• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم

الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم
د. عادل الغرياني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2014 ميلادي - 19/11/1435 هجري

الزيارات: 122701

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فهذه وريقات عن شخصية من سلفنا الصالح وأجدادنا الكرام "لقمان هذه الأمة أبو عبدالرحمن حاتم الأصم رحمه الله تعالى"، جمعت أخباره وأقواله بدون تعليق كيلا أشتت ذهن القارئ، ويعنى بها الخطيب والداعي إلى الله؛ فهي إشارات على الطريق تنير لنا الظلمات، فما أجملَ الأقوالَ عندما تصدقها الأفعال! جعلنا الله من الذين يقولون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون، اللهم تقبلنا واستعملنا ولا تستبدلنا.

وصل اللهم على سيدنا محمد وآله

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


اسمه ونسبه

حاتم بن علوان (عنوان) بن يوسف:

أبو عبدالرحمن، وقيل: أبو محمد، الزاهد الأصم، أحد أتباع الإمام الأعظم، وأحد أعلام الأئمة، وصلحاء هذه الأمة، كان مشهورًا بالزهد والتقلل، معروفًا بالورع والتقشف، وله كلام مدون في الزهد والحكم، وأسند الحديث عن شقيق بن إبراهيم البلخي، وشداد بن حكيم، وعبدالله بن المقدام، ورجاء بن محمد الصاغاني.

 

روى عنه: حمدان بن ذي النون، ومحمد بن فارس البلخيان، ومحمد بن مكرم الصفار.

 

وصحب عصام بن يوسف البلخي الإمام، وكان بينهما مباحث ومناظرات، وأهدى إليه عصام مرة شيئًا فقبله، فقيل له: لِمَ قبلته؟ فقال: وجدت في أخذه ذلي وعزه، وفي ردي عزي وذله، فاخترت عزه على عزي، وذلِّي على ذله.

 

وكان أبو بكر الوراق، يقول: حاتم الأصم لقمان هذه الأمة.

 

أخباره وأحواله

لم سمي بالأصم؟!

والسبب في تسميته بالأصم: أن امرأة جاءت إليه تسأله عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها في تلك الحالة صوت، فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك، وأراها من نفسه أنه أصم، فسُرَّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فغلب عليه اسم الأصم.

 

كن عند سيدك:

وذكر عن حاتم أنه قال: لقينا الترك مرة، وكان بيننا جولة، فرماني تركي بوهق فأقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته، وقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكينًا ليذبحني بها، فوحقِّ سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، أنظر ماذا ينزل به القضاء منه، فقلت: سيدي، قضيت عليَّ أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك، فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري، آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه، فأخذت السكين من يده فذبحته، فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لا ترون من الآباء والأمهات.

 

وروي أن رجلًا جاء إليه، فقال: يا أبا عبدالرحمن، أي شيءٍ رأس الزهد، ووسط الزهد، وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص.

 

عزلته عن الناس وفصاحته (مع الملوك):

يحكي الرياشي قائلاً: قيل للرشيد: إن حاتمًا الأصم قد اعتزل الناس في قبة منذ ثلانين سنة، لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا، ولا يكلمهم إلا عند مسألة لا بد له من الجواب، لعله لبس به قد ورثته إياه الوحدة، وقيل: إنه عاقل، فقال: سأمتحنه، فندب له أربعة: محمد بن الحسن، والكسائي، وعمرو بن بحر، ورجلاً آخر أحسبه الأصمعي، فجاؤوا حتى وقفوا تحت قبته، ونادى أحدهم: يا حاتم، يا حاتم، فلم يجبهم حتى قيل: بحق معبودك إلا أجبتنا، فأخرج رأسه وقال: يا أهل الحيرة، هذه يمين مؤمن لكافر وكافر لمؤمن، لم خصصتموني بالمعبود دونكم؟ ولكن الحق جرى على ألسنتكم؛ لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله، فقال أحدهم: ما علمك بأنا خدام الرشيد؟ قال: من لم يرضَ من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره، ولا يد عليَّ من الرشيد وأشباهه، فقال له عمرو بن بحر: لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: صدقت، ولكن بينهم سلاطين الجَور يفتنونا عن ديننا؛ فالتخلي منهم أولى، قال: فعلامَ وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك؟ قال: علمت أن القليل من الرزق يكفيني، فأقللت الحركة في طلبه، وأن فرضي لا يُقبَل إلا مني فأنا مشغول بأدائه، وأن أجلي لا بد يأتيني فأنا منتظر له، وأني لا أغيب عن عين مَن خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له، ثم رد باب القبة وحلف ألا يكلمهم، فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه.

 

• قال حاتم الأصم: إنما بيني وبين الملوك يوم واحد؛ فأما أمس فلا يجدون لذته، وإني وإياهم في غد لعلى وجل، وإنما هو اليوم، وما عسى أن يكون في اليوم!

 

لا تغشى الملوك ولا تخشاهم:

• ودخل بعض الأمراء على حاتم الأصم فقال له: ألك حاجة؟ قال نعم، قال: وما هي؟ قال: ألا تراني ولا أراك، ولا تعرفني.

 

• مع العلماء:

وقدم حاتم مدينة بغداد في أيام أبي عبدالله أحمد بن حنبل، واجتمع معه.

 

حكى عنه أبو عبدالله الخواص، وكان من علية أصحابه، قال: لما دخل حاتمٌ بغداد، اجتمع إليه أهلها، فقالوا له: يا أبا عبدالرحمن، أنت رجل عجمي، ليس يكلمك أحد إلا قطعته، لأي معنى؟! فقال حاتم: معي ثلاث خِصال، بها أظهر على خصمي.

 

فقالوا: أي شيءٍ هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن له إذا ما أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه.

 

فبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: سبحان الله، ما أعقله من رجل!

وحدث أبو جعفر الهروي، قال: كنت مع حاتم أراد الحج، فلما وصل إلى بغداد، قال لي: يا أبا جعفر، أحب أن ألقى أحمد بن حنبل.

 

فسألنا عن منزله، ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب، فلما خرج قلت: يا أبا عبدالله، أخوك حاتم.

 

قال: فسلم عليه، ورحب به، وقال بعد بشاشةٍ به: أخبرني يا حاتم، فيمَ التخلص من الناس؟ قال: يا أحمد، في ثلاث خصال.

 

قال: وما هي؟ قال: أن تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم شيئًا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدًا منهم حقًّا لك، وتحتمل مكروههم، ولا تكره أحدًا منهم على شيء.

 

قال: فأطرق أحمد ينكت بأصبعه على الأرض، ثم رفع رأسه، وقال: يا حاتم، إنها لشديدة.

فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم.

وقال له رجل: بلغني أنك تجوز المفاوز من غير زاد.

فقال حاتم: بل أجوزها بالزاد، وإنما زادي فيها أربعة أشياء.

 

قال: وما هي؟ قال: أرى الدنيا كلها ملكًا لله، وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء الله نافذًا في كل أرض.

 

فقال له الرجل: نعم الزاد زادك يا حاتم، أنت تجوز به مفاوز الآخرة، فكيف مفاوز الدنيا؟! وقال: رضي الله عنه: خرجت في سفر ومعي زاد، فنفِد زادي في وسط البرية، فكان قلبي في البرية والحضر واحدًا.

 

• وروي أن عصام بن يوسف مر بحاتم الأصم، وهو يتكلم في مجلسه، فقال له: يا حاتم، تُحسن تصلي؟ قال: نعم، قال: كيف تُصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأقف بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالترتيل، وأركع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالوقار والسنة، وأسلمها إلى الله تعالى بالإخلاص، وأرجع إلى نفسي بالخوف ألا يقبلها مني، وأحفظ بالجهد إلى الموت، فقال له: تكلم، فأنت تحسن تصلي.

 

بنت حاتم:

قال ابن الجوزي: بلغنا أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم، فاستسقى ماءً، فلما شرب رمى إليهم شيئًا من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة، فإنها بكت، فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى؟!

 

وروي أن شقيقًا البَلْخي قال لحاتم الأصم: ما الذي تعلمت مني منذ صحبتني؟ قال: ستة أشياء:

الأول: رأيت الناس كلهم في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، فعلمت أني من جملة الدواب، فلم أشغَلْ نفسي بشيءٍ قد تكفل لي به ربي، قال: أحسنت.

 

والثاني: رأيت أن لكل إنسان صديقًا يفيء إليه بسره، ويشكو إليه أمره، فاتخذت لي صديقًا يكون لي بعد الموت، وهو فِعلُ الخير.

 

والثالث: رأيت لكل أحدٍ من الناس عدوًّا، فقلت: أنظر من عدوي! فرأيت من اغتابني أو أخذ من مالي أو ظلمني فليس عدوي، ولكن عدوي إذا كنت في طاعة الله تعالى أمرني بمعصيته، فرأيت أن ذلك إبليس اللعين وجنوده، فاتخذتهم أعداءً، ووضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، وفوقت سهمي، ولا أدع أحدًا منهم يقربني، قال: أحسنت.

 

والرابع: رأيت كل واحدٍ من الناس له طالب، فرأيت أن ذلك الطالب ملَك الموت، ففرغت نفسي له، حتى إذا جاء بادرت معه بلا علاقة، قال: أحسنت.

 

والخامس: نظرت في الخلق، فأحببت واحدًا وأبغضت واحدًا، فالذي أحببته لم يعطِني شيئًا، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئًا، فقلت: من أين أتيت؟ فنظرت، فإذا هو الحسد، فنفيتُه عني، وأحببت الناس كلهم، فكل شيءٍ لم أرضَه لنفسي لم أرضَه لهم، قال: أحسنت.

 

والسادس: رأيت كل واحد من الناس له بيت يسكنه ويأوي إليه، فرأيت مسكني القبر، فكل شيءٍ قدرت عليه من الخير قدمتُه لنفسي، حتى أعمر قبري؛ فإن القبر إذا كان خرابًا لا يمكن المقام فيه.

 

فقال له شقيق: يكفيك، ولست بمحتاج إلى غيره.

وقال: الزاهد يُذيب كيسه قبل نفسه، والمتزهد يذيب نفسه قبل كيسه، ولكل شيءٍ زينةٌ، وزينة العبادة: الخوف، وعلامة الخوف: قِصَرُ الأمل.

 

وقال - رحمه الله تعالى - ما ينبغي أن يُكتب بماء الذهب، وهو: لا تغترَّ بموضع صالح؛ فلا مكان أصلح من الجنة، لقي فيها آدم عليه الصلاة والسلام ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة؛ فإن إبليس بعد طول تعبُّده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يُحسن اسم الله الأعظم، فانظر ما لقي، ولا تغتر برؤية الصالحين، فلا شخص أكبر ولا أصلحُ من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تنتفع بلقائه أقاربُه، وصاروا أعداءه.

 

وعن أبي عبدالله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبدالرحمن حاتم الأصم إلى الرَّي، ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلًا يريدون الحج، وعليهم الصوف والرزمانقات، وليس فيهم من معه طعام ولا جِراب، فنزلنا على رجل من التجار متنسك يحب الصالحين، فأضافنا تلك الليلة، فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبدالرحمن، ألك حاجة؛ فإني أريد أن أعود فقيهًا لنا وهو مريض؟ فقال حاتم: إن كان لكم فقيهٌ عليل، فعيادة الفقيه فيها فضل كثير، والنظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضًا أجيء معك.

 

وكان المريض محمد بن مقاتل، قاضي الري، فقال: مر بنا يا أبا عبدالرحمن، فجاؤوا إلى باب داره، فإذا البواب كأنه أمير مسلط، فبقي حاتم متفكرًا يقول: باب دار عالم على هذه الحال؟! ثم أذن لهم فدخلوا، وإذا بدارٍ قوراء، وآلهٍ حسنة، وبزة وفرش وستور، فبقي حاتم متفكرًا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، وإذا بفراش حسن وطيءٍ ممهد، وهو راقد عليه، وعند رأسه خدمه، والناس وقوف.

 

فقعد الرازي وسأل عن حاله، وبقي حاتم قائمًا، وأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده: اجلس.

فقال حاتم: لا أجلس.

فقال له محمد بن مقاتل: فلك حاجة؟ فقال: نعم.

فقال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها.

قال: سلني.

قال حاتم: قُم فاستوِ جالسًا حتى أسألك عنها.

فأمر غلمانه فأسندوه.

فقال له حاتم: علمك هذا، من أين جئت به؟ فقال: حدثني به الثقات.

قال: عمن؟ قال: عن الثقات من الأئمة.

قال: عمن أخذوه؟ فقال: عن التابعين.

قال: والتابعون، عمن أخذوه؟ فقال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمن أخذوه؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم، عمن أخذه؟ قال: عن جبريل عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل.

 

فقال له حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم، وأداه أصحابه إلى تابعيهم، وأداه التابعون إلى الأئمة، وأداه الأئمة إلى الثقات، وأداه الثقات إليك، هل سمعت: أن من كانت داره في الدنيا أحسن، وفراشه أجمل، وزينته أكثر، كانت له المنزلة عند الله تعالى أعظم؟ فقال: لا.

 

قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت: من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدم لآخرته، كان له عند الله تعالى المنزلة أكثر.

 

قال حاتم: فأنت بمن اقتديت، بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بالتابعين من بعدهم، والصالحين على أثرهم، أو بفرعون ونمرود، أول من بنى بالجص والآجُر؟

 

يا علماء السوء، مثلكم إذا رآه الجاهل المتكالب على الدنيا، الراغب فيها، يقول: إذا كان هذا العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرًّا منه.

 

قال: ثم خرج من عنده، وازداد محمد بن مقاتل مرضًا على مرضه من كلامه.

 

وبلغ أهلَ الرَّي ما جرى بين حاتم وبين أبي مقاتل، فقالوا لحاتم: يا أبا عبدالرحمن، إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين، أكبر سنًّا من هذا، وهو غريق في الدنيا.

 

قال: فصار حاتم إليه متعمدًا، ودخل عليه وعنده الخلق مجتمعون يحدثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمي، جئتك لتعلمني مبتدأ دِيني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناءً فيه ماء.

 

فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضأ ثلاثًا، ثم قال له: هكذا فاصنع.

قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضأ بين يديك؛ ليكون آكد لما أريد.

فقام الطنافسي، وقعد حاتم مكانه فتوضأ، وغسل وجهه ثلاثًا، حتى إذا بلغ الذراع غسله أربعًا.

فقال له الطنافسي: يا هذا، أسرفتَ.

فقال له حاتم: فيمَ أسرفتُ؟ قال: غسلت ذراعك أربعًا.

 

فقال له حاتم: سبحان الله تعالى! أنا أسرفت في كف من الماء، وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف! فعلم الطنافسي أنه قصد منه ذلك، ولم يرد أن يتعلم منه شيئًا، فدخل إلى البيت، ولم يخرج إلى الناس أربعين يومًا.

 

وكتب تجار الري إلى بغداد بما جرى بين حاتم وبين محمد بن مقاتل، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ثم رحل حاتم إلى العراق، ودخل بغداد، واجتمع بعلمائها كما تقدم في أوائل الترجمة.

 

ثم خرج إلى الحِجاز، فلما صار إلى المدينة الشريفة، أحب أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ.

قال: قصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطئة.

فقال حاتم: يا قوم، هذه مدينة فرعون.

قال: فلببوه وذهبوا به إلى الوالي، فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون.

 

فقال له الوالي: لم قلت ذلك؟ فقال له حاتم: لا تعجل عليَّ أيها الأمير، أنا رجل غريب، دخلت هذه المدينة، فسألت: أي مدينة هذه؟ فقالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأين قصر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ، قلت: فقصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطئة، وسمعت الله تعالى يقول: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، فأنتم بمن تأسيتم؛ برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟ فخلوا عنه، وعرفوا أنه حاتم الأصم، وعلموا قصده.

 

وكان كلما دخل المدينة يكون له مجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث ويدعو، فاجتمع إليه مرة علماء المدينة، وقالوا: تعالوا نخجله في مجلسه، كما فعل بنا عند الوالي.

 

فحضروا عنده وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال له واحد: يا أبا عبدالرحمن، مسألة.

 

قال: سَلْ.

قال: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني؟!

قال حاتم: متى طلب هذا العبد الرزق من ربه عز وجل، في الوقت، أو قبل الوقت، أو بعد الوقت؟ فقالوا: يا أبا عبدالرحمن، ليس نفهم عنك هذا.

 

فقال حاتم: أنا أضرب لكم مثلًا حتى تفهموه، مثل العبد طلب الرزق من ربه تعالى قبل الوقت كمثل رجل كان له عند رجل دَين، فطالبه به، وقعد يلازمه، فاجتمع جيرانه وقالوا له: هذا رجل معدم، لا شيء له، فأجله في هذا الحق حتى يحتال ويعطيك، فقال لهم: كم تريدون أؤجله؟ قالوا: شهرًا، فتركه وانصرف، فلما كان بعد عشرة أيام جاء واقتضاه، فقام جيرانه فقالوا: سبحان الله! أجلته بين أيدينا شهرًا، ثم جئت تقتضيه بعد عشرة أيام، فتركه وانصرف، فلما كان محل الشهر جاء فاقتضاه، فقال الجيران: إنما حلَّ لك اليوم، دعه إلى بعد المحل ثلاثًا، فهذا مثل العبد الذي يطلب الرزق من ربه عز وجل.

 

ثم قال: عندكم أثاث، ودراهم في أكياسكم، وطعامكم في بيوتكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا، فقد رزقكم، كلوا وأطعموا إخوانكم المؤمنين، حتى إذا فني أقيموا بعده ثلاثًا، ثم سلوا ربكم عز وجل، عسى أن يموت أحدكم غدًا وعنده ما يخلف على الأعداء، وهو يسأل الله أن يزيده في رزقه، ما هذه الغفلة؟ فقالوا: نستغفر الله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا بالمسألة إلا إعناتك، ثم انصرفوا عنه.

 

جهاده:

أقواله

الضحى صلاة الأوابين الأبرار:

1 - أخبرنا أبو الحسين، محمد بن محمد بن أحمد المؤذن، حدثنا محمد بن الحسين بن علي، حدثنا محمد بن الحسين بن علويه، حدثنا يحيى بن الحارث، حدثنا حاتم بن عنوان الأصم، حدثنا سعيد بن عبدالله الماهياني، حدثنا إبراهيم بن طهمان بنيسابور، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنسٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((صلِّ صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأبرار، وسلِّم إذا دخلتَ بيتك، يكثُرْ خيرُ بيتك)).

 

احرص على أربعة أشياء "رباعيات":

• وروى الخطيب بسنده إلى الحسن بن علي العابد، أنه قال: سمعت حاتمًا الأصم، وقد سأله سائل: على أي شيءٍ بنيت أمرك؟ فقال: على أربع خصال، على أني لا أخرج من الدنيا حتى أستكمل رزقي، وعلى أن رزقي لا يأكله غيري، وعلى أن أجلي لا أدري متى هو، وعلى أني لا أغيب عن الله تعالى طرفة عين.

 

2 - عن حاتم الأصم، أنه قال: من دخل في مذهبنا هذا، فليجعل في نفسه أربع خصالٍ من الموت: موتٌ أبيض، وموتٌ أسود، وموتٌ أحمر، وموتٌ أخضر: فالموت الأبيض: الجوع، والموت الأسود: احتمال أذى الناس، والموت الأحمر: مخالفة النفس، والموت الأخضر: طرح الرقاع بعضها على بعضٍ.

 

3 - سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت عبدالله بن بكر الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد البغدادي، قال: حدثنا عبدالله بن سهل، قال: سمعت حاتمًا الأصم يقول: "من أصبح وهو مستقيمٌ في أربعة أشياء، فهو يتقلب في رضا الله: أولها: الثقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة".

 

• قال حامد اللفاف: قال حاتمٌ: "اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياءٍ، والأخذ بغير طمعٍ، والعطاء بغير منةٍ، والإمساك بغير بخلٍ".

 

• وبه قال حاتم: "أربعةٌ يندمون على أربعة: المقصِّر إذا فاته العمل، والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبةٌ، والممكِّن منه عدوه بسوء رأيه، والجريء على الذنوب".

 

• وقال حاتم الأصم: إن الله عز وجل يحتج يوم القيامة على الخلق بأربعة أنفس على أربعة أجناس: على الأغنياء بسليمان، وعلى الفقراء بالمسيح، وعلى العبيد بيوسف، وعلى المرضى بأيوب صلوات الله عليهم.

 

التوبة:

قال حاتم الأصم: التوبة: أن تتنبه من الغفلة، وتذكر الذنب، وتذكر لطف الله، وحكم الله، وستر الله، إذا أذنبت لم تأمن الأرض والسماء أن يأخذاك، فإذا رأيت حُكمه رأيت أن ترجع من الذنوب مثل اللبن إذا خرج من الضرع لا يعود إليه، فلا تعُد إلى الذنب، كما لا يعود اللبن في الضرع، وفعل التائب في أربعة أشياء، أن تحفظ اللسان من الغيبة والكذب والحسد واللغو، والثاني: أن تفارق أصحاب السوء، والثالث: إذا ذكر الذنب تستحيي من الله، والرابع: تستعد للموت.

 

وعلامة الاستعداد: ألا تكونَ في حال من الأحوال غير راضٍ من الله، فإذا كان التائب هكذا يعطيه الله أربعة أشياء، أولها: يحبه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، ثم يخرج من الذنب كأنه لم يذنب قط؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))، والثالث: يحفظه من الشيطان، لا يكون له عليه سبيل، والرابع: يؤمنه من النار قبل الموت؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، ويجب على الخلق أربعة أشياء: ينبغي لهم أن يحبوا هذا التائب كما يحبه الله تعالى، ويدعوا له بالحفظ، ويستغفروا له كما تستغفر له الملائكة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]... إلخ، ويكرهوا له ما يكرَهون لأنفسهم، والرابع: أن ينصحوا للتائب كما ينصحون لأنفسهم.

 

• وبإسناده، قال شقيقٌ: "تفسير التوبة: أن ترى جرأتك على الله، وترى حلم الله عنك".

 

تعجل في الخير:

• وقال حاتمٌ: كان يقال: العجلة من الشيطان إلا في خمسٍ:

إطعام الطعام إذا حضر ضيفٌ؛ وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البِكر إذا أدركت، وقضاء الدَّين إذا وجَب، والتوبة من الذنب إذا أذنب".

 

علامة الثقة بالرزق:

• قال حامد اللفاف: سمعت حاتمًا الأصم، يقول: "الواثق من رزقه من لا يفرح بالغنى، ولا يهتم بالفقر، ولا يبالي أصبح في عسرٍ أو يسرٍ".

 

طريق المعرفة:

• قال حاتمٌ: "يعرف الإخلاص بالاستقامة، والاستقامة بالرجاء، والرجاء بالإرادة، والإرادة بالمعرفة".

• قال حاتمٌ: "لكل قولٍ صدقٌ، ولكل صدقٍ فعلٌ، ولكل فعل صبرٌ، ولكل صبرٍ حسبةٌ، ولكل حسبةٍ إرادةٌ، ولكل إرادةٍ أثرةٌ".

 

أصل الطاعة:

• قال حاتم: "أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء، والحب، وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكِبْر، والحرص، والحسد".

 

كيف تدعو وتصحب الناس؟

• وبه قال حاتمٌ: "النصيحة للخلق، إذا رأيت إنسانًا في الحسنة، أن تحثه عليها، وإذا رأيته في معصيةٍ أن ترحمه".

 

• قال أبو تراب الزاهد: سمعت حاتمًا الأصم يقول: قال لي شقيق البلخي: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها، واحذَرْ أن تحرقك.

 

• قال حاتمٌ: "عجبت ممن يعمل بالطاعات، ويقول: إني أعمله ابتغاء مرضاة الله، ثم تراه أبدًا ساخطًا على الله، رادًّا لحكمه، أتريد أن ترضيه ولست براضٍ عنه؟! كيف يرضى عنك، وأنت لم ترضَ عنه؟!".

 

• قال حاتمٌ: "إذا أمرت الناس بالخير، فكن أنت أولى به وأحق، واعمل بما تأمر، وكذا بما تنهى".

 

أنواع الجهاد:

14 - وبه قال حاتمٌ: "الجهاد ثلاثة: جهادٌ في سرك، مع الشيطان حتى تكسره، وجهادٌ في العلانية، في أداء الفرائض حتى تؤديَها كما أمر الله، وجهادٌ مع أعداء الله في غزو الإسلام".

 

أنواع الشهوة:

15 - وبه قال حاتم: "الشهوة ثلاثةٌ: شهوةٌ في الكلام، وشهوةٌ في النظر؛ فاحفظ الأكل بالثقة، واللسان بالصدق، والنظر بالعبرة".

 

• وبه قال حاتم: "العباء عَلَمٌ من أعلام الزهد؛ فلا ينبغي لصاحب العباء أن يلبس عباءً بثلاثة دراهم ونصف وفي قلبه شهوةٌ بخمسة دراهم، أما يستحي من الله أن تجاوز شهوةُ قلبه عباءه؟!".

 

حب الدنيا:

16 - وبإسناده، قال حاتمٌ: "من فُتح عليه شيءٌ من الدنيا، فلم يتحرَّ الخلاص منه، ولم يعمل في إخراجه، فقد أظهر حب الدنيا".

 

تلبيس إبليس:

17 - قال حامد اللفاف: سمعت حاتمًا الأصم، يقول: "ما من صباحٍ إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل؟ وما تلبَس؟ وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبَس الكفن، وأسكن القبر".

 

18 - وبإسناده، قال رجل لحاتم: "ما تشتهي؟" قال: "أشتهي عافية يومي إلى الليل! فقيل له: أليست الأيام كلها عافيةً؟! فقال: إن عافية يومي ألا أعصيَ الله فيه".

 

الزم خدمة مولاك ولا تعصه:

19 - وبه قال حاتم: "الزم خدمة مولاك تأتِك الدنيا راغمةً، والجنة عاشقةً".

• وقال رجل لحاتم: "عظني"، فقال: "إن كنتَ تريد أن تعصي مولاك، فاعصِه في موضعٍ لا يراك".

 

القلوب:

20 - وبه قال حاتم: "القلوب خمسة: قلب ميت، وقلب مريض، وقلب غافل، وقلب متنبه، وقلب صحيح سالم".

 

الصدقة:

وقال حاتم: إذا تصدقت بالدراهم فإنه ينبغي لك خمسة أشياء: أما واحد فلا ينبغي لك أن تعطي وتطلب الزيادة، ولا ينبغي لك أن تعطي من ملامة الناس، ولا ينبغي لك أن تمن على صاحبه، ولا ينبغي لك إذا كان عندك درهمان فتعطي واحدًا تأمن هذا الذي بقي عندك، ولا ينبغي لك أن تعطي تبتغي الثناء، وقال: مثلهما مثل رجل يكون له دار فيها غنم له، وللدار خمسة أبواب، وخارج الدار ذئب يدور حولها، فإن أخذت أربعة أبواب وبقي واحد دخل الذئب وقتل الغنم كلها، وهكذا إذا تصدقت وأردت من هذه الخمسة الأشياء شيئًا واحدًا فقد أبطلت الصدقة.

 

• وسئل حاتم الأصم: لأي شيء لا نجد ما وجده المتقدمون؟ فقال: لأنكم فاتكم خمسة أشياء: المعلم الناصح، والصاحب الموافق، والجهد الدائم، والكسب الحلال، والزمان المساعد.

 

ثلاثيات:

21 - وبه قال حاتم: "تعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت، فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا سكنت فاذكر علم الله فيك".

 

• وقال حاتم: الشهوة في ثلاث؛ في الأكل، والنظر، واللسان؛ فاحفظ اللسان بالصدق، والأكل بالثقة، والنظر بالعبرة.

• وقال حاتم: أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف والرجاء والحسب، وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر والحرص والحسد.

 

22 - وبه قال حاتم: "من ادعى ثلاثًا بغير ثلاثٍ فهو كذاب: من ادعى حب الله من غير ورعٍ عن محارمه، فهو كذاب.

ومن ادعى حب الجنة، من غير إنفاق ماله، فهو كذاب.

ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقر، فهو كذاب".

 

• قال حامد اللفاف: سمعت حاتمًا الأصم، يقول: سمعت شقيق بن إبراهيم يقول: "العاقل لا يخرج من هذه الأحرف الثلاثة:

الأول: أن يكون خائفًا لما سلف منه من الذنوب.

والثاني: لا يدري ما ينزل به ساعةً بعد ساعة.

والثالث: يخاف من إبهام العاقبة، لا يدري ما يختم له".

 

• وبه قال شقيق: "تعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذه، ومنعه، وكلامه".

• قال حاتم: وأنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء: إلى المعرفة، وإلى الثقة، وإلى التوكل، فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه، فإذا علمت أن ذلك عدل منه، فإنه لا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس، أو تهتم، أو تسخط، ولكنه ينبغي لك أن ترضى وتصبر، وأما الثقة فالإياس من المخلوقين، وعلامة الإياس: أن ترفع القضاء من المخلوقين، فإذا رفعت القضاء منهم استرحت منهم، واستراحوا منك، وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لا بد لك أن تتزين لهم وتتصنع لهم، فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم، وقد وقعوا في أمر عظيم، وتصنع فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم، وأما التوكل فطمأنينة القلب بموعود الله تعالى، فإذا كنت مطمئنًّا بالموعود استغنيت غنًى لا تفتقر أبدًا، قال حاتم: والزهد اسم، والزاهد الرجل، وللزهد ثلاث شرائع، أولها: الصبر بالمعرفة، والاستقامة على التوكل، والرضاء بالعطاء، فأما تفسير الصبر بالمعرفة فإذا أنزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله عز وجل يراك على حالك، وتصبر وتحتسب، وتعرف ثواب ذلك الصبر، ومعرفة ثواب الصبر: أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر، وتعلم أن لكل شيء وقتًا، والوقت على وجهين، إما أن يجيء الفرج، وإما أن يجيء الموت، فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر، وأما الاستقامة على التوكل، فالتوكل إقرار باللسان وتصديق بالقلب، فإذا كان مقرًّا مصدقًا أنه رازق لا شك فيه فإنه يستقيم، والاستقامة على معنيين، أن تعلم أن شيئًا لك، وشيئًا لغيرك، وأن كل شيء لك لا يفوتك، والذي لغيرك لا تناله ولو احتلت بكل حيلة، فإذا كان مالُك لا يفوتك فينبغي لك أن تكون واثقًا ساكنًا، فإذا علِمت أنك لا تنال ما لغيرك فينبغي لك ألا تطمع فيه، وعلامةُ صدق هذين الشيئين أن تكون مشتغلاً بالمعروض، وأما الرضا بالعطاء فالعطاء ينزل على وجهين، عطاء تهوى أنت، فيجب عليك الشكر والحمد، وأما العطاء الذي لا تهوى فيجب عليك أن ترضى وتصبر.

 

• قال حاتم الأصم: الرياء على ثلاثة أوجه، وجه الباطن، ووجهان الظاهر، فأما الظاهر فالإسراف والفساد؛ فإنه جوز لك أن تحكم أن هذا رياء لا شك فيه؛ فإنه لا يجوز في دين الله الإسراف والفساد، وأما الباطن فإذا رأيت الرجل يصوم ويتصدق، فإنه لا يجوز لك أن تحكم عليه بالرياء؛ فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.

 

• قال أبو تراب: قال حاتم: إذا رأيتم من الرجل ثلاث خصال، فاشهدوا له بالصدق، إذا كان لا يحب الدراهم، ويسكن قلبه بهذين الرغيفين، ويعزل قلبه من الناس.

 

الزهد:

أبو تراب الزاهد، قال: جاء رجل إلى حاتم الأصم، فقال: يا أبا عبدالرحمن، أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص.

 

اتَّقِ الرياء:

• وقال حاتم: لا أدري أيهما أشد على الناس، اتقاء العجب أو الرياء! العجب داخل فيك، والرياء يدخل عليك، العجب أشد عليك من الرياء، ومثَلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور، وكلب آخر خارج البيت، فأيهما أشد عليك؟ الداخل معك أو الخارج؛ فالداخل العُجب، والخارج الرياء.

 

• قال حاتم الأصم: الرياء على ثلاثة أوجه، وجه الباطن، ووجهان الظاهر، فأما الظاهر فالإسراف والفساد؛ فإنه جوز لك أن تحكم أن هذا رياء لا شك فيه؛ فإنه لا يجوز في دين الله الإسراف والفساد، وأما الباطن فإذا رأيت الرجل يصوم ويتصدق، فإنه لا يجوز لك أن تحكم عليه بالرياء؛ فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.

 

حزن لك وحزن عليك:

• قال أبو تراب: قال حاتم الأصم: الحزن على وجهين، حزن لك، وحزن عليك؛ فأما الذي عليك فكل شيء فاتك من الدنيا فتحزن عليه، فهذا عليك، وكل شيء فاتك من الآخرة وتحزن عليه فهو لك، تفسيره: إذا كان معك درهمان فسقطا منك وحزنت عليهما، فهذا حزن للدنيا، وإذا خرجت منك زلَّة أو غِيبة أو حسد أو شيء مما تحزن عليه وتندم فهو لك.

 

الرزق:

• وعن حاتمٍ الأصم: رزقك مثل ظلك، إن طلبتَه تباعد، وإن تركته تتابع.

 

الزهد:

• وقال حاتم الأصم: الزاهد يذهب كيسه قبل نفسه، والمتزهد يذهب نفسه قبل كيسه، قيل: جعل الله الشر كله في بيتٍ، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيتٍ، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.

 

• وبإسناده، قال: سمعت شقيقًا يقول: "احذر ألا تهلك بالدنيا ولا تهتم؛ فإن رزقك لا يعطى لأحدٍ سواك".

 

استعد للموت:

• قال: وسمعت شقيقًا يقول: "استعد، إذا جاءك الموت لا تسأل الرجعة".

• قال حاتم الأصم: لكل شيء زينة، وزينة العبادة الخوف، وعلامة الخوف قصر الأمل.

• وقال حاتم الأصم: من مر بفناء القبور ولم يتفكر في نفسه ولم يدعُ لهم، فقد خان نفسه وخانهم.

• وقال حاتم الأصم: لا تغترَّ بموضع صالح؛ فلا مكان أصلح من الجنة، فلقي آدم فيها ما لقي، ولا تغترَّ بكثرة العبادة؛ فإن إبليس بعد طول تعبُّده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم، فانظر ماذا لقي! ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبرُ من المصطفى، فلم ينتفع بلقائه أقاربه وأعداؤه.

 

التوكل:

• قال: سمعت شقيقًا يقول: "التوكل: أن يطمئن قلبُك بموعود الله".

 

• قال: سمعت شقيقًا وسئل: "بأي شيءٍ يعرف الرجل أنه أصاب القلة؟"، قال: "بأن كل شيءٍ يأخذ من الدنيا، يأخذه في حالٍ، يخاف - إن لم يأخذه - أن يأثم".

 

• قال: وسمعت شقيقًا وسئل: "بأي شيء يعرف الفقير أنه أصاب من الله تعالى حفظ الفقر؟"، قال: "بأن يخشى من الغنى، ويغتنم الفقر".

 

مع القرآن:

• قال: وسمعت شقيقًا يقول: "عملت في القرآن عشرين سنة، حتى ميَّزت الدنيا من الآخرة، فأصبتُه في حرفين، وهو قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [القصص: 60].

 

• وبإسناده قال شقيق: "من لم يعرف الله بالقدرة، فإنه لا يعرفه، قيل: وكيف يعرفه بالقدرة؟ فقال: يعرف أن الله قادر، إذا كان معه شيء أن يأخذ منه، ويعطيه غيره، وإذا لم يكن معه شيء أن يعطيه".

 

• وبه قال شقيق: "من أراد أن يعرف معرفته بالله، فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس، بأيهما قلبه أوثقُ".

 

• قال: وقال شقيق: "ميز بين ما تعطي وتعطى: إن كان من يعطيك أحب إليك، فإنك محب للدنيا، وإن كان من تعطيه أحب إليك، فإنك محبٌّ للآخرة".

 

• قال: وقال شقيق: "من خرج من النعمة، ووقع في القلة، ولا تكون القلة عنده أعظم من النعمة، وقع في غمين: غم في الدنيا، وغم في الآخرة، ومن خرج من النعمة، ووقع في القلة، وكانت القلة أعظم عنده من النعمة التي خرج منها، كان في فرحين: فرحٍ في الدنيا، وفرحٍ في الآخرة".

 

• قال: وقال شقيق: "اتق الأغنياء؛ فإنك متى عقدت قلبك معهم، وطمِعت فيهم، فقد اتخذتهم أربابًا من دون الله عز وجل".

 

• قال: وسئل شقيق: "بأي شيءٍ يعرف بأن العبد اختار الفقر على الغنى؟"، قال: "يخاف أن يصير غنيًّا، فيحفظ الفقر بالخوف، كما كان من قبل يخاف أن يصير فقيرًا، فيحفظ الغنى بالخوف".

 

• قال: وسئل: "بأي شيء يعرف بأن العبد واثق بربه؟"، قال: يعرف بأنه إذا فاته شيء من الدنيا يحسبه غنيمة، وإذا أبطأ عليه شيء من الدنيا يكون أحب إليه من أن يأتيه".

 

• قال: وقال شقيق: "إن حفظ الفقر أن ترى الفقر منَّةً من الله عليك، حيث لم يضمنك رزق غيرك، ولم ينقصك مما قسم لك".

 

• وبإسناده، قال شقيق: "ليس شيء أحبَّ إليَّ من الضيف؛ لأن رزقه ومؤنته على الله، ولي أجره".

 

• وبإسناده، قال شقيق: "طهِّرْ قلبك من حب عروض الدنيا، حتى يدخل فيه حب الآخرة، وثواب الله عز وجل".

• وبه قال: "من لم يكن معه ثلاثة أشياء، لا ينجو من النار: الأمن، والخوف، والاضطراب".

• وبه قال: "الصبر والرضا شكلان، إذا تعمدت في العمل فإن أوله صبر، وآخره رضا".

• وبه قال: "إذا أردتَ أن تكون في راحةٍ، فكُلْ ما أصبت، والبَسْ ما وجدت، وارضَ بما قضى الله عليك".

• قال: "وقال شقيق: من دار حول العلو، فإنما يدور حول النار، ومن دار حول الشهوات، فإنه يدور بدرجاته في الجنة ليأكلها، وينقصها في الدنيا".

• وبإسناده قال شقيق: "جعل الله أهل طاعته أحياءً في مماتهم، وأهل المعاصي أمواتًا في حياتهم".

 

يقينه:

• قال أبو تراب: سمعت حاتمًا يقول: لي أربع نسوة، وتسعة أولاد، ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في أرزاقهم.

 

• وقال رجل لحاتم الأصم: بلغني أنك تجُوز المفاوز من غير زاد، فقال حاتم: بل أجوزها بالزاد، وإنما زادي فيها أربعة أشياء، قال: وما هي؟ قال: أرى الدنيا كلها ملكًا لله، وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله، والأسباب والأرزاق بيد الله، وأرى قضاء الله نافذًا في كل أرض لله، فقال له الرجل: نعم الزاد زادك يا حاتم، أنت تجوز به مفاوز الآخرة.

 

وقال حاتم: جعلت على نفسي إن قدمت مكة أن أطوف حتى أنقطع، وأصلي حتى أنقطع، وأتصدق بجميع ما معي، فلما قدمتُ مكة صليت حتى انقطعت، وطُفْتُ كذلك، فقوِيتُ على هاتين الخصلتين، ولم أقوَ على الأخرى.

 

العلم والعمل:

• وقال حاتم الأصم رحمه الله: ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علمًا فعملوا به ولم يعمل هو به، ففازوا بسببه وهلك هو.

 

• عن حاتم الأصم - تلميذ شقيق البلخي رضي الله عنهما - أنه قال له شقيق: منذ كم صحبتني؟ قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة، قال: فما تعلمت مني في هذه المدة؟ قال: ثمان مسائل، قال شقيق له: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل؟ قال: يا أستاذ، لم أتعلم غيرها، وإني لا أحب أن أكذب، فقال: هاتِ هذه الثماني مسائل حتى أسمعها، قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبًا، فهو مع محبوبه إلى القبر، فإذا وصل إلى القبر فارَقه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي، فقال: أحسنت يا حاتم، فما الثانية؟ فقال: نظرت في قول الله عز وجل: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق، فأجهدتُ نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى، الثالثة: أني نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله؛ ليبقى عنده محفوظًا، الرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب، فنظرتُ فيها فإذا هي لا شيء، ثم نظرت إلى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريمًا، الخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضًا، وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الزخرف: 32]، فتركت الحسد واجتنبت الخلق، وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى، فتركت عداوة الخلق عني، السادسة: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضًا، فرجعت إلى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، فعادَيْتُه وحده، واجتهدت في أخذ حذري منه؛ لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي، فتركت عداوة الخلق غيره، السابعة: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة، فيذل فيها نفسه، ويدخل فيما لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، فعلمت أني واحدٌ من هذه الدواب التي على الله رزقُها، فاشتغلت بما لله تعالى عليَّ، وتركت ما لي عنده، الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق - هذا على ضيعته، وهذا على صحة بدنه - وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فتوكلت على الله عز وجل؛ فهو حسبي، قال شقيق: يا حاتم، وفقك الله تعالى؛ فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، فوجدت جميع أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل، فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة.

 

الصلاة:

ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه: أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، أظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبِّر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشُّع، وأقعد على الورك الأيسر، وأفرش ظهر قدمها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟

 

• وقال حاتم الأصم: فاتتني مرة صلاة الجماعة، فعزَّاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان؛ لأن مصيبةَ الدِّين عند الناس أهونُ من مصيبة الدنيا.

 

الحذر في الأقوال:

قال حاتم الأصم لحامد اللفاف: كيف أنت في نفسك؟ قال: سالم معافًى، فكرِه حاتم جوابه وقال: يا حامدُ، السلامة من وراء الصراط، والعافية في الجنة.

 

المؤمن والمنافق:

• وقال حاتم الأصم: المؤمن مشغول بالفكر والعبر، والمنافق مشغول بالحرص والأمل، والمؤمن آيسٌ من كل أحد إلا من الله، والمنافق راجٍ كلَّ أحد إلا الله، والمؤمن آمنٌ كل أحد إلا من الله، والمنافق خائف من كل أحد إلا من الله، والمؤمن يقدِّم ماله دون دِينه، والمنافق يقدم دِينه دون ماله، والمؤمن يحسن ويبكي، والمنافق يسيء ويضحك، والمؤمن يحب الخَلوة والوَحدة، والمنافق يحب الخلطة والملأ، والمؤمن يزرع ويخشى الفساد، والمنافق يقلع ويرجو الحصاد، والمؤمن يأمر وينهى للسياسة فيصلح، والمنافق يأمر وينهى للرياسة فيفسد.

 

• حاتم الأصم قال لي شقيق البلخي: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها، واحذر أن تحرقك.

 

حاتم قال: سمعت شقيقًا يقول: مثل المؤمن كمثل رجل غرس نخلة وهو يخاف أن تحمل شوكًا، ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكًا وهو يطمع أن يحصد تمرًا، هيهات! كل من عمل حسنًا فإن الله لا يجزيه إلا حسنًا، ولا ينزل الأبرار منازل الفجار.

 

• قال حاتم: "المنافق ما أخذ من الدنيا يأخذ بالحرص، ويمنع بالشك، وينفق بالرياء، والمؤمن يأخذ بالخوف، ويمسك بالسنَّة، وينفق لله خالصًا في الطاعة".

 

نجاة من النار:

قال حاتم الأصم: قال شقيق: لو أن رجلاً أقام مائتي سنة لا يعرف هذه الأربعة أشياء لم ينجُ من النار إن شاء الله: أحدها معرفة الله، والثاني معرفة نفسه، والثالث معرفة أمر الله ونهيه، والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه، وتفسير معرفة الله أن تعرف بقلبك أنه لا يعطي غيرُه، ولا مانع غيره، ولا ضار غيره، ولا نافع غيره، وأما معرفة النفس أن تعرف نفسك أنك لا تنفع ولا تضر، ولا تستطيع شيئًا من الأشياء، بخلاف النفس، وخلاف النفس أن تكون متضرِّعًا إليه، وأما معرفة أمر الله تعالى ونهيه فأن تعلم أن أمر الله عليك، وأن رزقك على الله، وأن تكون واثقًا بالرزق، مخلصًا في العمل، وعلامة الإخلاص ألا يكون فيك خصلتان؛ الطمع والجزع، وأما معرفة عدو الله فأن تعلَمَ أن لك عدوًّا لا يقبل الله منك شيئًا إلا بالمحاربة، والمحاربة في القلب أن تكون محاربًا مجاهدًا متعبًا للعدو.

توفي حاتم الأصم على جبل واشجرد سنة 237

 

انظر ترجمته:

"طبقات الأولياء"، و"النجوم الزاهرة"، الأعلام للزركلي - المستفاد من ذيل تاريخ بغداد - الطبقات السنية في تراجم الحنفية: التقي الغزي، طبقات الصوفية أبو عبدالرحمن السلمي، حلية الأولياء، وطبقات السلمي، وشذرات الذهب، وعبر الذهبي، وصفة الصفوة، وتاريخ بغداد، وفَيات الأعيان، بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية) الاستعداد للموت، سير أعلام النبلاء، إحياء علوم الدين، الكبائر، صفة الصفوة، التبر المسبوك، المنتظم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدرس الأهم في قصة حاتم الأصم ( خطبة )

مختارات من الشبكة

  • الجبل الأسود: حفاظ من مصر في مساجد الجبل الأسود(مقالة - المسلمون في العالم)
  • جبل العربية الأشم انصدع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصف الجبل في ديوان مراكب ذكرياتي للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ندى والجبل (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مناقب معاذ بن جبل رضي الله عنه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • متى يتشقق الجبل؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • أقزام تتطاول على شمس الأعلام البخاري الأشم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حفل تنصيب رئيس المشيخة الإسلامية في دولة الجبل الأسود(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفسير: (إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حافة الجبل(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- رحم الله حاتم الأصم
ismail mohamed - مصر 06-06-2020 06:58 PM

هذا العابد العالم الزاهد الذي أنار بكلماته ومواقفه العملية أنار الطريق لكل من أراد الهداية سواء من العلماء أو العامة لأنه في مواقفه كان لا يخاف في الله لومة لائم
لكن هل حاتم الأصم ليس له مؤلفات أو كتب وإنما هي مواقف فقط
لو أن هناك مؤلفات نأمل الإشارة إلى ذلك
جزاكم الله خير الجزاء

1- عبر وعظات
غانم محمد احمد محمدزين كبيش - جمهورية السودان 20-05-2018 01:00 AM

مااعظمها من عبر وعظات لا سيما فى هذا الزمان الذى استحوذت فيه الدنيا والهوى فالكتاب عظة وعبرة لمن له قلب ووبصر وسمع .فجزى الله المؤلف خير الجزاء.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب