من دفن كتبه أو رماها في البحر أو غسلها أو أتلفها

مَن دفن كتبه أو رماها في البحر أو غسَلها أو أتلَفها[1]

◙ قال أبو الفرج ابن الجوزي:

ولقد ذاكرتُ بعض مشايخنا ما يروى عن جماعة من السادات؛ أنهم دفنوا كتبهم، فقلت له: ما وجه هذا؟

فقال: أحسن ما نقول أن نسكت، يشير إلى أن هذا جهل من فاعله، وتأولت أنا لهم فقلت: ما دفنوا من كتبهم فيه شيء من الرأي، فما رأوا أن يعمل الناس به.

وهذا - إذا أحسنَّا به الظن - قلنا: كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه، فأما إذا كانت علومًا صحيحة، كان هذا من أفحش الإضاعة[2].

قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: فعَل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عدةٌ من الحفاظ؛ خوفًا من أن يظفر بها محدِّث قليل الدين، فيغير فيها، ويزيد فيها، فينسب ذلك إلى الحافظ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أبدًا، وإنما انتخب من أصوله ما رواه وما بقي، فرغب عنه، وما وجدوا لذلك سوى الإعدام[3].

قال المروزي: سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول: لا أعلم لدفن الكتب معنى[4].

وقال أيضًا: ما يُعجِبني دفنُ العلم[5].

◙ قال سعد بن شعبة بن الحجاج: أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتها[6].

◙ سفيان بن سعيدٍ الثوري، قال عنه ابن الملقن: إنه أوصى بدفن كتبه، وكان ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء، وقال: "حملني عليها شهوةُ الحديث"[7].

وذكر ابن النديم في (الفهرست): أن سفيان الثوريَّ أوصى إلى عمار بن سيف في كتبه فمحاها وأحرقها[8].

وقال أبو نعيم - رحمه الله -: ثنا أبو سعيد الأشج قال: سمعت أبا عبدالرحمن الحارثي يقول: دفن سفيان بن سعيد كتبه، وكنت أعينه عليها، فدفن منها كذا وكذا قمطرة إلى صدري، فقلت: يا أبا عبدالله، وفي الرِّكاز الخُمس، قال لي: خُذْ ما شئت، فعزلت منه شيئًا كان يحدثني منه[9].

◙ بشر بن منصور، أبو محمد الحافي.

قال غسان: حدثني ابن أخي بشر، قال: ما رأيت عمي فاتَتْه التكبيرة الأولى، وأوصاني في كتبه أن أغسلها، أو أدفنها[10].

◙ علي بن مُسهر، أبو الحسن القرشي.

قال يحيى بن مَعين: قال عبدالله بن نمير: كان عليُّ بن مسهر يَجيئني فيسألني: كيف حديث كذا؟ وكان قد دفن كتبه[11].

◙ حمد بن يوسف بن مَعْدان، أبو عبدالله، يعرف بعَرُوس الزُّهَّاد.

قال عنه أبو نعيم: له المناقب المشهورة، والفضائل المذكورة، روى عن يونسَ بن عُبَيد والأعمش، والثَّوري، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، دفن كتبه، وكان يقول: هَبْ أنك قاضٍ فكان ماذا؟ هَبْ أنك مُفْتٍ فكان ماذا؟ هَبْ أنك محدِّثٌ فكان ماذا؟ وأقبَل على التوحُّد والتعبُّد، وآثَر الخمول، واتباع منهج الرسول، وابتغى الدنو والوصول، توفي سنة أربع وثمانين ومائة ولم يكمل أربعين سنة[12].

◙ داود بن نصير الطائي الكوفي، أبو سليمان الفقيه الزاهد.

قال ابن كثير - رحمه الله -: أخذ الفقهَ عن أبي حنيفة.

قال سفيان بن عيينة: ثم ترك داود الفقه، وأقبل على العبادة، ودفَن كتبه[13].

◙ يوسف بن أسباط الشيباني.

قال البخاري: كان قد دفن كتبه[14].

◙ عطاء بن مسلم الخفاف.

قال أبو حاتم: كان شيخًا صالحًا يُشبِه يوسفَ بنَ أسباط، وكان دفن كتبه[15].

◙ ضَيْغم بن مالك، أبو بكرٍ الراسبي البَصري.

الزاهد، القدوة، الرَّباني، أبو بكر الراسبي، البَصري.

قال ابن الأعرابي: كان وِردُه في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، وصلَّى حتى انحنى، وكان من الخائفين البكَّائين.

وقال عليُّ بن المديني: دفن ضيغم كتبه، وكان ينام ثلث الليل، ويتعبَّد ثلثيه[16].

◙ شجاع بن فارس بن بشير.

قال الذهبي - رحمه الله -: الإمام، المحدِّث، الثقة، الحافظ، المفيد، أبو غالب الذهلي، الناسخ.

كان مفيد وقته ببغداد، ثقة، سديد السيرة، أفنى عمره في الطلب، وعمل مسودة لـ: (تاريخ بغداد) ذيلاً على (تاريخ الخطيب)، فغسله في مرض موته.

وقال ابن الجوزي - رحمه الله -: وشرَع في تتمة تاريخ بغداد، ثم غسل ذلك قبل موته بعد أن أرَّخ بعد الخطيب[17].

◙ أحمد بن أبي الحواري الدمشقي.

ذكر أبو يعلى - كما في طبقات الحنابلة -: أنه حمل كتبه كلها فغرَّقها في البحر، وقال الذهبي: رمى أحمد بن أبي الحواري بكتبه في البحر[18].

◙ قال أبو عبدالله الحاكم: وممن دفن كتبه: إسحاق بن راهويه، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن يحيى، هؤلاء دفنوا كتبهم[19].

◙ قال أبو حامد بن الشرقي: سمعت أبا عمرو المستملي يقول: دفنت مِن كتب محمد بن يحيى بعد وفاته ألفَيْ جزء[20].

◙ محمد بن العلاء الهَمْدانيُّ، أبو كريب.

قال مُطَيَّنٌ: أوصى أبو كريب بكتبه أن تدفن، فدفنت[21].

◙ عَبِيدة بن عمرو السَّلمانيُّ المراديُّ الكوفيُّ.

قال الذهبي عنه: الفقيه، أحد الأعلام، أخذ عن علي، وابن مسعود، وغيرهما، وبرع في الفقه، وكان ثبتًا في الحديث.

وقال الخطيب البغدادي: دعا عَبِيدة بكتبه عند موته فمحاها، وقال: "أخشى أن يليها أحدٌ بعدي فيضَعوها في غير مواضعها"[22].

◙ أبو زكريا يحيى بن شرف النَّووي.

قال عنه تلميذه ابن العطَّار: لقد أمرني الإمام النووي ببيع كراريس نحو ألف كرَّاس بخطه، وأمرني بأن أقفَ على غسلها في الوراقة، وخوفني إن خالفتُ أمره في ذلك، فما أمكنني إلا طاعتُه، وإلى الآن في قلبي منها حسرات[23].

◙ علي بن طلحة الواسطي، أبو القاسم ابن كردان.

عمِل إعرابًا للقرآن في بضعة عشر مجلدًا، ثم غسله قبل موته[24].

◙ عن طَلْحة بن يحيى، عن أبي بردة قال: "كتبتُ عن أبي كتابًا كبيرًا، فقال: ائتني بكتبِك، فأتيتُه بها فغسَلها"[25].

◙ الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن مشرف.

العالم فقيه الديار النَّجْدية، كان عالِمًا متبحِّرًا في المذهب.

ذكر عنه البسام أنه شرح (الإقناع)، فلما حج عام (1049هـ) وجد الشيخ منصور البهوتي حاجًّا ذلك العام، فاجتمعا، وتباحثا، وأطلعه الشيخ منصور على شرحه على (الإقناع)، وكان الشيخ منصور لم ينتهِ مِن شرحه إلا ذلك العام، فتأمَّله سليمان، ثم قال: وجدتُه مطابقًا لما عندي، إلا مواضعَ يسيرة، وأتلَف شرحه عليه[26].

◙ الشيخ العلامة صفي الدين أبو السرور القاضي أحمد بن عمر المدحجي، الشهير بالمزجد الشافعي الزبيدي.

كان مِن العلماء المشهورين، وبقية الفقهاء المذكورين، وأحد المحقِّقين المعتمدين، المرجوع إليهم في النوازل، وكان على الغاية مِن التمكُّن في مراتب العلوم الإسلامية من الأصول، والفروع، وعلوم الأدب، وهو الذي أفتى بحِلِّية البُنِّ والقهوة.

قال حفيده شيخ الإسلام قاضي قضاة الأنام أبو الفتح ابن حسين المزجد رحمه الله تعالى: كان جَدِّي - رحمه الله تعالى - شرح جامع المختصرات للنسائي في ست مجلدات، ثم لما رآه لم يستوفِ ما حواه الجامع المذكور من الجمع والخلاف ألقاه في الماء، فأعدَمه، والله المستعان[27].

◙ العالم المفسِّر محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي.

صاحب (أضواء البيان) رحمه الله: ألَّف في أنساب العرب نظمًا قبل البلوغ، يقول في أوله:

سمَّيْتُه بخالص الجمان في ذِكرِ أنساب بني عدنان

وبعد البلوغ دفنه، قال: لأنه كان على نيَّةِ التفوُّق على الأقران.

وقد لامه مشايخه على دفنه، وقالوا: كان من الممكن تحويلُ النية وتحسينها[28].

• المرجع: (الشذرات في أخبار الكتب والكتاب والمكتبات).