البدائل لسندات الاستثمار

البدائل لسندات الاستثمار

أولاً: المشاركة كبديل إسلامي للفائدة في الأعمال المصرفية:

المقصود من المشاركة من جهة اللغة: الاختلاط؛ أي: خلط أحد المالينِ بالآخر، بحيث لا يمتازان عن بعضهما[1].

"وقال ابن القطاع[2]: يقال: شَرِكتُك في الأمر أَشْرَكُكَ شِرْكًا وشِرْكةً، وحكي بوزن نِعْمَة وسَرِقة، وحكى مكي لغةً ثالثة: شَرْكة بوزن تَمْرة، وحكى ابن سِيدَه: شركتُه في الأمر وأشركتُه.

وقال الجوهري: وشَرَكْتُ فلانًا: صرتُ شريكه، واشتركنا، وتشاركنا في كذا؛ أي: صِرْنا فيه شركاء".

والشِّرْك بوزن العِلْم: الإشراك، والنصيب، قال ابن قدامة - رحمه الله - في "المغني": هو الاجتماع في استحقاق أو تصرُّف.

• والشركة من جهة الاصطلاح لها أنواعٌ كثيرة في الفقه الإسلامي، لكن الذي يمكن تطبيقه في المصارف الإسلامية هي شركة العنان.

ويمكن تعريف شركة العنان من جهة اللغة كما يلي: "العِنان"[3] بكسر العين، وفي تسميتها بذلك ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها من عنَّ الشيءُ يعِنُّ ويعُنُّ بكسر العين وضمها: إذا عرض، كأنه عنَّ لهما هذا المال؛ أي: عرض، فاشتركا فيه؛ قاله الفراء، وابن قتيبة، وغيرهما.

والثاني: أن العِنان مصدر عانَّه عنًّا ومعانَّة: إذا عارضه، فكل واحد منهما عارض الآخر بمثل ماله وعمله.

والثالث: أنها شبهت في تساويهما في المال والبدن بالفارسين إذا سوَّيا بين فرسيهما، وتساويا في السير، فإن عنانَيْهما يكونان سواءً؛ ذكر ابن قدامة - رحمه الله - معنى الثلاثة في "المغني".

والعنان في اللغة: السير الذي يمسك به اللجام.

وأما من جهة الشرع، فشركة العنان: أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما، والربح بينهما، وهي جائزة بالإجماع؛ ذكره ابن المنذر[4].

وهذا النوع من المشاركة "العنان" كما أنه هو المقترح تطبيقه في المصارف الإسلامية مع المضاربة كما سيأتي، فهو أيضًا النوع السائد بين الناس.

كيفية تطبيق هذه الشركة:

ويمكن تطبيقُها بأن يقوم البنك بتمويل المقاولين في عملية معينة؛ بحيث يكون البنك والمقاول شريكين شركة عِنان، وذلك ضمن شروط وقواعد شركة العنان، ويمكن إجمال تلك الشروط كما يلي:

1- أن يكون المعقود عليه قابلاً للوكالة فيه؛ أي: فيما يمكن أن ينعقد فيه التوكيل.

2- معلومية الربح بنسبة محدَّدة دون تعيين مبلغ معين.

3- أن يكون رأس المال من النقدينِ، أو من عروض التجارة، بعد أن يقوم حسب قيمته يوم قبضه[5].

فإذا تم تطبيق هذه الشركة في البنوك، حصل من النفع الشيء العظيم؛ فمنها يتخلص المسلمون من الربا، ومنها من جهة أخرى يزدهر الاقتصاد بوجود مشاريع فعلية تخدم المسلمين في واقعهم من جهة حاجاتهم المعيشية المختلفة، والله تعالى أعلم.

ثانياً: المضاربة الشرعية كبديل إسلامي للفائدة في الأعمال المصرفية الاستثمارية.

عقد المضاربة من عقود الشركة المعروفة في الفقه الإسلامي، وله شروطه وتعريفه الخاص به، وسأذكر طرفًا مما ذكره العلماء من التعريف والشروط على النحو التالي:

أما من جهة اللغة:

فالمضاربة[6]: مصدر ضارَب.

وذكر "المغني" في اشتقاقها وجهين:

أصحهما: أنها مشتقة من الضرب في الأرض، وهو: السفر فيها للتجارة، قال - تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [المزمل: 20].

والثاني: من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم، وتُسمَّى: القراض والمقارضة.

وفي اشتقاقها قولان:

أحدهما: من القرض: القطع؛ لأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلَّمها إلى العامل، واقتطع له قطعة من الربح.

والثاني: من المقارضة: الموازنة، يقال: تقارض الشاعران: إذا وازن كل واحد صاحبه، وها هنا من العاملِ العملُ، ومن الآخر المالُ، فتوازنا، هذا من جهة اللغة.

أما في الاصطلاح، فقد عرَّفها في الإقناع[7] بقوله: "دفع مال - وما في معناه - معين معلومٍ قدرُه إلى مَن يتَّجر فيه بجزء مشاع معلوم من ربحه".

وقال في المقنع[8] إن المضاربة: "أن يدفع ماله إلى آخر يتَّجِر فيه، والربح بينهما".

وما في كتب أهل العلم[9] قريب من هذا المعنى لا يخرج عنه.

أما شروط المضاربة، فهي كما يلي[10]:

1- أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين.

2- أن يكون معيَّنًا.

3- أن يكون معلومًا.

4- أن يُشترَط للعامل جزء معلوم من الربح.

5- أن يكون هذا الجزء مشاعًا غير محدَّد.

وهذا ما يخص تعريفَ شركة المضاربة وشروطها التي لا تصح إلا بها، وهي قريبةٌ مما ذكر في شركة العنان؛ لأنه لا يوجد فرق إلا من حيث إن المضاربة (العامل من طرف، والمال من طرف)، وشركة العنان (المال والعمل من الطرفين)؛ ولذلك صرَّح الفقهاء أن شركة العنان والمضاربة يتَّحدان في الشروط؛ كما صرح به في المقنع وغيره[11].

ويمكن تطبيقُ هذه الشركة الشرعية في البنوك الإسلامية على النحو التالي:

أن يُعتبَر البنك هو رب المال، والتاجر الذي أخذ المال من البنك هو العامل، بحيث يسبق إعطاءَ البنك للعامل المالَ دراسةٌ دقيقة من قِبَل البنك عن العمل التجاري، ووضع السوق بالنسبة لهذا العمل، ومقدار احتمال الربح والخسارة؛ ذلك ليكون عملاً جادًّا يجمع بين الشرعية والاستفادة من الأساليب العلمية الحديثة.

ومن هذا المنطلق، فإنه يلزم البنكَ الإسلامي غير الربوي توفيرُ نوعيةٍ من الموظفين ذاتِ خبرةٍ في المجال الاقتصادي والمحاسبي والإداري على حد سواء[12]؛ لكي يمكن توفير متطلبات العملاء من المبالغ النقدية التي سيتم عقد المضاربة بها في وقت مناسب، وذلك بدلاً من القروض البنكية ذات الفوائد الربوية.

وهكذا يتم الاتفاق بين البنك (رب المال) وبين التاجر (المضارب العامل)، بعد دراسة الموضوع من جميع جوانبه، بحيث يراعي شروط المضاربة الشرعية؛ بأن يكون الربح محددًا مشاعًا، وأن يكون رأس المال المدفوع معلومًا قدرُه، وهو من النَّقدين على ما سبق ذكره من الشروط.

وبهذا العمل المدروس دراسةً شرعية ودراسة علمية حسب أساليب اقتصادية حديثة، يمكن للمسلمين أن يبتعدوا كل البعد عن مواطن الربا المحرم، مع تنمية ودعم اقتصاد المسلمين بوجود المشاريع النافعة.

♦      ♦     ♦

بسم الله الرحمن الرحيم

وثيقة أو عقد مضاربة مقترحة

بعون الله قد تم بتاريخ / / الاتفاقُ بين:

صاحب المال: ............................................ الطرف الأول

المضارب (البنك): .............................. الطرف الثاني على ما يلي:

1- قيام الطرف الأول بدفع مبلغ من المال قدره (.........) للطرف الثاني للتجارة به بطريق المضاربة الشرعية.

2- يتعهَّد الطرف الثاني بألا يستعمل أموال الطرف الأول إلا في التجارة الخاصة بالعقد بينهما، وهو مسؤول عن كل مخالفة لذلك.

3- مدة هذه الشركة بين الطرفين ........ شهرًا من تاريخ توقيع العقد.

4- توزيع الأرباح بعد نهاية المدة حسب نسبة مئوية بحيث يكون للطرف الأول ....% وللطرف الثاني ......%، والخسارة على رأس المال.

5- للطرف الثاني حق التصرف في المال، وهو حق مطلق بالوكالة، ولا ضمان عليه إلا في حالة التقصير والتعدي[13].