من غرقت كتبه بالماء

من غرقت كتبه بالماء

• قال أبو الفرج بن الجوزي:

لما وقع الغرق سنة أربع وخمسين وخمسمائة، غرقتْ كتُبي، وسَلِم لي مجلَّد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد[1].

• الحبَّالُ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الكُتبي الورَّاق، الإمام الحافظ المتقن:

قال السِّلَفِيُّ: سمعتُ ابن طاهر يقولُ: وقَع المطر يومًا، فجاء الحبَّالُ فقال: قد تَلِفَ بالمطر من كتبي بأكثَرَ مِن خمسمائة دينار.

فقلتُ له: قيل: إن ابن منده عملَ خزانةً لكتبِه، فقال: لو عملتُ خزانةً لاحتجتُ إلى جامع عمرو بن العاص[2].

• شِمْر بن حَمْدَوَيْهِ الهرَويُّ أبو عمرو:

رحَل إلى العراق في عنفوان شبابه فكتب الحديث، ولقيَ ابن الأعرابي وغيره من اللغويِّين.

ولما ألقى عصاه بهراة ألَّف كتابًا كبيرًا في (اللغات) أسَّسه على الحروف المُعجَمة، وابتدَأ بحرف الجيم، فأشبعه وجوَّده، إلا أنه طوَّله بالشواهد والشِّعر والروايات الجمَّة عن أئمَّة اللغة وغيرهم من المحدِّثين، وأودَعه من تفسير القرآن بالروايات عن المفسِّرين، ومن تفسير غريب الحديث أشياء لم يسبقه إلى مثله أحدٌ تقدَّمه، ولا أدرك شأوَه فيه مِن بعده، ولما أكمل الكتاب ضنَّ به في حياته ولم يُنْسِخْه طُلابَه، فلم يُبارَك له فيما فعله حتى مضى لسبيله، فاختزلَ بعضُ أقاربه ذلك الكتابَ مِن تركتِه، واتصل بيعقوب بن الليث السِّجزيِّ فقلَّده بعض أعماله واستصحَبه إلى فارس ونواحيها، وكان لا يُفارقه ذلك الكتابُ في سفر ولا حضر، ولمَّا أناخ يعقوب بن الليث بسِيبِ بني ماوان من أرض السواد وحطَّ بها سَواده، وركب في جماعة المقاتلة من عسكرِه مقدِّرًا لقاء الموفَّق وأصحاب السلطان، فجُرَّ الماء من النهروان على معسكرِه، فغرِق ذلك الكتاب في جملة ما غرق من سواد العسكر[3].

• أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي البغداذي:

قال الصفدي: كان قد غرقتْ كتبه، فاستحدث نسخًا من كتب لم يكن فيها سماعه فغمَزه الناس.

وقال الخطيب البغدادي: كان بعض كتبِه غرق فاستحدث نسخها[4].

• عبدالرحمن بن موسى الهواري، الأديب البارع، الفقيه، أبو موسى:

لقي الأصمعيَّ وأبا زيد ونظراءهما، غرقتْ كتبُه ببحر تدمير فلما بلغ (إِسْتِجَةَ) قصَدَه الشيوخ وأهلُها يُهنِّئونه بقدومِه، ويُعزُّونه في كتبه، فقال لهم: ذهَب الخرج وبقيت الدرج، يعني ما في صدره[5].

• محمَّد بن نصر المروَزي:

قال رحمه الله خرجت مِن مصر ومعي جارية لي، فركبتُ البحر أريد مكة، قال فغَرِقْتُ، فذهب مني ألفا جزء، قالَ: وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، قال: فما رأينا فيها أحدًا، قال: وأخذني العطش فلم أقدِر على الماء، قال وأجهدتُ فوضعتُ رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، قال: فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز فقال لي: هاه، قال: فأخذتُ فشربتُ وسقَيتُ الجارية، قال: ثمَّ مضى، فما أدري من أين جاء ولا من أين ذهب[6].

• محمد بن صالح الجيلاني الفارسيُّ ثم اليمني:

طبيب، نشَأ بإيران، وأخذ الطبَّ عن أهلها، ورحَلَ إلى الهند، فأثرى وركب البحر، ومعه ذخائر وكتب نفيسةٌ يُريد الحجَّ، فانكسر المركب فنَجا بنفسه وغرقت ثروته وكتبه[7].

• نصر بن عبدالله بن عبدالقوي اللخمي، أبو الفتوح، المعروف بابن قلاقِس الإسكندري الأزهري، شاعر، نَبيل، من كبار الكتاب المترسِّلين:

كان يُكثر النزول بعيذاب (من ثغور البحر الأحمر، شمالي جدَّة) حيث قال:

"كانت معي كُتُب كَتَبَ البحرُ عليها المحو، فلا شِعر ولا لغة ولا نحو، لم يسلَم سوى ديوان شعر ابن الهبارية، بعد أخذه من البلَل، ضاع شِعري كله، وانحطَّ عن متن نظري فيه كله (أي ثقله)، فقد كنتُ لا أخلو من إصلاح فاسد، ومداراة حاسد"[8].

• أفْلَح، مولى النَّاصر عَبْدالرَّحمن بن مُحمَد أمير المؤمنين رَحمِه الله، من أهل قُرْطبة، يُكَنَّى: أبا يَحيى:

قال ابن الفرضي: رَحَل إلى المشرق فَسمِع بِمكَّة من أبي سَعيد بن الإعرابي، ومن عَبْدالله بن يَحيى العِبرِيِّ الأصبهاني القصَّاب، ومن أبي بَكر محمد بن الحُسَين الآجُري، وغيرهم، وذَهَبَت كُتُبه في البَحْر[9].

• أبو الحسن، علي بن عبيدالله بن عبدالغفار السمسماني اللُّغوي:

قال ابن خلِّكان رحمه الله كان صَدوقًا، وكتب الكثير، وخطُّه في غاية الإتقان والصحة، وتصدَّر ببغداد للرواية وإقراء الأدب، وأكثرُ كتبِه بخطه، وحصلت بعده عند ابن دينار الواسطي الأديب، وأدركها الغرق ففسَد أكثرها[10].

طرائف ولطائف:

• الأمير محمود الدولة أبو المبشر بن فاتك الآمري:

قال ابن أبي أصيبعة رحمه الله: كان من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها، دائم الاشتغال، محبًّا للفضائل والاجتماع بأهلها ومباحثهم، والانتفاع بما يقتبسه من جهتهم، وللمبشر بن فاتك تصانيف جليلة في المنطق وغيره من أجزاء الحكمة، وهي مشهورة فيما بين الحكماء، وكان كثير الكتابة، وقد وجدتُ بخطِّه كتبًا كثيرة من تصانيف المتقدمين، وكان المبشر بن فاتك قد اقتنى كتبًا كثيرة جدًّا، وكثير منها يوجد وقد تغيَّرت ألوان الورق الذي له بغرق أصابه، وحدَّثني الشيخ سديد الدين المنطقي بمصر قال: كان الأمير ابن فاتك محبًّا لتحصيل العلوم، وكانت له خزائن كتب، فكان في أكثر أوقاته إذا نزَل من الركوب لا يُفارقها، وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة، ويَرى أن ذلك أهمُّ ما عنده، وكانت له زوجة كبيرة القَدرِ أيضًا من أرباب الدولة، فلما تُوفي رحمه اللَّه نهضت هي وجوارٍ معَها إلى خزائن كتبه - وفي قلبها من الكتب وأنه كان يشتغل بها عنها - فجعلت تندبه، وفي أثناء ذلك تَرمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها، ثم شيلَت الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها، فهذا سبب أن كتب المبشر بن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال[11].

• سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، المعروف بابن الدهان:

عالم باللغة والأدب، تصانيفه كثيرة، وكان قد أبقاها في بغداد، فطغى عليها سيل، فأرسَل من يأتيه بها إلى الموصل، فحُملت إليه وقد أصابها الماء، فأُشير عليه أن يُبخِّرها ببخور، فأحرَق لها قسمًا كبيرًا أَثرَ دُخانه في عينيه فعميَ[12].

• عمر بن محمد بن عمر الأزدي، المعروف بالشلوبيني، الأندلسي الإشبيلي النحوي:

كان إمامًا في علم النحو، مُستحضِرًا له غاية الاستحضار، فيه مع هذه الفضيلة غَفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة، حتى قالوا: إنه كان يومًا على جانب نهرٍ وبيده كراريس، فوقَعَ منه كراسة في الماء وبعدتْ عنه، فلم تصل يده إليها ليأخذها، فأخذ كراسة أخرى وجذبها بها فتلفت الأخرى بالماء[13].

المرجع:

♦ (الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات). عبدالعال سعد الرشيدي