• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

حقيقة العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين

د. حجازي عبدالمنعم سليمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/7/2012 ميلادي - 14/8/1433 هجري

الزيارات: 61053

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقيقة العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين

في ضوء روايات كلٍّ من ابن أبي طي وابن الأثير وأبي شامة


يهدف هذا البحث إلى الوقوف على حقيقة العلاقة بين نور الدين وتابِعِه صلاح الدين، عقب انفِراد الأخير بالوزارة للخليفة العاضد الفاطمي عام 566هـ/1171م وحتى وفاة نور الدين عام 569هـ/1174م، وذلك في ضوء روايات كلٍّ من ابن أبي طي وابن الأثير وأبي شامة، وقد نبعَتْ فكرة البحث حينما استوقفَتْني رواية كل من ابن أبي طي وابن الأثير في إشارتهما إلى وجود خلاف بين نور الدين وصلاح الدين من خِلال تقديم عدة إشارات، يدلُّ مضمونها العام وتصريحها المباشر على وجود خلاف بين الرجلين.

 

وقد صوَّر بعض المؤرِّخين الغربيين استنادًا إلى روايتَي ابن الأثير وابن أبي طي العلاقةَ بين نور الدين وصلاح الدين وكأن ثمَّة صراعًا مفتوحًا بينهما، وهو الصراع الذي منَح مملكة بيت المَقدِس في أواخر عصر عموري الأول المَخرجَ الذي أجَّل سقوطها آنذاك، وأن صلاح الدين اتَّجه من واقع هذا الخلافِ إلى مُحالفة مانويل الأول؛ ليَدعمه ضدَّ نور الدين إذا ما حاربَه الأخير، مُستنِدين إلى روايتَي كيناموس ونكيتاس، وغير ذلك من الآراء الكثيرة التي ردَّدها بعض المؤرِّخين في الشرق والغرب، والشاهد أن ما أسَّسه المؤرخون المُحدَثون في الغرب عن حقيقة تلك العلاقة - كان له أكثر من دليل، منها ما قدَّمتْه رِوايتَا كيناموس ونكيتاس، ومنها ما قدَّمه كل من ابن أبي طي وابن الأثير، ومن هنا تعيَّن علينا التوقُّفُ عند هاتَين الرِّوايتَين؛ للوقوف على حقيقة ما جاءتا به.

 

وتُنسب الرواية الأولى إلى يحيى بن أبي طي النجار الحلَبي، المعروف بابن أبي طي، الذي نقَلها عن والده المعاصر لتلك الأحداث، وقد ولد عام 575هـ/1180م، وكان أبوه رئيس نقابة النجَّارين في حلب وأحد أقطاب الشيعة بها، ثم نفاه نور الدين من حلَب؛ بسبب مُعارَضته له، وقد سمع يحيى عن أبيه وعن شيوخ حلب، وعاش حياةً هادئةً مكَّنتْه من تصنيف الكثير من الكتب، منها عشرة مؤلَّفات في التاريخ، من بينها كتاب "كنز الموحِّدين في سيرة صلاح الدين".

 

أما ابن الأثير، فهو علي بن محمد بن عبدالواحد الشيباني، وُلد في جزيرة ابن عمر 555هـ/1160م، ونشأ بها، ثم انتقل إلى المَوصل التي تلقى فيها جزءًا من تعليمه، ثم تعلَّم في بغداد وعمل بها وزار بيت القدس، وحينما عاد إلى الموصل عكف على التأليف حتى وفاته عام 630هـ/1235م، وقد تعصَّب ابن الأثير لنور الدين وأسرته تعصُّبًا جعله يَنتقد صلاح الدين انتقادًا حادًّا في إطار علاقته بنور الدِّين، وقد عالج ابن الأثير تلك العلاقةَ في كتابَيه "التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية بالموصل" و"الكامل في التاريخ".

 

أما أبو شامة المقدسي، فعالج تلك الإشكاليَّة في "الرَّوضتَين"، ولكتابه أهمية كبيرة على الرغم من عدم مُعاصَرة أبي شامة لكلٍّ من نور الدين وصلاح الدين؛ وذلك بسبب اعتماده على كتب مهمَّة على غِرار "البرق الشامي" للأصفهاني، وتاريخ ابن أبي طي، ومن هنا تأتي أهميته بوصْفِه مصدرًا لاثنَين من أهم الكتب المفقودة التي عالجَتْ موضوع البحث عن قرب، وقد تنبَّه أبو شامة إلى تحامُل الأخير على نور الدين؛ بسبب قضاء نور الدِّين على الشيعة في حلب ونفْيه لوالد ابن أبي طي.

 

تبدأ مُعالَجة العلاقة مبكرًا مع ابن أبي طي منذ اعتلاء أسد الدِّين ثم صلاح الدين الوزارة، فأشار إلى جلوس نور الدين للهَناء بمُناسبة فتح مصر؛ ولكنه اغتمَّ بوزارة أسد الدين ثم صلاح الدين من بعده، لدرجة أن نور الدين ودَّ لو لم تُفتَحْ مصر وألا يَصيرا إلى ما صارا إليه فيها "ولقد أعمل الحيلة في إفساد أمر أسد الدين وصلاح الدين فما تهيأ له، لا سيَّما يوم بلغَه حصول صلاح الدين على خزائن مصر، فإنه أقام ثلاثة أيام لا يَقدِر أحدٌ أن يراه، واهتمَّ بذلك حتى أفضى عليه الهمُّ"، وبرغم مُراسلة نور الدين لصلاح الدين في وزارته دون استئذانه، فإن صلاح الدين "لم يَخرُجْ عن طاعته وأمْرِه، وأنه ما فارق قَبول رأيه وإشارته"، وهذا ما جعل نور يأمر برحيل أهل صلاح الدين إليه وانتزاع أملاكهم.

 

وقد ردَّ أبو شامة على ابن أبي طي موضِّحًا أن ما يروِّج له غير مقبول بالرغم من أن غيرة نور الدين من طبائع النفس البشرية، ثم شكَّك أبو شامة في رواية ابن أبي طي؛ لموقفه المعروف من نور الدين، وبرهَن على حسن العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين بإيراد نص خطاب شكَر فيه نور الدين تابِعَه صلاح الدين، غير أن في اتخاذ رواية ابن أبي طي من وزارة صلاح الدين محْورًا لكافة الانتقادات التي وجَّهها إلى نور الدين - ذكاءً شديدًا، اعتمد على الحبْكة الرِّوائية التي انطلَقتْ من ذلك الحادث الذي له وقْع قويٌّ في النفس البشرية؛ ليَستهلَّ به انتقاداته لنور الدين، فاعتمد على ما سوف يَنتاب نفْس نور الدين حينما يرتفع شأن صلاح الدين في مصر، واستخدم تجربة أسرته المريرة مع نور الدين؛ ليصبَّ فيها أركان غضبه تجاهه، وهو في الوقت ذاته يُحسِّن من صورة صلاح الدين، سواء تعمَّد ذلك أم جاء عرضًا.

 

وتمثَّل الموقف التالي الذي عالجه كلٌّ من ابن أبي طي وابن الأثير، وأظهَرا من خلاله وجود خلاف بين نور الدين وصلاح الدين في إقامة الخطبة العباسية بمصر، فعلَّل ابن الأثير تأخُّر صلاح الدين في الدعاء للعبَّاسيين بخوفه مِن دخول نور الدين مصر "فكان يُريد يكون العاضد معه؛ حتى إنْ قصَده نور الدين، امتنع به وبأهل مصر عليه، فلما اعتذر إلى نور الدِّين بذلك، لم يَقبل عذره، وألحَّ عليه بقطع خطبته، وألزمه إلزامًا لا فُسحةَ له في مخالفته"، غير أن رواية ابن الأثير تُناقض ما قدَّمه في موضع سابق؛ لأنه قدَّم لحدث قطع خطبة الفاطميين بعدة أحداث، تشير إلى اتخاذ صلاح الدين عدَّة إجراءات للقضاء على المذهب الشيعي في مصر؛ كالتضييق على الخليفة وأعوانه، والسيطرة على القصور الفاطمية، ونشر المذهب الشافعي عن طريق إقامة المدارس الكثيرة المُخصَّصة لنشر المذهب السنِّي بين المصريين، فهل مَن يفعل ذلك يسعى إلى استخدام الشيعة ضد نور الدين محمود أو ضد غيره؟

 

أما ابن أبي طي، فيؤكِّد حاجة صلاح الدين إلى الوقت للقضاء على الخلافة الفاطمية؛ لخَوفه من ثورة المصريين؛ ولذا فإنه رأى إحداث ذلك على مراحل، وقد استهلَّها بإضعاف المذهب الشيعي على ما أشار ابن الأثير ذاته، وحينما ضغط عليه نور الدين، فإنه أوكل مهمَّة إسقاط اسم العاضد من الخطبة إلى والده "وإنما فعَل الملك الناصر ذلك ووكَل الأمر إلى غيره؛ استظهارًا وخوفًا من فادحة ربمَّا طرأت، أو عدوٍّ ربما ثار، فيكون هو معتذرًا من ذلك"، ولعلَّ من عوامل حدوث مثل تلك الأزمة ضغطَ الخليفة العباسي المُتكرِّر على نور الدين للدعاء لهم على منابر مصر واعتذار صلاح؛ لخوفه من الفاطميين، مما أحرَج نور الدين أمام الخلافة حتى "أفضى به الأمر إلى أنه اتَّهم صلاح الدين، وشنع عليه بسببه، وأكثر القول في ذلك".

 

وفي مناسبة تالية عالج ابن أبي طي استقلال نور الدين للهدية التي بعثها صلاح الدين عقب استيلائه على محتويات القصور الفاطمية؛ وعليه قرَّر نور الدين إرسال خالد القيسراني صاحب ديوان الاستيفاء لمُحاسَبة صلاح الدين على أوجه إنفاقه في مصر، ثم إرسال الباقي إلى نور الدين للاستعانة به على جهاد الصليبيين، وعدَّ ابن أبي طي ذلك مظهرًا من مظاهر الخِلاف، بينما اتَّسعت رؤية الأصفهاني في معالجته لذلك الموقف؛ لتَشمل إمداد مصر لنور الدين بالمؤن والإمدادات، وبخاصة الرجال.

 

غير أن ذلك لا يَعني بحالٍ انعدامَ الثقة بين الرجلَين؛ وإنما يمكن عدُّه حرصًا من صاحب المال على مُتابعة القيِّم عليه، وثمَّة دلائل كثيرة تؤكِّد تلك الفرضية، منها عدم إفراد نور الدين لصلاح الدين بأيِّ مُراسلة، ومخاطبتُه بأمير اسفهسلار؛ أي: أمير العسكر، ناهيك عن تعيين نور الدين لابن أبي عصرون في قضاء مصر، وسرَيان المنشورات التي أصدرها نور الدين في مصر كما في باقي المدن التابعة له، واستخدامه للحَمام الهوادي أو المناسيب للوقوف على أخبار مصر وغيرها من البلاد التابعة له في وقتها، فهذا وغيره مما يمكن قبوله على أنه حرص منه على مُتابَعة أحوال البلاد التابعة له، وليس بالضرورة عدم ثِقَة في نوَّابه فيها.

 

وفي موقف آخر اتَّهم ابن الأثير صلاحَ الدين بطلب أهله؛ لرغبته في وقوفهم إلى جانبه حينما يَخرُج عن طوع نور الدين، غير أن احتياج صلاح الدِّين لهم كان مُبرَّرًا بالأحداث التالية، التي أكَّدت قيام توران شاه بالتصدي لأغلب العقَبات التي واجهتْ صلاح الدين؛ مثل القضاء على فتنة السودانيين، ومؤامرة مؤتمن الخِلافة، والحلف الصليبي البيزنطي، وفتح اليمن والنوبة، وما إلى ذلك، وتصدِّي أيوب لإسقاط اسم العاضد من الخطبة، ناهيك عن صعوبة تقبُّل أن نور الدين عَلِم بهدف صلاح الدين، وأنه سمح بالرغم من ذلك لأهله بالذهاب إليه؛ بل وتأمين طريق أيوب في ذهابه إلى مصر، فلا ينم موقف نور الدين سوى عن عدم وجود سوء ظن بين الرجلين.

 

ولم تقف انتقادات ابن الأثير عند هذا الحد؛ إذ اتخذ من انسحاب صلاح الدين من أمام الشوبك عام 1171م محورًا لعدد من الانتقادات الحادة التي وجَّهها إليه، فصرَّح بأنه ترك الشوبك بالرغم من اتفاق حاميته على تسليمه، حينما علم باقتراب نور الدين، مبرِّرًا انسحابه بأنه لم يشأ لقاء نور الدين، بحيث لا يقضون على الفرنج، ومن ثمَّ لا يبقى بين نور الدين ومصر أية عقبات، فإن شاء عزَل صلاح الدين وإن شاء أبقاه، وأن صلاح الدين يفضِّل بقاء الفرنج بينه وبين نور الدين؛ لأجْل هذا الغرض؛ وعليه فإنه حينما عاد صلاح الدين إلى مصر وعَلِم بعزم نور الدين على دخول مصر، فإنه اجتمع بأهله وقرَّروا علنًا التصدي لنور الدين إذا ما حاول غزو مصر، وأن نُصحَ أيوب لابنه سرًّا بعدم الجهر بمعاداة نور الدين، وإرسال من يستعطفه ويعلن له استمرار خضوعه له - هو ما أجَّل الصراع.

 

على أن الربط الذي قام به ابن الأثير كان في مُنتهى الذكاء؛ فاعتماده على عام القضاء على الخلافة الفاطمية ليبدأ به التسلسل الزمني للتطور الجدِّي في علاقة نهايتها العداء والخصومة لا يحلها سوى موت نور الدين - يَتوافق تمامًا مع المخاوف التي ستنتاب أيَّ شخص في موضع نور الدين تجاه صلاح الدين، فأيًّا ما كان وضع صلاح الدين في ظلِّ الفاطميين في السابق، فإنه كان يوجد حاجز ربما حال دون انفِراده بالسلطة في مصر، أما الآن، فقد زال ذلك الحائل وصار صلاح الدين حرًّا فيما يفعله في مصر، التي كانت آنذاك أكثر استقرارًا وأمنًا وازدهارًا، وفي سهولة قيادتها والدِّفاع عنها، وبالتالي الاستقلال بها، ومِن ثمَّ فإن رواية ابن الأثير كانت قابلةً للتصديق والتداوُل.

 

غير أن افتراض رواية ابن الأثير اقتراب الشوبك من التسليم لصلاح الدين وانسحابه دون تسلُّمه - قول يَفتقر إلى دليل، ناهيك عن أن الكرك والشوبك قد استعصَيا على صلاح الدين فيما بعد، حينما وحَّد مصر والشام تحت سُلطانه وقاد كافَّة جيوش المسلمين في مصر والشام، وتفترض رواية ابن الأثير أيضًا أن الفرنجة كانوا من الضَّعف بحيث يسهل القضاء عليهم إذا ما اجتمع نور الدين وصلاح الدين ضدَّهم آنذاك، ولكن هذا الرأي هو الآخَر مما يَسهُل قولُه؛ ولكن يصعب تنفيذُه من الناحية العملية.

 

على أن ذلك لا يَعني رفض رواية ابن الأثير كلِّها، فمِن الواضح أن نور الدين كان غاضبًا من صلاح الدين ولم يقنع باعتذاره أو بمبرِّراته، ولكن يَلتمس لصلاح الدين مبرِّرًا للانسحاب؛ وذلك لطول مدَّة الحصار التي فرضها على الشوبك، بينما لم يصلْ نور الدين بعد، غير أن ذلك لا يُمثِّل مشكلة، وإنما كمنت المشكلة في ابتعاده مدة طويلة عن مصر في ظروفها الحَرِجة؛ حيث لم يمضِ على القضاء على الخلافة الفاطمية أكثر من ثلاثة أشهر، أما إشارة رواية ابن الأثير إلى انفراد أيوب بابنِه وتوبيخه على المُجاهَرة بعصيان نور الدين، فغير دقيقه؛ لتأكيد المؤرِّخ انفراد أيوب بابنه صلاح الدين، فإذا كان هذا الكلام قد حدث بين الأب وابنه فقط، فكيف عرف به ابن الأثير؟!


أما المناسبة التالية التي اتَّخذها ابن الأثير لانتقاد صلاح الدين، فممثَّلة في انسحابه عن الكرك عام 1173م، فاستهلَّ روايته برفض نور الدين اعتذارَ صلاح الدين عن أحداث الشوبك إلا على أساس أن يجتمعا لحِصار الكرك، فاستجاب صلاح الدين وظلَّ مُحاصرًا له حتى علم باقتراب نور الدين منه، وحينها قرَّر الانسحاب متعلِّلاً بمرض أبيه، واستكمل قصَّته في موضع آخَر خلال معالجته لوفاة نور الدين، حينما أكَّد عزم الأخير على غزو مصر ولكن أجَل الله أتاه، وبالرغم من إشارة ابن الأثير إلى وفاة أيوب قبيل عودة صلاح الدين، فإنه لم يَقبل منه هذا العذر كسببٍ للانسحاب؛ وإنما عدَّ انسحابه قرينةً أخرى تشهد على حرصه على عدم القضاء على الصليبيين، لا بوصفه حرصًا من ابن بارٍّ على إدراك والده قبيل وفاته.

 

وبينما اتخذ ابن الأثير مِن فتْح صلاح الدين للنوبة بوصفه مظهرًا من مظاهر الخلاف مع نور الدين، على اعتبار أن صلاح الدين سعى إلى إيجاد مأوى له ولأسرته بعيدًا عن مصر؛ خوفًا من عجزه عن التصدِّي لنور الدين حينما يغزو مصر، فإن ابن أبي طي قدَّم تفسيرًا آخَر يقوم على حرْص صلاح الدين على حماية حدود مصر الجنوبية؛ حيث شهدت تلك المنطقة حدوثَ أكثر من تمرُّد من قبل العرْبان، علاوةً على مُهاجمة ملك النوبة لأسوان وتخريبها واستغاثة واليها بصلاح الدين، بمعنى أن ابن أبي طي لم يربط بين فتح النوبة والصراع بين نور الدين وصلاح الدين.

 

ويقترن بذلك نسبة فتح صلاح الدين لليَمن إلى السبب ذاته لدى ابن الأثير، الذي على الرغم من ربطه بين إلحاح عمارة اليمني على توران شاه بغزو اليمن وبين محاولة عمارة إبعاد كافَّة أنصار صلاح الدين عن مصر لتهيئة البلاد للمؤامَرة التي كان يدبِّرها، فإنه لم يقنع به سببًا؛ وإنما ربط بين توجُّه توران شاه إلى اليمن وبين وجود خلاف بين نور الدين وصلاح الدين، وذلك على الرغم من تأكيده أن صلاح الدين لم يتَّجه إلى اليمن إلا بعد استئذان نور الدين، أما ابن أبي طي، فعزى فتحها إلى إلحاح عمارة على توران شاه "وكان إذا خلا به يَصِفُ له بلاد اليمن، وكثرة أموالها وخيرها، وضعْف من فيها، وأنها قريبة المأخذ لمن طلبها".

 

ويرى ابن شداد أن صلاح الدين سعى للقضاء على عبدالنبي بن مهدي الشيعيِّ الذي خرج باليمن، وقرَّر توسيع دعوته لتصل إلى الأرض كلها، ولهذا الرأيِ قيمتُه؛ وذلك لأنه إذا كان نور الدين حريصًا على القضاء على المذهب الشيعي، فإن ذلك لا يَعني الوقوف عند حدود مصر، وبخاصة أن بعض بقايا الشيعة كان لهم وجود قويٌّ في صعيد مصر وبلاد النوبة واليمن؛ وعليه فإن اتجاه صلاح الدين لفتح تلك البلاد كان بسبب محاولته القضاء على بقايا الشيعة تنفيذًا لسياسية نور الدين.

 

وبصفة عامة، فإنه كان يوجد توتُّر من نوعٍ ما، ليس بالصورة التي رسمها كلٌّ من ابن أبي طي وابن الأثير؛ وذلك لعدد من العوامل التي يمكن استخراجُها من روايتي الطرفين، وتتجسد تلك العوامل في الأموال الكثيرة التي وزعها صلاح الدين على المصريين وبعض رجاله عقب وصوله إلى الوزارة بهدف استمالتهم، واعتلاء صلاح الدين الوزارة للعاضد دون استئذان نور الدين، كما لم يرضَ بعض كبار أمراء نور الدين بما وصل إليه صلاح الدين في مصر، وقد سعى هؤلاء للنيل منه بالإيقاع بينه وبين نور الدين.

 

وبالَغ الشعراء الذين امتدَحوا صلاح الدين وأفراد أسرته - كالعرقلة - في تشبيه وصوله إلى مصر بوصول يوسف - عليه السلام - إليها، واستقباله لأبيه على غرار استقبال يوسف لأبيه، فكل ذلك كان لا بد أن يؤثِّر على نفسية نور الدين، وقد رجَّح هاملتون عودة أساس الخلاف إلى اختلاف الآراء السياسية؛ إذ رأى نور الدين في بلاد الشام الأرض الرئيسة للمعركة ضد الصليبيين، وأن مصر لم تزد عن كونها أهم مصدر اقتصادي لسد نفقات حملاته ضد الصليبيين في الشام أولاً، ومصدر لإمداد جبهة الجهاد بالموارد البشرية ثانيًا، بينما رأى صلاح الدين غير ذلك من واقع صراعه الطويل مع عموري حول امتلاك مصر، وعلم أن الخطر الراهن يدور حول مصر، سواء من قبل الصليبيين والبيزنطيين أم من بقايا الشيعة وأعوانهم في مصر واليمن.

 

وعليه؛ فقد تشكَّلتْ نظرية صلاح الدين حول ضرورة تقوية الجيش المصري؛ للحفاظ على مصر تحت أي ظرف، وتتبُّع بقايا القوى الفاطمية في أهم مراتعها في النوبة واليمن، ولكي يتحقَّق هدف صلاح الدين؛ فإن ذلك يستلزم مزيدًا من الوقت والمال، بينما استعجل نور الدين كل ذلك، واعتبر رد فعل صلاح الدين نوعًا من عدم التقيُّد بالأوامر المباشرة، ولا ريب في أن اهتمامه المتزايد بقواته قد أدى إلى اقترابها من حجْم قوات نور الدين؛ بحيث نشأ سبب آخَر استوجب قلقَ الأخير.

 

وقد يبدو للمُطَّلع على روايتَي ابن أبي طي وابن الأثير أن العلاقات قد تجمَّدت بين نور الدين وصلاح الدين بما أن نور الدين قد عزم على غزْو مصر، ولكن الغريب أن العلاقات ظلَّت قائمةً؛ بدليل وصول خطاب صلاح الدين إلى دِمشق يوم وفاة نور الدين، وهو الخطاب الذي حمل أسرار المؤامَرة التي دبَّرها عمارة اليمني بهدف القضاء على صلاح الدين وجيشه في مصر، وينمُّ وصف صلاح الدين عن كيفية تصدِّيه للمؤامرة عن وجود استياء، بل وعن وجود تواصل بينه وبين نور الدين، ومِن جِهة أخرى فإن صلاح الدين أرسل إلى نور الدين قبيل وفاته ربما بأيام معدودات - في أوائل شوال 569هـ - ببشارة فتح اليمن، ففرح بذلك وأرسل البشائر إلى الخِلافة وسائر بلدانه.

 

وفي النهاية، فإنه يَكفي طرح مقولة أبي شامة معقِّبًا على رواية ابن الأثير التي أشار فيها إلى عزم نور الدين على الدخول إلى مصر قبيل وفاته، جاء فيها: "قلتُ: ولو علم نور الدين ما ذخَر الله تعالى للإسلام من الفتوح الجليلة على يدَي صلاح الدين من بعده، لقرَّتْ عينه، فإنه بنَى على ما أسَّسه نور الدين من جهاد المشركين، وقام بذلك على أكمل الوجوه وأتمها - رحمهما الله تعالى".

 

مصادر الصور والخرائط:

• منبر نور الدين محمود من موقع

http://inof2200.gogoo.us/t736-topic

• قلعة صلاح الدين من موقع

http://www.google.com.eg/search?hl=ar&source

• صورة رمزية لنور الدين محمود من موقع

http://www.homatalaqsa.com/cha5siyate/1705-nourdinmahmoud.html

• خريطة مواقع القلاع والحصون الصليبية من كتاب:

حسين مؤنس: "أطلس تاريخ العالم الإسلامي"، الزهراء للإعلان العربي، القاهرة، 1986م، (ص: 263).

• خريطة حركة النهوض والتجمع الإسلامية ضد الصليبيين من كتاب: حسين مؤنس: "أطلس تاريخ العالم الإسلامي"، الزهراء للإعلان العربي، القاهرة، 1986م، (ص: 264).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صلاح الدين الأيوبي والفن الحربي العربي
  • "صلاح الدين" الإنسان
  • من مَعين الخلد (بحث في الجوانب الإنسانية والحضارية في شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي)
  • نور الدين الشهيد
  • الخاتون عصمة الدين بنت الأمير أنر السلجوقي
  • السلطان نور الدين والقبر النبوي الشريف

مختارات من الشبكة

  • الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (الحقائق)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • وقفة مع الباحثين عن الحقيقة(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • حقيقة العلاقة بين الزوجين في الإسلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حقيقة ولاية التأديب الخاصة والموازنة بينها وبين المصطلحات ذات الصلة(مقالة - موقع د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم)
  • معنى العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الألمانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الإنجليزية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرقان في بيان حقيقة التقارب والتعايش بين الفرق والأديان (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الفرقان في بيان حقيقة التقارب والتعايش بين الفرق والأديان (WORD)(كتاب - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب