• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

تلخيص وعرض هام لكتاب: نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان

د. راجح إبراهيم السباتين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/12/2014 ميلادي - 7/3/1436 هجري

الزيارات: 37395

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تلخيص وعرض هام لكتاب

"نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان"

للدكتور فؤاد زكريا

ونقد مباحثه بناءً على كتاب:

"نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة" للدكتور راجح الكردي


لقد بدأ المؤلف كتابه بفكرة مُفادها: أن الفلاسفة يسارعون في الترحيب بأي شيء تبدو عليه الغرابة، ويخالف أول أفكار البشر، ويعُدون ذلك علامةً من علامات سمو علمهم؛ ففي الفلسفة يقول الباحثون آراءً غريبةً، وهي في نظرهم أمور عادية ومألوفة، ولكنها في نظر غيرهم مذهلة لا تصدق، ومنها أن العالم الخارجي غير موجود، وهذا الأمر يبدو بعيدًا عن التصديق عندما يخرج المرء من دائرة الفلسفة المتخصصة؛ لذلك فإن أكثر الفلاسفة قد تعرضوا لسخرية الآخرين بسبب المواقف التي تكاد تصل إلى حد الجنون، ومن ذلك الموقف المثالي وما يقترن به من إنكار لوجود العالم الخارجي أو الشك فيه، حتى لو أن أحدًا من الفلاسفة حاول أن يدافع عن وجهة النظر المعتادة، فسيقف الفلاسفة منه موقف العداء.

 

إذًا يمكن القول: إن الصلة بين الفلاسفة وغير الفلاسفة معدومة؛ لأن الأولين غير الممتهنين للفلسفة لهم مجالهم الخاص بهم، ويترفعون عن وجهة نظر العامة، ويعدون رفضها أول شرط للدخول في ميدان الفلسفة؛ فهم يرفضون المواقف الذهنية المعتادة، ويعدونها من القضايا المسلم بها.

 

ويقدم الدكتور فؤاد زكريا في هذه الصفحات نصيحةً هامةً، مفادها: أن الفلسفة بحاجة إلى أن تخرج من النطاق (الاحترافي) الذي ضربته حول نفسها، إلى وجهة نظر (الإنسان) بالمعنى العام لهذه الكلمة، ولا بد لها أن تجد في نفسها الشجاعة للربط بين آرائها وبين هذا (الإنسان)، وإلا سوف تظل مهنةً ضيقةً.

 

ووجهة نظر المؤلف هنا إنما هي تعبير عن وجهة نظر شخص متخصص في الفلسفة، ولكنه لم يفقد أبدًا شعور الإنسان الطبيعي؛ فهو لا يزال يشعر بالدهشة عندما يسمع فيلسوفًا يشك في وجود العالم الخارجي، ثم يتساءل: أين يكمن الخطأ؟ ويحاول في ختام هذا الكتاب الوصول إلى تحديد طبيعة هذا الخطأ، وكيفية معالجته.

 

إيضاحات مبدئية:

• يقصد بالموقف الطبيعي: نظرة الإنسان العادي إلى العالم الخارجي.

 

• يقصد بالمثالية: كل مذهب يعارض الموقف الطبيعي في نظرته إلى العالم الخارجي بإنكار استقلال هذا العالم، والتشكيك فيه.

 

هدف البحث:

الدفاع عن موقفنا الطبيعي من العالم الخارجي؛ حيث سيتم بيان الخلط الذي وقعت فيه المثالية في هذا الميدان الرئيسي من ميادين نظرية المعرفة، وسوف يتبين كيف عجزت المثالية عن إجابة الأسئلة التي تثيرها.

 

مجال البحث:

سوف يناقش نقطة البداية الأولى التي لا يناقشها كثير من التحليليين، ثم يحاول أن يصدر أحكامًا عامة على الموقف الفلسفي المثالي، وأخيرًا فهو يريد أن يبين الأساس الذي يمكن من خلاله إدراك العلاقة بين الفلاسفة والموقف الطبيعي في صورتها الحقيقية.

 

الموقف الطبيعي والعلم:

* أهم ما يميز العالم الطبيعي هو أنه لا يضع مشكلة وجود العالم الخارجي موضع تساؤل، وهذا الموقف ليس ساذجًا؛ فهو الموقف الوحيد الذي ضمن للإنسان علاقةً متسقةً بالعالم الخارجي؛ حيث إن المواقف المضادة (المثالية) إما أن تنتهي إلى إخفاق أو أن تتوقف عند نقطة، لا يمكنها المضي إلى ما بعدها، فتنتهي إلى نوع من "اللاأدرية".

 

فإذا وجدت تجارِب واكتشافات "تبدو مخالفةً" للموقف الطبيعي، مثل: القول بدوران الأرض (فالموقف الطبيعي يقول: إن الأرض ثابتة)، فإن السبب سيكون اختلاف وظيفة الموقفين: الطبيعي والعلم، واختلاف الغرض من تجربة كل منهما.

 

يرى المؤلف أن الموقف الطبيعي هو موقف عملي وحيوي (بيولوجي)؛ حيث إنه ليس موقفا تحليليًّا أو نقديًّا، نحاول منه إرجاع الظواهر إلى أصلها، وإنما يتعلق بسلوكنا العملي، وهو استعداد طبيعي لا يختلف عن كثير من استعدادنا للأكل والشرب والنوم، ويقول:

إن الموقف الطبيعي لدى جميع البشر هو النظر إلى هذا العالم على أنه مكون من أشياء خارجة عنا؛ فمثلًا: لا يمكن لشخص أن ينظر إلى النار على أنها مجرد فكرة ذاتية في رأسه، وإذا سمعنا بأن إنسانًا ألقى نفسه في النار طالما أنه من العقلاء؛ لأنه يعتقد أن النار مجرد فكرة في رأس، وبالتالي لن تؤذيه - إذًا نحن في حياتنا العملية لا نسلك إلا على أساس هذا الموقف الطبيعي.

 

وقد نقل المؤلف نصوصًا "للوك" حلل فيها ارتباط الموقف الطبيعي بقدرة الإنسان على السلوك تحليلًا رائعًا، ومن ذلك: "لو كانت لنا حواس تبلغ من الحدة ما يمكنها من إدراك الدقائق الصغيرة للأجسام، والتركيب الحقيقي الذي تتوقف عليه كيفياتها المحسوسة، لبعثت فينا دون شك أفكارًا مختلفة كل الاختلاف، .... لو كانت حاسة سمعنا أشد ألف مرة مما هي عليه لسمعنا ضجيجًا دائمًا يزعجنا ...".

 

يدل كلام "لوك" على أنه اهتدى - بكل وضوح - إلى الارتباط الأساسي للموقف الطبيعي بقدرة الإنسان على السلوك العملي في العالم الخارجي، ويقول: "فإذا حاولت وأنت تسبح أن تنظر إلى البحر على أنه ليس خارجيًّا، فلن يكون لهذا من نتيجة سوى غرقك"، ثم يقرر بعد ذلك نتيجة مفادها: أن حواسنا تقدم لنا صورةً للعالم لا نستطيع أن نرفضها رفضًا قاطعًا في سلوكنا العملي.

 

ويستعرض المؤلف وجود ثلاث صور للعالم، هي:

1. الصورة (الخشنة) التي تطلعنا عليها حواسنا.

2. الصورة (الميكروسكوبية) التي نرى فيها أو نحاول أن نرى فيها العالم الأصغر، عالم الكائنات الحية الدقيقة.

3. الصورة (التلسكوبية) وهي صورة العالم الأكبر، كما تكشفه لنا المناظير.

 

والصورتان الأخيرتان تتعرضان لاختلافات كلما اكتشفت آلات أقدر على تكبير الجسم أو تقريب الجسم البعيد.

 

ثم يثير التساؤلات التالية:

هل يمكن لأحد القول: إن صورة كوب الماء باطلة؛ لأن المجهر يكشف لنا من الكائنات الحية الدقيقة التي لا نراها في قطرة واحدة منها؟ وهل يمكن لأحد القول: إن صورة المريخ التي ندركها بالعين باطلة؛ لأن "التلسكوب" يدرك بقعًا ملونةً ليس لها أثر تدركه العين المجردة؟ ثم هل نشك في دقة الميكروسكوب؛ لأنه عاجز عن إدراك النجوم البعيدة، أو نشك في دقة التلسكوب وقصوره؛ لأنه لا ينقل إلينا دقائق قطرة الماء؟

 

ثم يأتي جوابه بالنفي؛ لأن كل واحد له مجال، ويقول: من هنا نقول: إن صورة العالم صحيحة حسب كل مجال من المجالات التي تستخدم فيها هذه الصور.

 

ويقرر أن من العبث أن ننقد الصورة التي نكونها للعالم في موقفنا الطبيعي، لاختلافها عن الصورة العلمية للعالم؛ وذلك لأن لكل واحدة وظيفةً مختلفةً عن الأخرى.

 

الخلط بين الموقفين الطبيعي والعلمي:

لقد وضح المؤلف هذا الخلط بضربه لمثال يتحدث فيه عن العلاقة بين الشمس والأرض من حيث الدوران، فأبسط المعلومات عند الناس أن الأرض تتحرك حول الشمس، فبمجرد هذا القول نكون قد دخلنا في التفسير العلمي، وهذا التفسير لا مجال له في الحياة العملية اليومية، ولا نتصرف في حياتنا العملية اليومية على أساس أن الأرض تتحرك؛ لأنها لا تؤثر في المجال الحيوي الذي يسود فيه الموقف الطبيعي؛ لذلك نقول: "طلعت الشمس، وغربت الشمس ... لأنها تعبيرات تدل على ما يلزمنا في موقفنا الطبيعي".

 

ثم يتحدث المؤلف عن الذين ينكرون الموقف الطبيعي باعتباره عقبةً في التقدم العلمي، ويدعوهم للتأمل في المثال السابق؛ حيث كان الاعتقاد الطبيعي أن الشمس هي المتحركة، وهو اعتقاد تولده الحواس بإدراكها ثبات الأرض، وقد ظل هذا الاعتقاد سائدًا مدةً طويلةً، ولكن هذا الخطأ لم يكن في الموقف الطبيعي ذاته، بل خطأ العلماء القدماء، الذين حاولوا الاكتفاء بالموقف الطبيعي وتفسير الظواهر من خلاله.

 

وبعدما سلف ذِكره يقرر المؤلف الحقيقة التالية:

إن الموقف العلمي حيث يستقل عن الموقف الطبيعي لا ينبغي أن يحل محله في ميدانه؛ إذ يظل الموقف الطبيعي محتفظًا بصلاحيته وقيمته في الميدان المخصَّص له.

 

ومن هنا لا بد من الفصل بين مجالي الموقف الطبيعي والموقف العلمي، وتجنب الخلط بينهما، ولكن هذا الخلط قد حدث بالفعل خلال تاريخ الفلاسفة، وكان مسؤولًا عن عدد كبير من الأخطاء التي ارتكبت في ميدان نظرية المعرفة.

 

ففي الفلسفة القديمة كان الموقف العلمي مندمجًا في الموقف الطبيعي، والخطأ الذي ارتكبه الفلاسفة، هو أنهم نظروا إلى الموقف الطبيعي على أنه يمثِّلُ العلم في الموقف ذاته.

 

أما في عصر انفصال العلم عن الفلسفة، فقد ارتكب الفلاسفة الخطأ المضاد، وهو محاسبة الموقف الطبيعي على عجزه عن تفسير الظواهر العلمية.

 

وفي ختام هذا المبحث يصل المؤلف إلى نتيجة مفادها: أن الموقفين الطبيعي والعلمي كانا غير واضحيِ التميز في الفكر القديم، ثم تفرعا بالتدرج، بحيث اتضحت خصائص كل منها ووظائفه وأغراضه الخاصة التي يخدمها.

 

وإن هذا التمييز غير واضح في أذهان الكثيرين، بدليل أن الموقف الطبيعي كثيرًا ما يلام؛ لأنه يعجز عن تقديم تفسير للظواهر له دقة التفسير العلمي، ثم هل يلام الموقف العلمي؛ لأن الصورة التي يقدمها عن العالم تفتقر إلى عينية الصورة المعتادة في الموقف الطبيعي؟

 

الفلسفة والموقف الطبيعي

يبدأ المؤلف معالجة هذا العنوان الفرعي بالتساؤل التالي:

هل ينتمي البحث الفلسفي إلى مجال الموقف الطبيعي أم إلى مجال الموقف العلمي؟ وما هي طبيعة العمل الذي يقوم به الفيلسوف حين يفكر؟ أهو بحث علمي أم أنه يمثل موقفًا طبيعيًّا؟

 

يسهل على الكثير التمييز بين مهمة العالم ومهمة الفيلسوف، ولن تكون الفلسفة تمثل الموقف الطبيعي؛ لأنها مبحث قائم بذاته، ولا نقول عنه: إنه بحث علمي أو مجرد تعبير عن موقف طبيعي. إن للعلم منهجًا منظمًا دقيقًا، له آلات علمية؛ لذلك تمكن من كشف هذه الصور المتعاقبة للعالم، ولكن هل لدى الفيلسوف هذا المنهج وهذه الآلات؟

 

أما المعدات فهي منعدمة تمامًا، وأما المنهج فيسمى في الفلسفة "دقة التفكير"، وهو قدرة الفيلسوف على اتباع قواعد الاستدلال دون خطأ، وهذا المنهج نظري بحت، يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية؛ حيث إن الإلمام بقواعد الاستدلال يكسب المرء قدرةً خفيةً على الخروج على هذه القواعد بطريقة بارعة لا يسهل كشفها؛ لذلك كانت الأخطاء التي وقع فيها الفلاسفة تدل - على أية حال - على أن منهج الفلاسفة مخالف للمنهج العلمي، وما ذلك إلا لأن المنهج العلمي قابل للتطور والتجديد المستمر، وهو ينمو بطريقة تراكمية إلى حد ما، بينما لا تزال أكثر الموضوعات الفلسفية الأولية موضوعًا للجدل حتى اليوم.

 

يرى المؤلف أن الفلسفة تبدأ من الموقف الطبيعي، وأن الموضوعات التي يبحثها الفيلسوف، ولا سيما في ميدان نظرية المعرفة، هي بعينها موضوعات الموقف الطبيعي، وهي تظل في حدود موضوعات الموقف الطبيعي، وهو يريد منا أن نصور هذه الموضوعات بصورة مخالفة لصورتها في موقفنا الطبيعي؛ وذلك بقوة قواعد الاستدلال وحدها، ولبيان ذلك نراه يضرب الأمثلة التالية:

1. حين يشرح (باركلي) فكرة (وجود الشيء هو كونه مدركًا) يقول: (إنني حين أقول عن المنضدة التي أكتب عليها: إنها موجودة، أعني أني أراها وأحسها، وإذا غادرت غرفتي فأقول: إنها موجودة، بمعنى أنني لو وُجدتُ في غرفتي فسأدركها، أو أن روحًا معينةً تدركها بالفعل).

 

2. وحين يناقش (هيوم) اعتقادنا بوجود فئة معينة في الانطباعات وجودًا مستمرًّا، يضرب لهذه الانطباعات المثال التالي: (تلك الجبال والبيوت والأشجار التي تقع عليها الآن أنظاري قد بدت لي دائمًا في نفس النظام، وعندما لا أعود أراها بإغماض عيني أو إدارة رأسي فسرعان ما أجدها تعود إليَّ دون أدنى تغير).

 

3. وحين يتحدث عن فكرة الوجود الخارجي للأشياء يضرب لهذا الوجود المثال التالي: (إن نفس هذه المنضدة التي نراها بيضاء، ونشعر بصلابتها عند اللمس، يعتقد أنها توجد مستقلة عن إدراكنا، وأنها شيء خارج عن ذهننا الذي يدركها، وحضورنا لا يضيف وجودًا عليها، كما أن غيابنا لا يزيلها، وهي تحتفظ بوجودها مطردًا كاملًا، مستقلًّا عن حالة الكائنات العاقلة التي تدركها أو تتأمَّلها).

 

مراحل المثالية

أولًا: الشك في الحواس:

المثالية: هي كل مذهب يقف موقفًا مضادًّا للموقف الطبيعي، ومعنى الشك في الحواس ليس المقصود منه الشك في أداء الحواس عملها، وإنما الشك في قدرتها على نقل موضوعات خارجية لنا، وإن أول ما يفعله المثالي لتبرير مشكلة الحواس أن يأتي بأمثلة "شاذة" في الأساس، وفي ذهنه أن الشك في البعض يبرر أي شك في الكل.

 

لقد كانت نقطة البداية عند أفلاطون في تفنيده للنظرية القائلة: إن الإدراك الحسي هو مصدر المعرفة - هي الرجوع إلى ما يحدث في الأحلام، الأمراض، الجنون، وفي مختلف أوهام السمع والبصر، وغيرها من الحواس.

 

وفي الرد على أفلاطون وكلامه المتقدم يذكر المؤلف الدكتور فؤاد زكريا ما يلي:

إن حواس الإنسان تنقل إلينا معرفةً بالعالم الخارجي، ونقصد بذلك الإنسان السويَّ السليم، الذي اكتملت حواسه الخمسة، وإذا طرح المثاليون أمثلة، مثل: الهلوسة، والمولود أعمى، وازدواج الرؤية، والجنون، فإن ميدان نظرية المعرفة سيكون عبارةً عن مصحة، كل نزلائها من المنحرفين والمجانيين!

 

والمبدأ الذي يسير عليه المثاليون هو "ما يصح على الجزء يصح أو قد يصح على الكل"، ولكن هذا المبدأ لا يصح إلا أن يكون الجزء والكل مشتركين في الكيف، وإذا طبقنا هذا المبدأ، فإننا نشكك في العقل نفسه!، ويعتمدون على مبدأ آخر، وهو فصل الحواس، والاعتماد على حاسة واحدة، ويضربون مثالًا لها النظر إلى العصا التي تبدو منكسرةً في الماء، أو السراب ... والرد عليهم أننا لو استخدمنا بقية حواسنا، ولا سيما اللمس في كل الحالات، لتمكنت الحواس من تصحيح الخطأ، ولا بد لنا من الإشارة إلى التكامل (الأفقي) بين الحواس؛ أي: اشتراك حواس عدة أشخاص في تصحيح بعضها البعض، فمثلًا، إذا توقفت ساعة واحدة عن العمل، أو تأخرت، فهل يعني هذا أن الساعات كلها فاسدة؟!

 

وهناك من الفلاسفة التقليديين من يقول: إن الحواس لا تخطئ، وإنما يكون الخطأ في حُكمنا العقلي على ما تنقله إلينا؛ فأرسطو يقول: "من الصواب أن نقول: إن الحواس لا تخطئ، ليس لأن حكمها دائمًا صحيح، بل لأنها لا تحكُم على الإطلاق".

 

الخلاصة:

إن التفكير المثالي الذي يجعل من انتقاد الحواس نقطة البداية، يرتكب الأخطاء التالية:

1. أنه ينظر إلى الحواس في حالة الشذوذ، لا في حالة السوية.

2. أنه ينظر إليها منفصلةً بعضها عن بعض.

3. أنه يفصل الدلالة الحقيقة لفكرة التداخل بين الحواس.

 

ثانيًا: صفات الأشياء موضوعية أم ذاتية؟

إذا كانت الحواس هي موضوع الشك، فمن الطبيعي أن يثار السؤال عن كون الموضوعات المحسوسة موضوعيةً أم ذاتيةً؟ بمعنى أنه هل هناك اتفاق بين اعتقادنا العملي بوجود أشياء خارجية وبين الطريقة التي تؤدي بها الحواس وطبيعتها؟ في الإجابة على هذا السؤال نجد أن المثالية تجيب بالنفي الباتِّ؛ فهما لا يتفقان على الإطلاق.

 

• لقد بدأ ديكارت فكرته بالتفريق بين نوعين من الكيفيات، أحدهما: صادر عن الذات، والآخر مستقل عنها، كما أنه فرق بين نوعين من الصفات، أحدهما: (كالشكل والحركة والموقع)، وهي أشياء موجودة في الشيء على نفس النحو الذي ندركها عليه بالحواس، أما الصفات الأخرى - كالألوان مثلًا عند نسبتها إلى الأشياء - فتعني أن هناك أمرًا نجهل طبيعته.

 

• ذاتية الكيفيات: يعرف المثالي فكرته على النحو التالي: إن هذا الحائط الذي يبدو لي أبيض ليس في حقيقته أبيض، ولكن ذلك يعود إلى طبيعة الموجات أو كيفية التقاط حدقة العين لها، وهذا الأمر لا ينكر، ولكن لا يمكن القول من خلاله: الحائط ليس في حقيقته أبيض، عندما نقول: إن الحائط أبيض، نقصد أنه في مستوى الإدراك المعتاد أبيض.

 

فالحجة المثالية: تنطوي على خلط بين الموقف المعتاد والموقف العلمي التفسيري، وتنقد الأول عن طريق حقائق لا تصحُّ إلا في الثاني.

 

الفكرة الفلسفية (وجود الشيء كونه مدركًا):

إن هذه الفكرة تؤدي إلى العجز التام عن التصرف في هذا الميدان؛ فجميع مواقفنا العملية مبينة على عكسها، ومجرد استخدامنا لملكات التذكر والتوقع والتخيل، يعني أننا نخالف هذه الفكرة، ولا نقول بوجود هوة بين وجود الشيء وكونه مدركًا، فإذا لم يكن بالإمكان القول بوجود الأشياء "دون" كونها مدركةً، لاستحال حديثنا عما يجري في بلد آخر، إن الذي يميز الحيوان عن الإنسان هو أنه يتجاوز هذه الفكرة؛ فالحيوان - على الأرجح - هو الذي يطبق هذه الفكرة بحذافيرها، ولم يستطع الإنسان أن يعلو على مرحلة الحيوانية إلا لأنه عرف كيف يتخلص من هذه الفكرة، ويؤمن بوجود الأشياء من غير أن تكون مدركةً.

 

ثالثًا: الأشياء بوصفها (ظواهر):

إن مثالية "كانت" تؤكد شيئًا واحدًا، هو أن الأشياء كما تبدو لنا ظواهر، أما ما وراء هذه الظواهر فذلك هو المجهول الذي لا تذكر تلك المثالية أي شيء عنه، وعنده كذلك قضيتان متناقضتان:

الأولى: إن مظهر الأشياء كما ندركها مختلف تمامًا عما هي عليه في ذاتها.

 

الثانية: إن الأشياء في ذاتها مجهولة لدينا تمامًا، فإذا صحت الثانية فإن هذا لا يعني صحة الأولى على الإطلاق، مثل هذا التفريق بين الظواهر والأشياء في ذاتها هو مظهر من مظاهر خروج المثالية عن الموقف الطبيعي، وهو مظهر أطلق عليه "كانت" اسم (المثالية النقدية).

 

ومن المحال أن يعترف الفيلسوف المثالي بأن الأشياء كما ندركها هي الأشياء في ذاتها؛ لأنه لو فعل ذلك لرجع إلى الموقف الطبيعي، إذًا لا بد له أن يقول بطبيعة أخرى، ومن هنا سماها "كانت" باسم: الظواهر.

 

مذهب الظاهريات والموقف الطبيعي

مذهب الظاهريات كان مضادًّا للموقف الطبيعي، وهو يسمى "مثالية ترنسندنتالية"، وهو مذهب "هوسرل"، إن الخطوة الأولى التي تقربنا إلى ذلك النوع الخاص من الخروج عن الموقف الطبيعي الذي كانت هذه المثالية تدعو إليه هو الشك الديكارتي؛ حيث إن الشك الديكارتي ينظر إلى العالم على أنه وهم أو خداع، فإنه لا يغيِّر شيئًا من وضع العالم بوصفه موجودًا.

 

إن الشك الديكارتي لم يكن "مذهبًا"، بمعنى أنه لم يكن يعبر عن حالة فعلية من الشك لا يستطيع الفيلسوف الخروج منها، وإنما كان منهجيًّا؛ أي: شكًّا إراديًّا متعمدًا، يقوم به الفيلسوف وفي ذهنه هدف محدد يمارسه بحرية، وبقدر ما يساعده على تحقيق هذا الهدف.

 

وبهذا يقترب الشك الديكارتي من منهج "وضع العالم بين قوسين" عند "هوسرل"، وكما انتهى الشك الديكارتي في آخر المطاف إلى استرداد نفس العالم الذي كان في البداية يرتاب فيه، فكذلك لا يؤدي وضع العالم بين قوسين إلى المساس بحقيقة العالم.

 

إذًا خروج مذهب الظاهريات عن الموقف الطبيعي يختلف اختلافًا أساسيًّا عن خروج مذاهب المثالية الأخرى؛ فهو ليس خروجًا حتميًّا تمليه ضرورات فكرية لا يمكن التخلص منها، وإنما هو خروج اختياري يقوم به الفيلسوف بمحض إرادته، مستهدفًا منه كشف وجهة نظر جديدة وآفاق جديدة، كما أن مذهب الظاهريات لا يقدم حججًا تفند الموقف الطبيعي، ولا يفكر أصلًا في هذا التفنيد، وإنما يتحدث عن تركه جانبًا.

 

مشكلة خارجية العالم

في هذه المشكلة يظهر أقوى تضاد بين الموقفين المثالي والطبيعي، وفيها أيضًا يتمثل قصور المثالية التام في ميدان نظرية المعرفة؛ لأن عليها أن تواجه السؤال التالي: كيف يمكن تعليل ما يسمى في الموقف الطبيعي باسم العالم الخارجي؟ فهم قد يقولون: إن وجود الأشياء هو كونها مدركةً، ومع ذلك فسيظل لزامًا عليهم أن يقدموا تفسيرًا لتلك الفئة من الظواهر، التي نسميها العالم الخارجي.

 

وجهَا مشكلة العالم الخارجي:

لا بد من التفريق بين وجهين لمشكلة العالم الخارجي، حدث بينهما خلط في أذهان كثير من الفلاسفة، وهما يتضحان في السؤالين التاليين:

السؤال الأول: هل العالم الخارجي مستقل عن الذات؟ أي هل هو ذو وجود موضوعي؟

السؤال الثاني: ما شكل هذا العالم الخارجي؟ وهل هو كما يبدو لنا أم أن له شكلًا آخر؟

 

نبدأ بالسؤال الثاني، وذلك باستحالة وجود شكل واحد للعالم في مختلف مواقف الإنسان؛ فالموقف العلمي بآلاته المادية يرسم صورةً للعالم لا يمكن مقارنتها بالصورة التي نرسمها له في موقفنا الطبيعي، فهناك شكل للعالم في نظر عالم الفلَك، وشكل آخر في نظر عالم البيولوجيا، وآخر في نظر عالم الطبيعة، وهذه الأشكال تختلف عن شكل العالم كما ندركه في حياتنا اليومية، ولكن لا يمكن القول: إن واحدًا منها هو الصحيح، بل إن كلًّا منها صحيح في مجاله الخاص به، والفيلسوف لا يملك الأدوات المادية أو الذهنية التي تمكنه من اتخاذ الموقف العلمي.

 

وهنا نتحول للرد على السؤال السابق، هل تستطيع الفلسفة أن تقدم صورة للعالم غير صورته في الموقف الطبيعي؟ الرد المألوف هو: نعم؛ لأن صورة العالم - كما ندركها - متوقفة على الذات، أما العالم في حقيقته فله صورة أخرى، وعند الإجابة عن السؤال الأول نجد أن المثاليين يجيبون بأن تدخل الذات في تكوين صورة عن العالم الخارجي معناه أن هذا العالم ليس مستقلًّا عنا، وإنما هو معتمد علينا.

 

ويمكن الرد على هذه النتيجة بأنه لا بد لنا أن نثبت أن فكرة انتساب الواقع إلى الذات لا تمنع من استقلاله، وعلينا بعد ذلك أن نثبت أن العالم الخارجي يجب أن يكون مستقلًّا عن الذات؛ أي: يحتفظ بخارجيته.

 

نسبية العالم الخارجي واستقلاله

قدم المؤلف مثالًا في تنفيذ الحجة المثالية القائلة بعدم استقلال العالم نظرًا إلى كونه منسوبًا إلينا، فقال: لنفرض أن هناك عالَمًا آخر غير عالمنا، به كائنات مدركة ذات حواسَّ وأذهان، وأشياء ذات وجود مستقل، ولنفرض أن هذه الكائنات لا تدرك الأشياء إلا من خلال حواسها وأذهانها، عندئذ سيكون من الطبيعي أن تبدو هذه الأشياء في نظر بعض هذه الكائنات متوقفةً في وجودها تمامًا على حواسها وأذهانها، على حين أنها حسب الفرد ذاته مستقلة.

 

ثم تناول أمثلةً مختلفة من المفكرين المثاليين، وبيَّن إلى أي حد بلغت مشكلة خارجية العالم، واصفًا إياها بأنها العقبة التي لم يستطع أي مذهب مثالي التغلب عليها بصورة منطقية سليمة.

 

خارجية العالم عند "ديكارت"

يبرهن ديكارت على وجود الأجسام المادية ذات الطبيعة المستقلة عن العقل، على أساس أن في الإنسان مشاعرَ لا يبعثها في نفسه كلما شاء وكما شاء، بل إن هناك شيئًا هو الذي يبعثها فيه.

 

وقد يقال: إن الله هو الذي يبعث فينا إحساسًا بوجود هذا الشيء الممتد طولًا وعرضًا وعمقًا، أو أنه يدفع شيئًا ليست له مثل هذه الطبيعة إلى بعث هذا الإحساس فينا، فلا بد أن يكون هناك بالفعل جوهر ممتد موجود في العالم.

 

ويذكر المؤلف الدكتور فؤاد زكريا جملةً من الملاحظات على رأي ديكارت السابق، وهي:

1. أنه يجعل الوجود الخارجي في حاجة إلى برهان، ولولا هذا البرهان لظل ذلك الوجود أمرًا مشكوكًا فيه.

 

2. أنه تنبه إلى طبيعة الإدراكات المتعلقة بالعام الخارجي، التي تختلف عن الإدراكات أو المشاعر الباطنة اختلافًا جوهريًّا.

 

3. يلاحظ أن ديكارت كان في حاجة إلى دعامة من الإيمان لكي يتخلص من إمكان الخداع؛ فهو لا يهتدي إلى يقين العالم الخارجي إلا بعد مساره الطويل من الشك إلى "الكوجيتو"، ثم إلى وجود الله تعالى، ومنه إلى وجود العالم الخارجي.

 

الخلاصة:

إن ديكارت رأى وجود العالم الخارجي في حاجة إلى برهان عقلي، وإن هذا البرهان يحتاج إلى دعامة من الإيمان.

 

"الذات الوحيدة الإلهية" عند "باركلي"

يقول باركلي: أيًّا ما كانت القوة التي أمتلكها على أفكاري الخاصة، فإني أجد الأفكار التي تدرك فعلًا بالحس غير معتمدة على إرادتي على هذه النحو؛ إذ ليس في مقدوري عندما أفتح عيني في النهار أن أختار بين الرؤية وعدم الرؤية، أو أن أحدد الأشياء التي يقع عليها بصري؛ فالصورة المنطقية في هذه الحالة ليست من صنع إرادتي، ولا بد إذًا أن تكون هناك إرادة أو روح أخرى هي التي تحدثها، وهذه الروح الأخرى هي كما نعرف الروح الإلهية.

 

إن الصورة التي يدعونا باركلي إلى الأخذ بها في صدد مشكلة خارجية العالم، هي صورة ذهن إلهي شامل يبعث من ذاته صورًا أو إدراكات؛ فهو مضطر إلى افتراض قوة روحية خارجية لتعليل استقلال الظواهر عن إرادتنا.

 

العالم الخارجي بوصفة مجموعةً من الانطباعات عند "هيوم"

في فلسفة هيوم تحليل واضح قوي للتضاد بين النظرة الطبيعية والنظرة الفلسفية، ومن حيث إن الأولى تؤمن بوجود الأشياء خارج الذات ومستقلة عنها، أما الثانية فتبرهن على أن هذه الأشياء ترتدُّ إلى مجموعة من الانطباعات فحسب، إن الاعتقاد بوجود الأشياء الخارجية عن الذهن هو اعتقاد عامي يقول به الأطفال والفلاحون؛ فالأصل هنا هو حجج الفلاسفة العقلية، وأما السلوك العملي فليس لهذا الرأي أية قيمة؛ لأنه لا يستند إلى حجج فلسفية، وهذا الموقف هو تلخيص للموقف المثالي بأَسره.

 

العالم الخارجي بوصفه ظاهرة عند "كانت"

الأشياء الخارجية تتميز قبل كل شيء بأنها توجد في المكان، والمكان عند "كانت" صورة للحدس؛ أي: صورة ذاتية تجعل التجربة الحسية ممكنةً، فهو يقرر معارضته للموقف الطبيعي؛ إذ يجعل خارجية الأشياء راجعةً إلى صفة لذهننا.

 

ويعرف كانت المثالية (الترنسفدنتالية، المذهب القائل: إن المظاهر كلها لا ينبغي أن ينظر إليها إلا على أنها تمثلات لا أشياء في ذاتها، أو أن المكان والزمان ليس الصور الحسية للحدس)؛ فهو يعترف بوجود مادة خارجية، ولكنه يظل على الدوام غير موقن بطبيعية هذه المادة من حيث هي شيء في ذاته، وأنها تعرف بوصفها "ظاهرة" فحسب، لقد وصل كانت إلى نتيجة فكرة الموضوعات الخارجية بوصفها ظواهر، واستبعد تمامًا كل نظرة إليها على أنها أشياء في ذاتها.

 

دور العقل في مشكلة المعرفة

يفترض بعض الناس أن أي برهان عقلي لا يرقى أبدًا في درجة إقناعه إلى درجة الرؤية المباشرة بالعين، وأن المشاهدة بالعين هي أصدق أنباءً من أي حجة عقلية.

 

بل إن انتشار كثير من الخرافات كان راجعًا ليس إلى اقتناع الناس بها عقليًّا، بل إلى اعتقادهم بأن موضوعاتها قد أدركت عن الرؤية؛ فمثلًا إيمان الناس بالأشباح لم يكن سببه قوة الحجج، وإنما كون أشخاص كثيرين قد ظلوا يردِّدون أنهم رأوا الأشباح بأعينهم، ولا شك في أن شهادة هؤلاء كانت كاذبةً، ولكن الإيمان من ورائها صحيح؛ أي: الإيمان بأن المعيار الحاسم بوجود الأشياء هو إدراكها.

 

وموضوع الخلاف بين الموقف المثالي والموقف الطبيعي، أن الإنسان في الموقف الطبيعي لا يحاول إثبات وجود العالم الخارجي، ولا يثير هذه المشكلة أبدًا لسبب بسيط، هو أنه إذا وجد الإدراك وجد الإثبات العقلي فيما يتعلق بوجود أي شيء.

 

ثم يتساءل المؤلف: ثم هل دارَ في خَلد الفلاسفة أن الوسيلة الوحيدة الممكنة للسلوك إزاء مشكلة كهذه هو الإدراك، وأن المسألة هي من نوع: "أرِني إياه" أكثر مما هي "أثبِتْه لي"؟ إن مشكلة وجود العالم الخارجي من أهم المشاكل التي تعالجها نظرية المعرفة، إنها مشكلة شيء ندركه في موقفنا الطبيعي على أنه يوجد فعلًا، ولا يثار في ذهننا أي شك بشأنه، ولكن الفلاسفة هم الذين يثيرون مثل هذا الشكوك حينما يحاولون إخضاع هذا الوجود للبرهان، حين يقولون: صحيح أنك تدرك هذا العالم وتراه وتلمسه، ولكن هل لديك إثبات أو برهان عليه؟! وهذا السؤال غير مشروع؛ لأن الإثبات في المسائل المتعلقة بوجود الأشياء لا مجال له إذا كنت تدركه بالفعل.

 

إن المشكلة تتعلق بميدان لا مجال فيه للبرهان طالما أن الإدراك يقوم بدوره؛ فقد شك "ديكارت" مثلًا في وجود العالم الخارجي على أسس، منها: إمكان خداع الحواس، وسعى إلى وسيلة أخرى للإثبات، وهو قد استعاد ثقته بالعالم الخارجي بعد أن تأكد من وجود الله، ومن أن الله لا يُخدَع.

 

و"هيوم" مثلًا عبَّر عن نفس الفكرة تعبيرًا مختلفًا، بقوله: إن الإيمان الطبيعي بوجود الأشياء وجودًا مستمرًّا ومستقلًّا عن الذهن هو إيمان لا يقوم على أساس فلسفي، ولا يرتكز على العقل مطلَقًا، وأن هذا الوجود يبعده عن العقل، وأنها لا بد ناتجةٌ عن ملَكةٍ أخرى غير الفهم.

 

وقد كان "هيوم" يروي عن نفسه أنه كان يغادر مكتبته ويختلط بالآخرين؛ حتى يتأكد أنهم موجودون ومعهم العالم الخارجي، هذا يدل على رغبة مسيطرة في الحصول على براهين عقلية؛ فالتجربة هنا أقوى من كل الحجج العقلية، إن الاستدلال بالبرهان العقلي لا يعدو أن يكون مجموعةً من الأفكار، والأفكار لا تستطيع وحدها أن تنفيَ وجود شيء ندركه بالفعل؛ لأن ذلك خارج نطاق قدرتها، فنقطة البداية في أي بحث عن وجود شيء ما، ينبغي أن تكون السعيَ إلى إثبات كون موضوعه قابلًا للإدراك المباشر، فإذا أمكن ذلك عدت النتيجة مُنتهيةً، أما إذا لم يكن، فعندئذ يبدأ البحث عن البرهان.

 

المثالية ومحتوى المعرفة

يتناول هذا الفصل مشكلة تأثير المثالية في موقف الإنسان من الوقائع الفعلية، ويبحث في التضاد بين المواقف العملية والأفكار النظرية للفيلسوف المثالي.

 

عندما كان الناس يؤمنون بأن محاصيلهم الزراعية هبة من آلهة الزرع، كانوا يركزون جهودهم على الصلاة لإله الزرع، ويتركون زرعهم تحت رحمته، أما عندما أصبحوا يؤمنون بأن جودة محاصيلهم تتوقف على ما يبذلونه من جهد فإن نشاطهم تحوَّل من الصلاة لإله الزرع إلى رعاية الأرض وتعهُّد النبات، وهكذا يؤدي تغيير طريقة التفكير النظري في الأشياء إلى تغيير طريقة التعامل مع هذه الأشياء، ومن هنا كان لا بد للمثاليين أن يؤدوا تصرفاتٍ مخالفةً للطريقة التي نفكر بها في موقفنا الطبيعي إزاء العالم الخارجي، وإذا سئل أحد من المثاليين عن ذلك ستكون الإجابة هي أن التعامل مع العالم الخارجي مستحيل إلا على أساس الموقف الطبيعي، إذًا من هنا يمكن القول: إن فكرة المثالية مجرد لغة أخرى لا تؤثر في صورة العالم الفعلية أدنى تأثير؛ فمثلًا "باركلي" يعرف أن إنكار الوجود الخارجي المطلق للأشياء مع الاعتراف بأن الأشياء من حيث حقيقتها وواقعيتها، ستظل كما هي، ومما يؤيد القول بأن المثالية موقف تفسير لا يغير شيئًا من محتوى المعرفة البشرية بالعالم الخارجي، ظاهرة تهرب كثير من المثاليين من مذهبهم وحرصهم على إخفاء الوجه المثالي لذلك المذهب والظهور بمظهر مخالف للحقيقة.

 

وإذا كانت المثالية لغةً أو تفسيرًا لا يمس محتوى المعرفة، بل يمس شكلها فحسب، ولا يؤثر في تعاملنا الفعلي مع الأشياء، فإن هذا يتضمن نقد اتجاهين:

1. الاتجاه القائل: إن المثالية تؤدي إلى نوع جديد من المعرفة بالأشياء.

2. الاتجاه القائل: إنها تعوقنا عن معرفة الأشياء.

 

أما بالنسبة إلى الاتجاه الأول، فمن الواضح أن تعاملنا مع الأشياء سيظل على ما هو عليه، سواء أكنت مثاليًّا أم ماديًّا، كما يقول المؤلف، ولن تجد فرقًا بين صاحب المذهب المثالي وصاحب المذهب المادي في نظرته إلى الشمس والبحر والجبل.

 

وأما الرد على أصحاب الاتجاه الثاني، كما يقول المؤلف، فإن المثالية من حيث هي نظرية في معرفتنا، فإنها لن تعوقنا عن معرفة شيء، وهي لا تنكر أي موضوع من موضوعات العالم، ولكنها تفسره بلغة مختلفة فحسب، إن وقوفنا ضد المثالية كان لسبب هو أنها تقدم تفسيرًا يتناقض مع سلوك الإنسان الفعلي.


المثالية والإنسان

تبين من خلال الفصل السابق: أن المثالية لا تؤثر في تصرف الإنسان مع العالم الخارجي، ولكنها نتائج عملية هامة من حيث سلوك الإنسان الأخلاقي وتعامله مع بقية الناس.

 

وبالنسبة لتجاهل العالم الخارجي الذي نادت به المثالية، فلا بد من أن تكون هناك قوة معنوية هي التي تدفع الإنسان إلى تجاهل ميله الطبيعي إلى معاملة العالم الخارجي على أنه خارجي بالفعل، وتجعله يقول بمثل هذا المذهب الذي يتعارض تطبيقه العملي في مجال المعرفة، مع إمكان تعامل الإنسان مع العالم ومع بقية الأذهان فلا بد أن هناك نوعًا من الأخلاق أو من النظرة إلى الناس هي التي تدفع الإنسان إلى القول بهذا المذهب، ويبدو أن لها صلةً بالزهد واحتقار العالم المادي، وقد ضرب المؤلف أمثلة تؤيد هذا القول.

 

فبدأ بـ: "أفلاطون"؛ حيث إنه يظهر عنده ارتباط القول بمثالية المعرفة، بنزعة أخلاقية ومعنوية معينة، يمكن وصفها بالزهد، تحدث أفلاطون عن الحواس بوصفها شواهد غير دقيقة في اكتساب المعرفة، وذلك في حملته على الجسم، ودعوته إلى تخليص النفس من شروره؛ فالوجود الحقيقي للنفس هو في الفكر، إن التفكير المثالي النظري لم يكن إلا نتيجةً لمذهب أخلاقي أو اجتماعي معين، وإن الاحتقار المعنوي للحس والجسم قد تولد عنه محاولة نظرية للإقلال من شأن الحواس في المعرفة، وكذلك حال "ديكارت" حين يعرض شكه، فإنه يورد عبارة "رأيت أنني أستطيع أن أتصور نفسي بغير بدن"، وهذه لا تفسر عند ديكارت إلا على وجود رأي مثالي سابق ذي طبيعة أخلاقية ومعنوية، ينطوي عليها الإقلال من شأن الجسم إلى الحد الذي يتيح التفكير في استبعاده.

 

خاتمة هامة

نظرية المعرفة والعلم

من الغريب أن تعالج النظريات الفلسفية الآن كما كانت تعالج في الزمن اليوناني، نستطيع أن نلتمس للفلاسفة اليونان القدماء العذر في ذلك؛ حيث كان الخلط بين الفكر العلمي والتفكير الفلسفي شائعًا دون أن ينتبه إليه أحد، ويمكن القول: إن هذا الخلط لا زال قائمًا إلى حد بعيد في وقتنا الحاضر على الرغم من الانفصال بينهما، ويكمن هذا الخلط في عدم إدراك الطبيعة الحقيقية للتفكير الفلسفي، وللتدليل على صحة هذا الرأي يقدم المؤلف لنا الملاحظات التالية:

1. إن المشكلات الفلسفية لها نوع من الثبات، وهي لا تتمثل في مشكلات أي فرع من فروع العلم؛ فالأسئلة التي كانت تحير "نيوتن" مختلفة عنها عند "داروين"، أما الأسئلة الفلسفية فتكاد تظل كما هي، باستثناء الأبحاث الفلسفية الجديدة، مثل: القيم، وعلم الجمال، أما أسئلة "أفلاطون" و"أرسطو" فلا تبدو غريبةً عند الفلاسفة المعاصرين، بل إن إجابات السابقين لها احترامها.

 

2. تؤدي الصفة السابقة إلى صبغ التطور الفلسفي بصيغة تختلف تمامًا عن التطور العلمي؛ فالتطور العلمي يقوم على أساس تراكمي، أما الفلسفة فإن مسارها ليس تراكميًّا على الإطلاق، ولا يمكن القول: إن التطور فيها من القديم إلى الجديد يتم بانتظام حسَب تسلسل منطقي، ولا يعني ذلك أن التاريخ لا قيمة له في الفلسفة، ولكن النتائج التي يتوصل إليها الفلاسفة ليست متكاملةً بالضرورةً، بل إن أي فيلسوف يستطيع أن يتخلى تمامًا عن جميع السوابق ويأتي بحل أو تحليل جديد للمشكلة دون أن يلومه أحد على تجاهل الحلول السابقة.

 

حجة الأحلام في نظرية المعرفة

يختم المؤلف كتابه بالحديث عن حجة الأحلام في نظرية المعرفة، ويناقش دورها كحجة في الشك الديكارتي، ويخلص فيها إلى القول: إن استخدام الأحلام للشك في المعرفة الحسية قديم مألوف في تاريخ الفلسفة، وحتى لو صح هذا الشك، فلا يمكن أن يُعَد اعتراضًا على صحة المعرفة بالحواس، فكل ما يؤدي إليه هذا النقد هو أننا لا نستطيع أحيانًا أن نتأكد إن كانت تجربتنا حسيةً أم لا، كما يذكر أن حجة الأحلام تنحصر في التكشيك في إمكان التفرقة بين الإدراك الحسي وإدراك الأحلام، وهذا يؤدي إلى القول بمثالية المعرفة؛ أي: القول إيجابيًّا بأن عالم الأحلام لا يتميز بالفعل عن عالم الواقع، ثم يتحدث المؤلف عن حجة الأحلام عند "باركلي" قائلًا: إنها تلعب دورًا هامًّا؛ لأنها في نظره دليل إيجابي على إمكان وجود إدراكات لا تقابلها أجسام خارجية.

 

ثم يذكر أن حجة الأحلام ليس لها من القوة ما يبدو للوهلة الأولى .. بل من الممكن تفنيدها من جميع جوانبها، ويقوم بتفنيدها من وجوه ثلاثة:

1. الوجه الأول: الشك في وجود عالم خارجي، وافترض سببًا داخليًّا للأحلام، وأنها ستجر وراءها حتمًا أفكارًا يقينية أخرى، إذًا فكيف علمنا أن هذا المصدر داخلي؟ إن معرفة ما هو داخلي تفترض مقدمًا معرفة ما هو خارجي.

 

2. الوجه الثاني: نقد الإدراك الحسي من حيث هو مصدر للمعرفة، وهذا يهدم نفسه بنفسه؛ لأن هذا القول يؤدي لأن تكون المعرفة مستمدةً من الذهن، لا من الحواس الصحيحة، لو سلم المرء بذلك لكان عليه أن يفترض أن الأحلام ينبغي أن تكون أدق من الإدراكات الحسية، والتناقض في الأحلام دليل على الخلط والاضطراب الذي ينتج كلما فقدَ الذهن صلته بالعالم الخارجي ولم يستعِنْ بالحواس في إدراكه.

 

3. الوجه الثالث: وهو الذي تغدو فيه الحجة جزءًا لا يتجزأ من النظرة المثالية الذاتية إلى العالم، ويعجز فيه الفيلسوف عن التمييز بين اليقظة والحُلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تلخيص كتاب (سقوط العلمانية)
  • تلخيص كتاب ( من معارك المسلمين في رمضان ) للدكتور عبدالعزيز العبيدي
  • تلخيص كتاب: قواعد في التعامل مع العلماء
  • تلخيص كتاب ( طفل يقرأ ) للدكتور عبدالكريم بكار
  • نبض الحب في تلخيص كتاب القراءة بالقلب
  • مناهج التعليم والاقتصاد المعرفي
  • وسائل المعرفة في الفكر الإسلامي

مختارات من الشبكة

  • عرض وتلخيص لكتاب (الستر على أهل المعاصي) للدكتور خالد بن عبدالرحمن الشايع(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • عرض وتلخيص كتاب: علم اللغة للدكتور حاتم الضامن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تلخيص كتاب "ماذا خسر العالم بوجود الكتاب المقدس؟"(مقالة - ملفات خاصة)
  • تلخيص أبي بكر الملا الأحسائي لكتاب الرحمة في الطب والحكمة لجمال محمد بن مهدي اليمني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب: دلالة الألفاظ - إبراهيم أنيس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص الفصل الخامس عشر: فيما تتوقف عليه الأحكام من كتاب: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون العقدية تلخيص الخطاب شرح حديث: "إنك تأتي أهل كتاب" (الجزء الثاني)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • منظومة إتحاف الطلاب والشيوخ بتلخيص كتاب رسوخ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب أحكام العيدين للفريابي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب