كلمة في إصدار مجلة " الهدي النبوي " عن جماعة أنصار السنة المحمدية

كلمة في إصدار مجلة "الهدي النبوي" عن جماعة أنصار السنة المحمدية

الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا شبيه له، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه والسفير بينه وبين عباده. بعثه الله بشريعة محكمة وسنة سهلة سمحة تضمن للناس ما يبتغون من عز الدنيا وسعادة الآخرة وأيده بالمعجزات الباهرة. وأعظمها الحجة البالغة القائمة على مر الدهور وكر العصور. كتاب الله الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور. فقام - صلى الله عليه وسلم - بأعباء الرسالة خير قيام وبلغ الناس ما نزل إليهم من ربهم من آيات بينات. ففتح الله به أعينا عمياً وآذاناً صماء وقلوبا غلفا وهدي به من الضلالة وأرشد به من الغي وصار الناس في بحبوحة من العز والسعادة ورغد العيش. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاة وسلاماً يليقان بجميل معروفه ويتكافأن مع عظيم إحسانه، وجزاه الله عنا أحسن ما جوزي به نبي عن أمته، ورضي الله عن كل من أحب سنته وسلك طريقه القويم.

وبعد:

فإن الأيام قد تقلبت بالمسلمين وتطور بهم الزمان تطوراً عكسيا أدى بهم إلى ما نرى من تفكك أوصالهم وانحلال قواهم وانحلال عرى وحدتهم. وتهدم بناءهم الشامخ الذي أنفق السادة السالفون في تأسيسه وبنائه مهجهم وأرواحهم والذي كان موئلًا أمينًا للإسلام وحصنًا للمسلمين من عاديات الأعداء وصولات المبغضين فأصبح المسلمون لقمة سائغة يلتهمها من أراد من دول الاستعمار، ولقطة يلتقطها من يمر بها في طريقه إلى حياة الجد والعمل وأصبح الإسلام غرضًا وهدفًا لسهام السفهاء والحمقى وأسافل الناس ونقد الأمم الذين لم يكن يجرأ سادتهم في العصور الأولى أن يرفعوا أبصارهم إلى الإسلام بل إلى أقل فرد من عامة المسلمين. أصبح أولئك السقط يعتلون المنابر في البلاد الإسلامية ويسددون من فوقها سهام التجريح إلى دين الإسلام دين الفطرة والعزة، دين التوحيد والرقي والإصلاح، دين الأخلاق الفاضلة والسجايا الكاملة، ويتعرضون لكرامة نبي ذلك الدين، الذي لم يطلع على الوجود أضوأ من شمسه ولم يحظ العالم بأكرم منه فضلًا وعلمًا وحلماً وطهارة قلب ورأفة بالناس ورحمة.

ولا وربك ما أصيب المسلمون بتلك الكوارث المحطمة التي أناخت عليهم وقصمت ظهورهم وألزمت أنوفهم الرغام، إلا حينما استولى عليهم الجهل بشرائع الإسلام وآيات الله المنزلة شفاء لما في الصدور وفهمه على الوجه الذي يبعدهم عن بيان من قال الله فيه ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

فبذلك الجهل وهذا الفهم الخاطئ عادت الجاهلية ونصب الشيطان أشراكه فأوقع منها بصائر وعقولا أوثقها بوثاق العمي والضلال وأطعمها بسموم الأوهام والخرافات حتى اشتدت الظلمات وعمت الناس فتن لم يسلم من شرها عالم أو جاهل وفتح شياطين الجن والإنس أبوابًا جديدة للضلال والفسوق وأخذوا يزينون للناس ولوجها ويوهمونهم أن من وراء ذلك الثراء والمال الوفير واللذات والحظوظ. وسموا هذه الحبائل والشباك حضارة ومدنية ورقيًا وتقدمًا!!.

ولا والله ما هي إلا الوحشية والهمجية والتدلي إلى أسفل دركات الهلاك والشقاء فالناس الآن بين غارق في حمأة الوثنية وخرافات الجاهلية وبين متغلغل في سعير الزندقة والإلحاد والتمرد على شرائع الله. وبين هؤلاء وأولئك قليل هم الوسط الذين لم يميلوا مع المخرفين ولم ينحرفوا إلى المتزندقين بل اتبعوا سبيل الله المستقيم واستضاءوا بنور القرآن الكريم واعتصموا بسنة سيد المرسلين.

واعلم أنه لا يعود بالمسلمين سيرتهم الأولى ويرد إلى قلوبهم شجاعتها وغيرتها إلا تضافر أيدي أولئك النفر الوسط المهتدين وجمع قواهم ونهوضهم إلى انتشال من اجتالتهم الشياطين والعمل على إظهار محاسن الإسلام.

ولقد أصبح ذلك العمل غير ميسور على وجهه الأكمل إلا بواسطة الصحف التي تنتشر في البلاد وتدخل على كل أمير وعظيم وحقير وكبير وصغير. فإنشاء الصحف الإسلامية بلسان أولئك المصلحين من أنجع الوسائل في هذا الزمان لمعالجة أمراض المسلمين الدينية والأخلاقية.

ولطالما تمنت نفسي أن أصدر صحيفة دينية علمية تضم صوتها إلى صوت المصلحين وتدعو إلى الحق والرشاد والصلاح.

ولقد حقق الله الأمنية وهو المستعان فلقد أخرجت جماعة أنصار السنة المحمدية مجلتها المباركة «الهدي النبوي» لتحقيق ما سبق ذكره من معالجة الأمراض والأدواء التي تنخر جسم المجتمع الإسلامي في هذا العصر والله ولي التوفيق.

وإن من أول أغراض هذه المجلة أن تقدم ما تستطيعه من خدمة ونصح وإرشاد في الشؤون الدينية والاجتماعية والأخلاقية أخذت على نفسها موثقًا من الله أن تنصح فيما تقول وأن تتحرى الحق وأن لا تأخذ إلا ما ثبت بالدليل والحجة والبرهان الصحيح من كتاب الله تعالى وحديث رسوله عليه الصلاة والسلام.

سددنا الله تعالى جميعا في القول والعمل وحفظنا من شر أنفسنا وشر الشيطان الرجيم وشر فتن هذا الزمان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر: مجلة الهدي، السنة الأولى، العدد الأول، ربيع الثاني 1356 هـ