• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / طب وعلوم ومعلوماتية
علامة باركود

تحليل ظاهراتي للمحتوى المعرفي المطروح على صفحات الويب

حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/2/2010 ميلادي - 6/3/1431 هجري

الزيارات: 13591

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
1- مقدمة:
استأثر الخطاب المعلوماتي المعاصر بمهمة معالجة النتاج المعرفي الإنساني من خلال إدارة موارد المعرفة، وإنشاء شبكة العلاقات المقيمة بين مفرداتها المختلفة داخل بنية النظام المعلوماتي أو المعرفي السائد في الفضاء المعلوماتي للإنترنت بشتى مراتبه.

وقد أفرز الخطاب الجديد جملة من المفاهيم الفكرية المستحدثة؛ مثل:
الحقيقة الافتراضية Virtual Reality، والفضاء المعلوماتي، والفائض المعلوماتي، وغيرها من المفاهيم التي باتت بحاجة ماسة إلى معالجة متأنية بأدوات الفلسفة العقلية بعد أن أصبحت جل النشاطات المعلوماتية تتنقل في وسائط ميتافيزيقية مبنى ومعنى.

إن عودة الصورة وغياب الكينونة المادية البحتة، وسيادة العوالم الافتراضية بدلًا من أرض الواقع الصلبة في جلّ الخطاب المعلوماتي السائد على شبكة الإنترنت، والوسائط الحاسوبية المختلفة (المنطقية منها والفيزيائية) بات يولد لدينا قناعات بقرب عودة الخطاب الميتافيزيقي الذي ستنمو بذرته في بيئة تتسق ماهيتها مع بنيته العقلية، عكس التناقض الذي أورثه هذا التيار من الخطاب الفلسفي عندما حاول أن يستمر في الدعوة إلى سيادة خطاب العقل الذي بدأ ينشغل بالتنقيب في ماهية المادة الفيزيائية المنتشرة على القشرة الأرضية التي يقيم الإنسان عليها، فتعمق التناقض المقيم بينهما، وكانت الغلبة للعلوم المعاصرة بشتى فروعها، فنجحت في إقصاء الميتافيزيقيا من ساحة العلوم بعد أن كانت الكفة راجحة للأولى منذ فجر التاريخ وحتى حين أفول الفلسفة الهيغلية في القرن التاسع عشر.

إذن؛ ما نود أن نؤسسه في هذه الدراسة الفلسفية هو أن هناك تغيرًا ملموسًا في طبيعة الخطاب الفلسفي ـ المعلوماتي الذي فرضته تقنية المعلومات وتقاناتها على الفكر البشري، بعد أن نجحت في إحكام قبضتها على جل الخطاب المعرفي الإنساني، وتعمق نسيج آلتها في ساحة أدواتنا وأنساقنا المفاهيمية، بحيث لم يعد أمامنا إلا أن نتقبل نتائج هذه الثورة المعرفية الجديدة بجميع تفاصيلها الدقيقة، أو أن نعلن رفضنا لمفاهيمها المستحدثة، فنعكف على بيان تهافتها.

2- الظاهراتية: قراءة فلسفية صرفة:
لقد أضحت مصطلحات الظاهراتية والتحليل الظاهراتي من أكثر المصطلحات تداولا لدى الفلاسفة المحدثين في ساحة الفلسفة الحديثة (برييه،1968).

وتستمد هذه المصطلحات مرجعيتها من تيار فلسفي أعاد تشكيلَ نسقه المفاهيمي الفيلسوف الألماني أدموند هوسرل (1859-1938) من المادة الفلسفية التي بدأ بوضع لبنتها الأولى أستاذُه فرانز برنتانو (1838-1921).

وقد أضحى فيلسوفنا الأب الروحي للظاهراتية الحديثة، بعد أن أرسى حدودها، وصاغ تعاريفها، ومسائلها في كتابه الشهير الفينومينولوجيا، ثم عاود تنقيحها في كتابه تأملات ديكارتية، وكتب أخرى حددت معالم هذا التيار الفلسفي الجديد (بوشنيسكي، 1992)[1].

• إعادة قراءة مفاهيم ظاهراتية شائعة:
نشأت اصطلاحات الفلسفة الظاهراتية لتشكيل نسق مفاهيمي يمكن توظيفه في مطابقة دلالة هذه الاصطلاحات مع البيئة التي يقيم فيها الوعي البشري، ويتواصل مع الآخر الذي يتقاسم معه العيش فيها مع بقية الكيانات المستوطنة على تربتها.

بالمقابل جاءت بيئة الفضاء الرقمي للإنترنت بمفاهيم مستحدثة أحدثت انقلابًا جوهريًا في كثير من مفاهيمنا حول كثير من الثوابت التقليدية؛ مثل الزمان، والمكان، وماهية حضورنا الذاتي في البيئة الرقمية الجديدة، وطبيعة سريانات وعينا الذي يحاول اللحاق بتشعبات خيوط الشبكة العنكبوتية التي تتفرع باتجاهات يصعب عليه (في كثير من الأحيان) متابعة غاياتها.

ولا يخفى علينا جميعًا حجم الصعوبات التي تكتنف عملية توطين المصطلح الظاهراتي في البيئة الرقمية للإنترنت التي تتميز بخصائص رقمية - شبكاتية فريدة لا يمكن أن نعثر على مثيل لها في بيئة حياتنا التقليدية؛ إذ نشأت الفلسفة الظاهراتية منذ زمن ليس بالقصير.

ولكي لا نقحم أنفسنا في دائرة الجدل الفلسفي الذي قد يبعدنا عن الغاية التي حددّت لهذه الدراسة، سنحاول أن نعيد قراءة مصطلحات ظاهراتية شائعة بواسطة النسق المفاهيمي المعلوماتي الجديد.

أ - الظاهرة Phenomenon:
ويطلق هذا الاصطلاح على أي موضوع قابل للإدراك والملاحظة. وتمتلك الظاهرة مفهومًا محددًا بوصفها موضوعًا يتناوله الوعي فيضفي عليه معاني ترتبط بطبيعة الأفق الذي يوظفه وعينا لإدراك هويته الوجودية، وملاحظة صيرورة تجلياته على ساحة الزمان والمكان.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يطلق اصطلاح (ظاهرة) على كل كائن معلوماتي Object يستقر ضمن البيئة الشبكاتية للإنترنت. ويمكن أن يتخذ الكائن مظهرًا ماديًا يكون موضوعًا للإحساسات (الرؤية، أو السمع)، أو أن يتخذ مظهرًا يمكن أن تتعامل معه آلة العقل ضمن أنساقها المفاهيمية المختلفة (مثل الهياكل البرمجية، أو العلاقات، أو القيم) إذ تمارس عليه آليات الوعي المختلفة؛ كالإدراك، والحدس، والتخيل.

بيد أن من الضروري الانتباه لأن جوهر المعرفة المعلوماتية ـ في ظل النسق الظاهراتي ـ يفترض استقرارها ووقوعها في النسيج المعقد للوعي، وأنها ليست معنية بأي كائن معلوماتي يستقر خارج نطاق الوعي، مهما كان نمط وجوده (سواء كان حقيقيًا أو افتراضيًا).

ب- الوعي الظاهراتي:
يعالج النسق الظاهراتي الوعي بوصفه موطنًا لتكوين وإنشاء المعاني. وعليه فلا يمكن أن نعده موجودًا من الموجودات، ولكنه الحقيقة المبدئية التي يكتسب بفضله كلُّ موضوع (كائن معلوماتي) كلَّ ما له من معان، أو قيمة ذات صلة بنا. كما أنه لا يمكن أن يكتسب أي موجود من الموجوداتً وجودَه دون أن يكون موضوعًا يتناوله الوعيُ.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الوجود الحقيقي هو وجود الكيانات المعلوماتية (مادية أو افتراضية) في الوعي، ولا يمكن أن يكون لها وجود خارج نطاق بيئتها الافتراضية.

ويمارس الوعي أنماطًا متعددة من الأفعال Acts (مثل التفكير، والتخيّل، والحدس، والإدراك،..)، تتسم (وفق ما جاء به هذا التيار الفلسفي) بكونها ذات صلة حميمة مع الموضوعات التي تتوجه نحوها هذه الأفعال. ويمارس الوعي أفعاله ضمن إطار عملية التكوين التي يستحيل الموضوع بواسطتها إلى جزء من الخبرة الواعية لدى المرء.

وإذا وجهنا أنظارنا تلقاء البيئة المعلوماتية سنجد أن الدائرة التي يمارس الوعي نشاطه من خلالها، تقتصر على البيئة الرقمية التي يتعامل معها الوعي خلال مجموعة الأفعال التي يمارسها المتصفح في أثناء عمليات الانتقال بين مواقع الويب المختلفة، أو استعراض محتويات صفحات الويب، وتتبع محتوى ارتباطاتها التشعبية.

ج- القصدية:
يستمد الوعي مكانته الوجودية في النسق الظاهراتي من خلال الطابع القصدي الذي تتسم به أفعاله المختلفة. وعليه فإن جميع مستويات الوعي الذي نمارسه في البيئة المعلوماتية -عندما تشخص أمامنا مختلف أشكال الكائنات الرقمية- لن تزيد عن كونها توجهات لأفعال الوعي باتجاه هذه الكائنات.

ويتخذ القصد الظاهراتي مظهر الإحالة إلى الكائن الذي يتوجه إليه. فتتشكل عناصر الوعي نتيجة لإحالتها إلى مظهر من مظاهر كينونة الكائن المعلوماتي الذي لا يلبث أن يندمج معه، فلا وجود لأفعال الوعي دون وجود كيانات يندمج بها الوعي القصدي، ولا إدراك دون كائن معلوماتي يدرك، ولا وجود دون وجود قصد لفعل يسعى إلى إدراك المحتوى المعرفي المستبطن في كينونته الرقمية.

وهنا ينجلي الغموض عن مفهوم القصدية بوصفها علاقة إحالة متبادلة بين الوعي وأفعاله، وموضوعات الوجود الظاهري (الكائنات المعلوماتية المقيمة في نسيج الشبكة العنكبوتية للإنترنت) بحيث تصبح باطنة في الوعي Immanent وتنصبغ بمسحة ذاتية صرفة.

3- أنطولوجيا المحتوى المعرفي المستوطن في صفحات الويب:
يطفو المحتوى المعرفي للإنترنت فوق موارد معلوماتية مادية (تتألف عناصرها من الحواسيب، وخطوط الاتصال الشبكاتية، وعدد لا يحصى من المعدات الرقمية)؛ وموارد غير مادية (تتألف عناصرها من شيفرات برمجية، ونبضات رقمية، وقواعد بيانات) تتماسك فيما بينها ضمن هيكلة تكون مادة الفضاء المعلوماتي الرقمي Cyberspace.

وتتألف صفحات الويب Web Pages المستوطنة في الشبكة العنكبوتية العالمية World-Wide-Web من عقد معلوماتية تربطها مسارات رقمية، تقطعها طولا وعرضًا، ونسيج شبكاتي يربط بين مواقعها، وناشريها، ومطوريها، ومستخدميها في حبكة من النسيج الرمزي الذي نعجز عن تحديد بداياته أو نهاياته (علي، 2001).

لقد أصبحت الإنترنت نافذة الإنسان المعاصر، يطلّ من خلالها على مفردات العالم المختلفة، على اتساعها، ويؤسس بواسطتها العلاقات التي ينشئها مع عالمه، ومع الأفراد الذين يتشاركون معه في بيئتها الرقمية بعد أن امتلكت بيئتها الرقمية القدرة على إدراج النصوص، والمؤثرات المرئية والسمعية على صفحات الويب، فينتقل خلال عقدها المعلوماتية فيض متدفق من المعلومات، يصل إلى المستخدم، أينما كان، كما ينقل حضور المستخدم ذاته ، حيثما يريد، ليشارك الآخرين ضمن الفضاء المعلوماتي الذي تقطنه مجاميع العمل Workgroups، والمؤسسات الرقمية e-Organizations، وتبرم فيه صفقات التجارة الإلكترونية e-Commerce.

وعلى صعيد آخر لم تعد اللغة في بيئة الإنترنت ظاهرة سطحية تتمثل مادتها في تجليات سطحية من الألفاظ، والعبارات، والنصوص، المطروحة على صفحات الويب. فقد نجحت الأنطولوجيا الرقمية e-Ontology في أن تنشئ تحت ظاهر سطحها، بنية مفاهيمية عميقة، متعددة العناصر والمستويات، إذ يكمن في نسيجها المعقد، نسق معرفي تتألف مادته من العلاقات التي تربط بين الألفاظ والمعاني من جهة، وبين الكائنات المعلوماتية المقيمة على صفحات الويب، وارتباطاتها التشعبية Hyperlinks من جهة أخرى. فتحولت إلى بيئة خصبة تمنح المستخدم فرصة الانتقال بين مستويات معرفية متعددة، بعيدا عن النزعة الخطية الجامدة، التي سادت نصوصنا القديمة.

وبفضل النسق المفاهيمي للنص التشعبي Hypertext وأدواته الذكية، تحولت مادة التراكم المعرفي إلى صيغة رقمية مجردة اختزلت خلالها المعلومات الغفل إلى بنى وأنماط مفاهيمية ترتكز إليها لبنات المعمار الفكرية للأنطولوجيا الرقمية، لتعمّق من قيمة المعلومات، فتحيلها إلى موارد معرفية ثرية Knowledge Bases، دائمة العطاء، بدوام تغيّر منظور المعالجة التي تحاول إعادة تشكيل عناصرها في أنساق وبنى مفاهيمية جديدة.

4- الظاهراتية: محاولة إعادة تشكيل الأنساق المفاهيمية في بيئة الإنترنت:
تكاد تتفق الفلسفة الظاهراتية مع النسق المفاهيمي المعلوماتي في تكثيف اهتماماتها بنظرية المعرفة، وتحليل عناصر الذات المدركة، والموضوع المدرك بغرض تحديد طبيعة المحتوى المعرفي الذي يمكن أن تقوم على تربته أركان العلوم بمختلف فروعها.

وإذا كان الوصف الظاهراتي لعمليات الإدراك قد أكد في أكثر من مكان عبثية الحديث عن وجود انطباعات حسية منعزلة، وعدم قدرتها على تأسيس الإدراك والصدق (خوري، 1984) فإن النسق المفاهيمي المعلوماتي Information Paradigm يؤكد أن المحتوى المعرفي للكائنات المعلوماتية لا يمكن أن ينشأ بمعزل عن آلية معالجات الحوسبة الذكية Computational Intelligence التي تساعد في إعادة تشكيل عناصر المعلومات الغفل من خلال أفعال الوعي لتمنحها بعدًا معرفيًا يرتبط بصورة حميمة بالمنظور الذي وظفه الوعي للتنقيب عن البعد المعرفي الذي يكمن في مفردتها، ونسيج العلاقات التي تربط بين عناصرها.

من أجل هذا سنسعى إلى إعادة تشكيل عناصر بعض الأنساق المفاهيمية السائدة في البيئة الرقمية للإنترنت وفق النهج الظاهراتي لنعمّق فهمنا بالبيئة الجديدة من جهة، ونعاود قراءة مفردات النسق الظاهراتي في ظل الفضاء المعلوماتي الجديد.

أ- القصدية الظاهراتية:
يحمل اصطلاح القصدية معنى التوجه بفعل الإدراك إلى موضوع مدرك، وتتعامل الفلسفة الظاهراتية مع فعل الإدراك بوصفه نشاطًا يتسم بطابع قصدي، تتوجه من خلاله قصدية الإدراك إلى كل من فعل الإدراك وعناصر المدرك، على أنهما مجملان في وحدة حميمة تتبدى من خلال الوصف.

وعليه فإن كل فعل يمارسه المرء (في أثناء وجوده في البيئة الرقمية للإنترنت) يتميز بكونه موجهًا صوب شيء ما (كائن من الكائنات المعلوماتية)، فالإدراك إدراك لكائن معلوماتي، والتمثل تمثل لكائن معلوماتي، والتذكر تذكر لكائن معلوماتي، والحكم حكم بواسطة كائن معلوماتي.

ولما كانت قصدية الإدراك لا تعني توجّهه إلى شيء يلحق به من الخارج، وأن الإدراك لا يزيد عن كونه إدراكًا لشيء، وبصرف النظر عن كينونة هذا الشيء، فلا وجود لعبور يمارس بين الذات والموضوع، فالكل قد التحم في بنية متراصة من بنى فعل الوعي، والذي يتبدى لنا على الدوام بوصفه فعلا دائمًا يمارسه مستخدم الإنترنت نحو كائن ما من الكائنات المعلوماتية المستوطنة على مواقع الويب المختلفة.

وستكمن المهمة الظاهراتية (ضمن حدود الإبحار المعلوماتي الذي يمارسه المستخدم في البيئة الشبكاتية للإنترنت) في عملية الكشف عن ماهية، وأنماط تلازم الفعل وشيئه المعنيّ، بحيث تتوفر أمامنا فرصة لكشف الفروق المقيمة بين مختلف أنحاء الكينونة الخاصة السائدة على صفحة الويب، متلازمة مع السمات المميزة لمختلف أنحاء الفعل، والمعنيّ، والتوجه إلى الارتباطات التشعبية المستوطنة على صفحاتها الرقمية (خوري، 1984).

لذا إذا أردنا أن نسبر ماهية القصد المعلوماتي (وفق المنظور الذي يوظفه النسق الظاهراتي) فإننا سنجد أنفسنا أمام وعي تسوده حركة متخارجة ترتكز إلى سمته القصدية التوجيهية، وثمرتها عدم إمكانية التمييز بين داخل وخارج إطلاقًا، أو حتى بين ذات وموضوع في أثناء عمليات التصفح التي نمارسها.

وستسري صيرورة الوعي الرقمي عبر مفارقة ذاتية تسودها حالات تعالٍ ذاتي، بصورة دائمة. فالوعي يكون على الدوام في ذاته ولذاته. وهو دائمًا مع الكائنات المعلوماتية وبين ارتباطاتها التشعبية، دون أن تتوفر أمام القصدية فرصة التمييز بين داخل أو خارج أية مرحلة من المراحل التي يمر بها.

ب- موضوعية المعطى المعلوماتي:
إن إعادة النظر في فهمنا لموضوعية المعطى المعلوماتي يترتب عليها توسيع مفهومنا للإدراك وفق المنظور الظاهراتي. فمقابل الإدراك الحسي بمفهومه الانطباعي ينتصب أمامنا مفهوم أكثر اتساعًا لإدراك نمط جديد تمارسه الذات (الأنا) على طريق إدراكها لكثرة من التعينات المعنوية للموضوع، لكونها جزء لا يتجزأ من عناصر ترسيخ موضوعيته.

ويكون الإدراك المتحقق للمعطى المعلوماتي فعلا عيانيا تتقوّم فيه موضوعات إدراكية ذات صلة مباشرة بالمعطى المذكور، وتضم كمًا كبيرًا من الارتباطات التشعبية يمكن أن تتقوم من خلالها موضوعات إدراكية خصبة تفوق الموضوعات الحسيّة (المرئية الظاهرة على صفحة الويب) وتمتلك بعدًا معرفيًا يفوق في محتواه مادة الإدراك الحسي - المرئي.

وهنا نؤكد (وفق ما ذهب إليه أهل النسق الظاهراتي) عدم وجود أي نوع من أنواع الإدراك الحسي المنعزل عن سياق العرض الدلالي لمحتويات صفحة الويب، وأن ما ندعوه إدراكًا بصريًا هو، على الدوام، تداخل موحّد، تأسست مادته من معاينات حسّية ومقولية، تفتقر، على الدوام، إلى عنصر الحكم الذي يمسك بتلابيب عنصري الفهم والحس، ضمن آنية معنوية، تستقرى من أنماط التجربة المعرفية الموجهة لمحتويات صفحة الويب بعيدًا عن لائحة الأشكال المبصرة في محتويات الصفحة، والارتباطات التشعبية المقيمة فيها.

ومن هنا تبرز أمامنا موضوعية المعطى المعلوماتي بوصفها سمة لكلية الشيء (مع أننا نعاين محتويات صفحة الويب ضمن حقل إدراكي يرتبط بجانب محدود من الموضوع).

فعندما أستعرض صفحة ويب على شبكة الإنترنت، فإني أمارس عملية التقاط لجوانب مختلفة من المفردات المطروحة في خطابها، تختلف باختلاف موضعي الذاتي منها. إلا أن كل عملية التقاط لعناصر هذه الصفحة ستمنحني فرصة جديدة لإدراك موضوعها الذاتي بوصفها صفحة ويب، تحمل أنوات تعبّر عن موضوع لإدراك مؤسس عن صفحة ويب صرفة.

ج- آفاق الوعي المعلوماتي:
يعد الأفق من اصطلاحات الفلسفة الظاهراتية التي صيغت لتوضيح بنية الوعي القصدية وطبيعة آليات الإدراك التي تسود كيانها. وقد ذهب أصحاب هذا التيار إلى القول بوجود أفق قصدي لكل فعل يعيشه الوعي في ظل معطيات جزء من الموضوع الذي يتوجه صوبه. ويحيلنا هذا الأفق القصدي إلى الجوانب غير المدركة فعليًا في هذا الموضوع، والتي نتوقع قدومها العياني توقعًا غير عياني (خوري، 1984).

وعليه سيبقى موضوع الإدراك غير قادر على استنفاد جميع الآفاق المحتملة للموضوع، حتى إن تعددت الآفاق وتنوعت؛ لأن شعار المدرك هو "هناك، على الدوام، آفاق جديدة لم نحظ باكتشافها سيكشف عن هويتها مضمون الآفاق التي للوعي إدراكها".

وبالرغم من تعدد الآفاق البسيطة،
وتركيبها ضمن أنساق أشد تعقيدًا ضمن سيرورة الإدراك، فإن الوعي لا يقتنص مادة الموضوع، ويميز هويته الوجودية عبر عملية تركيبية لجميع أشكال، ومستويات الآفاق المفتوحة أمامه، بل إن الإدراك يتعامل مع موضوعية الموضوع، أولا، ثم تساعد الإدراكات التركيبية اللاحقة في توسيع دائرة الموضوع المدرك، فيتعمق الإدراك به دفعة واحدة في منظومة الوعي الإنساني.

ولكي نقف على طبيعة وأشكال الآفاق القصدية، سنحاول مناقشة هذه الآفاق من خلال تحليل عناصر الفعل الذي نمارسه عندما نطالع صفحة ويب تقيم في إحدى المواقع المنتشرة على شبكة الإنترنت، لكي تتجلى لنا طبيعة الإدراك الواعي والقصدي لهذه الصحيفة المفعمة بالنص، والوسائط المتعددة، والارتباطات التشعبية التي تربطها مع بقية صفحات الويب.

أولا: الأفق الداخلي:
نوجه أنظارنا، في هذه المرحلة، إلى صفحة الويب الظاهرة أمامنا بوصفها موضوعًا يشغل حيزًا على شاشة الحاسوب. بيد أننا نلاحظ عدم قدرتنا على استنفاد كلية صفحة الويب في إدراك منفرد. فأنا لا أرى منها إلا بعض علامات الارتباطات التشعبية، والتي تحيلني إلى صفحات أو قوائم، أو مفردات أخرى لا أستطيع رؤيتها من موقعي الراهن، لكنها ترتسم أمامي بوصفها أفقًا مفتوحًا من الإمكانيات.

وبذلك تبدو لنا هذه الصفحة كمجموعة من الخصائص (جوانب فعلية وممكنة للإدراك) المختلفة والمتوحدة في آن واحد؛ لأنها جميعًا صفات مختلفة لهذه الصفحة.

وكلّما غيّرت موقعي، كأن أصوّب نظري نحو قائمة من قوائمها، أو ارتباط تشعبي مقيم عليها، تنشطت أمامي إمكانيات جديدة، وتفتحت، بناء على هذا النمط من التنشيط، آفاق أخرى جديدة من إمكانيات إدراك هذه الصفحة.

وتارة يكون الأفق في الطيف اللوني السائد فيها، وتارة يكون في بيئة الوسائط المتعددة المقيمة فيها، وتارة يكون في الخطاب المعرفي المطروح فيها. كل هذه الصفات، وغيرها، تساعد في تغيير نمط إدراكنا لها، ويتكيف بتغير توجهنا نحو مضامينها، وكذلك يتنوّع بتنوع اهتمامي بها، ونظري إليها، أو تركيزي على مفرداتها وارتباطاتها المتنوعة.
وعلى هذا الأساس تتعدى صفحة الويب، على الدوام، نطاق إدراكاتنا الممكنة؛ لأنها لا تستسلم كليًّا لفيض نشاطات وعينا، نتيجة للآفاق المتراكمة، والتي تتفتح باستمرار أمامنا، عند معاودة مطالعة عناصرها.
ثانيًا: الأفق الخارجي:
ينشأ الأفق الخارجي كنتيجة لإحالة أنشاها الوعي عند انتقاله من موضع في الأفق الداخلي لصفحة ويب باتجاه كينونة تقع خارجها. فإذا استنفد وعينا (في حالة محددة) مفردات صفحة ويب تستقر على شبكة الإنترنت، بحيث لم يتبق عليها شيء مما لا يرى، يجوز لنا عندئذ اعتبار أفقها الداخلي أفقًا أماميًا. أما أفقها الخلفي فسيكون أفقًا خارجيًا؛ لأن إدراكه لا يمكن أن يتحقق من خلال ما يشخص أمامنا من مفردات محتوى الصفحة الماثلة أمام أنظارنا.

وسنصل عند نهاية استعراضنا للأفق الخلفي (الخارجي) لهذه الصفحة إلى قناعة معرفية تؤكد لنا أن صفحة الويب هذه، هي صفحة - في - بيئة الإنترنت، لكنها مع ذلك ليست مجرد صفحة - في - الإنترنت، أو مجرد صفحة - من - الإنترنت. إنها في الحقيقة الوجه الأمامي للإنترنت، والتي تتراجع لتظهر من حولها كمجرد خلفية لها.

ومع أن هذه الصفحة هي من صلب نظام الشبكة العنكبوتية العالمية للإنترنت، فإن هذه البيئة الرقمية تظهر، بالنسبة لتجليها فيها ونتوئها عنها، مجرد أفق من آفاقها المتعددة (أفقها الخلفي/الخارجي).

ثالثًا: الأفق الزمني:
يرتبط الأفق الزمني لصفحة الويب الظاهرة أمامنا بزمنية انتقال محرك البحث لإظهار محتوياتها أمام أنظارنا، مما يُدخل في تعريف كينونتها أبعادًا زمانية ومكانية أصبحت منذ الآن من صلب ماهيتها الظاهراتية، وجزءًا من مقومات ظهورها العياني لنا.

ومهما يكن من شأن ما حدث لصفحة الويب، قبل الآن، وما سيحدث لها بعد الآن، فإننا على ثقة من أنّ لها موقعًا زمنيًا محددًا يلتف، في أفق معين له، إلى الماضي، ويطلّ في أفق آخر إلى المستقبل. فظهور هذه الصفحة أمامنا يرتبط بعملية الإبحار المعلوماتي Web Navigation من جهة، وبماهية الوعي الذي تكون لدينا عنها، والذي أضفى بعدًا قصديًا على الوعي، مؤسسًا إياه في ثنائية ماض ومستقبل يختص بها، ويصاحب ظهورها أمامنا في كل لحظة من تاريخ كينونتها القصدية.

رابعًا: أفق التواصل الذاتي:
إن التوسع في فضّ مضمون انتقالات وعينا (عند معاينة صفحة الويب) بين مراجعة لكيفية بلوغنا إليها، ورغبتنا في اطلاع الغير على شيء من مضامينها في وقت لاحق، سيحيلنا، لا محالة، من الأفق الزمني لهذه الصفحة باتجاه أفق تواصلها الذاتي.

بصورة عامة، فإن تاريخ أنويتنا الوجودية (كل من المضمون الحدوثي والمعنوي لزمنيتنا) ليس من صنعنا كأفراد، بل هو من صنع آخرين كثر، اشتركوا معنا في تكون عناصره، وإضفاء معان عليه.

وعليه فإن صفحة الويب التي تضم بين مكوناتها خطابًا (مهما كان نوعه) قد شارك كثيرون في لمّ شتات مفرداته، فأودعوها في قالب يمتلك مضمونًا يمكن أن يعد محاولة للاتصال بنا تمارسها تلك المجموعة لإعلامنا بخطاب محدد من خلال هذا المحتوى الرقمي، وتختلف أهداف عملية الاتصال باختلاف هوية الصفحة، وهوية المجموعة التي شاركت في تكوين عناصر خطابها باتجاه تكوين رأي معيّن، أو اتخاذ موقف ما إزاء مسألة تشخص أمامنا.

وإن كان الرأي يتولد لدينا، من خلال أفق التواصل الذاتي لهذه الصفحة، فإن عملية الرد الظاهراتي ستسعى إلى تحويل الرأي لدينا إلى رؤيا أصيلة، وعيان حتمي يحكمه منطق معلل.

وعليه فإن أفق التواصل الذاتي لهذه الصفحة الرقمية سيكون الأرضية الصلبة التي ستنشأ عنها قناعاتنا ويقيننا الذاتي، الذي سرعان ما سيتحول إلى رؤية، تمنحنا فرصة تملك هذا النمط من الإدراك في إطار معرفي، سيكون مشاعًا للجميع، بيد أن بصمة هويتنا الشخصية قد منحت هذا النمط من الإدراك بعدًا معرفيًا يجعلنا نتذوق البعض منه، ونعرض عن البعض الآخر، دون أن يؤثر ذلك في بقية الآفاق الفردية، التي سيحاول أصحابها أن ينهلوا من موارده لإنشاء رؤى فردية جديدة.

إن الرؤى التي ستتولد لدينا من هذه الصفحة، لا تزيد عن كونها نمطًا من ملكية شخصية، ترتبط بهويتنا الوجودية، والبعد الزماني الذي نشأت فيه، وبعد أن تحوّلت إلى عيان بديهي تحكمه قواعد الحتمية المنطقية، وتم التحقق من مضامينه بصورة شخصية وفردية.

لذا فإن صفحة الويب التي تشخص أمامنا ليست مجرد بنية مفاهيمية خاصة بنا، وبأفعالنا القصدية، ولكنها تتقوّم في وعينا المتعالي كتضايف ظاهراتي يشهد لنا عيانيًا (من خلال آفاقه المختلفة) على كون صفحة الويب هذه، هي منتوج للتواصل الذاتي يمكن لكل متصفح لمواقع الويب، الوصول إليه، والحصول عليه، بوصفه موضوعًا من موضوعات عالم الإنترنت الرقمي.

د- إدراك الآخر: الحوار الظاهراتي عبر الإنترنت:
أسس النسق الظاهراتي مفهوم الوعي بوصفه نشاطًا خلاقًا ينشئ المعاني من خلال المراحل الوجودية، والتجارب المعيشة التي تتوالى عليه، في أثناء ممارسته فعل الوجود بجميع ملابساته وتفاصيله.

وإذا كان نشاط الوعي يتميز بسمة التعالي، عند ممارسة عملية إدراك الأشياء، وإضفاء المعاني، وتأسيس الأحكام، خلال عمليات التصفح التي يمارسها المرء في دائرة الفضاء المعلوماتي للإنترنت، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المقام يدور حول ماهية العلاقة الكائنة بين الوعي الذاتي، ووعي آخر يفرض ذاته أمامه في أثناء وجودهما ضمن بيئة الحوار الرقمي الذي توفره الإنترنت بسخاء للمستخدمين الذين يوظفون مختلف التطبيقات البرمجية المطروحة على هذه الشبكة الماموثية.

بصورة عامة فإن إدموند هوسرل قد عمد إلى توظيف مفهوم تجربة الجسد، بوصفها تجربة أساسية تساعد في عملية إدراك طبيعة العلاقة التي تربط نشاط وعينا بوعي "الآخر".

أما إذا عاينا المسألة من ناحية الكينونة الافتراضية لوعينا داخل حدود البيئة الافتراضية للإنترنت، فسنجد أنفسنا بحاجة إلى إعادة صياغة هذا المصطلح أو تغييره إلى اصطلاح جديد آثرنا أن نطلق عليه اصطلاح الحضور Presence؛ لأن وجودنا الرقمي أمام الآخر في البيئة المعلوماتية لا يزيد عن كونه نمطًا من الحضور المعنوي الذي ينعكس ضمن هذه البيئة عبر سلسلة من النشاطات التفاعلية التي توفرها شبكة المعلومات لضمان تواصلنا الرقمي مع الآخر.

وعلى هذا الأساس فإن حضوري الخاص ضمن حقل إدراكي الخاص، كحضور رقمي موجود أمام الآخر هنا والآن (على شاشة الحاسوب)، يمنحني فرصة إدراك أنماط أخرى من الحضور لذوات أخرى، بوصفها أنماطًا جديدة من الحضور الذي يستقر أمامي، وعلى شكل معطيات مباشرة لحقل إدراكي الخاص.

ومن جهة أخرى فإن كينونة الآخر بمعنى وجود الآخر بوصفه حضورًا رقميًا، هو الإدراك الذي أمارسه في أثناء وجودي على الشبكة المعلوماتية، الذي أعيه على شكل وجود شيء كحضور "آخر" أمامي ضمن الحقل الرقمي الذي يجوبه إدراكي الخاص.

فإدراك جسدي كحقل لتجاربي المعيشية (في الفضاء الرقمي) وضمن إطار ذاتي خاص، يجعلني أدرك "حضور الآخر" بنفس نمط الإدراك، الذي أدركت به حضوره الخاص في البيئة التفاعلية الجديدة. كما أن التشابه العضوي، والحركي، والسلوكي (في إطار الزمان/المكان) بين حضوري، وحضور "الآخر" هو الذي سيمارس عملا جوهريًا في حصول تطابق بين الإدراك لدى الطرفين. أما الاختلافات التي أمكنني الشعور بها عند إدراك عناصر البيئة الرقمية التي يتم حضورنا فيها، فإنها ستسهم بمنح إدراكنا الحسي (بهذه البيئة) سمة الإدراك المشترك (أو بالأحرى الموضوعي) الذي سيسمح ببناء العلاقة غير المرئية، ولا المدركة، التي أطلق عليها هوسرل اصطلاح "التواصل الذاتي"، الذي سيصبح شرطًا أساسيًا لكل موضوعية ممكنة بحيث لا يمكننا الانتقال من الذاتية إلى الموضوعية إلا بواسطة خاصية التواصل الذاتي (الزين، 2005).

وعليه ستضمن خاصية التواصل الذاتي خاصية الفهم بين مختلف الذوات الحاضرة في المشهد الشبكاتي ذاته، وستتألف مادته من مجموعة الإدراكات الحدسية لكل مستخدم على حدة، والتي نجحت بتحقيق اتصال شبكاتي مباشر بمواضيع التواصل الرقمي (الذي أنشأه التطبيق البرمجي الذي يجمع بينهم) وأدركت ماهيته وحقيقته.

وبهذا النمط التحليلي لحضور الذات مع الآخر على الإنترنت (وفق ما جاءت به الفلسفة الظاهراتية) سنتخلص من إشكالية أحادية الذات (الأنا - وحدية)؛ لأن عملية التواصل (ضمن النسق الظاهراتي) ستكون عبارة عن إدراك موضوعي للظواهر السائدة في البيئة الرقمية للإنترنت، الذي تتقاسمه الذوات بحكم انتمائها المشترك لهذه البيئة، وتؤطرها موضوعية الزمان والمكان اللذين توجد بينهما بعيدًا عن سلطة المكان القاهرة في البيئة الفيزيائية التقليدية!.

5- ملاحظات ختامية:
لقد رسّخ النسق المفاهيمي المعلوماتي لدينا حقيقة أن إدراك كائن معلوماتي يستوطن في صفحة من صفحات الويب سينشأ في حقل إدراكي يختص به. وكما أن الكائن الواحد لا يتخذ، في الإدراك، أي معنى إلا من خلال أفق مفتوح من إدراكات ممكنة، ويحيل على كثرة نسقية من التبديات الإدراكية الممكنة والخاصة به على نحو متسق.

كذلك فإن للكائن أفقًا آخر، إن له أمام الأفق الداخلي، أفقًا خارجيًا، وذلك بقدر ما ينتمي هذا الكائن إلى حقل من الكائنات المعلوماتية المنتشرة على مواقع الويب.

وهذا يحيلنا في النهاية، على بيئة الإنترنت الرقمية كلها بوصفها "عالم الإدراك". إن صفحة الويب هي مجرد كيان رقمي واحد في مجموعة كلية من صفحات الويب المدركة فعليًا وفي آن واحد. لكن هذه المجموعة ليست، بالنسبة لإدراكنا، بيئة الإنترنت بأجمعها، بل هي ما يتبدى لنا مختلفُ أنماط مفردات المعرفة فيها. إن هذه المجموعة بصفتها حقلا إدراكيًا، تتسم دائمًا في نظرنا، بطابع استلالي: كونها مستلة من الشبكة العنكبوتية العالمية، من الفضاء المعلوماتي.

أما الأفعال التي يمارسها الوعي (في أثناء تصفحنا لمواقع الويب المختلفة) فلا تزيد عن كونها مسالك، ولكل هذه المسالك اتجاهات. وفعل الإدراك، يعرب لنا عن ذاته بوصفه فعلا ذي طابع قصدي. بيد أن هذا الأمر لا يعني كون قصدية الإدراك تمارس نشاطًا يشابه توجهها إلى كائن معلوماتي تحاول اللحاق به من الخارج، بوصفه كيانًا يمكن الاستغناء عنه دون التفريط في إدراكية فعل الإدراك الذي يمارسه.

وبذلك ينتفي الكلام عن خارج الوعي وعن داخله،
عن بطون الوعي ومفارقته في أثناء ممارسة فعل الإدراك؛ لأن هناك تلازمًا حميمًا بين صيرورة الوعي من جهة، والموضوع الذي يتوجه الوعي نحوه، من جهة أخرى.
وعليه؛ فإن الطابع القصدي للوعي سيمنحه مفارقة ذاتية، وتعاليًا ذاتيًا بغير نهاية. فهو دائمًا في ذاته ولذاته، وهو على الدوام مع جميع أشكال الكيانات المعلوماتية وبينها. وسنقتصر في إطلاقنا صفة الموضوع Object على موضوعات تجربتنا العادية الساذجة حيث الموضوعات المألوفة لدى الجميع، وعلى اختلاف أنواعها وأصنافها.

أما الموقف البديل (المتعالي) الذي تطرحه المعالجة الظاهراتية لهذه المسألة فهو الموقف الذي يمنح هذه الموضوعات المألوفة حالة وجودية جديدة هي حالة الوقوف أمام الوعي. فيتحول الكائن المعلوماتي إلى نمط من التعيّن المعنوي نتيجة الفعل القصدي الذي جعله كيانًا مستقرًا أمامه. إذ ذاك يتخذ موضوع الإدراك أبعادًا معنوية جديدة ترتقي به باتجاه ما يفوق طابعه الحسي الصرف، فلا يعود الارتباط التشعبي المقيم على صفحة الويب (على سبيل المثال) والشاخص أمامي، موضوعًا للإدراك إلا بقدر تعيّنه المعنوي من خلال عناصر إدراكي المتوجهة نحو كينونته.
أما بالنسبة لزمن التجربة التي نعيشها في أثناء وجودنا في البيئة المعلوماتية للإنترنت فلا يمكن أن نعده تراكمًا للحظات متلاحقة نمارس خلالها سلسلة من أفعال التصفح، بل هو تيار جارف تتقوّم فيه حياة الوعي فيها، بما فيه من مضامين وأنحاء وأبعاد. وهو، هذا الزمن الذي نعيش فيه، "حاضر" بالذات. ويتقوّم هذا الحاضر كوحدة شعورية منسابة في بعدين مختلفي الاتجاه: بعد "يعود" إلى الماضي ويدعوه هوسرل "الاستبقاء"، وبعد "يطلّ" على المستقبل ويدعوه هوسرل "الإطلال". ويؤلف هذان البعدان: الاستبقاء والإطلال وحدة الحاضر الحيّ الجاري "العرض" الذي نعيشه في أثناء وجودنا على شبكة المعلومات.

فأنا عندما أستعرض صفحة ويب، على سبيل المثال، أحقق معنى معينًا في نمط الحضور بحيث "أستبقي" ما تقدمت باستعراضه من محتوياتها، وأظل على ما أنا مزمع على الانتقال إليه "من ارتباطات تشعبية" فيكتمل بذلك معنى ما قمت باستعراضه - خلال هذه المرحلة من عملية الاستعراض.

فبغير الاستبقاء لا أستطيع معرفة ما كنت أعاينه وموضوع العناصر التي عاينتها. وبغير الإطلال لا أستطيع إنهاء عملية استعراضي لصفحة الويب على نحو مفيد. وكلا النشاطين "الاستبقاء" و"الإطلال" يدخل في صورة الفعل المعنوي "الاستعراض" كمقوّمين لماهية للحضور - حضور المعنى المكتمل في الذهن.

وما دمنا استعرضنا صفحات الويب المنتشرة بسخاء على النسيج الرقمي للإنترنت سنكون إزاء تجربة الوعي وقصديته تجاه عناصر التجربة "الاستعراض المعلوماتي للمواقع" على تعددها واختلافاتها. فإذا حاولت التركيز على الكائنات المعلوماتية المقيمة على رقعة صفحة الويب، سيكون إدراكها إدراك كثرة: رؤية الصور، ومطالعة المحتوى الرقمي، وسماع المؤثرات الصوتية الملحقة بمحتويات الصفحة...

لأن كل فعل أمارسه يوفر لي فرصة إدراك محتويات الصفحة على نحو مختلف. فالمرئي في النظر، ليس بحد ذاته، المسموع بالسمع، أو المقروء بالمطالعة. إن هذه السيرورة الإدراكية، تحدث بصورة مستمرة، فتظهر فروق جديدة، في تنوع من الكثرة.

وكل مرحلة، في هذه السيرورة، تعد نظرًا، إلا أن المرئي يختلف من مرحلة إلى أخرى، وأنا، من ثم، أدركه، بغير انقطاع في نواحي تتعاقب في تعدد مستمر للماهية (خوري، 1984).

6- قائمة المراجع:
1) برييه، أميل، (1968)، اتجاهات الفلسفة المعاصرة، ترجمة الدكتور محمود قاسم، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع، القاهرة.
2) بوشينسكي،أ.، (1992)، الفلسفة المعاصرة في أوربا، ترجمة الدكتور عزّت قرني، سلسلة عالم المعرفة، 165، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
3) خوري، أنطوان، (1984)، مدخل إلى الفلسفة الظاهراتية، الطبعة الأولى، دار التنوير، بيروت.
4) علي، نبيل، (2001)، الثقافة العربية وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، العدد 265، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نذكر من بين فلاسفة الظاهراتية الألمان: ألكساندر بفاندر (1870-1941)، وأسكار بكر (ولد عام 1893)، ورومان انجاردن (ولد عام 1893)، وكونراد مارتنز، وموريتز جايجر (1880-1937)، وأديت شتاين (1891-1942)، وأدولف رايناخ (1883-1916). ومن الظاهراتيين الفرنسيين نذكر ألكساندر كواريه، ومن الأمريكان: مارفن فارير- للمزيد راجع (بوشينسكي،1992).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القيمة الاقتصادية للموارد المعلوماتية
  • التجارة الإلكترونية وتقنيات الذكاء الاصطناعي
  • التقييم الكمّي لمواقع الويب
  • أساليب قياس الموجودات المعرفية ورأس المال المعرفي

مختارات من الشبكة

  • تحليل محتوى كتاب لغتي الجميلة للصف الخامس الابتدائي في ضوء مهارات التفكير فوق المعرفي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • البلاغة وتحليل الخطاب - دراسة في تغير النسق المعرفي(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • المصفوفة: خريطة تحليل لغوي للمحتوى يجب أن ينفذ كاملا على الاستماع كالقراءة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الرابعة: مكانة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تحليل بيانات الدراسة لظاهرة الفتيات المسترجلات(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ما المقصود بتحليل الحقول، وتحليل السِّمات؟(استشارة - الاستشارات)
  • تحليل بيانات بحث عن الفتيات المسترجلات(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تحليل أسباب ظاهرة الفتيات المسترجلات(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
2- جزاكم الله خيرا
خالد - المملكةالعربيةالسعودية 13-09-2013 03:17 PM

جزاكم الله ألف خير

1- شكر
عامر - السعودية 20-02-2010 01:48 PM
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم .... ومشكورين على النحليل والبيان
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب