، والثَّقافي: "فرض نظرية تسطيح الأرض؛ كلُّ من عارض الفِكْرة يُعرِّض نفسه للهلاك"، والاجتماعي: "النبلاء والإكليروس يسيطرون على أموال الشعب".

 

3- الفترة الحديثة والمعاصرة: تبدأ من سقوط القسطنطينية إلى العصر الحاضر، وهي فترة إن كانت في القاموس التَّاريخي الأوروبي تُمثِّل أَوْجَ نَهضتها التكنولوجيَّة، فإنَّها في المقابل أسهمت في استغلال الشُّعوب المستضعَفة في الأرض في إطار ما يُسمى بـ"الإمبريالية والاستخراب العالمي".

 

نعم، إذا كان هذا التقسيم مستساغًا في الكيانات الغربية، فإنَّ البناء الحضاري الإسلامي بريءٌ منه ممن ابتكروه وسطَّروه.

 

نعم، شتَّان بين الثَّرى والثُّريَّا، وشتَّان بين الأرض والسماء! فالأمة الإسلامية تجري وفق السنن الربانية، فمتى تَمسكت بحبلِ الله، وسنة الحبيب المصطفى، نالت العزة والتمكين، ومتى حادت عن الطَّريق، نالها الهوان، وتكالبت عليها الأُمَمُ، وصارت قصعة مستباحة لكلِّ من هبَّ ودبَّ، ولله المشتكى! يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، فلو ألقينا نظرة على التحقيب التاريخي للمسلمين في مقابلة مع التحقيب السابق، لوجدنا بونًا شاسعًا بينهما.

 

هذا التقسيم إذا كان مقبولاً من وجهة النَّظر الغربية، فإنَّه غير مقبول من وجهة النظر الإسلاميَّة؛ ذلك لأن المحطة البارزة في تاريخ المسلمين غطَّت المرحلةَ الوسيطة بتقسيمهم، التي تُسمَّى عندهم عصر الظَّلام.

 

وعلى ضوء ذلك قسَّم الأستاذ علي القاضي التَّاريخ من وجهة نظر الثَّقافة الإسلامية إلى ما يلي:

أ- التاريخ القديم: ويَشمل الجاهليَّة الأولى، والإيمان دعوة، ويشمل التَّاريخ حتَّى بعثة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ب- التاريخ الوسيط: من عهد النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: الإسلام دولة والكُفر دعوة.

ج- التاريخ الحديث: الإسلام دعوة والكفر دولة.

 

يَمتد التاريخُ الإسلامي على فترة زمنيَّة طويلة تُغطي مُعظم العُصُور الوسيطة - التي تعرف بعصور الظَّلام في التاريخ الغربي - على مساحة جغرافيَّة واسعة، تَمتد من حدود الصين إلى غرب أسيا وشمال أفريقيا، وصولاً إلى الأندلس، ويُمكن اعتبار التَّاريخ الإسلامي مرحلة تَمتد منذ بداية الدَّعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثُمَّ تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى نهاية الإمبراطورية العثمانية، التي تعتبر آخر الإمبراطوريَّات التي كانت تَحكم باسم الإسلام، ثُمَّ أصبحت دول متفرقة متشرذمة على المساق الإمبريالي الاستخرابي، ولكن نأمل أنْ تعودَ الأمة إلى عزِّ عهدها وكرامتها، والله نسأل أن يردَّ هذه الأمة إلى دينها ردًّا جميلاً، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.

 

قضية تفسير التاريخ:

أ - تفسير التاريخ وفق النظريات الوضعية:

1 - النظريَّات المادية الاقتصاديَّة: والتي دعا إليها (كارل ماركس)، وتنصُّ على أنَّ التاريخ يعيشُ في صراعٍ "في عصر النِّظام العبودي: السيد، العبد، النِّظام الفيدرالي: السيد، الإقطاعي، النظام الرأسمالي: البورجوازي، البروليتاري أو العامل"، وتبدُّل في قيمه وموازينه حَسَبَ تبدُّل وسائل الإنتاج وتطورها، وكان موقفها من الدِّين موقفًا عنيفًا دَعَت إلى إقصائه من الحياة العامَّة بقول ماركس: "إنَّ الدين ابتكرته الطبقة الغنيَّة - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا - لتتلهى به الطبقة الكادحة".

 

2 - النظريَّة الغريزيَّة الجنسية: ومن روَّادها (سيغموند فرويد)، وهي تنصُّ على أنَّ الدوافع الجنسية هي المفسرة للأحداث التاريخية.

 

3 - النظرية المثالية: والتي من دعاتها (هيجل)، وتنص على أنَّ التاريخ يشرف على الأحداث من وجهة نظر كلية غير خاضعة للزَّمن، وهي وجهة نظر عقلية؛ لأنَّ العقل - في نظره - جوهر العقل، والعقل كما يراه (هيجل) هو الذي يَحكم العالم.

 

4 - النظريَّة القومية والعرقية: وتنص على أنَّ الأحداث التاريخيَّة وبواعثها تنشأ من اللغة والتجمُّع الواحد، فمثلاً: يفسرون التاريخ على أساس عرقي وقومي، ولكن هذه النَّظرية تأخذ أبعادًا أخرى في هذا العصر؛ ولكن بطعم خاصٍّ، وبنكهة مُميزة، عليها شعار: خالف تُعرَف.

 

5 - النظرية الحضارية: والتي دعا إليها (أرنولد توينبي)، وتنصُّ هذه النظريَّة على أن نشوء الحضارات يقوم على مَبْدَأيِ: التحدي والاستجابة، ويفسر الأحداث التاريخيَّة على أساس الجانب المادي والرُّوحي[4].

 

ب - تفسير التاريخ من خلال السنن الربانية:

• تفسير التاريخ بناء على قواعد ربانية: من خلال السنن الربانيَّة في كتاب الله وسنة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - نفهم التاريخ، ونفسر أحداثه، ونعرف عواملَ البناء والأمن والاستقرار والبقاء، وعوامل الهدم والخوف والسُّقوط والتدمير، وأنَّ هذه السنن مرتبطة بالأمر والنهي، والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، فإذا أتى الإنسان بالأمر، واجتنب النهي، ووقف عند حدود الله، أصاب خير السنّة الربَّانيَّة، وإذا أهمل الأمر وخالفه، وارتكب المنهي عنه، ووقع في حدود الله، أصاب شر السنة الربانية؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، هذا هو المنهج الذي يفسر به تاريخ البشرية كلها، الوزن بميزان العقيدة والإيمان؛ ﴿ قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104].

 

• التاريخ أحد الأسلحة التي تستخدم في مجال التَّوجيه، وصياغة الأفكار، ونشر المبادئ وتأييدها، كما أنَّه أصبح يأخذ دوره في الصِّراع العقدي بين الأمم، فالتَّاريخ الإسلامي هو تاريخ دين وعقيدة قبل أن يكونَ تاريخ دول ومعارك ونظم سياسية؛ لأنَّ العقيدة هي التي أنشأت تلك الكيانات من الدول والمجتمعات بنظمها السياسية والإدارية والتعليميَّة والاقتصادية وغيرها.

 

• الإيمان ودَوْره في تفسير الأحداث: فدارس التاريخ الإسلامي إنْ لم يكن مدركًا للدَّور الذي يمثله الإيمان في حياة المسلمين، فإنَّه لا يستطيع أن يعطي تقييمًا علميًّا وواقعيًّا لأحداث التَّاريخ الإسلامي.

 

المثال الأول: هجرة المسلمين من مكَّة إلى المدينة كانت هجرة من أجل المبدأ، يوجهها الإيمان الذي كان بالنسبة للمسلمين المهاجرين المحرِّك الذي ساق الأفراد والجماعات إلى مصايرهم، وإلى صنع تاريخهم، فلم تكُن هجرة من أجل الوطن أو المال أو المنصب؛ إذ تركوا مِن ورائهم وطنَهم وأموالهم ودُورهم ومتاعهم؛ فرارًا بدينهم من الفتن، واستمساكًا بعقيدتهم، فقدّموا بذلك مثالاً عاليًا من التضحية والإخلاص في سبيل أن تكون كلمة الله هي العُليا.

 

المثال الثاني: عند البحث مثلاً عن الأسباب التي أدَّت إلى انتصار المسلمين في معركة اليرموك، سوف نجد أنَّ عددَ الرُّوم ستة أضعاف عدد المسلمين، وجيش الرُّوم جيش نظامي مدرَّب وجيد التسليح، بينما الجيش الإسلامي أقل منه عددًا وعدة وتدريبًا، ويقاتل بعيدًا عن مركز الخلافة، ومع ذلك حصل له النصر المبين، على أنَّ المتأمل والباحث في الأسباب المادية المنظورة بحثًا عقليًّا مجردًا لا يستطيع أن يقبل نتيجةَ المعركة، رغم أنَّها متواترة حسًّا وواقعًا، وهذا يرجع إلى الجهل بالعوامل الحقيقية المحركة للتاريخ الإنساني في غيبة العلم الصحيح، وإلى إغفال سنن الله في الخلق، وهي سنن ثابتة وصارمة؛ ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ [فاطر: 43].

 

• انهيار الأمم الظالمة المتكبرة: ومن سنته - تعالى - في البَشَر أنَّ الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في التَّرف وتنهمك في الملذَّات، وتقارف الآثام والذنوب - لا بُدَّ أن يصيبها العقاب إنْ آجلاً أو عاجلاً، وسواء أكان عذابًا ماديًا حسيًّا أم عذابًا معنويًّا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، فهلاك القُرى إنَّما يجيء بعد وجود طبقة المترفين الذين يفسقون فيها، والأمر هنا هو أمر قَدَري كَوْنِي، ولا داعيَ لتأويلها بأن الله - سبحانه وتعالى - أمر المترفين بأنْ يقيموا حدود الله، فلم يقيموها فحقَّ عليهم القول؛ لأنَّ المترفين في الاصطلاح القرآني قد فسدت فطرتهم، فلا يستحقُّون هذا التكريم، وما هذه الأمراض الفتاكة التي تظهر بين الفَيْنَة والأخرى، وتستعصي على الطبِّ والأطباء، إلاَّ مِن عذابِ الله لهذه الأمم التي انغمست في حمأة الرَّذيلة، وما هذا القتل المستمر بين الناس لا يدري القاتلُ والمقتول: فيمَ يقتتلان؟ وما هذه الزلازل المدمرة في لحظات وثوانٍ، إلاَّ من عقابِ الله الظاهر والخفي؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - مطبقًا هذه القاعدة على التَّاريخ الإسلامي، فيقول: "وقد أصابَ أهلُ المدينة من القتل والنَّهب والخوف ما لا يعلمُه إلا الله، وكان ذلك؛ لأنَّهم بعد الخلفاء الراشدين أحدثوا أعمالاً أوجبت ذلك، وكان على عهد الخلفاء يدفع الله عنهم بإيمانهم وتقواهم".

 

• انهيار الأمم بفساد الأخلاق: إنَّ ما حلَّ بالأمم السَّابقة بسبب فساد أخلاقها معروف مشهور، وأكبر مثالٍ على ذلك ما حل بالدولة الرُّومانية، فقد سقطت أمام جحافل الزاحفين عليها وكأنها لم تكُن، والفساد والبطر الذي تمارسه أوروبا في هذا العصر حَادَ بالعقلاء منهم إلى إرسال صيحات الإنذار والخطر؛ يقول الكسس كاريل: "وهذا هو السبب في أن الأُسَر والأمم والأجناس التي لم تعرف كيف تُميز بين الحلال والحرام - تتحطم في الكوارث، فمرض الحضارة والحرب العالمية نتيجتان ضمنيَّتان لانتهاك حُرمة النواميس الكونية".

 

• سُنَّة أنَّ الناس هم المسؤولون أمام التاريخ عن رقيهم وانحطاطهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فالتغيير يَجب أن يبدأ من الإنسان، والله - سبحانه وتعالى - ييسر له السُّبل التي يريدها، والأمة التي تعشش فيها الأفكار الميِّتة والأنانية والبغض والحسد، وقد ركنت إلى الكسل والخمول، هذه الأمَّة لا يُمكن أن تنتج تقدمًا أو شيئًا يذكر، بل إنَّ من السنن الربانية التاريخية أن حكمًا علمانيًّا يُمكن أن يستمر ويزدهر بالاتِّحاد والعدالة أكثر من حكم أدعياء الإيمان، إذا ما ركنوا إلى الأخلاق المنحلّة وإلى الفوضى والعصيان، لقد نَقَلَ الإسلام العرب نقلةً بعيدة غيَّرت ما بأنفسهم تغييرًا شاملاً وجذريًّا، وكل الأفكار القاتلة من عصبيات وخرافات وعقائد ساذجة مضحكة، كل هذا تَغيَّر بعقيدة التوحيد الواضحة الشَّاملة لكلِّ مناحي النفس الإنسانية، وعندئذٍ استطاعوا تغيير ما بأنفس الأمم الأخرى، لقد بدأ التغيير بكلمة "اقرأ".

 

إنَّ تغيير ما بالنفس ليست عملية صعبة، فهذه أمم في العَصر الحديث استطاعت أنْ تنهض من كبوتها؛ بسبب وجود الإنسان الذي اكتملت فيه الشُّروط النفسية للتغيير، وليس بسبب وجود المادة وتراكمها، وأكبر مثال على ذلك: ما فعله الشَّعب الألماني الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف عمَّر بلده بعد أنْ أصبح خرابًا بسبب الحرب، ورجعت ألمانيا كأقوى الدول الغربية اقتصاديًّا، وصدق فيهم ما قاله الصحابي عمرو بن العاص عن أجدادهم الرُّوم: "وأسرع الناس إفاقة بعد مصيبة"، وعندما يغير المسلمون ما بأنفسهم، سيأخذ الله - سبحانه وتعالى - بأيديهم.[5]

 

وبهذا نستخلص أنَّ الأمم متى استمسكت بكتاب ربِّها وسنة نبيها المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - تسلقت المراتب العليا، وهابتها الأمم الكافرة الباغية، ومتى حادت عن هذين الرُّكنين كانت -على حد التعبير النبوي - قصعة مستباحة، يتطاول عليها القاصي والدَّاني، القوي والضَّعيف.

 

قضية نهاية التاريخ بين منظورين:

تكمُن الخطورة في المفهوم الغربي لنهاية التاريخ - التي أطلق صَيحتها الأمريكي الجنسيَّة والياباني الأصل "فرانسيس فوكوياما" - فيما يترتب على تلك النهاية من تداعيات فكرية وتبعات أيديولوجيَّة، أصبحت ذات تأثير في الأجندة السياسيَّة والإستراتيجية على مستوى صانع القرار الأميركي.

 

فقد تزامن هذا التوجه النهائي "نهاية التاريخ" شيوع فكر متطرف، ذاعَ بداية في المجتمعات الأوروبية الغربية، وتحت التأثير الصهيوني العالمي، انتقل إلى المجتمع الأمريكي.. من هنا "راج في أمريكا الاعتقاد بالعصر الألفي السَّعيد، وارتبط ذلك الاعتقاد بشُعُور قومي أمريكي؛ ليصبحَ الهدف أن تكون أمريكا مملكة الرب على الأرض؛ تمهيدًا لنهاية التاريخ وعودة المسيح، وخلال الصَّحوة الكبرى الثانية نهاية القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، شاع الاعتقاد بالألفية والبعث اليهودي، بما أطلق عليه نصرانية صهيونية أمريكية؛ إذ أصبح البعث اليهودي - عودة اليهود إلى فلسطين - ضمن خطة الرب لنهاية التاريخ، قبل المجيء الثاني للمسيح؛ ليحكم العالم في الـ"ألف عام" السعيدة.

 

إن "العقيدة الألفيَّة" - أي: حكم المسيح كملك للعالم مُدَّة ألف عام - هي عقيدة يهودية، تقوم على الإيمان بمُخلِّص سوف يأتي؛ ليفدي شعب إسرائيل، وينقذه من عذاب المَنْفَى، ويقوده عائدًا إلى أورشليم؛ ليفرض منها الحكم على أمم الأرض.

 

والمسيح المنتظر "اليهودي" ستكون مُهمته العالمية خلاص الشعب، وحكم العالم بشريعة صهيون".[6]

 

وبهذه الأفكار يتبيَّن زيفَ ادِّعائها لما تحمله من أفكار صهيونيَّة متحاملة، يعرفها الأعداء قبل الأهل والخلاّن، وكذلك لتعارضها المستحكم مع عقيدة المسلمين - التي وصفها النبي الكريم، صلَّى الله عليه وسلَّم، بالمحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك - بطرحها الهجين؛ الذي يرى أن مفهوم "نهاية التاريخ" لا يعني النهاية الحتمية وقيام الساعة - كما هو بيِّن في عقيدتنا الصافية - بل نهاية لمرحلة تاريخية سالفة، وبداية لمرحلة تاريخية أخرى لاحقة، وهذا ليس غريبًا في حقهم؛ إذ نقف في دراساتِهم على جملة من النهايات لا حصر لها: نهاية الإله - والعياذ بالله - عند نيتشه، نهاية الليبرالية، نهاية العالم التقليدي....

 

والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.



[1] "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"، للشيخ عبدالعزيز بن باز، دار الوطن، الرياض،1/386.

[2] د. أحمد كروم، "مواقف المصطلح في صراع الحضارات"، مجلة الوعي الإسلامي، العدد: 454، جمادى الآخرة 1424 هـ.

[3] "المقدمة"، ابن خلدون، ص52.

[4] مولاي المصطفى البرجاوي، "التاريخ بين الاحتماء والهروب"، مجلة البيان.

[5] الشيخ: ناصر الأحمد، "اسألوا التاريخ"، بتصرف يسير.

[6] رضا هلال، "المسيح اليهودي ونهاية العالم"، مكتبة الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية 2001، ص:249،250.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التاريخ والتجديد
  • التاريخ في مهب الريح
  • التاريخ بين الاحتماء والهروب
  • المسلم بين الثقافة الإسلامية والثقافة المزيفة
  • تطور الكتابة التاريخية بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية
  • النظر الشامل إلى القضايا الإسلامية
  • أهمية دراسة التاريخ

مختارات من الشبكة

  • من مظاهر عدالة الإسلام في القضايا الاجتماعية: قضايا المرأة نموذجا(مقالة - ملفات خاصة)
  • الإسلام وموارد البيئة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قضية فلسطين قضية جميع المسلمين ( خطبة )(مقالة - المسلمون في العالم)
  • العلاقة بين الصحافة وقادة الرأي والجمهور في ترتيب أولويات القضايا المحلية في اليمن(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • القضايا المشتركة بين النحاة والأصوليين- دراسة مقارنة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شيء من التفكير النقدي العربي القديم: ابن سلام الجمحي أنموذجا (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله في قضية معينة وبين تبديل شرع الله بقانون وضعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القضايا المتضمنة في مواد الهوية فقط: اللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تحليل مضمون موقع (معهد القضايا الإسلامية) التابع لاتحاد الإنجيليين الألمان(مقالة - المترجمات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب