• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

أهمية تدوين التاريخ الشفهي

د. عبدالله بن إبراهيم العسكر

المصدر: مجلة الدرعية - العددان 40،39
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/9/2009 ميلادي - 11/9/1430 هجري

الزيارات: 113503

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توطئة:
يبدو أنَّ أهميَّة التاريخ الشفهي واستعماله باعتباره مصدرًا تاريخيًّا، تزداد في الآونة الأخيرة، ويلقى رواجًا في الأوْساط العلميَّة، ولعلَّ ما أخَّر دخول التراث الشَّفهي إلى دائرة التاريخ: أنَّ المؤرِّخين ينظرون إلى ذلك التراث نظرة غير جدية، ويعدونه ضربًا من الفنون الشعبية، التي لا يمكن الرُّكون إليها.
 
وهذه الورقة سوف تطرق موضوع التُّراث الشَّفَهي من خلال الوُقُوف عند قضايا ثلاث: الأولى: علاقة التُّراث الشفهي بالتاريخ، والثَّانية: أهميَّة المصادر الشفهيَّة، أمَّا القضية الثَّالثة: فهي عن تَحويل الرِّواية الشفهيَّة إلى تاريخ مدوّن، مع أمثلة مختصرة عن واقع التراث الشفهي في كلٍّ من الإمارات العربيَّة المتَّحدة، والمملكة العربيَّة السُّعوديَّة.
 
وبدايةً: فإنَّني كلَّما اشتغلتُ بقضيَّة تتعلق بالتراث الشَّفهي، واجهتني مشكلات، منها: تذكّر قول روبرت لوي "RobertLowie": كيف يُمكن للمؤرِّخ أن يخدم نفسَه باعتقادِه أنَّه يحتاج فقط إلى أن يَستجْوِب السكَّان المحلِّيين؛ لكي يتعرَّف على تاريخِهم؟" أو قوله أيضًا: إنَّني لا أستطيع أن أعلِّق أيَّة قيمة تاريخية على الروايات الشفهية، تحت أية ظروف"[1]، ومع هذا فإنَّ تراث الشعوب لا يزال يحمل في طياته الشيء الكثير، مما يمكن معه تلمُّس حقائق، ومعلومات نفيسة لا نَجدها في التَّاريخ المدوَّن، ويجعلنا نحن المؤرِّخين أمام واقع لا نقْبل معه أقوال روبرت لوي على علاتها، ذلك أن كل مأثورة أو حكاية شعبيَّة، وكل تقليد من التقاليد يرجع في أصله إلى بعض الحقائق المحدَّدة في تاريخ الإنسان.
 
أمَّا ما جعل روبرت لوي، ومن حذا حذوه، يهملون التراث الشفهي، فهي نزعة السيطرة النصّيَّة Textuality على عقول العلماء والباحثين، تلك النزعة التي تجعلنا أيضًا لا نتعامل مع التراث الشفهي، إلاَّ من خلال النصوص المدونة[2].
 
ومن هذا المنطلق يمكن أن يتذكَّر المرء أقوال آخرين يُشيدون بأهميَّة التراث الشفهي، كقول فيدر "A. Feder: إنَّ المأثورات يَجب أن تكون مقبولة؛ لأنَّها تستحق الثقة"[3]، وليس هذا كلَّ ما واجهني في مثل هذه البحوث، فقد عانيتُ الكثير في قضيَّة الاصطلاحات وتحديد معانيها، وأحسب أنَّ مردَّ ذلك أنَّ موضوع التراث الشفهي يكتنِفه الغموض، وأن علم التُّراث الشفهي علم تنازعه العلوم - إن صحَّ التعبير - بل هو علم مُشترك بين التاريخ وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والأدب، واللغة، وغيرها من العلوم الإنسانية الأخرى، وحتَّى عندما بدأ يستقلُّ تحت مسمى علم الفولكلور Folklore، فإنَّه بقِي غامضًا من حيثُ تحديد المصطلحات والمناهج[4].
 
لقد نقل الدكتور نبيل سلامة من قاموس لاروس Larousse، أنَّ التراث الشَّفهي هو: "مجموعة التقاليد من أساطير ووقائع ومعارف ومذاهب وآراء وعادات وممارسات"[5]، أمَّا قاموس روبير فيُعرِّف التراث الشفهي بأنه: "انتقال غير مادي للمذاهب والممارسات الدينية والأخلاقية المتوارثة من عصر إلى آخر بواسطة الكلمة المنطوقة"[6]، ويزداد الأمر تعقيدًا عندما ننظر في التعريفات التي أوردها المشتغلون بهذا العلم، وسيرد شيء من هذا في ثنايا البحث.
 
رأيت أن أتبنَّى ما يراه المؤرخون من أمثال دانيل ماكول DanielMcCall تجاه قضية المصطلحات، وأختار مصطلح "التُّراث الشفهي" في مجمل صفحات هذا البحث؛ وذلك لسببين:
الأول: أنَّ كثرة المصطلحات للعلم الواحد، أو حتَّى لفروعه، تُعقِّد موضوع البحث وتُشعّب مسالكه، والثاني: أنَّني وجدت أنَّ اصطِلاح التُّراث الشَّفهي أقربُ للتَّاريخ من غيره من الاصطِلاحات الأخرى، من مثل: التراث الشعبي، أو المأثورات الشعبية، أو الفولكلور، وغيرها كثير، وهو ما اختاره والتر أونج Walter. J. Ong، المتخصِّص في الآداب الشفهيَّة[7]، وجملة القَول: إنَّه لا مشاحَّة في الاصطِلاح ما دام يُعبِّر عن المُراد، ومن هنا خطر ببالي سؤالٌ أراهُ مهمًّا في هذا الميْدان، وهو: ما علاقة التُّراث الشَّفهي بالتَّاريخ؟
 
علاقة التُّراث الشفهي بالتاريخ:
إنَّ تخلِّي المؤرِّخين عن المصادِر الشَّفهيَّة قد ترك للمختصِّين في الفولكلور والأنثروبولوجيا الميدان واسعًا، ممَّا جعل تلك المصادِر تنْأى عن بُعدها التاريخي، ولم يعترف المختصُّون في تلك العلوم بأهمية التاريخ في دراسة التراث الشفهي، إلاَّ في مطلع عقْد الخمسينيَّات من القرْن الميلادي الماضي، ولعلَّ السَّبب - كما أسلفت - هو سيْطرة عُلماء الفولكلور على المصادر الشفهيَّة، وكانوا يُطْلِقون على تلك المصادِر اسم الأساطير، والخرافات الوعْظيَّة Didacticlegends، وكانوا يروْنَها تدلُّ على المعنى الفلْسفي والمغزى التَّعليمي، أكثر من كوْنِها تَحمِل أيَّ تفاصيل تاريخيَّة، بل وصل الأمر ببعضِها على التَّصريح بأنَّ المصادر الشفهيَّة لا تَحتوي على حقائق تاريخيَّة[8].
 
إنَّ هذه الأقوال وأمثالَها هو ما أخَّر الاستِفادة من التُّراثَ الشَّفهيَّ باعتباره مصدرًا من مصادر التاريخ المُتعدِّدة، ومع هذا لعلِّي لا أُبالغ إذا قلت: إنَّ التُّراث الشَّفهي وثيقُ الصِّلة بالتَّاريخ، ذلك أنَّ الأوَّل يعدُّ مرآة المرْحلة الحضاريَّة التي يعشيها الناس، وهو يُعبّر عن أفكارهم وعواطفهم، كما أنه يصوِّر شيئًا غير يسير من النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة، بل إنَّ بعض الباحثين يعتقد أنَّ التَّاريخ المدوَّن ولد في أحضان التراث الشفهي[9].
 
إنَّ مكونات التاريخ الشفهي هي مكونات التراث الشعبي، من مثل: الحكايات، والقصص، والسير الشعبية، والأمثال، والحكم، والغناء، والشعر، فهل يمكن والحال هذه أن يتجاهل المؤرِّخ التراث الشَّفهي؟ أظنُّ أنَّ الإجابة عن مثل هذا السؤال هي بالنفي؛ إذ إنَّ المأثورات الشفهيَّة يُمكن أن تعزِّز الثِّقة في بعْضِ النَّواحي التاريخيَّة، مع العِلْم أنَّ بعض العلماء يرى العَكْس هو الصَّحيح؛ إذ يَجب في نظرِهم أن نفحص التُّراث الشَّفهي من منظور التاريخ المدوَّن أو الآثار أو اللغة[10].
 
لقد ذهب بعض المؤرخين المشتغلين بالتراث الشَّفهي إلى ضرورة التعامل معه بطريقة تختلف عن بقية العلماء المتخصِّصين في علوم أخرى، من هنا قدّم باور W.Bauer تقسيمه للمأثور الشفهي من منظور تاريخي، واقترح تقسيمه إلى قسمين:
الأول: يشمل كل المصادر المعروفة أو الثابتة أو المتغيرة الصحيحة أو المُحرفة، أمَّا الثَّاني: فهي المصادر التي لم يعرف مؤلِّفوها، والتي انتشرت في المجتمع بطريقة غير معروفة من مثل: الحكايات الشعبية، والأساطير، والملاحم، والسيّر، والنَّوادر والأمثال، والأغاني الشَّعبية[11].
 
ولقد أضاف آخرون الإشاعة، وهي في نظر الباحث قد تحْمِل شيئًا من التاريخ، ولكن شريطة أن تُعززها مصادر تاريخية معروفة، أما الملاحم والسير والنوادر؛ فإنه يحسُن استقصاء وسيلة نقلها، ويُفضّل استبعادها إذا احتوت على تناقضات، أما الأغاني فهي في نظر الكثيرين دعاية مقصودة قد تضر بالتاريخ أكثر مما تنفعه.
 
لقد كثر المؤرخون المشتغِلون بالتراث الشفهي، ويأتي على رأسهم فاج D.gage، وأليفر R. Oliver اللذان استخدما المأثورات الشفهية؛ باعتبارها مصدرًا تاريخيًّا، ويرى من درس أعمالهما أنهما لم يطورا نظرية أو طريقة للتعامل مع المأثور الشفهي في ميدان التاريخ؛ كما فعل يان فانسينا J. Vansina فيما بعد.
 
لقد عمل يان فانسينا على إبراز القيمة التاريخية للتراث الشفهي، والأنواع الأخرى من التراث الشعبي في كتابه الذائع الصِّيت الموسوم بـ"المأثورات الشفهية، دراسة في المنهجية التاريخية"، الذي صدر في طبعته الفرنسيَّة لأوَّل مرَّة عام 1961م، ثم ظهر في طبعة إنجليزية عام 1965م في شيكاغو، لقد كان كتاب فانسينا مؤثرًا، وظل مرجعًا للمؤرخين المشتغلين بالمصادر الشفهية[12].
 
أهمية المصادر الشفهيَّة:
إنَّ الثقافات المعروفة والمدوَّنة كانت في الأصل ثقافات شفهية، فالإلياذة والأوديسة وغيرهما من آثار اليونان كانت في الأصْل شفهيَّة، وكان هوميروس أول مؤرخ شفهي وصلتنا أعماله مدوَّنة، وجاء بعده هيرودوتس Herodotus، وتوكيديدس Thucydides، وهما أوَّل من جمع بين الرواية الشفهية والمدونة، وكان الأول يقوم برحلات كثيرة في آسيا الصُّغْرى والشرق الأدنى؛ يجمع القصص والحكايات حول تاريخ البلاد التي يزورها[13]، وفي العصر المسيحي الأوَّل كان للروايات الشفهية مكانة سامقة، ذلك أن أغلب المسيحيين لم يكونوا ملمِّين بالقراءة، ولذا تبرز الرواية الشفهية في أسفار الإنجيل التي امتد تأليفها على مدى خمس وسبعين سنة، ومثل ذلك يُقال عن أسفار الأبوكريف[14]Apocrypha، وفي العصور الوسطى الأوربية لم يكن أمام المؤرخين، إلاَّ الروايات الشفهية مصدرًا لتواريخهم، وكان جل اعتمادهم عليها وعلى مذكراتهم الشخصية أو على شهادة عيان.
 
ولهذا السبب يعدّ (كتاب دوميزداي (BomesdayBook)، أوَّل مصدر في تاريخ إنجلترا الاجتماعي والاقتصادي في الفترة النورماندية في عام 1086م، وكانت الروايات التي قُدمت مشافهةً هي عماد هذا الكتاب[15]، ومثل ذلك الأغنية الشعبية القصصية (البالاد)، والشعر الإنجليزي القديم والوسيط، ونشيد رونالد - كلها آداب شفهية، كما استخدم المؤرخون العرب والمسلمون المادة الشفهية بشكلٍ واسع، بل إنَّ قدرًا من التراث العربي المدوَّن، في ميادين علميَّة كثيرة، كان تراثًا شفهيًّا قوامه التداول والرواية الشفهية، وهناك إجْماع على أنَّ جلَّ المحدثين والمؤرِّخين والإخباريِّين والأُدَباء والشُّعراء الأوائل، قد استفادوا من المصادر الشفهيَّة؛ فالبلاذري (ت 298هـ)، والطبري (ت310هـ)، والمسعودي (ت346هـ)، وابن خلدون (ت808هـ)، يأتون على رأس المؤرخين المسلمين الأوائل الذين اعتمدوا بشكلٍ كبير على الروايات الشفهيَّة عند تأليفهم كتبهم، ويكاد الشعر العربي الجاهلي برمته أن يكون شعرًا شفهيًّا نشأ في وسط غنائي[16].
ويرجع الفضل إلى العلماء المسلمين الذين قنَّنوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات الشفهية، أصبحت تلك القواعد فيما بعد علومًا مستقلة مثل: علم الإسناد، وعلم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، ومصطلح الحديث، وغير ذلك كثير[17] ، ومع هذا الواقع فإن عددًا من المؤرخين الآن لا يعترِف بالمصادر الشفهية، ويقول مسعود ضاهر: "إن هذه الظاهرة أمام تدوين الكثير من الحقائق التاريخية الجديدة التي يتم اكتشافها في أثناء إجراء المقابلات الشخصية الشفهية"[18]، كما أدى إهمال المؤرخين للتراث الشفهي إلى ترك هذا الميدان للمتخصِّصين في الأنثروبولوجيا والفولكلور، الذين لا يهتمُّون بالماضي، ومن هنا جاءت أغلب أدبيَّات التراث الشفهي المعاصرة ناقصة وغير مقنعة.
 
أمَّا في العصر الحديث فقد نشطت حركة الاستفادة من المأثور الشفهي في ميدان التاريخ منذ القرْن الثاني عشر الميلادي حتى القرن السادس عشر في أوربا، ونتج عن ذلك كُتب تاريخية كنظام الحوليات، ومؤلَّفات عن تاريخ المدن وتاريخ الأسر الحاكمة، ثم ضعفت الحركة في القرن التاسع عشر، أمَّا في أمريكا فقد استمرَّ الاهتِمام بالتراث الشفهي؛ ذلك لأنَّه يُشكل المصدر شِبْه الوحيد للسُّكَّان المحلِّيِّين والمهاجرين على حدٍّ سواء، وبحلول القرن العشرين الميلادي ازداد الاهتمام بالمأثور الشَّفهي في ميدان التاريخ، ولم يطْلع فجر عقد الستينيات من ذلك القرن إلاَّ وقد برزت حركة علميَّة قويَّة بقيادة يان فانسينا وآخرين من المؤرِّخين والأنثروبولوجيين والفولكلوريين، تدعو إلى اعتِماد المأْثور الشَّفهي مصدرًا من مصادر التاريخ[19].
 
إنَّ من يظنُّ أنَّ الروايات الشفهيَّة لا تصلح وثائق ومستندات لدراسة التاريخ، قد يتراجع عن رأيه إذا تذكَّر أغلب الوثائق المدوَّنة كانت في الأصْل روايات شفهية متناقِلة قبل أن تدون، وعلى هذا الأساس فإنَّ الوثائق الشفهيَّة لا تقلُّ أهمِّيَّة عن الوثائق المدوَّنة، ولا تتفوَّق الأخيرة على الأولى، إلاَّ بكوْنِها تخضع لطرُق متعدِّدة للتأكُّد منها، وخلوِّها من التَّزوير، ولكن ليس من الصَّعب أن نضعَ ضوابطَ مُماثِلة لإثبات صحَّة الوثائق الشَّفهية قبل تسْجيلها، بواسطة آلات التَّسجيل أو تدوينها[20].
 
بل إنَّ المقابلة الشخصية، أو ما يُسميه بعضهم بالتاريخ الحي LifeHistory، لأجل تسجيل النص الشفهي توضح أبعادًا نفسية وإنسانية، لا يمكن الوصول إليها من خلال النص المكتوب.
 
فالمؤرخ في هذه الحالة يعيش الأحداث التاريخية التي يدرسها عبر بعض المشاركة فيها، أو ممن سمعها من المشاركين فيها، وله إمكانيَّة الحوار المباشر معهم، واستيضاحهم جوانب كثيرة عن الماضي، كما يستفيد المؤرِّخ بطريقةٍ مباشرة من الانطِباع العامِّ الَّذي تركته الأحْداث اللاحقة في نفس الفرد، الذي شارك في صنع الحدث، أو شهِده، أو سمِعه ممَّن شهده، وهذا بدوْرِه يسهم في ضبط الاستنتاجات العلمية التي يتوصَّل إليْها الباحث، وأيضًا عن طريق اكتشاف حقيقة الأهداف التي توخَّاها أولئك الناس من صنع أحداث محددة[21].
 
إن المصدر المدوَّن ليس سوى حوار الفرد مع ماضيه الشخصي، ولهذا السبب لا يجوز أن نبالغ في إبراز دور الفرد مهما كانت مرتبته الاجتِماعيَّة، كما لا يجوز المبالغة في بناء استنتاجات عامة على أساس آرائه الخاصَّة؛ فالفرد مهْما كانت مرتبته الاجتِماعيَّة لا يمكن أن يكون صانعًا للحدث التاريخي، بل مجرَّد مشارك فيه[22].
 
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الكثير من الروايات الشفهية، والمأثورات والتقاليد الشعبية، وهي إلى حد ما (أطلال الماضي)، تعرضت للتغيير، والتفكك والتعديل، والحذف والإضافة، ولهذا لا يجب أن ننظر إليْها كحقيقة تاريخية مطلقة، وهذا ما ولَّد لدى بعض المؤرخين مفهومًا مفاده: أنَّ المصدر الشفهي لا يصلح إلاَّ لدراسة المجتمعات التي لم تعرف التَّدوين، ولهذا السبب أيضًا يرفض بعض المؤرِّخين اعتِماد الرواية الشفهيَّة أو المصدر الشَّفهي إلى جانب الوثيقة أو النَّصِّ المدوَّن.
 
حقيقة الأمر - كما مرَّ معنا - بعكس ذلك، فقد تمَّ استِعْمال المصدر الشفهي في الدول المتطوِّرة، مثل: بريطانيا والولايات المتَّحدة منذ مطلع القَرْن العشرين، بالإضافة إلى أنَّه ينظر إلى الرِّواية الشفهيَّة على أنَّها مكمِّلة للنَّصِّ المدوَّن، ولا تقوم مقامه، وقد ثبت أكثر من مرَّة أنَّ بعض المقابلات الشخصيَّة الشفهيَّة تكشف حقائق تاريخيَّة جديدة تُنشر لأوَّل مرَّة.
 
إنَّ المصدر الشَّفهي ضرورة علمية لفهم حقائق التَّاريخ، وحقائق التَّاريخ في التَّعريف الحديث هي: كل ما تركه السَّلف من أعمال، ومخطوطات، ووثائق، وتسجيلات، وعادات، وتقاليد، وطقوس دينيَّة، وفنون، وقصص شعبيَّة، وأدوات وآلات متوارثة، وغير ذلك.
 
ومع أهمِّيَّة التُّراث الشَّفهي المتزايدة، واهتِمام العلماء به، فإنَّ مواقفهم تبدو متفاوتة، ويمكن تبيُّن خمسة مواقف حيال التراث الشفهي وأهميته هي:
1- أن التراث الشفهي قد يحتوي على قدر من الحقيقة والصدق.
2- أنه من المستحيل تبيّن مقدار الحقيقة في التراث الشفهي وتقييمها.
3- أن التراث الشفهي لا يمكن الاعتماد عليه في كتابه التاريخ.
4- أن كل العوامل المؤثرة في مصداقية التراث الشفهي يجب أن تُفحص بعناية.
5- يجب أن يخضعَ التراث الشفهي للفحص الدقيق بواسطة المنهج التاريخي الصارم[23].
 
تحويل الرِّواية الشفهية إلى تاريخ مدون:
كما قلنا فإنَّ الرواية الشفهية عرضةٌ للتَّغيير والتَّبديل، والإنسان عرضةٌ للنِّسْيان، وقد تخونه الذَّاكرة، أو يخلط بين الأحداث، أو ينحاز لجِهة معيَّنة أو رأْيٍ أو فِكْر يؤمن بهما؛ لِهذا لا بدَّ من دراسة الرَّاوي نفسه، ولا بأس أن نطبِّق على الرُّواة شيئًا يسيرًا من منهج المحدِّثين، ولا بأس أن يقوم المؤرخ بدوْرِ المحقِّق الَّذي يستجْوِب الشُّهود من أجل الوصول إلى الحقيقة[24]، ولهذا يصح أن نقول: إنَّ الرواية الشفهيَّة معرفة تاريخية إذا كان مضمونها يشكل شاهدًا أو دليلاً يبحث عنه المؤرخ؛ لتعليل ما وقع أوْ لتدْعِيم وجهة نظره، وبهذا تصبح الروايات الشفهية مجرد أدلة أو كشوف نفي أو إثبات وجهة نظر معينة[25].
 
ويقول الدكتور/ ميلاد المقرحي: إنَّ هناك ثلاث قضايا ينبغي اعتمادها عند تحويل الرواية الشفهية إلى رواية مدوّنة:
1- إمكانية تعليم الكثير من الرواية الشفهية في ميدان التاريخ.
2- أن دراسة الماضي من خلال الرواية الشفهية، تشتمل على كل أنواع البحث التاريخي الأخرى، فهي مزيج من الإثارة والرتابة.
3- أن يوضع ما يُجمع من روايات شفهية في متناول المؤرخين؛ لتوسعة دائرة استخدامها، خصوصًا لدى كثيرٍ من المؤرخين الذين يقلِّلون من أهميتها، لا بدَّ من نشرها وجعلها متاحة مثلها مثل التاريخ المدون[26].
 
من هنا تتَّضح أهمية أن يقوم المؤرخ بفحص الروايات الشفهية وتقويمها، ومعرفة الدوافع من ورائها، وكذلك طريقة تناقلها، ولعلَّ هذا العمل يقود إلى فحص آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو فحص الحبكة الأسلوبيَّة، والهدف، والخلفيَّة للرَّاوي، كما على المؤرخ أن يفحص كذلك البناء الدَّاخلي والخارجي للرِّواية الشفهيَّة من خلال المنْهج المعروف لدى المؤرِّخين، فإذا تَمَّ كل ذلك بنجاح يمكن عندئذ تدوين الرِّواية الشفهيَّة؛ ومن ثَمَّ تصبح وثيقةً تاريخيَّة، مثلها مثل الوثائق المعروفة.
 
قد اشتطَّ المؤرِّخون في إيراد شروط كثيرة لتحْويل الرِّواية الشفهيَّة إلى رواية مدوَّنة، وله الحق في ذلك، طالما أنَّ أغلب التُّراث الشَّفهي يحمل في طيَّاته تناقُضات كثيرة مع التاريخ المدوَّن، من ذلك أنَّ أغلب الرِّوايات الشفهيَّة تسودها ثلاثة مفاهيم ثقافيَّة مهمَّة، هي: افتِقارها لمفهوم القياس الزَّمني، وعدم وضوح الفِكْرة التَّاريخية فيها، والثَّالثة النَّظر إلى الماضي بمثاليَّة كبيرة Idealizationofthepast، وهذا كلُّه يشكِّل إحْدى المشكلات التي تواجه البحث في التَّاريخ الشفهِي.
 
وقد قام المؤرِّخون ومعهم بعض عُلماء الإنسانيَّات بدراسة موسَّعة للاستفادة من التراث الشفهيِّ، ولعلَّ فانسينا من أوائلِ مَن انتبه إلى هذا الأمر، وقدَّم دراسة مُمتازة تجمع بين التراث الشفهي ومنهج المؤرخين الصارم، وقد نبَّه لأمرٍ مهِمٍّ، هو خلوُّ المأثورات الشفهيَّة من أي نوع من أنواع التنميط المعروفة Typology، ومع أهمية ما قام به، إلاَّ أنَّه لم يُقدم تنميطًا عامًّا، ولم أعرفْ حتَّى الآن من بَحث في هذا الشَّأن المهم، اللهم إلاّ ما فعله ديفيد هينج في كتابه "التاريخ الشفهي"، وعمله لا يعدُّ تنميطًا بقدْر ما يعد خطوات أوَّلية في التَّعامل مع المادة الشفهية[27]، ولهذا أصبح لزامًا على المؤرِّخين التَّعامل مع أنماط متعددة، وهو ما يرهق المؤرخ، ويستهلك وقته.
 
أمَّا التَّنميط المحدود الذي اقترحه فانسينا عند تعامُله مع الروايات الشفهية الإفريقية، فهو:
1- الصيغ: مثل الألقاب والشعارات، والصيغ التعليمية، والصيغ الدينية.
2- الشعر: مثل الشعر الرَّسْمي، والشعر العام والخاص، والشعر التاريخي، وشعر المديح والهجاء.
3- القوائم: مثل أسماء الأماكن، والأعلام.
4- الحكايات: مثل الحكايات العامَّة، والمحلِّيَّة، والعائلية، والأساطير، والذكريات الشخصية.
5- التعليقات: مثل النَّظر في الرِّواية وهل لها سوابق، وهل هي رواية توضيحية، أم خاصة بالمناسبات العامة أو الخاصة.
 
وهكذا يتَّضح بِجلاءٍ الفشَل الَّذي أَلَمَّ بفانسينا عند تنميطه للشواهد التاريخية التي جمعها، فعلى الرَّغْم من قوْلِه: إنَّ المأثورات الشفهيَّة تعتمِد على تَجميع دقيق وتَحليل للمعطيات، وكذلك إشاراته المتعدِّدة إلى مصطلح الصيغ النَّمطية، واقتراحه لعدد منها، وأنَّها تدخل في نسيج الشواهد التاريخية، فإنَّه لم يجعلها مرتَّبة ومتَّسقة مع فهرس ستيث نومسون المعروف عند دراسي الفولكلور بـ(MotifIndexofFolklteture)، وهو الفهرس الوحيد للتعامل مع التراث الشفهي.
كما أنَّه لم يهتمَّ بالإسناد والرُّواة بالطَّريقة نفسِها الموْجودة عند عُلماء المُسْلمين[28].
 
تتألَّف عمليَّة البحْث في مَجال التُّراث الشَّفهي من ثلاث مراحل متتالية، هي:
1- مرحلة جمع المادة من مصادرها الشفهيَّة.
2- تليها مرحلة تصنيف ما تمَّ جَمعه وفهرسته وإيداعه في أرشيف.
3- ثم تأتي بعد ذلك المرْحلة الأخيرة، وهي مرحلة الدراسة والتحليل.
 
أمَّا جَمع المادَّة الشفهيَّة فيتمُّ بثلاث طرق، وهي:
أ- طريقة الملاحظة Observation.
ب- طريقة المشاركة Participation.
جـ- طريقة المقابلة Intervies.
 
وكل طريقة من هذه الطرق لها إيجابيَّاتها وسلبياتها، ويستحسن الجمع بينها، كما فعل العالمان الأمريكيان ملمان باري MilmanParry، وألبرت لورد AlbertLord، اللذان قدما نظرية الصياغة الشفهية TheOralFormulaticTheory، وهي نظرية تُعد الآن من أحدث النظريَّات في مجال البحث العلمي المتعلِّق بالتُّراث الشفهي من حيث الجمع والتعامل[29].
 
وعند الوصول إلى هذه المرحلة يرى بعضهم ضرورة تغيير مسمى الرواية الشفهية إلى مسمى التاريخ الشفهي، الذي يُشكِّل الآن فرعًا متناميًا من فروع علم التاريخ، وأحسب أنه يوجد نوعان من التاريخية الشفهية OralHistoriography، وهما: التاريخ الشفهي OralHistory، والرواية الشفهية OralTradition، فالأوَّل فرعٌ من فروع التَّأريخ أصبح فيما بعد علمًا، أمَّا الثاني فيشكل مصدرًا من مصادر التاريخ، ويشمل التقاليد والثقافة الشفهية، وهي التي تنتقل من جيل إلى آخر عن طريق الرواية، وليس عن طريق الكتابة، والتراث الشعبي عنصر من عناصر الثقافة، ولكن لا يمكن عدّ كل تراث شعبي متواترًا مقبولاً ليدخل في مسمى الرواية الشفهية ما لم يكن منتشرًا في المجتمع، ومثل الرواية الشفهية التي هي الذكريات المتعلقة بالماضي، ولكن لا يمكن أن تنتقل من حيِّز الرِّواية الشفهيَّة إلى حيِّز التَّاريخ الشَّفهي ما لم تَكُن متواتِرة، ويؤيِّدُها شيءٌ من التَّاريخ المكتوب.
 
ولعلَّه من المفيد الاطِّلاع على العمل الجيِّد الَّذي ألَّفه كوللوم ديفز وزملاؤه Cullo,Davis,KathrynBack & KayMaclean بعنوان: "التاريخ الشَّفهي من الشَّريط إلى الورق" OralHistoryfromTapetoType، وفي أرْبعة فصول تحدَّث المؤلِّفون عن: خطوات جَمع التَّاريخ الشَّفهي، وتحْويل الرِّوايات الشفهيَّة إلى تاريخ مدوَّن، ولقاء العامَّة ونشر التَّاريخ الشَّفهي، وأخيرًا إدْراك التَّاريخ الشفهي، إنَّ هذا العمل يُمْكِن تبنِّيه مع تغْيِير طفيف؛ ليصبح مناسبًا لدُول منطقة الخليج العربية[30].
 
وفي هذا الشَّأْن يُمكن إلْقاء نظرة سريعة على أهمِّ المحاولات العلميَّة لتحْويل التراث الشفهي إلى تاريخ مدون في منطقة الخليج، وسنخْتار المملكة العربية السعوديَّة ودولة الإمارات العربية المتحدة كمَثَلين.
 
وبداية، لا بدَّ من التنويه إلى أنَّ استِعْمال التُّراث الشَّفهي باعتباره مصدرًا في دراسة التاريخ في بلدان الخليج العربي حديث العهد؛ إذْ كان معظم المؤرخين والإخباريين يركنون إلى المصادر المدوَّنة، مثلهم مثل نظرائهم في العالَم العربي، ومن المهتمِّين بالتَّاريخ الشفهي في المنطقة: عبدالله صالح المطوع، وفالح حنظل، وعبدالله العثيمين، ولوريمر، ومايلز، وكيلي.
 
نستطيع أن نعدّ بعض الوثائق المحلية في أوَّل أمرها وثائق شفهية، تم تدوينها، خشية ضياعها أو لأهميتها في مجال الحقوق أو التاريخ المحلي، وقد اختار الدكتور سيد حامد حريز أربع مخطوطات تاريخية، تشكل في ظنِّه أهمَّ الوثائق الشفهية لتاريخ عُمان، والإمارات العربية المتَّحدة، وقد دوّنت في أوقات مختلفة، وهي: "كشف الغمَّة الجامع لأخبار الأمَّة" لسرحان بن سعيد الأزكوي، و"الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين"، و"الشعاع الشائع بالعنان في ذكر أئمة عمان وما لهم من العدل والشَّان"، وكلاهما لحميد بن محمد بن رزيق، و"الجواهر واللآلي في تاريخ عمان الشمالي"، لعبدالله بن صالح المطوع[31]، والواقع أن اختيار سيد حريز موفق؛ لأن محتويات تلك الوثائق التَّاريخية كانت لوقت قريب مما يتناقله الناس مشافهة، كما أنها أضافت لتاريخ منطقة الخليج المدون حقائق وتفسيرات جديدة.
 
أمَّا في المملكة العربية السعودية، فيمكن أن نختار عددًا من الكتب تمثل هذا التوجه، ولكنَّنا سنقتصر على أمثلة محدودة من مثل: كتاب "تاريخ ملوك آل سعود"، للأمير سعود بن هذلول آل سعود، وخاصة في الفترة التي عاصَرَها المؤلِّف[32]، وكتاب "نبذة تاريخية عن نجد"، لضاري بن فهيد الرشيد[33]، وكتاب "الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل 1311- 1396هـ"؛ لصلاح الدين المنجد[34].
 
تدخل ضِمْن الوثائق الشَّفهيَّة المدوَّنة حديثًا، وما قُلْناه عن المخْطوطات السَّابقة يمكن أن يُقال عن هذه الكُتب، فقد أضافتْ شيئًا جديدًا للتاريخ المدوّن لنجد وتاريخ المملكة العربية السعودية.
 
أمَّا المحاولات العلمية المعاصرة في توظيف الشعر الشعبي الشفهي باعتباره مصدرًا تاريخيًّا فمن أشهرها: بحث لعبدالله العثيمين، وفيه جمع جملة من الأشعار المتداولة لتاريخ المملكة[35]، ولكاتِب هذه السطور محاولة في تفسير دعْوة مسيلمة بن حبيب الحنفي، المشهور بمسيلمة الكذاب من منظور أسطوري، وقد توصَّل إلى تفسير جديد للأقوال المنسوبة إلى مسيلمة، وهو خلاف المُعتقد لوقت قريب من أنَّ الأساطير الشفهية لا فائدة منها للتاريخ[36]، ولعلَّ من المفيد في هذا الصَّدد الإشارة إلى أنَّ أوَّل مَن لفت أنظار العلماء إلى أهمية الأساطير في البحوث التاريخية هو ماكول McCall، في دراسته المستفيضة عن الأساطير، وفيها ثبت لكل ذي رأي أهميتها، ثم جاء بعده سير لورانس جوم SirLawranceGomme، وأثبت بطريقة لا لبس فيها أهمية الأساطير في الدارسات التاريخية، ولعل كتابه الموسوم بـ(الفولكلور كعِلْم تاريخي FolkloreasanHistoricalScience خير ما يمكن الرُّكون إليه في هذا الشأن[37].
 
وخلاصة القول:
إنَّ تدوين التُّراث الشفهي واستعماله مصدرًا تاريخيًّا لم يعودا أمرَيْن مطروحَين للنقاش، فقد ثبت لكلِّ مُتابعٍ أهمِّيَّتُهما، ولقد تبنَّت هذا الأمر مؤسَّسات علميَّة وطنيَّة في دول الخليج العربيَّة من مثل: مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية بالدوحة، ومركز زايد للتراث والتاريخ في مدينة العين، ومركز بحوث التاريخ والتراث الشعبي في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ووحْدة التاريخ الشفهي بدارة الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض.
 
ويُمكنني أن أؤكِّد من منطق المطلع والمُشارك في مشروع رصد وتدوين الروايات الشفهية في المملكة العربية السعودية، أنَّ العمل يقوم على أساس علمي متين، وهو يسير بتؤدة ونجاح، وقد تَمَّ تسجيل أكثر من 10.000 مقابلة، ومن المؤمل عند الانتهاء من المشروع ونشره أن يُصحِّح هذا التراث الشفهي كثيرًا من نقاط الاختلاف أو الغموض في بعض جوانب تاريخ المنطق المدون، وحقيقة أخرى يجب ألا تغْرُب عن أذْهانِنا، وهي أنَّ التراث الشفهي والمحافظة عليه أمران مهمَّان لإبراز الخصوصيَّة الثَّقافية، التي تعدّ من القضايا الرئيسة في حياة الشعوب[38]، وهو أيضًا الأمر الذي فطنت له اليونسكو منذ عام 1984م وأعلنت في خطتها آنذاك ضرورة المحافظة على التراث الشفهي أيًّا كان نوعه، وجعلته من محفزات التنمية الوطنية[39].
 
 

المصادر والمراجع

1- أسد رستم، مصطلح التاريخ، بيروت، المكتبة العصرية، 1984م.
2- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، بيروت، دار العلم للملايين 1978م.
3- جيمس مونرو، النظم الشفوي في الشعر الجاهلي، ترجمة فضل العماري، الرياض، دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، 1407هـ.
4- ديفيد هينج، التاريخ الشفهي، ترجمة ميلاد المقرحي، مركز دراسة جهاد الليبيين سلسلة الدراسات المترجمة، 20 طرابلس 1991م.
5- سعد الصويان، جمع المأثورات الشفهية، الدوحة، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، 1985م.
6- سعود بن هذلول آل سعود، تاريخ ملوك آل سعود، الجزء الأول، الرياض، مطابع المدينة، 1982م.
7- سيد حامد حريز، مناهج التراث والتاريخ الشفهي عند العرب، أبو ظبي، جامعة الإمارات العربيَّة المتحدة، كلية الآداب، 1992م.
8- صلاح الدين المنجد، الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل 1311- 1396هـ - بيروت، 1977م.
9- ضاري بن فهيد الرشيد، نبذة تاريخية عن نجد، الرياض، دار اليمامة للبحث والنشر، 1386هـ.
10- عبدالله العثيمين، الشعر النبطي مصدرًا لتاريخ نجد، مصادر تاريخ الجزيرة العربية، الكتاب الأول، جامعة الرياض، 1397هـ.
11- عبدالله العسكر، المدلول الأسطوري لدعوة مسيلمة بن حبيب الحنفي، العصور، الرياض، 1992م.
12- فانسينا، يان. المأثورات الشفهية، دراسة في المنهجية التاريخية، ترجمة أحمد علي مرسي، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1981م.
13- قسطنطين زريق، نحن والتاريخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1963م.
14- مسعود ضاهر، التأريخ الأهلي والتأريخ الرسمي، دراسة في أهمية المصدر الشفوي، مجلة الفكر العربي، السنة 4، العدد 27 مايو - يونيه 1982م.
15- المقرحي، ميلاد، الرواية الشفهية والمصادر المدونة، الجزء الأول، مجلة قاريونس العلمية، السنة الثانية، العدد الرابع، بنغازي، 1989م.
16- نبيل جورج سلامة، التراث الشفوي في الشرق الأدنى ومنهجية حمايته، دمشق، وزارة الثقافة السورية، 1986م.
17- والترا أونج، الشفهية والكتاب، ترجمة حسن البنا عز الدين، سلسلة عالم المعرفة 182، الكويت، 1994م.
18- المقرحي، الرواية الشفوية والمصادر المدونة، الجزء الثاني، مجلة قاريونس العلمية، السنة الثالثة، العدد الثاني، بنغازي، 1990م.
19- إبراهيم إسحاق، الرواية الشفهية بين مناهج التراثيين الشفهيين والمؤرخين التقليدين، مجلة المأثورات الشعبية، العدد الثاني، يناير 1989م.
1- Bauer. W, Einfuhrung in das stadium der Geschichte, Tubingen, 1928.
2- Cullom Davis et al, Oral History from tape to Type, American Library Association, Chicago, 1977.
3- Feder, A., Methodik, Gegensburg Lehrbuch der Geschichtlichen, 1924.
4- P. Gardinet, The Nature of Historical Edxplanation, London Univ, Press, 1968.
5- Hanige, David, Oral Historiagraphy, 1st. ed. University of texas, Auston, 1983.
6- Robert Lowie, Oral Tradition and History, JAF, 30, 1917.
7- Rober Perks. Oral History: Talking about the past, the historical As sociation in association with the Oral History Society. London, 1995.


 

 

 

ــــــــــــــــــــ
[1]RobertLowie, OralTraditionandHistory, JAF, 30, 1917,p. 163
[2]Ibid, p. 598.
[3] والترا أونج، الشفهية والكتابة: ترجمة حسن البنا عز الدين، سلسلة عالم المعرفة 182، الكويت، 1994م، ص290، وما بعدها.
[4] فانسينا، يان: المأثورات الشفهية، دراسة في المنهجية التاريخية؛ ترجمة أحمد علي موسى - القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1981م، ص236 نقلاً عن:Feder, A., Methodik. GegensburgLehrbuchderGeschichtlichen, 1924.
[5] الباحث لا يميل إلى الأخذ بشمولية كلمة فولكلور، وأنها تعني: كل التراث الشعبي، ذلك أن هذه الكلمة يختلف معناها من بلد لآخر، فبينما يجعلها الفرنسيون شاملة لمعظم قضايا التراث الشعبي، يجعلها الروس تعني الثقافة الشعبية غير المادية، ويتخذون كلمة إثنوغرافيا Ehnography لتعني التراث الشعبي المادي.
انظر عن هذا الاختلاف: نبيل جورج سلامة، التراث الشفوي في الشرق الأدنى ومنهجية حمايته - دمشق: وزارة الثقافة السورية، 1986م، ص39، وما بعدها.
[6] نبيل سلامة، التراث الشفوي، ص60.
[7] نبيل سلامة، التراث الشفوي، ص59.
[8] يحمل كتاب والتر أونج عنوان: الشفهية والكتابية، مما يعني اختياره لهذا المصطلح، وانظر أيضًا فنسينا، المأثورات، ص35.
[9]Hanige, David, OralHistoriagraphy, 1 st. ed. University of texas, Auston, 1983, p.20
[10]Ibid.
[11]Feder, cit, p.66.
[12]Bauer, W., Einfuhrung in das studium der Geschichte, Tubingen, 1928, p.passim
[13] احتل فانسينا مكانة مرموقة في ميدان التاريخ والتراث الشفهي، وغدت كتبه مرجعًا لعلماء كثيرين في التاريخ والفولكلور والأنثروبولوجيا والاجتماع، يقول تيرانس رانجر: "TeranceRanger: إن فانسينا كان أساسيًّا بالنسبة إلينا جميعًا لدرجة أنه لو لم يكن موجودًا لكان علينا أن نخترعه" فانسينا. المأثورات الشفاهية، ص45.
[14] ديفيد هينج، "التاريخ الشفهي"، ترجمة ميلاد المقرحي، مركز دراسة جهاد الليبيين، سلسلة الدراسات المترجمة، 20 طرابلس 1991، ص24.
[15] ديفيد هينج، التاريخ الشفهي، ص26.
[16]Hanige, Oral Historiography. p.8.
[17] عن نظرية النظم الشفوي في الشعر الجاهلي، انظر: مقالة جيمس مونرو، فقد كتب مونرو مقالة مطولة عن هذا الموضوع؛ ترجمها فضل العماري، ونشرها باسم: النظم الشفوي في الشعر الجاهلي، الرياض: دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، 1407هـ، ص14، وانظر: جواد علي، "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، بيروت: دار العلم للملايين، 1978م، 8/91.
[18] أسد رستم، "مصطلح التاريخ"، بيروت: المكتبة العصرية، 1984م، ص1.
[19] مسعود ضاهر، "التأريخ الأهلي والتأريخ الرسمي"، دراسة في أهمية المصدر الشفوي، مجلة الفكر العربي، السنة 4، العدد 27 مايو، يونيه 1982م، ص185، وما بعدها.
[20] سيد حامد حريز، "مناهج التراث والتاريخ الشفهي عند العرب"، أبو ظبي: جامعة الإمارات العربية المتحدة، كلية الآداب، 1992م، ص4، وما بعدها.
في تلك الفترات ظهرت دراسات كثيرة من أهمها: كتاب الفولكلور كعلم تاريخي جي إل قوم، وكتاب الفولكلور والمأثورات الشفهية، دراسة في المنهجية التاريخية لدورسون، وكتاب ما هو التاريخ لكار، وكتاب صوت الماضي: التاريخ الشفهي لتومسون، وكتاب علم المأثورات الشفهية التاريخية لهنجي، وكل هذا يدل على تزايد اهتمام العلماء بالتراث الشفهي في تلك الفترة.
[21] ضاهر: "التأريخ الأهلي والتأريخ الرسمي"، ص185.
[22] المقرحي: ميلاد. الرواية الشفهية والمصادر المدونة، الجزء الأول، مجلة قاريونس العلمية، السنة الثانية، العدد الرابع - بنغازي، 1989م، ص119.
[23] ضاهر، "التأريخ الأهلي والتأريخ الرسمي"، ص186.
[24] فانسينا، المأثورات الشفهية، ص186.
[25] قسطنطين زريق، "نحن والتاريخ"، ص94.
[26]P.Gardinet, The Nature of historical Explanation, London Univ. Press, 1968, p.56. Also see: Rober Perks. OralHistory: Talking about the past, The Historical Association in association with the Oral History Society, London, 1995.
[27] المقرحي: الرواية الشفوية والمصادر المدونة، الجزء الثاني – مجلة قاريونس العلمية: لاسنة الثالثة، العددد الثاني – بنغازي، 1990م، ص45.
[28] ديفيد هنيج، التاريخ الشفهي، ص55 وما بعدها.
[29] فانسينا، المأثورات الشفهية، ص33، ص55.
[30] سعد الصويان، "جمع المأثورات الشفهية"، الدوحة: مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، 1985م، ص29، ص79، وانظر أيضًا: إبراهيم إسحاق، "الراوية الشفهية بين مناهج التراثيين الشفهيين والمؤرخين التقليديين"، مجلة المأثورات الشعبية، العدد الثاني، يناير 1989م.
[31]Cullom Davis et al, Oral History form Tape to Type, American Library Association, Chicago, 1977.
[32] انظر: مناقشة سيد حامد حريز لأهمية المخطوطتين الأولى والثانية من الناحية الشفهية والتاريخية في: مناهج التراث، ص79، وما بعدها.
[33] سعود بن هذلول آل سعود. تاريخ ملوك آل سعود.
[34] ضاري بن فهيد الرشيد. نبذة تاريخية عن نجد – الرياض: دار اليمامة للبحث والنشر، 1386هـ.
[35] صلاح الدين المنجد. الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل 1311- 1396هـ - بيروت، 1977م.
[36] عبدالله العثيمين، الشعر النبطي مصدرًا لتاريخ نجد، مصادر تاريخ الجزيرة العربية، الكتاب الأول، جامعة الرياض، 1397هـ، ص377، وما بعدها.
[37] عبدالله العسكر، المدلول الأسطوري لدعوة مسيلمة بن حبيب الحنفي، العصور. الرياض، 1992م.
[38] فانسينا. المأثورات الشفهية، ص35.
[39] نبيل سلامة، التراث الشفوي، ص82.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في المحادثة والتعبير الشفهي والإنشاء التحريري
  • مصطلح التاريخ
  • هل صار التحليل التاريخي كلأ مستباحا؟
  • هل كل عالم دون طلابه جميع أقواله ومروياته في العلم؟ وهل كل عالم روى أو كتب جميع علمه؟

مختارات من الشبكة

  • التعبير الشفهي والكتابي في ضوء علم اللغة التدريسي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الطلاق الشفهي بين صيانة الأبضاع والجراءة على الدين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نشأة الكتابة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أهمية وفوائد دراسة السيرة وعلم التاريخ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية دراسة التاريخ(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الأرشيف وأهميته في كتابة التاريخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهمية معرفة التاريخ لطالب العلم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تاريخ الفقه الإسلامي: أهميته وأهم المؤلفات فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القراءة السريعة: تاريخها وأهميتها وتطبيقاتها(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • المدرب محمد بن علي الصبي في لقاء بعنوان: القراءة السريعة: تاريخها وأهميتها وتطبيقاتها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)

 


تعليقات الزوار
2- special thanks
hammane - morocco 06-05-2012 08:30 PM

شكرا جزيلا أخي على المعلومات

1- التاريخ الشفهى يجب توخى الدقه فيه
فزاني - ليبيا 08-11-2011 11:23 PM

التاريخ الشفهى حسب رأيي أنه من أهم مصادر التاريخ التى يجب أن يعتمد عليها الباحت ولكن فى نفس الوقت على الباحث توخي الحذر فى نقل المعلومة الشفهية قدر الإمكان وعليه الحذر من ميول وأهواء الراوي.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب