• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

المؤتمر الإسلامي العظيم في الرياض عام 1347 هـ

المؤتمر الإسلامي العظيم في الرياض عام 1347 هـ
مجلة الإصلاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2013 ميلادي - 15/7/1434 هجري

الزيارات: 5136

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المؤتمر الإسلامي العظيم في الرياض

المجتمع في 22 جمادى الأولى سنة 1347


لقد علم الناس جميعًا ما عليه جلالة الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل السعود من اقتفاء أثر السلف الصالح - رضي الله عنهم - واتِّباع منهجِهم الذي كانوا يَسيرون عليه في معاملتهم للناس، وما كان عليه أمر الخلافة الراشدة من الشورى، التي هي أعظم ما يقوم عليه المُلْك الصحيح، الذي يكون من ورائه النفع العظيم للراعي والرعية، وأنه لا تَمضي فرصة من الفُرص إلا ويُظهر فيها الإمام عبدالعزيز ما يقوم برهانًا ناصعًا وحجَّة دامغة على أنه لا يحيد عن الشرع الإسلامي قِيدَ شَعرة، وأنه إنما قام على رأس هذه الأمة العربية العظيمة وأخذ بزمامها لا لشَهوة في الملك أو حبٍّ للرئاسة؛ ما هي إلا الغيرة الإسلامية، والحمية الدينيَّة، حفَّزت ذلك الإمامَ العظيم أن يتصدَّر لحَملِ أعباء ذلك الملك الذي قلَّ مَن يُقدِّر المسؤولية فيه حق قدرها يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويوم يؤخذ من القَرْناء للجمَّاء، إن الإمام عبدالعزيز يخاف من ذلك اليوم جدًّا، ويعمل له كثيرًا، وطالما ذكَره في مجالسه التي لا يخلو واحد منها من تذكير بالله وترغيب فيما عنده من سَعادة الآخِرة.

 

وقد وجد جلالة الإمام أن الظروف قاضية باستِشارة رجاله من العلماء والأمراء وأخذ رأيهم فيما جدَّ مِن الأمور التي تتعلَّق بالصِّلات والمصالح بين نجد وجاراتها، وأنه بذلك يَعمد إلى تمحيص الرأي؛ حتى يَخرُج ناضجًا بعيدًا عن الهوى والعصبيَّة، وإنك لترى من ثنايا خطابه لذلك الجمع الحافل، وخطاب الأمراء والعلماء ردًّا على جلالته، ما يُظهِرك على ما انطوت عليه تلك النفس الزكية الصادقة؛ نفسيَّة الإمام عبدالعزيز من حرصٍ على المصلحة العامَّة، وأنه يُضحِّي في سبيلها بكل مصلحَة خاصَّة، ويُظهِرك على ما تُكنِّه نفوس أولئك الأمراء والعلماء - الذين هم شيوخ نجد، وذوو الرأي والكلمة المسموعة فيها - من الحب الصادق للإمام عبدالعزيز بن السعود، وأنهم قد أعطاهم الله مِن صدق الإيمان وسلامة الطوية ما أنطقَ ألسنتهم بصريح القول الذي لا مواربة فيه ولا مخادعة ولا نفاق ولا تزلف مما جُبل عليه كثير من بطانة الملوك، وإنك لتجد في هذه الصراحة طعمَ أمراء الإسلام الصادقين ونجومه الزاهرة الذين قالوا للخليفتين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: "لو وجدنا فيك اعوجاجًا، لقومناك بسيوفنا"، فلله ما أجمل هذه الصراحة، وما أبدع هذا الصدق في القول، وما أطهر هذه القلوب التي بها وحدها قد شيد للإسلام المجد، الذي هو أحدوثة الغابرين والحاضرين!

 

إنك حين تسمع أولئك الأمراء يُخاطِبون الإمام عبدالعزيز هذا الخطاب وهو يُصغي إليهم إصغاء المُستنصِح، ويُجيبهم جلالته إجابة المقدِّر لقولهم، الآخِذ بنُصحِهم، لَيتجلَّى لك عند ذلك ما أودع الله في قلب الجزيرة مِن ذُخرٍ للإسلام والمسلمين، وإن في كل ذلك ما يقطَع ألسنة الخرَّاصين الذين لا همَّ لهم إلا إشاعة السوء، أو الذين أكلتْ قلوبَهم الضغينةُ حتى أوهمتْهم أو أوهموا أنفسهم تخفيفًا وتهوينًا أن هناك فِتنة، وما هناك إلا كلمة مُجتمِعة، وأيدٍ متآلِفة، وقلوب مُنعقِدة على حبِّ الإمام عبدالعزيز؛ لأنهم وجدوا فيه وحده بُغيَتَهم التي تُنيلهم ما يرجون من عزٍّ وسعادة، فأقاموا حول عرشه يؤيدونه بكل ما أوتوا من قوة في قلوبهم وألسنتهم، ولله ما أحلى هذه العَبرات التي سالت من أعين أولئك الشيوخ الأمجاد تعبِّر عما تُكنُّه قلوبهم من حب صادق لإمامهم ومليكهم ومُعيد مَجدِهم، وسيُعيد مجد الإسلام العظيم.

 

إن جلالة الإمام ما كاد يَبعث الدعوة إلى الأمراء في بلدانهم النائية التي ليس فيها مُواصَلات سهلة، حتى كانت الجموع الحاشدة تَفِد سراعًا إلى الرياض مقرِّ جلالة الإمام، حتى إنك لو قدَّرت المُدَّة من الزمن بين الدعوة والإجابة وبُعد الشقة، لوجدت أمرًا عجبًا أن تحضر هذه الجموع الكثيرة في مثل هذه المدَّة القصيرة، في بلاد مثل نجد ليس فيها مُواصَلات تقرِّب مسافاتها، ولكن هو الحب لإمامهم طارَ بهم إلى إجابة ندائه، وكذلك شأن العرب الصادقين في العُروبة.

 

بارك الله في جلالة الإمام عبدالعزيز، وفي أمرائه الأمجاد، وقومه الأعزاء.

 

قال مندوب صحيفة أمِّ القُرى الغَراء:

قبيل المؤتَمر

وصَل الناس للرياض وفدًا وفدًا، وكان كل وفدٍ حين يُقابل الإمام يقصُّ له ما كان للخبر من وقع أليم، وكانت دموع الكثيرين تَسبِق ألسنتهم؛ إذ ما كانوا يظنُّون أن سيَسمعوا تخلي إمامهم عنهم، وكان الإمام يطمئنهم بأنه على كل حال نازل على رأي الجَماعة في هذا الأمر، وقد بلغ ببعضِهم أن أرسل الكتب مُعلنًا السمع والطاعة، ولكنه غلَّظ الأيمان بأنه لا يَحضُر مجلسًا يُذكَر فيه خبر تنازُل الإمام عن إمامته، ولم يكن سعي المؤتمرين في مجالسهم الخاصة قبيل المؤتمر ليَتناول مُعالَجة شيء أهمَّ مِن هذا الأمر؛ حتى تمكَّنوا في النتيجة من حمل جلالة الملك على عدولِه عن رأيه في هذه القضية، ثم نظرًا لأن موعد اجتماع المؤتَمر كان في مُنتصَف ربيع الثاني، وتأجَّل إلى مُنتصَف جمادى الأولى ريثما تصل بقية الوفود؛ فقد كان لدى الوفود التي وصلت الرياض متَّسع في الوقت لدرس المواضيع التي يمكن أن تكون موضوع المناقشة في المؤتمر، وقد عقد لذلك مجالس مُتعدِّدة خاصة، وتبادل أكثر الزعماء الرأي مع جلالته في كثير من الشؤون الداخلية والخارجية؛ حتى أصبَح هناك رأي عام متَّحد في مواضيع البحث، ونضوج في الأفكار توفِّر من أوقات المناقشات داخل المؤتمر، ولم يدخل الناس المؤتمر حتى كادوا يَكونون مُجمِعين على قرار واحد، سواء في ذلك الأمراء أو العلماء أو الزعماء أو القادَة.

 

وإن العربي الناظر لهذه الاجتماعات والسامع لتلك المُحاوَرات، لتَأخُذه أريحيَّة، ويُخامره سرور لهذا التبدُّل الذي يراه في التطور الفكري في قلب هذه الجزيرة العربية؛ إذ يرى أن أولئك البُداة الحفاة الذين لم يكن الرجل منهم يدرك وينظر لأبعد من الوصول إلى شهواته البدنية من مأكل ونكاح، أخذت تبدو عليه علائم الجدِّ والنشاط للبحث والتفكير بحَماسة واهتمام في أمور دينيَّة لها علاقة عظيمة بأمور الاجتماع والعمران والسياسة، ويُناقِش كل موضوع بما فُطِر عليه من ذكاء وفِطنة، فتسمع كلامًا جميلاً، وقولاً سديدًا.

 

لغة المؤتَمر

ومما هو جدير بالذكر - قبل رواية ما كان في المؤتمر - أن أذكر شيئًا عن اللغة التي كان يتكلم بها المؤتمِرون، فهي بالضرورة اللغة العربية، ولكني شهدت كثيرًا من المؤتمرات والمُجتمَعات في حواضر المدن من مصر وسوريا، وفي تلك المؤتَمرات خلاصة المتعلِّمين في تلك الأمصار، ويُمكنني أن أقول - ولستُ بمُسرف ولا جانف -: إن من كانوا يتكلمون في الرياض كانوا أفصح لسانًا وأقوى بيانًا، وإنك لتسمع للفظ العربي الفصيح رنَّةً في الأذن تَسترعي السمع أكثر من ذلك اللفظ الذي كان يُتداوَل في مؤتمرات الأمصار من اللفظ العامي الساقط الذي يَنبو عنه سمع الأديب، الذي مارسَت حافظته القول العربي الرصين من أقوال العرب الأوَّلين، وكان يعجبني من بعضهم إذ كان يرتجل الأسجاع الرصينة التي لا أثر فيها للتكلُّف، ولا يُخامر السامعَ ريبٌ في أنها مُرتجَلة، ولم تكن أعدَّت لتُقال، وقد يكون ملقيها ممن لم يُحسِن القراءة والكتابة.

 

وإن آسف في هذا المؤتَمر، فلأني لم أوفَّق لأن أَنقُل أقوال القائلين بألفاظها، ولكني كنتُ أقيِّد المعاني، وأَعِد القُراء بأني لم أُهمِل معنى ذُكر في ذلك الاجتماع إلا نقلته لهم.

 

نظام المؤتَمر

لقد كان الوافدون يُعدُّون بالألوف؛ ولذلك كان من المتعذِّر أن يُدعى الجميع للحضور والاشتراك في الكلام، فاختير من بين هذه الجموع العلماء والأمراء والرؤساء والقادة، فبلغ عددهم الثمانمائة أو يزيدون، وقد عُرضَت أسماؤهم بقائمة خاصة على جلالة الملك، فأمر بدعوتهم فردًا فردًا، وأُخبِروا أن موعد الاجتماع سيكون الساعة الثانية من صباح يوم الاثنين الواقع في 22 جمادى الأولى، وقد أُعدَّت غرف انتظار خاصة يَجتمع كل فريق من المؤتمِرين فيها؛ حتى يتكامل عددهم، فخُصِّصت غرفة لانتظار العلماء، وغرفة أخرى لانتظار أمراء الحاضِرة ورؤسائهم، وغرفة لانتظار رؤساء الهجر من القبائل، وعين لكلِّ غرفة من هذه الغرف خدم ومُستقبِلون يتلقَّون الوافدين ويُجلِسونهم في أماكنهم.

 

وقبيل الوقت المضروب بنصف ساعة تقريبًا شرَّف جلالة الملك مكان المؤتمر وجلس في مجلسه المُعَدِّ له، وكان حوله أصحاب السمو الأمراء من رجال العائلة المالكة، وجلسوا بين يديه يتحدَّث إليهم ببعض الشؤون، ولما لم يبقَ للموعد غير دقائق معدودات أمر بصاحب الضيوف إبراهيم بن جميعه، فحضر، وسأله: هل تكامل جمع المدعوين؟ فأَخبَر بأسماء بعض من تأخَّر، فأمر بتأخير الاجتماع بضع دقائق حتى وصل الخبر لجلالته باستكمال عدد المُجتمعين، فنادى ببعض رجال حاشيته، وعيَّن مواقع كل فريق من المؤتمِرين، فجعل العلماء في الصف الأول عن يمينه وشماله وكان الشيخ سعد بن عتيق ثم الشيخ محمد بن عبداللطيف عن يَمينه والشيخ عبدالله بن بليهد والشيخ عمر بن سليم والشيخ العنقري عن يساره، وتبعهم بقية العلماء عن اليمين وعن الشمال، فلما استقرَّ بالعلماء المجلس نودي أهل حواضر المدن فجلسوا بعد العلماء عن اليمين والشمال فملأ الجميع محيط الرواق من جوانبه الأربع، ثم نودي برؤساء الهجر من قبائل العرب فدخلوا هجرة هجرة وقبيلة قبيلة وجلسوا صفًّا صفًّا مقبلين على جلالة الملك بوجوههم، وقد احتمل هذا الترتيب وعمله ما يَقرُب من 15 دقيقة إلى أن غصَّ المكان بالمدعوين.

 

مكان المؤتمَر

لم يكن المُؤتَمَر الذي اجتمع فيه المؤتمِرون ذا أبهة وفخامة، ولكن كان يمثِّل البساطة العربية والديموقراطية الإسلامية العربية التي يتساوى فيها الكبير والصغير.

 

لقد كان المُجتمِعون - كما يرى القارئ - لا يقلُّ عددهم عن ثمانمائة مندوب؛ بين أمير وعالم ورئيس، وإيجاد مكان فسيح في بلد مثل الرياض يسع مثلَ هذا العدد الوفير ليس من الهيِّنات؛ لذلك أمر جلالة الملك أن يُختار للمؤتمر أكبر مكان يوجد في قصر جلالته، فاختير لذلك رواق في بيته الكبير من قصره يبلغ مساحته 238 مترًا مربَّعًا، وقد فُرشت أرض الرواق بسجاد جميل وبُسُطٍ أنيقة، وصفَّت المساند على الأطراف، ولم يتميز مقعد جلالة الملك في ذلك المؤتمر الحافل بغير وسادة وُضِعت عن يمينه كان يَسند يده إليها في بعض الأحيان، وقد كان الرواق مكشوفًا للسماء؛ فنُصِبَت في مَشرق الشمس منه بعض أقمشة من (الشراع)؛ لصدِّ الشمس عن المجتمعين، وقد فُرشَت بعض الأروقة التي حول الرواق الكبير بالسجاد أيضًا؛ لجلوس المستمعين فيها، كما أُعِدَّ في الطابق العلوي مقاعد لبعض المستمعين الذين لا يشتركون في أحاديث المؤتمَر.

 

أحاديث المؤتمَر

فلما استقر بالوافدين المَجلِس، وأخذ كلٌّ مكانه، أمر جلالة الملك بالقهوة فأديرت على الحاضرين، ولم تمرَّ إلا هُنيهةٌ حتى تناوَل الجميع القهوة، ثم أقبل جلالته على الجالسين، فحمد الله ثم قال ما خلاصته:

خطاب جلالة الملك

"أيها الإخوان: تعلمون عِظَم المنَّة التي منَّ الله بها علينا بدين الإسلام؛ إذ جمعنا به بعد الفُرقة، وأعزَّنا به بعد الذلة؛ واذكروا قوله - سبحانه -: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ [التوبة: 105]، إن شفقتي عليكم وعلى ما منَّ الله به علينا، وخوفي من تحذيره - سبحانه - بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]؛ كلُّ هذا دعاني لأن أجمعكم في هذا المكان؛ لتتذكَّروا أولاً ما أنعم الله به علينا، فنرى ما يجب عمله لشُكران هذه النعمة، وثانيًا لأمرٍ بَدا في نفسي، وهو أنني خشيتُ أن يكون في صدر أحد شيء يَشكوه منِّي أو من أحد نوابي وأمرائي بإساءة كانت عليه أو بمنعِه حقًّا من حقوقه، فأردتُ أن أعرف ذلك منكم؛ لأخرج أمام الله بمَعذِرة من ذلك، وأكون قد أديتُ ما عليَّ من واجب، وثالثًا لأسألكم عما في خواطركم وما لدَيكم من الآراء مما ترَونه يُصلِحكم في أمر دينكِم ودُنياكم.

 

إن القوة لله وحده، وكلكم يَذكر أنني يوم خرجتُ عليكم كنتم فِرَقًا وأحزابًا يَقتُل بعضكم بعضًا وينهَب بعضكم بعضًا، وجميع مَن ولاه الله أمركم من عربي أو أجنبي كانوا يدسُّون لكم الدسائس لتفريق كلمتكم وإنقاص قوتكم لذَهاب أمركم، ويوم خرجتُ كنتُ محلَّ الضعف وليس لي من عضد ومساعد إلا الله وحده، ولا أملك من القوة غير أربعين رجلاً تَعلمونهم، ولا أريد أن أقصَّ عليكم ما منَّ الله به عليَّ من فتوح، ولا بما فعلتُ من أعمال معكم كانت لخيركم؛ لأن تاريخ ذلك منقوش في صدر كل واحد منكم، وأنتم تعلمونها جميعها، وكما قيل: "السيرة، تبيِّن السريرة".

 

إنني لم أجمعكم اليوم في هذا المكان خوفًا أو رهبًا من أحد منكم؛ فقد كنت وحدي من قبل وليس لي مساعد إلا الله، فما باليت بالجموع، والله هو الذي نصرني؛ وإنما جمعتكم - كما قلت لكم - خوفًا من ربي، ومخافة من نفسي أن يُصيبَها زَهوٌ أو استِكبار.

 

جمعتكم هنا في هذا المكان لأمر واحد ولا أجيز لأحد أن يتكلم هنا في غيره، ذلك هو النظر في أمر شخصي وحدي، فينبغي أن تَجتنِبوا في هذا المجلس الشذوذ عن هذا الموضوع، ولا أبيح لأحد أن يُخاصِم في هذا المجلس أحدًا في رأيه ولو أخطأ، فالجميع أحرار فيما يتكلَّمون به في هذا الموضوع، أما الأشياء الخارجة عن هذا، فسأُعيِّن لكم اجتماعات خاصة وعامة في غير هذا الاجتماع العلني نَنظُر فيها جميع الشؤون التي يَنبغي النظر فيها من سائر شؤوننا".

 

"أريد منكم أن تنظروا أولاً فيمَن يتولى أمركم غيري، وهؤلاء أفراد العائلة، فاختاروا واحدًا منهم، ومَن اتَّفقتم عليه، فأنا أُقرُّه وأُساعده، وأحبُّ أن تكونوا على يقين بأنني لم أقل هذا القول استخبارًا أو استمزاجًا؛ لأنني - ولله الحمد - لا أرى لأحد منكم مِنَّة عليَّ في مقامي هذا، بل المنَّة لله وحده، ولستُ في شيء من مواقف الضعف حتى أترك الأمر لمنازِع بقوة، سواء كان المنازع ضعيفًا أو قويًّا، وسواء كنتُ في كثر أو قُلٍّ، وما يحملني على هذا القول - في هذا الموقف الذي لا فضل لأحد في وقوفي فيه إلا الله وحده الذي نصَرني وأيَّدني - إلا أمران: الأول: محبة لراحتي في ديني ودنياي، والثاني: أني أعوذ بالله أن أتولى قومًا وهم لي كارهون، فإن أجبتُموني إلى هذا، فذلك مطلبي، ولكم أمان الله أنه مَن يتكلم في هذا، فهو آمِن ولا أُعاتِبه لا عاجلاً ولا آجلاً، فإن قبلتم طلبي هذا، فالحمد لله، وإن كنتم لا تزالون مصرِّين على ما كلمتموني به على أثر دعوتي لكم، فإني أبرأ إلى الله أن أخالف أمر الشرع في اتِّباع ما تُجمِعون عليه مما يؤيِّد شرع الله.

 

(أصوات.. كلنا مصرون على آرائنا، ولا نريد بك بديلاً).

 

"فإذا لم يَحصُل ذلك، عليكم أن تبحثوا في أمر آخر، ذلك هو شخصي وأعمالي، فمَن كان له عليَّ أنا يا عبدالعزيز شكوى أو حق أو انتقاد في أمر دِين أو دُنيا، فليُبيِّنه، ولكل مَن أراد الكلام عهدُ الله وميثاقه وأمانه أنه حرٌّ في كل نقد يُبيِّنه وأنه لا مسؤولية عليه، وإني لا أبيح لإنسان من العلماء ولا من غيرهم أن يَكتُم شيئًا من النقد في صدره، وكل مَن كان عنده شيء، فليُبيِّنه، ولكم عليَّ أن كل نقد تذكرونه فما كان واقعًا أقررتُ به وبيَّنتُ سببه وأحلتُ حكمه للشرع يَحكم فيه، وما كان غير بيِّن وهو عندكم مِن قَبيل الظُّنون، فلكم عليَّ عهد الله وميثاقه أنني أبيِّنه ولا أكتم عليكم منه شيئًا، وأما الذي تظنُّونه مما لم يقع، فأنا أَنفيه لكم، وأحكِّم في كل ما تقدم شرْعَ الله، فما أثبتَه أثبتُّه، وما نفاه نفيته".

 

"لذلك فأنتم - أيها الجماعة - أبدوا ما بدا لكم، وتكلموا بما سمعتموه وبما يقوله الناس من نقدِ وليِّ أمرِكم أو مِن نقد موظَّفيه المسؤول عنهم، وأنتم - أيها العلماء - اذكروا أن الله سيوقِفكم يوم العرض وستُسألون عما سُئلتم عنه اليوم وعما ائتمنكم عليه المسلمون، فأبدوا الحق في كل ما تُسألون عنه، ولا تُبالوا بكبير ولا صغير، وبيِّنوا ما أوجب الله للرعية على الراعي، وما أوجب للراعي على الرعية في أمر الدين والدنيا، وما تجب فيه طاعة وليِّ الأمر، وما تجب فيه معصيته، وإياكم وكتمانَ ما في صدوركم في أمر من الأمور التي تُسألون عنها، فمَن كتَم ما في صدره، فالله حسبُه يوم القيامة، وكلُّ مَن تكلَّم بالحق منكم، فله عهد الله وميثاقه أنني لا أعاتبه وأكون ممنونًا منه، وإني أنفِّذ قوله الذي يُجمِع عليه العلماء، والقول الذي يقع الخلاف بينكم فيه أنتم - أيها العلماء - فإني أعمل فيه عمل السلف الصالح؛ إذ أقبل منه ما كان أقرب إلى الدليل من كتاب الله وسنَّة رسوله، أو قول لأحد العلماء الأعلام المعتمَد عليهم عند أهل السنة والجماعة، إياكم - أيها العلماء - أن تكتموا شيئًا من الحق تَبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمَن كتَم أمرًا يَعتقِد أنه يُخالف الشرع، فعليه من الله اللعنة، أَظهِروا الحق وبيِّنوه وتكلَّموا بما عندكم".

 

كلام العلماء

ثم تكلَّم بعض العلماء، وخلاصة ما قالوه: "إننا نبرأ إلى الله أن نَكتُم ما ظهر لنا من الحق أو أن تأخذنا في الله لومة لائم، وحاشا لله، فما علمنا أنه منذ ولاك الله أمْرَنا أنَّنا نصحناك في أمر من الأمور وخالفْتَنا فيه، ونبرَأ إلى الله أن نكون قد رَأينا في عملك عملاً يُخالِف الشرع وسكتْنا عنه، اللهم إلا أن يكون في بعض أمور يجب علينا أن ننصحَكَ عنها فقط، ولا يجوز لنا الخروج عليك من أجلها كما أنه لا يجوز للرعية الخروج عليك فيها؛ ذلك لأنه ما معصوم إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو المعصوم من الخطأ والذنوب، أما الأمر الذي يوجب مخالفتك أو يوجب حضَّ الرعية على مخالفتك فيه، فيأبى الله، ووالله إننا ما رأينا ما يوجبه فيك وسكتنا عنه، ولا علمْنا من سيرتك وأعمالك إلا حرصك على إقامة شعائر الإسلام واتِّباع ما أمر الله به ورسوله في أعمالك".

 

كلام رجال المؤتمَر

إن المجتمعين كانوا - كما يرى القُراء - حوالي ثمانمائة نفر، وإذا كان كل إنسان سيتكلم فسيَضيع الوقتُ بغير الوصول إلى نتيجة، وحيث إن الموضوع محصور ومعلوم ما بخاطِر كلِّ فريق من الناس؛ فقد ناب عن الحاضرين بالتعبير عما في نفوسهم فريق من كبار الحاضرين؛ منهم الدويش من أمراء مطير والبهيمة والفرم، والذويبي وابن بخيت من رؤساء حرب، وابن ربيعان من رؤساء عتيبة، وابن عمر وابن خشر من رؤساء قحطان.

 

وقد تكلم هؤلاء بعد أن استأذنوا الإمام بالكلام، واستأذنوا الإخوان بالتعبير عن آرائهم، وكان خلاصة ما قالوه يَنحصِر فيما يأتي:

يا عبدالعزيز، ما يَخفاك أننا كنا بالأول بادية نعمَل جميع الأعمال المخالفة للشرعِ والسمتِ والشرفِ، وكنا نعمَهُ في طُغياننا، فلما منَّ الله علينا بهدايتنا للرجوع إلى هذا الدين، كان بفضلِ الله ثم بسعي آبائك وأجدادك في أول الأمر، وفي الأيام الأخيرة كانت هدايتنا بفضل الله ثم بمَساعيك، فلقد تركْنا عشائرَنا وأموالنا وهاجَرْنا لوجه الله ولا نبتغي إلا مرضاته، وأوقفنا أموالنا وأنفسَنا للجهاد في سبيل الله، لا نُريد بذلك عرَضًا من أعراض الدنيا، وما نريد إلا أن تكون كلمة الله هي العُليا ودينه الظاهر، وأن يكون رأسه في هذا الأمر أنت ثم أحد أولادك وأحفادك، وأعمالنا ما تَخفى عليك ونبرَأ إلى الله أن نَعتدي في القول عليك، وما نقول إلا جزاك الله عنا خيرَ الجزاء، لقد علمتَنا ما يجب علينا في دينِنا، فأعنتَنا على هِجرتنا وبنَيتَ لنا المساجد، وقدمتَ لنا العلماء وأشركْتَنا في بيت المال، ورحمتَ ضعيفنا، ووقَّرتَ كبيرَنا، ونبرأ إلى الله أن نُنازِعك الأمر أو أن نَترُك مَن ينازعك ما أقمتَ فينا الصلاة وما زلتَ لم تفعل كُفرًا بواحًا معَنا مِن الله عليه برهان، وإننا نسمَع ونُطيع ما دمتَ فينا كذلك ولو ضربت الظهر وأخذت المال، نبَرأ إلى الله أن نركَن إليك لدُنيا لدَيك، كما نبرأ إليه - إن شاء الله - أن نكون ممَّن قال فيهم: ﴿ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة: 58]، فأنت - جزاك الله عنَّا خيرًا - لم تُقصِّر علينا في شيء، فهؤلاء طلبة العلم الذين أقمتَهم فينا نسألهم عما يعرض لنا في أمر دينِنا، وما قَصروا فيه رجعْنا لأكابر علمائنا الأعلام، فاستَفتيناهم وأجابونا وامتثلْنا أمر الله، أمَا وقد ألححتَ علينا في القول، فإن كان هناك إشكال لدَينا ففي بعض أمور نَسرُدها أمامك وأمام العلماء؛ لأن لبعض الناس في بعضها شُبَهًا، وبعضها في نفوس الناس من أمرها الشيء الكثير، ونحن نعرضها على مسامع الجميع إذا سمحت بذِكرِها، فقال جلالة الملك: كلُّ ما بدا لكم في أمر أعمالي، فلا تَكتُموا منه شيئًا وقولوه.

 

فقالوا: أولاً مسألتان:

واحدة منها سأل عنها بعض الإخوان وأجيبَ عنها وقنع بها، وبعضٌ لا يزال يذكرها، ولا بدَّ مِن سماع قول العلماء فيها؛ ليَنتهي مشكلها على وجه صريح، تلك هي مسألة (الأتيال) فإنه يقال: إنها سِحر، ولا يخفى حكم السحر والسحرة في الإسلام، وأما المسألة الثانية، فهي من الواجبات، ونخشى أنك إن لم تقم بها كما يجب نخاف أن يُسلِّط الله علينا أعداءنا بسبب تركنا لها، وهي المرادة بقوله تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41]، تلك هي تعليم الدين على وجهه الصحيح؛ فإنا رأيناك في الأطراف التي تولَّيتَها قد منعتَ أهلها مِن السرقِ والنهب، وأخذت منهم الزكاة، ولكننا لم نعلم أنك أرسلت إليهم مَن يُعلِّمهم أمر دينهم، ونحن نخشى من سخط الله عليك وعلى علمائنا إن كان في هذا الأمر تهاون.

 

هذا أولاً، وثانيًا هناك أمر دفعْنا فيه الأموال والأرواح والبنين، وليس لنا من مقصد فيه إلا مخافة أن يَلحقَنا في ديننا منه حرج، ولا يُمكِن أن نأمن على أوطاننا منه، ولا تستقيم لنا حياة بوجوده أو وجود أمثاله، وفيه كل الخطر على أوطاننا، بل الخطر منه على رأسك أنت بنفسك يا عبدالعزيز، ونحن نتمنى أن يقبض الله أرواحنا ولا نرى فيك أو في عائلتك ما يسوءُنا، وأنت وحدك المقصود في ذلك من دون سائر الناس، إننا نحن الرعية إذا أصاب هذه البلاد ضرر، فالطيِّب في دينه يأوي إلى الكهوف والجبال، والخائب يكون كما كان في السابق، ذلك هو الأمر الذي أمرضَنا من زمن، ووضع في أكبادنا غُصَّةً، ولا نستطيع الصبر عليه، وهو أمر يستوي في التأثُّر منه - يا عبدالعزيز - الكبير والصغير والأمير والوضيع، حتى النساء في خدورهنَّ، وفي جميع الناس تأثُّر منه حمية دينية وطنية، تلك هي القصور: القصور التي قدَّمها وبَناها أعداؤنا في أوطانٍ هي أوطاننا ومراتِعنا، فماذا يريدون منها غير الاعتداء علينا؟!

 

إنك تعلم أن البادية كلها باديتنا نحن أهل نجد، وتذكر احتجاجنا عليك يوم جعلت لهم حدودًا في البادية بغير حق، وهل يُجوِّز لك دينك وضع مثل تلك الحدود لهم في بلادنا؟ فأجبتنا إذ ذاك أن تحديد الحدود ليس معناه تمليكًا لهم؛ وإنما الحدود لأجل بعض المنازعات التي قد تقع بين البادية، وأننا أحرار في مراعينا حيث نشاء من هذه البادية، وأخبرتَنا أنه بِناءً على معاهدتك معهم في العقير أنهم لا يَبنون في تلك الأراضي أبنيَةً، ولا يعملون مُعسكَرات لا على الآبار ولا على المياه، فالصبر على هذه لا يُقنِعنا فيه غيرُ أمرين:

أولاً: أن تُحكِّم الشريعة في أننا إذا سكتنا وتركْنا هذه المسألة، فليس علينا حرج مِن قِبَل الله، ولو كان في سكوتنا ضرر على الإسلام والمسلمين.

 

والثاني: أن تُقسِم لنا أنت بالله أنه لا يوجد علينا من هذه القصور ضرر في دينِنا ولا في أوطاننا لا في العاجل ولا في الآجل، وبغير ذلك - فلا والله - ما نتركها قائمةً وفينا عرق ينبض، أو في أحد مِنَّا نسمة من حياة، فكوننا نَموت أو نُقتَل عن بكرة أبينا هو أفضل بكثير من أن نَرى الخطر على ديننا وأوطاننا ونرضى به، هذا أمر لا يُمكن - يا عبدالعزيز - أن نتحوَّل عنه.

 

وهناك مسألة في خواطِرِنا غير هذه، ونحبُّ أن نُبديَها لك لتبرأ ذمَّتُنا منها، إننا لا نُريد أن نَعترِض في أمر مِن أمورك السياسية، ونحن واثِقون بالله ثم بك في هذا الأمر، وعلى كل حال علينا السمع والطاعة لك في الأمر الذي تُبديه، ذلك هو منعُ الناسِ من الجِهاد وعدم السماح به لتكون كلمة الله هي العُليا ودينه هو الظاهِر، فهذه مسألة نُذكِّرك بها لتعلم أنه لو تَلِفت النُّفوس ونفدَت الأموال، فليس ذلك بشيء بجانب ما جعله الله من الجزاء للمُجاهِدين في سبيله، وعلى كل حال فنحن نسمَع ونُطيع لك فيما تأمُرنا في هذا، وأما مسألة القُصور، فوالله ما يَرضى ببقائها ويُقرُّها إلا إنسان (يقرُّ محرمه على الفساد).

 

يا عبدالعزيز، أدبُك وقَتلُك لنا وغضبُك كله أهون من غضب الله وأن تُهتَك محارمنا ونحن نَنظُر، فاتَّق الله في أمرنا وأمرك ومحارمنا ومحارمك، واتَّق الله في أوطاننا، هذا الذي عندنا أبديناه ولم نخفِ في صدورنا شيئًا.

 

ولما فرغ المُتكلِّمون ووصلوا لهذا الحد وأنصَت المجلس قليلاً، نادى جلالة الملك في الحاضرين: هل أحد عنده شيء يقال في أعمالي أو عليَّ غير هذا؟ فما أجاب أحد، ثم كرر السؤال ثانيًا، وثالثًا، فأجابوا:

ليس لدينا شيء غير ما تقدَّم.

 

فالتفتَ جلالة الملك إلى العلماء وقال: ليتكلم العلماء بما عندهم في شُبهة البعض بمسألة (الأتيال) أولاً، فتلا أحدهم فتوى للعلماء في شأنها، وخلاصة ما جاء فيها: إننا لم نعلم دليلاً في تحريمها من كتاب أو سنَّة، ولا من أقوال أحد العلماء، ولا من أخبار من رأوها مِن الثِّقات، ونبرأ إلى الله أن نقول شيئًا بتَحريمها، وأن مَن يَقول بتحريمها مُفترٍ على الله الكذب، ونبرأ إلى الله مِن حاله.

 

فقال جلالة الملك: أما مسألة الأمر بالمعروف وتعليم الناس دينهم، فإننا قد عينَّا في جميع البلدان التي توليناها دُعاة إلى الله، ما عدا بعض عُربان في شمال الحِجاز، وما عدا العرب الذين قضى الله عليهم هذه الأيام؛ (يعني قبيلة بني مالك جماعة ابن فاضل) فهؤلاء أسعى اليوم في إرسال دعاة لهم، وإذا كان المشايخ يعلمون تقصيرًا في هذا السبيل، فليُخبِروني وأنا أُنفِّذ ما يقولون.

 

فقال العلماء: إن أمر الرعايا بإقامة دين الإسلام ونفْي ضده واجبٌ، وأبدى من كل شيء، وهو من الفرائض التي أوجبها الله على الناس عامة، وعلى ولاة الأمور خاصة، والذي نعلمه من الإمام أنه مُهتمٌّ بهذا الأمر، وهو عامل فيه بكلِّ جُهدِه.

 

فقال جلالة الملك: أما مسألة القصور، فإن القوم يدَّعون أنكم أنتم الذين بدأتموهم بالعدوان، وذلك بقتل السريَّة التي أرسلها الدويش لأهل بصية، ثم غزوات الدويش التي تبعتْها في حين أنني أنا يا بن سعود ما قمتُ بذلك، وأنتم يا أهل نجد ما حميتُم ذمَّة والي أمركم، وإنهم يزعمون أن هذه القصور ما بُنيَت إلا مخافة من الخطر منكم.

 

الإخوان: نعم؛ إننا نبرأ إلى الله من عمل الدويش، ونعلم أننا قاطعنا الدويش ومَن غزا معه، وحرَّمْنا ما حرَّم مشايخُنا من كسبهم، ونذكر أننا أتينا إليك وأخبرناك أننا على استعداد لمُهاجَمة الدويش ومجازاته ولكن بضمانة شرطين؛ الأول: أن يَهدِم القصور المُحدَثة التي لا نرى لنا حياة بوجودها، والثاني: أن يتعهَّدوا بأنهم لا يَحُولون بيننا وبين مَن نُؤدِّبه كما فعلوا مع جماعة يوسف السعدون، ولم تجبْنا إلى ذلك إلا بعد أَشهُر؛ حيث أخبرتَنا أنهم يقولون بأنهم لا يَؤوون الدويش إذا فرَّ إليهم، ولكن القلاع ما زالت قائمة وهم يَزيدونها تحصينًا، وما دامت هذه القلاع موجودة، فنقول لك بالصراحة: إن دينَنا وحياتنا على خطر، وهم الذين بدؤونا بالشر، وليس نحن الذين بدأناهم، فقال العلماء: إن مسألة القصور وإحداثها أمر نبرأ إلى الله منه، ونُشهِد الله أن ضررها على الإسلام عامَّةً وعلى العرب خاصة وعلى أهل نجد بصورة أخصَّ - عظيم جدًّا، وما نراها إلا عدوًّا نازلاً بساحتنا، وإنه ليس لك - يا عبدالعزيز - إلا أن تَجتهِد في إزالتها، فإذا أُزيلَت فأمر الصلح والسياسة إليك، وليس لنا ولا لأحد من الرعية أن يتداخل فيه، إلا في صُلحٍ يُخلُّ على المسلمين في دينهم أو في وطنهم، وأما مسألة القصور خاصة، فإن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويَرضى بهذه القصور، فنبرأ إلى الله من حاله، ونقول: إن العمل لإزالة هذه القصور ليس جِهادًا؛ بل هو دفاع عن الدِّين والمَحارم.

 

فقال الإخوان: لقد سمعتَ - يا عبدالعزيز - ما قاله العلماء، فنسألك بالله ما تقول في هذه القصور؟

فقال جلالة الملك: أقول: إن ما قاله علماء المسلمين في هذا الأمر حقٌّ، وهذا الذي أدين اللهَ به، وإن ضرر هذه القصور علينا ظاهر وباطن، وأبرأ إلى الله أن أقول غير هذا، وإن ضررها الدُّنيويَّ في العاجل والآجِل، ولكن أمر هذه القضية وإنهائها ومسألة الجِهاد أُحبُّ أن يكون الحديث فيها في غير هذا المجلس، وأريد أن تَنتخِبوا من بينكم مقدار خمسين رجلاً أجتمِع معهم وأبيِّن لهم جميع ما عندي في هذه المسألة؛ لنُقرِّر ما يَختاره الله لنا، وأما الذي أقوله على ملئكم ويَسمعه صغيركم وكبيركم: إني لا أرى لنا حياة كاملة إلا في صلحٍ يُثبِت حقوقنا كاملة في دفاع عن حقوقنا؛ لنصلَ منه إما إلى الظفر أو نموت مُدافعين عن حمانا وأوطاننا، هذا الذي أدين الله به، وهذا الذي أعاهدكم عليه.

 

وكانت دموع الخشوع والإخلاص تَسيل على الخدود، ثم قام المجتمعون جماعةً جماعةً يُجدِّدون البيعة لإمامهم وهم يقولون: نُبايِعك - يا عبدالعزيز - على السمع والطاعة، وأنا نُقاتل مَن تَشاء عن يمينك وشمالك، ولو دفعتَنا إلى البحر لقَطعْناه، وإنا نُبايعك على أن نُقاتِل مَن يُنازعك، ونُعادي مَن عاداك، ونقوم معك ما أقمتَ فينا هذه الشريعةَ الطاهرة، وقد جلَس جلالة الملك ما يَقرُب من الساعة، والوفود تتقدم إليه وفدًا وفدًا تُبايعه على ذلك، وبين يديه أكبر أنجاله سمو الأمير سعود يقدِّم الناس إلى أبيه ويُرتِّبهم.

 

المائدة

ولما انتهَت البَيعة، أمر بجفان الطعام، وكانت مُهيَّأة فجيء بها، وجلس الناس حولها حلقًا حلقًا، وجلس جلالة الملك في إحدى تلك الحلقات يأكل مع رجال المؤتمر من تلك الجِفان المُترعات، وهو يؤانسهم بأحاديثه إلى أن فرغوا من طعامهم وانصرفوا.

 

الاجتماعات التي تلَت المؤتمَر

وفي المساء عَلمْنا أن خمسين من الجمع اختلوا بجلالة الملك ودام اجتماعهم من الساعة الثانية إلى الساعة السادسة ليلاً، وكانت أحاديث لم يَنتشِر شيء من أخبارها، ولكن الذي علمناه أن الجميع خرَجوا متَّفقين على خطة واحدة ورأي واحد.

 

وعلمنا أنه عقب ذلك اجتماعات خصوصية تعدَّدت غير مرة، وجميع ما دار في تلك الاجتماعات من أبحاث وما اتُّخذ مِن مُقرَّرات لم يَنتشِر شيء منه أيضًا.

 

الأخلاق السامية

قال محمود سامي باشا البارودي:

وكم مِن يدٍ لله عندي ونعمة
يَعَضُّ عليها كفَّه الحاسدُ الوغْدُ
أنا المرء لا يُطغيهِ عزٌّ لثَروة
أصاب، ولا يَلوي بأخلاقِه الكدُّ
أصدُّ عن الموفور يُدرِكه الخَنى
وأقنَع بالمَيسور يعقبُه الحَمدُ
ومَن كان ذا نفس كنَفسي تصدَّعتْ
لعِزَّته الدنيا وذلَّت له الأُسْدُ
ومِن شِيَمي حبُّ الوفاء سجيَّةً
وما خير قلب لا يدوم له عهدُ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الملك فهد رحمه الله .. مآثر وبشائر

مختارات من الشبكة

  • انطلاق أعمال المؤتمر الـ11 لمجلس اتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي بالنيجر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بيان حول المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة (مؤتمر بكين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سريلانكا: تحالف الأحزاب الإسلامية لتوحيد الصف في الانتخابات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • هولندا: مؤتمر إسلامي باللغة العربية في مؤسسة السنة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ألمانيا: بدء فاعليات مؤتمر الشباب الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المؤتمر والمنتدى الرابع للتعليم الإسلامي جنوب أستراليا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • كازاخستان: تغيير اسم "منظمة المؤتمر الإسلامي" إلى "منظمة التعاون الإسلامي"(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المؤتمر الإسلامي لوزراء الطفولة يعتمد مشروع إنشاء منتدى لأطفال العالم الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المؤتمر الإسلامي لوزراء الطفولة يعتمد وثيقة مرجعية حول أطفال العالم الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • رئيس البنك الإسلامي للتنمية يلتقي مسؤولي الحج بدول منظمة المؤتمر الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب