• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

لوط عليه السلام

لوط,افعال قوم لوط,نسب لوط عليه السلام,انبياء الله تعالى, الفرق بين النبي والرسول,عذاب قوم
د. محمد منير الجنباز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2020 ميلادي - 6/5/1442 هجري

الزيارات: 21710

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لوط عليه السلام


نبيُّ الله لوط: هو ابن أخي إبراهيم، الوحيد الذي آمن معه من الرجال، وهاجر معه بعد أن اشتد أذى النمرود في العراق: ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 26]، واستقرَّ مع عمه إبراهيم في فلسطين، ولما نُبِّئ أمَره الله تعالى بالتوجه إلى ديار سدوم، القريبة من الجهة الشمالية للبحر الميت، وقد سُمِّيت (المؤتفكة)؛ لِما حصل لها من إنزال عقوبة الله بها: ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴾ [النجم: 53]، فسُمِّيت بهذا الاسم؛ لانقلاب أعلاها إلى أسفلها؛ لذلك سمي الأفَّاك: المرتد المنقلب رأسًا على عقب، وعليه فإن لوطًا عليه السلام أُرسل إلى هؤلاء القوم.

 

﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الشعراء: 160 - 163].

 

فهل كان لوطٌ أخاهم حقًّا؟

ونعلَم أنه هاجر إلى ديارهم من العراق، لكن السياق القُرْآني في سورة الشعراء ذكر معاناة الأنبياء مع أقوامهم بدءًا من نوح، وجعل كل نبي أخًا لقومه، فكانت المؤاخاة متنوعة، بعضها: مؤاخاة النسب حقًّا، وبعضها مؤاخاة الإنسانية، وبعضها مؤاخاة اللفظ الدارج في لغة العرب؛ حيث ينادى الرجل عادة: (يا أخا العرب).

 

خاطَب قومه بأرقِّ عبارة: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 161] أن تعملوا ما يقيكم من غضب الله؛ فلا تعتدوا على المحرَّمات، واعلموا أني لكم ناصح أمين، لا أغشكم أبدًا، فأطيعوني فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 164]، فلا أطلُبُ منكم على نصحي لكم أجرًا؛ فالله تعالى أرسلني إليكم؛ لهدايتِكم؛ لتعبدوه وحده، وتلتزموا بتعاليمه، فهذا لأجلكم، ولفك رقابكم من النار، والله تعالى هو الذي يجزيني أجري ثوابًا من عنده، والله عنده حسن الثواب، فقالوا: أفصِح، ماذا تريد منا؟!

 

﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 80، 81].

 

وقد نوَّع لهم في الخطاب للكفِّ عما هم فيه، فأصمُّوا آذانهم، وكان في كل مرة يذكرهم فيها يقولون له: ما طلبك؟ وهم يعرفون ما يريده منهم، لكن كانوا يحبون الجدال؛ لعلهم يظفَرون منه بتجاوز هذا الطلب، أو أن يغفُلَ عنه مرة، إنهم يريدون بكثرة الجدال أن ينسوه الأمر الذي جاء من أجله، أو يحولوه عن طلبه هذا، فهم منغمسون فيه، مدمنون عليه، وقد تعارفوا فيما بينهم على هذا المنكَر، فلا ينكر بعضهم على بعض في مقارفته، بالرغم مِن شناعته وبشاعته، ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [النمل: 54، 55].

 

فقد كان يُبصر بعضهم بعضًا وهم يمارسون الفاحشة بلا حياء ولا خجل، لقد جعلوا القبيح حَسنًا، والحسَن قبيحًا، وعمموه فيما بينهم، ومنعوا أي شخص يفُوه بإنكاره، كحال دول الغرب اليوم الذين أحلُّوا الزنا، ومنعوا النكير بشأنه، وعدُّوه حرية شخصية، كما تعارفوا بأن مصطلح الزنا - المومس - يكون للمرأة التي تمتهنه وتأخذ أجرًا عليه، أما التي تزني باسم الحب فهذا الطُّهر والعفاف بعينه، وتخلَّوا عن أية تعليمات دينية كانوا عليها.

 

وصمت عن النصح رجالُ دِينهم، بل إنهم وافقوهم وآكلوهم وشاربوهم، وهكذا حولوا مفهوم الأشياء بالتواطؤ الجماعي؛ فالحِلُّ ما أحَلوه، والحرام - إن وجد عندهم - ما حرموه، إباحية ما بعدها إباحية، حتى وُجد مِن بعض المسلمين الذين انسلخوا عن القِيم مَن يروج لأفكارهم وأخلاقهم.

 

والمولى تعالى ما منع المنكرات المؤذية للإنسان في بدنه وفكره إلا لأجل سلامته ونقاوته، وعمران الكون ونظامه، ثم إنه فتح لهم أبوابًا من طرق الحلال أكثر وأنقى مما منع؛ فقد أحل لهم الزواج الذي يصرف طاقة الشهوة والجنس، ويكون مِن ثماره تتابُعُ النسل لاستمرار الحياة: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166]، تحبُّون العدوان على الآخرين؛ وذلك لأنهم كانوا يفعلون هذا مع الغرباء على وجه الخصوص، وأنها سابقة خطيرة لم تفشُ إلا عندهم.

 

﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ [العنكبوت: 28، 29].

 

ولم يكن إتيان الرجال شهوةً من دون النساء جريمتَهم الوحيدة، بل كانوا أهل شر مستطير، يقطعون الطريق، ويخطَفون الذكور، مع فوضى عارمة من اللعب بالحمام، والصفير، والشتائم، وسوء الأخلاق، ولم يقتنعوا بنُصح لوط لهم، بل أصروا على ضلالهم، وعدُّوا فكر لوط شاذًّا ومحبِطًا لمشاريعهم، وأنه خارج عن الإجماع، فلا ينبغي أن يساكنَهم في بلدهم: ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾ [الشعراء: 167، 168].

 

إن لوطًا لم يكن ينتصر لأمر شخصي؛ فدعوتُه أمر من الله للاتجاه في هذا السبيل، وعليه فإن موقف لوط ثابت، بل يسعى بكل ما أوتي من قوة وجهد أن يَثْنِيَهم عما هم فيه من الغيِّ والضلال، فجوابه على تهديدهم أنه غيرُ موافِق على عملهم الشائن؛ فهو قالٍ ومُبغِضٌ له بشدة.

 

﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [النمل: 56]، وهنا اتَّخَذوا القرار بطرده وأهله ومَن على طريقته، غيرَ مبالين بما توعدهم من عذاب الله وغضبه، فإذا نزل بهم فسيكون أليمًا شديدًا، لكنهم تحدَّوْه أن يصيبهم بأي مكروه، وظنوا أن إلانةَ القول لهم، وأمره لهم بالمعروف أنه ضعيف أو كاذب يهدِّدهم بما لا يقدر عليه، فتحدَّوْه أن يأتيهم بالعذاب، أو أن تصيبهم نقمةٌ من الله.

 

﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 29، 30]، فلجأ إلى الله يستنصره عليهم، وأن ينجيَه مِن خطرهم وشرهم، فقال: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء: 169]، لقد استجاب اللهُ دعاءَ لوط في هؤلاء الأشرار، لقد بذل معهم كل جهد ممكن ليصلحهم، لكن قلوب أهل سدوم غلَّفها الران الذي لا ينفُذُ من خلاله النور، فأصروا على اتباع طريق الضلال.

 

وجاءت الفرصة الأخيرة والاختبار الصعب، فإما هداية وعفو عما سلف، وإما دمار مهلِك: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 77، 78]، وزار لوطًا زوارٌ غرباء، على هيئة شباب في منتهى الجمال، فاغتم لوط لأجلهم، وضاق صدره، وخشي عليهم من قومه السفهاء الذين سيقبضون عليهم ويمارسون معهم الفاحشة، وتمنى ألا يراهم قومه، لكن أخبار الضيوف وصلت إلى قوم لوط، سرَّبتها لهم زوجة لوط، فأتَوا مسرعين يقرعون باب لوط، ويطلبون منه في سفاهة أن يسلِّمَهم ضيوفه، ولكي ينقذ ضيوفه عرض عليهم الزواج من بناته، يا قوم، إن كنتم تريدون الاستمتاع فاستمتعوا بما أحل الله لكم بالزواج من النساء، لا بإتيان الرجال؛ فشهوتكم مقلوبة، خالفتم في ذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها، فأنتم من الشواذ، ولا حياة للشواذ فوق هذه الأرض.

 

ولما تمادَوا في الطلب والهجوم على دار لوط، وضعُف عن حماية ضيوفه أمام العدد المهاجم الذي يريد كل منهم أن يفوز بالغنيمة، صاح بهم لوط: ﴿ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 78]، لقد عُدم الرشد عندهم أمام شبق الشهوة الفاجرة وسيطرتها على نفوسهم المريضة، ﴿ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ [هود: 79] إصرارٌ عجيب على المنكَر بلا خجل ولا حياء، وأي حياء يرجى من هؤلاء؟! فقال لوط مظهرًا ضعفه البدني، وتمنى أن يعطى من القوة ما يردعهم به ويؤدبهم: ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80] ذكر القوة المحضة له وذكر العشيرة المناصرة، وهي عنده مفتقدة، لقد أتاهم مهاجرًا من العراق مع عمه إبراهيم، ودخل بلدتهم وحيدًا، والذين آمنوا بدعوته قلة، ذكر العصبة المناصرة لو كانت له عصبة.

 

ومن هذا الموقف الصعب والتجاذب معهم نسي أن الركن الشديد - بل الأشد - هو الله، ومع ذلك لم ينسَه ربه من النصرة؛ لأن عملَه كان في سبيل الله، متحملًا دعوة هؤلاء الغِلاظ، الذين جعلوا من المنكر شرعة لهم، لقد عرَف أن هذا سيصدر منهم؛ لذلك قال: ﴿ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77]: صعب، ودعا أن يمضيَ على خير.

 

ولما اشتدت المدافعةُ مع القوم الظالمين وأرهقوه وبلغ منه الجهد مبلغه، ولم يستمعوا للتخويف من بطش الله، أظهر جبريلُ عليه السلام - وكان من هؤلاء الضيوف - طرَفًا من جناحه؛ فأغشاهم وأعمى أبصارهم لبعض الوقت، فانسحبوا وهم يتوعدونه الصبح: ﴿ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 36، 37]، تمارَوْا: تجادلوا بصدق ما أنذرهم به لوط، وخوَّفهم من حدوثه، فكانوا بين مكذِّب يحثُّ على الإجرام، ومتحدٍّ للوط بأن يأتيهم ما يعِدهم به من العذاب.

 

وبعد طمس العيون لهؤلاء السفهاء، انتبه لوط إلى حقيقة أضيافه: ﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 33]، فأخبَروه أنهم ملائكة أرسلهم الله لمساعدته والقضاء على هذه الأمة الفاسدة: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ [الحجر: 61 - 63]، وهكذا توافدَتْ رسلُ الله من الملائكة إلى لوط للانتقام وهم يحمِلون نذر عذابهم، ومع ذلك فقوم لوط ماضون في غيِّهم وعنادهم، والسير في طريق الرذيلة، فجاء هؤلاء الملائكة وهم مأمورون بتدميرهم.

 

وقد مروا في طريقهم على إبراهيم فأخبروه بذلك: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الحجر: 57 - 60]، فهذا أمرُ الله، ولا مردَّ لأمر الله تعالى؛ لأنه حكم بذلك، ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 81 - 83]، وكان هؤلاء الملائكة قد مرُّوا على إبراهيم فبشَّروه بإسحاق، ولاحَظ - صلوات الله عليه - أن لهم مهمةً أخرى: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الحجر: 57 - 60]، فخشي إبراهيمُ عليه السلام أن يكونَ التدمير شاملًا، فقال: إن فيها مؤمنين، فقالوا: نحن أعلمُ بمن فيها؛ ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 35، 36].

 

فما كان فيها إلا لوطٌ وابنتاه، فحقَّ على قومه العذاب، ونجى الله لوطًا وابنتيه، أما زوجته فقد سمعت قوة الدمار فالتفتت خلفها، فرأت تدمير بلدتهم، ورجمهم بالحجارة، فصاحت: واقوماه، فأصابها حجر كما أصابهم، وهلكوا جميعًا.

 

فعاد لوط إلى ديار إبراهيم: ﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 74، 75]، وجعَل الله ديارهم عبرة لمن اعتبر، شاهدة مدى الزمن على إهلاك هؤلاء الفاسدين؛ فقطع مِن الأرض شرورهم.

 

وبعد عهود خاطب الله قريشًا ليعتبروا بما جرى لقوم لوط: ﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 137، 138]، ﴿ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 76، 77]، فبلدتُهم على طريق التجارة إلى الشام، وهي شاهد قائم ولوحة طبيعية حفظت ما وقع من العقاب لمن أراد أن يعتبر ويشهد ما يؤول إليه مصير هؤلاء العصاة المكذبين للرسل.

 

أخرَج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، ويرحم اللهُ لوطًا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعيَ)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة سيدنا لوط عليه السلام (للأطفال)
  • كذبت قوم لوط بالنذر
  • نبي الله لوط عليه السلام ومواجهته للفساد الأخلاقي (خطبة)
  • لوط عليه السلام (1)
  • لوط عليه السلام (2)

مختارات من الشبكة

  • الخادمة تعلم الأطفال أفعال قوم لوط؟(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاحشة قوم لوط عليه السلام (4) الإسراف في الفواحش(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • فاحشة قوم لوط عليه السلام (3) من الاستتار والتحريم إلى المجاهرة والتحليل(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • فاحشة قوم لوط عليه السلام (2) تزييف المصطلحات لتطبيع المنكرات(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • معنى العذاب المستقر الذي أصاب قوم لوط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جريمة عمل قوم لوط في القرآن الكريم "دراسة موضوعية" (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عمل قوم لوط (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب