عرض كتاب : النكت الوفية بما في شرح الألفية

عرض كتاب

النكت الوفية بما في شرح الألفية

صدر قريبًا عن مكتبة الرشد، كتاب "النكت الوفية بما في شرح الألفية"؛ لبرهان الدين البقاعي، تحقيق د. ماهر الفحل، عن أربع نسخ خطية.

وهذا الكتاب إنما هو نتاج الحافظ ابن حجر، جمعه ورتَّبه تلميذُه النجيب البقاعي، وأضاف إليه، حتى خرَج بهذه الحلَّة الطَّيِّبة المباركة.

وقد صرح البقاعي نفسه في أول مقدمته بذلك فقال: قيدتُ فيها ما استفدتُه من تحقيق شَيْخنا شيخ الإسلام، حافظ العصر، أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني، ثم المصري الشافعي، قاضي القضاة بالدِّيار المصرية، أيام سماعي لبحْثها عليه، بارك الله في حياته، وأدام عموم النفْع ببركاته، سمَّيْتها: "النكت الوفية بما في شرح الألفية"، واعلم أن ما كان منها من بحثي صدرته في الغالب بـ: قُلْت، وختمته بـ: قولي، والله أعلم.

ومن يطالع الكتاب لأول وهلة يجد أن ما لم يصدره بـ: قُلتُ، أكثر بكثير مما صدره بـ: قُلْت، مما يدلنا على أن غالب الكتاب منقول عن لسان الحافظ ابن حجر، زيادة على النصوص الكثيرة التي صرَّح فيها بالنقل عنه.

كما أن البقاعي قدَّم الاعتذار عما قد يوجد في كلامه من خطأ بقوله:

"فإن ظفرت بمخالفة لشيء من ذلك عمَّن هو أوثق مني، فقد علمتَ عذري، وأما الاعتذار عن شيخنا فهو أن النقل حالة المذاكرة قد يتساهل فيه، والله الموفق".

دراسة كتاب النكت الوفية:

مِنْ أكثر الشُّروح أصالة في مادَّته العلمية، وأوفرها إغناء لجوانب البحث العلمي، فقد حوى الكتابُ الكثيرَ من النقول لأئمة هذا الفن وعمده، فاستغني بها، وأجاد وأفاد، مع الأصالة التامَّة، والإبداع الفائق، والأسلوب الرصين، حتى أصبح هذا الكتاب من المراجع الجليلة لعلم مصطلح الحديث، ولا غنية لطالب العلم عنه.

ولا ريب أنه لا حفظ لكتاب عن الخطأ والتحريف والتصحيف، خلا كتاب الله تعالى، فمن البدهي أن يعتريَ هذا الجهدَ البشري، الذي لا يخلو من نقص جبلت عليه فطرة الناس.

وغالبُ مادة الكتاب من الحافظ ابن حجر؛ لكنه بتعبير البقاعي، أخذه من شيخه الحافظ ابن حجر في الدرس، وبعضه على سبيل المذاكرة والسؤال.

ولم يكن البقاعي يملك بعض الكُتُب عند تأليفه هذا الكتاب، من ذلك أنه كان يستخدم مِن اختصار علوم الحديث لابن كثير نقولات بعض أصحابه.

وكان البقاعي كثير الاعتماد على شيخه الحافظ ابن حجر في نقولاته في بعض الأشياء من بعض كتبه، وربما قلَّده أحيانًا في بعض الغلط، وكان عليه في بعض الأحيان أن يرجع إلى المصادر الأصليَّة.

ولم تكن عناية البقاعي مقصورة على تأليف الكتاب فحسب؛ بل إنه درَّس الكتاب وقُرئ عليه، كما كتب هو ذلك نفسه وبخطه على نسخة أوقاف بغداد.

ألف البقاعي هذا الكتاب في حياة الحافظ ابن حجر، انظر دليل ذلك 1/130، وكذلك مما يعلم من مقدمة البقاعي نفسه.

• تضمن كتاب "النكت الوفيَّة" اعتراضاتٍ على بعض الأبيات الشعرية من ألفية العراقي، مع بيان ما يراه أولى بالنظم وأتم فائدة وأشمل، كقوله (1/134):

"وكان ينبغي نظم كلام ابن الصلاح بأن يُقال:

يُؤْخَذُ مِنْ مُصَنَّفٍ يُعْتَمَدُ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ كِتَابٍ يُفْرَدُ فِيهِ الصَّحِيحُ كَابْنِ حِبَّانَ الزَّكِي وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَكَالْمُسْتَدْرَكِ

• لم يتقيد البقاعي بحرفية النقل من الكتب الأخرى، مستدلاًّ بهذه النقول، أو موضحًا لرأي أو عبارة؛ بل تصرف في كثيرٍ من الأحيان، ولكن مع المحافظة على روح النَّص والتقيُّد بمعناه، وكثيرًا ما كان يُصرح بذلك عقب انتهاء نقله.

• نقل كثيرًا من الفوائد العلمية في علم مصطلح الحديث ومناهج المحدثين عن شيخه الحافظ ابن حجر، كقوله: (1/97):

"فصارت مرجوحية ما سكتوا عنه إجماعًا، فإذا وجدْنا حديثًا قال أحد من تكلم في ذلك: إنه أصح الأسانيد، يخالفه حديث لَم يقل أحد: إنه أصح، رجحنا الأول؛ لأن الكل اتفقوا على كون الثاني مرجوحًا بالنسبة إلى مجموع أقوالهم".

• ذكر كثيرًا من نوادر الكُتُب التي لم تصلْ إلينا، ناقلاً منها عباراتٍ متنوعة، واصفًا بعضها بأبرز سماتها، وموضحًا أثرها العلمي، كما في قوله (1/203):

"وهكذا ذكر استعمالها أبو قرة موسى بن طارق في كتابه "السنن في السماع"، لم يذكر سواها فيما سمعه من شيوخه في جميع الكتاب، فمن كان كحاله حملناها في كلامه على السماع، وإلا فصلنا".

• تكررت في كتابه عبارات: "وبخط بعض أصحابنا"، و"قال بعض أصحابنا"، و"قال صاحبنا"، وقد أبهم فيها اسم من نقل عنه، وفي بعض الأماكن يترجح أنه السخاوي، ولعله أبهمه؛ لما حصل بينهما من جفوة، والله أعلم.

• ردَّ على كثير من الاعتراضات التي اعتُرض بها على ابن الصلاح في بعض ما أورده في "معرفة علوم الحديث"؛ كالاعتراض عليه في زيادة السلامة من الشذوذ والعلة، قال (1/86):

"والجواب أن من يصنف في علم الحديث إنما يذكر الحد من عند أهله، لا من عند غيرهم من أهل علم آخر".

• تعقب شيخَه ابن حجر في عدة مواطن بعد أن ينقل رأيه في بعض المسائل.

• استطرد كثيرًا في ذكر الفوائد اللغوية والبلاغية، وأخذ ينقل الكثير منَ العبارات من معاجم اللغة والغريب، مبينًا وموضحًا لما استعجم أو أبهم من الكلمات أو العبارات، مما أثرى الكتاب بمادة لُغوية جميلة، وخاصة من المعجمات المفقودة؛ كـ"معجم الجامع" للقزاز، الذي نقل منه (2/372) قوله:

"وملأمة على مَفْعلة، فهو لئيم، واللئيم عند العرب هو البخيل المَهين النفس، الخسيس الآباء، فإذا كان شحيحًا ولم تجتمع له هذه الخصال، قيل له: بخيل، ولم يقل: لئيم".

• ذكر بعض الفوائد الأصولية والقواعد الفقهية في أصول الفقه، مثال ذلك قوله (1/344):

"فإذا قال التابعي: أُمرنا بكذا، أو: نُهينا عن كذا، فجزم أبو نصر بن الصباغ في كتاب "العدَّة في أصول الفقه" أنه مرسل، وذكر الغزالي في "المستصفى" فيه احتمالين من غير ترجيح: هل يكون موقوفًا أو مرفوعًا مرسلاً؟ وحكى ابن الصباغ في "العدَّة" وجهَيْن فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب: هل يكون ذلك حجة أم لا؟".

• أورد بعض العبارات والمباحث المنطقيَّة؛ كما في (1/417):

"والمتقدمون كانوا يكتفون في عباراتهم بالإشارات والتلويحات، وما يدل عليه المقام، ونحو ذلك، وعلى هذا مبنى كلام العرب؛ وإنما جاء الاحتراز في الألفاظ وشدة التقيد بها من حين ظهور المنطق في الملة الإسلامية؛ لأنَّ مبناه على حقائق الأشياء؛ وذلك لأن الذي اخترعه كان يونانيًّا، فإذا رأى كلامًا أمسك حروفه وبحث فيما تدل عليه، من غير اعتبار لشيء زائد على تلك الألفاظ، هكذا قال شيخنا، وفيه نظر، فإن المناطقة تارة يحملون الكلام على القوة، وتارة على الفعل، وهذا تارة يكون بالضرورة، وتارة بالإمكان، إلى غير ذلك مما هو مشهور".

• أورد عبارات جميلة في المصطلح لخَّصَ فيها الكثير من الكلام، وترى فيها خلاصة ما استقر عليه علم مصطلح الحديث.

• أورد مسائل لنفسه عرضها أو سأل عنها شيخه ابنَ حجر، وأورد بعدها أجوبة الحافظ ابن حجر عليها.

• نقل عبارات من كتاب العراقي "الشرح الكبير"، وهو من الكتب النفيسة التي ألفها الحافظ العراقي وفُقدت ولَمْ تَصِلْ إلينا، كقوله (1/160):

"فإن كان للصحابي راويان فصاعدًا، فحسن، وإن لم يكن له إلا راوٍ واحد وصح ذلك الطريق إلى ذلك الراوي، أخرجاه، إلا أن مُسلمًا أخرج حديث قوم ترك البخاريُّ حديثَهم لشبهة وقعتْ في نفسه، كحماد بن سلمة، وسهيل بن أبي صالح، وداود بن أبي هند، وأبي الزبير، والعلاء بن عبدالرحمن وغيرهم".

• أورد عبارات أو أحاديث مِنْ كُتُبٍ موجودةٍ ومطبوعة، وحين الرجوع إليها كنَّا لا نرى هذه العبارات، فلعلَّها مما سقط من مخطوطات تلك الكُتُب.

• قام بإيضاح عبارات أو أسماء وردت في "شرح التبصرة والتذكرة"، عن طريق إيراد ما يوضحها من كتاب "التقييد والإيضاح"، ولقد أكثر المصنف من هذا، وهو صنيع حسن؛ لأن أولى ما يزيل إبهام عبارات أيِّ كاتب هو الكاتبُ نفسه.

• نقل اعتراضات شيخه الحافظ ابن حجر على بعض الأبيات الشعرية من ألفية العراقي، كقول العراقي: "قُلْتُ: وَلابْنِ خَيْرٍ امْتِنَاعُ"، قال الحافظ ابن حجر (1/216):

"ولو قال:

قُلْتُ: حَكَى ابْنُ خَيْرٍ امْتِنَاعَا نَقْلٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إِجْمَاعَا

كان أحسن".

• قام بضبط بعض الأسماء في كتابه، وخاصَّة تلك التي فيها خلاف، أو وقَع فيها تصحيف.

• كان يَتَصَرَّف في أسماء الكتب، فعلى سبيل المثال كتاب "التقييد والإيضاح" كان يسميه "النكت"، مع أنه صرح في المجلد الأول أن اسم الكتاب "التقييد والإيضاح".

• أضاف عددًا من الأبيات على الألفية في أماكن متفرقة من نظمه ومن نظم غيره، كقوله في تدليس القطع (1/438):

وَذِكْرُهُ الشَّيْخَ وَحَذْفُ الآلَةِ أَيْضًا مِنَ التَّدْلِيسِ فِي الرِّوَايَةِ

• أوضح أسماء بعض العلماء أو الشخصيات الذين ورد ذكرهم في الشرح من غير إيضاح أو ترجمة لهم.

• نقل في مواطنَ كثيرةٍ من كتابه استدراكات لشيخه البرهان الحلبي، وقد أورد بعضًا منها على شكل أبيات شعريَّة.

• تجد بين ثنايا كتابه هذا بعض العبارات الفلسفيَّة، وخاصة فيما يخص القول في العقائد، ومعظمها لا يركن إلى دليل؛ إنما هو الظن لا غير.

• تضمن الكتاب فوائد عزيزة ونفيسة، ودراسات جادة، قلَّ أن نجدَ مثلها مبسوطًا في موضعٍ آخر.

والحمد لله رب العالمين