• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

علي الطنطاوي

د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2012 ميلادي - 8/6/1433 هجري

الزيارات: 42158

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم

علي الطنطاوي

(1327هـ/1909م-1419هـ/ 1999م)

 

هو علي بن مصطفى الطنطاوي، ولد في مدينة دمشق في 12 حزيران (1909م)، لأسرة ذات علم ودين. أصله من مدينة (طنطا) في مصر حيث انتقل جده محمد بن مصطفى في أوائل القرن التاسع عشر إلى دمشق، وكان عالماً أزهرياً حمل علمه إلى ديار الشام فجدد فيها العناية بالعلوم العقلية ولاسيما الفلك والرياضيات. وقد نزح معه ابن أخيه أحمد بن علي جدّ علي الطنطاوي، وكان هذا إمام طابور متقاعد في الجيش العثماني.

 

أما أبوه الشيخ مصطفى فكان من العلماء المعدودين في الشام، انتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وكان مديراً للمدرسة التجارية في دمشق، ثم ولي منصب رئيس ديوان محكمة النقض عام (1918م) إلى أن توفي عام (1925م).

 

وأسرة أمه أيضاً من الأسر العلمية في الشام، كثير من أفرادها من العلماء المعدودين، ولهم تراجم في كتب الرجال.. خاله (محب الدين الخطيب) الكاتب الإسلامي الكبير الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتي «الفتح» و «الزهراء» وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.

 

تلقى علي الطنطاوي دراسته الابتدائية الأولى في العهد العثماني، فكان طالباً في المدرسة التجارية، ثم في المدرسة السلطانية الثانية وبعدها في المدرسة الجقمقية، ثم في مدرسة حكومية أخرى إلى سنة (1923م) حيث دخل «مكتب عنبر» الذي كان الثانوية الوحيدة في دمشق، ومنه نال البكالوريا سنة (1928م). ثم ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، ولكنه لم يتم السنة وعاد إلى دمشق في السن التالية فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس سنة (1933م).

 

كان على الطنطاوي من الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ، والدراسة في المدارس النظامية، فقد تعلم في هذه المدارس إلى أن تخرج من الجامعة. وكان يقرأ معها على المشايخ علوم العربية والعلوم الدينية على الأسلوب القديم.

 

عندما عاد الطنطاوي إلى الشام دعا إلى تأليف لجان للطلبة على غرار تلك التي رآها في مصر فألفت لجنة للطلبة سميت «اللجنة العليا لطلاب سورية» وانتخب رئيساً لها، وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت هذه اللجنة بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا.

 

جهوده العلمية والدعوية:

ابتدأ الطنطاوي التدريس في المدارس الأهلية في دمشق وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقد طبعت محاضراته التي ألقاها على طلبة الكلية الوطنية في دروس الأدب العربي عن (بشار بن برد) في كتاب عام (1930م).

 

بعد ذلك عين معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة (1931م) حين أغلقت السلطات جريدة «الأيام» التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في التعليم الابتدائي إلى سنة (1935م). وكانت حياته في تلك الفترة سلسلة من المشكلات بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة.

 

عام (1936م) انتقل الطنطاوي للتدريس في العراق، فعين مدرساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية ودار العلوم الشرعية في الأعظمية، ولكن روحه الوثابة وجرأته في الحق فعلا به في العراق ما فعلا به في الشام، فما لبث أن نقل مرة بعد مرة، فعمل في كركوك في أقصى الشمال، وفي البصرة في أقصى الجنوب. وبقي يدرس في العراق حتى عام (1939م)، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرساً في الكلية الشرعية فيها حتى عام (1937م).

 

ثم رجع إلى دمشق فعين أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر، ولكنه لم يكف عن مواقفه التي سببت له المتاعب، فنقل إلى مدرسة دير الزور سنة (1940م) ولبث فيها فصلاً دراسياً أبعد بعدها قسرياً بسبب خطبة حماسية ألقاها في صلاة الجمعة ضد المستعمر الفرنسي.

 

عام (1941م) دخل الطنطاوي سلك القضاء، فعين قاضياً في «النبك» مدة أحد عشر شهراً ثم قاضياً في «دوما» من قرى دمشق، ثم قاضياً ممتازاً في دمشق مدة عشر سنوات، فمستشاراً لمحكمة النقض في الشام، ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر.

 

وقد اقترح الطنطاوي -يوم كان قاضياً في دوما- وضع قانون كامل للأحوال الشخصية فكلف بذلك عام (1947م)، وأوفد إلى مصر مع عضو محكمة الاستئناف الأستاذ (نهاد القاسم) -الذي صار وزيراً للعدل أيام الوحدة- فأمضيا تلك السنة كلها هناك حيث كلف هو بدراسة مشروعات القوانين الجديدة للمواريث والوصية وسواها. وقد أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساساً للقانون الحالي في سورية.

 

وكان القانون يخول القاضي الشرعي في دمشق رياسة مجلس الأوقاف وعمدة الثانويات الشرعية، فصار الطنطاوي مسؤولاً عن ذلك كله خلال العشر سنين التي أمضاها في قضاء دمشق، فقرر أنظمة الامتحانات في الثانويات الشرعية، وكان له يد في تعديل قانون الأوقاف ومنهج الثانويات، ثم كلف عام (1960م) بوضع مناهج الدروس فيها فوضعها وحده بعدما سافر إلى مصر واجتمع فيها بالقائمين على إدارة التعليم في الأزهر واعتمدت كما وضعها.

 

انتقل الطنطاوي عام (1963م) بعد انقلاب الثامن من آذار، وإعلان حالة الطوارئ في سورية، إلى المملكة العربية السعودية ليعمل مدرساً في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية في الرياض، ومنها انتقل إلى مكة، للتدريس فيها ليمضي فيها وفي جدة خمساً وثلاثين سنة.

 

بدأ الطنطاوي هذه المرحلة الجديدة من حياته بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كلف ببرنامج للتوعية الإسلامية، فترك الكلية وراح يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرغ للفتوى يجيب على أسئلة وفتاوى الناس في الحرم - في مجلس له هناك - أو في بيته ساعات كل يوم، ثم بدأ برنامجيه (مسائل ومشكلات) في الإذاعة، و(نور وهداية) في التلفزيون اللذين قدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة وتلفزيونها.

 

يعتبر الطنطاوي من أقدم المحاضرين الإذاعيين في العالم العربي، إذ بدأ يحاضر من «إذاعة الشرق الأدنى» من يافا من أوائل الثلاثينات، ومن «إذاعة بغداد» سنة (1937م)، ومن «إذاعة دمشق» سنة (1942م) لأكثر من عقدين متصلين، وأخيراً من إذاعة المملكة وتلفزيونها نحواً من ربع قرن متصل من الزمان.

 

نشر الطنطاوي أول مقالة له في جريدة عامة في عام (1926م)، ولم ينقطع عن النشر في الصحف منذ ذلك التاريخ، فشارك في تحرير مجلتي خاله محب الدين «الفتح» و «الزهراء» حين زار مصر عام (1926م)، ثم كتب في جريدة «فتى العرب» ثم في «ألف باء»، ثم كان مدير تحرير «الأيام» التي أصدرتها الكتلة الوطنية سنة (1931م) وخلال ذلك كان يكتب في «الناقد» و «الشعب» وسواهما من الصحف.

 

وفي سنة (1933) أنشأ الزيات المجلة الكبرى «الرسالة» فكان الطنطاوي واحداً من كتابها، واستمر فيها عشرين سنة إلى أن احتجبت سنة (1953م). وكتب في مجلة «المسلمون» و «النصر» وفي مكة كتب في مجلة «الحج» وفي جريدة «المدينة»، ونشر ذكرياته في «الشرق الأوسط» على مدى نحو خمس سنين. وله مقالات متناثرة في عشرات الصحف والمجلات التي كان يعجز هو نفسه عن حصرها وتذكر أسمائها.

 

شارك الطنطاوي في طائفة من المؤتمرات، منها حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدتها جامعة الدول العربية في دمشق في عهد الشيشكلي، ومؤتمر الشعوب العربية لنصرة الجزائر، ومؤتمر تأسيس رابطة العالم الإسلامي واثنين من المؤتمرات السنوية لاتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا. وأهم مشاركة له كانت في المؤتمر الإسلامي الشعبي في القدس عام (1953م) والذي تمخضت عنه سفرته الطويلة في سبيل الدعاية لفلسطين، وقد جاب فيها باكستان والهند والملايو وإندونيسيا.

 

لما جاوز الطنطاوي الثمانين من عمره وبدأ التعب يغزو جسمه آثر ترك الإذاعة والتلفزيون واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبياً وعلمياً تبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ.

 

الثمرات:

يعد الشيخ علي الطنطاوي أحد رموز الدعوة الإسلامية الكبيرة في العالم العربي وشخصية محببة ذائعة الصيت نالت حظاً واسعاً من الإعجاب والقبول، وله سجل مشرف في خدمة الإسلام والمسلمين.

 

كان الطنطاوي أديباً وداعية يتمتع بأسلوب سهل جميل جذاب متفرد لا يكاد يشبهه به أحد، يمكن أن يوصف بأنه السهل الممتنع، فيه تظهر عباراته أنيقة مشرقة، فيها جمال ويسر، وهذا مكنه من طرح أخطر القضايا والأفكار بأسلوب يطرب له المثقف، ويرتاح له العامي.

 

وكان – رحمه الله- قريبا من الناس متفهما لهم، وناقش الكثير من المشكلات الاجتماعية وبعض الاعتقادات الخاطئة, وتميز بأدبه ومقالاته، ومن أعز أصدقائه الكتاب الذي كان لا يفارقه. وكان قريبا من المثقف والعامي.

 

حمل الطنطاوي على كاهله راية الإصلاح الديني في الميادين كافة: التشريعي والسياسي والاجتماعي، فكان في ما يؤلف ويحاضر الداعية المسلم الذي يهجم على الخرافات والتقاليد البالية والسلوكيات المستوردة؛ فيصحح عقائد الناس ويقوم أخلاقهم، كما كان يتصدى لظلم رجال السلطان وأصحاب الدعوات الهدامة بمنطق الحق القويم وسلاسة الأسلوب وعذوبة العبارة مما قيض له قبولاً عند عامة الناس، كما نصب له في الوقت نفسه كثيراً من المعادين والشانئين. وكتبه في ميادين الإصلاح المختلفة كثيرة متعددة الاتجاهات تشهد له بعمق الفكرة وطول الباع وسلامة المنهج، وقد سبق زمانه في طروحاته الإصلاحية على صعيد التشريع والسياسة والاجتماع.

 

ترك الطنطاوي عدة مؤلفات هي:

- هتاف المجد.

- مباحث إسلامية.

- فصول إسلامية.

- نفحات من الحرم.

- صور من الشرق.

- صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق).

- فكر ومباحث.

- بشار بن برد.

- مع الناس.

- رسائل الإصلاح.

- مسرحية أبي جهل.

- ذكريات علي الطنطاوي. (ثمانية أجزاء).

- أخبار عمر.

- بغداد.

- حكايات من التاريخ (من أدب الأطفال).

- أعلام التاريخ (سلسلة للتعريف بأعلام الإسلام).

- تعريف عام بدين الإسلام.

- صور وخواطر.

- من حديث النفس.

- الجامع الأموي.

- قصص من التاريخ.

- قصص من الحياة.

- أبو بكر الصديق.

- عمر بن الخطاب. (جزآن).

- في إندونيسيا.

- في بلاد العرب.

- في سبيل الإصلاح.

- رسائل سيف الإسلام.

- رجال من التاريخ.

- الهيثميات.

- التحليل الأدبي.

- من التاريخ الإسلامي.

- دمشق.

- مقالات في كلمات.

 

الحياة العائلية:

رزق الشيخ الطنطاوي خمساً من البنات، وقد كان لفقد إحداهن (بنان) - وقد اغتالتها يد الإرهاب الآثم في مدينة آخن الألمانية - أكبر الأثر في نفسه، ولكنه احتسبها عند الله. وتمسك بالصبر والتسليم بقضاء الله.

 

يصف الشيخ علي الطنطاوي موت ومقتل أبنته في مذكراته:

«إن كل أب يحب أولاده، ولكن ما رأيت، لا والله ما رأيت من يحب بناته مثل حبي بناتي، ما صدقت إلى الآن، وقد مر على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني أغفل أحيانا فأظن إن رن جرس الهاتف، أنها ستعلمني على عادتها بأنها بخير لأطمئن عليها، تكلمني مستعجلة، ترصّف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائما كأنها تحس أن الردى لن يبطئ عنها، وأن هذا المجرم، هذا النذل ... هذا ... يا أسفي، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها، ثم اقتحم عليها، على امرأة وحيدة في دارها، فضربها ضرب الجبان والجبان إذا ضرب أوجع، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها، ما هربت حتى تقع في ظهرها كأن فيها بقية من أعراق أجدادها».

 

النسخة الأخيرة من العالم الموسوعي:

كأنه قبضة من أرض الشام، عُجنت بنهري النيل والفرات، لوحتها شمس صحراء العرب، فانطلقت بإذن ربها نفساً عزيزة أبية، تنافح عن الدعوة وتذود عن حياض الدين. ذلكم هو العلامة الكبير، الفقيه النجيب، والأديب الأريب الشيخ «علي الطنطاوي».

 

كان الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعاً نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطاً كالسيف، سيالاً  كأعذب الأنهار وأصفاها، رائعة صورته، مشرقاً بيانه، وفي ذلك يقول عن نفسه: «أنا من (جمعية المحاربين القدماء) هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر، وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر، وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذباً عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين».

 

تفتح وعيه على قنابل الحلفاء تدك عاصمة الأمويين، وفلول الأتراك تغادر المدينة، وديار الشام مقفرة بعد أن عز الطعام وصارت أوقية السكر (200 جرام) بريال مجيدي، كان يكفي قبل الحرب لوليمة كبيرة. وكان أول درس قاس تعلمه وعاشه: تفكك الدولة العثمانية وتحول ولاياتها السابقة إلى دويلات. فسوريا أصبحت أربع دول: واحدة للدروز، والثانية للعلويين، والثالثة في دمشق، والرابعة في حلب.

 

كان الفتى علي الطنطاوي وقتها مازال تلميذا في المدرسة لكن وعيه كان يسبق سنه، فعندما أعلن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الجديد «الجنرال ويفان» الذي حل محل «الجنرال جورو»، رفض ذلك وألقى خطبة حماسية، قال فيها: «إن الفرنسيين أعداء ديننا ووطننا ولا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم».

 

لله درك يا فتى! أدركت ما لم يدركه الكبار، فكيف تستقبل أمة عدوها الذي سلبها حريتها؟ وكيف تنسى ما قاله قائد هذا العدو بعد معركة «ميسلون» ودخول الشام عندما زار (الجنرال جورو) قبر صلاح الدين وقال له: «ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. الآن انتهت الحروب الصليبية».

 

تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في وعي الفتى علي الطنطاوي، فقد خرج منها بدرس ممهور بدماء الشهداء واستقلال الأمة.. درس يقول: إن الجماهير التي ليس عندها من أدوات الحرب إلا الحماسة لا تستطيع أن ترد جيشاً غازياً. أصبح الاحتلال الفرنسي واقعاً جديداً في سوريا، وغدا حلم الدولة المستقلة أثراً بعد عين، وكما حدث في كل بقاع العالم الإسلامي كان العلماء رأس الحربة قي مواجهة المحتل، وتولى الشيخ «بدر الدين الحسيني» شيخ العلماء في مدن سوريا قيادة ثورة العلماء الذين جابوا البلاد يحرضون ضد المستعمر، فخرجت الثورة من غوطة دمشق، وكانت المظاهرات تخرج من الجامع الأموي عقب صلاة الجمعة فيتصدى لها جنود الاحتلال بخراطيم المياه ثم بالرصاص، والشاب علي الطنطاوي في قلب تلك الأحداث.

 

في أحد الأيام كان على موعد لصلاة الجمعة في مسجد القصب في دمشق، فقال له أصحابه: إن المسجد قد احتشد فيه جمهور من الموالين للفرنسيين واستعدوا له منذ أيام وأعدوا خطباءهم، فرأينا أنهم لا يقوى لهم غيرك، فحاول الاعتذار، فقطعوا عليه طريقه حين قالوا له: إن هذا قرار الكتلة - كان مقاوموا الاحتلال ينضوون تحت لواء تنظيم يسمى الكتلة الوطنية وكان الطنطاوي عضوا فيها- فذهب معهم وكان له صوت جهوري، فقام على السّدة مما يلي «باب العمارة» ونادى: «إليّ إليّ عباد الله»، وكان نداء غير مألوف وقتها، ثم صار ذلك شعاراً له كلما خطب، فلما التفوا حوله بدأ ببيت شوقي:

وإذا أتونا بالصفوف كثيرة
جئنا بصف واحد لن يكسرا

 

وأشار إلى صفوفهم المرصوصة وسط المسجد، وإلى صف إخوانه القليل، ثم راح يتحدث على وترين لهما صدى في الناس، هما الدين والاستقلال، فلاقت كلماته استحساناً في نفوس الحاضرين، وأفسدت على الآخرين أمرهم، وصرفت الناس عنهم. ولما خرج تبعه الجمهور وراءه، وكانت مظاهرة للوطن لا عليه.

 

في (1928م) دعاه خاله (محب الدين الخطيب) للقدوم إلى مصر، وكان قد أصدر مجلة «الفتح» قبل ذلك بعامين، فسافر علي الطنطاوي إلى مصر للدراسة في كلية دار العلوم، لكن المناخ الثقافي في مصر في ذلك الحين شده للانخراط في العمل الصحفي الذي كان يشهد معارك فكرية وسجالات أدبية حامية الوطيس حول أفكار التقدم والنهضة والإسلام والاستعمار وغيرها، وكان طبيعياً أن يأخذ الشاب علي الطنطاوي موقعه في صفوف الذائدين عن حياض الإسلام المناوئين للاستعمار وأذنابه، وظل الطنطاوي في موقعه لم يتراجع أو يتململ أو يشكو تكالب الأعداء أو قلة الإمكانات، فكان الفارس الذي لم يؤت من ثغره.

 

وظل طوال تنقله بين عواصم العالم الإسلامي يحن إلى دمشق ويشده إليها شوق متجدد. وكتب في ذلك درراً أدبية يقول في إحداها:

«وأخيراً أيها المحسن المجهول، الذي رضي أن يزور دمشق عني، حين لم أقدر أن أزورها بنفسي، لم يبق لي عندك إلا حاجة واحدة، فلا تنصرف عني، بل أكمل معروفك، فصلّ الفجر في (جامع التوبة) ثم توجه شمالاً حتى تجد أمام (البحرة الدفاقة) زقاقاً ضيقاً جداً، حارة تسمى (المعمشة) فادخلها فسترى عن يمينك نهراً، أعني جدولاً عميقاً على جانبيه من الورود والزهر وبارع النبات ما تزدان منه حدائق القصور، وعلى كتفه ساقية عالية، اجعلها عن يمينك، وامش في مدينة الأموات، وارع حرمة القبور فستدخل أجسادنا مثلها.

 

دع (البرحة) الواسعة في وسطها وهذه الشجرة الضخمة ممتدة الفروع، سر إلى الأمام حتى يبقى بينك وبين جدار المقبرة الجنوبي نحو خمسين متراً، إنك سترى إلى يسارك قبرين متواضعين من الطين، على إحدهما شاهد باسم الشيح أحمد الطنطاوي، هذا قبر جدي، فيه دفن أبي، وإلى جنبه قبر أمي فأقرئهما مني السلام، واسأل الله الذي جمعهما في الحياة، وجمعهما في المقبرة، أن يجمعهما في الجنة، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ ﴿ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ رب ارحم بنتي واغفر لها، رب وللمسلمين والمسلمات».

 

اشتهر الشيخ الطنطاوي بسعة أفقه وكثرة تجواله وحضور ذهنه وذاكرته القوية؛ ولذلك تجيء أحكامه متسمة بصفة الاعتدال بعيدة عن الطرفين المذمومين: الإفراط والتفريط.

 

ومن المجالات التي سبق إليها الكتابة في أدب الأطفال والمشاركة في تأليف الكتب المدرسية. وتحقيق بعض كتب التراث، وله جولات في عالم القصة فهو من أوائل كتابها.

 

كانت مساجلاته تملأ الأوساط الفكرية والأدبية طولاً وعرضاً، وكان لا يكف عن إصدار رسائله التي يحذر فيها من مغبة الانخداع بالنحل الباطلة. ومن طريف ما تعرض له في إحدى مساجلاته ما يرويه عن نفسه: «كنا يوماً أمام مكتبة (عرفة) فجاء رجل لا نعرفه فاندس بيننا وحشر نفسه فينا، وجعل يتكلم كلاماً عجيباً، أدركنا منه أنه يدعو إلى نحلة من النحل الباطلة، فتناوشوه بالرد القاسي والسخرية الموجعة، فأشرت إليهم إشارة لم يدركها: أن دعوه لي، فكفوا عنه وجعلت أكلمه وأدور معه وألف به، حتى وصلت إلى إفهامه أني بدأت أقتنع بما يقول، ولكن مثل هذه الدعوة لا بد فيها من حجة أبلغ من الكلام، فاستبشر وقال: ما هي؟ فحركت الإبهام على السبابة، وتلك إشارة إلى النقود. قال: حاضر، وأخرج ليرتين ذهبيتين يوم كانت الليرة الذهبية شيئاً عظيماً. مد يده بالليرتين فأخذتهما أمام الحاضرين جميعاً، وانصرف الرجل بعد أن عرفنا اسمه، فما كاد يبتعد حتى انفجرت الصدور بالضحك، وأقبلوا عليّ مازحين، فمن قائل: شاركنا يا أخي، وقائل: اعمل بها وليمة، أو نزهة في بستان، قلت: سترون ما أنا صانع، وذهبت فكتبت رسالة، تكلمت فيها عن الملل والنحل والمذاهب الإلحادية، وجعلت عنوانها «سيف الإسلام» وكتبت على غلافها «طبعت بنفقة فلان» باسم الرجل الذي دفع الليرتين، وبلغني أنه كاد يجن ولم يدر ماذا يفعل، ولم يستطع أن ينكر أمراً يشهد عليه سبعة من أدباء البلد، وقد بلغني أن جماعته قد طردته بعد أن عاقبته».

 

كما كان الفقيد -يرحمه الله- داعية شجاعاً ثابتاً على مبدئه لا يلين، ولا يهادن، كان يقتحم الأهوال، وينازل الرجال، يلج عرين الآساد، وربما عرض نفسه -باختياره - لمخالب تمزق جلد التمساح، كل ذلك في سبيل إيمانه بفكرته الإسلامية، والتضحية من أجل إعلائها مهما كان الثمن.

 

وقد ترك الشيخ علي الطنطاوي أثراً كبيراً في الناس، وساهم في حل مشكلاتهم عن طريق كتابته ورسائله وأحاديثه، وقد كان له دور طيب في صياغة قانون الأحوال الشخصية في سوريا، وهو واضع مشروع هذا القانون على أسس الشريعة الإسلامية، كما وضع قانون الإفتاء في مجلس الإفتاء الأعلى، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العراقي في بغداد. وفي كل أعماله كان يبتغي الأجر من ربه ويسعى إلى واسع مغفرته، يقول: «ينجيني قانون ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة:286] إني والله أخشى ذنبي ولكني لا أيأس من رحمة ربي.. وآمل أن ينفعني إذا مت صلاة المؤمنين عليّ ودعاء من يحبني، فمن قرأ لي شيئاً أو استمع لي شيئاً فمكافأتي منه أن يدعو لي، ولدعوة واحدة من مؤمن صادق في ظهر الغيب خير من كل ما حصّلت من مجد أدبي وشهرة ومنزلة وجاه».

 

تقول حفيدته «عابدة العظم»: نشأت وترعرعت في كنف جدي وأمي وأنا أعتقد  -كما يظن ويعتقد كل طفل- أن كل الناس يتربون ويتوجهون في بيئة إن لم تماثل بيئتي فهي مشابهة لها، وكنت أسمع الناس يمتدحون جدي فلا أدرك من الحقيقة إلا أن الناس عرفوه لأنه يحدثهم في الراديو والتلفزيون، فأحبوه، فامتدحوه، وكنت أنا مثلهم أحبه كثيراً؛ لما أراه منه، فلم أعر الأمر اهتماماً.

 

وما لبثت أن كبرت قليلاً، واختلطت بالناس، فبدأت أدرك شيئاً فشيئاً الفروق الجوهرية بين جدي مربياً وبين سائر المربين، وكنت كلما اجتمعت مع أقراني لمست التباين بين أسلوبه في التوجيه وبين أسلوب بقية الوالدين، وكنت كلما سمعت مشكلات الآباء في تربية الأبناء، أعترف لجدي بالتميز والإبداع في معالجة الأخطاء وتعديل الطباع، وساهمت خالاتي وأمي في تبصيري، وذلك بما كنّ يقصصنه عليّ من قصصهن مع جدي، وبما كن يكننّه له من الاحترام والشكر والتقدير، وبما كنّ يحملنه من إيمان عميق بالله، ومبادئ عظيمة تعلموها من شرع الله.

 

فلم أكد أتفهم هذه الحقائق، وأتبين الأثر الكبير الذي أوجده جدي فينا، حتى شرعت في كتابة المواقف المهمة العالقة في ذاكرتي، إذ أحسست بأن هذه التوجيهات حري بها أن لا تبقى حبيسة معرفة بعض الناس الذين هم أحفاد الطنطاوي، بل ينبغي أن تنشر ليطلع عليها الناس، لتكون لهم عوناً في تنشئة أبنائهم وبناتهم، ولهذا أصدرت عنه كتابي.

 

وعن كتابها «هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي» تقول:

(لم أكن عند جدي عندما عُرض الكتاب عليه لأول مرة. فقد حمله إليه زوج خالتي «نادر حتاحت» بصفته ناشر الكتاب، ولما قرأه جدي اتصل بي هاتفياً، وقال: الكتاب جيد، بل هو جيد جداً، وأسلوبه جميل. لكنه عقّب بقوله: ومن الصعب عليّ يا ابنتي أن أمتدح هذا الكتاب، أو أدلي برأيي الصريح عنه، لأنه عني، وأخشى أن يظن الناس أني أفعل لأجل ذلك. ثم ختم كلامه بقوله: وأنا لست كما وصفت، فأنت التي جمّلت الحوادث وصورتيها بتلك الطريقة.

 

وكان ذلك تواضعاً منه، فأنا ما كتبت غير الحقيقة، وما صورت إلا ما رأيته، وما قال ذلك جدي إلا تواضعاً).

 

وعن رؤية الشيخ الطنطاوي للمرأة -وخصوصاً أنه لم يرزق بالبنين- تقول:

(جدي إنسان كأي إنسان آخر، يحب أن يرزق البنين، فيحملون اسمه ويتعلمون مما علمه الله، ويكونون خلفاء له، وهو لم يتوقع أصلاً ألا يولد له ذكر، فلما جاءته ابنته الأولى رضي بقضاء الله وسعد بها، بل أحبها وأخواتها -من بعد- حباً شديداً، وأولاهن من العناية والرعاية والاهتمام ما لم يوله أب آخر ممن أعرف أو سمعت عنهم.

 

أما احترامه للمرأة فهو شيء معروف عنه، وكان في أحاديثه يدافع عن النساء ويذبّ عنهن، ويحذر الرجال من الظلم والتعدي، وكان يردد دائماً: أن الدرجة للرجل على المرأة درجة واحدة، وليست سلماً! حتى لقّبوه ب- «ناصر المرأة»، وهو كذلك معنا، فقد كان يؤثرنا أحياناً -نحن الحفيدات - على الأحفاد، وقد بذل لنا الكثير، وأكرمنا زيادة عنهم في بعض المواقف، ولكن دون أن يشعروا؛ حتى لا يتسبب ذلك في أذاهم).

 

وحول شخصية الشيخ علي الطنطاوي، وكيف جمع بين العلم والدين والأدب والحياة، تقول:

(ساءلت نفسي هذا السؤال مرة، ثم وجدت الجواب في سيرة جدي، فقد مر بظروف قاهرة ومؤلمة، فعوضه الله بمجموعة من العطايا، أهلته للنجاح.

 

كان يتيماً وحيداً بلا أب ولا أم ولا سند مادي أو معنوي، فأعطاه الله العقيدة السليمة، وقوة الشخصية، فكان بلسانه وقلمه سيفاً مسلولاً على أعداء الله ورسوله، ٍيترصد الباطل ويقتله، ينازل الفسوق فيقهره، ويبارز الكفر والانحلال والمجون فيغلبهم جميعاً، وكان صدّاعاً بالحق، لا يسكت عن إنكار منكر، ولا تمنعه منه هيبة ذي سلطان، جريئاً لا يهاب أحداً ولا يخشى إلا الله، متمرداً على العادات والتقاليد المخالفة للإسلام، فرفع الله بعمله هذا ذكره بين الناس.

 

وكان محباً للعزلة والانفراد فأعطاه الله حب العلم، والشغف بالقراءة والاطلاع، ورزقه الذكاء والذاكرة العجيبة، وسرعة الاستيعاب، فلم تكن إلا سنون حتى جمع علماً غزيراً متنوعاً، فهو أديب، ولغوي فقيه، وعالم نفس، وهو قارئ نشيط في الطب والفلك، فسهل الله له بعلمه الطريق إلى عقول الناس.

 

وكان هيّاباً للاجتماع بالناس، فأعطاه الله القدرة على مخاطبتهم من بعيد، أي عن طريق وسائل الإعلام على اختلاف مشاربهم، وأعطاه روح الفكاهة، وحلاوة الأسلوب، والابتكار في العرض، والقدرة على الإقناع، والمرونة في الإفتاء فوصل إلى قلوب الكثيرين).

 

وتقول «أمان علي الطنطاوي» ترثي والدها الفقيد:

(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا عليك يا أبتاه لمحزونون، أبتاه أنت شمس حياتنا ونور أيامنا.. أبتاه يعز علينا الفراق، ويحز في النفس غياب صوتك ووجهك، لكنك في القلب أنت، في العقل أنت.. أبتاه يا نبض أيامي، أبتاه ملهم أفكاري.. أبتاه يا أحب وأغلى الناس، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته. أبتاه ها قد لحقت ب- «بنان» التي حزنت عليها دوماً ولم تذكر اسمها إلا هذا العام، ولم تلح في طلبها إلا وأنت مريض بالإشارة، أشرت بإصبعك الثاني، قلت لك: بنان، هززت رأسك. يا أحب الناس ها قد التقيت ب- «بنان» جعلك الله وإياها من أهل الجنة).

 

يقول الشيخ «مجاهد محمد الصواف» الذي رافق الشيخ علي الطنطاوي منذ كان في العاشرة من عمره:

(من أبرز سماته –رحمه الله- هدوء الشيخ وفهمه لما يجري في العالم، وارتباطه العميق بالدعوة إلى الله، والتزامه في ذلك بالقرآن والسنة، وهو ما مكنه من طرح موضوعاته وما يهدف إليه من نشر التوعية والدعوة بشكل يقبله الناس. وكان كاتباً رائعاً إذا أمسك القلم؛ إذا أراد أن يبكي أبكى، وإذا أراد أن يضحك أضحك، فيجمع في أسلوبه الدعوي كل أساليب التربية، فكان يجيب عن أطنان من الرسائل، ولم يكن يتحرج في الإجابة عن أي سؤال يطرح في مجتمعنا، واستطاع بحكمته ووسطيته وأسلوبه الرائع في طرح القضايا والمشكلات أن يكسب القبول من الناس جميعاً).

 

وقال الدكتور «حسن محمد سفر» - أستاذ نظم الحكم الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة:

(بفقدان العلامة الشيخ علي الطنطاوي، فقد العالم الإسلامي علماً من أعلام الفكر والثقافة الإسلامية، وكان -رحمه الله- يطل على المسلمين من الشاشة بأسلوب مبسط، يبين فيه أحكام الإسلام ووجهة نظر المجتهدين من علماء الشريعة فيما يتعلق بالمسائل والأحكام والفتاوى، وكان هذا الأسلوب الشيق مميزاً يضيف إليه سماحته من الطرف والقصص ما يربط به الموضوع، فتستخلص منه العبر والعظات، وقد كان هذا الأسلوب محبباً لدى الشباب، فرحم الله هذه الثلة المباركة من علماء الإسلام، وعوضنا في سماحته كل خير، وحفظ الله علماءنا، ليؤدوا الرسالة التي أنيطت بهم، والحمد لله على كل حال).

 

الشيخ «محمد فيصل السباعي» - مدير إدارة النشر بجامعة أم القرى وأحد المقربين من الشيخ الطنطاوي - يقول:

(لقد رافقت الشيخ علي الطنطاوي في كثير من الفترات، عرفت فيها حماسه وغيرته على الإسلام، وعرفت فيه رمزاً من رموز العلم والتعليم، عرفته -رحمه الله- قرابة نصف قرن، وكان عالماً عاملاً كثير التواضع للجميع، وبخاصة في مجال الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان -رحمه الله- موسوعة متنقلة، وإنا لنشهد له بالخير والصلاح، ولا نزكيه على ربه، ونسأل الله تعالى أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء والمثوبة، ويعوض العالم الإسلامي بفقده، ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وأن يسكنه فسيح جناته). [1]

 

الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته .. د.عائض القرني:

إذا قلت: علي الطنطاوي، حضرت دائرة المعارف، وموسوعة الأدب، وجامعة الفنون، فصرت معه في عالم من المنقول والمعقول، والقديم والحديث، والعلم والأدب، والنثر والشعر، تقرؤه، فإذا الآية والحديث، والقصة والمثل، والبيت والحكاية، والنكتة والخاطرة، يضحكك ويبكيك، يطربك ويشجيك، يفرحك ويحزنك، فأنت معه بين بسمة ودمعة، ووصل وهجر، وسلم وحرب، يحدثك عن الأنبياء والعلماء، والحكماء والشعراء، والملوك والسوقة، والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والملائكة والشياطين، يقص عليك أخبار مالك والشافعي، وابن تيمية وابن حزم، وابن سينا وابن رشد، والفارابي وابن خلدون، والمتنبي وأبي تمام، وفولتير وسارتر، وديكارت وكانت، وشكسبير تولستوي، وإقبال وطاغور، يرتحل بك من برج إيفل إلى تاج محل، ومن هضبة التبت إلى مقاصير الحمراء، ومن ضفاف دجلة إلى روافد الراين، يتحفك بتاريخ العرب ودهاء العجم، وصبر الأتراك، وصمود الأكراد، وسخرية الفرنسيين، وبرود الإنجليز، يجمع لك في مجلس واحد عدل نور الدين، وشجاعة صلاح الدين، وهمة نابليون، وأبهة الناصر في الزهراء، وحنكة معاوية في دمشق، وملك هارون ببغداد، يهدأ فإذا هو رخاء حيث أصاب ويزبد ويرعد، فإذا هو قاصف من الريح، وعات من الموج، تعيش معه وعظ الحسن البصري، وزهد الثوري، وبديهة إياس، وموسوعية الشعبي، وسخرية برناردشو، وجاذبية غوته، وتصوير هيجو، ينقلك بقوة براعته، وأسر إبداعه من عالمك الصغير إلى عالمه الكبير، ومن أفقك الضيق إلى أفقه الواسع، ومهما حاولت أن تتماسك أمام أسره وسحره فهيهات، سوف تستسلم لسلطان بيانه، وتعلن الطاعة لنور برهانه؛ لأن حديثه يكاد يضيء من بريق نوره -ولو لم تمسسه نار- ذاكرته، وسوف تعترف بتميزه وعمقه وموسوعيته وأصالته.

 

لم أقرأ لأديب ولا لكاتب معاصر أعذب عبارة، وألطف إشارة، وأحسن لفظًا، وأعظم أسرًا، وأبرع كتابة، وأجمل أسلوبًا من علي الطنطاوي، لكأنّ مقالته صبح تنفس، أو روض أخضر باكرته صبا باردة، أو جنة بربوة أصابها وابل.

 

قرأت كل كتبه وأعدت الكثير منها، وحفظت قطعًا جميلة، وتحفًا غالية منها، وخطبت ببعض إشراقاته، فسالت من سماعها الدموع، ووجلت من بلاغتها القلوب، استفدت من كتبه جلال الحق، وإشراق النفس، وسمو الروح، وحلاوة الجملة، وطلاوة الحرف، قطفت من روضه أينع الثمار، وألذ الطلع، فحديقة علمه صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، وبستان أدبه فيه من كل زوج بهيج؛ تفسيرًا وحديثًا وأدبًا وثقافة، وفي رحاب فنونه حدائق ذات بهجة مما يهيج ويبهر؛ لأنه يغرب ويطرب ويعجب والمعاصرون من الأدباء طرائق جدد، ومذاهب شتى، منهم عميق الفكر، راسخ المعلومة، لكنه قلق العبارة، شاق الطريق، فاتر الأداء، ومنهم البارع في عرضه، الجميل في لفظه، لكن بضاعته مزجاة، وجعبته فارغة، وكفه صفر، ومنهم خالي الوفاض من المعنى، على جرف هار في المبنى، (حشفًا وسوء كيلة)، أما الشيخ علي الطنطاوي فهو ثر المعرفة، واسع العلم، راسخ الفهم، عميق الفكر، وهو مع ذلك صاحب أبرع مقالة تتصدر الكتاب العربي، والمجلة السائرة، والصحيفة اليومية، سهولة في أصالة، ويسرًا في رصانة، وعذوبة في عمق:

خُلّلْ من السحر الجميل
من روعة الإيحاء والإغراء

 

إذا أصّل لنا نسينا ابن سينا، وإذا نظر سقطت أسهم سقراط، له تفنن الجوزي، وعبقرية ابن حزم، وتبيان الجاحظ، وسلاسة ابن حيان؛ لأنه جرد الأسفار، وطاف الديار، وطوى منشور الزمان، ونشر مطوي المكان، فهو جامع لأحداث العصر، وأنباء كل مصر، إن أحبَّ أطنب وأسهب، وإن شاء أوجز وألغز، مع جودة خاطر ماطر، وصحة نفَس عاطر، ولا غرابة فهو خليفة مجدد الأدب، وإمام الكتاب، مصطفى صادق الرافعي.

 

والشيخ علي الطنطاوي لا يتركك تقرأ له بقلب خامد، وطرف جامد، وحس هامد، بل يبعث في نفسك شعورًا حيًا، فيهز عاطفتك، ويلهب حماسك، ويوقظ روحك هذا إذا كان القارئ له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أما إذا كان ميت الشعور، يابس الإحساس، مقفر المعرفة، فهذا لا كلام معه: ﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل:21]

 

ما في الخيام أخو وجْدٍ نطارحه
حديثَ نجْدٍ ولا خِلٌّ نجاريه

 

لقد عرفت الطنطاوي قبل ثلاثين سنة، تأبطت كتبه في جبال الجنوب، وتصفحت مقالاته في روابي نجد، وطالعت ذكرياته في مغاني الحجاز، استقبلتني كتبه في دمشق، وهزتني مقالاته في القاهرة، ولقيت قصصه في باريس، وسمعت أخباره في قرطبة، وهو مصري المَحْتِد، دمشقي المولِد، حجازي الهوى، نجدي الجوى، صوته في المذياع، وصورته في الشاشة، وأدبه في الصحيفة، وإشراقه في الكتاب، سافرت وكتبه معي، ونمت ورسائله على مخدتي، وكنت مرة في الطائرة إلى جاكرتا، وبين يدي كتابه: (رجال من التاريخ) فأبكاني وأشجاني، وأتيت أرتجل خطبة في جمع بعدما حفظت مقطوعة: (نحن المسلمون) من أول (قصص من التاريخ)، فسمعت نشيج الحضور بيني وبين الطنطاوي غير نسب الدين العظيم، والمعتقد الحق، صفات متقاربة متجاذبة مع اعترافي بفضله وتقدمه وسابقيته، فقد حببني في الأدب شعرًا ونثرًا، على نزعة فطرية سابقة، وولع قديم وحنين دائم، ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر:12]

 

وما شرقي بالماء إلا تذكرًا
لماء به أهل الحبيب نزولُ

 

وشجعني على الموسوعية وتعدد الفنون والضرب في كل غنيمة بسهم وهبوط وديان المعرفة، وشحذ ما عندي من طبع دعوب، ومزاح متأصل، ونكتة منكوتة في الدم جعلتني أعجب بطرائفه ولطائفه، وأضحك معه وأحفظ -كما يحفظ- مما تخف له الروح، ويهش له الخاطر، ولله هو مواهب متعددة، وروح متجددة، نهج حنيفي، ومذهبي حنفي، وخلق أحنفي، يكاد سنا برق لموعه يذهب بأبصار حُسّاده.

 

وحرصت على لقاء الشيخ الطنطاوي وتمنيت ذلك، وقبل أن ألقاه بأشهر كنت ألقي درس السبت ب- «أبها» في جمع من الناس، فوصلتني إشاعة موته، وصدق ذلك بعض الأصدقاء وقووها عندي، فأخبرت الناس بموته وهو حي يرزق، وترحمت عليه وغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته وبكيت.. فلما انتهى الدرس ثبت أن الشيخ «علي» لم يمت، وأنه لا يزال مصرًا على الحياة على رغم أنوفنا!! ولو كانت تنطلي عليه الحيلة لصدقنا ومات، فصار بكاؤنا عليه هباءً منثورًا، وزرته بمكة في بيته بالعزيزية وعرّفه صاحبه بي، وقد سمع ببعض أشرطتي واستشهادي بكلامه، فهش وبش، وحيّا ورحب، وقال لي: أنت الذي أماتني قبل أن أموت؟! ثم استشهد ببيت المتنبي:

يا كم دُفنت ويا كم مت
ثم انتفضت فزال القبر

 

ومازحني وداعبني ثم حدثنا بشيء من ذكرياته المشجية، فبكى مرتين وهو يقص علينا أحسن قصصه، بكى حينما تذكر زميله وصديقه الكاتب اللامع والداعية الصادق سيد قطب -رحمه الله- وقال والدمع يغسل خده: كان خيرًا مني وأفضل مني وأنفع مني ثم تنهّد وترحم عليه.

 

ثم بكى لما ذكر ابنته بنان -رحمها الله- التي قتلت بألمانيا، فجادت عيناه بأحر وأصدق الدموع على فلذة كبده، وصنو روحه، فكان دمعه أصدق خطبةٍ قرأتها، وأعظم موعظة سمعتها، حرم الله تلك العيون على النار، وآنس الله تلك الجفون بصحبة الأبرار.

 

وكل ما ذكرته عن الشيخ علي الطنطاوي عظيم ويستحق عليه التكريم، لكن أعظم من سعة علمه وكثرة فنونه ودائرة معارفه أنه قد رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- نبيًا، وهنا عظمة الإنسان، وغاية نبله، وذروة كماله البشري، حيث يبارَك في علمه، ويصلُح عمله، ويرتفع ذكره، ويستقيم منهجه، وتطيب كلماته، وتعذب عبارته، ويحلو أدبه، وهذا بعينه الذي حببنا في شيخ الجيل، وأستاذ الأدب، وكاتب العصر علي الطنطاوي.

 

ألا، فتبًا وسحقًا لمن عق دينه، ونسي ربه، وكتم شهادة عنده من الله، وألغى الدليل، ورفض المحجة البيضاء، وتدثر بلباس الزور، وتزمل برداء الغرور، فهو إنسان في فهم ثور، ﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [الانشقاق:14].

 

فلا يلوم لائم تعلق الجيل المؤمن، والشباب الصادق بهذا الأستاذ الجهبذ، وهذا العلم الأعجوبة؛ لأنهم وجدوا فيه الأمانة والإيمان مع ورع النفس، وطهر الضمير، وعفة القلم، وصفاء الفكر، أما المرتزقة الآثمون المفلسون في عالم القيم ﴿ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:8]، نتاجهم سراب بقيعة، وحصيلتهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، صار ذمهم شهادة على كمال من جرحوه، وأصبحت تزكيتهم وصمة عار لمن مدحوه، ومن خير وأفضل ما كُتب عن الشيخ علي الطنطاوي كتاب (علي الطنطاوي كان يوم كنت) للدكتور أحمد آل مريع وفقه الله تعالى. [2]

 

مواقف تربوية طريفة للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-:

من الذي يستطيع أن يتحدث في المواقف التربوية ثم يتجاوز الشيخ الأديب الأستاذ علي الطنطاوي -رحمه الله- والذي قضى فترة من عمره معلما تشرفت به مهنة التعليم في هذه الأزمنة أن يكون مثله معلما للمرحلة الابتدائية، ومن يقرأ ما كتبه -رحمه الله- يدرك حجم ما ورد فيها عن التعليم من مواقف طريفة أو نقد لاذع أو ذكريات مضحكة أو باكية.

 

ومن هذه المواقف ما ذكره في معرض ثنائه على أستاذه (عبد القادر المبارك) فعندما كان يدرس في بغداد، أقيمت حفلة سمر في آخر سنة (1936م)، فسأل الطلاب مدرسيهم، على عادة اعتادوها: هل يأذنون لهم أن يقلدوهم؟ فكان منهم من أذن، ومنهم من أبى، وكان الشيخ علي -رحمه الله- ممن أذن، فقام طالب يقلد الشيخ بزعمه، ولكنه قلد الشيخ المبارك أستاذ الطنطاوي فقال الشيخ علي: ويحك هذا شيخنا المبارك، فإذا بالطلاب يصيحون من الأركان الأربعة: بل هذا أنت، هذا أنت. فإذا الشيخ علي -رحمه الله- لطول ما حاكى الشيخ قد صار مثله ... يعني في لهجته ونغمته، لا في علمه ولغته فأين هو من علم الشيخ كما ذكر ذلك عن نفسه، وإن كان هو في أنفسنا أفخم من شيخه الذي لا نعرفه كمعرفتنا بالشيخ الطنطاوي -رحمه الله- ولكن هذا الثناء منه على أستاذه جميل ولطيف حيث بلغ إعجابه به إلى درجة أنه شابهه في حركاته ولهجته.

 

ولقد زرت الشيخ في بيته فذكر موقفا طريفا آخر حينما كان أيضا في العراق معلما، فقد سبقت شهرته إلى المدرسة التي وجه إليها، وكان لا يزال شابا، فوقف عند باب الفصل يهيئ نفسه للدخول على الطلاب، فسمع المدرس داخل الفصل يثني عليه وما تميز به من الأدب والعلم، فدخل إلى الفصل بثقة وسرور ونسي مع دخوله الاستئذان على المعلم فلم يشعر المعلم إلا بهذا الشاب داخل الفصل يقطع عليه حديثه عن الشيخ علي الطنطاوي، فالتفت إليه المعلم وقال: من أذن لك بالدخول يا حمار؟ وألجمت هذه الكلمات الأستاذ الطنطاوي وكانت صدمة له.

 

صورتان متضادتان في ثوان معدودة، فبينما كان يمدحه إذا به يشتمه، لابد أن هذا المعلم سمع بالشيخ علي الطنطاوي ولكنه لا يعرف أن هذا الشيخ هو هذا الشاب الذي أمامه، وشرد ذهن الشيخ في هذه التداعيات ولم يرجع إلا على صوت المعلم يخاطبه، سنعرف الآن أأنت أكثر علما أم الحمار؟ وألقى عليه مباشرة سؤالا عن بيت من الشعر، فانطلق فارس البيان في الجواب والتفصيل حول هذا البيت وقائله واستطرد في الحديث بصورة أدهشت المعلم حتى قال له: كأنك في علم وبيان الشيخ علي الطنطاوي، ولكنك لست في صورته التي رسمتها له في ذهني. فقال له: بل هذه الصورة الحقيقة لعلي الطنطاوي الذي سمعت عنه ولم تره. هذا الموقف الطريف لعل الشيخ قد كتبه بأسلوبه العذب في كتبه، ولكن حسبي أني رويت عنه هذا الموقف مشافهة. [3]

 

هكذا رباني جدي علي الطنطاوي [4]:

حفيدة الطنطاوي -رحمه الله- تروي تجربته التربوية، وقامت بنشرها في حلقات في مجلة "المجتمع «الكويتية» عام (1417ه-)، ثم جمعتها في كتاب يحمل هذا العنوان، نشرته دار المنار عام (1418ه-)، وأعيدت طباعته عام (1421ه-)، ونحن ننقل ملخص تجربة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- من هذا الكتاب.

 

تجربة تربوية فريدة:

تقول حفيدة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- عابدة المؤيد العظم عن تجربة جدها: اهتم جدي بموضوع التربية، ونبه الناس إليه في خطبه وكتبه وأحاديثه، وذلك بإنشاء دعامتين أساسيتين:

1- بناء الإيمان العميق.

 

2- زرع الإحساس الدائم بمراقبة الله.

 

وضرب لذلك مثلاً وهو عملية البناء، فهو لا يقوم إلا بأساس، ويضع من أراد أن يبني أساساً متيناً بحسب عدد الطوابق، وكلما زادت الطوابق زاد الأساس، ونحن نريد جيلاً عميق الإيمان قوي البنيان يفهم الإسلام فهماً صحيحاً مستقيماً لا اعوجاج فيه، ويتوجب على المربي استغلال المواقف لغرس هذه المبادئ مع التركيز الدائم.

 

ثم أتم جدي مثاله: تأتي بعد ذلك أعمال مهمة مكملة، لكنها ليست من الأساسيات، مثل: بناء الحوائط ووضع الشبابيك والتركيبات الداخلية، فهي مثل السنن المؤكدة التي ينبغي أن نشجع أبناءنا عليها بطرق متعددة لكن لا نجبرهم عليها، وأخيراً تأتي التشطيبات النهائية حيث يتم كل فرد بناء بيته حسب ذوقه، الرخام أو الدهان أو ورق الجدران...

 

وأكثر ما يعجبني في جدي أنه كان قدوة في كل ذلك يطبق ما يدعو إليه، فأثبت أن عمل الدعاة في التوجيه لا يتناقض مع تربية الأبناء، فكيف استطاع ذلك؟

 

بدأ بالتنبيه إلى وجود الله وقدرته منذ طفولة بناته، فإذا طلبت إحداهن منه شيئاً، قال لها: اطلبيه من الله فهو يسمعك ومعك أينما كنت، فإذا أتى بالمطلوب بعد أيام، قال: لأنك قلت: يا رب، رزقني الله مالاً وقدّرني على شراء ما تريدين، وربما اشترى لهن شيئاً لطيفاً ووضعه على طرف سريرها بعد أن تنام، وفي الصباح يخبرها إذا سألت بأن الله رزقها فلتحمده ولتشكره.

 

وإذا أقدمت إحداهن على ذنب صغير بَيَّن لها أنه عمل سيئ وطلب منها الاستغفار والتوبة لئلا يغضب الله منها ويحرمها ثوابه ولا يجيب دعاءها، وصارت إحداهن تدعو أحياناً بالمستحيل لشدة ثقتها بقدرة الله وقربه منها.

 

وقد كان يراقبنا عند الوضوء مثلاً وينبهنا إلى وجوب غسل العقب جيداً ويحذر: «ويل للأعقاب من النار» [5].

 

وعندما رأى صلاتي السريعة ولما تفرض عليَّ الصلاة أخذني إلى غرفته ونصحني وذكرني وبيّن أن الصلاة المطمئنة الخاشعة لا تأخذ أكثر من خمس دقائق ولا شيء أهم من الصلاة أستعجل لأجله.

 

كما كان يمنعنا منعاً عنيفاً من نتف الحواجب أو الأخذ منها ويصوره من العظائم، وكذلك يفعل في لبس ما يصف أو يشف.

 

أما السنن فكان يحثنا عليها دائماً ويرغبنا ويشجعنا بالجوائز أحياناً لكنه لم يكن يجبرنا أو يكرهنا على شيء منها.

 

ملامح من شخصية المربي الناجح:

تقبل النقد:

في بعض الجلسات العائلية يطلب منا أن نعينه على نفسه فنهدي إليه عيوبه، كنا نشعر بالحرج فهو كبير العائلة، ونحن نحبه ونحترمه، لكنه كان يصرّ على سماعنا ويقنعنا بأنه لا يوجد كمال في الدنيا، والإنسان مهما كان منصفاً لا يستطيع معرفة نفسه تماماً، وأن يُبَصَّر المرء في الدنيا بعيوبه خير من أن يحاسب عليها في الآخرة... فنذكر له على استحياء وأدب بعض ما نعرفه، فيشكرنا ويعد ببذل جهده للتقويم، وعند اتفاقنا يشهدنا جميعاً بأنه سيحاول التغلب على عيبه ويرجو منا تنبيهه إذا نسي وعاد.

 

هيبة المربي:

ينجح كثير من الآباء في أن يكون مهاباً قاسياً، يسير أهل بيته وفق مشيئته، لكن قليلاً منهم من ينجح في ضبطهم بالمحبة والمودة واللطف واللين، وهكذا كان جدي، فقد كان يتابع أحوالنا ويهتم بأمورنا ويسأل عن كل فرد، ويحل مشكلاتنا المادية والمعنوية على كثرتنا، ورغم هذا اللطف فقد كان حازماً في موضع الحزم.

 

فربما مازحنا ثم يعرّفنا أنه حان وقت الجد، وإذا أخطأنا تارة أو تقاعسنا عن ندائه رمانا بنظرة صارمة فتردنا عن الخطأ، وإن كان الخطأ كبيراً زاد إلى نظرته كلمات قاسيات معبرات بهدوء ودون صياح، فالصياح يفقد المربي هيبته، والانفعال يقلل من احترامه ويُدني منزلته، وكانت الأمور تقف غالباً عند هذا الحد، ولئن كان قد اضطر نادراً إلى ضرب بعض الأحفاد كما سمعت فلأن آخر الدواء الكي.

 

ونظريته التي علمها بناته أن الضرب للتأديب لا للانتقام، فلم يضرب أحداً؛ لأنه كسر شيئاً دون قصد ولو كان ثميناً، بينما عوقب أحد الأحفاد حين كسر زهرية رخيصة عبث بها فوقعت أرضاً، وعلة العقاب التمرد على القانون فالزهرية للزينة لا للعب.

 

قد يكون المربي اليوم هو الأقوى والأقدر، لكنه غداً الأضعف والأحوج إلى الرعاية والعناية والبر والحب، وما لم يفكر بهذا فهو الخاسر، والضغط يولد الانفجار.

 

مع الصغار:

في عالم الصغار:

كان جدي لطيفاً معنا ونحن صغار ودوداً، يرحب بنا إذا دخلنا غرفته تاركاً ما بيده مقبلاً علينا فيجلسنا على ركبتيه ويمازحنا ويتفاعل مع قصصنا.

 

وإذا وجد منا فتوراً ابتكر أسلوباً ليدخل البهجة لقلوبنا، فربما بنى لنا من وسائد الكنب بيتاً للعب، أو صنع لنا طعاماً نسرّ بتناوله، وربما خرج بنا في نزهة ممتعة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

 

فيا أيها الآباء: ادخلوا عالم أولادكم وعيشوا معهم جَوَّهم وخاطبوهم بلغتهم، واعلموا أن لكم بإدخال الفرحة قلوبهم أجراً ومثوبة، ثم استغلوا هذه اللحظات من القرب في التوجيه وزرع المفاهيم والقيم والأفكار التي تريدون.

 

المراقبة والمتابعة:

لما كان الكبار يعجزون عن حل شجاراتنا حيث لا يعلمون الظالم من المظلوم، صار جدي يلقي علينا نظرة بين الحين والآخر من نافذته المطلة على الحديقة ليتأكد من سلوكنا، فإذا لاحظ شيئاً مريباً على أحدنا نبهه آخر النهار دون أن يلاحظ الآخرون، وإذا حدث شجار وصراخ وقف بهدوء خلف النافذة مراقباً ما يحدث، ونحن منشغلون بالمشاجرة ثم يخرج إلينا وهو عالم بما جرى فيحقق في الأمر دون أن يشير إلى ما رآه، ثم يوقع العقاب على من يستحقه فقط.

 

الصدق مع الصغار:

حدثتني والدتي أنها اشتكت وهي صغيرة ألماً في بطنها، فرأى الطبيب حاجتها إلى صورة إشعاعية، وهذه الصورة تحتاج إلى تناول شَربة من الملح الإنجليزي ذي الطعم البشع والرائحة الكريهة، إلا أن أمي رفضت تناوله فحاولت معها جدتي لإقناعها بأن طعمه ليس كرائحته، فلما تذوقت بعضاً منه ازداد إصرارها على عدم شربه، فحاولت الجدة لإجبارها ورغبت ورهبت لكن دون جدوى، فلما حضر جدي قام بتولي المهمة، فكان صادقاً وأخبرها ببشاعة طعمه، وأنه هو لم يستطع مرةً أن يشربه، وطلب منها أن تكون أشجع منه وأقوى، وتفعل ما لم يستطعه هو؛ ليتم لها الشفاء بإذن الله. قالت أمي: عندما صدقني والدي شربته جرعة واحدة وأنا سادة أنفي مغمضة عيني، لشعوري بأنه مقدر بمعاناتي غير مستخف بآلامي.

 

إن الأطفال أذكى مما نتصور، فسرعان ما يكتشفون كذبنا عليهم فيلجؤون إلى الأسلوب ذاته للتعامل معنا، والكذب سهل الاكتساب صعب العلاج.

 

ورغم صدق أهلنا معنا إلا أننا لجأنا في بعض المرات إلى الكذب خوفاً من العقاب، فما تساهل جدي في هذا الأمر، إلا أنه عالجه بحكمة، فإن شك في كذب أحدهم استدعاه ووعده إن صدق بألا يعاقبه، فإذا سمع منه وجهه وعلمه لئلا يخطئ مرة أخرى، وبهذا الأسلوب صرنا نصدقه ونصدق أمهاتنا مهما كان حتى صار الصدق من طباعنا حتى لو أيقنا بالعقاب.

 

ومن ذلك تعامله مع التكاليف الشرعية والدنيوية، فقد كان يرغبنا فيها بالأجر والثواب لكنه يبين لنا صعوبتها كالصلاة والحجاب أول ما بدأنا فيه، ومن قوله: «كل المعالي ثقيلات على النفس، ترك التلميذ الرائي والإقبال على الدرس ثقيل، وترك العالم مجلس التسلية والاشتغال بالقراءة والإقراء ثقيل، وترك النائم فراشه والنهوض إلى صلاة الفجر ثقيل، وهجر الرجل زوجه وولده ومشيه إلى الجهاد ثقيل، ولا تنكروا وصف الدين بأنه ثقيل، فالله سماه بذلك في القرآن: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [المزمل: 5] لذلك تجد الطالحين أكثر من الصالحين والغافلين السادرين في الغي أكثر من السالكين سبيل الرشاد».

 

التربية بالتشجيع:

أهمية الثناء:

من ذلك أن جدي كان يركز على النواحي الإيجابية في شخصية كل حفيد مثنياً عليه أمام الجميع، مقدماً له الهدايا البسيطة التشجيعية من وقت لآخر.

 

هذه الطريقة بَنَتْ بيننا وبينه المحبة مع الثقة عندما لمسنا اهتمامه الخاص بنا، مما سهل مهمته في الإرشاد لنا، وتقبلنا منه النقد كما تقبلنا المديح، وسعينا للتخلص من السلبية فوراً لنحصل على ثواب الله ثم رضا جدي وثنائه علينا علناً.

 

أساليب مبتكرة للتشجيع:

كانت لجدي خزانة خاصة لا يملك مفاتيحها غيره، فيها أشياء كثيرة يسميها (النفائس) من طرائف وهدايا متنوعة الأشكال والأحجام تناسب الصغار والكبار والذكور والإناث من الأحفاد، وهي تصل جدي خفية، ويقدمها في الوقت المناسب مكافأة لمن يستحقها أو يحتاج إلى التشجيع، كما كانت تتجدد باستمرار، حيث يعطي بناته الكبار مبلغاً من المال ويوصيهن بشراء المزيد عند ذهابهن إلى السوق مما يفرح الأطفال.

 

كم ابتكر شهادات تقدير يخطها بالخطوط العربية تكون تذكاراً أو تقديراً لإنجاز متميز من أحد الأحفاد، فمرة فازت إحدى الحفيدات الصغيرات جداً بشهادة لنجاحها في صنع الشاي دون مساعدة أحد، فخطها وجعل من شهد الواقعة من الكبار أن يوقعوا عليها شاهدين، ومرة استحق أحد الأحفاد هذه الشهادة وسماها: (شهادة الذوق الرفيع في إعداد المائدة)، ومرة حصل حفيد له صام أول مرة وعمره خمس سنوات على هذه الشهادة التي كتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم.. يوم الأحد غرة رمضان 1411.. أول يوم صامه فلان، وفقه الله وجعله من الصالحين.. مكة المكرمة).

 

ولم يكن جدي يبالغ في منح هذه الشهادات في كل المناسبات، بل يختار ما يظنه إنجازاً متميزاً لأحد الصغار، ولهذا بقيت لهذه الشهادات قيمتها، حتى إن بعض الأحفاد لا زال يحتفظ بهذه الشهادة بعد ربع قرن من الزمان.

 

من العقاب إلى الثواب:

اضطررنا لظروف البناء أن نجتمع في دار جدي، وكانت أمهاتنا يعاملننا كالكبار مما يزيد بهجتنا فإذا حضر وقت الأكل تركتنا أمهاتنا على طاولة الطعام دون إشراف نأكل ونتحدث، وربما تركنا الطعام نلعب ونضحك، وكانت أمهاتنا يقمن بتنبيهنا باستمرار لنكف عن العبث ونسرع في تناول الطعام، ورغم اجتهادنا في طاعتهن إلا أن شعورنا بالحيوية كان يلهينا أحياناً عن تلك التوصيات فنستحق العقاب.

 

ولما جاء جدي في العطلة الصيفية ورأى ما يحدث، دخل المطبخ، وتناول ثلاثة أطباق فوضع في أولها عشر ليرات، وفي الثاني سبع ليرات، وفي الثالث خمساً، ثم قال: أنتم في مسابقة «مَنْ ينهي طعامه أولاً» وهذه الليرات جوائز المسابقة، وأنا أنتظر الفائزين الثلاثة في غرفتي، مما أشعل الحماسة في نفوسنا، لقد استطاع جدي أن ينقلنا من جو التهديد بالعقاب إلى جو التربية بالثواب، بلمسة مبدعة، كما جعل إنهاء الطعام هدفنا، وجاء رغبة ذاتية.

 

تقويم علاقة الوالدين بالأولاد:

التربية على بر الوالدين:

كان أولاً حريصاً على بناته، ربما سهر من أجلهن وربما منعهن من الدراسة بسبب قلة النوم فجعل البرمجة له، ثم كان يتحين الفرص لتركيزنا بأهمية البر، وأيضاً يؤنب من يسترخي وأمه تعمل، ولم يذكر أمه إلا وفاضت عيناه مما يجعلنا نخشى أن نفقد أمهاتنا ثم نتحسر بعد ذلك على عدم البر بهن.

 

العقاب الرادع:

لما حيل بين جدي وبين بلده دمشق استأجر ذات صيف منزلاً كبيراً في أحد مصايف الأردن الهادئة ليجمع شمل العائلة المفترق، لكن البيت كان بلا كهرباء، فلا تعمل الأجهزة فيه كغسالة الملابس مثلاً، وكنا نحن الصغار نلعب حول البيت في الحدائق والبساتين الواسعة، وفي المساء نعود وقد اتسخت ملابسنا، فنغتسل ثم ننام تاركين أمهاتنا لغسيل الملابس، وفي الصباح نجد الملابس نظيفة فنخرج بها بعد وصايا الأمهات للحفاظ على الملابس، لكننا ننسى التوصيات عندما نندمج في اللعب، وفي كل مرة يتكرر الموقف، وربما الضرب والمنع من اللعب، لكن ذلك لم يفد شيئاً، فكيف عالج جدي المشكلة؟

 

استخدم أسلوباً رادعاً قاسياً حازماً لكنه كان مفيداً فيما بعد، فلما عُدنا ذات ليلة منهكين من اللعب نحلم بالفراش، ألزم كل واحد بغسيل ملابسه قبل النوم كما كانت أمه تفعل، اعتذرنا وحاولنا لكن دون جدوى.

 

تعبنا تلك الليلة وتجرحت أيدينا الناعمة، وأنهكنا النعاس حتى أشفقت علينا أمهاتنا، ورجونه بالعفو عنا، لكنه كان مصمماً على المضي في العقوبة، لكن ذلك كان علاجاً ناجعاً طوال الصيف، فلم نعد بعدها لأنانيتنا وأثرتنا.

 

أساليب مختلفة للإقناع:

في نفس الدار كانت البهجة والسعادة، ولم نكن نشكو إلا من كثرة الأعمال المرهقة في المنزل، فلما كثرت شكوانا كلف جدي واحداً يطوف المنزل منادياً لاجتماع خاص بالأحفاد مما أثار الفضول في نفوسنا، فاندفعنا نحوه مسرورين، وقد تهيأنا لتقبل ما سيقال لنا، فأخبرنا أنه جمعنا بناء على شكوانا سالفة الذكر، وقال: إنكم أولاً تقضون النهار كله في اللعب، فهل يعقل أن ترهقكم الأعمال التي لا تتجاوز ساعة أو ساعتين، وثانياً: العمل رياضة مفيدة من وجهين: تحرك عضلات الجسم وتخفف العبء عن أمهاتنا فننال رضاهن ويرضى الله عنا، وثالثاً: إذا ساهمنا في الإفساد فلا بد أن نساهم في الإصلاح، ولو تقاعس الكل عن العمل فمن سيعمل؟ رابعاً: أمهاتنا مثلنا يستثقلن العمل لكنه واجب يجب القيام به. وأخيراً: العمل جزء من الحياة لا بد أن نتقبله، وقد تقبلنا أكثر منه أيام المدرسة، فخرجنا من الغرفة بنفس غير التي دخلنا بها.

 

العدل والحسم صفتان ضروريتان في المربي الناجح:

العدل في المعاملة:

بعد قناعتنا بأهمية العمل بقيت عندنا مشكلة: عدم شعورنا بعدم العدل، حملنا الشكوى إلى جدنا قاضي الصيف، وكل منا يناقشه لإقناعه بأنه يحمل العبء الأكبر حتى إذا انتهينا كلنا أعلن أنه سيحل المشكلة، ثم أمسك ورقة فكتب عليها الأعمال المنزلية المطلوبة يومياً، ثم عرضها علينا لينتقي كل واحد العمل الذي يفضله مراعياً أعمارنا وقدراتنا رغم تقاربنا مسنداً للأكبر أعمالاً أكثر أو أصعب، وبعد التوزيع بالتساوي سطر جدولاً منظماً كتب فيه أسماءنا بخط جميل وأمامها الأعمال التي اخترناها، ثم أطلعنا على الجدول ليتأكد من موافقتنا عليه، ووقع كل منا أمام اسمه، وعندئذ علق الجدول على الحائط في الصالة التي نمر عندها طوال اليوم، فكنا بعد ذلك نقوم بأعمالنا بسرعة وإتقان وعن طيب نفس، ثم نقضي نهارنا كما يحلو لنا.

 

لقد أراحنا جدي بإحساسنا بالعدل والمساواة، وكان طبعاً فيه، ولم أحس أنه فضل أحداً على غيره أبداً، ولقد علمت عندما كبرت أن بعض الأحفاد أحظى لديه من بعض فكان مفاجأة له، وبعض الصغار يملك من الصفات أو غيرها ما يجعله محبوباً مقبولاً بين الكبار، وهذا قَسْمُه فيما لا يملك.

 

فيا أيها الآباء: إن من حقكم أن تحبوا بعض أطفالكم أكثر من بعض، لكن من حقهم أن تبقى مشاعركم حبيسة قلوبكم فلا يحسوا بأي مفاضلة.

 

العدل في العطاء:

ومن الأمثلة على ذلك أنني عندما كنت في الثانية عشرة من عمري أردت ساعة جديدة، بيد أن والدي رفض ذلك بحجة أنني صغيرة، لكن جَدّي عندما جاء في الصيف وعلم برغبتي تلك، صحح على إهدائي ساعة، وطلب من والدتي أن تأخذني وأختَيَّ فوراً إلى السوق وتشتري لكل واحدة منا ساعة بالمواصفات التي تريد، مع أن أختَيَّ لم تطلبا شيئاً ولم تعترضا على شراء ساعة لي وحدي، بل إن الصغرى كان عمرها ثمان سنوات ولم تتعلم بَعْدُ كيف تقرأ الوقت.

 

لقد أفادتني هذه الوصفة في تعاملي مع أبنائي، فكنت كلما ناولت ابني الكبير شيئاً وقف الصغير ذو العامين بكل أدب منتظر حصته دون اعتراض أو مزاحمة، بل كلما لعبت مع الأول انتظر الآخر دوره مهما تأخر.

 

علاج حاسم وصريح:

عاد أهلنا من إحدى السفرات لبيروت وكان معهم علب تحتوي قطعاً صغيرة من الحلوى اللذيذة التي يحبها الأطفال، وقد وافق زيارة بعض أقاربنا ومعهم صغارهم، فوزع أهلنا هذه العلب علينا وعلى صغار الأقارب فصار لكل واحد علبة.

 

أما نحن فقد حمل كل حفيد علبته ودار بها على أقاربنا الكبار الزائرين لتذوقها، فَسُرَّ أولادهم بذلك واحتفظوا بعلبهم مغلقة إلى حين اختلائهم بها، وأخذوا قطعاً من علبنا، ولما لاحظ جدي استغلالهم لكرمنا جمع الحلوى من أيديهم وجيوبهم وأعادها إلينا، وقال لآبائهم: إنه فعل ذلك ليعلم أولادهم أن ما فعلوه بخل واضح وطمع وأثرة لا يرضاها الله، ثم نبه الآباء إلى التربية وتقويم السلوك، وبيّن أن تصرف الأطفال هكذا مألوف لأنهم صغار، لكن الواجب على الآباء التوجيه لئلا يتحول السلوك العفويّ طبعاً يصعب الخلاص منه مستقبلاً.

 

وقد تنتقدون جدي لهذا التصرف، وأنا رغم سروري بعودة الحلوى إليّ إلا أنني وجدته غير لائق، لكن أقاربنا لا يجدوا فيه غضاضة، فجدي مربٍ للجميع، وقد نبههم إلى لمسة تربوية مهمة لم تخطر على بالهم.

 

لقد تعلمت أن الأسلوب المباشر مفيد في بعض الأحيان، فبعض الناس لا يدركون أنهم المعنيون إذا استخدمنا أسلوباً مبطناً، وأيقنت أن الخطأ الجلي الذي أمام الجميع يحتاج إلى تصحيح أمام الجميع.

 

تكوين الشخصية القوية والناجحة:

تنمية الشخصية:

كان جدي يكلفنا بالعمل الذي ينمي شخصياتنا ويصقلها حين يكلفنا بأشياء فوق مستوانا وفوق ما هو متوقع من قدراتنا، كما كان يضفي على تكليفه جواً من المرح يستحيل الصعب معه سهلاً ويصبح ممتعاً.

 

كنت صغيرة عندما طلب مني أن أصنع له قهوة، ولما قلت له: إني لا أعرف هوّن الأمر ثم أخبرني بخطوات صنع القهوة وفي الخامس منهن قال: خامساً: دعيها تغلي وتغلي وتغلي... حتى تغلي ستا وسبعين فَوْرة، وكدت أثناء صنع القهوة أعد الفورات لولا أن نبهتني أمي إلى أنه يمازحني.

 

وكان يدفع أحفاده الصغار للإمامة في الصلاة وهم حديثوا عهد بالبلوغ، وربما عهد إلى بعضهم بشراء بعض ما يلزم البيت وهم صغار، كشراء أشياء طريفة تفرح الصغار، ويترك لهم الخيار في الانتقاء، ثم يشكرهم ويشجعهم حتى لو أخطؤوا، وقد كانت المبالغ التي يدفعها لهم أكبر بكثير مما اعتاد أمثالهم حمله مما يشعرهم أنهم قد كبروا في يوم واحد سنوات عديدة.

 

الجرأة في الحق:

عندما انتقلت إلى المرحلة الإعدادية كانت ساعات الدوام تبدأ بعد أذان الظهر بقليل، وتنتهي قبيل المغرب بدقائق، ولم يكن في شعبتي طالبة واحدة تصلي في المدرسة، بل ربما سَخِرْن مني لاهتمامي بالصلاة، ونصحنني أن أجمعها مع صلاة المغرب، ثم منعت رسمياً من الصلاة داخل غرفة الدرس، فشكوت لوالدتي ما لقيت، وسألتها عن جواز جمع الظهر والعصر كل يوم، فأفتتني بعدم الجواز، ثم شجعتني على الصلاة في المدرسة بإصرار، مستهدية بإرشادات جدي الذي كان مسافراً حيث علمهن ألا يخفن في الله لومة لائم، فعلّي أنا أيضاً ألا أخجل ما دمت أعمل لرضا الله، وقصَّت عليّ بعض مواقف جدي التي تعرض لها وخرج منتصراً، وأن من ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، وأشارت علي بحمل بساط صغير للصلاة عليه أمام الجميع في الاستراحة، وبعد مدة قصيرة تحولت نظرات الاستهزاء إلى نظرات احترام، مما أشعرني بالقوة والفخر والسعادة، وشجع ذلك طالبات صالحات في المدرسة على الصلاة في المدرسة، فصرنا نتناوب على الصلاة لعدم اتساع البساط .. إن الجرأة في الحق تدفع الظلم وتحفظ الحق.

 

العناية بالصحة والقوة:

لعدة مرات في طريق الخروج من المدرسة تحرض ابنة الجيران أخاها الصغير بإيذاء التلميذة الصغيرة بالحجارة، ويتبعها بالسباب والشتائم، حاولت التلميذة الصغيرة التسامح وحذرت البنت وأخاها من عواقب تصرفاتهم هذه عدة مرات، فزادت وقاحة البنت وتطاولت بالكلام؛ لأنها حسبت التسامح جبناً، فقررت التلميذة الصغيرة أن تدافع عن نفسها فوقفت بكل كبرياء وجمعت قبضتها كما علمها أبوها، وضربت المعتدية لكمة قوية في بطنها انثنت على إثرها متألمة ألماً شديداً، فعادت التلميذة إلى البيت منتصرة، ومن بعدها لم تتعرض لها البنت ولا أخوها بسوء.

 

كانت التلميذة الصغيرة هي والدتي، أما أبوها الذي علمها الدفاع عن نفسها، وامتدحها ذلك اليوم فهو جدي علي الطنطاوي، وكانت هذه إحدى لمساته التربوية في التسامح مع الضعيف، واستعمال القوة حين لا ينفع إلا القوة.

 

لقد علم جدي بناته كيفية الدفاع عن أنفسهن والطريقة الصحيحة في قبضة اليد ومكان ارتكاز الضربة.

 

وكان يمارس الرياضة دائماً، وقد اقتنى بعض أدوات التدريب الشائعة تلك الأيام، وكان يمشي مشية رياضية مشدود الظهر منتصب القامة ويعلمنا ذلك حتى لا تتأذى فقراتنا الظهرية..

 

كما كان يعتني بالغذاء الجيد ويوصينا بذلك، وبالمواد الأساسية اليومية في الغذاء، وكذلك النوم الجيد عنده من أهم أسباب المحافظة على الصحة.

 

تنمية المهارات:

كان جدي يستغل جلساتنا العائلية العادية فيحولها إلى جلسات علمية هادفة، وربما استشهد فيها بالشعر أحياناً، فيلتفت فجأة نحو أحد الأحفاد فيطلب منه إعادة البيت مرة أخرى لاختبار انتباهه وسرعة حفظه، كنا نجد في ذلك صعوبة فقد ننسى بعض الكلمات أو نرتبك، إلا أننا صرنا بعد ذلك ننتبه جيداً، وعودنا أنفسنا على حفظ الأشعار فور سماعها.

 

ومرة فكرنا بكتابة الشعر، فكتبناه في وصف الطبيعة ونحوها بلا وزن ولا قافية! ثم عرضناها على جدي بكل فخر، فلم يسخر منا بل شجعنا وخاطبنا على قدر عقولنا شارحاً بفكرة مبسطة العروض والوزن والقافية.

 

وعندما لاحظ نبوغاً مبكراً لدى أحد أحفاده وميلاً أدبياً أرشده إلى الكتب القيمة المفيدة وشجعه على الكتابة، وصار يصحح له ما يكتب.

 

ولما لمس مني اهتماماً بالتجويد صار يناديني من حين لآخر إلى غرفته ليصحح قراءتي، مما شجع بعض الأحفاد للانضمام إلينا، وعندما لاحظ عدم إعطاء بعض المدود حقها من بعضنا بسبب انقطاع النفس، صار يدربنا على الاحتفاظ بالنفس الطويل ويجري مسابقات في ذلك، ويشجع الذي يتحسن أداؤه عن اليوم السابق.

 

بل كان يشجع أي عمل إيجابي مهما كان بسيطاً فيحاور صاحبه موضحاً له قيمة عمله وحاثاً إياه على تقديم الأفضل، مغدقاً عليه من الثناء والتقدير.

 

الفرصة ذبابة:

استطاعت ذبابة التسلل ذات يوم إلى غرفة جدي، فطلب مني المسارعة بقتلها، فقمت بتثاقل، باحثة عن مضرب الذباب بتكاسل، ومشيت ببطء، ولما وصلت مكانها وجدتها قد طارت فبحثت عنها، إلا أنها اختفت بين كتب جدي وأوراقه، فغضب مني جدي لتباطئي في التنفيذ، خصوصاً وأنني أضعت وقتاً طويلاً ريثما عثرت عليها وقتلتها، يومها قال جدي: احفظي هذا الدرس جيداً يا ابنتي، وإياك أن تنسيه: «الفرصة ذبابة» إن فرص الحياة كفرصة قتل الذبابة تماماً، فإن تباطأت خسرت كثيراً، وستطير الفرص كما طارت الذبابة، وستحتاجين وقتاً طويلاً وجهداً للبحث عنها، وربما لا تعود.

 

تكوين فضائل الصفات والعادات:

الآداب الإسلامية الاجتماعية:

كان جدي يرسخ الآداب الإسلامية التي تعلمناها من أمهاتنا ويؤكد عليها، كاحترام الكبير والجلوس أمامه بطريقة مهذبة، وعدم رفع الصوت على صوته، وعدم الاشتراك في حديث لا يخصنا، وإذا أردنا المساهمة بالحديث انتظرنا الفرصة المناسبة ولم نقاطع المتكلم، وكان لا يسمح إلا لشخص واحد أن يتكلم وعلى الباقين الإنصات، وإلا تعرضوا لتنبيه، وكأننا في مدرسة نظامية.

 

وعندما تمتلئ الغرفة يطلب منا التفسح في المجالس، ونجلس الكبار أماكننا، وعندما نجتمع نحن الأحفاد الصغار وحدنا عنده كان يطبق عليها القوانين ذاتها فيخص أكبرنا بالمقعد المريح ثم الذي يليه... وهكذا، رغم قلة فروق السن بيننا، ويطلب من الكبير أن يفتتح الحديث ويتيح للجميع فرصة المشاركة لكن بنظام وبمراعاة الأعمار، ثم يطمئننا بأننا إذا قمنا على راحة الكبار سيأتي من يقوم على راحتنا إذا كبرنا.

 

الإيثار في الطعام:

مما علمنا ألا نتسابق إلى المائدة إذا جاء موعد الطعام، بل ننتظر حتى يجلس الكبار، ثم نتقدم نحن الصغار طامعين في ثواب الإيثار، ندعو بعضنا إلى المكان الجيد أو نتأخر عن الباقين في البدء بالطعام حتى لا تزدحم المائدة.

 

كما كان يوجهنا إلى الانتباه إلى عدد الحاضرين وإلى كمية الطعام لنقسم الكمية على عدد ا لحاضرين فنعرف حصتنا ونتيح الفرصة لغيرنا، ولذلك كنا نُبْقي آخر قطعة من أي صنف، وصرنا نسمي القطعة الأخيرة من الحلوى من باب الفكاهة القطعة المقدسة.

 

ومن الابتكارات التربوية لدى جدّي أنه ذات يوم جاء بلوح كبير من الشوكولاتة وقطعه قطعاً غير متساوية بل متفاوتة كثيراً في الحجم، ثم رتبها على صحن كبير، وأخذ يدور علينا يدعو كل واحد لأخذ قطعة ليختبرنا ونحن لا ندري وقد حدثتني إحدى الحفيدات أنها أخذت ذلك اليوم كبرى القطع، تقول: فنظر إليّ جدي طويلاً، وقال: لقد أخذت أكبر قطعة يا ابنتي، فشعرت بالحياء الشديد ولم أدر ما أفعل، ثم علقتْ: لقد مر على هذه الحادثة عشرون عاماً، لكني لم أنس أبداً هذا الدرس، ومن يومها صرت أختار من العصير أقله تعبئة ومن الطعام أقله كمية، وأتأخر في الطعام حتى يستوفي الحضور حاجتهم منه ثم أتقدم طمعاً في الثواب.

 

احترام الموعد:

احترام الموعد صفة لم يخلفها جدي أبداً، وكان إذا أراد الخروج يعد عدته ويجهز الأوراق اللازمة، ويلبس ثيابه ويجلس على كرسي عند الباب ممسكاً ساعة يدوية صغيرة مراقباً عقاربها، كارهاً دقائق الانتظار الأخيرة، وكنت إذا جلست عنده أتحدث ينشغل عني بانتظار السيارة التي سوف تقله إلى مبنى التلفزيون لتسجيل برنامجه.

 

وكان يتجهز قبل مواعيده بعشر دقائق، ويجلس في غرفة الاستقبال منتظراً من واعده من الزائرين، ويعد من يتأخر عن موعده مرتكباً ذنباً يستحق العقاب عليه، وقد انتظر مرة رجلاً واعده في زمن محدد، وانزعج كثيراً من تأخره، وبدا على وجهه حتى مرت ثلث ساعة كاملة، وحينها حضر الرجل، ففتح له الباب كاظماً غيظه، وأدخله غرفة الضيوف، ثم تركه وحده وجلس مع جدتي وبناته ثلث ساعة كاملة، بالقدر نفسه، تاركاً الرجل دون استضافة ليقدم له درساً عملياً بالأذى الذي يسببه تأخره على الآخرين، ثم استقبله وأكرمه.

 

أما نحن المقربون فقد كنا نحذر تقديم وعد لا نضمن تنفيذه أو الوفاء به.

 

تقدير النعم والمحافظة عليها:

الاعتناء بالأشياء:

عاش جدي حياة حافلة بالتغيرات، فكان العالم الذي فتح عليه عينيه ودرج فيه أيام طفولته غير العالم الذي نعيش فيه اليوم، فهو قد عايش التطور التقني من أوله، وبدأ حياته صعبة شاقة ثم دخلها التطور فصارت مريحة مما جعل للأشياء عنده قيمتها.

 

وخوفاً من أن يصيبنا البطر؛ لأننا لم نعانِ كما عانى فقد أشعرنا بقيمة الأشياء في حياتنا، لما توفره من سرعة في الأداء وراحة من العناء، فواجبنا بالتالي المحافظة عليها.

 

بل كان يحرص حتى على الأشياء الصغيرة التي لا تخطر بالبال، لئلا يصبح سلوك عدم الاهتمام عادة يصعب التخلص منها، وقد كان ينهانا مثلاً أن نتناول شيئاً من التحف فنعبث به أو نقلبه بين أيدينا ونحن نتحدث، بل كان ينهانا عن شد شريط الهاتف اللولبي.

 

ولم يكن في قاموسنا أن الأشياء ترمى، بل كل شيء مرتب، والفاسد يصلحه، وما أنهكته الأيام فيعطى لعائلة تحتاجه.

 

المحافظة على النعمة:

فمن ذلك عدم ترك الأنوار مضاءة في الغرف الفارغة، وإحكام إغلاق صنابير المياه، وتناول المناديل من علبتها بحسب الحاجة، وأهم من هذا كله عدم رمي الطعام حتى كسرة الخبز فكان يخوفنا بعقاب الله إن رميناها، وأننا قد نحرم منها في الدنيا قبل الآخرة، بل يحرص حتى على عدم إبقاء شيء من الطعام في الصحون، ومما تعلمنا أن نأكل البائت ولا نجد في ذلك حرجاً.

 

في عالم الكتب وفي رحاب المعرفة:

الأحاديث المفيدة:

كان يحول جلساتنا العائلية إلى فائدة وكانت أيضاً ممتعة ومسلية، حتى أننا ونحن صغار كنا نترك اللهو لننضم إلى هذه الجلسات، وقد كان يلتقط كلمة من الحديث الدائر بيننا ليحوّل بها مسار البحث وينتقل إلى الموضوع المفيد.

 

قال أحدهم بالفصيح: هل تغلق الباب من فضلك؟ فجعل جدي من كلمة (تغلق) مدخلاً إلى حديث طويل ممتع سائلاً عن الدولة التي نسبت إلى (تغلق) ومتى وأين قامت فدخلنا في التاريخ والأعلام حتى وصلنا إلى الدين وما حققته هذه الدولة بسبب تمسكها بالإسلام.

 

وكان في نهاية هذه الجلسات يرشدنا إلى الكتب التي تفصِّل ما طرح من معلومات، وربما حدثنا عنها وعن مؤلفها مشجعاً على الرجوع إليها.

 

المراجعة في الكتب:

كان جدي يهتم بالإجابة على أسئلتنا المختلفة، مسمياً لنا الكتب التي استفاد منها مثنياً على علم مؤلفيها مؤكداً المراجعة فيها، حتى حفظنا أسماء بعض الكتب وأسماء مؤلفيها، بل وموضوعاتها الرئيسية من فقه وحديث وتفسير، ونظام الكتب في التبويب...، وكان يدعونا أحياناً إلى مراجعة أسئلتنا الفقهية والدينية رغم صغرنا فيسأل: ما موضوع السؤال (تفسير، تاريخ، فقه)؟ وفي أي كتاب نتوقع الإجابة؟.. ثم يحيلنا على مكتبته الواسعة ونبحث بإرشاد جدي حتى نصل إلى المسألة فنقرأ ويشرح.

 

قيمة الكتاب:

ما رأيت جدي يحب شيئاً حبه للكتب، ولما اضطرته الظروف مفارقة بلده وترك بيته لم يسأل عن شيء من متاع أو مال غير كتبه، كتب متحسراً: (دنيا طالب العلم مكتبته، ومكتبتي في الشام مودعة في خمسة وثمانين صندوقاً لم تفتح من إحدى عشرة سنة، ولست أدري أأكلتها الأرضة أم هي سالمة لا تزال؟ وأنا هنا محروم منها لا أستطيع الوصول إليها) ولعلها الآن قاربت الثلاثين عاماً.

 

لقد قال: إنه يقرأ في كل يوم ساعات، فإذا أقلّ القراءة يوماً قرأ مئة صفحة، وإني إذا حاولت استرجاع صورته تخيلته جالساً في زاوية مخصصة واضعاً نظارته ممسكاً بواحد من كتبه وقد حفت به أكوام من الكتب والمجلات والجرائد والأوراق مجمّعة على غير نظام تنتظر دورها للقراءة أو الفرز والتوزيع، هذه هي العدوى الأولى التي نشرها بين أهل بيته (حب الكتب).

 

والعدوى الثانية: احترام الكتاب والعناية به، حيث كان التعامل مع الكتاب علماً لا بد من إتقانه؛ لأنها نسخة واحدة قد يرثها الأبناء، أما تناول الكتاب من الرف فطريقته أننا نضع السبابة على الطرف العلوي من حرفه الخلفي ونميله برفق...، وتقليب الصفحات له فن آخر، كما كان يحظر علينا وضع قلم رصاص داخل الكتاب، أو نضع الكتاب مطوياً على الأرض... كما كان لا يسمح بخروج الكتاب خارج بيته إلا بظروف استثنائية وتحديد مدة، ثم يسأل المستعير عن كل ما قابله أو هاتفه، وربما ندم على استعارته.

 

فن القراءة:

يقول: (كنت طوال عمري عائشاً وحدي، أنيس كتابي، فكنت أمضي يومي إلا ساعات المدرسة في الدار لا أجد ما أشغل به نفسي وأملأ به فراغ حياتي إلا القراءة) ولقد تعلمت منه أن أقرأ كل يوم عدداً من الصفحات لا يقل عن عشرين مهما كانت الظروف والمشاغل فإني إن تعللت وتثاقلت عن المطالعة بسبب الظروف ما كنت لأقرأ أبداً؛ لأن الملاهي والصوارف لا تنتهي.

 

والطريقة الصحيحة التي علمنيها للقراءة:

1- أقرأ العنوان جيداً.

 

2- أنتبه لاسم المؤلف، فلا يصح أن أقرأ لأي كاتب، وقد سمى لنا بعض الكتّاب لا نقرأ لهم قبل أن يشتد عودنا كجورجي زيدان مثلاً.

 

3- أقرأ المقدمة بعمق، فهي تبين هدف الكتاب، ومحتوى الكتاب، والطريقة التي عرض بها المؤلف الأفكار...

 

4- أستعرض فهرس الكتاب فأستوعب محتواه وأحيط بمادته بنظرة سريعة شاملة.

 

5- أقرأ الخاتمة إن وجدت بعمق؛ لأنها الزبدة والمغزى.

 

وبهذا نأخذ فكرة عن مضمون الكتاب في زمن وجيز فإن أحببناه قرأناه أو تحولنا إلى سواه.

 

مهلاً قبل مغادرة القراءة:

نصيحتي لكم ألا تملوا من التربية بل ثابروا، وكرروا المحاولات، وليس شيء ينفع في التربية كالتكرار والمداومة على التوجيه.

 

إحدى الحفيدات مقصرة في دراستها رغم تميزها في مواهبها وقدراتها فكان جدي إذا رأى منها هذا العيب يقول:

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام

 

لقد ردد على مسمعها هذا البيت مئات المرات شهراً بعد شهر، وعاماً بعد عام دون يأس، حتى استقام هذا الطبع فيها أو كاد.

 

وأرى مبتلاة بسرعة الكلام، فنبهها إلى ذلك العيب وأرشدها إلى إخراج كل حرف من مخرجه الصحيح مع إبطاء تدفق الكلمات، واتفق معها على أن تنطق كلمة واحدة كلما ضم أصبعيه وتصمت برهة ريثما يباعد بينهما، واستمرا هكذا سنوات عدة كلما اجتمع بها في الشام صيفاً ثابر على العلاج، حتى حسن كلامها.

 

وبعد:

فقد أهملت من تربية جدي الأمور العامة التي يشترك فيها معظم الوالدين، والتوجيهات التي يقدمها عادة الآباء للأبناء، وصرفت جهدي في تلمس تلك الملاحظات الصغيرة واللقطات العابرة التي بقيت عالقة في نفسي لإبداع جدي في عرضها.

 

إنها مواقف بسيطة تقع كل يوم في كل بيت مما يجعلنا لا نلقي لها بالاً ولا نعدها ذات شأن، لكن جدي نجح في اصطيادها فوضع منها منهجاً تربوياً متميزاً.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كلمات لعلي الطنطاوي:

مختارات من أقوال له رحمه الله، اختارتها ابنته أمان علي الطنطاوي مما قاله وكتبه:

فلسطين

• «كتب الله لهذه الانتفاضة الاستمرار والقوة، لأنها قامت لله لا للدنيا.. وما كان لله فهو المتصل».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «ليست قضية أهل فلسطين وحدهم، ولا قضية العرب، لماذا تسمونها عربية، وفي العرب من لا يرى فيها رأيكم... لما لا تجعلونها إسلامية، إن أيدي المسلمين جميعاً تمتد إليكم لتكون معكم إن جعلتموها جهاداً في سبيل الله».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 19

• «صغرت إسرائيل أكثر لما بدأت هذه (الانتفاضة) صبيان يقاتلون بالحجارة جيشاً يملك أعتى وأقسى ما أوحى به الشيطان إلى أوليائه من وسائل القتل والتدمير والهلاك...».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 13

• «حسبوا الانتفاضة فورة حماسة تستمر ساعات ثم تخمد، فإذا بها تستمر الشهر والشهر الذي بعده، والشهور تتوالى، والانتفاضة لا تزداد إلا قوة».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «كتب الله لهذه الانتفاضة الاستمرار والقوة، ذلك بأنها ليست حركة وطنية ولا قومية.. ولا قامت لمجرد استرداد الأرض بل لأنها جهاد...جهاد لله».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «إن هذه الانتفاضة جهاد بالمعنى الذي عرفه الإسلام، بذل الروح لله وحده، وابتغاء الجزاء منه وحده...جهاد من يظفر به يظفر بنيل الأماني وبلوغ الغايات ومن يمت ينل ما هو أكبر من متع الدنيا كلها، رضا الله والجنة».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «لقد علمونا في المدرسة أن كل أمر مخالف لطبيعة الأشياء التي طبعها الله عليها لا يمكن أن يدوم، فهل ترونه أمراً طبيعياً أن تعيش دولة صغيرة قائمة على الباطل وعلى سرقة الأرض وطرد سكانها؟!»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 16

• «هؤلاء الذين لا يملكون إلا حجارة أرضهم وأيديهم التي تطلقها، لو كان عندهم مثل سلاح اليهود، أو كان عندهم نصفه، أو رُبْعه أو عُشْره هل كان يبقى اليهود في فلسطين؟!»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «إنكم ترون أننا بحجارة أرضنا، وسواعد أبنائنا، نكاد نطرد الكلاب من بلادنا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «إن الذين دعوتموهم جنود الحجارة ما ضعفوا وما استكانوا، جادوا بأرواحهم (والجود بالروح أقصى غاية الجود)، ثبتوا هذه الأيام الطوال...ونحن المسلمين الذين فرض الله علينا أخوتهم وأوجب علينا نصرتهم ألا نُلام؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

• «أسباب النصر رجال وسلاح، فما الذي ينقصنا منها؟ هل ينقصنا العَدد أم العُدد، أم العلم؟!»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 15

• «لقد غزا ديار الشام من هم أكثر من اليهود عَدداً وأقوى جنداً وعُدداً، وأقاموا فيها دولاً عاشت دهراً، ثم دالت هذه الدول وعاد إلى الأرض أصحابها».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 16

• «إن أقوى أسلحة النصر الإيمان، إنه يكسب صاحبه النصر العاجل، الذي يثير القوة المدخرة، لذلك كانت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 17

• «إن القدس بقيت قرابة قرن من الزمان بيد الصليبيين، فهل دام في القدس حكم الصليبيين؟»

كتاب «هتاف المجد»

• «إن اللص الذي ينام ويده على السلاح لا يستطيع من الخوف أن يستسلم للمنام، فكيف يشعر اليهود بالأمن والاستقرار في فلسطين ونحن لهم بالمرصاد».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 18

• «ما أوقح إسرائيل!...هل احترمت مقدسات أحد حتى تطالب بأن تحترم مقدساتها التي لا قداسة لها؟ أما أحرقت المسجد الأقصى؟ أما حاولت زعزعة أساسه، وهز أركانه لعله يسقط؟ أما حفروا بحذاء جداره..ينزلون في بطن الأرض يأملون أن يصلوا إلى الأساس، فيظهر تحته أثر هيكل سليمان، وليس أمامهم إلا جدار الأقصى، ولو حفروا بحذاء قلعة خمسة عشر متراً لتزعزع جدارها ومالت لتنهار... أما دنسوا وآذوا كنيسة القيامة التي يقدسها النصارى وسرقوها».

كتاب «هتاف المجد»

• «سرقوا الكنيسة، أحرقوا المسجد، لصوص ومخربون ويشكون ويبكون إن هاجمهم أطفالنا؟!»

كتاب «هتاف المجد»

• «ما كانت قط قلوب أقوى ولا أطهر من قلوبنا، ولا كانت سيوف أحدُّ ولا أمضى من سيوفنا، ولا كان مجد أعظم من مجدنا، ولا تاريخ أحفل بالنصر والنبل من تاريخنا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 24

• «نحن لا نبغي عدواناً، ولا نطلب باطلاً، إننا نطلب الحق، وسنحارب إن لم نعط الحق. نحن نحارب لا بغياً ولا ظلماً فلا ينصر الله ظالماً، ولكن دفاعاً عن أنفسنا وعن الحق. نحن نحارب دفاعاً عن كرامة الإنسان».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 28

• «يا أيها العرب في كل أرض، يا أيها المسلمون تحت كل نجم، يا أيها الرجال، يا أيتها النساء، لقد أزفت ساعة المعركة الفاصلة، فليحمل كل رجل منكم وكل امرأة فيكم نصيبه منها، واعلموا أن الظفر لكم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 29

• «إنها معركة الخير والشر قد عادت، ونحن أبداً حملة لواء الخير في الدنيا، ونحن حماة الحق في الأرض، ما أضعنا الأمانة التي وضعها على عواتقنا خمسة ملايين من شهدائنا نثرناهم على الأرض خلال قرون».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

• «لقد هببنا لنطهر بلادنا من اللصوص، ولنعيد بناء دارنا، ونرفع عليها لواء مجدنا، ونسترجع تحت الشمس مكاننا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

• «ما سمعت أذن الزمان تاريخاً أحفل منه بالمفاخر، وأعنى بالنصر، وأملأ بالأمجاد، ووالله الذي جعل العزة للمؤمنين وجعل الذلة لليهود.. لنكتُبَنَّ هذا التاريخ مرةً ثانية، ولنَتلُوَنَّ على الدنيا سفْر مجدٍ ينسي ما كتب الجدود».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

• «يا أيها المجاهدون في كل مكان اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 29

• «لا تجزعوا أن استيأس فيكم ثعلب أو استنسر بغاث، ولا تخافوا إن كان للإسلام عدو يتربص به وبأهله ريب المنون، ينكل بهم وينالهم بكل مكروهة من لسانه ويده، لا، ولا تخافوا إن بغى المستعمر، أو غدرت إسرائيل، أو ضاعت فلسطين، وكان ما نشكو منه ونتألم، فما هي بأولى المحن التي مرت علينا -نحن المسلمين- إنها واحدة مما ألفنا من النوب وعرفنا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 31

• «كم ممن ظهر واختفى، وولد ومات، والإسلام هو الإسلام، ما ازداد إلا قوة وأبداً».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 32

• «لا تخافوا، فو الله لا الفرنسيون ولا آل صهيون، ولا دول الأرض كلها تستطيع أن تبيد شعباً عربياً مسلماً، أو تذله فتسلبه عزة نفسه وقوة إيمانه».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 36

• «الإسلام في ذاته قوة لا يحتاج إلى قوة أتباعه ليؤيده بها، بل هو الذي يؤيدهم بقوته فينصرونه».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 39

• «الإسلام ينتشر اليوم بنفسه في أرقى ممالك أوربة، وفي أحط بقاع أفريقيا، والمبشرون لم يستطيعوا أن يدخلوا في النصرانية (مسلماً واحداً) إنهم يجمعون الجهلة الذين لا يعرفون ما الإسلام.. ثم يلقون عليهم عجائب المسيح، فإذا وصلوا إلى موضع المعجزة صاحوا بلسان واحد متعجبين: الله أكبر، لا إله إلا الله».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 39

• «هل عرفتم الصواعق المنقضة؟ هل رأيتم الصخور المنحطة من أعالي الجبال؟ والسيول الجارفة؟ والبركان الهائج، و... كل ما في الكون من قوة؟ إنها لن تصد غضبة المسلم إذا كانت لله ولمحارمه ولدينه... وهل يخيف الموت رجلاً يطلب الموت؟؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 40

• «إنّ سر قوة هذا الشعب، إنما هي عقيدة القضاء والقدر على الوجه الإسلامي الصحيح».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 40

• «إنّ قضية فلسطين قضية حق، لا يستطيع منصف في الدنيا إلا أن يكون معها، وهل فيها منصف واحد؟!»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

• «أين حقوق الإنسان التي أعلنوها، أين الوعود التي قطعوها على أنفسهم في الحرب الماضية؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 60

• «ماذا يريد منا هؤلاء؟ وإلى متى يظنون أننا نستطيع أن نصبر؟ إلى متى نصبر ونحن نرى بلادنا في أيدي عدونا؟ ونرى رجالاً مصرعين على أرضنا، ونرى معابدنا قد غدت مثابة للفجور؟ ومقابر أجدادنا أضحت ملاعب الخيل؟.. إلى متى نصبر؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

• «يا أيها العرب، إنّ الحق ما قاله فارس الخوري أن مشكلة فلسطين لا تحل في أروقة مجلس الأمن، ولكن على ثرى فلسطين».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

• «يا أيها العرب إني لا أخشى شيئاً كما أخشى أن تنسوا قضية فلسطين ولن تنسوها إن شاء الله».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

• «لا تيأسوا، إن المستقبل لنا، وسنسترد فلسطين، سنستردها، والله الذي لا إله إلا هو، كما استرددناها من قبل، ممن كانوا أقوى وكانوا أغنى، وكانوا أكثر من الصليبيين، استرددنا القدس بعدما بقيت في أيديهم نحواً من مائة سنة».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 62

• «في كل شبر من فلسطين بقعة حمراء من أثر الدم الذكي، دم الشهداء الذين سقطوا صرعى دفاعاً عن بيوتهم وقريتهم، وعن شرفهم ودينهم، ودم النساء والأطفال الذين ذبحهم اليهود».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 65

• «بيوتنا التي عمرناها بأيدينا، أقام فيها اليهود، وفُرشنا التي فرشها لنا نساؤنا نام عليها اليهود».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 65

• «نحن العرب، نحن المسلمين، نحن أبناء من فتحوا الدنيا، نحن سلائل الأبطال الأماجيد».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 72

• «إن لكل أمة يوم عز، تستفرغ فيها قوتها، وتستنفذ طاقتها، ثم تعود إلى خمولها.. لكل أمة يوم واحد ثم تنام إلا هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 73

• «هل في الدنيا رجل يحترم رجولته، وإنسان يقدر إنسانيته، يقر منطق الصهيونية وأنصارها، يا صاحب الدار: إني أريد أن أسكن في دارك، فاخرج منها وتنازل لي عنها، وإلا ذبحتك وذبحت أولادك!! »

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

• «الحق معنا، ولكن سنة الله في هذا الدنيا أنّ الحق إن لم تكن معه القوة سطا عليه الباطل حيناً، وللباطل جولة ثم يضمحل، ونحن لما تركنا سنة الله، ولم نحمِ حقنا بقوتنا كان ما كان في فلسطين».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

• «إننا ما غُلبنا في فلسطين، وإنما غلبت فينا خلائق غريبة عنا، خلائق قبسها بعض رجالنا من أعدائنا، خلائق التفرق والتردد وموالاة الأجنبي، هذه هي خلائق الهزيمة».

كتاب «هتاف المجد»

• «كانت القدس في أيدي الصليبيين المستعمرين، كانت في أيديهم لا من شهر ولا شهرين، ولا من سنة ولا من سنتين، بل لقد بقيت في أيديهم نحواً من مئة سنة».

كتاب «هتاف المجد»

• «بقيت القدس في أيديهم مئة سنة لو مرت على غير المسلمين ليئسوا منها، ولكن المسلم لا يعرف اليأس، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».

كتاب «هتاف المجد»

• «اسألوا قوم بلفور كم من حق فلسطين سلب، سلوا قوم بلفور كم من دم أُريق، سلوهم كم من نفوس أزهقت، كم من أرواح ذهبت، كم من ولد أصيب، وهو على يد أمه، وكم من أم أصيبت وفم صبيها على ثديها، فرضع منها مكان اللبن دماً».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 50

• «سلوا أدعياء الديمقراطية، أكانت فلسطين ملك بلفور، بالسجل العقاري، قد شراها بمال، أو ورثها عن أبيه حتى يتصرف فيها هبة ووعداً!!.. لكن لا، لا تسألوهم ولا تكلموهم، بل اعتمدوا على ربكم ثم على أنفسكم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 51

• «إنّ أبطال الرياضة يا سادة إذا لم يتدربوا، قبل أن يدخلوا المباريات المتعبة تذهب قوتهم، ونحن المسلمين أبطال البشر، وكلما بعد عهدنا بالتدريب كتب الله علينا دورة تدريبية جديدة، وكلما انقضت مباراة جاءت مباراة أشد منها».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 51

• «لا تشكوا في النصر، فإنّ النصر لكم إن كنتم مع الله، إن أقمتم دينه، وإن حكمتم شرعه».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 52

• «أنا لا أخشى قوة اليهود ولكن أخشى تخاذل المسلمين، إنّ اليهود ما أخذوا الذي أخذوه بقوتهم ولكن بإهمالنا، إنّ إهمال القوي هو الذي يقوي الضعيف».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 53

• «إنّ هذه الدول لا يمكن أن تدوم، لا يمكن أن يعيش مليون يهودي في أرض مقتطعة من بلاد فيها خمسمائة مليون».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

• «لن يكون صلح أبداً، أبداً.. واللسان الذي يتكلم في الصلح يقطع، واليد التي تمتد للصلح تبتر، لا صلح أو يعود الحق إلى نصابه والوطن إلى أصحابه».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

• «إنّ قضية يؤمن بها ويدافع عنها ألف شخص لا تموت، فهل تموت قضية فلسطين وقلوب خمسمائة مليون إنسان تخفق بذكرها من العرب المسلمين، والمسلمين غير العرب، والعرب غير المسلمين، من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب، من الصين والملايا إلى الجاليات الإسلامية في باريز ولندن ونيويورك وبونس آيريس؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

• «إنّ روح البطولة لا تذهب من نفوس المسلمين إلا إذا ذهبت أرواحهم، إنّ محمداً –صلى الله عليه وسلم- قد جعل كل واحد من أمته بطلاً على رغم أنفه».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 55

• «يا أيها الناس استعدوا وأعدوا للعدو ما استطعتم من قوة، وكونوا أبداً على حذر، ولكن لا تيأسوا ولا تتشاءموا، فإننا ماشون إلى الأمام».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 56

• «إنّ البلاد الإسلامية كلها، تنسى إذا ذكرت فلسطين قضاياها، لأنّ قضية فلسطين هي القضية الأولى لكل قطر مسلم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 57

• «انظروا هل التقى عربي ويهودي، إلا كانت العزة للعربي والذل والمسكنة لليهودي، هل كان من العرب لهم إلا النبل والشرف والوفاء».

كتاب «هتاف المجد»

• «لماذا يصير الحق باطلاً إن كان في يدنا؟ لماذا تصير الجريمة مكرمة وعدلاً إن كانت علينا؟ لماذا تصير السيئات حسنات إن كانت السيئة إلينا؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 60

• «إنّ الدنيا مقبلة على غمرات سود، ومرتقبة أحداثاً جساماً، وستكون معركة لا يخرج منها إلا البطل، فيا أيها العرب: تيقظوا وتنبهوا وثقوا بربكم وعودوا إلى خلائقكم، واعرفوا أقداركم، واعتمدوا على نفوسكم، وأيقنوا إن فعلتم أنكم منصورون منصورون منصورون... يستحيل أن تغلبكم كلاب يهود».

كتاب «هتاف المجد»

• «(الله أكبر) هذا هو هتافنا في حربنا، ونداؤنا لصلاتنا، ودعاؤنا بين يدي ربنا، فكونوا مع الله، ولا تخشوا شيئا، لأنّ (الله أكبر) من اليهود وممن يشد أزرها».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 83

• «إن كنتم مؤمنين بأنكم تدافعون عن حقكم، فلن يغلبكم أحد».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

• «إنه ليس على ظهر الأرض شعب كهذا الشعب الذي صبّ محمد -صلى الله عليه وسلم- البطولة في أعصابه، حتى لا يكون المرء عربياً ولا يكون مسلماً حتى يكون بطلاً».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

• «قبل حرب الميدان، يجب الحرب بالعلم، والأخلاق، وبالدستور الاقتصادي الصحيح، وأعدوا لهم كل أنواع القوة: قوة الجسم، وقوة العقل، وقوة القلب، وقوة المال، وقوة الجيش».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 85

• «لا تخافوا سلاحهم فإنّ أجدادنا ما حاربوا الأبيض والأسود، ولا فتحوا الشرق والغرب، ولا ملكوا ثلثي العالم المتمدن في ثلثي قرن،لأنّ سلاحهم أمضى، أو لأنّ عددهم أكثر، ما انتصروا إلا بالإيمان... الإيمان بالله، الإيمان بالظفر، الإيمان بأنّ الحق معهم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

• «هل لأمة مثل مالنا من الحزم والعزم، وركوب الفلوات، وافتتاح اللجج، والضرب في الأرض».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 89

• «أفعيينا (معشر العرب) أن نتقلد السلاح ونرجع أمجاد الأجداد؟ أتعجزنا حرب إسرائيل؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

• «أهؤلاء الزعانف أوباش الأمم، أم دول أوروبة لما رمتنا عن قوس واحدة أيام الصليبين؟ أهؤلاء أم سيول التتار، لما قادهم إلينا هولاكو فحطوا علينا حط الجراد ؟ أهذه (الدويلة)... أم دول الصليبيين التي شاخت في أرضنا إذ عاشت فيها أكثر من مئة سنة؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

• «أما ترون شباب فلسطين، طلاب الجامعة، تلاميذ المدارس، عمال المصانع، يزلزلون الأرض! إنهم لا يحفلون جندها، ولا يبالون سلاحها، ولا يخشون حديدها ونارها.. إنّ هاهنا شعباً يريد أن يموت ليحيا وطنه، فهل تستطيع إسرائيل أن تبيد الشعب كله؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

•«يا أيه الحاكمون في بلاد العرب؟ لا تطفئوا هذه الحماسة، لا تزهقوا هذه الروح».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

• «أما نصرنا الله في أيام أشد من هذه الأيام؟ أضاعت ثقتنا بالله ثم بأنفسنا وبماضينا وبأمجادنا؟ ألا ترونها تتلظى في العروق الدماء وتتفجر في الرؤوس الحماسة؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

• «إلى السلاح - يا عرب، إلى السلاح - فنحن في حرب ما بقي في فلسطين يهودي واحد. إلى السلاح - فنحن في حرب ما بقي في بلد إسلامي معتد واحد. إلى السلاح- يا عرب، إلى السلاح جميعاً، إلى الحرب، وإن فقدتم السلاح فحاربوا بالعصي، وحاربوا بأيديكم، واطلبوا الموت يعجزوا عنكم، لأنهم لا يستطيعون أن يقتلوا ملاييناً تريد الموت».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 91

• « فإذا كنتم مؤمنين بأنكم تدافعون عن حقكم فلن يغلبكم أحد».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

• «الطريق الذي يوصل وحده، إلى استعادة الحق المسلوب، والنصر الضائع، طريق المعركة الحمراء، التي لا يظفر فيها إلا من حمل سلاحين، سلاح الإيمان في قلبه وسلاح البارود في يده».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 93

• «إن اليهودي يقاتل حينما يكون في قلعة حصينة، أو دبابة متينة يستر جنبه بالحجارة والحديد، كما قال تعالى: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

• «يجب أن تعرفوا وتؤمنوا أنه لم يغلبنا اليهود على فلسطين ومتى كان اليهود يغلبون المسلمين! »

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

• «لم ننهزم نحن، وهل حاربنا حتى ننهزم، إنما انهزمت فينا الأخلاق التي استوردناها من بلاد غيرنا وتركنا لأجلها سلائق عروبتنا وأخلاق ديننا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

• «إن كل حق لا يؤيده فم المدفع حق معرّض للاغتصاب».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 95

• «احمدوا الله على أنّ فينا اليوم حكومات منا ولنا إذا نادت وجدت في الشعب المصغي، وإذا نادى الشعب وجد منها الاستجابة».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 95

• «هل تظنون أنّ أمة هؤلاء أطفالها تعجز عن أن تنال استقلالها بأيديها؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 96

• «لقد غلبنا فرنسا في معارك استمرت سنتين فهل نعجز عن حرب يهود».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 96

• «لقد طلع الفجر وأبصرنا الطريق ولن نرجع إلى ظلام الليل، لقد عرفنا أنه لا يُحتَرم إلا حق القوي، فإلى القوة».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 97

• «سلاح الإيمان في قلوبكم وسلاح الأخلاق والعلم والمال، والله معكم إن تنصروا الله بأموالكم وأنفسكم ينصركم ويثبت أقدامكم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 97

• «أنتم الغالبون ما كنتم مع الله، والنصر لكم ما نصرتم الله وحاربتم لإعلاء كلمة الله»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

• «سيصاب منا رجال ورجال، وستخرب لنا دور ودور، وسيأخذ العدو مناطق من أرضنا ومناطق، هذه هي الحرب لكن هذا كله لا يفت في أعضادنا، ولا يدخل الضعف على قلوبنا».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

• «لقد محيت بولونيا من خريطة أوربا مرات ثم أعادتها عزائم أبنائها».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

• «يا أيها الناس دعوا اللهو والترف ودعوا الخلاف والنزاع، وكونوا جميعاً جنود الله في المعركة الحمراء، فهذه بشائر قد بدت لكم، وهذا هو فجر يومكم الجديد قد انبلج فاصبروا فالنصر لكم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200]»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

• «اعلموا أنّ أجدادكم ما فتحوا الدنيا ولا حازوا الأرض بكثرة عددهم ولا بمضاء سلاحهم، فأعداؤهم كانوا أكثر عدداً، وأمضى سلاحاً، بل لأنهم كانوا مع الله فكان الله معهم».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

• «إنّ في بلادنا (أعني بلاد العرب) كل ضروري فلا نفقد بهذه المقاطعة إلا قليلاً من وسائل الترف، مما يضر ولا ينفع».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 118

• «يا أيها العرب إذا لم تعطوا الحق إلا بالحرب.. حرب الكلام، وحرب الحسام، وحرب الاقتصاد، فنحن وراءكم، ونحن أمامكم، ونحن معكم، حتى نطهر فلسطين من كل رجس صهيوني».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 119

•«أتأكلون وتشربون، وتلعبون وتطربون، وأهل فلسطين يموتون؟»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 166

 

قضايا اجتماعية:

• «لا؛ لا يصح أن يبنى الزواج على الحب وحده إلا إن صح أن تبنى العمارة الضخمة على أساس من الملح، في مجرى الماء».

كتاب «مع الناس»، ص. 54

• «إنما يبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة المالية، وبعد هذا كله تأتي العاطفة».

كتاب «مع الناس»، ص. 54

• «إنّ الشباب مختلفون غنى وفقراً، وثقافة وجهلاً، وتقىً وتساهلاً، وجداً وهزلاً، وفي كل صنف من هؤلاء مثيله من البنات ولو أنّ كل شاب يريد الزواج خطب من تماثله في تفكيره ووضعه الاجتماعي، لما كان عشر هذا الاختلاف الزوجي الذي نراه اليوم».

كتاب «مع الناس»، ص. 86

• «المهر شيء لازم، أما الشيء الذي ليس بلازم ولا مطلوب، والذي يمنع الزواج حقاً ويصعب ويعرقل مسيره فهو هذه العادات السيئة المتبعة».

كتاب «مع الناس»، ص. 90

• «إنه لا يصلح ما نشكو من الفساد إلا تسهيل الزواج، ومن يفعل يكن عاملاً لمكرمة وفضيلة، ويكون قائما بطاعة الله وخدمة الوطن».

كتاب «مع الناس»، ص. 92

• «يا من عنده بنات لا تردوا الخاطب الصالح إذا جاءكم ولا ترهقوه بالمطالب».

كتاب «مع الناس»، ص. 93

• «يا أيها الشباب عجلوا بالزواج فإنكم لا تطيعون الله بعد إتيان الفرائض وترك المحرمات بأفضل من الزواج، يا أرباب الأقلام، ويا أصحاب المنابر، اجعلوا الزواج من أول ما تعملون له وتسعون لتيسيره، والله يوفقكم ويجزل ثوابها».

كتاب «مع الناس»، ص. 93

 

السعادة:

• «يفتش عنها الناس ويبحث عنها الفلاسفة، ويهيم بها الأدباء، وهي تحت أيديهم، كالذي يفتش عن نظاراته في كل مكان، ويسأل عنها في الدار كل إنسان، والنظارات على عينيه!! إنها السعادة بالرضا والإيمان».

كتاب «مع الناس»، ص. 61

• «إنّ لذات الدنيا مثل السراب، ألا تعرفون السراب؟. تراه من بعيد غديراً، فإذا جئته لم تجد إلا الصحراء. فهو ماء ولكن من بعيد..»

كتاب «صور وخواطر»، ص. 10

• «وجدت ما تزاحم الناس عليه من متع هذه الدنيا مثل السراب يظن من بعيد لذة، فمن قاربها ووصل إليها لم يلق فيها المتعة التي كان يتصورها».‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 63

• «لماذا يبكي الشيخ على شبابه ولا يضحك الشاب لصباه؟»

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

• «لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا ولا نبصرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو متشحة بضباب المستقبل؟»

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

• «كل يبكي ماضيه، ويحن إليه، فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضياً؟»

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

• «إناّ نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تقدرون ثمن الصحة؟ أما للصحة ثمن؟».

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

• «ملاك الأمر كله ورأسه الإيمان، الإيمان يشبع الجائع ويدفئ المقرور، ويغني الفقير، ويسلي المحزون، ويقوي الضعيف، ويسخي الشحيح. ويجعل للإنسان من وحشته أنساً، ومن خيبته نجاحاً... »

كتاب «صور وخواطر»، ص. 19

• «إنكم سعداء ولكن لا تدرون. سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها، سعداء إن سددتم آذانكم عن صوت الديك ولم تطلبوا المستحيل فتحاولوا سد فمه عنكم، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم».

كتاب «صور وخواطر»، ص. 20

• «كل شيء بقدر الله والله قسم للعبد سعادته وشقائه ورزقه وعمره، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوّتك».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 38

• «الحياة الدنيا كلها، ماذا يبقى منها إن رفع الإيمان؟ أحزانها تنسى، وأفراحها تفقد، وكل شيء فيها إلى زوال».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 64

• «إن لهذه الحياة غاية. فإذا لم تفهم غايتها صارت عذاباً لنا قبل عذاب الآخرة، وما غايتها إلا الاتصال بالله ومعرفته والاتصال بالحياة الثانية ﮋوما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونﮊ.

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 65

 

المسلم:

• «المسلم من علم أن الإسلام لا يشبه الأديان ولا يقاس عليها، لأنه دين وشريعة وسياسة وأخلاق».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 23

• «ليس في الدنيا عمل لا يدخل فيه الإسلام ويبين فيه حكم الله».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 23

• «المسلم (من علم) أن الشريعة الإسلامية أغنى الشرائع؛ وأنها أسمن وأجمع وأحكم من القانون الروماني، الذي اقتبست منه كل قوانين أوروبة».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 34

• «الإسلام لا يعارض العلم الصحيح، ولا الفن النافع ولا الحضارة الخيرة، وإنه دين سهل رحب مرن».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 35

• «ديننا أيمان وعقائد، وإسلام وعبادات وإحسان وأخلاق، وسياسة وشريعة، له في كل جانب مصباح يضيء ومنار يهدي».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 44

• «لا تقولوا للعلماء رجال الدين، ولا تحملوهم وحدهم واجبات الدين، فإن رجال الدين هم كافة المسلمين».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 47

• «إن الرابطة الإسلامية رابطة ﮋإنما المؤمنون إخوة ﮊ معجزة من أعظم معجزات الإسلام».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 48

• «يا شباب المسلمين تخلقوا بأخلاق الإسلام وانشروها بين الناس وأنقذوا بها العالم».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 60

 

الأخلاق:

• «ابدؤوا بإصلاح الأخلاق فإنها أول الطريق».

كتاب «مع الناس»، ص. 76

• «متى يجيء اليوم الذي نتكلم فيه كلام الشرف، ونعد وعد الصدق، وتقوم حياتنا على التواصي بالحق».

كتاب «مع الناس»، ص. 76

• «من علم الغربيين هذه الفضائل إلا نحن؟ من أين قبسوا هذه الأنوار التي سطعت بها حضارتهم؟ ألم يأخذوها منا؟»

كتاب «مع الناس»، ص. 72

• «لقد انقضى ذلك العهد الذي كان الموظف فيه مسؤولاً أمام رئيسه، وأصبحنا اليوم وكلنا مسؤولون أمام الأمة والتاريخ».

كتاب «مع الناس»، ص. 70

• «اكفروا بالغرب وعودوا بوجوهكم إلى الشرق، عودوا إلى سلائق العرب، ففي العرب الوفاء والفضيلة والنجدة والإباء والشرف».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

• «عودوا إلى آداب الإسلام ففي الإسلام الخير والعدل والحق والنصر والمجد».

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

• «متى صلحت أخلاقنا، وعاد لجوهرنا العربي صفاؤه وطهره، وغسلت عنه الأدران، استعدنا فلسطين، وأعدنا ملك الجدود».

كتاب «مع الناس»، ص. 76

• «وعد شرقي؟ أليس عجيباً أن صار اسم الوعد الشرقي علماً على الوعود الكاذبة، واسم الوعد الغربي علماً على الوعد الصادق؟»

كتاب «مع الناس»، ص. 72

• «أولم يجعل الإسلام إخلاف الوعد من علامات النفاق؟»

كتاب «مع الناس»، ص. 73

• «لماذا يبطل الحج إن وصل الحاج إلى عرفات بعد فجر يوم النحر بخمس دقائق، أليس لأن الحاج قد أخلف الموعد!.. لماذا يبطل الصوم إن أفطر الصائم قبل المغرب بخمس دقائق، أليس - والله أعلم - لتعليمه الدقة والضبط والوفاء بالوعد؟».

كتاب «مع الناس»، ص. 73

• «المراد أن نتعود النظام والضبط في أعمالنا كلها، وألا نصاب بطاعون التأجيل والتسويف وإخلاف المواعيد».

كتاب « مع الناس»، ص. 50

• «إنّ الذي لا يقفز إلى الفريسة تقفز منه، ومن لا يغتنم الفرصة في وقتها لا يجدها، والذي يؤجل ما يجب عليه، لا يقدر أن يؤديه كاملاً».

كتاب «مع الناس»، ص. 50

• «يا من يعلم أنّ بعد الدنيا آخرة، وأنّ بعد الحياة موتاً، وألا بد من وقفة للحساب ومشية على الصراط، تب من الآن ولا تؤجل التوبة إلى غد».

كتاب «مع الناس»، ص. 51

• «من تاب من ذنب وهو لا يزال مقيماً عليه أو يفكر في أن يعود إليه، فهذا كالمستهزئ بربه والعياذ بالله».

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 38

• «بالشكر تدوم النعم، وبالإخلاص تبقى الأمم، وبالمعاصي تبيد وتهلك».

كتاب «مع الناس»، ص. 99

• «إن كل غني يستطيع أن يتصدق بالكثير. ولكن غني القلب بالإنسانية والنبل والحب، هو الذي يستطيع أن يتصدق مع المال، بالعاطفة المنعشة».

كتاب «صور وخواطر»، ص. 23

• «إذا شئتم أن تذوقوا أجمل لذائذ الدنيا، وأحلى أفراح القلوب، فجودوا بالحب وبالعواطف كما تجودون بالمال».

كتاب «صور وخواطر»، ص. 26

 

الرحيل:

قال حفيدة مجاهد عن آخر أيام شيخنا الحبيب علي الطنطاوي: (وبات الشيخ في - في آخر أيامه- ينسى بعضاً من شؤون حياته ؛ فيصلي الصلاة مرتين خشية أن يكون نسيها، ولكن الله منّ عليه وأكرمه بأن حفظ له توقد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم من حياته. وصار يتورع من الفتوى خشية الزلل والنسيان، وكان حتى الشهر الذي توفي فيه تفتح بين يديه القصيدة لم يرها منذ عشرات السنين فيُتم أبياتها ويبين غامضها،وربما اختلُف في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول هي كذلك، فنفتح القاموس المحيط -وهو إلى جواره، بقي كذلك حتى آخر يوم - فإذا هي كما قال.

 

فلما كانت آخر السنوات تعب قلبه الكبير فأدخل المستشفى مراراً، فصار يتنقل بين البيت والمستشفى، حتى فاضت روحه لبارئها بعد عشاء يوم الجمعة، الثامن عشر من حزيران، عام (1999م) في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجدة، ودفن في مكة في اليوم التالي بعدما صُلي عليه في الحرم المكيّ الشريف.

 

اللهم ارحمه برحمتك رحمة واسعة ، اللهم اغفر له وأحسن إليه حيث هو، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ، آمين يا رب العالمين.

 

الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي في ذمة الله [6]:

لقد مات علي الطنطاوي، ألا تريد أن تكتب كلمة في الرجل؟ .... كيف لا؛ وهل مثل علي الطنطاوي من يُتجاهل؟ إن الكتابة عنه كتابة عن الإسلام بشموخه ومحنته في بلدي. وإذا تطلبت شخصية تجمع بين الاعتزاز بماضينا التليد، والإيمان بأن الإسلام لنا ماض وحاضر ومستقبل فدونك علي الطنطاوي. وإذا كنت ممن يعتقد أن رسالة هذه الأمة أوسع من المدى الذي زواها وحاصرها فيه أدعياء القومية الجاهلية وفروخ المدارس التنصيرية، وتريد من يعرب عما في خاطرك ويفصح عما وراء لسانك فعليك بعلي الطنطاوي، فهو الأديب العربي المسلم الذي يرى العروبة دائرة في محيط الإسلام الواسع، ولا يمانع أن تكون هذه الدائرة مركزية؛ لا أن تكون العروبة أصلاً والإسلام فرعاً - شأن من أعمى الله بصائرهم، وأضروا بأمتهم أيما ضرر - أو أن يكون الإسلام أثراً أرضياً وامتداداً لجاهليات سومر وبابل وأوغاريت وعاد وثمود والفراعنة، مما يجهد شياطين الحفريات وتلامذتهم لاختراع مزايا ومحاسن لها، يربطون بينها بسياقات تبدو منطقية، كل ذلك من أجل أن يطمسوا كل أثر أنتجته الحضارة الإسلامية ويتجاوزه.

 

لقد كان علي الطنطاوي شخصية متعددة المناحي، غنية المشاركة، فقد عمل في سلك التعليم، والقضاء، والدعوة إلى الله بمعناها الواسع، وكان خطيباً مفوهاً، وكاتباً بليغاً ألمعياً، وصاحب نظرات ثاقبة في مجالات اجتماعية كثيرة، وكل جانب من جوانب حياته يتطلب كلاماً كثيراً لإبرازه وشرحه. وجملة القول فيه أنه كان مفخرة عربية إسلامية في أي أرض حل فيها، وصاحب حضور قوي إيجابي أينما توجه؛ فهو مفخرة للشام التي ولد فيها ونشأ وترعرع وتعلم، ومفخرة في مصر التي أقام فيها فترة ليست بالطويلة، ومفخرة في العراق التي رحل إليها فترة للتعليم، ومفخرة للسعودية التي عمل فيها قرابة الثلث الأخير من حياته، وكانت منفاه ومدفنه.

 

مجالان اثنان في حياة علي الطنطاوي يستهويني الإشارة إليهما والحديث عنهما وهما:

• علي الطنطاوي الأديب الملتزم.

 

• وعلي الطنطاوي الداعية الإسلامي الناجح.

 

أما المجال الأول فقد كان علي الطنطاوي كاتباً من الطراز الأول، رشيق العبارة، وصاحب أسلوب متميز، متأثر بأدباء العربية الكبار قدماء ومحدثين، ولكنه غير مقلد، بل هو نسيج وحده في اختيار الأسلوب السهل الممتنع. يمد ذلك ويزينه بديهة حاضرة وقدرة على تصريف القول حيثما اقتضت مجالاته. وهو إلى جانب موهبته وبديهته متمسك بأصوله، مستمد من دينه (البوصلة) التي توجهه، لا يرى الأدب مجالاً لدغدغة العواطف، وتحريض الشهوات، بل يراه سلاحاً لمحاربة الظلم بكل أشكاله: ظلم المستعمر الغريب، والظلم الاجتماعي المنتشر، وظلم الحاكم الذي يعمل من أجل كرسيه فقط.

 

ويعتقد أن أصحاب الأقلام يجب أن يكونوا أصحاب رسالة يعرفون الشعوب بحقوقها، ويتلون عليها أمجاد أمسها، لا لتخديرها، بل لاستنهاضها من واقعها البائس، ويذكرونها بأن الله خلقها حرة، فلا تذل لأحد كائناً من كان، ولا تخضع إلا لبارئها، وتحرض الناس على كراهية القوانين الأجنبية التي هي أثر من آثار الاستعمار البغيض، وتعرفهم أنهم أصحاب شرع أسمى من قوانين الأجانب، ومن العار أن يعيشوا عالة على أفكار الغرب ومفاهيمه. وأن من واجب أصحاب الأقلام أن يبصروا أهلهم بما هو أخطر من الاستعمار العلني، استعمار الجيوش، وهو استلاب الأفكار وتدجين الشعوب عن طريق إفسادها بالمصطلحات المخدرة مثل: التحرر، تحرير المرأة، والتطور، والمدنية..

 

ولهذا فمن الطبيعي أن لا يكون لعلي الطنطاوي ومن يرى رأيه في الأدب الذي يلتزم فيه صاحبه قضايا أمته الكبرى وينطلق منها، وعلى رأسها: دينها، وقرآنها، وتاريخها، ومفاخرها، نقول: لا يكون لعلي الطنطاوي مكان على مائدة العابثين من أدعياء الأدب ومشوهي العقول، فكيف تجتمع الفضيلة والرذيلة على مائدة واحدة، وكيف يلتقي السموق والانحطاط، والتميز والانضباع؟!.

 

أما مجال الدعوة الإسلامية فقد عاش علي الطنطاوي لها حياته، وسخر لها قلمه ولسانه ومواهبه، وكان بحق مجدداً في أساليبها، سواء في خطبه أو في أحاديثه الساحرة التي تخلب عقول مستمعيه، ونادى بتقريب لغة الوعظ والإرشاد إلى العقول والقلوب، والبعد عما صارت إليه من التصنع والتقعر الذي كان يبدو وكأنه نداء في صحراء لا سميع فيها، وطلب من الخطباء أن يطرقوا الموضوعات التي تعني الناس في حياتهم اليومية، وتحل مشاكلهم الناشئة من تعاملهم مع الواقع، وطبق ذلك بنفسه، فكانت خطبه وأحاديثه انعكاساً أميناً لذلك. فكان الناس ينتظرونها بفارغ الصبر، ويتداعون إلى حضورها من مسافات بعيدة، وهذا شيء معروف ومشهور ولا حاجة بنا إلى الإطالة فيه.

 

وعلي الطنطاوي يعتبر مدرسة في الجرأة في الحق والصراحة فيما يعتقده، لا يجامل على حساب عقيدته، وله مواقف مشهورة ستظل مشعلاً ومناراً لمن بعده، فقد عاش في فترة الانتداب الفرنسي، مجاهراً بكره الاستعمار وفضح أعوانه، داعياً إلى جهادهم بالمال والنفس، وفي فترة الاستقلال كان صوتاً قوياً يتصدى لدعاة الفساد والانحلال، ولدعاة العصبية الجاهلية التي اتخذتها الطوائف مظلة تحارب بها الإسلام الحق، وكان حرباً على الجمود والتقليد وخرافات الطرقيين الذين أساؤوا للإسلام ونفروا منه؛ وكان مصلحاً اجتماعياً يحذر من الشيوعية والاشتراكية في وقت مبكر وقد ذر قرنها، وقبل أن تطبق في بعض الأمصار الإسلامية، وتكون مثل ريح السموم لا تخلف وراءها إلا الدماء والهلاك، هاهو يكتب عام (1947م) - وكان في مصر - مقالاً بعنوان: «إنذار»، يقول فيه:

«لقد نشأت في الشام، وسِحت في البلاد، فرأيت في كل بلد أغنياء وفقراء، وسعداء وأشقياء، ولكن لم أر مثل الذي رأيت في مصر!.

 

فما هذا التفاوت بين البشر في مصر؟ ما هذا الوضع الذي يجعل من الناس واحداً يملك مليوناً؛ ومليوناً لا يملكون الواحد؟ وألفاً يشتغلون لرجل، والرجل لا يعمل عملاً؟ وإنساناً يظن نفسه من الغنى والكبر إلهاً؛ وأناسيَّ تحسب أنها من الفقر والضعة بهائم؟!.

 

متى كان هذا في طبع العربي؟ متى كان في شرع المسلم؟ متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ يا ناس، راقبوا الله، فإن هذا ظلم، والله لا يرضى لعباده الظلم، ولا يقرهم عليهم، ولكنه يمد للظالم ثم يأخذه، فاتقوا أخذة الله. يا ناس، اعقلوا، فإن هذا باب الشيوعية، فإن لم تغلقوه دخلت عليكم فأهلكتكم»....وقد كان!!.

 

وقد كانت له مواقف في عهد الوحدة، ذلك العهد الذي جلب عصر المخابرات بسوئها وتخريبها وتدميرها للضمائر والعقول قبل الأصقاع والدساكر والحقول؛ إلى مسرح السياسة العربية، فلم يكن يعبأ ببطش عبد الناصر ومخابراته، بل كان يقول حيث يعتقد أن السكوت عن قول الحق لا يقل سوءاً عن تزيين الباطل وتأييده.

 

في (7/7/1995م) ميلادية تناقلت وسائل الإعلام خبر تكريم رئيس الدولة التي ينتمي إليها علي الطنطاوي لشاعر فاسق داعر، ورافضي شعوبي مارق، حيث أضفوا عليه صفات عريضة، وادعوا له ما ليس فيه في عرس احتفالي مشهور، دعي إليه بعض فلول الشيوعية، ورموز الطائفية الحاقدين، وتفضل ذلك الرئيس بأن منح هذا الزنيم الأرعن، والطعان اللعان الفاحش البذيء؛ أرفع وسام في سورية، وهو وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، وأهداه قصراً (فيللا) في أنزه أحياء دمشق.

 

حين قرأت الخبر تساءلت: على ماذا تمنح الأوسمة وتهدر أموال الشعب؟ وأي استحقاق يستحقه هذا المطرد المذاد عن حياض الفضيلة والخلق الكريم؟ ثم تذكرت بأنه ليس بدعاً أن تهدر الأموال هكذا (هيل بلا كيل) [7] ، وتعطى لشاعر مداح هجاء، يقول اليوم ما ينقضه غداً، فهذه شنشنة معروفة عندنا - نحن العرب - وتذكرت أيضاً علي الطنطاوي، غير متأسف أن لا ينال تكريماً رسمياً في بلده، فهذا مما لا يفكر فيه ولا يطمح إليه الدعاة الصادقون إلى الله في هذا العصر، وخاصة في بلد مثل بلده، الذي تفتح أبوابه على مصاريعها لكل أفاك مأفون، ولكل شعوبي يغلي قلبه حقداً على الشام وأهل الشام، وتغلق في وجه المخلصين من أبنائه؛ ولكن لأن مثل علي الطنطاوي يحال بينه وبين العيش في البيت الذي لم ينله منحة من دولته التي تكرم من تكرم، بل بناه بجهده وسعيه، وأين؟! في دمشق التي ما تغنى بها مثل علي الطنطاوي، وما كتب في محاسنها وميزاتها ومفاخرها مثله، حتى ليظن الذي يقرأ ما كتبه الطنطاوي في دمشق أن الأرض -على سعتها- تتضامُّ، وتتداخل في بعضها لتكون دائرة صغيرة هي الغوطتان، ومركزها دمشق.

 

لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها وحتى سامها كل مفلس
فيما موت زر، إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن دهرك هازل

 

بل وأكثر من هذا، لا يكفي علي الطنطاوي أن يذاد عن بيته، في مدينته التي أحبها، وكتب فيها ما كتب، بل يجازى في شيبته التي شابها في كل ما يرفع الرأس، ويجلب المجد الشخص والجماعي؛ أن يقتل هذا النظام الذي يتشدق بالعروبة ورسالتها الخالدة ابنته غيلةً، وهي غريبة شريدة طريدة، فأية عروبة هذه، وأية رسالة خالدة التي تهان النساء في ظلها بالسجن والقتل وصنوف الإهانات الكثيرة الأخرى؟ إن العربي وهو في جاهليته كان يصون سلاحه عن قتل النساء حتى ولو هدفنا له في ساحة القتال؛ فضلاً عن أن يغتالهن غيلة! يا لله ولهذا الظلم غير المسبوق في تاريخ هذه البلاد.

 

إن مجال الكتابة عن علي الطنطاوي واسع، والأمل بالله كبير أن يتعدل ميل الأيام، ويكتب عنه بإنصاف، حين يرفع نير الخوف والقمع والعزل والتجهيل المتعمد عن سماء بلادي، وعسى أن يكون ذلك إن شاء الله قريباً، ويومئذ يفرح المؤمنون.

 

وعلي الطنطاوي قبل كل ذلك وبعده بشر، يخطئ، ويصيب، ولا ندعي له العصمة، ونحسب أنه عاش لمبادئه، ومات عليها، فنسأل الله له الرحمة والمغفرة، وللمسلمين الذين عاش لهم ودافع عن قضاياهم العصمة من الزلل والانتفاع بما ترك، وأن يبدلهم خيراً منه. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله. [8]



[1] على محمد الغريب مجلة الأسرة السعودية بتصرف

[2] جريدة الجزيرة السعودية

[3] هاشم محسن باصرة

[4] عابدة المؤيد العظم

[5] رواه البخاري (58)

[6] همام عبد الملك الشامي

[7] مثل في الشام من العامي الفصيح، ومعناه: العطاء بلا حساب.

[8] من مصادر الترجمة

• أحمد الجدع (معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين) الطبعة الأولى 1999، الجزء الثاني ص (800 ـ 805).

• علي الطنطاوي (ذكريات علي الطنطاوي، دار المنار للنشر، السعودية).

• مجلة الفيصل السعودية، العدد 158، ص (17).

• مجاهد مأمون ديرانية (علي الطنطاوي 1909 ـ 1999) دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 2001)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته
  • سيرة الشيخ علي الطنطاوي
  • علي الطنطاوي أديب الفقهاء
  • رثاء العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى (قصيدة)
  • عن ذكريات الشيخ الأديب علي الطنطاوي

مختارات من الشبكة

  • برنامج على مائدة الإفطار (22)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (21)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (20)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (19)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (18)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (17)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (16)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (15)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (14)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • برنامج على مائدة الإفطار (13)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
أبو أميرة - السعودية - مكة - 18-05-2020 12:29 AM

رحم الله شيخنا الجليل والمربي الفاضل الشيخ على الطنطاوي بواسع رحمته وغفرانه وأسكنه فسيح جنانه كان من خيرة الرجال والعلماء الأفذاذ الذين لن يجود الزمان بمثلهم كنت أحضر دروسه في المسجد الحرام مع والدي رحمه االله في منتصف السبعينيات الميلادية وكان الشيخ يسكن في أجياد بالقرب من الحرم وأحيانا يقيم دروس في منزله وكنا نحضر مع الوالد لهذه الدروس واستفدنا الكثير منها في أمور ديننا ودنيانا وكان رحمه الله متواضعا جدا وسمح الأخلاق والبشاشة لا تفارق وجهه وظللنا نواظب على حضور دروسه المباركة حتى انتقل الشيخ للعيش في مدينة جدة في بداية التسعيينات ميلادية وحزننا كثيرا عند سماعنا خبر وفاته رحمة الله عليه وغفرله ولوالديه ولكل أموات المسلمين.

2- سمعته عفو الخاطر فتعلق قلبي بحديثه
فايز عيسى محمد المحاسنة - الأردن 27-02-2014 04:43 AM

من منا يعرف الروافد التي شكلت حياته, ورسمت خريطته

كنت في صباي أتعلق بكل حديث يقرب من القران ويشرح

كلام الرحمن , فكان مما سمعته من  (الراديو)

حديثا من إذاعة المملكة العربية السعودية البرنامج العام سمعت صوتا ما سمعته من قبل فشدني

إليه وكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الصوت, كنت طالبا في الثانوية ,فقدرت الوقت الذي

قدم فيه البرنامج وكان تقريبا قبل صلاة العصر فعدت في اليوم التالي فوجدت الصوت نفسه ,فأخذت أتابع

أحاديث هذا الشيخ كل يوم, ثم أخذت أقرأ عنه ,وهكذا عرفت علما من أعلام أمة حبيبنا رسول الله

رحم الله هذا الرجل ,ونفع الله بعلمه أمة الإسلام.

1- لله دره
الداعية للطنطاوي بجنة الفردوس ‏‎:‎‏ تسنيم أم يوسف - الجزائر 30-04-2012 08:54 PM

لا والله.. لست أدري ما أقول وكيف أعلق؟ شيخي علي الطنطاوي؟؟ لله دره ولنا درره، رحمه ربي وأسكنه الفردوس الأعلى

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب