• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

أضواء على مقومات النظام الاقتصادي

محمد عيد العباسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/4/2007 ميلادي - 7/4/1428 هجري

الزيارات: 20109

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الحمدلله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى من تبع سبيلهم واقتفى، أما بعد:

فهذه نظرات سريعة إلى مقومات النظام الاقتصادي الإسلامي وخصائصه التي تميزه عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى:-
1- أنه نظام رباني فذ فريد، مستقل عن الأنظمة الأخرى، فواضعه هو الله - تعالى - خالق العباد ومبدع الأشياء، والعالِم بما يصلح الإنسان على اختلاف الأماكن والأزمان، بينما الأنظمة الأخرى من صنع البشر، ومن أهم صفاتهم الجهل والنقص، والخطأ والتأثر بالأهواء.
ولذلك كان من الخطأ الكبير وصف نظام الإسلام بأنه اشتراكي، أو رأسمالي، أو غير ذلك، وإن كان يلتقي مع كل من الأنظمة السائدة في بعض الأمور، إلا أنه يختلف عن جميعها في أمور أخرى مهمة اختلافاً جذرياً.

2- تتجلى صفة الربانية في النظام الإسلامي باعتماده في أنظمته المختلفة على العقيدة الإسلامية التي تتمثل في الإيمان بالله - تبارك وتعالى - أنه الرب الخالق البارئ المالك الرازق المشرِّع والحاكم والمدبر للأمور كلها، وأنه - وحده - المعبود الذي توجه إليه - وحده - جميع أنواع العبادات والقربات والأعمال الصالحة، ويختص بالتعظيم والإجلال، والخوف والرجاء والحب والطاعة، والانقياد والاستسلام، كما أنه المتفرد بجمع صفات الكمال، التي لا يشركه فيها أحد من خلقه، التي أثبتها في كتابه وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم.
ومما تتضمنه العقيدة الإسلامية أن الإنسان مخلوق مكرم، ومكلف مستخلف، وحر مختار، خلقه الله - تعالى - لعبادته، وقلَّبه في الظروف المختلفة؛ لاختباره، وكشف حقيقته، وأنه يراه ويراقبه، ويعلم ما يخفي وما يعلن، وأنه - سبحانه - سيحاسبه، يوم القيامة ويجازيه الجزاء العادل، وأنه لن يفيده في ذلك اليوم أحد ولا شيء إلا إيمانه وعمله، وأنه سيرجع إلى ربه وحيداً فريداً، مجرداً من ماله وأهله وأنصاره، وأنه سيكون في قبضة الله - جل وعلا - لا يستطيع الفرار أو الإفلات.

3- والمرجع الوحيد لهذا النظام هو التشريع الإسلامي المتمثل في الكتاب والسنة وما تفرع منهما كالإجماع والاجتهاد، وفهم السلف الصالح من أهل القرون الثلاثة الأولى وهديهم، والمصالح المرسلة وغيرها. فلا يُقبل أي قانون إذا خالف نصاً صحيحاً صريحاً من الكتاب والسنة. وأما ما اجتهد فيه العلماء ولم يخالف نصاً صريحاً، فيؤخذ بالاجتهاد الأقوى دليلاً، والأصلح نفعاً، والأيسر تطبيقاً، وما كان من ذلك في الأمور العامة فما يعتمده الإمام أو الخليفة أو السلطان فهو المُلزِم النافذ الواجب الطاعة.

4- ويتميز النظام الإسلامي بأنه في جوانبه المختلفة - ومنها الجانب الاقتصادي - يراعي المبادئ الأخلاقية، والقيم النبيلة، ويتقيد بها، ويلتزم بالحفاظ على الفطرة السليمة، وتُعنَى تشريعاته بالحفاظ على المقاصد الخمسة الكبرى في الحياة وهي: الدين، والحياة، والعقل، والعِرض، والمال.

وبهذا يكون ذا أصل رباني يختلف اختلافاً جذرياً عن الفلسفات والتشريعات والأفكار والأنظمة الأخرى، ويتجلى هذا فيما يلي:-
1 - أن مفهوم الصلاح والنجاح في نظر الحياة الغربية تابع للمنفعة المادية، فقيمة الإنسان ما يملكه من المال. والعقلية الاقتصادية الغربية تفسر السلوك البشري على أنه نتيجة عملية حسابية دقيقة موجهة بحذر وعناية نحو النجاح الاقتصادي، وهذا النجاح يعرفونه بأنه تحويل الإنسان إلى مكاسب مالية، والحصول على الثروة سواء كانت في صورة نقود، أو في صورة مواد وسلع، وهذا هو الهدف الأسمى والغاية النهائية للحياة، وهو معيار النجاح الاقتصادي عندهم.

2 - الأخلاق عندهم تابعة لهذه الفلسفة، فالنجاح في كسب المال بما تبيحه القوانين عندهم، هو فضيلة في حد ذاته، كما أن العَلاقات الاجتماعية تابعة للمنفعة المادية، فإقامة عَلاقة مع صديق تُعَد جيدة ما دامت تحقق نفعاً مادياً للإنسان، والدقة في المواعيد والأمانة والصدق فضائل ما دامت مفيدة مادياً. والترف والإسراف والتبذير مباح لديهم، وكذا شرب الخمور وتعاطي الربا وتناول المخدِّرات مباح مادام ممارسها لا يضر غيره، كما أن الزنا والخيانة الزوجية، واتخاذ الخليلة والخل، والشذوذ الجنسي جائز ومسموح به مادام برضا الطرَف الآخر، وليس للحلال والحرام قيمة لديهم، ولا مراعاة في سلوكهم وتعاملهم.

والإنسان يتصرف في ماله كيف شاء فيستطيع أن يصرفه كما يشاء بشرط ألا يخالف القانون، فلا بأس أن يوصي أو يهب ماله كله لكلب أو هرة، ويَحرم منه أولاده وأقاربه وأرحامه. كما أن الصدقات والقرض الحسن والإنفاق في سبيل الله تعد خسارة ومخالفة للتصرف السليم المقبول لدى جمهورهم، كما أن صرف جزء من الوقت عندهم للصلوات والأذكار ولتلاوة القرآن، أو لرعاية الأهل والأولاد وتربيتهم، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو للتفقه في الدين، أو لصلة الأرحام ولزيارة الإخوة في الله، كل هذا يعد عندهم مأثما وخسارة ودليلا على الحمق وضعف التفكير.

بينما النجاح الحقيقي والفلاح الصحيح في حكم الإسلام يكون في تحقيق العبودية لله - تعالى - ومحبته والإيمان به وطاعته والحصول على رضاه، وهذا هو الذي ينجي الإنسان في الآخرة من عذاب النار، ويكون سبباً لدخول الجنة، إضافة إلى كونه سبباً للحصول على الاطمئنان في الدنيا والحياة الكريمة العزيزة السعيدة بقدر الإمكان، كما أنه يجعل المجتمع كله كريماً مطمئناً، سليماً عزيزاً سعيداً أكثر من أي مجتمع آخر في ظل أي نظام وضعي.

3 - والإسلام يقيم اعتباراً كبيراً لمبدأ الحلال والحرام، ويأمر المسلم أن يبذل بعض ماله في الزكاة، والصدقات والكفَّارات طمعاً في ثواب الآخرة، ويحذره من اكتساب المال ولو كان كثيراً عن طريق الربا بنوعيه الفضل والنسيئة (الفائدة)، والميسر (القمار) وبيع المواد المحرَّمة، والحلف الكاذب، والدعاية بما هو خلاف الحقيقة، والغش، وبيع النجس، وبيع الغرر، والكهانة، والسحر، والبغاء، وبيع التماثيل وأنواع الفنون التي لا تُراعَى فيها الضوابط الشرعية؛ إلى آخره.

4- يعتمد الإسلام في تطبيق نظامه الاقتصادي وغيره، وعدم مخالفته والخروج عليه على أمرين:
أولهما: تربية المسلم وتقوية ضميره، وخوفه من الله والدار الآخرة.
ثانيها: نظام العقوبات الشرعية الرادعة التي تنفذها الدولة؛ كما أشار إلى ذلك الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - فقال: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

نظرة الإسلام إلى المال والثروة والسلع:
1- الأصل في المال والثروة في الإسلام أنه نعمة وخير، كما يفهم من قوله - تعالى - عن الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}؛ [العاديات: 8] والخير هنا المال، كما ورد عن السلف، ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح))[1] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده))[2]، وقوله- صلى الله عليه وسلم -: ((ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف له فخذه وتموَّله، وما لا فلا تُتْبعه نفسك))[3].

كما يدل على ذلك استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الفقر، فكان من دعائه قوله- صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم))[4] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))[5].
وهذا لا يتعارض مع حثه - صلى الله عليه وسلم - على الزهد في الدنيا ومدح القناعة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))[6] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))[7].
ذلك لأن الزهد إنما هو عدم تعلق قلب الإنسان بالمال، ومتاع الدنيا، وليس هو خلو اليد منهما، وقد عبَّر عن ذلك أحسن تعبير أحد الفقهاء فقال:
ما   فَقْدُ   مالٍ   تَبْتَغِيه    الزُّهْدُ        لكِنْ  فَراغُ  القَلْبِ  مِنْه   الزُّهْدُ
هذا  سُلَيْمانُ  بنُ   داوُدَ   النَّبِي        يُدْعَى مِنْ الزُّهّادِ مَعَ ما قَدْ حُبِي
والمال هو قوام الحياة، والسبيل إلى تحقيق الإنسان عامة حاجاته، وقد قال الله – سبحانه -: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}؛ [النساء: 5]. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ينهى - سبحانه وتعالى - عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحَجْرُ على السفهاء".
ولكن المال مع ذلك سلاح ذو حدين، فيمكن أن يكون خيراً عظيماً للإنسان إذا استخدمه في وجوه البر والخير، وكسبه من طريق حلال، كما يمكن أن يكون شراً كبيراً، إذا استخدمه الإنسان في المعاصي والآثام. ومن المؤسف جداً أن أكثر الناس يستعمله في المحرمات ويكسبه من طرق حرام، فيكون وبالاً عليه في الدنيا والآخرة.
وهذه النظرة للمال هي من أهم وجوه الاختلاف بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى.

وبمثل هذه النظرة إلى المال ينظر الإسلام إلى السلع والبضائع، يعدها نعماً، ويسميها رزقاً وطيبات، وهذا يحمل معنى الحسن والنقاء والطهارة، والقيم الأخلاقية، وأما المواد الضارة كالخمر والخنزير والميتة وأمثالها فيسميها خبائث؛ يقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}؛ [البقرة: 172] ويقول عن المؤمنين من أهل الكتاب: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}؛ [الأعراف: 157].
وكلمة الرزق تحمل معنى إيمانياً، إذ تُذكِّر أن الله هو المانح المعطي الرازق، فتذكر الإنسان بربه الذي أنعم عليه بهذه السلع؛ كي يشكر الله عليها، ويؤدي حق الله - تعالى - فيها.
ويعد الإسلام السلع ملكا للمجتمع، ويأمر الأغنياء، أن ينفقوا منها على الفقراء، ويذم من يمنعها عن غيره؛ قال الله - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}؛ [يس: 47]. فهذا منطق الكفار، وأما حال المؤمنين فكما وصفهم الله - تعالى - في كتابه العزيز: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ [البقرة: 262].
والتمتع بالسلع والطيبات محمود إذا كان لقصد العيش وَفْق شريعة الله - عز وجل - وهو - سبحانه - ينكر على من يحرمه فيقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}؛ [الأعراف: 32].
ولكن الإسلام يحرم الإسراف وهو: الإنفاق في الحلال بما يزيد عن الحاجة. والتبذير وهو: الإنفاق في الحرام، وفي الحلال على طريق السفه. ويأمر بالاعتدال؛ كما قال رب العزة - تبارك وتعالى -: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}؛ [الإسراء: 29].
وهذا فارق كبير بين نظام الإسلام، والأنظمة الأخرى، وخاصة النظام الرأسمالي حيث يبلغ الإسراف والتبذير فيها مداهماً، دون حساب ولا رقيب، ولا إنكار، ولا لوم، بينما الإسلام لا يكتفي باللوم والإنكار على المسرفين والمبذرين، بل يعاقب عليهما، ويحرم أصحابها من حرية التصرف في أموالها، ويحجر عليها، ويضعها في يد وصي ينفق عليها منها بالمعروف كما سبق في الآية التي مضت {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}؛ [النساء: 5].

فلسفة الإنتاج والعمل في الإسلام:
6- ويعد الإسلام استخراج خيرات الكون، واستثمار ما فيه، وإحياء الأرض، والانتفاع بخيراتها هدفاً من أهدف خَلْقِ الإنسان، وواجباً دينياً عليه، وعبادة ينوي بها التقرب إلى الله - عز وجل - قال الله - تعالى -: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}؛ [هود: 61]. وقوله: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}. أي: وطلب منكم عمارتها، وسمي المستعمرون كذلك لأنهم ادَّعوا أنهم جاؤوا لعمارة البلاد التي احتلوها ولإصلاحها، وتهيئة أهلها لحكمها، وكذبوا، بل جاؤوا لنهب خيراتها، واستعباد وأهلها، فهم أجدر بأن يسَمَّوْا مستدمرين، وقال – سبحانه -: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}؛ [لقمان: 25]. وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}؛ [البقرة: 29]. وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].

وهذه النصوص وأمثالها تعطي قيمة أخلاقية عالية للإنتاج والعمل، وتبين تحريم البطالة والكسل والفراغ، ولو كان من أجل زيادة التعبد، خلافاً لدعاوى المتصوفة المتأخرين، فتأمل قوله - تعالى -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}؛ [الجمعة: 10]. أي: إذا قضيتم صلاة الجمعة، واستمعتم إلى خطبتها، فاخرجوا من المساجد وتعاطَوا أعمالكم المختلفة ونشاطكم في الأرض لكسب الرزق. قال ابن كثير: "روي عن بعض السلف أنه قال: "من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة؛ لقول الله - تعالى -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}".

وقد ندبنا الله - تعالى - إلى استخراج كلِّ كنوز الأرض، والاستفادة منها لتوفير السلع للناس، وتحسين مستواهم الدنيوي والمادي، وقد تعهد ربنا - سبحانه - أن يُوجِد في الأرض الخيرات والأقوات التي تكفي البشر، وتزيد عن حاجتهم مهما تزايدوا وكثروا، ودون دفعهم لتقليل النسل أو تنظيمه، خلافاً لنظرية الكاهن الإنكليزي (مالتوس) الذي ادَّعى أن عدد البشر في تزايد، وثروات الأرض في تناقص؛ لذلك على البشر تحديد نسلهم، وإلا حلَّت بهم المجاعات والأمراض والمصائب، وقد أثبت الواقع خطأ هذه النظرية، وصحة ما أخبر به الرب الكريم الرحيم حيث قال: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}؛ [هود: 6]. والدابة: كل ما يدب على الأرض أو يمشي عليها، كما بين الله - جل وعلا - في قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}؛ [النور: 45]. ولا شك أن الإنسان ممن يمشي على رجلين، فهو دابة على هذا، وإن كان الناس اصطلحوا فيما بعد على استعمال كلمة الدابة للحيوان خاصة، كما يدل على ذلك قوله - عز وجل -: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9، 10]، وتأمل قوله - تعالى -: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}. لتدرك أن الله - تعالى - وضع في الأرض الأقوات اللازمة الكافية للإنسان على مر القرون والأزمان، وبارك في هذه الأرض، وكثَّر فيها هذه الأقوات والخيرات.

وقد يسأل البعض: ما دام الأمر كذلك فلماذا تحدث هذه المجاعات؟ ولماذا تعيش كثير من الشعوب في ضيق مادي وفقر شديد؟
والجواب أن هذه المشاكل الاقتصادية الكثيرة وهذا الضيق والفقر المدقع إنما هو نتيجة عوامل ثلاثة:

أولها:
كسل كثير من الشعوب، وتأخرهم في الاستفادة من خيرات أرضهم، وجهلهم بالطرق الحديثة التي تساعد على كثرة الإنتاج وتيسره.

ثانيها:
سوء التوزيع، وخاصة إذا تذكَّرنا ما حل في البلاد المحتلة، فقد نهبها المحتلون المجرمون الجشعون، واستغلوا أهلها، ولم يعطوهم إلا الفتات، وكدسوا الأموال الطائلة، ولم يَخْرجُوا حتى تركوا أكثرها خراباً يبابا. كما أن من سوء التوزيع تسلط من خلَفهم على الحكم من أبناء البلاد الفقيرة الأقوياء وغالبهم ممن كان يتعاون مع المحتل الأجنبي على ثروات البلاد، والاستئثار بها، وحرمان الأكثرية الشعبية من هذه الثروات، بقوة الحديد والنار، والتغطية على ذلك بالتأييد الأجنبي.

ثالثها:
هذه الحروب الطاحنة والنزاعات الدموية، والصراعات المحلية التي تستنزف الثروات، وتخرب البلاد، وتقضي على ما يسمى البنية التحتية فيها، وتقتل الآلاف المؤلفة، وتشرد الملايين، وتملأ الأرض فسادا ووراء هذه الحروب والمنازعات في الغالب يد المحتلين المجرمين تغزيها وتسعرها لتبقي تسلطها وتحكُّمها في هذه البلاد، وأكثرها بلدان إسلامية، ولتمنع قيام نهضة إسلامية، تمهد السبيل لإعادة الخلافة الإسلامية، التي تقيم للمسلمين كياناً قوياً واسعاً يحقق لهم العزة، والسيادة والمجد، وينقذهم من مخالب تلك الذئاب البشرية المسعورة، ولا أحد يجهل تلك الألغام المؤقتة التي تركها المحتلون في غالب البلاد التي خرجوا منها، ليرجعوا إليها من النافذة بعد أن خرجوا من الأبواب، ومن تلك الألغام منطقة كشمير بين الهند وباكستان، ومنطقة الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، وغيرهما كثير وقد أصبح من البدهي المكشوف مكر أصحاب الشركات الكبرى للسلاح وغيره لإيقاد نار الحروب والفتن بغية تسويق منتجاتها، وزيادة أرباحها، وتكديس الأموال في جيوب أصحابها، دون أن يبالوا بمآسي الشعوب وقتل أبنائها وتيتيم أولادها وحرمان نسائها من رجالها وأبنائها، فالمال عند هؤلاء المجرمين أغلى وأسمى وأعز وأعلى من سلامة الناس وسعادتهم، وراحتهم وطمأنينتهم. ولا شك أن من المعروف أن هؤلاء الرأسماليين هم الذين يصنعون السياسيين ويقودونهم، وبدون أموالهم ومساعداتهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى كراسي الحكم حسب أنظمة الديموقراطية الزائفة.

وأنا حين أحمِّل الدول المحتلة سواء الاحتلال القديم أو الحديث، وسواء الاحتلال السياسي والعسكري أو الاحتلال الاقتصادي - لا أعفي أبناء البلاد الفقيرة وخاصة الحكام وأهل الحل والعقد فيها من المسؤولية، إذ لولا جهلهم وقلة وعيهم وسذاجتهم، من ناحية، وأطماعهم في الوصول إلى السلطة والاستئثار بالأموال الطائلة، وممالأة الدول الأجنبية من ناحية أخرى على حساب الوطن، لولا ذلك لما استطاع الأجنبي الغادر من تحقيق ما أراد.

7- حرية الملكية الفردية وصيانتها:
من أهم أسس الاقتصاد الإسلامي أنه صان الملكية الفردية وحماها عن أي اعتداء، هذا طبعاً إذا كان وصل إليها صاحبها عن طريق مشروع، وقد قرر الله - تعالى - ذلك في كتابه الكريم فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}؛ [النساء: 29]. وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ [البقرة: 188]. وأكد ذلك النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في أكبر تجمع حاشد جرى في حياته وهو حجة الوداع - فخطب في الناس تلك الخطبة التاريخية العظيمة، التي قرر فيها أهم مبادئ الإسلام وتشريعاته فقال بعد أن مهد لانتباه الناس بخطابات مثيرة: ((أي شهر هذا؟ وأي يوم هذا؟ وأي بلد هذا؟ أليس شهر ذي الحجة، ويوم عرفة، والبلد الحرام؟)) فأجابوا: نعم. فقال: ((فإن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)). ثم في آخر خطبته أشهد الله أنه قد بلغ الناس ما أمر تبليغه إياهم[8].
كما أكد - صلى الله عليه وسلم - ذلك مرة أخرى في مناسبة ثانية فقال: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه))[9]. وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: ((ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه))[10].

وبهذه التقريرات الجازمة الحازمة يعيش المرء في المجتمع الإسلامي آمناً مطمئناً على نفسه وعرضه وماله من أي اعتداء، فإذا حصل عليه أي اعتداء رغم ذلك فهناك القضاء ليعيد إليه حقه المسلوب كاملاً غير منقوص، ولا يستطيع أحد كائناً من كان حتى ولو كان رئيس الدولة نفسه أن يظلم أحداً شيئاً، أو أن يأخذ شيئاً منه أو ينال منه إلا بحقه، والشريعة هي الحامية لذلك، والدولة كلها مستخلفة لتنفيذ شرع الله - عز وجل.
وهذه مَيزة عظيمة لنظام الإسلام عن الأنظمة المستبدة، والأنظمة الاشتراكية والشيوعية التي لا يأمن أحد من الناس على الزوجة فضلاً عن أملاكه وعرضه.
ولا شك أنه في ظل هذا الأمن يعم الاستقرار والطمأنينة، فيخرج الناس أموالهم ويستثمرونها فتنشط الأحوال الاقتصادية وتكثر فرص العمل، وتعمر البلاد، وتزدهر الأوطان وينعم الناس.

8- إشراف الدولة على النشاط الاقتصادي:
ومن وظيفة الدولة في الإسلام الإشراف على النشاط الاقتصادي؛ حتى لا يحدث أي خلل فيه، وخوفاً من أن يتدخل بعض المنتفعين والأغنياء وأصحاب الشركات الكبرى وغيرهم للتلاعب بالسوق، واحتكار البضائع، وإحداث الأزمات، والقيام بالغش والظلم والخداع، فالدولة حارسة للقوانين المأخوذ، من الشريعة الإسلامية بقوة السلطان، ولكن الإسلام يحرم على أصحاب السلطة وعلى الدولة نفسها ممارسة التجارة والزراعة والصناعة، فينافسون الناس، ويظلمونهم، ويستأثرون بالكسب والأرباح دونهم، متمتعين بصفتهم الرسمية، وهيبة الحكم، وإن ممارسة الدولة نفسها للتجارة والزراعة والصناعة يؤدي إلى ظلم كبير، إذ لو حدث أي خلل أو غش أو تلاعب فمن الذي يراقبه ويحاسب عليه؟! هذا فضلا عن الفشل والإخفاق الذي يحُل بكل ما تقوم به الدولة من هذه الأنشطة؛ لأن الذي يقوم عليها هم الموظفون، وبما أن هؤلاء لا يستفيدون شيئاً من هذه المشروعات لو نجحت، كما أنهم لن يخسروا شيئاً إذا خسرت، فيؤدي هذا إلى ضعف حماستهم وحرصهم على نجاحها وتقدمها، فلا يبذلون الجهد المطلوب، ولا يهتمون الاهتمام اللازم لنجاحها وتقويتها، وعلى هذا فسيكون مصيرها الانهيار والإفلاس كما حدث في كثير من البلدان التي تنهج النهج الاشتراكي، أو الشيوعي الذي تسيطر فيه الدولة على وسائل الإنتاج، أو تمتلك كل شيء وتؤمم المؤسسات والشركات والمصانع والمزارع، وما خبر ما حل بالمعسكر الشيوعي العالمي منا ببعيد.
وما يعرف بأملاك الدولة وهي في الحقيقة الأراضي التي ليست لأحد، فهي أملاك الله التي لم يتملكها أحد، يأمر الإسلام بالسماح لأي أحد بتملكها، إذا سبق إليها، بشرط أن يعمرها ويحييها خلال ثلاث سنوات، فإذا لم يحيها خلال هذه المدة نزعت منه، وردت إلى حالها الأولى، وذلك قطعاً لكل طريق يعطل الأراضي عن الاستثمار والإعمار وإفادة الناس.
وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق))[11] ويقول: ((من عمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها))[12]. واختلفوا: هل يحتاج ذلك إلى إذن السلطان؟ فرأى الشافعي وصاحبا أبي حنيفة أنه لا حاجة إلى ذلك وذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، ولعل الأول هو الأرجح لعدم ورود ذلك في الأحاديث، والله أعلم.
وكان الخليفة الراشد الثاني عمر - رضي الله عنه - يمهل من يحوط أرضاً ثلاث سنوات ليعمرها، فإن لم يفعل نزعها منه. وهذا هو الذي ينسجم مع الغرض الذي شرعه الله من وضع اليد على الأرض وتملكها، فهو أراد بذلك إحياءها، ولم يرد تعطيلها وحجزها عن الإفادة منها واستثمارها، ومن وظيفة الدولة المسلمة جمع الزكاة من الأغنياء، وتوزيعها على الفقراء، هذا في المواشي والمزروعات، وأما في النقود فقد ترك لصاحب المال إخراج زكاة ماله بنفسه، وفي هذا تحقيق المصلحة المثلى بإيصال المال إلى مستحقيه، فبعضهم يعرف مالك المال، وربما كان من أقاربه فهو يساعده بذلك، ويصل رحمه، وربما كان بعض الفقراء لا يعلمهم الناس، فتتولى الدولة إيصال الزكاة إليهم.
ثم إن علمت الدولة أحداً منع زكاة ماله عاقبته بأخذ الزكاة منه قسراً، وزيادة على ذلك تأخذ نصف ماله الذي وجبت فيه الزكاة؛ كي تمنع أي أحد أن تسول له نفسه هضم حق الفقراء.
وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا أخذوها منه، وشطر ماله، عزمه من عزمات ربنا - عز وجل - ليس لآل محمد منها شيئ))[13].
وللقيام بواجب إشراف الدولة أنشأ المسلمون وظيفة المحتسب الذي يرأس جهازاً خاصاً في الدولة يسمى الحسبة، وذلك في وقت مبكر وفي عهد الخلفاء الراشدين، يتولى العاملون فيه مراقبة المكاييل والموازين، ومنع الاحتكار لأقوات الناس، ومنع الغش، ومعاقبة المتلاعبين بالأسواق والأسعار، والذين يبيعون المواد المحرمة ويصنعونها وينتجونها، وغير ذلك من الشؤون والمخالفات، وطرق الكسب الحرام، وكل ما فيه إضرار بمصلحة الناس، وشؤون معاشهم وحياتهم.

9- يتبنى الإسلام مبدأ الحرية الاقتصادية:
ويمنع الدولة من التدخل لتحديد أسعار السلع، ويترك ذلك لحركة السوق الطبيعية بناء على قانون العرض والطلب، حرصاً على تحقيق العدالة، ومنعاً لظلم البائعين والمستهلكين؛ ذلك لأنه ليس من العدل إجبار البائع على بيع سلعته بسعر أقل مما يصل إليه التعامل الحر في السوق، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: غلى السعر على عهد - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله لو سعرت؟ فقال: ((إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال))[14].
هذا إذا كانت السوق تسير بوضع طبيعي تجري فيه المنافسة الحرة، ويتوفر فيه تكافؤ الفرص، وتشرف الدولة عليه، فتوفر الشروط الطبيعية، وتمنع الغش والاحتكار والتلاعب.
أما إذا وقع شيء من الاحتكار وتمالؤ التجار على رفع الأسعار، والتلاعب بالسوق، فحينئذ يجوز للدولة أن تتدخل، وتمنع الظلم، وتحدد الأسعار؛ دفعاً للظلم والاستغلال.
أقول: وبسب أن الموضوع قد طال، وبسطه يحتاج إلى كتاب فأكتفي بما سبق وأختم الموضوع بذكر بعض المبادئ الاقتصادية التي لم تذكر مجرد ذكر فأقول: من هذه المبادئ ما يلي:

10- يسعى الإسلام لتداول المال بين جميع الناس، ويحارب حصر تداوله بين الأغنياء، فقد أرسى القرآن هذه القاعدة بقوله - تعالى -: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ}الحشر7 [الحشر:7]، كما يسعى الإسلام لتفتيت الثروة كلما انقضى جيل من البشر عن طريق نظام المواريث، ويساعد على التقريب بين الطبقات إضافة إلى ذلك بواسطة نظام الزكاة والصدقات والكفارات والأوقاف.

11- يفرض الإسلام العدالة في تشريع الضرائب، وبعيد النظر فيه كي لا يكون مجحفا بالطبقات الفقيرة، ويجعله متناسباً مع مقدار الثروة التي يملكها الإنسان، ولذلك يقلل ما أمكن من الضرائب غير المباشرة على السلع الضرورية أو يلغيها.

12- يحث الإسلام على ما يوجب تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد وخاصة في الأقوات الضرورية للناس حتى لا يتحكم أجنبي فيها.

13- كما يوجب إقامة تعاون اقتصادي كامل مع الدول الإسلامية وإقامة السوق الإسلامية المشتركة، والاستغناء عن الدول الأجنبية ما أمكن.

14- يوجب الإسلام: تحقيق التوازن الاقتصادي مع القوى الاقتصادية الدولية الكبرى، بل وتحقيق التوازن العسكري أيضاً.

15- يوجب الإسلام الحصول على أرقى التقنيات العلمية واستخدامها الزيادة الإنتاج وتحقيق الازدهار الاقتصادي.

16- لا يمنع الإسلام من مشاركة المرأة في العمل المناسب لطبيعتها النفسية والعضوية، بشرط عدم الإخلال بواجبات بيتها؛ من رعاية الزوج والولد، وبشرط تجنب الخلوة والاختلاط بالرجال، والتقيد باللباس الشرعي.

والحمد لله أولاً وآخراً.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أحمد (4/197) عن عمرو بن العاص وسنده صحيح.
[2] رواه الترمذي والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع - 1887".
[3] رواه بنحوه الشيخان وغيرهما عن عمر".
[4] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة، وصححه الألباني في "الإرواء - 860".
[5] رواه مسلم والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود.
[6] رواه ابن ماجه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع 922".
[7] رواه البخاري وغيره عن ابن عمر.
[8] رواه مطولا مسلم في صحيحه، وأورده الألباني في "حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص71 و 88.
[9] رواه مسلم (ص 1986).
[10] أورده الألباني في "الإرواء - 5/ 280/1459" وعزاه إلى أحمد (5/72) والطحاوي في (شرح المعاني - 2/340) و(المشكل 4/41) وابن حبان والبيهقي وغيرهم، وصححه.
[11] رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن سعيد بن زيد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5976) ومعنى (ليس لعرق ظالم حق) أي أن من يغتصب أرض الآخرين فيغرس فيها أو يزرع، فلا حق له، وبقلع غراسه وزرعه".
[12] رواه البخاري عن عائشة.
[13] رواه أبو داود (الزكاة 5/1575) والنسائي (الزكاة 4/2442) والدارمي (الزكاة 36/1/333/1684) وأحمد (5/2و4) كلهم من عن معاوية بن حيدة القشيري، وحسنه الألباني في "صحيح السنن".
[14] رواه أحمد (3/156، و2/337و 373و 3/85 و 282) وأبو داود (البيوع 51/3451) والترمذي (بيوع 73) وابن ماجه (تجارات 27) والدارمي (البيوع 13) وصححه الألباني في "صحيح السنن".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشركات العائلية ودورها في التنمية البشرية والاقتصادية
  • تحديات الأزمة الاقتصادية.. رؤية إسلامية
  • النظام الاقتصادي الإسلامي ودوره في التنمية
  • ازدهار الحياة الاقتصادية
  • النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي (1/2)
  • البورصة العربية الموحدة حلم ينتظر التحقيق
  • في الاقتصاد الإسلامي
  • القواعد الكلية اللازمة للاقتصادي المسلم!!
  • بين معرفة الاقتصاد واقتصاد المعرفة
  • النظام الاقتصادي في الإسلام
  • المسؤولية الاجتماعية للبنوك والشركات
  • البعد الاقتصادي للأعراس الجماعية
  • حكمة الاقتصاد!!
  • الريال ونظام الدولرة الكاملة
  • العامل الاقتصادي في القرآن
  • مقاييس حرارة الاقتصاد
  • اقتصاديات إنتاج اللبن النظيف
  • الكذب الكبير في الاقتصاد
  • رجل الاقتصاد والمسؤولية الملقاة على كاهله
  • التعليم الاقتصادي من خلال ألعاب الكمبيوتر
  • سر أهمية علم الاقتصاد
  • معنى العدالة الاقتصادية
  • التعليم والاقتصاد

مختارات من الشبكة

  • نقطة ضوء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء على نظام الحكم في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أضواء حول سورة "ق" (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تخريج حديث: فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء حول سورة الواقعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء حول سورة الكافرون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء حول سورة الفيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب