• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

في ذكرى رائد تبليغ الدعوة الإسلامية للأجانب

في ذكرى رائد تبليغ الدعوة الإسلامية للأجانب
عبداللطيف الجوهري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/9/2012 ميلادي - 23/10/1433 هجري

الزيارات: 12711

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في الذكرى العشرين لرحيل

رائد تبليغ الدعوة الإسلامية للأجانب


منذ نحو عشرين عامًا، وفي شهر شوال لعام 1411 هـ مايو 1991م غادَر دنيا الفناء إلى دار البقاء الداعيةُ المبارَك، المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد صاحب مجلة (البريد الإسلامي)، ومؤسِّس (دار تبليغ الإسلام) ببازل بسويسرا عام (1929م)؛ لإعطاء الأجانب بعامة -والأوروبيين بخاصة- فكرةً مبسَّطة وميسرة عن الإسلام وبلُغاتهم برسالة بحجم الكف، حرَّرها بلغة سهلة وبليغة، وبأسلوب وجيز، وفحواها أن الإسلام دين الله للبشرية كلها، وأن رسالته عالمية، وأن الإسلام دين الإنسانية بأسْرها، بتعبير أستاذه العلامة محمد فريد وجدي صاحب ومؤلِّف دائرة معارف القرن العشرين، والذي لقبتُه في دراستي المنشورة عنه بـ "عبقري الشرق المظلوم"[1]، وقد سمَّى داعيتنا المبارك -رحمه الله- رسالته تلك: "الإسلام دين الجميع"، وترجَمها إلى أشهر اللغات الحية، حتى اللغة التي ابتكرَها علماء اللغات المقارَنة؛ لإيجاد لغة عالمية واحدة يتواصَل بها البشر، وهي لغة "الإسبرانتو" أو اللغة الإسبرانتية، ترجَم رسالته "الإسلام دين الجميع" إليها؛ للتواصل مع محبِّيها والناطقين بها.

 

• وقد بلْور المهندس محمد توفيق -رحمه الله تعالى- رؤيته في تبليغ رسالة الإسلام للأجانب وتوعية أبناء المسلمين بأدب الإسلام وشرائعه - في أسطر قليلة في هامش الصفحة الأولى من مجلته الغراء "البريد الإسلامي"، التي كان يُصدِرها بالعربية، ويرسِلها بريدًا لأحبابه ومريديه والمهتمِّين بالدعوة والشأن الإسلامي في داخل مصر وخارجها، فيقول في تلك السطور: "مجلة مجانية دينية أدبية علمية إخبارية ثقافية عالمية جامعة، تهدف لنشر السلام والمحبة والخير والوعي الروحي، تُصدِرها دار تبليغ الإسلام (ص.ب -112- القاهرة) باللغة العربية حِسْبة لوجه الله تعالى، لا تنشر الإعلانات بأنواعها - المحرّر المسؤول: محمد توفيق بن أحمد سعد".

 

• وبرغم وفاة داعيتنا المبارَك -الذي هدى الله تعالى على يديه الألوف من مثقَّفي العالم الأوربي والأمريكي وغيرهم منذ ما يربو على العشرين عامًا- إلا أن ذِكره العَطِر وأثَر دعوته وجهوده لا تزال ماثِلة للعيان حتى الآن، ولا يزال نجاحه بجُهده الفردي في مراسلة الأجانب وتواصُله معهم بواسطة رسالته الوجيزة "الإسلام دين الجميع" ممتدًّا حتى يوم الناس هذا.

 

• ولعل السر في نجاح داعيتنا المهندس محمد توفيق وامتداد أثَر نشاطه في الدعوة إلى التوحيد ودعوة الإسلام وتبليغ رسالته - يكمُن في إخلاص النية، وسلامة الطوية، مصحوبًا بتوفيق الله وتأييده له، فكان له من اسمه النصيب الأوفر، وقد أكَّد ذلك زهده في الشهرة، وانصرافه عن المقابلات الصحافية واللقاءات الإذاعية والتلفزة، مُتسلِّحًا في ذلك بمبدأ اتَّخذه شعارًا له في حياته وهو "اعمل ليراك الله وحده"، وكانت مجلته "البريد الإسلامي" التي كان يُرسلها هدية بالبريد لأحبابه ومُريديه داخل مصر والأقطار العربية والمراكز الثقافية في أنحاء العالم - كانت بريدًا للقلوب، وكانت نافذة للدُّعاة والمفكرين والأدباء من مصر والعالم الإسلامي، وقد انطلَق منها أدباء وأعلام ومثقَّفون مُذ كانوا طلابًا، أمثال: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والمفكر الإسلامي الدكتور عبدالحليم عويس، والأديب الطبيب الدكتور غريب جمعة، وكاتب هذه السطور، وطالعَتْنا فيها أقلام الأعلام وقِمم الفكر السامقة، أمثال: العلامة أبي الحسن الندوي، وأبي الأعلى المودودي، وأديب الدعوة المجدِّد العلامة الشيخ محمد الغزالي، وعميد الفكر العربي عباس محمود العقاد، وأستاذ داعيتنا العلامة محمد فريد وجدي، والأديب المفكِّر الإسلامي خالد محمد خالد، والعلامة المؤرِّخ الأديب الإعلامي الأستاذ أنور الجندي، والداعية الشيخ معوض عوض إبراهيم، والشيخ الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الجامع الأزهر الأسبق، والأديب الناقد الدكتور حلمي محمد القاعود، وكان داعيتنا -رحمه لله- يخصِّص زاوية لتفسير ميسَّر للقرآن الكريم سَيرًا على نهْج أستاذه العلامة محمد فريد وجدي في "المصحف المفسَّر"، وزاوية أخرى للحديث الشريف، وزاوية للشعر والأدب، فضلاً عن باب الاجتماعيات يشير فيه إلى أخبار أحبائه ومُريديه بالتهنئة بالمناسبات السعيدة، فيُقيم وشائج القَرابة الرُّوحية وجسور المودة بين قُراء "البريد الإسلامي" ومحبِّيه، وكان -رحمه الله تعالى- يخصِّص زاوية لرِثاء الراحلين وأخبار الوفَيَات تحت عنوان: "أحباب فازوا بلقاء الله".

 

وذات مرة صحِبني إلى زيارته وفدٌ من طلابي المشغوفين بالإعلام، وسأله أحدهم: هل تَهاب الموت؟ فأجاب بما يتناسَب مع وعي السائل: بأن الموت حق، وأن الله كتَب الموت على كل حي، والمؤمن الحق ينتظِر لقاء الله في كل وقت، ويحب لقاء الله، ومَن أحَبَّ لقاء الله أحَبَّ الله لقاءه، وذكَر أنه اتصَل بسيدة صالحة كانت تُعاني مرضًا عُضالاً ليَطمئن على صحتها، فردَّت عليه بصوت الواثق المستبشِر قائلة: "أهلاً بلقاء الله، أهلاً بلقاء الله" وبنبرة أدهشتْه وزادته يقينًا بشوق المؤمن للقاء المحبوب، وعندما خارت قواه في نحو التسعين من العمر وما يفوقها بنحو ثلاثة أعوام بالتقويم الهجري القمري لم يكن يردِّد إلا كلمة التوحيد، ولم يبقَ على لسانه أو مِن ذاكرته إلا كلمة التوحيد، التي غادَر دنيا الفناء مرطِّبًا بها لسانه.

 

وبرغم الكتابات التي صدرت تعرِّف بجهاد الرجل وجهوده في خدمة الدعوة الإسلامية، والتي فاقت في كثير من الأحيان جهود مؤسسات كثيرة أنشأتها الحكومات لخدمة الدعوة الإسلامية، وبرغم إصدار صاحب هذه السطور كتابه "رجل من أمة التوحيد - أسلَم على يدَيه أربعة آلاف من الأجانب" عن داعيتنا، والذي وافَق صدوره رحيله عن دنيا الفناء، وبرغم توفُّر الدكتور إبراهيم عابد من كلية المعلِّمين لإعداد أطروحته الجامعية عن تجرِبة المهندس محمد توفيق في الدعوة إلى الإسلام بالتواصل البريدي والإعلامي وبأساليب غير مألوفة، إلا أن ذلك كله لم يفِ الرجل حقَّه الذي كان أمَّة وَحده في خدمة الدعوة والرسالة، دون أن يكون مشهورًا أو معروفًا يُشار إليه بالبَنان.

 

ولقد حكى لي -في اتصال هاتفي- الداعية الأستاذ سيد حامد (مؤسس "جمعية تبليغ الإسلام"، والتي اضطلَعت بحمل رسالة الإسلام وتبليغها إلى إنحاء العالم بشتَّى اللغات الحية) حكى لي في اتصاله المذكور أن سيدة إيطالية شابَّة جاءت إلى مصر وأمَّت الإسكندرية من بضع سنوات، تبحث عن عنوان داعيتنا المهندس محمد توفيق؛ تريد لقاءه، فدلَّها بعض المحبين على عنوان "جمعية تبليغ الإسلام" والتقاها بعض أعضائها، وسألوها عن سبب رغبتها في مقابلة الداعية المهندس محمد توفيق، فقالت: أريد أن أقابِله؛ لأعلِن إسلامي على يديه، كما أعلَنت أمي إسلامها على يديه من قبل، فلما أخبروها أنه انتقَل إلى رحاب الله تعالى، بكت بكاءً حارًّا كأنها تبكي عزيزًا من أهلها، وسألتهم أن يَدلُّوها على محل للورود والأزهار، وأن يَدلُّوها على قبره، وابتاعت باقة من الأزهار، وأمَّت قبر الرجل ووضَعت الأزهار على قبره، ودعت له وأعلَنت إسلامها في "جمعية تبليغ الإسلام" في مقرها بثغر الإسكندرية، ومما فاجأني وسرَّني ما طالعتُه من آثار إعلامية في الفضاء العنكبوتي على شبكة المعلومات العالمية في موقع "الدينار - منتدى العُملات والطوابع العربي"، يقول صاحب منتدى العملات والطوابع البريدية الأستاذ أحمد عزاز: "أعرِض عليكم موضوعًا شائقًا ومثيرًا لمغلَّف (ظرف الخطاب) نادر مع محتوياته من عام 1931م، المغلَّف مُرسَل من القباري بالإسكندرية عام 1931م أثناء وجود صاحبه بالإسكندرية، وهو مُعَنون باسم دار نشر جريدة التقوى بريد السبتية بالقاهرة (بالفرنسية)، وعلى الظهر ختم المُرسِل وعلامة الصداقة ليدَين تتصافحان، وقد كتِب بالألمانية عليه "مجتمع تعاليم الإسلام وجريدة التقوى - القاهرة، مصر"، وفي داخل المغلَّف وجدتُ قُصاصةً من جريدة إسكندرية، وعليها صورة الآنسة ميتزي بروتي، وقد ذكِر (في الخبر) أنها المرأة الوحيدة العاملة في السلك الدبلوماسي السياسي في برلين بألمانيا، وهي سكرتيرة المفوضية اليونانية في برلين، وكذلك وجدتُ في المغلَّف (الظرف) كتيِّبًا يشرح تعاليم الإسلام ومبادئه وشروحًا كثيرة في إجابات واستفسارات الأوربيِّين عن الإسلام بطريقة سهلة مبسَّطة، وبلغة ألمانية راقية، وقد كتِب على الكتيب: ما الإسلام؟ للمحرِّر محمد توفيق -جريدة التقوى- مكتب بريد السبتية بالقاهرة، ولقد لفَت نظري على الفور كونه مُرسَلاً إلى القنصلية اليونانية في برلين، ويسلَّم إلى صاحبة صورة القصاصة الآنسة ميتزي بروتي (توليفة عجيبة)".

 

ويعبِّر الأستاذ أحمد عزاز عن بالِغ فرحته بشراء هذا المغلَّف من اليونان مع مجموعة أخرى من المغلفات المصرية، فيقول: "بدأت البحث والتنقيب عن معلومات تعرِّف بالرجل، حتى عثَرتُ على مقالة وبعض المعلومات الرائعة عنه على شبكة المعلومات، فوجدتُ نفسي أمام داعية إسلامي كبير كرَّس عمره وعِلمه ولُغاته في سبيل الدعوة إلى الإسلام وتبليغه باللغتين الفرنسية والألمانية، وكان كالجندي المجهول يعمل بإخلاص وصمْت، دون البحث عن شهرة أو جاه، بل يبتغي بذلك إرضاء الله وقَبول العمل، فكافأه الله بإسلام أربعة آلاف أوربي وأوربية على يده"، كذلك مما فاجأني وأسعَدني ما طالعتُه بيراع الأستاذ محمد خالد ثابت ابن أديبنا المفكر الإسلامي خالد محمد خالد في سلسلة يحرِّرها في مدوَّنته بعنوان (أولياء الله)، وحكى فيما كتَبه عن داعيتنا المهندس محمد توفيق عن فضل الرجل ومكانته وأخلاقه، وعن انطباعاته عنه عندما زاره بصُحبة والده الكاتب والمفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد - رحمة الله عليهما رحمة واسعة.

 

ولقد توفَّر لداعيتنا منذ نعومة أظفاره جُملةٌ من الخِصال هيَّأت له الاضطلاع بمهمة الاشتغال بالعمل في حقل الدعوة الإسلامية والإبداع فيه؛ فقد نشأ في بيت مؤمن يحفِل بتربية أبنائه تربيةً دينية صالحة، في جو يَفيض بالمودة والحنان وحرية التفكير، فشبَّ داعيتنا حرَّ الفكر، محبًّا لمكارم الأخلاق، وقد متَّعه الله بذهن ناقد، وعقل متسائل، محبًّا للتواصل مع المخالفين له في الرأي والملَّة والعقيدة، وقد فصَّلت ذلك في الحديث عن نشأته وتربيته في مؤلَّفي عنه "رجل من أمة التوحيد - أسلَم على يديه أربعة آلاف من الأجانب"، (دار الصحوة بالقاهرة 1991م).

 

وكان مما ساعَد داعيتَنا -رحمه الله- في تبليغ دعوة الإسلام لقرابة مائة ألف من الأجانب في القارة الأوروبية والأمريكية وغيرها، وإسلام الآلاف على يديه - جملةٌ من الخِصال، منها: سماحة طبْعه، ولين جانبه، وسَعة صدره، واتِّساع أفُقه، وحسُن تفقُّهه في الدين، وتديُّن فطري، وفَهم صحيح للإسلام دين الفطرة فهمًا رشيدًا، والدعوة إلى وسطية الإسلام، والالتزام بآدابه وحدوده بلا إفراط ولا تفريط، فضلاً عن شخصية مرِحة حُلوة الرواية والفكاهة.

 

وكان من العوامل الجوهرية في نجاح دعوته وتميُّزِه في حقل الدعوة - سعةُ اطِّلاعه وقراءاته المستمرة في كل جديد في حقل الدعوة والشأن الإسلامي والمِلل والعقائد والمعارف العامة، ومتابعة المستجدات والأحداث الجارية؛ حكى لي ذات مرة أنه خلال زيارة لأسرة ألمانية حديثة العهد بالإسلام، تحدَّث إلى أطفالها، فسأله أحدهم أن يُعرِّف بنفسه فأجابه: "إنه محمد توفيق محرِّر مجلة (التقوى) بالقاهرة -وهي المجلة التي كان يُصدِرها قبل سفره في بعثة لدراسة التروبينات البحرية في سويسرا عام 1929م- فسأله الصبي: ما معنى (التقوى) يا عمي؟ فأجابه بتلقائية: التقوى هي الخوف من الله، فسأله الصبي بتلقائية أدهشتْه وفاجأته: وهل الله مخيف؟! إن الله جميل ولطيف! الأمر الذي أحرَج داعيتَنا، وأشعَره بالتسرع في الإجابة دون مخاطبة الصبي بما يفهم، وبما ينسجِم مع ثقافته التي نُشِّئ عليها برغم توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن نخاطِب الناس على قدْر عقولهم ((خاطِبوا الناس على قدر عقولهم))، وقد تعلَّم واستفاد من الموقف كيف يخاطِب الآخر بما يتناسَب وعمرَه وثقافته وتعليمه.

 

لقد كان داعيتنا المبارك -رحمه الله تعالى- محبًّا للإسلام والمسلمين في أرجاء الكون كله، يحمل همَّ الإسلام والمسلمين، يفرح لفرَحهم، ويحزن لحزنهم وانكسارهم وتردِّي أحوالهم، وقد حكى لي أنه أُصيب بداء السُّكري بعد نكبة الخامس من يونيو 1967 م عندما سقَطت القدس في أيدي العصابات الصهيونية، بَله احتلال أراضٍ من أربع دول عربية، وهي: فلسطين، ومصر، والأردن، وسوريا! وكان يقول -في مرحه المعهود-: "إن الله عندما ابتلاه بالمرض، ابتلاه بمرض حُلو، "السكر" كما نسمِّيه في مصر، ولم يزل بيته العامر في حي الرياضة (سبورتنج) بالإسكندرية في أعلى بنايته قِبلةً للمحبِّين من الدعاة والأعلام وطلبة العلم والمريدين من شتى أرجاء المعمورة؛ ليَسعد بزيارته والتحدث معه، فيُكرِم وِفادتهم بما تجود به الحال من طيِّب الطعام والشراب و"المورد العذب كثير الزِّحام" -كما تقول العرب- ومَعين بيت الرجل لا يَنضُب، وكمْ زرتُه برُفقة زوار الإسكندرية من الأعلام والمحبِّين فأكرَم وِفادتهم، وقدَّم لهم الطعام الطيب والشراب الهنيء، ومن هؤلاء العلامة المؤرخ والأديب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي، الذي عرَّفني بداعيتنا الكريم، والذي دعاه قسم التاريخ بكلية الآداب بالإسكندرية ليُحاضر عن الهجرة والدروس المستفادة في مستهَل القرن الخامس عشر الهجري، وكنت لم أزل أدرِّس في قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، ورأيت داعيتنا المهندس محمد توفيق بن أحمد سعد يحمل مِعطف الأستاذ أنور الجندي، وهو يسير في صُحبة أساتذة قسم التاريخ، وفي صدارتهم الدكتور عمر عبدالعزيز، ورأيته في بيت داعيتنا الذي عرَّفني الأستاذ الجندي عليه إبَّان الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد شاعر الإسلام الفيلسوف الدكتور محمد إقبال في نوفمبر 1977م، واصطحَبتُ الأستاذ حسن عاشور مدير تحرير مجلة "الاعتصام" القاهرية وبصحبته الأستاذ حسن المطرودي رئيس تحرير مجلة "الخفجي" السعودية، وزرتُه في صحبة العلامة الطرازي الابن البروفسور نصر الله بن الشيخ مبشر الطرازي الحسيني، والبروفسور نصر الله مبشر الطرازي أستاذ اللغات الشرقية بالجامعات المصرية وخبير المخطوطات الفارسية والتركية بدار الكتب المصرية سابقًا - رحِمهم الله جميعًا رحمة واسعة.

 

ولقد تعرَّض داعيتنا المبارك -رحمه الله تعالى- لابتلاءات كثيرة، واجَهها بالصبر والثبات ويقين الإيمان بنصر الله وعونه وتوفيقه، ومنها أن سلطات الاحتلال الإنكليزي صادرت كميات كبيرة من رسالته "الإسلام دين الجميع" باللغة الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية؛ لاعتقادهم أنها تقدِّم دعاية للألمان أو تتواصل معهم، وأغلَقت المطبعة، فتعطَّل الإنتاج وتوقَّفت أجور العمال مما دفَعه ليقدِّم مساعدات مادية لصاحب المطبعة للمساعدة في دفع أجور العمال، وفي العهد الناصري وسيادة الفكر الاشتراكي المادي وغَلبة الماركسيِّين، أوقَفوا إصدار مجلة "البريد الإسلامي" مع حمْلتهم على الدعوة الإسلامية ووسائل الإعلام الصحافية الإسلامية، فأهمَّه الأمر، فهداه الله لتأدية العُمرة والدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وبعد عودته حدَث وقد زاره الكاتب والمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ خالد محمد خالد -رحمه الله تعالى- الذي كانت له علاقة ببعض القيادات السياسية، وتيسَّر الأمر وعادت مجلته الأثيرة للظهور؛ ليتواصَل (بالبريد الإسلامي) مع محبِّيه في داخل مصر وخارجها، ويضطلِع برسالته في الهداية والتثقيف والتربية وبثِّ الوعي الإسلامي الرشيد في أنحاء المعمورة.

 

وقد ساعَد الرجلَ في تأدية رسالته ونجاحه في دعوته وتُقاسِمه الأجر والثواب - سيدةٌ صالحة أكرَمه الله بها، فكانت هديَّة الله له، وهي السيدة أم صلاح وأم أحمد، التي نهَضت معه بعبء الدعوة وتهيئة كل الظروف الملائمة لدَاعيتنا؛ لينهَض بمهمته التي استعمَله الله فيها، فكانت ويشارِكها أبناؤها في متابعة البريد والقيام على إرسال مجلة "البريد الإسلامي" بطيِّها ثلاث طيات وإرسالها بالبريد للآلاف؛ لتصِل بريدًا قلبيًّا ورسالة دَعوية وتثقيفية للمسلمين في مصر والعالم، وقد شاهدتُ بنفسي فرحة الأسرة باستقبال العدد الجديد من المجلة كاستقبال البيت لمولود عزيز؛ فضلاً عن كرَم الضيافة الذي كان يحظى به الزوار لمكتب داعيتنا بالشقة المقابِلة لمسكن الأسرة في دار تبليغ الإسلام، وإن كان مَقر المكتب متَّصلاً بمقر المسكن، وفي مرض الوفاة عانى دَاعيتنا عامًا كاملاً أو يزيد من قُعود تام بفعل أمراض الشيخوخة، ولم يكن يقوم عليه إلا زوجه الصالحة الصابرة وابنه البار أحمد أو المهندس أحمد، الذي يعمل في قطاع النفط في إحدى الدول العربية، وكان أحمد عامها في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، يقوم مع والدته على تطبيب والده الداعية، الذي كان يحتاج إلى مَن يَقلِبه على سريره، وبرغم هذا الجو وتلك الظروف القاسية في تلك السنة، إلا أن دَاعيتنا وبنور قذَفه الله في قلبه بشَّر ابنه أحمد بأنه سينجح وبتقدير متميِّز، وفعلاً كتَب الله النجاح الباهر وكان أحمد أو المهندس أحمد حاليًّا من الأوائل، والتحَق بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية وتخرَّج فيها، ليشقَّ طريقه في حياته العملية بتوفيق الله مصحوبًا ببركات دعوات والديه.

 

قصة جمعية " تبليغ الإسلام":

وفي حياة داعيتنا المبارك -رحمه الله تعالى- نهَض رجالٌ من محبِّي رسالته، وفي مقدمتهم المحامي والقانوني المثقَّف الأستاذ سيد حامد، لحمل الرسالة وتبليغ دعوة الإسلام إلى العالم باللغات الحية، وأسَّسوا "جمعية تبليغ الإسلام"، وعرَضوا عليه رئاستها، إلا أنه فضَّل أن يعمل بخطته وأسلوبه في "دار تبليغ الإسلام" وبارَك جُهودهم، وبعد فوزه بلقاء الله والصلاة عليه في مسجد المواساة بالإسكندرية يوم الجمعة 17/10/1411 هـ الموافق 10/5/1991م، اضطلَعت جمعية تبليغ الإسلام برسالة الرجل في تبليغ الإسلام، وطوَّرت من أساليبها في تبليغ دعوة الإسلام إلى العالمين، وردِّ الشبهات عن الإسلام وشرائعه باللغات الأجنبية الحية والأكثر انتشارًا، وبدعم من المحبين والمؤمنين الصادقين تنهَض برسالتها بإرسال الدعاة إلى مختلف بُلدان العالم في الأمريكتين وأوروبا وإفريقيا للتبشير برسالة الإسلام والتعريف به، وصدِّ هجمات المُنصِّرين في إفريقيا وغيرها، ولقد استفادت جمعية تبليغ الإسلام بالإسكندرية من وسائل التِّقنية الحديثة، وإجراء الحوارات على شبكة التواصل العالمية، معتمِدة على شبابها الواعي الذي يُجيد لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية للتحاور مع شباب العالم، والتعريف بالإسلام دين الحق والنهضة والجمال، وفي صَدارتهم الداعية المؤسِّس لجمعية تبليغ الإسلام القانوني الأستاذ سيد حامد، والأخ العميد الحاج علي عزت، والأستاذ المهندس محمد حجازي، ويعاونهم فِتية آمنوا بربهم من المتطوعين للعمل في نشاطات الجمعية المختلفة في مجالات الترجمة أو المحاورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو السفر لنشْر الدعوة وتبليغ رسالة الإسلام في جميع أنحاء العالم، وإصدار الكتيبات الإسلامية في التوعية بالإسلام عقيدةً وشريعةً وعبادةً ومعاملات بمختلف اللغات الأجنبية الحية، ويمكِن التواصل معها من خلال المستكشف على شبكة المعلومات الدولية ودعْمها والاتصال بالقائمين، وتقديم مختلف أنواع الدعم والمساندة للقائمين عليها ومشاركتهم في الأجر والثواب مهما تباعَدت المسافات "والدال على الخير كفاعله، دون أن ينقص ذلك من أجر فاعله شيئًا" كما ورد في الهدي النبوي الشريف.



[1] انظر: كاتب المقالة في كتابه "قمم إسلامية معاصِرة - في الدين والأدب والدولة" نشر "دار الاعتصام في القاهرة"، بشارع حسين حجازي، قصر العيني، الطبعة الأولى 1996م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدعوة والمدافعة بالكلمة الصالحة
  • الرسالة والدعوة
  • رسالة الدعوة إلى الله

مختارات من الشبكة

  • ذكريات شموع الروضة (7) ذكرياتي مع محمد العبدالله الراشد وأبيه رحمهما الله (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الماء في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحياة الذكريات(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صفحات من ذكريات رائد الفلسفة الإسلامية الدكتور محمد السيد الجليند(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وقفات وعبر من إسراء خير البشر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسرار القرآن الكريم: {اليوم أكملت لكم دينكم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكرى الهجرة وكيفية الاستفادة منها(مقالة - ملفات خاصة)
  • ذكريات مدرسية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فلسطين .. وعبق ذكريات الطفولة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ذكريات في الحج(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
3- لدي خطاب و محتوي لجريده التقوي من عام 1936
أحمد عزاز - المانيا 07-02-2013 01:17 AM

ألاخوه الكرام الاستاذ عبد اللطيف الجوهري و الاخ أحمد محمد توفيق ابن الداعية المهندس محمد توفيق
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
اسمي أحمد عزاز اعيش مع أسرتي في المانيا وأعمل مدرس لغات ومترجم وكذلك تجارة الطوابع والتاريخ البريدي العربي والعالمي
بالصدفة البحتة اشتريت بعض المغلفات المصرية المسافرة للخارج و كانت المفاجئة وهي حصولي على خطاب مرسل من جريده التقوى في مصر إلى سويسرا وبه محتويات أثارت شغفي واهتمامي فبدأت بالبحث والتنقيب عن معلومات وخاصة أن الخطاب كان يحتوي على مجلة صغيرة بمحتوى دعوي للإسلام باللغة الألمانية وبالفعل عثرت على بعض الموضوعات بموقع ويكيبديا فقررت إجلالا لصاحب الخطاب الداعية المهندس محمد توفيق وإحياءا لسيرته والتعريف به قررت أن أكتب مقالة والحق بها الخطاب ومحتوياته حتى يعم الخير ويؤخذ منها العبرة بأن الدعوه إلى الدين الحق لادود لها و لا قيود
اليوم عثرت على مقالكم الكريم فقررت الاتصال بكم و إشراككم فيما عثرت عليه وسيكون من دواعي سروري ان قمتم بالاتصال بي

رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن أعماله في الدعوه لدين الإسلام خير الجزاء
تقبلوا مني فائق الاحترام و التقدير وجزاكم الله خيرا
السلام عليكم
أحمد عزاز

2- قطرة من بحر
عبداللطيف الجوهري - السعودية 05-10-2012 02:05 PM

أخي الحبيب المهندس أحمد بن الداعية الإسلامي ورائد تبليغ دعوة الإسلام للأجانب بلغاتهم المهندس محمدتوفيق بن أحمد سعد،سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد فلَشَد ما أسعدني مرورك على موقع "الألوكة "المشع بأنوار الإيمان والتوحيد والوعي الإسلامي الرشيد، وأشكر لك تعليقك الوفي الجميل، وما قدمته في مقالتي عن شيخنا الداعية المبارك المهندس محمد توفيق غيض من فيض وقطرة من بحر عطائه وأثره الممتد في أبنائه وتلاميذه ومريديه في شتى أرجاء العالم المحب للعدل والحق والحرية والسلام،والشكر موصول للأخوين مديري موقع "الألوكة ": المبارك الدكتور عبدالله الحميد والدكتور خالد الجريسي والإخوة المحررين؛ لاهتمامهم بنشر المقالة والعناية بضبطها وحسن إخراجها.

1- شكر و تقدير
أحمد محمد توفيق أحمد سعد - الكويت 29-09-2012 11:30 AM

الاستاذ الفاضل / عبد اللطيف الجوهري
جزاكم الله عنا و عن الوالد رحمه الله خير الجزاء ، جعلنا الله يا رب على هداه و وفق دعاة الأمة ليكونوا على نفس الأسلوب المستنير الذي يبرز سماحة الاسلام و مكارم أخلاقه.
تلميذكم / أحمد محمد توفيق

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب