عرض كتاب "آداب التحقيق"

عرض كتاب: آداب التحقيق

إعداد: محمود ثروت أبو الفضل

• اسم الكتاب: "آداب التحقيق: خُطوات عمليَّة في تحقيق المخطوطات".

• المؤلِّف: محمد خير رمضان يوسف.

• سنَة النَّشر: أبريل- 2012م.

• دار النشر: دار سما للكتاب - مصر.

• الطبعة: الأولى.

• صفحات الكتاب: (80).

صدر حديثًا للأستاذ: (محمد خير رمضان يوسف)، كتاب "آداب التحقيق"؛ وهو يَضُمُّ مجموعة من التوجيهات النافعة، والإرشادات المُختصَرة الجامعة لحِرْفة (التحقيق)، التي نالها ما نال العلومَ الأخرى من دخول غير أهلها رحابَها، فأَحدَثوا فيها وبدَّلوا، واستحدَثوا وغيَّروا، وقديمًا قالوا: "من تَكلَّم في غير فنِّه، أتى بالعجائب"، ورغم انتعاش حركة التحقيق في السنوات الأخيرة، لكن هذه الكَثْرة لم تُؤتِ ثِمارَها؛ لغياب أغلب مهارات وخصائص التحقيق عند القائمين به؛ لذا كانت أهمية هذا الكتاب، ككتابٍ إرشاديٍّ مُختصر لبعض هذه المهارات، من مَعينِ خبرة صاحب الكتاب وعمَله في صَنْعة التحقيق، وقد ذكَر المؤلِّف في مقدِّمته بأنَّ وضع كتابه: "أقرب إلى التوجيهات والإرشادات، مما عَلِق بالذاكرة وأسعَفَه الخاطِر، وهو للمُبتدئين والعامِلين فيه"؛ ص (5).

ويرى الكاتب أنَّ (النماذج والتطبيقات هي المفيدة في أمر التحقيق)، وأنَّ التحقيق يحتاج ممارسة مُتوالية، ودُربة كبيرة يَكتسِبها شيوخ التحقيق من جرَّاء نظَرهم عبْر عشرات السنين في كُتُب التراث، والمقارنة بين نُسَخها الخطيَّة، مع الإحاطة بالعلوم المساعِدة لعِلم التحقيق؛ كعلوم الحديث والقراءات والتفسير وعلوم اللُّغة، وغيرها.

ويُنوِّه الكاتب إلى أنَّ قيمة المُحقِّق الجيد لا تتَّضِح بحشوه النصَّ المُحقَّق بما لا يُفيد كتابه ودراسته؛ من طول تَخريج، أو إسهاب في الترجمة، وذكْر المصادر، وكثْرة المُقدِّمات، وما شابه؛ بحيث يَهدِف منه تكبير (ونفْخ) دراسته في المقام الأوَّل؛ بحيث صارت قيمة التحقيق بحجم الكتاب المطبوع وضخامته، ويَنصَح الكاتب المُحقِّقين بتجنُّب هذا الداء المُستشرِي بين المحققين الجُدد؛ فيقول: "الرِّفقَ الرفق أيُّها المُحقِّقون بالكتاب نفسه وبدخْل الناس، واهتمُّوا بما يَرغَبون، وإن التوسُّط في التحقيق هو المرغوب، فيُعرَّف المؤلِّف بإيجاز، مع أهم مؤلَّفاته، وأهم المصادر التي تَرجمتْ له، ويُوثق الكتاب، ويُبيَّن موضوعه، ونُسَخه، ويكون التركيز على صحَّة النصِّ، وتفسير الغريب، والتعليق المختصر على الغامِض من العبارات، وتخريج الأحاديث وبيان حكْمها، مع فهارس تُسهِّل على الباحث الوصولَ إلى طَلِبَته في أيِّ جزء من الكتاب"؛ ص (8، 9).

المُؤلِّف: هو الأستاذ محمد خير بن رمضان بن إسماعيل يوسف، من مواليد محافظة الحسكة بسورية، حاز على شهادة الإجازة (ليسانس) من كليَّة الشريعة بجامعة دمشق، عام 1398هـ- 1978م، وعلى شهادة الماجستير من كليَّة الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1405هـ، عمِل بالتدريس فترة من فترات حياته بسورية، ثم بالتصحيح والتخريج اللُّغوي في بعض دور النَّشر والمجلات الثقافيَّة؛ مثل: مجلة عالَم الكُتب السعودية، ومجلة التوباد بالرياض، ومجلة المسلم المعاصِر.

وقد شَغَل منصب مدير إدارة الاقتناء وتنظيم المعلومات بمكتبة الملك فهد الوطنية منذ بداية إنشائها عام 1409هـ، ثم انْتقَل إلى إدارة التصنيف والفهرسة مُفهرِسًا ومُصنِّفًا للكتب ومُراجِعًا لهما، وله عدد من البحوث والدراسات يُوالِي نشْرها على الشبكة العنكبوتيَّة وعلى موقعه الإلكتروني، وأيضًا تولَّى نشْر معظمها في بعض الدوريات العربيَّة مِثل: (عالم الكتب) و(التوباد) و(العالم الإسلامي)، وقد أصَدَر الكاتب مجلة إلكترونيَّة في عام 1432هـ بعنوان (مَجلَّة الكتاب الإسلامي)، حيث يقوم بإعدادها وتحريرها وكتابة بعض بحوثها ودراساتها.

وصف الكتاب:

أراد الكاتِب أن تكون رسالته دليلاً تطبيقيًّا لما يُنادي به طوال رسالته من ضرورة الإيجاز والاختصار في العلوم المُتعلِّقة بالتحقيق ومهاراته، فجاءت رسالته موجَزة في كثير من فصولها، مُباشرة المضمون، كخُطُوات عمليَّة في كيفيَّة تحقيق نصوص التراث العربي دون تحميلها ما لا تُطاق، وقد بدأ الكاتب بمقدِّمة موجَزة للغاية، بيَّن فيها أهمية عِلم التحقيق من حيث كونه "انشغال بالعلم، وتوثيق له، وبعْث للعلم، وتبليغ له"، وبين الهَدَف من رسالتِه، ثم تلا مُقدِّمته بعناوين فصول كتابه على النحو التالي:

• تعريف وتوضيح.

• مصطلحات في التحقيق وما إليه.

• جَمْع النُّسخ وتقويمها.

• مُقدِّمة الكتاب المُحقَّق.

التحقيق:

• نَسْخ المخطوط.

• تحقيق النصوص.

• الاعتناء بشكل النصِّ.

• التوثيق.

• الفهارس العامَّة.

• تنبيهات.

عرض الكتاب:

1- يرى الكاتب أنَّ معنى التحقيق توسَّع في السنوات الأخيرة، ولم يَعدْ مُجرَّد تقديم النصِّ ونَسْخه، بقدْر ما يَشمل تقديم دراسة مُنقَّحة عن النصِّ المُحقَّق، تَشملُ مجموعة من المصطلحات المُتعارَف عليها في تنقيح النصِّ من أمثلة: (تحقيق، أو تعليق، أو تقديم، أو دراسة، أو اعتناء، أو قراءة، أو فهرسة، أو إعداد، أو إشراف، أو تخريج، أو مراجعة، أو تدقيق)، كل ذلك أو بعضه.

2- ويَعتبِر الكاتب أن جَمْع نُسَخ الكتاب وتقويمها هو أُولى لوازم التحقيق؛ حيث لا بدَّ للمحُقِّق النابِه أنْ يَهتمَّ بمقابلة النصِّ على نُسَخة بخطِّ المؤلِّف أو أقرب لعصْره، والبُعد عن النُّسخ التجاريَّة للنساخ، ومعرفة رديء النُّسخ من جيِّدها.

3- يُنبِّه الكاتب على ضرورة معرفة الفرْق بين الرسالة المُحقَّقة المُقدَّمة لدراسة أكاديميَّة - كرسائل الماجستير والدكتوراه مثلاً - والرسائل التي تُقدَّم للجمهور العادي، والأخيرة يَلزَم فيها تقليل حجم مقدِّمات الرسائل، والتركيز فيها على: موضوع الكتاب وأهميَّته - شيء من منهج المُؤلِّف وسيرته بإيجاز - توثيق مصادر الكتاب - وذكْر عمَلِه في الكتاب.

4- من جوانب التحقيق: نَسْخ المخطوط من أفضل النُّسخ المتاحة، مع مقارنتها بالنُّسخ الأخرى قدْر المُستطَاع دون تفصيل يُخلُّ بحجم الرسالة، مع الإشارة إلى الأخطاء في الهامش، وبعدها يأتي تحقيق النصِّ؛ فيكون بتخريج الآيات القرآنية وعدم الالتفات لأخطاء النُّساخ بها، مع تخريج الأحاديث النبويَّة والحكم عليها، والإشارة إلى مصادرها والعودة إليها للتأكُّد، والاعتماد على كُتُب التخريج المشهورة في بيان حُكْم هذه الأحاديث، وقد ذكَر الكاتب مجموعة من أمهات الكتب المَوثوق في الرجوع إليها؛ لبيان الأحكام الوارِدة على معظم الأحاديث، الصحيح منها والضعيف.

5- يَلزَم المُحقِّقَ الإحاطةُ أيضًا ببعض قواعد عَروض الشعر وتقطيعه، ومعرفة بُحوره وأوزانه؛ فما من نَصٍّ تُراثي يَخلو من شواهِد الشعر، وإذا لم يُحطِ المُحقِّق بهذا، أو صعُب عليه، فيُمكِنه الرجوع لمصدر للبيت الشعري، مَوثوق منه ويُوافِقه، وقد ذكَر المُؤلِّف بعض مصادر الشعر وموسوعاته التي انْتشَر طبْعُها في الفترة الأخيرة، وصارت متاحة للباحثين، بل وصدَرتْ منها نُسخٌ إلكترونيَّة تُسهِّل تلك المهمةَ على المُحقِّقين والباحثين.

6- يُنبِّه الكاتبُ المحققَ إلى الاقتصاد في حجْم التعليقات في الهامش، فلا يُعرِّف ما هو معروف، ولا يُغفِل توضيح ما قد يُستعجَم فهْمُه على القارئ العادي، كذلك ويُثبِت المرجع في الهامش بعنوانه، مع ذكْر الرقم المتسلسل أو رقْم الجزء والصفحة والطبعة للرجوع إليها، مثال: "تهذيب الكمال"، (23/165)، المبرد، "الكامل في اللغة والأدب"، ص (13)، ج (1) ، فنسك وآخرين، ط 1352هـ- 1933م، دائرة المعارف الإسلاميَّة، ص (11).

7- يرى الكاتب أنَّ الاعتناء بشكْل النصِّ من أهم آداب التحقيق؛ وذلك ليسهل قراءة الكتاب على القارئ المُعاصِر، مع أهمية عدم التدخُّل في شكله العامِّ أو مضمونه، فيُمكِن للمُحقِّق أنْ يُبوِّب النصَّ حسَب ما يراه مناسبًا، ويَضع عناوين موضِّحة من عنده، مع وضْعها بين معقوفتين، والإشارة إلى أنَّها ليست من صنْع المؤلِّف نفسه، وكلُّ هذا يُساهِم في صنْع فهرس للموضوعات للتيسير على القارئ والباحث، مع ضرورة التخريج اللُّغوي للنصِّ المُحقَّق، وضبْط الكلمات المُشكَلة إعرابيًّا، وإلا خرَج العمل مشوَّهًا من الناحية اللُّغوية، وهو ما يَضرُّ بصَنعة التحقيق ككل.

8- يُنبِّه الكاتب على أهمية فهرسة النَّصِّ المُحقَّق، وأنَّها صنعة ضرورية لكُتُب التراث خاصَّةً، ويضع وصفًا مُختصرًا لأفضل الطُّرق المتَّبعة لوضْع فهارس عامة لكلٍّ من: الآيات القرآنية - الأحاديث الشريفة - التراجم - المصادر - الموضوعات، وبعض المُحقِّقين يتوسَّع ويَتفنَّن في فهارس الكتاب، ويَضع فهارس لـ(الأماكن والبلدان - شواهِد الشعر- الحيوانات - النباتات - المعارك والغزوات - الأديان والمذاهب والفِرق - الأمم والشعوب والقبائل - اللغة - الحضارة) وما شَابَه، ورغم أنَّها قد تَزيد حجْم الكتاب، إلا أنَّها في ذاتها مفيدة جدًّا للباحثين.

9- يَختِم الكاتب رسالتَه بمجموعة من التنبيهات المهمة الواجب الإحاطة بها من جانب المُحقِّقين، والانتباه لها، والتي تُعتَبر من مَزالِق التحقيق في الوقت الحاضر، وقد تَعيبُ المُحقِّق أكثر مما تفيد جُهْده التحقيقي بالكتاب، ومن أمثلتها: التأخُّر في التحقيق سنوات بحُجَّة تأمين جميع النُّسخ، والغضب إذا بادر آخر بتحقيق الكتاب وأيضًا إغفال جُهْد الطبعات السابقة لتحقيق نصِّه، ونقْضها وبيان ما بها من مثالِب لرفْع شأن نصِّه، وبيان أنَّه أفضل حالاً منها جميعًا، وأيضًا المبالغة في الثناء بالألقاب والتقريظات للمُؤلِّفين الذين يحقّق لهم، وكذا أعلام النصِّ المُحقَّق، وأشار الكاتب إلى بعض المُحقِّقين الذين لا يَذكرون مصادر النُّسخ المخطوطة؛ ضنًّا بها على الآخرين؛ لئلا يعرفوها فيُبادِروا بتحقيقها والاستفادة منها، وأيضًا جهْل بعض المُؤلِّفين بكيفيَّة عمل فهارس لكتابه، أو بأساسيَّات اللغة العربية، أو بعمل مُقدِّمة (مُحترَمة) لكتابه، وإسنادها لآخرين؛ لئلا يَتضِح عَوارُه في هذا الجانب! وهو ما لا يَتناسبُ مع مكانة عِلْم التحقيق، وقدْر المُحقِّق، والذي ينبغي عليه أنْ يَعلمَ أنَّ هذا العِلم دين، وعليه أنْ يَتَّقي الله فيه، ولا يَتصدَّر له إلا وقد أحاط بقواعده وأدواته وآدابِه.