• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

عبد الوهاب المسيري والقضية الفلسطينية

بشار بكور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2012 ميلادي - 22/5/1433 هجري

الزيارات: 14470

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في أي بابة من بابات العلم، يُمكن للمرء أن يضعَ الأستاذَ الدكتور عبدالوهاب المسيري - رحمه الله تعالى؟[1].

 

إنها لحَيرة؛ فالمسيري قد ولَج - لأكثر من أربعة عقود، وبعزيمةٍ ماضيةٍ - أبوابًا وفنونًا من العلوم متعدِّدة؛ فهو شاعرٌ، وقَاصٌّ، وفيلسوف، وأستاذ للأدب المقارن، وناقد بصير، ومُفكر غواصٌّ في حقائق العلم والمعرفة، يعود بالجواهر والدُّرر، يضعها بين قرَّائه ومُحبِّيه، يستفيدون منها وتكون لهم علاجًا لأدواء وسموم فكريَّة كثيرة، مَبثوثة هنا وهناك.

 

إِذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ
مِنْ عِلْمِهِ غَرِقَتْ فِيهِ أَوَاخِرُهُ

 

والمسيري إلى هذا أيضًا مناضلٌ، شديد الشكيمة، لا يَلين للباطل وأهله، ولو كانوا من أبناء جِلدته، فقد كان رئيس حركة "كفاية" المعارضة لنظام حسني مبارك البائد، وسياسته الباغية في مصر.

 

من الموضوعات التي تَطرَّق إليها المسيري في كُتبه ومقالاته:

• إفاضة البيان حول العلمانية والحداثة، وأقسامهما وتأثيراتهما في المجتمع الغربي والعربي.

 

• المرأة[2].

 

• تفكيك الإنسان وتحويله إلى آلة أو شبه آلة في هذا العالم المادي، الذي أقصى الرُّوحَ وكلَّ ما يتَّصل بها بسببٍ.

 

• أمَّا كتاباته الأعمق غَورًا والأبقى وسمًا، فهي تلك الدراسات التي تناوَلت بالبحث والتحليل  الديانةَ اليهوديَّة، والحركة الصِّهْيونيَّة.

 

وأعظم أعماله على الإطلاق - من غير شكٍّ - كتابُه المُعجب الفريد، ذو الأجزاء الثمانية: "موسوعة اليهود واليهوديَّة والصِّهيونيَّة: نموذج تفسيري جديد"، (القاهرة: دار الشروق، 1999).

 

تشمل الموسوعة تاريخَ العبرانيين في العالم القديم، والجماعات اليهودية، وتَعْداداتها وتوزُّعاتها، وصفاتها الأساسيَّة، وهياكلها التنظيميَّة، وعلاقات أفراد الجماعات اليهوديَّة بالمجتمعات التي يوجدون فيها وبالدولة الصِّهْيونيَّة، وتُغطِّي كذلك أشهرَ الأعلام من اليهود وغير اليهود، ممن ارتبطَت أسماؤهم بتواريخ الجماعات اليهوديَّة، في معظم المراحل التاريخيَّة والمواقع الجغرافيَّة، والانتماءات الحضاريَّة.

 

كما تتناوَل هذه الموسوعة كلَّ الجوانب المتعلقة بتاريخ اليهوديَّة، وفِرَقها وكُتبها الدينيَّة، وطقوسها وشعائرها، وأزمتها في العصر الحديث، وعلاقتها بالصِّهيونيَّة وبمعاداة السامية، كما تُغطِّي الحركةَ الصهيونيَّة ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة الصِّهْيونية[3].

 

ومن كان لا يعلم، فليَعلم أنه في عام 1984 عندما بدأ المسيري في كتابة الموسوعة، تلقَّى خطابات تهديد بالقتل ثلاث عشرة مرة: ستًّا في الرياض؛ حيث كان يدرس في جامعة الملك سعود، وستًّا في القاهرة؛ حيث يُقيم، أمَّا الخطاب الثالث عشر، فقد جاءه بعد يومين من وصوله إلى القاهرة قادمًا من الرياض، وجاء فيه: "نحن نعلم أنَّك قد عُدتَ لتوِّك من الرياض، ونحن نُعدُّ لك قبرًا"[4]، وكان المرسل هو مائير كاهانا رئيس منظمة كاخ، باعترافه هو في حوار أجْرته معه صحيفة يديعوت أحرونوت[5].

 

تسعى هذه المقالة إلى عرْضٍ مُوجز لأهمِّ الآراء والأفكار التي تحدَّث عنها المسيري حول القضيَّة الفلسطينية والحركة الصِّهْيونيَّة:

 

الانتفاضة الفلسطينية:

اعتقَد اليهود - أو أُريد لهم أن يَعتقدوا - أن فلسطين - بعد أن يدخلوها أو يَقتحموها - ستكون بلا ريبٍ لقمةً سائغة، وجنة عَدن التي وُعدوا بها، وعلى عكس ما أمَّلوا، فقد غَدت فلسطين جحيمًا مُتسعرة، يَلفح وجوهَهم أُوارُها، وتُحرِّق جلودَهم نارُها الجامحة، وتدريجيًّا بدأ الإسرائيليون يشعرون بأنَّ انتصاراتهم العسكريَّة لا معنى لها، وأنها لَم تَنجح في تحقيق السلام أو الأمْن لهم، (فيما سمَّاه المؤرخ الإسرائيلي يعقوب تالمون: "عُقم الانتصار"، مُقتبسًا عبارة هيجل)، وأنهم خُدِعوا عندما صُوِّر لهم أنَّ عملية الاستيطان في فلسطين سهلة، وتدريجيًّا تَنامَى  إحساس بالورطة التاريخيَّة[6].

 

ولَم يَعُد خافيًا على مَن يُتابع الانتفاضةَ الفلسطينية المباركة، أنها أصبَحت المُؤرِّقَ الوحيد الذي يقضُّ مضاجعَ الإسرائيليين، يُحدِّثنا المسيري عن هذه الانتفاضة ومزاياها، وآثارها المزلزلة للكِيان الصِّهْيوني، فيقول على سبيل المثال عن الحجارة - الآلة المستعملة في الانتفاضة -: "إن اختيار الحجر سلاحًا، كان قمةً حقيقية في الإبداع، بل إنني أذهب إلى أنَّ النموذج الانتفاضي وصَل إلى قمَّة تَبَلْوُرِه في إلقاء الحجارة، وكلُّ شيء آخر في هذه الانتفاضة هو مجرَّد تنويع على إلقاء الحجارة"[7].

 

ويُضيف المسيري قائلاً: "ونحن إذا نظَرنا إلى الحجر، وجَدنا أنه يتَّسم بالصفات التالية:

• الحجر متوفِّر في كلِّ مكانٍ، ولا يُستورَد من الخارج.

 

• الحجر يمكن استخدامه عدَّة مرات، وربما إلى ما لانهاية؛ أي: إنه يُمكن تدويره.

 

• الحجر سلاح لا يُمكن نزعه أو مُصادرته.

 

• لا يتطلَّب استخدام الحجر دوراتٍ تدريبيَّة، أو حلقات تَوْعية.

 

• بوسع الإنسان أن يلقي بالحجر ويَفرَّ، فيَضمنَ لنفسه البقاء.

 

• يُسبِّب الحجرُ الألَم والأذى، ولكنَّه ليس مُدمِّرًا؛ ولذا فإن أمسَك العدوُّ برامي الحجر - خاصة في وجود وسائل الإعلام - فلن يُمكنه استخدام آلته العسكرية ضدَّه إلاَّ بحذرٍ شديد.

 

• لا يتطلَّب النِّضالُ بالحجارة عمليةَ تنظيم مركزيَّة أو قيادة قويَّة.

 

• يُمكن لكلِّ الناس من كلِّ الأعمار استخدامُ الحجر، وارتجال طريقة إلقائه بالطريقة التي تُريحهم، وتَضمن في ذات الوقت إصابةَ الهدف"[8].

 

وتَنتقل هذه الحرب التكتيكيَّة إلى التصعيد في المقاومة، وإلحاق الضرر والنِّكاية بالعدوِّ بصورة مختلفة عن الحجارة، فالانتفاضة "انتقَلت من المظاهرات الحاشدة وإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال في المراحل المبكرة، إلى المقاطعةِ لكلِّ ما هو إسرائيلي، ورفْضِ التعاون مع سلطات الاحتلال، وأخيرًا إلى إلقاء القنابل الحارقة وإشعال الحرائق في الغابات والمزارع الإسرائيليَّة"[9]. الآن صار انتقال من حرب الحجارة إلى حرب النار، فقد تَمَّ إحراق ما يزيد على مائة ألف دونم من الأراضي المزروعة، وقيمةُ ما احترَق تَقرب من خمسين مليون دولار أمريكي[10].

 

ومن الطريف ما ذكَره بعضهم للمسيري من أنَّ المناضلين الفلسطينيين كانوا يأخذون الحَمَام الذي في المزارع الإسرائيلية، ثم يُزودونه بـ"فلينة" تُشعل الحرائق، ويُطلقونه؛ ليعود إلى مكان إقامته؛ وذلك ليُشعل الحرائق في طريق العودة[11]؛ يقول موشيه بن أهارون، وزير الغابات الإسرائيلي: "إن إشعال الحرائق من أساليب الثائرين في الانتفاضة، ومع أنَّ هذا من الأمور المتوقعة في حروب الثائرين، إلاَّ أننا لَم نواجه مثل هذه الكارثة من قبلُ"[12].

 

يُعلِّق المسيري على هذا الكلام تعليقًا مهمًّا جدًّا؛ حيث يقول: "من أساطير الفلكلور السياسي العربي البروتوكولي عن الصهاينة، أنهم يعرفون كلَّ شيء عن شيءٍ، وأنَّ ملفاتهم دائمًا كاملة، وأن المُخطط الصِّهْيوني قد أُعدَّ بعد تخطيط دقيقٍ، وأنه يجري تنفيذُه بحذافيره، وكأننا دُمًى خشبية يُمسك بها الصهاينة، ولعلَّ الانتفاضة أثبتَت أنَّ الصهاينة لا يُمسكون بأي خيوطٍ، وأننا لسنا بالضرورة عرائسَ خشبيَّة"[13].

 

ومما استطاع المناضلون أن يُنجزوه: تحويل بعض المدن إلى مناطق متحرِّرة اقتصاديًّا واجتماعيًّا عن إسرائيل؛ بهدف كسْر طَوْق السيطرة الإسرائيليَّة، وتنمية الاعتماد على النفس[14].

 

ويتابع المسيري قائلاً: "وقد أجادَ المُنتفضون في الضفة والقطاع استعمالَ فنِّ التعبئة والإعلام، من خلال شبكة اتِّصال غير تقليديَّة بالمرة، فـ"الصفافير"، هي أداة المحرِّضين الاستخبارية، فعندما تظهر قوَّة عسكرية، ترتفع أصوات الصفير، حتى قبل أن يظهر الأشخاص الذين يُصفرون، وهكذا يقومون بإبلاغ بعضهم بعضًا حول دخول القوة العسكرية"[15].

 

أمَّا عن الآثار المدمِّرة للانتفاضة على المجتمع الإسرائيلي، فهي من الكثرة بمكان؛ منها: خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بما يتراوح بين 6 بالمائة إلى 8 بالمائة من إجمالي الناتج القومي.

 

كان قطاع السياحة أكثرَ تضرُّرًا، وصَلت نسبة العاطلين عن العمل عام 2001 إلى أكثر من 276 ألف شخص، وجاء في جريدة هآرتس (6 أكتوبر 2001) أنَّ عدد المرتادين على عيادات الأطباء زاد كثيرًا في الآونة الأخيرة، بسبب ما يُعانونه من ضغطٍ وتوتُّرٍ؛ جرَّاءَ الانتفاضة؛ كما ذكرَت يديعوت أحرنوت (14/2/2002) أنَّ شركات الأدوية أفادَت أن هناك ارتفاعًا بنسبة 50 بالمائة في استهلاك المُهدِّئات والمُسكِّنات[16].

 

بروتوكولات حُكماء صِهْيون:

مرَّت عقود كثيرة والناس يعتقدون أن "بروتوكولات حُكماء صِهْيون "، هي مجموعة محاضرات سياسية كُتِبت عام 1897 في بازل بسويسرا، في العام الذي عُقِد فيه المؤتمر الصِّهْيوني الأوَّل، والهدف منها وضْعُ خُطَّة مُحكمة؛ بُغيةَ إقامة إمبراطورية عالميَّة واقعة تحت سيطرة اليهود.

 

يرى الدكتور المسيري أنَّ هذه البروتوكولات المنشورة عام 1905، إن هي إلا وثيقة مُزيَّفة، وأنَّ الاعتقاد بصحَّتها يدخل فيما سمَّاه "الفكر البروتوكولي التآمُري"، ومن الواضح - يقول المسيري -: "أنَّ البروتوكولات نصٌّ روسي غير يهودي، بمعنى أنَّ مَن كتَبه يَنتمي إلى التشكيل الحضاري الروسي، وإلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة، كما ينتمي سياسيًّا إلى التشكيل السياسي الرجعي القيصري"[17].

 

وفي موضعٍ آخرَ يُبيِّن المسيري أنَّ الرأي السائد في الأوساط العلميَّة، التي درَست البروتوكولات دراسةً عميقة، أنَّها مُزورَّة، وأنَّ كاتبها استفادَ من كُتيِّب فرنسي، عنوانه "حوار في الجحيم بين ماكيافللي ومونتسيكو"، كتَبه صحفي اسمه موريس جولي، يَسخر فيه من نابليون الثالث[18]. وقد كشَفت جريدة التايمز اللندنية (الأعداد: 16/ 17/ 18 عام 1921)، أوجه الشبه بين الكتيِّب والبروتوكولات.

 

الصِّهْيونية:

يؤكِّد المسيري في غير موضعٍ من كُتبه ومقالاته، أنَّ الصِّهيونية في جوهرها: هي حركةٌ لتخليص أوروبا من الفائض البشري اليهودي (Jewish surplus)، عن طريق نقْله من أوروبا، وتوطينه في أي منطقة أخرى، وقد استقرَّ الرأي على أن تكون فلسطين هي هذه المنطقة؛ نظرًا لأهميَّتها الإستراتيجية، وارتباطها في الوجدان الغربي باليهود[19].

 

وهذا بالطبع يقودنا إلى سؤال مهمٍّ: هل الدولة الصِّهيونيَّة يهودية حقًّا؟

يُجيب المسيري بأنَّ "تصنيف الدولة الصهيونية باعتبارها دولةً يهودية يَنبع من مفهوم "الوحدة اليهودية العالمية"، فهو يَفترض أنَّ أعضاء الجماعات اليهوديَّة في العالم، يُشكِّلون وحدةً واحدة، اسمها الشعب اليهودي، وأنَّ هذا الشعب اليهودي اكتسَب هُويَّته من العقيدة اليهوديَّة التي لا تَكتمل شعائرها إلاَّ في أرض الميعاد، ولا يُمكن أن تتحقَّق هُويَّة هذا الشعب بشكلٍ ما، إلاَّ في هذه الأرض التي وعَد الإلهُ شعبَه المختار بها.

 

هذا التصوُّر يَجعل من طَرْدها للفلسطينيين واحتلال أراضيهم، مسألة تحرير للوطن القومي، يقوم بها المستوطنون العائدون، ويَجعل من الاستمرار في قتْل الفلسطينيين وتشريدهم عمليةَ دفاعٍ مشروع عن النفس، ويَجعل من مقاومة الاستعمار الاستيطاني الصِّهيوني عملاً إرهابيًّا"[20].

 

إنَّ التصاق الصِّهيونية باليهودية، من شأنه أن يُسبغ عليها نوعًا من الشرعيَّة، ويَضمن لها تأييدَ الرأي العام في الغرب، ويُضيف المسيري أنَّ مؤسس الحركة الصِّهيونية ثيودور هرتزل، لَم يَكترث كثيرًا باليهودية دينًا، بل كان يتعمَّد خرْقَ قواعدها وقوانينها، وهذا حال جلِّ الزعماء الصهاينة الأوائل[21].

 

أمَّا عن معنى كلمة "الصِّهيونية"، فيحدِّثنا المسيري عن أنَّ أحد الكُتَّاب الفكاهيين في إسرائيل ذهب إلى أنَّ كلمتي "زايونيزم Zionism" الصِّهيونية و"زومبي Zombie"، (وهو الميت الذي تُعاد له الحياة بعد أن تدخل جسدَه قوةٌ خارقة؛ ولذا يُمكنه الحركةُ، ولكنَّه لا يَستعيد القدرةَ على الكلام أو حرية الإرادة)، تَردان في نفس الصفحة من المعجم الإنجليزي، الأمر الذي يدل - حسب تصوُّره - على ترابُطهما، وأنَّ الصِّهيونية إن هي إلاَّ زومبي؛ أي: جسد متحرِّك؛ لا حياةَ فيه، ولا معنى له.

 

وهذا الكاتب الكوميدي لَم يُجانب الحقيقة كثيرًا، فهناك العديد من المستوطنات الفارغة، تَنعى مَن بناها، لا يسكن فيها أحدٌ، ويُطلَق عليها بالإنجليزية: دمي ستلمنت dummy settlement. وقد آثرَنا ترجمتها بعبارة "مستوطنات الأشباح"، أو "مستوطنات زومبي"، فهي جسد قائمٌ، لا حياةَ فيه[22].

 

ونظرًا لكلِّ هذه التطورات، أصبَحت كلمة "صِهْيونية" (تسيونوت بالعبرية)، تعني: كلامًا مُدَّعًا أحمقَ؛ (صحيفة جيروزاليم بوست، 26 أبريل - نيسان 1985)، وتَحمل أيضًا معنى "التباهي بالوطنية بشكل علَني مُبالَغ فيه"، وتدل على الاتِّصاف بالسذاجة الشديدة في حقل السياسة (صحيفة إيكونوميست، 21 يوليو - تمُّوز 1984، وكتاب برنارد أفيشاي "مأساة الصِّهيونية"، ص 26)[23].

 

نهاية إسرائيل:

إنَّ موضوع نهاية إسرائيل مُتجذِّر في الوجدان الصِّهيوني، فحتى قبل إنشاء الدولة، أدرَك كثيرٌ من الصهاينة أنَّ المشروع الصِّهيوني مشروع مستحيل، وأنَّ الحلم الصِّهيوني سيتحوَّل إلى كابوس[24].

 

ومع انتفاضة الأقصى تَحدَّثت الصحف الإسرائيليَّة عدة مرات عن موضوع نهاية إسرائيل؛ فقد نشرت جريدة يديعوت أحرونوت (27 يناير - كانون الثاني 2002)، مقالاً بعنوان: "يشترون شققًا في الخارج؛ تحسُّبًا لليوم الأسود"، اليوم الذي لا يحب الإسرائيليون أن يُفكِّروا فيه؛ أي: نهاية إسرائيل.

 

ويتكرَّر الحديث عن نهاية إسرائيل في مقال "لإيتان هابر" بعنوان "ليلة سعيدة أيها اليأس"، و"الكآبة تَكتنف إسرائيل"؛ (يديعوت أحرونوت 11 نوفمبر - تشرين الثاني 2001).

 

يُشير الكاتب إلى أنَّ الجيش الأمريكي كان مسلحًا بأحدث المعدات العسكرية، ومع هذا يتذكَّر الجميع صورة المروحيَّات الأمريكية تحوم فوق مقرِّ السفارة في "سايجون"، محاولةً إنقاذَ الأميركيين وعملائهم المحليين في حالة من الهلَع والخوف حتى الموت.

 

إنَّ الطائرة المروحية هي رمز الهزيمة والاستسلام، والهروب الجبان في الوقت المناسب، ثم يَستمر الكاتب نفسه في تفصيل الموقف: "إنَّ جيش الحُفاة في فيتنام الشمالية، قد هزَم المسلحين بأحدث الوسائل القتالية، ويَكمُن السر في أنَّ الرُّوح هي التي دفَعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار، الرُّوح تعنى المعنويَّات والتصميم والوعي بعدالة النَّهج، والإحساس بعدم وجود خيار آخر، وهو ما تَفتقده إسرائيل التي يَكتنفها اليأس"[25].

 

أمَّا أبراهام بورج، فيقول في مقال له (يديعوت أحرونوت، 29 أغسطس/ آب 2003): "إن نهاية المشروع الصِّهيوني على عتبات أبوابنا، وهناك فرصة حقيقية لأن يكون جيلُنا آخرَ جيلٍ صِهيوني".

 

قد تظل هناك دولة يهوديَّة، ولكنَّها ستكون شيئًا مختلفًا، غريبة وقبيحة؛ فدولة تَفتقد للعدالة لا يُمكن أن يُكتَب لها البقاء.

 

إنَّ بِنيَة الصِّهيونية التحتيَّة آخِذةٌ في التداعي، تمامًا مثل دار مناسبات رخيصة في القدس؛ حيث يستمر بعض المجانين في الرقص في الطابق العلوي، بينما تتهاوى الأعمدة في الطابق الأرضي"[26].

 

ثم أطلَّ الموضوع برأسه مُجدَّدًا في مقال ليرون لندن (يديعوت أحرونوت 27 نوفمبر - تشرين الثاني 2003) بعنوان "عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل"، وجاء فيه "في مؤتمر المناعة الاجتماعية الذي عُقِد هذا الأسبوع، عُلِم أنَّ معدَّلاً كبيرًا جدًّا من الإسرائيليين، يشكُّون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة، وهذه المُعطيات المُقلقة تدلُّ على أنَّ عقارب الساعة تقترب من الساعة 12؛ أي: لحظة النهاية، وهذا هو السبب في كثرة الخُطط السياسية التي تُولَد خارج الرَّحم العاقر للسلطة"[27].

 

وبالرغم من هذا الواقع، فإنَّ إسرائيل تسعى في إفهام الذين حولها أنها مثل "العقدة الشمشونيَّة"، فإذا استُفِزَّت وحُوصِرت، وضُيِّقتْ عليها السُّبلُ، فإنها لن تُبقي ولن تذَر، وكما يقولون: عليَّ وعلى أعدائي، تمامًا كما فعَل شمشون في الهيكل، ومثل ذلك ما يُسمَّى بأسطورة "ماساداه"، آخر قلعة يهودية سقَطت في أيدي الرومان أثناء التمرُّد اليهودي الأوَّل ضدَّ الإمبراطوريَّة الرومانية (77 - 70 ميلادية)؛ حيث يقال: إنَّ المحاربين اليهود المُحاصَرين، فضَّلوا الانتحار على الاستسلام للرومان[28].

 

إذًا؛ على العالم أن يَستنتج أنَّ نهاية إسرائيل إن تحقَّقت، فهي حتمًا نهاية للعالم، لكن من المعروف - كما يُبيِّن المسيري - "أنَّ القوات الإسرائيلية التي حُوصِرت في خطِّ بارليف - على سبيل المثال - اسْتَسْلمت بطريقة عمليَّة ورشيدة للغاية، على مَسمع ومرأى الصليب الأحمر الدولي والتلفزيون المصري، وفي أحد هذه المواقع سأل الجنود قادتهم بتهكُّمٍ، فيما إذا كان المطلوبُ هو القتالَ حتى الموت؛ لإقامة ماساداه ثانية، فأتاهم الردُّ بالاستسلام على أن يَبتسموا أمام عدسات التلفزيون المصري"[29].

 

وبعدُ، فهذا غيضٌ من فيض علم المسيري الباسق الشامخ، ولا يُمكن طبعًا لمثل هذه المقالة بمثل هذا الحجم، أن تؤدِّي إلى الناس فكرَه الثرَّ تَأْدِيةً تامَّة غير منقوصة؛ لكن كما يقال: يَكفيك من القلادة ما أحاطَ بالعُنق.

 

كان المسيري بحقٍّ  مقاتلاً من مقاتلة الفكر، وعقلاً من العقول النادرة في هذا العالم:

 

أَرَى الْعُلَمَاءَ أَطْوَلَنَا حَيَاةً
وَإِنْ أَضْحَوْا رُفَاتًا فِي الْقُبُورِ

أُنَاسٌ غُيِِّبُوا وَهُمُ شُهُودٌ
بِمَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ عِلْمٍ خَطِيرِ

كَأَنَّهُمُ حُضُورٌ حِينَ تَجْرِي
مَحَاسِنُ ذِكْرِهِمْ عِنْدَ الْحُضُورِ

لَئِنْ مُلِئَتْ قُبُورُهُمُ ظَلاَمًا
فَإِنَّ ضِيَاءَهُمْ مِلْءُ الصُّدُورِ


[1] توفي المسيري عام 2008.

[2] راجع كتابه: "قضية المرأة بين التحرُّر والتمركز حول الأنثى"، نشر القاهرة: دار نهضة مصر، سلسلة التنوير الإسلامي، 1999.

[3] موقع المسيري.

[4] "البروتوكولات واليهوديَّة والصِّهيونية"؛ عبدالوهاب المسيري، ص (18)، القاهرة: دار الشروق، ط 1، 2003.

[5] المرجع السابق.

[6] من مقالة: "عندما تتحول الصِّهيونية إلى نكتة"، نُشِرت في موقع الجزيرة، 7 - 4 - 2009.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EDFF7225-0ECB-4585- B237 -CF86F0C2C7A1.htm

[7] البروتوكولات واليهودية والصِّهيونية"، ص (218).

[8] المرجع السابق، ص ( 218 - 219).

[9] المرجع السابق، ص (222).

[10] المرجع السابق، ص (223).

[11] المرجع السابق، ص (224).

[12] المرجع السابق، ص (224).

[13] المرجع السابق، ص (224).

[14] انظر المرجع السابق، ص (227 - 232).

[15] المرجع السابق، ص (232)؛ بتصرُّف.

[16] المرجع السابق، ص (234 - 242)؛ باختصار وتصرُّف.

[17] المرجع السابق، ص (20).

[18] المرجع السابق، ص (13).

[19] "عندما تتحول الصِّهيونية إلى نكتة".

[20] من كتاب المسيري "مَن هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟ أسئلة الهُويَّة وأزمة الدولة اليهوديَّة"، ص (347)، القاهرة: دار الشروق، ط 5، 2009.

[21] المرجع السابق، ص (346).

[22] "عندما تتحول الصِّهيونية إلى نكتة".

[23] "عندما تتحول الصهيونية إلى نكتة".

[24] مقالة "نهاية إسرائيل"، نُشِرت في موقع الجزيرة 18- 9 - 2009.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E6F1079D-89C6-4E7B-AB16-D1D376D0A9A3.htm

[25] "البروتوكولات واليهودية والصهيونية"، ص (250 - 251).

[26] "نهاية  إسرائيل".

[27] "نهاية  إسرائيل".

[28] "البروتوكولات واليهودية والصهيونية"، ص (249).

[29] المرجع السابق، ص (249 - 250).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدكتور المسيري: مع اليهود أم ضد اليهود؟
  • العلاقة بين المادية ووحدة الوجود عند المسيري

مختارات من الشبكة

  • المنهج المعرفي والنموذج التفسيري في فكر عبد الوهاب المسيري (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شروح رسائل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد العزيز الراجحي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحفة الناسك بأحكام المناسك لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • احذر يا عبد الله من حقوق العباد فإن لها من الله طالبا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تيسير الخبير البصير في ذكر أسانيد العبد الفقير وحيد بن عبد السلام بالي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تعقبات الإمام الرسعني على المفسرين لفيصل عباد عبد ربه الهذلي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • يا عبد الله كيف تكون من أحب عباد الله إلى الله؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العمدة في الأحكام لعبد الغني المقدسي تحقيق عبد المحسن بن محمد القاسم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
أمة المصطفى - السعودية 15-04-2012 11:24 PM

بوركت الأنامل التي كتبت هذا المقال ورحم الله المسيري ورفعه الله بكتبه وعلمه النافع أعالي الفردوس من الجنة آمين

1- رُؤية مختلفة
عائشة الحكمي 14-04-2012 07:01 PM

شكرًا جزيلاً أستاذ بشَّار بكور على هذا المقال النافع، وقد كنتُ مثلك معجبة بتبحُّر الدكتور المسيري خاصَّة فيما يتعلَّق بجهُوده في الشَّأن اليهوديّ لولا قراءتي لكتاب "الوحي ونقيضه" للدُّكتور بهاء الأمير، فقد شنَّع كثيرًا على الدكتور المسيري، وسفَّه رؤيته المُتعلِّقة بزيف البروتوكلات، فهل اطَّلعتَ على الكتاب؟! أرجو ذلك.

بُوركتَ وسُدِّدت مساعيك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب