• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

مدرسة جامع السلطان امتداد لمدرسة الإمام أبي حنيفة (دورها وتعيين موقعها)

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/12/2017 ميلادي - 25/3/1439 هجري

الزيارات: 11565

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدرسة جامع السلطان

امتداد لمدرسة الإمام أبي حنيفة

(دورها وتعيين موقعها)

 

مقدمة:

كان تأسيس مدرسة الإمام أبي حنيفة في 18 صفر من سنة 459هـ بداية عهدٍ جديد مِن تاريخ التعليم في الحضارة الإسلامية؛ إذ احتضنتْ هذه المدرسة جيلًا جديدًا من طلبة العلم والعلماء ما كانوا يجدون قبل تأسيسها مجالًا للدرس والبحث إلا حلقات المساجد هنا وهناك، أو في بيوت العلماء أحيانًا[1].

 

وجاء تأسيس المدارس النظامية ليعزز هذا الاتجاه الجديد، فخفتت أصوات الداعين إلى التعليم وَفْقَ الطرائق القديمة[2]، ولقيت المدارس تأييد أهل العلم إن كان بتأسيسها، أو بالوقف عليها، أو بالانتظام في سلكها، وسرعان ما انتشرت المدارس في العالم الإسلامي، مُبرهنة على أنها الأقدر على استيعاب حركة العلم والتعليم بما أَرْسَتْهُ مِن قواعد وتقاليد، فلم تعُد المدرسة دار تعليم، يلتقي في رحابها الطلبة أساتيذهم مِن العلماء فحسب، وإنما مركز بحث حقيقي، فيها تؤلف المتون وتُملى وتُشرح وتُحشَّى، حتى يمكن أن يقال: إنها نجحتْ في استقطاب حركة التأليف أيضًا بمن استقطبتهم مِن كبار العلماء ونابهي الطلبة عصر ذاك.

 

وكانت مدرسة الإمام أبي حنيفة، بوصفها المدرسة الأولى والأم للفقه الحنفي، الأنموذج الأمثل الذي حذتْ حذوه المدارس التي وقفها الواقفون لتدريس هذا النوع من الفقه، في بغداد أولًا، ثم في غيرها من الحواضر الإسلامية، ولعل أهم تلك المدارس وأطولها عمرًا مدرسة جامع السلطان في بغداد، وإن سبقتها مدارس أخرى فإنها لم تبلغ مبلغها في الشهرة والمكانة العلمية.

 

تأسيس دار السلطنة:

وإذ نسبتْ هذه المدرسة العتيدة إلى جامع السلطان، فلا بد لنا مِن التعريف به، فأما السلطان فهو ملكشاه الأول بن ألب أرسلان، أشهر سلاطين السلاجقة الذين قيض لهم القضاء على الدولة البويهية في العراق، وكان هؤلاء السلاطين قد اتخذوا لهم مقامًا ومستقرًّا في حي حصين حفيل بالقصور الفخمة على شاطئ دجلة، سمي دار السلطنة السلجوقية، ووصفتْ هذه الدار بأنها تقع في محلة عرفت بالمُخرِّم، وقد عرفت المحلة باسمها هذا قبل أن تؤسس بغداد نفسها، حيث نزل في أرضها - حين فتح المسلمون سواد العراق - مَن يُدعى "مُخرِّم بن يزيد بن شريح بن مخرم بن مالك بن ربيعة بن الحارث بن كعب"؛ فعرفتْ به، ولم تكن أرضها حينذاك إلا بساتين ومساكن، قدرت مساحتها بنحو سبعين جريبًا.

 

أما موقعها فقد عيَّنه ياقوت بقوله في مادة المخرم: "هي محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المُعلى"[3]، فالرصافة هنا هي الأعظمية اليوم تحديدًا، وليست الجانب الشرقي من بغداد كما عُرفتْ في العهود المتأخرة، أما نهر المعلى فهو أحد أنهار بغداد الشرقية يأتي بمياهه من نهر (بين) الذي يأخذ من نهر الخالص، وقد ازدهرت العمارة في جنوبي هذا النهر في القرن الخامس للهجرة، مما أدى إلى نشوء المحلات السكنية هناك، وحينما جرى تسوير هذه المحلات بسور حصين ذي أبراج وأبواب، يبتدئ من نهر دجلة ويمضى شرقًا حتى يلتقي ذلك النهر، ومنه ينحرف إلى الجنوب، فينتهي بنهر دجلة مرة أخرى - صار نهر المعلى يخترق هذا السور من شماله الشرقي، أي: قرب باب الظفرية (الباب الوسطاني اليوم)، ويسير في نفقٍ طويل تحت محال بغداد حتى يدخل دار الخلافة العباسية عند قصر الفردوس، ثم يصب في دجلة تحت قصر التاج (على شاطئ دجلة في منتصف شارع المستنصر حاليًّا) حيث مقر الخلافة الرسمي.

 

وهكذا انحسرتْ محلة المخرم لتغدو خارج باب المعظم، ولتشمل محلة العيواضية الحالية وما يقرب منها، فهناك كانتْ قُصور السلاجقة تحديدًا، حين اختار السلطان أرطغرل السلجوقي (دخل بغداد سنة 447 وتوفي 455هـ) أن يشيد أول قصورهم، وتلا ذلك تشييد قصور أخرى، وسرعان ما أحاطتْ بهذه القصور الأسواق والخانات والدروب والدور، فنشأتْ مِن ذلك محلة جديدة سُميت بمدينة طغرلبك، حتى إذا بلغ السلاجقة أوج قوتهم وهيمنتهم، في عهد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان (دخل بغداد سنة 480 وتوفي 485هـ)، أمر في محرم 485هـ بإنشاء سور حول هذه القصور، وجدد خانات المدينة الناشئة وأسواقها ودورها، وأنشأ دارًا لضرب السكة هناك[4].

 

تأسيس المدرسة:

وكان مِن أهم ما أمر بإنشائه جامعٌ كبير وسيع، هو الذي عرف بجامع السلطان، قال مُختصِر مناقب بغداد: "وتقدم ملكشاه بإنشاء خانات الباعة هناك، وسوق ودروب، وبنى جامعًا هناك"[5]، وقدر الرحالة الأندلسي ابن جبير المسافة بينه وبين جامع الإمام أبي حنيفة بنحو ميل واحد[6]، والميل الإسلامي عند الحنفية يعدل 4000 ذراعٍ؛ أي نحو: 1855 مترًا.

 

وبلغ مِن عنايته بهذا الجامع ما ذكره ابن الجوزي من أنه تولى "تقدير الجامع بنفسه، وبدرهم[7] منجمه، وجماعة من الرصديين، وأشرف على ذلك قاضي القضاة أبو بكر الشامي، وجلبت أخشابه مِن جامع سامراء"[8].

 

وقال ابن جبير في وصفه إياه: "وجامع السلطان خارج البلد (أي خارج باب المعظم اليوم) يتصل به قصور تنسب للسلطان أيضًا معروف بشاه شاه (يعني: ملكشاه بن ألب أرسلان)، وكان مدبر أمر أجداد هذا الخليفة (الناصر لدين الله)، وكان يسكن هناك، فابتنى الجامع أمام مسكنه"[9].

 

بيد أن وفاة السلطان ملكشاه في شوال من تلك السنة، أوقفتْ أعمال البناء فجأةً، فلبث ما بدأ به ناقصًا ومهملًا، ومنها جامعه الكبير، حتى إذا ما حلتْ سنة 502هـ أخذ بهروز[10] أبو الحسن، الخادم الأبيض، مولى السلطان غياث الدين السلجوقي (المتوفى سنة 540هـ) بإكمالها، على أن المهم في الأمر أنه أنشأ في ذلك الجامع مدرسةً كبرى لتدريس الفقه الحنفي، فكانتْ تلك المدرسة امتدادًا لمدرسة الإمام أبي حنيفة، ومركزًا متقدمًا من مراكز الفقه الحنفي في بغداد.

 

مدرسو المدرسة:

استقطبت هذه المدرسة عددًا من كبار العلماء الأحناف ببغداد، درَّسوا فيها وأفادوا وانتفع الطلبة بهم، ومنهم من تولى التدريس فيها وفي مدرسة أبي حنيفة معًا، فضلًا عن التدريس في مدارس الحنفية الأخرى ببغداد، وقد بلغ عددها عدا مدرسة أبي حنيفة سبع مدارس في الأقل، كما أن منهم من تولى مناصب رفيعة في سلك القضاء، فكان منهم القاضي وأقضى القضاة؛ مما دلَّ على غزارة علمهم والمواصفات الرفيعة التي كان يتصف بها من يجري اختياره للتدريس فيها، ومن بين هؤلاء العلماء:

 

• مجد الدين أبو الخير مسعود بن سعد، أبو الحسن اليزدي[11] الحنفي: ولد سنة 505 هـ، وتفقَّه وأفتى وناب في القضاء، ودرس في مدرسة أبي حنيفة ومدرسة جامع السلطان، ثم خرج إلى الموصل رسولًا من الخليفة المستنجد بالله في أمر لم يذكره المؤرخون، فأقام فيها ما تبقى من عمره، يدرس وينوب في القضاء، وتوفي بها في جمادى الآخرة من سنة 571 هـ، وأثنى عليه القاضي تاج الدين يحيى بن قاسم التكريتي في تاريخه فقال: "كان شيخًا لطيفًا فيه دعابة"، وذكر أنه كان يدرس بالمدرسة المغيثية، التي أنشأها مغيث الدين محمود بن محمد السلجوقي المتوفى سنة 525هـ، وكانت تعدُّ من أبرز مدارس الحنفيَّة في القرن السادس للهجرة[12]، وقال القرشي: "أحد الفقهاء الكبار على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وأحد المدرسين ببغداد، وأحد القضاة والمفتين بها، وذكر زين الدين قطلوبغا أنه صنف كتاب: (التقسيم والتشجير في شرح الجامع الصغير)"[13].

 

• عز الدين أبو الحسن علي بن المرتضى بن محمد العلوي الأصبهاني البغدادي، المعروف بالأمير السيد العلوي: ولد في بغداد سنة 521هـ، وتفقَّه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وسمع من أبي سعد أحمد بن محمد البغدادي وغيره[14]، قال ابن الجوزي في حوادث سنة 566 هـ: "وفي يوم السبت رابع عشرين الشهر (يعني رجب) ولي الأمير السيد العلوي التدريس بجامع السلطان مكان اليزدي"، وذكره عماد الدين الكاتب الأصبهاني فقال: "مولده ومنشؤه ببغداد، ووالده من أصبهان، كان في خدمة الخاتون [فاطمة خاتون] زوجة المقتفي، وتفقَّه ولده هذا وبرع على مذهب أبي حنيفة، ووجد الكرامة الكبرى من الخليفة وأهل الرتب الشريفة والمناقب المنيفة، فلم يَمِل إلا لطلب العلم ونشره، ولم يرغب إلا في الفقه المؤذن برفع قدره، وله إلمام بنظم أبيات من الشعر تدل على إبرازه بالبر، وهو مدرس جامع السلطان بمدينة السلام، مشتمل على الإفادة مشمول بالإكرام"[15]، وذكره ابن الفوطي في تلخيصه، وقال: إنه توفِّي ليلة الجمعة ثاني عشر رجب سنة 588 هـ، ودُفن في مقابر قريش[16]"[17].

 

• ومنهم أيضًا الشريف أبو المجد علي بن علي بن يحيى المعروف بابن ناصر العلوي الحسيني الفقيه الحنفي: كان من أعيان فقه الحنفية ببغداد[18]، ولد في محلة مشهد الإمام أبي حنيفة سنة 515هـ، وسمع الحديث عن القاضي أبي بكر محمد بن أبي بكر، والقاضي أبي نصر بن عبدالباقي الأنصاري وغيره، وحدث وسمع منه الحافظ أبو المحاسن الدمشقي، وقال المنذري: "وكانت له معرفة بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، ودرَّس بجامع السلطان"[19]، وقال ابن الجوزي في حوادث سنة 566 هـ: "وفي رجب ولي ابن ناصر العلوي التدريس بمدرسة السلطان التي كان فيها اليزدي، فحضر درسه قاضي القضاة وغيره"، وتوفِّي سنة 594هـ.

 

وكان في المدرسة مجلس خاص بالمناظرة، يتناظر فيه العلماء في شأن من شؤون العلم، فهو يشبه ما يُعرف بمجالس (السيمينار) التي تعقد في الأقسام العلمية في جامعات اليوم، وممن اشتهر من علماء مجلس المناظرة بهذه المدرسة، الفقيه أبو زكريا يحيى بن المظفر بن الحسن بن بركة بن محرز البغدادي، قال أبو الوفاء القرشي: "تفقَّه على مذهب الإمام (أبي حنيفة)، وسمع من أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن النحاس بن العطار وغيره، وحدث وأفتى ودرس، وكان من أعيان الفقهاء، له مصنفات، وكان ذا لسان وعبارة، وله نظم ونثر"، ونقل عن المنذري قوله: إنه "حدث وأفتى ودرَّس، وكان من أعيان الفقهاء الحنفية، وله مصنفات، مولده سنة 536هـ، وتوفي في ثالث وعشرين من ذي الحجة سنة 625هـ رحمه الله تعالى"[20].

 

لبثت دار السلطنة السلجوقية عامرة بقصورها ومرافقها العديدة، حتى سنة 587هـ، ففي هذه السنة أمر الخليفة الناصر لدين الله (575 - 622 هـ) بنقضها بقصد القضاء على آخر رموز دولة السلاجقة في بغداد، بعد أن أزاح سلطانهم السياسي إثر ما عرف باسم صحوة الخلافة، إلا أن النقض لم يشمل جامع السلطان ومدرسته، فظلت المدرسة عامرة بمدرسيها وطلبتها على ما يُفهم من كلام ياقوت[21]، وقد وجدنا أن ممن تولى التدريس فيها بعد ذلك التاريخ عددًا من المدرسين، منهم:

• يوسف بن إسماعيل بن عبدالرحمن بن الحسن بن بشير بن منكو اللمغاني الحنفي: وهو من بيت مشهور بالفقه والعدالة، ولد سنة 518هـ، وتفقه على أبيه وعمه، وكانا عالِمَين أيضًا، حتى برع في المذهب والخلاف، وأخذ الحديث عن عدد من علماء عصره، وقرأ كثيرًا من علم الكلام على مذهب المعتزلة، وكانت له فيه يدٌ قوية، وناظَرَ على إثبات خلق القرآن، ثم تولى التدريس بمدرسة جامع السلطان بعد وفاة مدرسها أبي الحسن العلوي سنة 588هـ، وناب في التدريس بمشهد أبي حنيفة، وانتهت إليه رياسة أصحابه في وقته، وتوفي في ليلة الجمعة سنة 606هـ، قال عنه ابن النجار: "كان غزير الفضل ذا أخلاق لطيفة وكيس وتواضُع"[22].

 

• ومن مُدَرِّسيها أيضًا في هذه المرحلة من تاريخها: أقضى القضاة كمال الدين عبدالرحمن بن عبدالسلام بن إسماعيل بن عبدالرحمن بن عبدالسلام بن الحسن اللمغاني، ولد سنة 564هـ، وقرأ الفقه والخلاف، ودرس في المدرسة الزيركية، وهي من مدارس الحنفية في بغداد، بعد وفاة أبيه، وناب في الحكم والقضاء عن القاضي محمود بن أحمد الزنجاني، ثم عن قاضي القضاة عبدالرحمن بن علي، وفي سنة 633هـ قلد القضاء ببغداد، وولي التدريس في مدرسة جامع السلطان، ثم في مدرسة الإمام أبي حنيفة، وفي سنة 635هـ رتب مدرسًا للحنفية في المدرسة المستنصرية، ثم استصفاه المستنصر إلى آخر أيامه، وكانت وفاته سنة 640هـ، وقد صلَّى عليه في جامع القصر، ودفن في مقبرة الإمام أبي حنيفة[23].

 

• ومنهم القاضي عز الدين أبو عبدالله بن إبراهيم بن منصور المعروف بابن زريق الكوفي، ترجم له عبدالرزاق ابن الفوطي فقال: "قدم بغداد واشتغل بالفقه والأصول، ورتب معيدًا بالمدرسة المستنصرية، ثم رتب مدرسًا بمدرسة جامع السلطان، ظاهر مدينة السلام، ثم ولي القضاء بها، وتردد الشهود إلى خدمته، وجرت أموره على أحسن نظام لنزاهته وعفته وزُهده ولين كلمته، وهو حسن المروءة، مُقبل على شأنه"[24].

 

وقدِّر لجامع السلطان أن ينجو من التخريب مرة أخرى، في أثناء احتلال المغول بغداد سنة 656هـ، دليلنا على ذلك أن الخطبة لم تنقطع عنه بعد حوادث ذلك الاحتلال، ففي سنة 674 هـ عُيِّن الشيخ محيي الدين محمد بن مُحيَّا العباسي خطيبًا في الجامع[25]، يقول صاحب الحوادث: "وفيها عُيِّن الشيخ محيي الدين محمد بن محيا العباسي خطيبًا بجامع المدينة، المعروف بجامع السلطان...، ولم يخطب بالعراق بعد الواقعة خطيب هاشمي سواه"، كما خطب فيه أيضًا شمس الدين محمد بن عبيدالله الهاشمي الكوفي الواعظ، وكان أديبًا فاضلًا عالمًا شاعرًا، أورد صاحب الحوادث شيئًا من شعره الرائق[26].

 

وورد ذكر الجامع في حوادث سنة 690هـ[27]، وآخر من ذكره الرَّحَّالة ابن بطوطة سنة 767هـ، على أن ما ذكره منقول من رحلة سابقه ابن جبير[28]، ولم نقف على ذكر المدرسة في ذلك التاريخ، ومن الراجح أنها ظلت عامرة في وقت كان الجامع عامرًا، فهي ملحقة به، أما بعد أن غابت أخباره فلا نعلم مصيرها، وفي أي وقت توقف التدريس فيها.

 

تعيين موقعها اليوم:

علمنا من نصِّ ابن جبير أن السلطان ملكشاه "ابتنى الجامع أمام مسكنه"؛ أي أمام دار السلطنة السلجوقية، وإذ علمنا أن هذه الدار كانت تحتل بقصورها وبساتينها شاطئ دجلة، فيكون معنى قوله: "إن الجامع يقع أمامها"، أنه يتقدمها بالنسبة للقادم إلى تلك الناحية من جهة الشرق، ويؤيد هذا ما ذكره ياقوت من أن "الدار التي يسكنها السلاطين البويهية والسلجوقية خلف الجامع المعروف بجامع السلطان"[29]، فهي خلفه بالنسبة للقادم إليه مِن جِهة الغرب، حيث دار السلطنة المذكورة.

 

وإذ علمنا أن الجامع كان مجاورًا لمقبرة عرفت بالمقبرة السهلية، اتَّضَح لنا أن هذه المقبرة هي التي عرفت في العصر العثماني بمقبرة باب المعظم، وهي لما تزل موجودة إلى اليوم، بيد أن حدودها الأصلية غير معلومة، بسبب إنشاء الدور السكنية في أجزاء واسعة من أطرافها، وشق الطرق في داخلها، لا سيما من جهتِها الشرقية؛ حيث شق شارع الإمام الأعظم بأرصفته ومقترباته.

 

وعليه، فلا نستطيع تعيين موقع المدرسة أكثر من هذا، وكنا نظن أنها كانت قرب موضع جامع الوصي (المسمى جامع الحرية بعد 1958م) الواقع في أدنى تلك المقبرة؛ لكننا سُعدنا حينما وقفنا على نص جديد يعين موقعها على نحو أكثر دقة وتحديدًا، فقد ذكر الشيخ محمد أمين بن عبدالرحمن العباسي السهروردي (المتوفى سنة 1312هـ/1894م) في كتابه المخطوط الذي عنونه: "نزهة الأدباء في تراجم علماء ووزراء وأشراف مدينة السلام الزوراء"[30] في حوادث سنة 1247هـ/1831م ناقلًا عن مخطوط لجده محمد عبدالمحسن، واصفًا الحوادث الدامية التي رافقتْ دخول القوات العثمانية المكلفة بإنهاء حكم المماليك في بغداد، بقيادة والي بغداد المعين علي رضا باشا اللاظ - أن والي بغداد المذكور لما أمر بقتل قادة المماليك الذين كان لهم حكم العراق قبله "أمر بحفر حفرة كبيرة خلف قلعة القرنتينة التي أشادها مدحت باشا 1285 مدة ولايته على بغداد[31] بالقرب من السدة، فوضعوا فيها جميعًا... وأهيل عليهم التراب بألبستهم، وكانت القرنتينة يومئذ مقبرة كبيرة، وفيها من آثار مدرسة ورباط وغيرهما قديمة، يرجع تاريخها إلى بني العباس"، فالقرنتينة، أو الكرنتينة، هي المحجر الصحي الذي شيده مدحت باشا في جانب من ثكنة السوارية (الخيالة)؛ وذلك لحجز القادمين إلى بغداد خشية نقلهم الأمراض المعدية، ومكان هذه الثكنة معروف تمامًا لأبناء الجيل الماضي، فقد شهدت في أول عهد الحكومة العراقية تأسيس أول تشكيلات الجيش العراقي، ثم شغلت بعض أجنحتها بعض الدوائر العسكرية والمدنية، والحوانيت العسكرية، وهي تقع مقابل مدرسة متوسطة الغربية ووزارة الأوقاف سابقًا.

 

فهناك في موضع مِن هذه الثكنة كان جامع السلطان، وهو ما سماه السهروردي رباطًا، ومدرسته، وكان صائبًا في قوله: إنهما يرتقيان إلى العصر العباسي؛ إذ لم تكن ثمة جامع ومدرسة في ذلك العصر في هذه الناحية مِن ضواحي بغداد سواهما، كما تكشفت حدود دار السلطنة السلجوقية، فإذا بها تحتل الأرض الممتدة من شاطئ دجلة حتى تلك الثكنة، مجتازة شارع الإمام الأعظم.

 

أما المقبرة السهلية فصارت تمتد لتحيط بالجامع ومدرسته، وأذكر أني سألتُ بعض العمال الذين كانوا يحفرون أسسَ مبنى حديثٍ، يجري تشييده في أرض تلك الثكنة، في تسعينات القرن الماضي، عما لفت انتباههم في أثناء حفرهم تلك الأسس، فكان جوابهم أنهم عثروا على بقايا قبور عديدة منتشرة في هذه الأرض.

 

خاتمة:

إن مدرسة جامع السلطان هي واحدة من أهم مدارس الفقه الحنفي في بغداد في العصر العباسي، بل إنها تعدُّ - في نشاطها الفقهي والفكري - امتدادًا لتلك المدرسة الأم، مدرسة الإمام أبي حنيفة، وقبسًا من شعاعها، فقد تولى التدريس فيها مدرسون سبق أن تخرَّجوا منها ودرَّسوا فيها، ناقلين إليها تجربتهم وخبرتهم، ومع أن مدارس أخرى للفقه الحنفي أنشئت في بغداد في العصر العباسي، منها مدرسة باب الطاق والمدرسة التتشية والمدرسة المغيثية فإن شهرة مدرسة جامع السلطان ظلت متميزةً، واستمر دورها العلميُّ حتى ما بعد الاحتلال المغولي في منتصف القرن السابع للهجرة.



[1] أحمد شلبي: تاريخ التربية الإسلامية، بيروت، ص96.

[2] حينما أنشأ الوزير نظام الملك المدارس النظاميات العشر، أقام علماء ما وراء النهر مآتم للعلم معترضين على فكرة إنشائها.

[3] معجم البلدان، القاهرة، ج6، ص342.

[4] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، حيدر آباد، 1359هـ، ج9، ص60.

[5] مختصر مناقب بغداد، تحقيق: محمد بهجة الأثري، بغداد، ص23.

[6] رحلة ابن جبير، بغداد 1356هـ، ص282.

[7] في ابن كثير: البداية والنهاية، حوادث 485 اسمه (إبراهيم).

[8] ابن الجوزي: المنتظم ج9، ص60.

[9] رحلة ابن جبير، ص282.

[10] في ابن كثير: البداية والنهاية اسمه (هارون الخادم)، وقال: إنه هو الذي أتم بناء الجامع في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

[11] في المنتظم (أبو الحسين)، وتصحَّف في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية، حيدر آباد، 1332هـ" إلى (البريدي).

[12] كتابنا: مدارس بغداد في العصر العباسي، بغداد 1966، ص55 - 61.

[13] ابن قطلوبغا: تاج التراجم في طبقات الحنفية، ص 76.

[14] زكي الدين المنذري، ج1، الترجمة 169.

[15] العماد الأصبهاني: خريدة القصر وجريدة العصر، قسم العراق، ج1، ص195.

[16] هي التي عرفت في العصور التالية بالكاظمية.

[17] تلخيص مجمع الآداب، ج4، ص226.

[18] ابن أبي عذيبة: إنسان العيون في مشاهير سادس القرون، الورقة 157 نسخة دار المخطوطات العراقية.

[19] زكي الدين المنذري، ج1، الترجمة 431، والقرشي: الجواهر المضية، ج2، ص224.

[20] محيي الدين القرشي: الجواهر المضية، ج2، ص218.

[21] معجم البلدان، ج8، ص342.

[22] ابن الساعي: الجامع المختصر، ج9، ص 195، والمنذري: التكملة لوفيات النقلة، ج2، الترجمة 179، والقرشي: الجواهر المضية، ج2، ص212.

[23] ابن الفوطي: تلخيص مجمع الآداب، تحقيق: مصطفى جواد، دمشق، 1962، ج4، ص226.

[24] تلخيص مجمع الآداب، ج4، ص114.

[25] ابن رافع السلامي: منتخب المختار، تحقيق: عباس العزاوي، ص283، وابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، حيدر آباد، 1349هـ، ج2، ص89.

[26] كتاب الحوادث بتحقيقنا والدكتور بشار عواد معروف، بيروت، 1997م، ص363 و463 و424.

[27] كتاب الحوادث، ص505.

[28] تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق: محمد عبدالمنعم العريان ومصطفى القضاض، بيروت 1987م، ج1، ص235.

[29] معجم البلدان، ج8، ص346.

[30] حققناه، وصدر عن دار الزمان بدمشق 2016، ص44

[31] هذا التاريخ لا يتفق مع ولاية مدحت باشا في بغداد،، فقد تولاها من 18 محرم 1286إلى أول ربيع الأول 1289هـ/ 9 أيار 1869 - 8 أيار 1872م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مسجد ومدرسة السلطان حسن

مختارات من الشبكة

  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المدرسة الإسلامية بمانشستر تصنف ضمن أفضل مدارس المدينة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بريطانيا: مدرسة كاثوليكية تتحول لمدرسة إسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مدارس إمام خطيب ليست مجرد مدارس ثانوية متخصصة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الدور الحضاري للشعر العربي المعاصر - مدرسة الأصالة ومدرسة الحداثة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مرور 20 عاما على مدرسة كارديف الإسلامية بويلز(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المدرسة البنيوية التقليدية (مدرسة جنيف) ومؤسسها دوسوسير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلجيكا: السماح بالحجاب للمدرسات في المدارس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: اختيار مدرسة إسلامية واحدة فقط ضمن المدارس النموذجية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • نيوزيلاند: تحويل مدرسة كاثوليكية إلى مدرسة إسلامية ثانوية(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب