• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

قراءة في كتاب: أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية

قراءة في كتاب: أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية
عزيز العرباوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2012 ميلادي - 23/11/1433 هجري

الزيارات: 13911

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قراءة في كتاب: "أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية"

للدكتور حسن مسكين


تقديم:

إن أُفُقَ التنمية والنهوض بأوضاع المجتمعات يمرُّ عبر مراحلَ متعددة، توصلها إلى تحقيق تنمية شاملة من الناحية الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعلمية؛ فأول ما يتبادر إلى الذهن هو إقرارُ الديمقراطية، وتحقيق حقِّ الشعوب في ممارسة العمل السياسي، والمشاركة في الحكم بالتداوُل على السلطة، وسن الدساتير والقوانين، وتوزيع الثروات الوطنية، ونبْذ التمييز العنصري والطائفي والديني والمذهبي، بين مختلف فئات ومكونات المجتمع الواحد، وهذا يقود حتمًا إلى تكريس المؤسسات بقوانينها وقِيَمها العادلة، إضافة إلى النهوض بالتعليم والمعرفة، ونبذ التخلف، والجهل، والأمية، والشعوذة الفكرية والسياسية، ثم في النهاية التفكير في بناء اقتصادٍ وطني قوي، قائمٍ على المنافسة الشريفة، والاستفادة من المواد الأولية الوطنية؛ لخلق خطة إستراتيجية للقضاء على الفقر والبطالة، والاستهلاك المُفرِط لبضائع وسلع الغير، دون تفكير حقيقيٍّ في البضائع المحلية التي تعيش أزمةَ تسويق واستهلاك.

 

إن الوعي بهذه المقومات التي تحقِّق التنميةَ الشاملة داخل المجتمع، والطموحَ لتحويلها إلى عقيدة إنسانية يقتنع بها الجميع - يقود إلى خلق ثقافة جديدة، تُساهم في دفع الجميع إلى المشاركة في بناء المجتمع وتنميته، وإنتاج الوسائل الكفيلة بتحقيق كل هذه الأهداف.

 

إن تجديد المعرفة، وتطويرها، وامتلاكها، بل والسيطرة عليها - يحقق استقلالاً وتفرُّدًا، وهذا ما عَمِل الغرب منذ قرون على تحقيقه؛ حتى يستطيع ترويض باقي العالم، والتحكم فيه وفي مصيره، وإملاء السياسات والقرارات عليه، بينما نجد العالَم العربيَّ لم يحرِّك ساكنًا، فاستكان واكتفى بالاستهلاك وقَبول الأمر الواقع، ورفع الحرج عنه في بعض الأحيان بالضغط على الغرب باستعمال ثرواته الطبيعية - (النفط، الغاز،...) - لكن هذا الأمر لم يحقِّق له شيئًا يُذكَر، وبقي متأخرًا بعيدًا عن رَكْب التنمية بزمن طويل.

 

فالوطن العربي يأتي في مقدِّمة المناطق الجغرافية التي تشكو شعوبُه من كبتِ الحريات، واستبداد السلطة السياسية، وضعف التنمية البشرية، وتَراجُع مستوى التعليم والمعرفة،... وبالتالي فقد أوصى العديد من الباحثين والمفكِّرين الغربيين والعرب المغتربين بالنضال ضد الاستبداد؛ من أجل الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية؛ حتى تتحقق التنمية المنشودة؛ فالشعوب تحتاج إلى الحرية كما تحتاج إلى الماء والخبز والهواء، وهي قادرة على التجديد والتطور، شريطة أن تخرج نُخَبها الثقافية والسياسية من سُبَاتها وصمتها القاتل، وترسم طريقًا جليًّا للخروج من أزمة التخلف والفقر والأمية والتبعية التي ترزح فيها أنظمتها منذ زمن طويل.

 

1- حول كتاب "أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية":

يحتمل كتاب "أزمة النخب العربية: الثقافة والتنمية"؛ للدكتور "حسن مسكين" - قراءة مختلفة وخاصة به، تحلِّل مقولاتِه وفصولَه المؤسسة له، وتقدِّم كاتبه الذي يعطي أهمية خاصة جدًّا لقضايا التنمية والثقافة، سواء في هذا الكتاب أم في مؤلفاته الأخرى وكتاباته المتنوعة؛ فالأستاذ "حسن مسكين" يبحث في أسباب تخلُّفِنا الثقافي والتنموي، وعن السبل الكفيلة بإصلاح شؤوننا السياسية والاقتصادية والثقافية، على مستوى النظر إلى العالم وإلى الواقع العربي، والالتفات نحو المستقبل الذي ينتظر منا النهوض من نومنا العميق وتخلُّفنا المستشري.

 

يستهلُّ الأستاذ "مسكين" كتابه بالحديث عن الإشكال الذي نعيشه في البلدان العربية والإسلامية، والذي يتجلَّى في التباين القائم بين الرصيد الثقافي الحضاري الذي نملكه، وبين إمكانية الإضافة إليه من إنتاج يدفع باتجاه الخَلْق والإبداع، بدل الاجترار والإنشاد الفارغ، مقارنة ببعض الشعوب التي حقَّقت نتائجَ عظيمةً في استثمار رصيدها ومخزونها المعرفي؛ فالمؤلِّف يرى أن التنمية في وطننا العربي بطيئةٌ إذا ما قورنت بالتنمية في أقطار العالم الأخرى، سواء من خلال معدَّل نمو الدخل الفردي، أم مؤشِّر الإنتاجية، أم معدل الدخل الوطني العام، أم عدد الأميين،... وغيرها من المؤشرات التي توضح الإحصائيات أننا بعيدون كل البعد عن باقي دول العالم الأخرى.

 

2- في مفهوم الثقافة والتنمية:

يعرِّف الدكتور "حسن مسكين" الثقافة بأنها ذلك "النتاج الذي ينتظم جِمَاع السمات المميزة للأمة؛ من مادية وروحية وفكرية وفنية ووجدانية، وتشمل مجموعة من المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها، وطرائق التفكير، والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتصرف والتغيير، وطراز الحياة، كما تشمل أخيرًا تطلعاتِ الإنسان للمُثُل العليا، ومحاولته إعادة النظر في منجزاته، والبحث الدائم عن مدلولات جديدة لحياته وقِيَمه ومستقبله، وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته"؛ فالثقافة هي ممتلكات الأمة حين الانخراط في عملية البناء الحضاري، لإثبات الذات في مسيرة النماء الإنسانية، المتسمة بسمة العلم النافع الخلاَّق، والمعرفةِ النيرة.

 

وإذا كان هذا هو مفهومَ الثقافة بصفة عامة، فإن مفهوم التنمية عند المؤلِّف يستند إلى شموليتها، وقيامها على شرط الحرية والمعرفة، ودعمهما في عملية دائمة وجدلية بينها وبين كل المجالات التي تقوم عليها حياةُ الأمة واستمرارها منتجة ومُبدعة؛ فهي لم تعدْ مرتبطةً بمستوى الدخل الفردي أو بمستوى ارتفاع الناتج السنوي القومي فقط، بل بالمستوى المعرفي والثقافي، والصحي والاجتماعي والديمقراطي لأي أمة؛ لتحقيق مشاريعَ وتصورات وأفكار حرةٍ ومسؤولة، في ظل دعم قوي لمثقَّفيها، لمواصلة الإنجاز الذي يؤدي إلى تطوير شعوبها، وضمان مشاركتهم في بناء نهضة أمتهم؛ فالتطور الهائل في مجالات النظم المعلوماتية والتواصلية، ومجالات أخرى مرتبطةٍ بالسياسة والاقتصاد - أفرز مفهومًا جديدًا للتنمية يتجاوز مفهومَها السابق.

 

وبالتالي يصعب على بلداننا العربية والإسلامية إنجازُ هذا التحدي، رغم إمكاناتها المادية والبشرية والطبيعية الكبيرة، ودعوات المفكرين العديدة في هذا الاتجاه، وبذلك فمفهوم التنمية البشرية الشاملة، قد حدد في مجالات ثلاثة، هي:

1- تمتُّع الأفراد بصحة جيدة، وحياة مديدة.

 

2- انتشار المعرفة، الذي يقاس بمستوى التعليم بين الراشدين، وبمعدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي.

 

3- مستوى المعيشة، الذي يقاس بمعدل الدخل الفردي.

 

ويرى الأستاذ "مسكين" أن الأمة العربية في حاجة إلى إعادة النظر  أولاً في مفاهيم اعتُبِرت نهائية وقطعية، بَنَتْ عليها تصورات خاطئة، انتهتْ إلى نتائجَ مضللة، سواء من ناحية التخبط في الرؤى والتصورات الأساسية قبل التفكير في أي إصلاح، أم مسألة الاستقلالية، أم الاستلاب الثقافي والحداثي، الذي يرى في الغرب المخلِّصَ الأمثل، والنموذجَ الأوحد في الاقتداء.

 

ويعتبر المجال السياسي أحدَ المداخل المهمة لبناء مشروع تنموي فعال، من خلال عملية إشراك جميع فعاليات المجتمع وفئاته وطبقاته في القرار السياسي؛ وبذلك فإن كل إهمال لهذه المسائل سينعكس سلبًا على مجالات عدة؛ منها السياسة الثقافية التي تعيش تخبطًا وضعفًا وهشاشة واضحةَ المعالم، ولتحقيق القفزة النوعية في مثل هذه المجالات، فإنه يجب القفز على التشبث بالماضي، وعدم النظر إلى الحاضر بعين النقد والتهييء للمستقبل، بربط الثقافة بالسياسات المتَّبَعة في البلاد العربية، وابتعادها عن التدجين وتكريس الواقع، وإنتاج ثقافة الاستهلاك المستشرية في المجتمع العربي.

 

إن الأزمة الحاصلة في العلاقة بين المثقف والسياسة ونخبها، تخلق توترًا وصراعًا نحن في غنى عنه، وفي ظل عدم وعيٍ سليم بدور كلٍّ منهما في المجتمع، فرغم مساهمة المثقَّف العربي الكبيرة في السياسة والتنظير لها، فإنه سرعان ما ابتعد عنها، وانزوى إلى ركن بعيد، مُؤْثِرًا السلامةَ والراحة.

 

ويعتبر الدكتور "حسن مسكين" أن الطريق إلى إعادة المياه إلى مجاريها، وتحقيق توافُقٍ وتكامُل حقيقي بينهما، يسمح بإنتاج معرفة خصبة تساهم فيها كلُّ الأطراف - يمر عبر البُعد عن النظرة الذاتية الضيقة للسياسيين، أو الانتهازية الواضحة أو المبطنة لكثير من المثقفين، وتغيير رؤيتهم وسلوكهم تجاه القضايا المصيرية للأمة.

 

3- إشكالية الإعلام العربي وتنمية التخلف:

يعيش أغلب المشهد الإعلامي العربي تخلفًا واضحًا، وتنميطًا ممنهجًا لنماذجَ محدودة، وصورٍ معلومة تكتسح مختلفَ الوسائل الإعلامية التي خلقتْ أوهامًا لدى الشعوب، تشي بأنها أصبحتْ حرةً دون أن تعيَ المفارقات المحدثة من طرف القوة المتسارعة لوسائل الإعلام المتدفِّقة، بشعور الإنسان العربي بوهم الامتلاك والسلطة، والشعور بالتفرُّد والقوة، بينما هو في واقع الأمر غارقٌ في عبودية الصورة، ضعيف أمامها، تَقوده وتوجِّهه، وتصنع له الأحلام، وتبيع له الأوهام، وتخلق منه بطلاً خارقا ونجمًا.

 

إن الأستاذ "حسن مسكين" يرى بعين الناقد والباحث الأكاديمي الذي يريد أن يسمي الأمور بمسمياتها؛ فهو يردُّ على "عبدالله الغذامي" الذي يعتبر أن الكثير من الفئات العربية قد وجدتْ وسائطَ إعلاميةً للتعبير عن رغباتها، واحتكار سلطة التعبير...، بأن صناع الصورة ومنمِّطي الثقافة والفن معلومون، غير مجهولين، إنهم أصحاب الشركات المتوحشة، وعَبَدة المال، رغم تلوُّن صورهم، واختلاف مواقعهم.

 

ومن هنا؛ فإن تغييب الثقافة، وتكريس الرداءة، وأصوات التفاهة - كان على أيدي هؤلاء، وإن تهافُتَ فئات عريضة من المجتمع العربي على وسائل الإعلام (التي تتناسل يوميًّا كتناسل النمل في مملكته) - لا يَخدُم التنميةَ والتنوير، ويبقى آخرَ الأشياء المفكَّر فيها أمام هذا الانسياب المتدفِّق لفضائيات مختصة في شتى أنماط الأغاني والرقص (والتفاهة الفنية).

 

كما أن الإعلام القائم على الإعلانات والإشهار، يبيع الأوهام والأحلام، ويَقلب الحقائقَ، ويصنع عالمًا مفعمًا بالسعادة الوهمية التي تصدقها فئاتٌ عريضة من المجتمعات العربية، خاصة الشباب، والهدف من وراء كل هذا هو الربح الكبير والسريع، بفضل الإشهار الذي يُعِيد تشكيل العالَم على نمط واحد، من سماته الأساسيةِ الرفاهيةُ والراحة، والسعادةُ والنجاح.

 

ويرى المؤلف أن المتأمل في خطاب منظِّري العَوْلَمة والداعين إليها، يكشف مجموعة من المفارقات الغريبة، والتناقض الواضح بين التنظير والممارسة، فتنكشف معها مجموعةٌ من الأقنعة، وتتلاشى التصورات المبطَّنة تحت مسميات برَّاقة؛ كالحرية المطلقة، وتحديث الشعوب المتخلِّفة، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

4- صراع المواقع والأيديولوجيات:

لقد كان التوظيف المسرِف للأيديولوجيات للنُّخَب العربية المثقفة بكل توجهاتها اليمينية واليسارية والوسطية - سببًا في إخضاع شعوبها، وتَدْجِينها لتكون في كل المجالات تابعةً، مُسيَّرة بِاسم ما تعتبره هذه الاتجاهات سلطةَ النُّخْبة التي تملك الحقَّ في الزعامة والقيادة والتوجيه؛ من أجل إبعاد الشعوب عن المشاركة في بناء المجتمع وإصلاح أحواله، كل هذا أدَّى إلى اختفاءِ وتبخُّر الشعارات اللامعة، التي كانت تنادي بها هذه التيَّاراتُ المدَّعية للديمقراطية والحرية والعدالة؛ لأنها - بكل بساطة - بعيدةٌ عن الممارسة داخل تنظيماتها الحزبية والجمعوية وبرامجها السياسية.

 

ويعتبر الأستاذ "حسن مسكين" أن من المفارقات المميزة للمثقف العربي رغبتَه الملحَّةَ في التغيير، لكن ذلك يكون من منطق الوصاية لا المحاورة؛ من خلال فرض حقائقه الثابتة، وهو يَهدف إلى التأثير في العامة، وعينه على الخاصة في الوقت نفسه... ويقول بالانتماء إلى العامة، وفي ذاته الداخلية إحساسٌ بالفوقية والتعالي على العموم.

 

إن المثقَّف منافس في ساحة السلطة، من خلال التأثير على اتجاهات العامة؛ من مثل السلطة السياسية التي يناهضها، ومن هنا يمكن الحديث عن مساوئ هيمنة الأيديولوجيا على مشاريع الثقافة والتنمية في العالم العربي؛ لأنها خلقتْ لديهم خطابًا مهزوزًا منكسرًا، يتوسل الحلول في الماضي، والمخرَج في السلف، يؤدِّي إلى إحداث خللٍ بِنْيَوي في هذا العقل بكل شرائحه، حتى لدى المثقفين الذين راهنوا على هذا المنحى، ورفعوه إلى مستوى التقديس... وما يمكن استنتاجه هو أن هناك انفصامًا واضحًا بين ما يُصدِره المثقَّفون من خطابات، وبين ما يطرأ من تحوُّلات سريعة في واقعنا المجتمعي، الذي يكذب هذه الأفكارَ التي تشبَّث بها هؤلاء المثقَّفون بوصفها حقائقَ، بينما الوقائع تقول: إنها مجرد أحلام وأمانيَّ وأوهام.

 

لقد صار التقليد ثقافة شمِلتْ جُلَّ الميادين في المجتمع العربي والإسلامي، وتعطَّل باب الاجتهاد والإبداع، تحت ذرائعَ ومبرراتٍ واهية، والدعوةُ إلى محاربة هذا التقليد، وفتح باب الاجتهاد - لم تُثمِر نتائجَ هامَّة تنعكس على المجتمع، ولم تثمر فكرًا يؤمن بالتعدُّد والاختلاف، الذي لا يفسد للود قضية، والمبنيّ على الحوار والقابلية للرأي الآخر.

 

ولتحقيق هذه الدعوة يجب الاعتماد على مقومات وشروط مهمة، منها: اعتماد المقاصد العليا للأمة في الشريعة والسياسة والفكر والثقافة، ونبْذ التعصب، والإيمان بالحوار الخلاَّق، واحترام الرأي المختلف، والإقناع بالحُجج، في حدود الجدال بالتي هي أحسن.

 

وبذلك يتحدَّث المؤلف عن صعوبة التفكير في مشروع عربي في ظل غياب تحديدٍ دقيقٍ للأدوار، ومعرفةٍ عميقة بالحاجيات، وفي ظل فشل واضح في مد جسور التواصل الفعال؛ لأن الثقافة مسؤولية الجميع، بدءًا بالأفراد، والحكومات، والمؤسسات الرسمية، وهيئات المجتمع المدني، لكن دَوْر المثقفين أكبرُ؛ بحكم ما يتميزون به من تكوين معرفي، ورؤية عميقة لأحوال المجتمع ومتطلباته الكثيرة، لكن لا بد من التأكيد على ضرورة تحمُّل الحكومات العربية والإسلامية بمختلف قطاعاتها مسؤوليةَ تهييء المناخ الملائم الذي يَكفُل للمثقفين القيامَ بدَوْرهم الكامل في إنجاح مشاريع التنمية والثقافة، في جو من المسؤولية والحرية والدعم الكافي.

 

ومن أسباب التنمية، يتحدث الأستاذ "حسن مسكين" عن اللغة باعتبارها كيانًا وأساسَ وجودِ أيِّ أمة، من خلالها تتحدَّد هُوِيَّة وثقافة واستمرارية آمال الشعوب، وأزمةُ سوء فهم المسألة اللغوية في الوطن العربي مَرَدُّها أسبابٌ متعددة، منها: عدم إلمام الكثيرين لدينا بالجوانب العديدة لإشكالية اللغة، وقصور العَتَاد المعرفي لمعظم منظِّرينا اللُّغَويين، وغيرها من الأسباب التي خلقتْ هذه الأزمة... فالتاريخ يشهد بأن اللغة العربية كانت مستهدَفة بشكل كبير، إضافة إلى أنها تعيش لامبالاة المسؤولين في الحكومات العربية، الذين يُصِرُّون على مخاطبة شعوبهم بلغات أجنبية، وظهور صيحات متأجِّجة لدعاة اللهجات والتضحية بالرصيد اللغوي والمعرفي والحضاري الطويل للغة العربية، باعتبارها مجرد واسطة أو وعاء لنقل الأفكار لا غير... وفي هذا الإطار يقول المؤلف: "إن التخبُّط في رسم سياسة لُغَوية واضحة في البلاد العربية، تساهم في تكريسه بعضُ النخب (المثقفة) بالتوازي مع حكوماتها؛ وبذلك يضاعف من الانعكاسات السلبية لهذا التوجه المعكوس، غير الواعي بخطورة تصوراته المعمِّقة للتخلف، بدل المساهمة في تحقيق شروط التنمية..."؛ (ص: 72 من الكتاب).

 

5- البدائل الممكنة ثقافيًّا وتنمويًّا:

ومن المسائل التي يجب الوعي بها قبل التوجه نحو تبنِّي التنمية الحقيقية والشاملة، نجد المؤلِّف قد ذكرها بشكل مكثَّف وواعٍ بأن لا تنمية إلا بها، وهي:

1- إدراك الساسة والمثقَّفين معًا - على اختلاف مرجعياتهم - مدى جسامة المسؤولية المَنُوطة بهم.

 

2- ترك الخلافات السياسية والأيديولوجية، لصالح إقامة مشروع عربي شامل، يضمُّ كافَّة القُوَى الثقافية والسياسية والشعبية المؤمنة بالإصلاح والتغيير.

 

3- خلق أرضية للحوار الهادف بين كافَّة المكونات؛ لتصحيح مسارها، وتوجيه كل اهتماماتها نحو بناء وحدة ثقافية حية، ومفتوحة على كل المبادرات الهادفة لخدمة مشاريع التنمية.

 

4- خلق مناخ من الثقة المتبادلة بين القطاعات الحكومية، وصانعي القرار السياسي، والفئات المثقفة؛ للمساهمة في بناء صروح  تنموية تشمل كافة القطاعات.

 

5- توجيه أنظار الحكومات إلى البعد الثقافي، كخيار إستراتيجي أساسي في كل مشروع تنموي.

 

6- إشراك الساسة في عملية البناء الثقافي للأمة.

 

7- إشراك وسائل الإعلام في أي مشروع ثقافي تنموي.

 

8- تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة عن الثقافة والتنمية والسياسة، بوصفها قطاعات متكاملة وليست متنافرة.

 

9- الإيمان بالديمقراطية الثقافية والسياسية، والاستناد إلى الثروات الطبيعية الآيلة للنضوب عاجلاً أم آجلاً.

 

10- تكوين ساسة يؤمنون بدَوْر الثقافة في التنمية، ومثقفين يَسْعَون إلى ترشيد العمل السياسي، وتوجيهه نحو أهداف واضحة.

 

11- الوعي العميق بدور الثقافة كقاطرةٍ أساسية وحاسمة في تحقيق التنمية.

 

12- إصلاح المؤسسات السياسية والإعلامية، وضمان مناخ من الحريات للمواطنين؛ للانخراط في التنمية الثقافية، والتقريب بين سياسات البلدان العربية في مجالات التعليم والتربية والتكوين والاقتصاد.

 

13- إبراز الرصيد الثقافي العربي في تنوعه التكاملي وإعادة تقييمه ونقده، وردُّ الاعتبار للُّغة العربية، واعتمادها في الفكر والعلم.

 

14- تقديم المنتوج الثقافي في تنوعه، بماضيه وحاضره، وآفاقه.

 

15- إصلاح الفساد بجميع أشكاله، وخلْق مناخ سياسي تَسُوده الديمقراطية والعدلُ وحقوق الإنسان، وجعل الاقتصاد والسياسة في خدمة المواطن، مع التأكيد على حق الاختلاف والتنوع وحرية الرأي، في ظل احترام القيم الدينية والثقافية واللغوية.

 

إن الأمن الثقافي والاعتماد على الذات، من الجوانب التي تساهم في خدمة التنمية الشاملة؛ وذلك بخلق قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية وقومية، تتفوق على عقلية الاستهلاك وتكريس التخلف والتبعية.

 

وقد حدَّد الأستاذ "حسن مسكين" الأسبابَ الحقيقية، والمعوقاتِ الأساسية التي تَحُول دون قيام تنمية في البلدان العربية، فيما يلي:

1- تميُّز سياسات التنمية بتوجُّه واضح نحو مشاريعَ استهلاكيةٍ غير منتجة، والإنفاق العسكري غير المُجْدِي، وذلك خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين بالخصوص.

 

2- اعتماد خطط التنمية على تبادُل السلع التجارية: (النفط، الغاز، وبعض المعادن).

 

3- عدم ظهور أي تكتلات اقتصادية عربية قادرة على منافسة الرأسمال الاحتكاري.

 

4- القيام على بيع المواد الأولية، تبعًا لتقلُّبات السوق العالمية بالدرجة الأولى.

 

5- الاعتماد على قوى بشرية غير وطنية وغير عربية في مجال الاقتصاد والتنمية.

 

6- إنجاز معظم خطط التنمية في العالم العربي بحماية قواعدَ عسكريةٍ أجنبية ذات أطماع استعمارية للسيطرة على الموارد الطبيعية الكبيرة.

 

إن الاعتراف بهذه الأوضاع المختلَّة في مجال التنمية والثقافة التي تسود أغلبَ البلدان العربية - رهين بالدخول في مرحلة جديدة لتحليلها وتصحيحها، في محاولة لتجاوزها؛ وذلك باقتراح بدائلَ واقعيةٍ وممكنة، تتجاوز مستوى الرغبات والأماني.

 

وفي ذلك يقول المؤلف: "وهنا من الطبيعي أن يقف المثقَّف وقفة تأمل ومراجعة للذات، يقدِّم فيها حصيلة إنتاجه، ومواقفه وتصوُّراته، ويُجِيب عن أسئلة حاسمة، من أبرزها: لماذا لم تستطع تلك الأفكارُ والنظريات والمواقف - رغم غزارتها - أن تغير شيئًا في مجتمعه؟ ولماذا تلاشت تلك الرؤى التي كان يبشر بها، ويصر على أنها قريبة التحقُّق؟ ولماذا فقد فاعليته في الإنتاج والتأثير والتغيير؟"؛ (ص: 108).

 

فالمثقَّف العربي قادر على استعادة دوره الريادي، والمساهمة في النهوض بتنمية بلدانه وأمته، وبكون المثقَّف هو الضمير الحي للأمة، لا يبخل بفكره وثقافته على المجتمع.

 

يقول الدكتور "حسن مسكين":

"أمَا آن للنخبة المثقَّفة أن تعود لتمارس دَوْرها في التوعية والمبادرة والتوجيه؟ أمَا آن لها أن تتخلى عن دور المتفرِّج، بعد أن استقلَّ معظم روَّادها، واكتفوا بلَعِب دَوْر المُشَاهِد الذي لم يرَ شيئًا، أو المهزوم الذي أعلن استسلامَه الكامل من كل ما له عَلاقة بالفكر النقدي، والثقافة البناءة، والمشاركة الفعالة؟ أم أنه استكان للراحة الشاملة، فأعفى نفسه من مسؤولية اختياره طوعًا، ثم ما لبث أن تنازل عنها مجبرًا أم طوعًا؟"؛ (ص: 117).

 

ولا يمكن تحقيقُ ذلك والإجابة عن هذه الأسئلة، إلا بمحاولة تجاوز هذه الوضعية، والاهتمام بالتعليم والمعرفة والبحث العلمي؛ وذلك بإصلاح مؤسساتنا التعليمية والجامعية من خلال تغيير وإصلاح مناهج التعليم والتكوين، ودعم البحث العلمي، والقضاء على البيروقراطية داخل مؤسساتنا التعليمية، وخلق ثقافة الديمقراطية داخلها، والاهتمام بالمكتبات وبرامج التدريب، وتطوير المعرفة العلمية والتقنية الحديثة.

 

يقول المؤلف: "إذًا فلا مخرجَ من هذه الحالة الراهنة إلا بالأخذ بأسباب التقدم، والقطع مع السلوك المتردد، العاجز عن الإنجاز، والمكتفِي برد الفعل، والقابع في مكانه ينتظر استهلاك ما ينتجه الغير، إنْ في الثقافة أو العلم"؛ (ص: 131).

 

وعلى هذا المستوى من الأسئلة المعمقة، والطرح الموضوعي للإشكاليات، والمعالجة الرزينة، والتحليل العميق لقضايا التنمية والثقافة في البلدان العربية، نجد الدكتور "حسن مسكين" قد توسَّع في معالجته لهذا الموضوع، الذي يعتبر من المواضيع التي تقضُّ مضجعَ الكثير من الباحثين والمفكِّرين، من خلال اطلاعه على العديد من المراجع، وميله إلى الدقة والعمق والتحليل الرزين لكل قضية من قضايا التنمية الشاملة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام والتنمية: دراسة ميدانية لإشكالية العلاقة
  • النظام العبادي ودوره في التنمية
  • النخبة والأحداث العالمية
  • استعادة دور الطبقة الوسطى.. كلمة سر التنمية العربية
  • قراءة في كتاب: الشوكولاتة .. التاريخ الكوني
  • قراءة في مسألة استخدام التساؤلات والفرضيات ومتى يجمع بينهما
  • قراءة في كتاب هندسة المنهج

مختارات من الشبكة

  • أزمة قراءة ... أزمة نقد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قصة كتاب: مع كتاب "المشوق إلى القراءة وطلب العلم" في قناة المجد الفضائية(مادة مرئية - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • مخطوطة الجزء الأول والثاني من كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع ( شرح كتاب التبصرة )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قراءة في كتاب " ملاحظات علمية على كتاب المسيح في الإسلام "(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوفاء للشيوخ والعلماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عن ثقافة الأزمة وأزمة الثقافة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص كتاب كيف تقرأ كتابا: الطريقة المثلى للاستفادة من القراءة(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • قراءة في كتاب الموجز في تاريخ البلاغة لمازن المبارك: ملخص لأهم معطيات الكتاب(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب