• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الرق عبر التاريخ الإنساني

الرق عبر التاريخ الإنساني
عبدالكريم السمك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/9/2014 ميلادي - 22/11/1435 هجري

الزيارات: 52443

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرق عبر التاريخ الإنساني


 

الرِّق لغةً واصطلاحًا:

الرِّق في اللغة: هو الضعف، ومنه رقة القلب، والضعف هنا ليس المقصود منه ضعفَ الجسد؛ فلربما وُجِد من العبيد من هم جسديًّا أقوى من الأحرار، والرِّق بكسر الراء من العبودية، واسترقَّ مملوكه: (أرقَّه)، وهو ضد أعتق مملوكه، والرقيق هو المملوك واحدًا وجمعًا.

 

وفي الاصطلاح: الرقيق أو - العبد - هو إنسان محروم من الأهلية، وهو مملوك لإنسان غيره، يتصرف فيه تصرُّفَه بملكه، فله أن يستخدمه ويؤجِّره ويرهنه ويبيعه ويهبه.

 

والرِّقُ وُجِد مع بدايات المجتمعات الإنسانية الأولى، حيث أوجده القويُّ على الضعيف؛ لتخليصه من الأعمال المتعبة له، ومن هنا كان الرق.

 

دواعي الكتابة عن الرق:

جاءت دواعي الكتابة عن الرِّق في الإسلام على شكل دراسة مقارنة، فيما بين الإسلام والحضارات الإنسانية الأخرى، في قديمها ووسيطها وحاضرها، بقصد بيان مكانة الإنسان في الإسلام، ومن جانب آخر كثرة الحملات المشبوهة ضد الإسلام في هذه القضية، على يد علماء ومفكري ومستشرقي الغرب، إضافةً لقساوسة الكنائس، ففي مثل هذا الموضوع قلَّ أن تجد كاتبًا غربيًّا كتب عن العرب والمسلمين إلا وتطاول عليهم في هذه المسألة، مُتناسِينَ بذلك صورةَ سوق الأفارقة كرقيق إلى أمريكا والحال الذي نُقِلوا فيه.

 

وفي المقابل قلَّما تجد واحدًا من علماء المسلمين - بعموم علومهم - إلا وتكلم عن تكريم الإنسان في الإسلام، ومنهم العبيد، منها من كانت كتابته ردًّا على الشبهات، ومنها ما كان بيانًا بسمو رسالة الإسلام في معالجته لهذه القضية، فالأسود والأبيض، والحر والعبد: أمام الشريعة سواء، وعتق الرِّقاب هو سَنامُ الأمر في الإسلام.

 

ومن أشد الناس هجومًا على الإسلام، كان الكاردينال الفرنسي (لافيجري)، وكان قد ألقى محاضرة في كنيسة (سان لوبيس) الباريسية، وذلك سنة 1888م، بحضور جمعٍ كبير من المثقفين والمفكرين، وكان ممن حضرها وسمع هجومه على الإسلام ورسالته في قضية الرِّق: الأستاذ أحمد شفيق أمينُ سرِّ ناظر الخارجية المصرية، الذي كان موجودًا يومَها في باريس، فآلمه ما سمعه من (لافيجري)، وكتب عليه ردًّا علميًّا صدَر في كتاب باللغة الفرنسية، واستأذنه في تعريبه يومها والتعليق عليه العلَّامة أحمد زكي، وجاءت تعليقاته متمِّمةً للرد، فجاء الكتاب في عدد صفحاته في حدود المائة وخمس وعشرين صفحة.

 

وقد نال الرد القبول في الأوساط العلمية، وممن أثنى على الردِّ المسيو (مسيمر) رئيس أساقفة الإرسالية الفرنسية في مصر سابقًا، وقد جاء تعليقه في جريدة (المؤيد) المصرية لصاحبها الشيخ علي يوسف، في العدد (514) الصادر في 28 محرم لسنة 1309 هـ - 2 / 9 / 1891 م، حيث يقول (مسيمر) هذا، والمشهود له بسَعَة علمه: "لقد أفحمتَ خَصمَك، وإن الحق في جانبك"، وقال معلِّقًا على الكتاب: "هذا الكتاب الجليل النفيس هو من أحسن وأفضل ما صنِّف في الدفاع عن الديانة الإسلامية، التي قام الكاردينال لافجيري وأشياعُه باتهامها بأنها هي التي تدعو إلى النخاسةِ، وتوصي أهلَها بارتكاب الفظائع والقبائح التي يرويها عن أواسط إفريقيا".

 

ومن هنا جاءت دواعي الكتابة عن هذه المسألة؛ لدفع الاتهامات وردِّها على أهلها، وهم الغربيون، الذين تسلطوا على القرار الأممي اليوم، فوَسَمُوا هذا العصر الذي نعيشه، بأبشع صور الظلم والقهر على الشعوب الضعيفة والفقيرة، ما يفوق أزمنة العبودية والاسترقاق.

 

الرِّق في الحضارات القديمة والوسطى:

وكما سبق في التعريف الاصطلاحي، فإن الاسترقاق عرَفَتْه جميع الحضارات القديمة، كواقع اجتماعي، فرضه واقع الانقسام المجتمعي، منذ نشأة هذه المجتمعات التي كوَّنتْ شعوبًا وأممًا وحضارات، فجميع الحضارات القديمة شهدت وجود الرقيق، ففي الهند القديمة والحديثة حددت شريعة (مانو) البرهمية درجة (السودرا)، وهم يماثلون الرقيق الذين هم من الطبقة (الدنيئة)، ويماثلهم اليوم في الهند طبقة (المنبوذين)، ويماثلها في ذلك الحضارة الفارسية وحضارات العراق القديمة والرومان واليونان والإغريق، فمدينة أثينا التاريخية كان عدد سكانها عشرين ألفًا، وكانت تسترق أكثر من أربعمائة ألف، وكلما انتصرت في حرب على خصومها، زاد عندها عدد العبيد.

 

هذا، ولم ينكر فلاسفة اليونان في مجتمعاتهم مسألة الرقيق، فكان أفلاطون يقول: "إن الله يسلب الرجل نصف عقله متى وقع في الرِّق".

 

ويقول أرسطو: "إن الطبيعة أوجدت رجالاً للأمر والسيطرة، وآخرين للطاعة والخضوع، فالعبيد خُلِقوا للخضوع، ويجب على الأحرار أن يستكثروا من العبيد ليستخدموهم في الأعمال اليدوية الشاقة، وينصرفوا هم للأعمال الفكرية"، ثم يمضي فيقول عن الرقيق: "آلة ذات روح أو متاع قائمة به الحياة"، ثم قسم الجنس البشري قسمين، وهما: (الأحرار، والأرِقَّاء).

 

لم يكن واقع الاسترقاق في الديانتين اليهودية والنصرانية بأحسن حالاً، فاليهود يرون في الاسترقاق ضربًا من ضروب الثروة والثراء، إضافة إلى كونه شكلاً من أشكال التجارة، وحال الرِّق في النصرانية لا يَقِلُّ شأنًا ولا مكانة عن واقع الرِّق في المجتمعات الإنسانية واليهودية، ويبدو أن الكاردينال (لافيجري) وغيره من أبناء مدارس الاستشراق، يغضُّون الطرف عن واقع الرِّق في عقائدهم، ولا يرون إلا بعين واحدة، بقصد النيل من الإسلام في هذه المسألة.

 

فقد أوصى (بولس) الأرقَّاء بطاعة مواليهم؛ لأن ذلك من تعاليم السيد المسيح عليه السلام - حسب قوله - وكل من جاء بعد بولس نهجوا على منواله، ومنهم (توماس الأكويني) المشهور الذي قال: "إن الطبيعة خصصت بعض الناس ليكونوا أرقَّاء"، والشواهد كثيرة عند هؤلاء عندما ربطوا الرِّق بالعقيدة النصرانية، وقد أقرَّ الأب (فوردينيه) رئيس دير الروح القدس في الاسترقاق، وأنه من تعاليم الديانة المسيحية، وذلك في كتاب نشره سنة 1835 م بتصديق من المجلس الديني في روما، وقد أثبت المسيو (باتريس لاروك) في كتابه الذي عنونه بـ (الكلام عن الاسترقاق عند الأمم النصرانية)، المطبوع في باريس سنة 1864 م، (أن الديانة العيسوية لم تحرِّم الاسترقاق نصًّا، ولم تلغه عملاً)، وأيَّد قوله بنصوص مكتوبة في الديانة النصرانية، وقد ذكرها كاملة، وقال (بيير لاروس) صاحب المعجم الكبير في القرن التاسع عشر، والمطبوع في باريس 1870 م، الجزء السابع، الحرف (E)، الصفحة 857 العمود 2 الفقرة (2): "لا يَعجَب الإنسان من بقاء الاسترقاق واستمراره بين المسيحيين إلى اليوم، فإن رجال الديانة الرسميِّين، يقرُّون بصحته، ويسلِّمون بمشروعيته"، وهكذا نلاحظ أن العقيدة النصرانية قد أقرَّت الاسترقاق دينيًّا، ويتعذر على الباحث بعد هذه القرائن، أن يجد سعيًا عند هؤلاء القوم لإبطال قضية الرِّق في ديانتهم التي هيَّأت السبيل لاستعباد الأفارقة الأحرار، ونقلهم إلى العالم الجديد - أمريكا بشمالها وجنوبها - على يد أبناء الغرب النصراني.

 

وعندما سقطت الإمبراطورية الرومانية، فقد ظهر على الساحة الأوروبية مجتمعات العصر الوسيط، وقد شكلت هذه المجتمعات كيانات سياسية حديثة، كالأنجلو سكسون، والجرمان، والقوط، والبلغار، واللومبارديين – سكان شمال إيطاليا، والغاليين – غالة هي فرنسا – وغاليا اليوم هي أمام جبال الألب – إيطاليا الشمالية – فجميع هذه المجتمعات التي كانت النَّواة الأولى لتشكيل أوروبا السياسية في العصور الوسطى والحديثة، قد ورِثت من المجتمعات التي قامت على أنقاضها شرعيةَ الاسترقاق، بل ازدادت سوءًا عن أسلافها، في كلا المجتمعين الروماني واليوناني، ولعل رجال الدين النصارى هم من سوَّغوا شرعية تجارة الرِّق لنقلهم إلى الأمريكيتين، بعد استعمارهما من قبل دول الغرب الأوروبي، وقد اشترك الجميع في نقل الأفارقة ليحلُّوا محل الهنود الحُمْرِ سكان أمريكا الأصليين، كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا والبرتغال، وكان الإنكليز أكثرهم نشاطًا في تجارة الرِّق.

 

ولا زالت نظرة الاستعلاء والتكبر في الولايات المتحدة على أبناء العِرق الأسود، من قبل ذوي الأصول السكسونية، على الرغم من أنهم أبناء وطن واحد، ولا يغيب عنا قصة الحرب الأهلية الأمريكية بين الجنوب والشمال، التي كان من أسبابها رفض الجنوبيين منح الحرية للعبيد، بعد أن منحهم إيَّاها الشماليُّون، وذلك بعد تشكيل الحزب الجمهوري الأمريكي سنة 1840 م ومُضيِّه في محاربة الرِّق والقضاء عليه.

الحروب مصدر الرقيق:

تعتبر الحروب هي مصدر الرِّق الأول ومنبعه في سائر العهود الإسلامية، فقد قيدته الشريعة بقيدين:

الأول: أن تكون الحرب قانونيةً ونظامية.

والثاني: أن تكون الحرب مع القوم الكافرين.

 

قال الله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا – على صيغة الأمر والإلزام - الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾  [التوبة: 29]، في هذه الآية تمييز بين الوثنيين والكتابيين؛ ولذلك فالمسلمون قبل أن يفتحوا بلدًا كانوا يبعثون إليها بالرسل للتداول في شأن الصلح، وأمورهم – أي المسلمين – واحدة في كل فتح لبلد من البلدان، فكانوا يخيِّرونهم بين الجزية وأن يبقوا على عقيدتهم، وهم في حماية المسلمين، أو الدخول في الإسلام - سلموا وجنبوا أنفسهم ويلات الحرب ونتائجها - وفي معظم البلاد كان أهالي البلاد يستقبلون المسلمين برضًا وطيب خاطر، ولا يغيب عنا الصورة التي استلم فيها الخليفة عمر بن الخطاب القدس الشريف وأمَّن أهل الكتاب على عقائدهم وعباداتهم - فالسيف يفتح أرضًا، ولا يفتح قلبًا - وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا؛ بسبب ما وجدوه في سماحة الإسلام، ولا يغيب عنا عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - في رسالته التي أرسلها لعامله الجرَّاح بن عبدالله الحكمي، عندما أرسل يستشيره في مسألة دخول أهالي بلاد ما وراء النهر في الإسلام وسقوط الجزية عنهم، فقال له: "إن الله أرسل محمدًا داعيًا، ولم يرسله جابيًا".

 

فتلك هي صورة وطبيعة حروب المسلمين، التي حددت غاياتها في نشر رسالة الإسلام وليس استعباد الناس، بعد أن حدد الإسلام شروط الاستعباد، ولا يغيب عنا مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران، مع إطلاق الحرية لهم في معتقدهم، وكذلك ما ذهب إليه عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما فتح مصر، فقد وجد أقباطُ مصر الحرية والعدل في كنف المسلمين، أكثر مما وجدوه في كنف أبناء عقيدتهم الروم.

 

العتق في القرآن الكريم والسنة النبوية:

القرآن هو مصدر التشريع الأول في الإسلام، ويليه في هذا الأمر السنة النبوية الشريفة، فكلا المصدرين قد اعتنَيَا بقضية الرِّق عناية خاصة، فاقت غيرها من القضايا التشريعية، من باب تكريم الإنسان الذي كرمه الله في كتابه الكريم، فقد مضت الشريعة بتقييد القيود في مسألة الاسترقاق، فكانت القاعدة الأصولية التالية، التي حرمت استعباد مولود مسلم من أبوين حرَّيْن، فلا يجوز استرقاقه بأي حال من الأحوال، وقد تم حصر أكثر من مائتين وأربع وثلاثين آية في كتاب الله كلها تخص الرق، منها ما كان في نكاح الإماء، ومنها ما كان في التعامل بالرفق واللين معهم، ومنها ما كان بالعتق لهم وتحريرهم، وكلها معنية بأحكام الرِّق على أنهم من خَلْق الله، فمن نماذج العتق قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ [النساء: 92].

 

وكثيرة هي الأبواب التي خصَّها الشرع الإسلامي لعتق الرقاب، أما في السنة النبوية فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((من أعتق رقبةً مؤمنة، أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار))، وعن البراء بن عازب قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دُلَّني على عمل يقرِّبُني من الجنة ويبعدني عن النار، فقال: ((أَعتقِ النفس أن تنفرد بعتقِها، وفَكُّ الرقبة أن تعين في ثمنها))، وكتب السنة أفردت أحاديث العتق لكثرتها في السنة النبوية في أبواب وفصول خاصة فيها.

 

وقد استند الفقهاء إلى المكانة التي خص بها الشرع الشريف الرقيقَ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأدب والتعامل الحسن مع المملوك، فقال: ((مَن لَطَم مملوكَه، أو ضربه، فكفارته عتقُه))، وفي مذهب أبي حنيفة أن الحر يُقتَلُ بالعبد، وهناك وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة ضرب العبد حيث يقول: ((اضرب عبدك إذا عصى الله، واعفُ عنه إذا عصاك)) أو كما قال، ومن آداب النبوة مع الأرقَّاء: عن أبي هريرة أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَقُل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقُلْ: فتاي، وفتاتي، وغلامي))؛ لأن العبودية لله وليست للبشر.

 

المساواة في رسالة الإسلام:

إن من أسمى وجوه الحضارة الإسلامية أنها جاءت ببعدها الإنساني، فنقلت الإنسانية من أجواء الحقد والكراهية والتَّفْرقة والعصبية، إلى أجواء الحب والتسامح والتعاون والتساوي أمام الله، ولدى القانون، تساويًا لا أثر فيه لاستعلاء عِرق على عِرق، أو فئة على فئة، أو أمَّة على أمَّة، وقد تجلَّى ذلك في الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، وفي الحديث: ((كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب))، فتلك هي النَّزْعَة الإنسانية في تشريعنا الحضاري، وخير مثال على صورة هذه النزعة العظيمة: هو ما تمثِّله الصلاة والحج وسائر العبادات، حيث يتساوَى فيها الجميع.

 

ضرب الإسلام أروع الأمثلة في المساواة ومحاربة العنصرية في قلب المجتمع الإسلامي، فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه، يؤمِّرُه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جيش فيه خيار الصحابة، وهذا بلالٌ الحبشيُّ يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتليَ الكعبة، ويؤذِّنَ على ظهرها - وهي القِبلة المعظَّمة في الإسلام - وقد عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر عندما قال لبلالٍ: يا بن السوداء، فقال له: ((إنك امرُؤٌ فيك جاهلية، أعيَّرتَه بسوادِ أُمه؟!)).

 

وهذا حد الفصل بين الجاهلية والإسلام، وفي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امرأة سوداء كانت تقوم على نظافة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تراكم بعض الأوساخ في المسجد، فسأل عن المرأة التي كانت تقوم على نظافة المسجد، فقالوا له: إنها ماتت، فقال: ((دلوني على قبرها))، فذهب فصلى على قبرها صلى الله عليه وسلم.

 

ويوم فتح مصر أرسل عمرو بن العاص عُبادةَ بن الصامت رضي الله عنه إلى المقوقس حاكم مصر - وكان ذا بشرة سوداء، وكان طويل القامة مُهابًا عند من يراه - فهابه المقوقس - لشدة سواده - وقال: نَحُّوا عني هذا الأسودَ، فقال الوفد المرافق: هذا الأسود أفضلُنا رأيًا وعلمًا، وهو سيدنا والمقدَّمُ علينا، ورأيُنا من رأيه، وهنا تقدَّم عبادة قائلاً للمقوقس: إن في جيشنا ألفَ أسودَ، وهم أكثرُ سوادًا مني.

 

فتلك هي حضارة الإسلام التي أذابت الفروق بين اللون والنسب، ولا فضل بين الفريقين إلا بالتقوى.

 

وهذا عبدالملك بن مَرْوان عندما يأتي حاجًّا، يأمر بأن لا يُفتي في الناس أحد غير عطاء بن رباح، إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها، ومن أوصاف عطاء - رحمه الله - أنه كان أسودَ، وأعورَ، وأفطسَ الأنف، أشلَّ وأعرجَ، مُفلفلَ الشعر، كان إذا جلس في حلقته العلمية بين الآلاف من تلاميذه، بدا كأنه غراب أسود في حقل قطن أبيضَ، هذا الإنسان بما فيه من عاهات بدنية، جعلته حضارتنا إمامًا يرجع الناس إليه في الفتوى، ومدرسةً تتلمذ على يديه فيها آلاف العلماء، وإضافة لسُمُوِّ مكانته علميًّا؛ فقد كان صاحب منزلة عند خليفة المسلمين.

 

وقد عرفت حضارتنا من أصحاب البشرة السوداء من لم يَحُلْ سوادُهم بينهم وبين الخلفاء والحكام، بسبب سمو مكانتهم في علومهم، فهذا الزيلعي عثمان بن علي شارح الكنز في الفقه الحنفي، والحافظ جمال الدين أبو محمد الزيلعي 762 هـ مؤلف نصب الراية، وكلاهما من زيلع الحبشية، وهما أسودان، حظِيَا بالتكريم والتقدير، ولا يغيب عنا كافور الإخشيدي حاكم مصر - رحمه الله - ذلك العبد الأسود الذي خلَّده المتنبي في مدحه وهجائه.

 

وفي عهد عمر بن عبدالعزيز (100 هـ) شكَتْ له امرأة سوداء تُسمَّى (فرتونة)، بأن لها حائطًا قصيرًا، وكان سببًا لسرقة دجاجاتها، فأرسل عمر لواليه على مصر طالبًا منه أن يصلح لها الحائط ويحصن لها بيتها.

 

فتلك هي صورة الإسلام في تكريمه للإنسان في حالة كونه مملوكًا، وتكريمه في مجتمعه عندما يكون حرًّا، وصلى الله وسلم على نبي الإسلام الذي قال: ((سلمان منا آل البيت))، وفي حديث آخر: ((لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى)).

 

وفي المملكة العربية السعودية التي تدين بالإسلام شريعة ومِنهاجًا، كان لمشروع الملك فيصل - رحمه الله - الإصلاحي صدًى عظيمٌ عندما بلور حقوق الإنسان الذي أقرَّته منظمة الأمم المتحدة في ثلاثين مادة، فجمعه الملك فيصل في عشر مواد، العاشرة منها جاءت على تحرير العبيد ومنع الاسترقاق منعًا مطلقًا، وجاء ذلك في بيان يوم الثلاثاء 9 جمادى الثانية 1382 هـ 6 نوفمبر 1962 م، في أول اجتماع وزاري ألقى فيه الفيصل - رحمه الله - بيانه هذا.

 

لتحميل المادة PDF إضغط هنا





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من ذاكرة التاريخ
  • التاريخ في مهب الريح
  • التاريخ.. مفاجآت وعبر
  • الإسرائيليون عرفوا نوعين من الاسترقاق
  • حث الإسلام على العتق
  • الرق الخفي

مختارات من الشبكة

  • الرق عبر التاريخ الإنساني (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • الإسلام يدعو إلى تحرير العبيد من الرق وكفل للإنسان حق الحرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ورق على ورق! (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الرد على فرية أن الإسلام يدعو إلى الرق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضييق الإسلام لروافد الرق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الرق عند اليونان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الرق في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرق: شبهة يلعب بها أعداء الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منظمة تعيد البشرية إلى عصور الرق والعبودية!(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • الإسلام محرر العبيد "التاريخ الأسود للرق في الغرب"(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب