• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

عرض كتاب: النكير على منكري النعمة لشيخ الإسلام مصطفى صبري

عرض كتاب: النكير على منكري النعمة لشيخ الإسلام مصطفى صبري
محمود ثروت أبو الفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/6/2015 ميلادي - 8/9/1436 هجري

الزيارات: 26137

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عرض كتاب

النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة

لشيخ الإسلام مصطفى صبري رحمه الله


• اسم الكتاب: النكير على منكري النعمة؛ من الدين والخلافة والأمة.

• المؤلف: شيخ الإسلام: مصطفى صبري.

• تحقيق: د. مصطفى حلمي.

• سنة النشر: 2004م.

• دار النشر: دار الكتب العلمية ببيروت - لبنان.

• عدد الصفحات: 222.

 

يقول شيخُ الإسلام "مصطفى صبري" في مقدِّمة كتابه الهام "النَّكير على منكري النعمة؛ من الدِّين والخلافة والأمَّة"؛ متحسِّرًا على حال المسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانيَّة، ومعلقًا على هوان شأنهم، وتخاذُلِ علمائهم عن الصَّدْع بالحق:

"ثم إنِّي قبل الشُّروع في المقصود، أرى من الواجب أن أَذكر بالأسف كونَ أمر المسلمين منذ زمنٍ بعيد بِيَد غيرهم؛ فأكثَرُ من خمسة وتسعين في المائة منهم في حكم الأجانب، والباقي الأقلُّ من خمسة في المائة، وهو من تعدُّ أزِمَّتُهم بأيديهم تحت غلبة اللادينيِّين، ممن تَسمَّى بأسماء المسلمين... واللادينيِّين أشدُّ عداوةً لدين الإسلام من سائر أعدائه، وأدقُّ مكيدة في تخريبه وتحريفه؛ كما قال الشيخ رشيد رضا: "إنَّ المتفرنِجين من المسلمين أعدى وأضرُّ للإسلام والمسلمين المخلِصين من غير المسلمين"، والمتديِّنون من المسلمين أصلَحُهم سجينٌ في بيت عزلته وعبادته وراحته؛ حتى تخرِجَه يَدٌ أبادَتْ إخوته قبله، وهو قاصِرٌ عن إغاثتهم وإعانتهم، فكأنَّ الغافل في سلمِه، والجاهل في علمه يتمثَّل بأحاديث الفِتَن التي عدَّ فيها القاعد خيرًا من القائم، وهيهات؛ فذلك لا ينجيه من مسؤوليته بين يدَي الله تعالى على تَهاوُنِه في واجبه وتوانِيه؛ فإنَّ ما ذكر في تلك الأحاديث مقصورٌ على الآونة التي يلتبِس فيها الحقُّ بالباطل، ولا يُميَّز ذَوو أحدهما من ذوي الآخر؛ فعند ذلك يَصير الاعتزال من الجميع أسلمَ من الخطأ وألَحَّ.

 

هذا حال خواصِّ المؤمنين أجمعين، إلاَّ مَن ندر منهم من المجاهدين المنتبهين لواجبهم، وفضلاً عمَّن شايع اللادينيِّين ووقف بجانبهم، يُحارب معهم الدِّين وأهله ويشادُّهما، وأمَّا حال عوامِّ المؤمنين، فحيادٌ يلزمهم الرُّقاد، أو ضُلاَّل يرجح بهم الباطل على الحقِّ، والأعداء على الأولياء، أو معذرة كمعذرة الباخلين، وهِمَّة في أسفل سافلين، وقد اطَّلَعت - عندما لُذتُ بالعالم الإسلامي في خارج تركيا لأفرَّ بديني وحياتي - على أحوالٍ عجيبة كادت تُوئِسُني اجتناءَ النَّصر، وتجعلني كالمُستجير بعمرو، فرأيتُ علماء الدِّين، وحُلَماء بلادهم يخافون أن يَجهروا ببعض الحقِّ؛ لا خوفًا من سلطانٍ جائر، أو حكومة قاتلة وخانقة، بل إحجامًا منهم أمام الجريان الفِكريِّ الذي حصل في العامَّة.

 

وما درَوْا أنِّي لو أسكتَني مثلُ ذلك السبب عن الحقِّ، فلِماذا وقع هذا الاغترابُ من أوطاننا، والاضطراب في حياتنا ومعيشتنا؟ وكيف يجوز لنا إهدارُ الشدائد التي مضَتْ علينا في هذه السَّبيل، مما نَرْضاه من وضع سلاحنا في آخر الأمر والعمر؛ لأسبابٍ اقتحمَتْنا ما هو أعظمُ منها وأكثر؟ وهل وظائف العلماء والعقلاء مُماشاة الجُهَّال في مَذاهبهم وعقائدهم، أو إرشادهم إلى ما لا يَهتدون له بأنفسهم؟ ويا للأسف! إنْ كان يأتيني الأذى من المسلمين عندما أُجاهر بالسعي لدفع الأذى عن الدِّين؛ إذًا فالحياة ذميمة، والدَّاء عياء؛ حيث إنَّ الطبيب يتبع سقيمه، ولا يبلغ من الدِّين الإسلامي أعداؤه القديمة الظَّاهرةُ ما يبلغ منه أعداؤه "السرِّية" الجديدة، وأصدقاؤه (الحمقاء)، أو (الجُبَناء)"؛ انتهى كلام الشيخ - رحمه الله[1].

 

فيا لله! ما أشبه اليومَ بالبارحة! وما أشدَّ هوان الإسلام وأهلِه بين الأمم! بل ما أشدَّ هوان الإسلام بين أهله والمنتسِبين إليه، فما زال صوت شيخ الإسلام "مصطفى صبري" يتردَّد صداه في أنَّات كلِّ مسلم غَيُور على رِفعة هذا الدِّين، وسَواد شأنه، وعلُوِّ رايته، حتَّى وقتِنا هذا، وحتى ساعتنا تلك.

 

وما زال المسلمون - سادتهم وعوامهم - يُلدَغون من نفس الجُحر - الذي أسقط آخِرَ خلافة إسلاميَّة شهِدَها الناس، ونَعِموا بها وعاشوا في ظلِّها قرونًا - مرَّاتٍ ومرَّات ومرات، فكأنَّ سذاجة الرأي وعلَّة التفكير قد غلبَتْ على ألباب المسلمين، وتوارثَتْها الأجيال جيلاً بعد جيل، فما مَللْنا من تسليم زمام أمرنا، وقِيَاد حُكمِنا لأعدائنا، وعُملاءِ أعدائنا، وأذنابِ الغرب المتسلِّط.

 

وقد غاب عنَّا أنَّ المسلم "ليس بالخِبِّ، ولا يَخْدعه الخِبُّ"، فوجد "الخِبُّ" بغيتَه في أوطاننا وديارنا، وكلَّ وملَّ من خِداعنا ليلَه ونهاره، حتى آمنَ أنَّنا أموات رقودٌ، ما لنا من فَواق، وأنه مهما صرخ المُخلِصون، ونادى الخَيِّرون، فإنَّ الموتى لا يَسمعون، ولو سمعوا لا يَعقلون، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليِّ العظيم!

 

والناظر في رسالة شيخ الإسلام يكاد يُعاين ما نحن فيه من ضعفٍ وتشرذم، وشرِّ حالٍ وصلت إليه بلدانُنا الإسلاميَّة؛ من تسلُّط واستِعْباد واستذلالٍ من عدوِّ الداخل قبل عدوِّ الخارج، وكأنَّ الأيام تدور دورتَها، وتُعيد كَرَّتَها، والمسلمون يُساقون لِخُدع السَّاسة، وألاعيب أبطالهم "الكارتونيِّين"، حتَّى ينخلعوا من رِبْقَة الدين، ويخسروا أيضًا دُنياهم العاجلة، كما فعل أتباعُ "أتاتورك" من قَبْل، وأسقطوا الخلافة العثمانيَّة اسمًا ومسمًّى، وسط استحسان حمقى المسلمين وغُفَّالهم، ومباركتهم وتمجيدهم فعال "الكماليِّين"؛ ظنًّا أنَّها تَحمل الخير لهم في قابلِ الأيَّام، وقد نَدِموا، ولكن بعد فوات الأوان، وانقضاء وقت النَّدم، فهل نَعتبر، ومتى نُفيق؟!

 

وشيخ الإسلام "مصطفى صبري" هو آخِر شيوخ الخلافة العثمانيَّة في عهدها، أخذَ العلم في "توقاد"، ثم سافر لـ"قيصريَّة"؛ لتلقِّي العلم، وسافر بعدها إلى الأستانة؛ لاستكمال دراسته الدينيَّة، ثم عُيِّن في سنِّ الثانية والعشرين في جامع السُّلطان "محمَّدٍ الفاتح"، وحاز على شهادة "العالميَّة"، ثم تدرَّج في توَلِّي المناصب الدينيَّة، حتَّى تم تنصيبُه لرئاسة المشيخة الإسلاميَّة في الدولة العثمانيَّة بعدما ذاع صيتُه وعِلمُه.

 

وقد عاصر الشيخُ "مصطفى صبري" صعودَ نفوذِ جمعية "الاتِّحاد والترَقِّي" في الدولة العثمانيَّة، وتدخُّلها في الشؤون الداخليَّة للخلافة، وبروز نجم "الكماليِّين" الذين تَظاهَروا بالإسلام في بداية أمرهم، وزعموا أنَّهم أرادوا خدمة الدِّين، وإصلاحَ أوْجُه القصور في الدولة العثمانيَّة، ولكن أمرهم لم يَخْفَ على بصيرة الشيخ، فظلَّ يُظهِر لهم العداء، وانضمَّ لِمُعارضيهم بدءًا من سنة 1908، وكان نائبًا لرئيس أحد الأحزاب المعارضة لسياسة "الكماليِّين" في تركيا، ولكن لَمَّا استفحل نفوذُهم، وإظهارُ عَدائهم للعلماء، فرَّ الشيخ من تركيا سنة 1913، فتنَقَّل بين دول أوروبا حتَّى عاد للأستانة مقبوضًا عليه عند دخول جيوش الكماليِّين "بوخارست"؛ حيث كان لاجئًا هناك، وظلَّ معتقَلاً إلى أن انتهَت الحرب بهزيمة تركيا، وفرار زعماء الاتِّحاديين، فعاد لنشاطه السياسيِّ في الأستانة، وناب عن الصَّدر الأعظم أثناء غيابه في أوروبا للمفاوضات، وظلَّ في منصبه إلى أن استولى الكماليُّون على العاصمة ثانية، ففرَّ إلى مصر سنة 1923، وظلَّ يتنقَّل بين دول أوروبا يُصدِر كتبه الهامَّة عن مُعاصَرتِه لفترة سُقوط الخلافة وهَدْم الدِّين على أيدي "الكماليِّين"، إلى أن تَمَّ التَّضييق عليه من أتباع "أتاتورك" في تلك الدُّول، فاستقرَّ في مصر إلى أن توُفِّي بها سنة 1953م/ 1373هـ.

 

وللشيخ عدَّة كتب هامَّة، يشرح فيها موقفه مما حدَث في أواخر فترات الخلافة العثمانيَّة، وموقفه من أحداث العَصْر التي كانت تصبُّ في هدم بيضة الإسلام، واقتلاع جذوره وأصوله من شعوب الدول الإسلاميَّة، والتي دخلَتْ في غمرتها البلدانُ العربيَّة بعد تنفيذ مخطَّط الدُّول الغربية، في موجات عاتية من الاستغراب والاستعمار لم يتخلَّصوا منها إلاَّ بعد تضحيات جسيمة في المال والعتاد والأرواح.

 

وكل ذلك ركَّز عليه الشيخ في كتاباته ساعتَها، ونبَّه إليه المسلمين، ولكن صرخات الشيخ وقتَها لم تَجِد أذنَ مستمِع واعٍ، وكان ما كان، ومن أهمِّ كتاباته المطبوعة بالعربيَّة: "موقف العقل والعلم والعالَم من ربِّ العالمين وعباده المرسلين"، "مسألة ترجمة القرآن"، "قَوْلي في المرأة"، "تحت سُلطان العقل"، "القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون" (وقد ألَّفَه الشيخ في بداية الأمر ككتابٍ منفصِل، ثمَّ جعله أحدَ فصولِ كتابه الكبير "موقف العقل").

 

كتَب الشيخ "مصطفى صبري" كتابه هذا إبَّان تسلُّط "الكماليِّين" على الدولة العثمانيَّة، وقد كانت بعد نهاية الحرب في أشدِّ فترات ضعفها وأُفولها، وقامت الدُّول الغربيَّة بالتَّكالب على الخلافة العثمانيَّة، والاستيلاء على كثيرٍ من ولاياتها العربيَّة والإسلاميَّة؛ فهاجمَت فرنسا الجزائرَ وتونس ومراكش، واحتلَّت إيطاليا ليبيا، وهاجمت فرنسا مصرَ في عهد نابليون، ثم احتلَّتْها بريطانيا، وكانت روسيا منذ عهد أباطِرَتِها يُداومون على الهجوم على أملاك الخلافة في الجوار، وقام الغربيُّون بإشعال الثَّورات الانفصاليَّة داخل الدولة العثمانيَّة، وحَرَّضوا شعوب البلقان على الثورة عام 1804، حتى تمَّ لهم الانفصال عن الخلافة، وكذلك فعلَتْ مع اليونان حتى انفصلت عن الخلافة أيضًا عام 1830، بل وشجعوا الخلافات والقلاقل العنصريَّة بين عنصُرَي العرب والتُّرك، وانتهت حركات التطويق والتَّفتيت بإنهاء وجود الخلافة الإسلاميَّة على يد "مصطفى كمال أتاتورك" و"الكماليِّين".

 

وكتب الشيخ "مصطفى صبري" كتابَه هذا في بداية أمر "أتاتورك" وأتباعه، وقد أظهروا الإسلامَ والخير للدَّولة العثمانية الذبيحة بعد انتهاء الحرب العالميَّة، وسايرَهم كثيرٌ من الدُّول العربيَّة، وعلى رأسهم مصر، مُبارِكين خطواته؛ ظنًّا أنَّه يَحمل الخير لدولة الإسلام، حتَّى تم له التمكين، فقام بِنَقْض عُرَى الدِّين عروةً بعد عروةٍ داخل تركيا.

 

وقد كتب الشيخ يحذِّر من "لادينيَّة" حكومة "أتاتورك"، ويحلِّل الدَّوافع الكامنة وراء الأحداث التي بدَتْ في ظاهرها إصلاحية جزئيَّة، أو انتصاراتٍ برَّاقة، محذِّرًا المسلمين من خطر "الطورانيِّين والكماليين" في تركيا، حتَّى جاءت الحوادث مصدِّقةً حدْسَ الشيخ وتوقُّعاتِه.

 

خديعة التمكين:

يُشير الشيخ "مصطفى صبري" في كتابه إلى كثيرٍ من الكُتَّاب الذين شنَّعوا عليه مهاجمته "الكماليِّين" في بداية أمرِهم، أو عتبوا عليه كتاباته "المتحاملة" عليهم، وقد خُدِعوا في مَرام "أتاتورك" في بداية الأمر، ومِن أبرزهم الشيخ الفاضل "محمد رشيد رضا"، الذي ظنَّ خيرًا بإصلاحات "أتاتورك"، وأيَّده بقوة في خطواته، فلمَّا تبيَّنت له الحال المرَّة، هاجمَه بشدَّة بعد ذلك، ومِثْله الكثير من الكُتَّاب المصريين الأزهريِّين الذين أطنَبوا في الردِّ على الشيخ "مصطفى صبري" في الكثير من الرسائل، مُنادين بالإصلاح، مُقرِّظين صنيعَ "أتاتورك" والكماليين في بداية حكمهم، وما دَرَوا حقيقة دعوى الكماليِّين.

 

يقول الشيخ: "وأمَّا كِتاب صاحب "المنار"، ففي غاية الإفادة والإجادة، كما يتوقَّع من مؤلِّفه الذي هو فارسٌ خطير في أمثال هذا الميدان، وقد وجَّه إلى الحكومة التركيَّة الحاضرة انتقاداتٍ ووصايا، ودعاهم إلى الصَّلاح والإصلاح، وقدَّمهم في الاستعانة والاستخدام لِرُقيِّ الإسلام، فله دورٌ في تحقيق المقام، واجتهاده في إحياء منصب الخلافة الصحيحة... لكن المهم المقدَّم على كلِّ شيء، وما يليق أن أقولَ في كتابه، وأَلْفِت الأنظارَ إليه، أنَّه لم يصرِّح بأصل الدَّاء حقَّ صراحته، وإنْ بالغ في تعريف الدَّواء، والدَّليل على ذلك استمدادُه في إحياء منصب الخلافة من الذين خرَّبوها، وسعَوْا في خرابها، وهو نفسُه معترفٌ بتخريبهم لا بالسَّعي في الخراب"؛ صـ 80.


ويقول الشيخ متحسِّرًا على حال إخوانه من الكُتَّاب المسلمين الذين انطلَتْ عليهم تلك الخدعة، وتَجاوزوا شرْحَ العلَّة للخلاف حولها، وحول دوافعها، قائلاً: "من المعلوم ما سبق للنَّاس في تلَقِّي حادثة الخِلافة، والتفريق بينها وبين السُّلطة من أصوات التَّنفيذ والتأييد، وقد دام صخب الخِلاف فيما يقرب من مدى سنة، حتَّى حُقَّ أن يُقال تعريضًا على مُحْدِثي تلك الحادثة، ومُوقِعي تلك الجناية: يا أسفًا على الخلافة! قطَعوا دابرها، وأبدلوا بها خِلافًا"؛ صـ 79.

 

فصل الدين عن السياسة، صورة فصل السُّلطة عن الخلافة:

كان الشيخ "مصطفى صبري" سبَّاقًا بنور بصيرته في إدراك أنَّ فَصْل "الكماليِّين" - في بداية مكرهم وخداعهم - للسُّلطة عن منصب الخلافة هو مَدْعاةٌ لفصل الدِّين عن السياسة، تلك الدعوة التي نعاني منها في أيامنا تلك من الأقلام المأجورة والأصوات المستغرِبة داخل بلداننا الإسلاميَّة، فالكماليُّون لم يُجاهروا أول الأمر بعدائهم للإسلام، وكلِّ ما ينتمي للدِّين، بل قاموا رُوَيدًا رويدًا بإصلاحاتٍ ظاهريَّة، يعتقد فيها أثرتهم للصالح العامِّ؛ كمسألة التَّفرقة بين منصِبَي الخلافة والسُّلطة؛ حيث قاموا بِنَزع سلطة الحكم عن الخليفة "عبدالمجيد"، وجعَلوه مجرَّد رمزٍ ديني، لا يملك أن يُبْرِم أمرًا أو نهيًا، وادَّعَوْا أنَّ ذلك من أجل إصلاح الهيكل العامِّ للدولة.

 

يقول الشيخ "مصطفى صبري": "وليس مرمى الكماليِّين فيما فعَلوه سوى غَرضين، أحدهما: (نَشْل) السُّلطة من آل عثمان، ونَقْلها إلى "مصطفى كمال"، والتَّفريق بين الخلافة والسُّلطة، ثم نَقْل السلطة أوَّلاً إلى المَجلس الوطني، كان عبارة عن التستُّر والإبهام، في المغزى والمرام، والغرَض الثاني إلغاء الخلافة وإبطالها على التَّدريج، ورَمي لإخراج حكومتهم من أن تكون حكومةً إسلاميَّة"؛ صـ86.


ويردُّ الشيخ على قول القائل بأنَّه "لا علاقة بين فَصْل إحدى السُّلطات عن الأخرى، وبين الانصراف عن الدِّين الإسلامي، وهل إذا أخذَت الأُمَّة سلطة الحكم في يَدِها؛ حرصًا على مصلحة البلاد، وقطعًا لدابر النَّوايا والدَّسائس التي طالَما كان مقام الخِلافة مَحُوطًا بها، واستئصاله لشأفة شيخ الإسلام السابق وزمرته؛ حتَّى لا يستعملوا نفوذَهم الدِّيني على الخليفة لتحقيق مآرِبَ وأغراض لا تتَّفِق مع الإسلام في شيءٍ ولا هي في مصلحة البلاد"، بما يلي:

• إذا كان مقام الفساد مرتبطًا بالأشخاص أو السِّياسات، فالإسلام يحثُّ على استبدال تلك السياسات الفاسدة والأشخاص، لا استبدال نعمة الخلافة كليَّة؛ "فإنْ كان مقام الخلافة محوطًا بدسائس شيخ الإسلام السَّابق؛ فالواجب في قَطْع تلك الدَّسائس تبديلُ شخصِ هذا الشَّيخ وحده، أو تبديل الخليفة، وهذه غاية لا يتخطَّى إلى ورائها بتبديل قاعدة الخلافة التي أسمعت في الشَّرع مقترنةً بالحكومة والسُّلطة، ولو كان ذلك التَّبديل حرصًا على مصلحة البِلاد، وإلاَّ كان كالقول بتبديل دين الإسلام حرصًا على مصلحة البلاد"؛ صـ 91.

 

• فَصْل السُّلطات يتبعه بالتَّالي التَّفريق بين الخلافة والحُكومة، والفرقة الكليَّة بينهما بمثابة إخراج الدِّين عن الحكومة، والحكومة عن الدِّين، "ولِهذا فرَّقوا بين الخلافة والحكومة، وكانتا من قبلُ متَّحِدتَيْن، وكانت الخلافة عبارةً عن الحكومة الدِّينية النائبة مناب حكومة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- في أمَّته، وإذا كانت الحكومة هي القوَّةَ العاملة، والخلافة عبارة عن اتِّصاف تلك الحكومة بصفة دينيَّة، فلا جرم صار إخراجُ الحكومة عن الخلافة إخراجًا لها عن الدين؛ إذْ لم يبق في الخلافة بعدَ إخراج الحكومة عنها غيرُ صفتِها الدِّينية؛ فإن انتقلَت الحكومةُ إلى ما انتقلت إليه مع صفتها الدينيَّة، لَزِم أن لا يَبقى في الخليفة شيءٌ؛ لا حكومته، ولا دينه، وإن انتقلت الحكومة فقط، افترقت عن الدِّين"؛ صـ 96.

 

• يرى الشيخُ أنَّ تجريد كلٍّ من الخلافة والحكومة عن الأخرى أفسدَهما معًا؛ "لأنَّهم نقلوا الحكومة النَّافذة إلى مجلسهم الذي سمَّوه مجلسًا وطنيًّا، واختاروها لأنفسهم، وتركوا الشَّريعة الإسلاميَّة مع الخلافة في الخليفة مجرَّدةً عن النُّفوذ الذي ذهبَ مع الحكومة إلى ما ذهبت إليه؛ لأنَّ النُّفوذ يدور مع الحكومة والسُّلطة، فإن لم يتركوا الشَّريعة في الخلافة، ونقَلوها أيضًا من الحكومة؛ كيلا تحرم نفوذها، لزم ما قُلناه آنفًا من تفرُّغ الخليفة من الدُّنيا والدين معًا"؛ صـ97.

 

• يَلتزم الشيخُ الأمانةَ والإنصاف حين المقارنة بين تُركيا في عهد الخلافة العثمانيَّة، وتركيا في عهد الكماليِّين، ويَعترف بوجود أوجُهِ قصورٍ كانت أحدَ أسباب انهيار الخلافة العثمانيَّة، وتناقُص عظَمتِها في قلوب النَّاس، ولكن بكلِّ حال ليس هذا سببًا ومُبَرِّرًا لإلغاء الخلافة ككلٍّ، فيقول: "... يأبى بنا الحقُّ والإنصاف إلاَّ أن نعترف بأنَّ الحكومة التركيَّة كانت قبل الكماليِّين والاتِّحاديين أيضًا لا تَمْشي تمامًا على الصِّراط السَّوي، والنَّهج الشرعي، بل كانت لا تَحْكم بِما أنزل الله في كلِّ الأمور، وتقلِّد الحكومات الزمنيَّة الأوربائية.

لكن الحق مع ذلك يأمرنا أن نَشْهَد أوَّلاً بعدم بلوغها في إهمال الشَّرع، وإعمال التقليد مبلغَ الحكومات الاتِّحادية والكماليَّة؛ ولا سيَّما أنَّها لم يقَعْ منها تصريحٌ ما بكونِها حكومةً لا دينيَّة... وثانيًا أنَّ تلك الحكومات - التُّركية - لم تكن لِتَسْلَم في أدوارها الأخيرة من تغلُّب الحكومات الأوربائية عليها"؛ صـ190.

 

• كان الشيخ يرى أنَّ "أتاتورك" في سعْيِه لفصل السُّلطتين: الدِّينية والسياسيَّة، إنَّما مرَدُّه إلى كره خفيٍّ لِسُلطة الخلافة، في وقتٍ كان أغلب الكُتَّاب والمفكِّرين يَعتبرونه بطلاً للإسلام، وحاميًا للخلافة، فقطع الشيخُ عليهم افتراءاتهم قائلاً أنَّه "لو رامها مصطفى كمال لنفسه - أي: الخلافة - لسارع المسلمون الآمِنون باستحقاقه للسَّلطنة في تصديق استحقاقه للخلافة أيضًا، وكيف يَستكثرون - ذلك - لمن سمَّوْه بطلَ الإسلام، ومنجي مَجْدِه... لكنَّ الكماليين نقَلوا ما أحبُّوه من السلطة إلى مَن أحبوه، وترَكوا ما كرهوه من الخلافة فيمن كَرِهوه، نعَم، إنَّهم لم يُلْغوها دفعةً؛ تحرُّزًا عن إنكار عالَمِ الإسلام في الخارج، وتمشِّيًا على قاعدة التدريج، ولئلاَّ يستفيد منها حكومةٌ من الحكومات الإسلاميَّة، مع كونها مما يَكْرهونها لحكومتهم"؛ صـ101.

 

ويؤكِّد الشيخ في موضعٍ آخَر أنَّ حديثه ليس لمعاضدة شخصٍ من أشخاص الخلفاء، ومعاندة آخَر؛ لأنَّ "مكان الشخص يسَعُ المناقشات"، "فلو عدل المسلمون إلى خلافة أحد ليس مِن آل عثمان؛ كمصطفى كمال مثلاً، وكان أهلاً لها، ولم يَكرهها من حيث كونُها صفة دينيَّة، وأعطوه نفوذها وحقوقها، لما أنكرت عليهم ذلك"؛ صـ 108.

 

• ثم ينبِّه الشيخ على الغرض الحقيقيِّ لحكومة "أتاتورك" من فصل السُّلطة عن الخلافة وهو وَأْدها كليَّة، وترويج مذهبهم اللاَّديني، ويكتب في ذلك محذِّرًا: "ولكنِّي أرى مِن أهَمِّ الواجبات وأقدَمِها في هذا الزَّمان كشْفَ القناع عن بِطانة الاتِّحاديين والكماليين، وتنبيه المسلمين على خطرٍ يُصيبهم منهم، ولا يخصُّ ضرره بالأتراك، وأدنى المضارِّ إعانتهم وتشجيعهم على ترويج مبدئهم اللاديني في بلادنا"؛ صـ 94.

 

ويقول الشيخ "مصطفى صبري" تعليقًا على فصل الخلافة عن السُّلطة، ومؤكِّدًا أنَّ هذا الأمر سيَفتح الباب لِنَقض عُرى الدِّين كلها بعد ذلك: "فتبيَّن أنَّ هذا الافتراق من حيثُ تقيّدُ الخلافة بأحكام الدِّين؛ كيلا تتقيَّد بها، حتى إنَّهم للتخلُّص من هذا القيد؛ اقتحَموا احتمال نكير المسلمين، وهذا أيضًا ما أفضى بنا إليه منطقيَّة في قضية الفصل بين الخلافة والسلطة؛ نظرًا إلى مجرَّد تلك القضيَّة، وإرغامًا لمن استوصى بها أو استخفَّ ببأسها في الدِّين، ورُبَّما وقع منهم بعد ذلك تصريحٌ بافتِراق الدُّنيا عن الدِّين، يغنينا عن هذه الاستدلالات المنطقيَّة، وإن كانت هذه الدلائلُ أغنى عندنا من تلك الصِّراعات"؛ صـ 98.

 

فسبحان الله! كيف تنبَّه شيخُ الإسلام في زمانه أنَّ فصل الخلافة عن السُّلطة، بل إلغاءها في حقيقة الأمر هو مَدْعاة بعد ذلك لحصر الإسلام في مجال العبادات، وإرغام المُسلمين على فَصْلِ دُنياهم عن دينهم، بل وإنْ لزِم الأمر الانخلاع من نعمة الدين كلها.

 

حكومة لا دينية:

أكَّد الشيخ مرارًا طوال رسالته أنَّ مسألة تجريد الخِلافة عن السُّلطة هو أمرٌ يَرجع إلى ارتداد الحكومة التركيَّة بقيادة "الكماليِّين"، وانتزاعها عن لباسها الدِّيني، وصدقَ ظنُّ الشَّيخ حينما صرَّح مندوبُ الكماليين "رضا نور بك" في مؤتمر "لوزان" للدُّول الأوروبية أنَّ الحكومة التركيَّة الحاليَّة تفخر بأنَّها حكومة "لا دينيَّة"، وقد ناقش الشيخُ في رسالته عدَّةَ دلائل وبراهين تدلِّل على صِدق رأيه، وقد غفل عنها كثيرٌ من الكُتَّاب والعلماء ساعتَها في غمرة التَّهليل والمديح لزمرة الإصلاحات المزعومة التي تشدَّقَ بها "أتاتورك" وأعوانُه من الكماليين، ومنها:

• إلغاء المَحاكم الشرعيَّة: يقول الشيخ "مصطفى صبري": "وحادثة إلغاء المَحاكم الشرعيَّة وإن كانت مسألة مستقلَّة - ذات خطورة عظيمة، بحيث تَكْفي وحْدَها في تغيير الدَّولة الإسلاميَّة وإخراجها عن أصلها، إلا أنَّها من مستتبعات التفريق بين الحكومة والخلافة؛ لأنَّهم لما نزعوا الحكومة من الخليفة؛ لأجْل كونه خليفةً له رئاسةٌ دينيَّة، ومن واجبه أن يجعل دين الإسلام حاكمًا في حكومته قاعدًا لها بالمرصاد، حتَّى يستقِلُّوا برأيهم، ويفلتوا من قيد ذلك الحكم والرَّصد، فلا جرم التزموا إلغاء المحاكم الشرعيَّة الممثِّلة لحاكمية الدِّين في المَمْلكة"؛ صـ140.

 

• قام الكماليُّون بإلغاء بيع المُسْكِرات بين الشَّعب، مع قصر بَيْعِها على من يختصُّونه من البائعين، ويقول الشيخُ في ذلك: "ومن المُضحِكات تصديقُ المصريِّين، وثقتُهم بصحَّة وجدِّية ما سنَّه الكماليُّون من قانونِ منع المسكرات، ظانِّين أنَّ ذلك وقعَ منهم لوجه الله، أو مصلحة الأمَّة، وعادية من مَحاسنهم ومناقبهم، مع أنَّهم نَهوا أن يبيع (الكحول) مَن شاء من الناس؛ ليكونوا هم البائعين، فيختص ربْحُها بهم، وهو عظيم جدًّا، وكثير ممن في تركيا يَعلم اشتِغال بعض أعضاء المجلس الوطنيِّ بهذه التِّجارة، واتخاذ بيوتهم مَعامل المسكرات ومَخازِنَها، وكذا يعلم كلُّ من في تركيا أنَّ "مصطفى كمال" أشهر مدمني الخمر، لا يمرُّ عليه وعلى أصحابه وأحبابه وماسطيه يومٌ وليلة بلا مسكر"؛ صـ 121، 122.

 

• إباحة اختلاط النِّساء بالرجال: يقول الشيخ في بوادر مَسألة الاختلاط التي بدأها الكماليُّون على تخوُّف، ثم سعَوْا فيها بكلِّ قوَّتِهم ونشاطهم: "وألَم يكفِكُم بعد مسألة الخلافة ما قد أفتَى مصطفى كمال لنفسه ولحكومته في مسألة اختلاط النِّساء بالرجال، ومقابلتهن، ممن يلقين من الرِّجال بِزيِّهن أو زيِّهم؟ وقد أمرَتْ حكومته بإزالة الحواجز الفاصلة بين مقاعد الرجال والنِّساء في التِّرامات والسُّفن وسائر المراكب والسينمات و(التياتر)، فأُزِيلت، فاستاء النَّاس منه، وسأل عنه بعض النُّواب فتهكَّم وزيرُ الداخلية في الجواب قائلاً: إنَّ الحكومة لاحظَتْ في رفع الستائر فائدةً صحِّية"؛ صـ128.


• سَنُّ قوانين اجتماعيَّة يُقصَد بها ضرب أحكام الدِّين: يقول الشيخ تعليقًا على هذا: "ثُمَّ ألم يكفكم مشروعُهم النَّاهي عن تعدُّد الأزواج، وقد أحلَّه الله في كتابه على مثنى وثلاث ورباع، ومشروعهم الناهي عن زواج أبناء وبنات سنين أقلَّ من سبع عشرة أو ثماني عشرة؟"؛ صـ129.

 

• إعلاء النَّزعة القوميَّة، وإحياء العِرْقيَّات العصَبِيَّة: كتب أحدُ الكتَّاب المصريين عن أحد رجالاتهم ونشاطه في إحياء النَّزعة الطورانيَّة التُّركية قائلاً: "فيوسف أقشورا بك مثلاً ما بَرِح قبل إعلان الدُّستور العثماني بسنين يَنْشر دعوته - بين رجال تركيا الفتاة - إلى نَبْذِ الجماعة الإسلاميَّة، وإضمار العدوان والأخذ بفكرة الجامعة الطورانيَّة، المبنية على التأليف بين الناطقين باللهجات التُّركية أولاً، ثم تكوين اتِّحاد حلفي منهم ومن الأمم التي أصلُها طوراني؛ مثل المجر (هنجاريا)، والبلغار، وفنلندا، فهو يَرى الاتِّفاق مع هؤلاء طبيعيًّا ومفيدًا أكثر من فكرة الجامعة الإسلاميَّة، وهذا الرَّجل وأمثاله يعتقدون أنَّ الدِّين الإسلامي هو عبارة عن احتلالٍ عرَبِي بسَطَ سُلطانَه على التُّرك، ودخل بيوتَهم، ومِن الواجب الخلاصُ منه بأيِّ حال"؛ صـ 130.


اتِّخاذ الرُّموز الوثنيَّة القديمة كشعارات، وإحياؤها: ومنها شعار "الذِّئب الأبيض" الذي وُضِع على طوابع البَريد وأغلب مرفقات الدَّولة، والذي ارتقَت الرِّوايات إلى كونه معبودًا مقدَّسًا قديمًا عند الأتراك، يقول شيخ الإسلام: "إنَّما مَرْماهم في إعادتنا إلى شعائر آبائنا القُدَماء الذين قطعَ الإسلامُ انتسابَنا إليهم وعلاقتنا بهم، إلى تبعيد الأمَّة - بأيَّة صورة كانت - عن شعائرها الإسلاميَّة، وروابطِها التي يَكرهونها قدْرَ ما يحبُّون منفعتهم الماديَّة الذاتية، وإلى تعويدها بشعائر الجنسيَّة (العصبيَّة) وعواطفها؛ لما يرون في إحيائها من أقوى ذريعة إلى إنساء الشَّعائر الإسلامية وعواطفها"؛ صـ151.


• إثارة الخلافات بين المسلمين الأتراك والأقَلِّيات: مثل النَّصارى والأرمن والشَّركس وغيرهم، يقول شيخ الإسلام: "ولم يُهْمِلوا وسيلةً في تهييج البَغْضاء وإثارة الفتنة بين الفريقين - أعني: المسلمين والنَّصارى - وكل خَسَارٍ يحلُّ بهما فلَيْس بِخارجٍ عن مَقاصدهم ومطالبهم؛ لا سيَّما إذا تضمَّن ما يزيد في مكاسبهم"؛ صـ198.

 

ويقول الشيخ أيضًا في موضعٍ آخر: "... فلِهذا لم يَسْلَم من اعتدائهم في تركيا ما بين ألبانها وعرَبِها وأكرادها وأرمنها وأروامها وشَراكسِها وأتراكها، إلاَّ اليهود"؛ صـ 204.

 

فتح أزمير.. وهدم الدين:

يرى الشَّيخ "مصطفى صبري" أنَّ فَتْح "أزمير" المزعومَ الذي تباهى به الكماليُّون كان مُبرِّرًا لهدم عُرَى الخلافة العثمانيَّة وأواصرها وسط تخاذلٍ عربي واضح، وصل إلى حدِّ المُبارَكة للكماليِّين على جلِّ أفعالِهم التي بدَتْ في ظاهرها "إصلاحيَّة"؛ وذلك ذريعة هذا النَّصر الذي عُدَّ "أتاتورك" بعده من "الفاتحين المظفَّرين".

 

يصف الشيخُ فتْحَ "أزمير"، فيقول: "وكان فتحُ أزمير عملاً واجتهادًا في سبيل تلك الدُّنيا التي جرَّدوها عن الدِّين لا في سبيل الدِّين، وليس في ذلك الفتحِ نصيبٌ للدِّين إلاَّ تجريده عن نفوذه، وتبعيده عن حكومته، فهم بما أفادهم فتح أزمير من القدرة والجراءة، أظهَروا خلَّتَهم اللادينيَّة، والغافل يستدلُّ به على دفاعهم عن بيضة الإسلام، مع أنَّهم الذين ترقَّبوا فرصةً لافتراس دين الإسلام بادِّعاء احتراس الإسلام، وقد وجَدوها في فتح أزمير"؛ صـ176.

 

وقد كانت بصيرةُ الشيخ نافذةً حينما وصفَ فتح "أزمير" بأنَّه بِمثابة ذريعةٍ لِهدم الدين؛ فقد أثبتَتْ حوادثُ التاريخ أنَّ الانتصارات العسكريَّة المزعومةَ وصناعة "الأبطال الورقيِّين" كانت سياسةَ الأمم الغربيَّة لِمُحاربة هذا الدِّين وتسليط الطُّغاة على رقاب العباد والبلاد، ومن خير ما كتبَه أحدُهم أنَّه لكي تصنع بطلاً قوميًّا في الشرق؛ يكفيك أيُّ انتصار وهمي للبطل المزعوم، ثم الدَّندنة عليه ليل نهار، وتهويله في عيون النَّاس؛ ليصير هذا الشخصُ هو المخوَّلَ بالحق الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، ولَكُم في أزمير "أتاتورك" وسُوَيس "ناصر" خيرُ عبرةٍ وعظة.

 

يقول الشيخ "مصطفى صبري": "لئن كانت أزميرُ شرَّ ذريعة وشرَّ قوة في أيدي الكماليِّين لِهَدم ما كان للدِّين من الحُكْم على الحكومة في تركيا، فلعنة الله على أزمير وعلى فَتْحها واستردادها: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 36]، وإنَّ قَومي الأتراك إنْ نالوا شوكةً وقوَّة، وعُدِموا دينهم، فلا تُؤَسِّيني قوَّتُهم، بل تُضاعف أسفي؛ لأنَّهم ليسوا إذًا بِقَومي، بل أعداء ديني، ولا يسرُّني قوَّةُ الأعداء"؛ صـ 176.

 

نعمة الدين والخلافة والأمة:

يقول الشيخ في خاتمة رسالته مُخاطبًا المسلمين في عهده، وقد أبان لهم عن مكر الغرب الأوروبِّي بهم، وبِدَولة خلافتهم، وعن الطُّغاة الذين تسلَّطوا على الإسلام وأهله، وما زادهم ذلك - أي: المسلمين - إلاَّ ركونًا ورِضًا بمصيرهم: "فكأنَّ المسلمين ليس لديهم أساسٌ ولا قسطاس يُوزَن به كلُّ من يريد أن يتقدَّم عليهم، ويُسلمون قِيَادَهم إلى هديه؛ فلذلك تراهم يومًا يلبسون الشَّرع الأنوَر بشرع "الأنور"، ويومًا يَخضعون لحكم "مصطفى كمال"، أكثر من خضوعهم لأحكام الربِّ المتعال"؛ صـ207.

 

ثم يُذكِّر شيخُ الإسلام المسلمين في نهايةِ كلمات رسالته المتفجِّعة بنعمة الخلافة الضَّائعة على الدِّين والعباد والأمَّة، فيقول: "هذا، وما ذكَرْنا طيلة الصفحات بعضٌ مِمَّا اكتسبَتْه أيدي الاتِّحاديين والكماليِّين الذين قبَضوا على زمام الدَّولة العثمانية منذ ستَّ عشرةَ سنة، فارْجِع البصَر إلى ما قبلها؛ كيف تجدها عند القياس بحالتها التي هي عليها اليوم من حيثُ فسحةُ المَمْلكة وضيقُها، وعَمارُها وخَرابُها، ومن حيثُ كثرةُ نفوسِ الأمَّة وقِلَّتُها، ومن حيث معيشتُهم وثَرْوتُهم، وأمنهم وراحتهم، ثم ارجِع البصر كرَّتين؛ حتَّى تهتدي إلى إدراك الفرق بين ما كانت عليه الدولة؛ أَعنِي: (الدَّولة المعظَّمة الجامعة للسَّلطنة العثمانية والخلافة الكبرى الإسلاميَّة، مقترنة إحداهما بالأخرى، مع ما استتبعَتْه تلك المقارنة التي هي أزهى وأبهى من قِران السَّعدين عند الثَّقَلَين من حالات وعادات وملَكات دينيَّة وأدبية واجتماعية، توارَثْناهن من آبائنا، وكُنَّ كالمشخِّصات لأمَّتنا، تمتاز بهن، ولكلٍّ منهن قيمةٌ عظيمة لا تَعْدلُها فوائد العالم عند أقوام ذوي السَّجايا الرَّزينة التي تقوم بها حياةُ الأمم، وتدوم على قدر ما يحظَوْن منها)، وبين ما آلت إليه اليوم، وأعني به الدَّولة الصغيرة اللادينيَّة القوميَّة!!"؛ صـ209.



[1] صـ 80 - 83.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح نيل الأرب من قواعد ابن رجب لعبد الله بن أحمد الخولاني
  • المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر الهجري

مختارات من الشبكة

  • تحقيق كتاب النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة (1)(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • أسرار كشفها كتاب " النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة "(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • مع كتاب: " النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة "(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة المصطفوي (كتاب فريد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • عرض كتاب (معجم شيوخ الطبري الذين روى عنهم في كتبه المسندة المطبوعة) للشيخ أكرم الفالوجي(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • عرض كتاب: صناعة الكتاب المدرسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (2)(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • مذهب الشيخ مصطفى صبري في الخلافة (1)(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • روسيا: تغريم محل لبيع الكتب لعرضه كتاب حصن المسلم(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب