• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الحركات الباطنية اليهودية الحديثة: الحركة الحسيدية

د. بليل عبدالكريم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/5/2010 ميلادي - 1/6/1431 هجري

الزيارات: 34444

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التعريف:

بالعبرية (حسيدوت)؛ وهو مُصطَلح مُشتَقٌّ من الكلمة العبرية (حسيد)؛ أي: (تقي)[1]، ويدلُّ الجذر في العبرية على معنى الإحسان وعمل الخير، ويُستخدَم المصطَلَح للإشارة إلى عِدَّة فِرَق دينيَّة في العصور القديمة والوُسطَى، ولكنَّه يُستَخدَم في العصر الحديث للدلالة على الحركة الدينية الصوفية الحلولية، اليهودية الأرثوذكسية، التي أسَّسها وتزعَّمَها بعل شيم طوف[2] (1700 - 1760م)، وهو إسرائيل بن أليعازر[3]، وكان أقرب لشخصيَّة المسيح الدجَّال؛ يُمارِس الطبَّ على طريقة المُشَعوِذين، مُدَّعيًا معرفة اسم الله الأعظم[4].

 

وبدأت الحركة في جنوب بولندا وقُرَى أوكرانيا في القرن الثامن عشر، وخصوصًا في مُقاطَعة بودوليا في جنوب شرق أوكرانيا، وقد كانت هذه المُقاطَعة تابِعةً لتركيا في نهاية القرن السابع عشر، التي ظهرَتْ فيها الحركة الفرانكية، كما ظهرَتْ فيها فِرَقٌ نصرانيَّة حلوليَّة ذات طابع غَنُوصي مُتَمرِّدة على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ مثل: الدوخوبور، والخليستي، والسكوبستي.

 

انتشرت الحسيدية منها إلى وسط بولندا وليتوانيا وروسيا البيضاء، ثم المناطق الشرقية من الإمبراطورية النمساوية المجرية: جاليشيا، وبوكوفينا، وترانسلفانيا، وسلوفاكيا، فالمجر ورومانيا، ولكنْ جُلُّ تمركزها في الأراضي البولندية التي ضمَّتْها روسيا إليها.

 

انتشرت الحسيدية بادِئَ الأمر في القُرَى بين أصحاب الحانات والتجَّار والريفيين والوُكَلاء الزراعيين، ثم انتشرَتْ في المدن الكبيرة؛ حتى أصبحَتْ عقيدة أغلبية الجماهير اليهودية في شرق أوربا بحلول عام 1815م، بل يُقال: إنها صارت عقيدة نصف يهود العالم آنذاك، إلى جانب أنها عقيدة أغلبية يهود اليديشية[5].

 

لم تضمَّ الحركة في صفوفها كثيرًا من العُمَّال والحرفيين اليهود؛ لأنَّ الأساس الاقتِصادي لوجودهم كان ثابتًا، وأولادهم لا يَدرُسون إلا التوراة، وبعضهم يترك المدارس لفقرهم؛ لذا لم يخوضوا في دراسة الشريعة الشفوية؛ وبالتالي كانت أفكار الحسيدية غريبة غير مفهومة، كما أنَّ الأحزاب الاشتراكية والثورية نجحَتْ في ضمِّ الطبقات الفقيرة الكادحة إلى صفوفها.

 

دواعي انتشار الحركة الحسيدية:

ويرجع نجاح الحسيدية إلى عوامِل اجتماعية وتاريخية:

ضَنْكُ العَيْشِ: فالجماهير اليهودية كانت تَعِيش في بؤس نفسي وفقر اقتصادي شديد بسبب التدهور التدريجي للاقتِصاد البولندي؛ إذ طُرِد كثيرٌ من يهود الأرندا، وأصحاب الحانات من القُرَى الصغيرة، الأمر الذي زاد من عدد المتسوِّلين واللصوص والمتعطِّلين، ويُقَال: إن عُشْر أرباب العائلات كانوا بلا عمل، وكانت قيادة الحركة الحسيدية - أساسًا - من يهود الأرندا السابِقين ومُستأجِرِي الحانات وأصحاب المحال الصغيرة.

 

عمليات القتل: فهذه الجماهير كانت في خوف دائم بعد هجمات شميلنكي[6]، وعصابات الهايدماك من الفلاحين القوزاق.

 

الإحباط الجماعي: والعميق، بعد فشَل دعوة "المسيح الدجَّال" شبتاي تسفي[7] وتحوُّله إلى الإسلام، فقد كان أمَلاً لاح في الأُفُق بأنَّ المسيح المُنَتَظر جاء لإنقاذ اليهود وعودتهم لأرض الميعاد؛ كيما يحكموا العالم، فإذا بالمسيح يُعلِن إسلامه (نفاقًا).

 

المنظومة الاقتصادية الجديدة: زادَتْ من حِدَّة مَشاعِر الإحباط النفسي الديني التحوُّلات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تَخُوضُها مجتمعات شرق أوربا آنئذٍ، هذه التحوُّلات التي جعلت من القهال شكلاً إقطاعيًّا طفيليًّا لا مضمون له، يَقُوم باستغلال اليهود لحساب الحكومة البولندية والنُّبَلاء البولنديين، ولحساب مُوظَّفي القهال من اليهود الذين كانوا يشترون المناصب.

 

التخلُّف الثقافي: وقد صاحَب هذا الوضع الاقتصادي المتردِّي تدنِّي الحياة الثقافية والدينية داخل الجيتو والشتتل إلى درجة كبيرة، وصار اليهود يَعيشُون في شبه عُزْلَةٍ عن العالم، بل في عُزلَة عن المراكز التلمودية في المدن الكبرى، وتحولت اليهودية الحاخامية إلى عقيدة شكلية، تافِهَة وجافة، خالِيَة من المضمون الرُّوحي والعاطفي، تُؤَكِّد الأوامر والنواهي دون اهتِمام بالمعنى الرُّوحيِّ لها، لهم نمَط التَّرَف الجدلي، بعيدة عن واقع الناس ومَآسِيهم، لها عالمها الآخَر الذي يلفظ كلَّ مَن ليس حاخاميًّا.

 

انتِشار السحر والشعوذة والتراث القابالي: فقد أحكمت القبالاه هيمنتها على الفكر الديني اليهودي بين جماهير اليهود، وحتى بين طلاب المدارس التلمودية العُليَا وأعضاء المؤسسة الحاخامية، والفكر القبالي الحلولي قادِرٌ على إشباع التطلُّعات العاطفية لدى الجماهير الساذجة اليائسة.

 

التأثُّر بالمُحِيط النصراني: فبعد أن عاشَر اليهود فلاحي أوكرانيا وشرق أوربا لمئات السنين بعيدًا عن المؤسسات الحاخامية في المدن الكبرى والمدن الملكية - تأثَّروا بفولكلور فلاحي شرق أوربا، وبمعتقداتهم الشعبية الدينية، وبوضعهم الحضاري المُتَدَنِّي بشكل عام، وتأثَّر الحسيديون بالتُّراث الديني النصراني، خصوصًا تراث جماعات المنشقِّين في روسيا وأوكرانيا، بالروسية: راسكولنيكس Raskolniks من فعل (راسكول raskol) بمعنى (ينشقُّ)، فالقرنان السابع عشر والثامن عشر شَهِدَا ظهور جماعات دينية نصرانية مُتَطرِّفة، مثل:

الدوخوبور: المُتَصارِعون مع الرُّوح، وكان بينهم مدام بلافاتسكي.

الخليستي: مَن يضرِبون أنفسهم بالسِّياط.

السترانيكي: الهائمون على وجوههم، كان راسبوتين عضوًا في هاتين الجماعتين.

السكوبتسي: المخصيُّون.

المولوكاني: شاربو اللبن، وغيرهم.

 

وكان عدد أعضاء هذه الجمعيَّات كبيرًا إلى درجةٍ غيرِ عاديَّة؛ حيث كان يَصِلُ إلى خُمْسِ عدد السكَّان حسب التقديرات الرسمية، وإلى نحو نصفهم حسب التقديرات الأخرى، وكان أتباع هذه الفِرَق يتبعون أشكالاً حلوليَّة مُتَطرِّفة، فالسكوبتسي طالَبُوا بالإحجام عن الجِماع الجنسي، ولكنَّهم كانوا يقومون في الوقت نفسه بتَنظِيم اجتماعات ذات طابع جنسي جماعي داعر.

 

مفهوم التساديك:

قِيادات هذه الجماعات كانوا يتسمَّون بأسماء غريبة مثل: (المسيح) أو (النبي) أو (أم الإله)، فقد كانوا يُؤمِنون بأنَّ القيادة هي تَجسِيدٌ للإله، تمامًا مثل المسيح.

 

وأقرب الجماعات النصرانية المنشقَّة إلى الحسيدية هي جماعات الخليستي، وذهب قادة هذه الجماعة إلى أنَّه حينما صُلِب المسيح، ظلَّ جسده في القبر، أمَّا البعث فهو هُبُوط الروح القدس؛ بحيث تحلُّ في مَسِيحٍ آخَر هو قائد الجماعة؛ لذا فإنَّ قادتهم مُسَحاء قادِرون على الإتيان بالمعجزات، ويحلُّ فيهم الإله!

 

والواقع أن مفهوم (التساديك) في الحسيدية قريب جدًّا من هذا؛ فالتساديك هو القائد الذي يحلُّ فيه الإله، وعادةً ما يَتِمُّ توارُث الحلول؛ لذا فإنَّنا نجد أن قِيادات الخليستي يكونون أسرًا حاكمة، يتبع كلَّ واحدة منها مجموعةٌ من الأَتْباع، وهذا ما حدث بين الحسيديين أيضًا.

 

بل إنَّ التماثُل في التفاصيل كان يَصِلُ إلى درجة مُدهِشة؛ فكان الخليستي يعيشون بعيدًا عن زوجاتهم؛ باعتبار أن الإله إنْ شاء أن تحمل العذراء لحملت، وهذا هو موقف بعل شيم طوف، برغم أن فكرة (الحمل بلا دنس) أبعد ما تكون عن اليهودية؛ فعندما ماتت زوجته وعُرِض عليه أن يتزوَّج من امرأة أخرى، احتجَّ ورفض، وقال: إنه لم يُعاشِر زوجته قط، وإن ابنه هرشل قد وُلِد من خلال الكلمة "اللوجوس".

 

وكان دانيال الكوسترومي (1600 - 1700) من أهمِّ زُعَماء الخليستي، وُلِد ابنه (الرُّوحي) بعد أن بلغَتْ أمُّه من العمر مائة عام، وكذلك بعل شيم طوف وُلد - حسب الأساطير التي نُسِجت حوله - بعد أن بلغَتْ أمُّه من العمر مائة عام.

 

والخليستي يرتَدُون ثِيابًا بيضاء في أعيادهم، وكذلك الحسيديون.

 

والخليستي يُعِدُّون أنفسهم - من خِلال الغِناء والرَّقص - لحلول روح المسيح فيهم، وهذا قريبٌ من تمارين الحسيديين أيضًا.

 

والمضمون الفكري الاجتماعي لكلٍّ من الخليستي والحسيديين مضمونٌ شعبي يقف ضدَّ التميُّزات الطبقية بشكل عام، وفي هذا المناخ ظهر "الدراويش" الذين يحملون اسم (بعل شيم)؛ أي: (سيِّد الاسم)، وهم أفراد كانت الجماهير البائسة تتصوَّر أنَّهم قادرون على معرفة الأسرار الباطنية، وإرادة الإله، وطرد الأرواح الشرِّيرة من أجساد المرضى، كما أنهم كانوا يَتَّسمون بالتدفُّق العاطفي الذي افتقدَتْه الجماهير في الحاخامات، وظهرت الحسيدية بحلوليَّتها المتطرِّفة، وبريقها الخاص، ورموزها الشعبية الثريَّة التي تَروِي عَطَشَ الجماهير اليهودية الفقيرة التي كان يُخَيِّم عليها التخلُّف.

 

مُعتَقَدات الحسيدية:

وقد تبدَّت هذه الأفكار الحلوليَّة المتطرِّفة في التصادُم الحادِّ بين الحسديين والمؤسَّسة الحاخامية (متنجديم)، وهو تصادُم كان حَتْميًّا، باعتِبار أن الحسيدية تُمَثِّل رؤية بعض قِطاعات الجماعة اليهودية؛ التي استُبعِدت من جانب المؤسسة الحاخامية والقهال.

 

وكانت الحسيدية تُحاوِل أن تُحَقِّق لهم قِسْطًا ولو ضَئِيلاً من الحريَّة، ومن المشاركة في السلطة.

 

والحسيدية - في جانبٍ من أهمِّ جوانبها - مُحاوَلة لكسر احتِكار المؤسَّسة التَّلمُوديَّة للسلطة الدينيَّة، ومُحاوَلة لحلِّ مشكلة المعنى، وانعَكَس هذا التصادُم على المستوى الفكري، حين قام الحسيديون بالتقليل من شأن الدِّراسة التلمودية أو دِراسة التوراة؛ فإذا كان الهدف من الحياة ليس الدِّراسة وإنما التأمُّل في الإله والالتِصاق به، والتوحُّد معه وعبادته بكلِّ الطُّرُق، فإن هذه العملية لا بُدَّ أن تستَغرِق وقتًا طويلاً، وهو ما لا يتركُ للإنسان أيَّ وقت لدراسة التوراة على الطريقة الحاخامية القديمة، كما أنَّ التواصُل المُباشِر مع الإله يَطرَح إمكانيةً أمامَ اليهود العاديين، ممَّن لا يتلقَّون تعليمًا تلموديًّا لأن يحققوا الوصول والالتِصاق (ديفيقوت).

 

ومن مُعتَقداتهم عقيدة التناسُخ التي تُسمَّى بالعبرية "غلغول"، أخَذُوها عن القابالاه من كتاب "الزوهار"، والأرواح المُتناسِخة إمَّا أن تكون أرواحًا جديدة لم تنزل للأرض من قبل، أو قديمة، والحكمة من التناسُخ تطهير النفس ومنحها فرصة ثانية، و"الصديقيم" يَتناسَخون لمصلحة العالم وأتباعهم؛ كيما يستمر الإصلاح[8].

 

بل إن الجهل - في إطار التجربة الوجودية المباشرة - يُصبِح ميزة كبرى، وهدف التجربة الدينية هو الفرح والنشوة، وهو إعادة تعريف للتجرِبة الدينية، تُؤَكِّد العاطفة (الجوانية) كوسيلةٍ للوصول إلى الإله، بَدَلاً من الشعائر والدِّراسات التَّلمُودِيَّة (البرانية)، فالإله - حسب تصوُّر بعل شيم طوف - لا يسمع الدعاء، ولا يقبل الصلاة إلا إذا نبعَتْ من قلب فَرح؛ ومن ثَمَّ يصبح الإخلاص العاطفي أهمَّ من التعليم العقلي، وقد قلَب الحسيديون الأمور رأسًا على عقب، إذ تبنَّوا الفكرة اللوريانية[9] الخاصَّة بحاجة الإله إلى الشعب اليهودي ككلٍّ، وخُصُوصًا القادة التساديك، وذهب الحسيديون إلى أنَّه لا يُوجَد ملك دون شعب؛ وبالتالي فإن ملك اليهود في حاجةٍ إليهم، ومن خِلال حاجته إليهم تَتضاءَل أهميَّة الأوامر والنواهي.

 

وقد نجحت الحسيدية في تحقيق قدرٍ من الاستِقلال عن المؤسَّسة الحاخامية، فاتَّبعتْ بعض التقاليد السفاردية في الشعائر، ربَّما تحت تأثير القبالاه اللوريانية ذات الأصول السفاردية، كما أدخلوا بعض التَّعدِيلات على طريقة الذبح الشرعي؛ وهو ما يعني في واقع الأمر السيطرة على تجارة اللحم، وأصبح للحسيديين معابدهم الخاصَّة وطريقة عبادتهم؛ ولذلك تحوَّلت الحركة من يهودية حسيدية إلى يهودية تساديكية؛ نسبةً إلى التساديك الذي يقوم بالوَساطة بين أتباعه والإله، وقد أصبح هذا مفهومًا محوريًّا في الفكر الحسيدي، وكان الحسيديون يعمدون إلى إحلال التساديك محلَّ الحاخام؛ لتقليص سُلطَان المؤسَّسة الحاخامية كلَّما كان ذلك بوسعهم، والتساديك نوعٌ من القِيادة الكاريزمية؛ يحلُّ مشكلة المعنى والانتِماء لأتباعه مُتجاوِزًا المؤسَّسات التلمودية.

 

وقد تحوَّلت الحسيدية (التساديكية) إلى بيروقراطيَّة دينيَّة لها مصالحها الخاصَّة، واستولَتْ على القهال في كثيرٍ من الأحيان، ولكنَّها لم تُدخِل أيَّة إصلاحات اجتماعية، بل كان القهال أحيانًا يَزِيد الضرائب على اليهود بعد استِيلاء الحسيديين عليه.

 

وقد ارتبطَتْ كلُّ جماعةٍ حسيدية بالتساديك الخاص بها؛ لذا فقد انقسمت الحركة إلى فِرَقٍ مُتَعدِّدة: فبعض هذه الفِرَق اتَّجه اتِّجاهًا صوفيًّا عاطفيًّا مَحْضًا، في حين اتَّجَه بعضُها الآخَر - مثل حركة حبد - اتِّجاهًا صوفيًّا ذهنيًّا؛ يَعتَمِد على دراسة كلٍّ من القبالاه والتلمود، كما أنَّ وجود هؤلاء الحاخامات داخل دُوَلٍ مختلفة، زاد من هذا الانقِسام، وأثناء الحرب النابليونية ضدَّ روسيا أيَّد بعض الحسيديين الرُّوس روسيا ضدَّ نابليون، ولكن بعض الجماعات أيَّدَتْه ضدَّ روسيا، بل تجسَّست لحسابه، وقد حاولت المؤسَّسة الحاخامية القضاء على الحسيدية، فأصدر مُعارِضو الحسيدية الذين كان يُقَال لهم: (المتنجديم)، قرارًا بطَرْدِ اليهود من حظيرة الدين، وحرْق كتاباتهم كلها، وعدَم التزاوُج بهم، وكان من أهمِّ الشخصيات الحاخامية التي قادت الحرب ضدَّهم الحاخام إلياهو (فقيه فلنا).

 

ورغم الانقِسامات والخِلافات بين الحسيدية واليهودية الحاخامية، فقد وحَّدوا صفوفهم في النهاية بسبب انتِشار العلمانية ومُثُل الاستِنارة والتنوير، والنزعات الثورية بين اليهود، ولَمَّا كان القهال قد تَداعَى كإطار تنظيمي فإن الحسيدية استَطاعَتْ أن تحلَّ محلَّه كإطار تنظيمي جديد؛ لذا فإنَّ الحسيدية لم تنتَشِر جغرافيًّا وحسب، بل انتشرَتْ عبر حدود الطبقات أيضًا.

 

ويتكوَّن الأدب الحسيدي من الكتب التي تُلَخِّص تَفاسِير الزُّعَماء التساديك للكتاب المقدَّس، وتعاليمهم وأقوالهم، وقصص الأفعال العجائبية التي أتوا بها، ومن أشهر القادة التساديك شيناؤور زلمان، وليفي إسحق، ونحمان البراتسلافي حفيد بعل شيم طوف، وكان لكلِّ مجموعةٍ من الحسيديين أغانِيها وطرقها في الصلاة، وكذلك عقائدها وقصصها، وكانت لهم شبكةٌ من العلاقات الاجتماعية والاقتِصادية خارج القهال.

 

وقد أتَت النازية على المراكز الحسيدية الأساسية في شرق أوربا، فانتقَلَت الحركة الحسيدية إلى الولايات المتَّحِدة، مع انتِقال يهود اليديشية إليها، منذ ثمانينيَّات القرن التاسع عشر، لكن جماعات الحسيديين تفرَّقت وتبعثرت؛ نَظَرًا لابتِعاد زعامتها المُتَمثِّلة في التساديك، وقد هاجَر بعض القادة التساديك بعد الحرب العالمية الأولى، لكنَّ الحركة الحسيدية لم تبدأ نشاطها الحقيقي إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استقرَّ الحسيديون في بروكلين في منطقة وليامزبرج[10].

 

وأهمُّ الجماعات الحسيدية هي[11]: جماعة لوبافيتش (حبد)، وجماعة الساتمار، وبراتسلاف وتشرنوبيل، ولا تزال تُوجَد بينهم جيوب قويَّة مُعارضة للصهيونية، ويُوجَد مركزان أساسيان للحسيدية في الوقت الحاضر: أحدهما في الولايات المتَّحدة، والآخر في إسرائيل.

 

الحركة الحسيدية وفلسطين:

ومن مُعتَقداتهم أنَّ الاستِيطان في فلسطين من الأعمال المُقَدَّسة، فمنذ بِدايَات الحركة وهم يَتَطلَّعون للذَّهاب لفلسطين، ولهم أقوالٌ في التشجيع على الهجرة لفلسطين، ومن أوائل مَن هاجَر أخو زوجة مُؤَسِّس الحركة الحاخام غرشون الذي استقرَّ فيها مع جماعةٍ من أتباعه عام 1748م، وسكَنُوا مدينة الخليل ثم القدس، وقد سجَّل الحاخام إعجابَه بالعرب وسلوكهم نحو اليهود، ونظرتهم إليهم[12]، ثم توالَتْ الهجرات زرافاتٍ ووُحدانَا، وأنشَؤُوا المؤسَّسات الخيرية والاجتِماعية التي تُعنَى بالإنفاق على المهاجرين والفُقَراء منهم، وأوائل المؤسَّسات تلك التي أنشَأَها شنيور زلمان الزعيم الأوَّل لجماعة الحسيديم اللوبافتش، واسمها "كلل حبد" مقرُّها بالقدس، ولا زالت تنشط إلى يومنا.

 

وبعد إعلان قِيام (الدولة الإسرائيلية) تكاثَرُوا، وزاد نشاطُهم في جميع المجالات حتى صار نصف المدارس اليهودية الدينية تابعة لهم.

 

ويمتازون بإعفاء لِحاهُم والضفائر من أمام الأذن تراها متدلِّية، مع لبس قبعة سوداء[13].

ـــــــــــــــــــــ
[1] "الفِرَق والمذاهب اليهودية منذ البدايات"؛ عبدالمجيد همو، ص53.

[2] معنى اللقب: سيِّد الاسم الطيِّب.

[3] "اليهود الحسديم"؛ جعفر هادي حسن، ص5.

[4] "موسوعة فلاسفة ومتصوِّفة اليهودية"؛ عبدالمنعم الحنفي، ص108.

[5] اليديش: لغة خليط من العبرية والألمانية القديمة.

[6] هو بوغدان زينوف شميليكي (جميلنكي) ت 1675م، مزارع أوكراني، قاد ثورة ضد حكم البولنديين لأوكرانيا عام 1648م، بعد أنْ أُحرِقَتْ مزرعته من قِبَلِهم وذُبِح طفله الصغير، استمرَّتْ ثورته سنوات قُتِل فيها خلق كثير منهم اليهود البولنديين.

[7] الذي ادَّعى أنه مُخَلِّص اليهود ومُعِيدهم لأرض الميعاد، فاستخفَّ قومَه فأطاعوا واتَّبَعه خلق كبير، ثم بان كذِبُه، فادَّعى الإسلام كذبًا هو وأنصاره، وهم يهود الدونمة، فأحدَثَ صدمة نفسيَّة عميقة لِمُريدِيه ومَن زحَفُوا نحو دعواه، فأُصِيبوا بإكتئاب جماعي شملهم أجمعين، ورأوا أن الدنيا كلها تمقتهم وهي تُصارِع أحلامهم.

[8] "الحسيديم"؛ جعفر ياسين، ص65.

[9] نسبة للحاخام إسحاق لوريا (ت 1572)، وهو صاحب مدرسة في القابالاه، وله تُنسَب القابالاه اللورانية، اعتَكَف على ضفاف النيل سبع سنين يُفَكِّر ويتأمَّل.

[10] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"؛ عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص (468 - 475).

[11] راجع تفصيل الكلام عنهم: "اليهود الحسيديم"؛ جعفر الهادي حسن، ص (213 - 259).

[12]Hasidism and the state of Israel: H. Robinowicz. P38.

[13] قارن بين قصتهم، وحكاية قدوم النصارى قبل حروب الفرنج "الصليبية"، لكأنِّي بالرواية واحدة والشخوص مغايرة؛ قدم أوائل النَّصارَى للشام والأراضي المقدَّسة حُجَّاجًا، فاستُقبِلوا وأُكرِموا، طلبوا أرضًا للإقامة فأُعطُوا، ثم استَوطَنُوا، ثم أنشَؤُوا جمعيَّات ومؤسَّسات الرعاية الاجتِماعية لتشجيع الهجرة نحوهم، وبتَصرِيحٍ من المسلمين، ثم غدروا وأعانوا على قِيام المملكة النصرانيَّة بالأراضي المقدَّسة، وكانوا لها خير عضد أيام تداولوها بينهم، وحكاية تكرَّرت مرتين، والضحيَّة دائمًا في موقف المتفرِّج الذي خرَّ من الدَّهشة، لكأنِّي بهم تواصَوْا علينا، لكن هذا حال مَن لا يَعِي تاريخ أرضه، ولا يستوعب ألاعيب أعدائه، وقانون قيام الدُّوَل لا يحمي المُغَفَّلين، ولا يرحم مَن لا يُبصِر أبعد من أخمص رجليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في موسوعة "اليهود واليهودية" (1)
  • الجيتو والكيبوتس في الوجدان اليهودي

مختارات من الشبكة

  • اليهودية الليبرالية واليهودية التقدمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قراءة في موسوعة "اليهود واليهودية" (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشخصية اليهودية الإسرائيلية وأثرها في صياغة الحرب النفسية اليهودية الإسرائيلية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اليهودية الأرثوذكسية في الكيان الإسرائيلي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أحكام الحركة التي ليست من جنس الصلاة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • اليهودية والباطنية ... مصالح وأهداف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حروف الهجاء مع الحركات(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ألمانيا: مخاوف من تنامي دور الحركات المعادية للإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الحركات والتناوين(كتاب - حضارة الكلمة)
  • طلائع الحركات التنصيرية في الجنوب المغربي(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- بوركتم
منصور - السعودية 20-05-2010 04:55 PM

مقال مفيد بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب