• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

مراجعة في كتاب الوحدة والتنوع في تاريخ المسلمين

مراجعة في كتاب الوحدة والتنوع في تاريخ المسلمين
د. فارس العزاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/4/2012 ميلادي - 17/5/1433 هجري

الزيارات: 15721

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مراجعة في كتاب: الوحدة والتنوع في تاريخ المسلمين

للأستاذ الدكتور عماد الدين خليل

بسم الله الرحمن الرحيم


يُمثِّل كتاب "الوَحْدة والتنوُّع في تاريخ المسلمين" - الَّذي قدَّمَه الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل - حلقةً من حلقات ثِماره الفكريَّة الَّتي ملأَتِ الآفاق، حيث امتازَتْ بالقيمة العِلميَّة، والاتِّزان المنهجي، والقُدْرة على التَّحليل، والرَّبْط بالواقع، والقراءة المُتأنِّية لوقائع التاريخ، واكتشاف سُننِه وقوانينه الَّتي تَحْكمه وتضبطه، وهي التي تُسمَّى عند العلماء بالسُّنن الكونيَّة، ولكنه يُتحِفُنا في هذا الكتاب بإضافة الجديد لِما اتَّصفَ به الكاتب والباحث الفذُّ، تتمثَّل هذه الإضافةُ في قدرتِه على استيعاب قراءته للتَّاريخ للعلوم الإنسانيَّة الأخرى، ويثبت الحقيقة العلميَّة - إن صحَّ التعبير بذلك - أنَّ العلوم الإنسانيَّة لا يمكن لها أن يستقِلَّ فرعٌ من فروعها - أيًّا كان ذلك الفرع - استِقْلالاً كاملاً عن بقيَّة الفُروع، بخلاف ما يُمكِن تَسْميته بالعُلوم الطبيعيَّة التي بالإمكان إلى حدٍّ بعيد أن تستقِلَّ فُروعها، وأن يكون لها تخصُّصها الذي يتميَّز عن غيره، لكن في مَجال العلوم الإنسانيَّة الفروع تَتداخل، فلا يمكن لكلِّ مُتخصِّص في فرعٍ من الفروع أن يُتقِن علومَ هذا الفرع دون أن يكون له حظٌّ من المعرفة ببقيَّة الفروع، وهذا ما يُمكن إطلاقه على كتابنا هذا الذي قدَّمَه أستاذنا الكبير، فقد تناول فيه جوانِبَ معرفيَّة مختلفة من خلال قراءته التاريخيَّة، ولَم يتوقَّفْ عند حدِّ توصيف الوقائع والأحداث، وإنَّما تجاوز - كشأنِه في بقيَّة كتُبِه - إلى ربْطِها بالجوانب الأخرى في المعرفة الإنسانيَّة، فهو يتدرَّج من الحديث عن التَّاريخ إلى الحديث عن الحضارة إلى علاقة الأُمَّة بغيرها من الأُمَم، فيما يمكن تَسْميته بالعلاقات الخارجيَّة، وهو فرعٌ من العلوم السياسيَّة، إلى الحديث عن العلوم التطبيقيَّة التي كان للأُمَّة الدَّور الأكبَرُ في تطويرها، وإبراز مناهجها المعرفيَّة؛ ليمثِّل انعكاسًا للتطوُّر المعرفي للحضارة الإسلامية التي تسيَّدَت العالم في عصوره الوُسْطى؛ لِيَصل الأمر إلى الاهتمام بالتَّربية والتراجم والعلوم الشرعيَّة، وقد ظهر ذلك في بعض بحوثه - كما سنَذْكره في ثنايا هذه المُراجَعة - والكاتب بهذه المنهجيَّة التي قدَّمَها في كتابه هذا وفي غيره إنَّما ينطلق من منهجيَّة قرآنية تحاول قراءة التاريخ باعتباره نِتاجًا معرفيًّا لجوانب مختلفة من الحياة الإنسانيَّة، تفاعلَتْ فيما بينها؛ لِتُقدِّم ثِمارَها الفكريَّة والمنهجيَّة في كلا جانبَيْها؛ العِلمي والعمَلي.

 

وغنِيٌّ عن القول أن نقدِّم ترجمةً لِهذا المُفكِّر الإسلامي والأديب النَّاقد؛ لِكَونه من الَّذين ملأَتْ كتبُه الآفاق، وعرفَت المَجالِسُ اسْمَه ورسمه، ولكن يَبْدو أنَّنا بحاجةٍ إلى إطلالةٍ مُختصَرة على جوانب حياته العلميَّة والمعرفيَّة، ونحن نقدِّم كتابه هذا إلى نخبةٍ وصفوة من المثقَّفين والمهتمين بالفكر في اليمَن عامَّة، وفي حضرموت خاصَّة.

 

فارِسُنا من مواليد المَوْصل عام 1939م، درسَ التاريخ في جامعة بغداد، وحازَ على شهادة البكالوريوس منها، وتخصَّصَ في التاريخ الإسلاميِّ، وحصَلَ على الماجستير من نفس الجامعة، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس في تخصُّصِه، مارَسَ مهنة التَّدريس في جامعاتٍ متعدِّدة في العراق وفي غيره، له أكثر من أربعين كتابًا وبحثًا في التاريخ الإسلامي، والأدَب، والفكر، والدَّعوة، ولعلَّ مِن أبرَزِها:

• مَلامِح الانقلاب الإسلاميِّ في خلافة عمر بن عبدالعزيز.

 

• دراسة في السِّيرة.

 

• التَّفسير الإسلامي للتاريخ.

 

• حول إعادة تشكيل العَقْل المسلم.

 

• قالوا في الإسلام.

 

• في النَّقد الإسلاميِّ المعاصر.

 

كتابنا هذا - في حقيقته - جملةٌ مِن البحوث والمقالات التي نُشِرَت في مناسباتٍ مَختلِفة، وتم جمعها وتحريرها، ويتكوَّن من قسمين؛ القِسْم الأوَّل يتضمَّن البحوث والمقالات الَّتي كتبها الدكتور عماد الدين خليل، والقسم الثاني تُمثِّل كتاباتِ باحثين ومتخصِّصين آخَرين في علوم مختلفة، وسنقتصر في مراجَعتِنا هنا على القسم الأوَّل الذي يختصُّ بالكاتب صاحب التَّرجمة.

 

المقال الأوَّل: الوَحْدة والتنوُّع في تاريخ المسلمين:

يَدور المقال حول ظاهرةٍ متمركِزة في العلاقات البشريَّة، مفادُها أنَّ الوحدة والتنوُّع قائمان في صميم هذه العلاقات، وأنَّهما مُتداخِلان ومتوازيان في آنٍ واحد، وكلٌّ يؤثِّر في الآخر، ويستند الكاتب في هذا المَجال على جملةٍ من الحقائق منها الحقيقة القرآنيَّة التي تؤكِّد هذا التَّناغم بين الوحدة والتنوُّع، بين التفرُّد والتعدُّد، وأنَّ قيمة الحياة الإنسانيَّة تَكْمُن في هذا التَّغاير، على اعتبار أنَّ الإنسان إنَّما خلَقَه الله متميِّزًا بإرادةٍ حُرَّة واختيار لِهذا الطريق أو ذاك، ويُسْهِب الكاتب في الاستدلال بالآيات القرآنيَّة التي تناوَلَت التعدُّد والتنوُّع كظاهرةٍ إنسانيَّة لها انعكاساتُها السلبيَّة والإيجابية في التفاعلات الاجتماعية، ولعلَّ من أبرز المظاهر الدالَّة على هذا التنوُّعِ اختلافَ اللِّسان واللَّون والعِرْق؛ ليكون دافعًا إلى التفاعل الإنساني، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]، ويخوض الباحث في إطار مَقاصد هذا التنوُّع والتعدُّد، فترتَكِز على هدفٍ أساسي هو التَّدافع، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 251]؛ الآية، ولا ينبغي - في رأي كاتب هذه الأَسْطُر - قصْرُ التَّدافع على الصِّراع والقتال، وإن كان وجهًا من وجوه هذا التَّدافع، وإنَّما يتَجاوز ذلك - أيضًا إلى تفاعُلاتٍ إنسانيَّة أخرى، تَكْمُن في إقامة علاقاتٍ من الأمم والشُّعوب والقبائل وغيرها تُظْهِر المعنى الإيجابِيَّ لظاهرة التنوُّع والتعدُّد، ويستند الكاتِبُ كذلك على الحقائق التاريخيَّة في إثبات هذه الظَّاهرة، على الرغم من أنَّ وقائع هذه الحقائق تضمَّنَت صورًا إيجابيَّة، وأخرى سلبيَّة؛ بسبب من التدخُّل الإنساني في ميل هذه الظَّاهرة وانحرافها عن مقاصدها العليا، وكانت من مقاصد الكاتب في الخوض في الوقائع التاريخيَّة لإثبات هذه الظَّاهرة دَعْمُ البُعْد العقائديِّ والتصوُّر الفكريِّ بِجُملةٍ من الوقائع والحقائق التاريخيَّة؛ على اعتبار أنَّ البُعْد العقائديَّ يحتاج إلى ما يدعمه من وقائع لاختبار مصداقيَّتِه، والكاتب من خلال إظهاره لهذا الهدَفِ والمقصد إنَّما يعكس المنهَج القرآني حتَّى وهو يتعامل مع الوقائع التاريخيَّة، وما فيها من أبعادٍ تصوُّرية وعقائديَّة، وهو بهذا يجيب على التَّساؤل الذي كان يدور في بال الكثير من المُهتمِّين حول الغرض من تركيز القرآن على الخوض في القصص والأخبار والأنباء، إضافةً إلى الأبعاد العقائديَّة والأخلاقية التي ركَّزَ عليها القرآنُ الكريم، فيكون بيان الباحث والكاتب هنا - في ظَنِّي - إضافةً جديدة في كيفيَّة التعامل مع كتاب الله تعالى.

 

يُظهِر الكاتب - حفظه الله - جملةً من الوقائع التي تتَناغم فيها ظاهِرَتا الوحدة والتنوُّع في تاريخ الأُمَّة، على الرغم من أنَّ التُّراث الإسلاميّ كان مركّزًا - في كثيرٍ من جوانبه - على الوحدة والجماعة، وعدم التفرُّق والتشرذم، وهذا يشير إلى أن التوجُّه الوحدويَّ الذي شهدَتْه الأمة في تاريخها إنَّما يمثل خصيصةً واحدة من خصائصها لا تقتصر عليها، وأنَّ هناك خصائص أخرى امتازَتْ بها تظهر التنوُّع والتعدُّد دون أن يكون هناك تناقضٌ أو تَضاد، فهناك تعدُّدية في السياسة والاجتماع، والثقافة والفِكْر، والمَذْهب والدِّين، وهكذا في سائر صُوَر التعدُّد الأخرى، كانت تتناغم مع صور التوحُّد؛ لتكون صور التعدُّد رافدًا للتوجه الوحدوي، وهذا - في اعتقادي - يمثِّل نموذجًا فريدًا في تماسك المجتمع؛ على الرَّغم من صوره المتعدِّدة، وتوَجُّهاته المختلفة، ومذاهبه المتباينة، وأفكاره المتقابلة.

 

ومع كلِّ ذلك ظهَرَ ذلك المجتمع في صورة التوحُّد والتوافق والتَّناسق، دون أن يُلْغي هويَّة الآخر، أو يرغم على الاندماج في العقيدة أو الدِّين الإسلامي، وهذا بخلاف ما يحدث الآن في الغرب ودُوَلِه التي تحاول صهر الأقليَّات المسلمة وغيرها في بوتقة المجتمع الغربي إلى الدرجة التي تتميَّع فيها هويَّة المسلم بحجَّة ما يسمى المُواطَنة، وعلى الرغم من هذا التناغم الإيجابي بين الظَّاهرتين لكن هناك توجُّهات حاولت جعل ظاهرة التَّدافع بين الوحدة والتنوُّع المتناغمتَيْن المتوافقتين في الإطار النظريِّ والعملي، تحاول أن تَجْعلها محصورةً في إطار الصِّراع والتَّناحر والتقاتل، إلى الحدِّ الذي يلغي ظاهرة التوحُّد التي امتازَتْ بها الحضارة الإسلاميَّةُ وعقيدتها وتصوُّرها، وظهر ذلك جليًّا من خلال مُحاوَلات وَأْدِ الوحدة الإسلاميَّة، على الرغم من استيعابِها للآخَر، وجَعْلِه يدور في فلَكِ الأُمَّة دون أن يكون هناك إلغاءٌ لِدِينه أو مذهبه، ولعلَّ مِن أبرَزِ هذه المحاولات - وهو ما يُبْرِزه الكاتب في مقاله هذا - القيام ضدَّ الوحدة الإسلاميَّة في صورة نصرة المذهب والعقيدة حينًا، والسِّياسة حينًا آخَر؛ كما في محاولات الإسماعيلية والباطنيَّة.

 

وهذا يُمثِّل الجانب السلبِيَّ في ظاهرة التعدُّد، ولكن لا يُلْغي هذا الجانب الإيجابي للظَّاهرة؛ فهُناك مَظاهر متعدِّدة إيجابيَّة، تعكس قيمة التنوُّع والتعدُّد بالتوافق مع التوجُّه التوحُّدي الذي ركَّزَت عليه الأُمَّة دون أن يكون هناك تَعارُض أو تضادٌّ بينهما، حتَّى وإن كان التعدُّد في ظاهرِه سلبيًّا، لكن استطاع المسلمون أن يَستغِلُّوا ذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين، ويَظْهر ذلك جليًّا من خلال استيعاب الخلافة الإسلاميَّة في الدولة العباسيَّة للدُّول والإمارات الإسلاميَّة التي قَوِيَت في إفريقيا؛ كدولة الأدارِسَة والأَغالبة والطُّولونيِّين وغيرهم، حيث استطاع الخليفة التَّعامل معها؛ لتكون سيفًا في يد الخلافة وعونًا لها، لا عامل هدمٍ وتدمير لمنجزات الأمَّة.

 

ويختم الباحثُ مقالَه هذا بإظهار نمطين في سياق التَّغاير والتعدُّدية؛ أحدهما إيجابي، والآخَر سلبي:

أمَّا الأوَّل: الذي يمثِّل حالة الوِفاق فيمثِّل علاقة المسلم بالآخَر؛ حيث قدَّمَت الأمة نموذجًا لا يمكن تصوُّره في الواقع اليوم؛ لكثرة التَّناحُر والتنازع؛ وذلك من خلال الارتِباط بالآخَر في إطارٍ وَحْدوي على الرَّغم من الاختلاف العقَدِيِّ والفِكْري، بل والاجتماعي كذلك في بعض صُوَره، بحيث تم استيعابُ الآخَر دون إلغاءٍ لِحُقوقه أو إِكْراه في عقيدته ودينه؛ لذلك كانت أبرَزُ سِمات المُمارَسات الإسلاميَّة في شتَّى عُصورها في الغالب أنَّها قائمةٌ على التَّسامُح والتقدير للآخَر، دون أن يكون هناك تفريطٌ بالثَّوابت والأصول، على الرغم من وجود بعض الصُّوَر المُشَوَّهة لهذا المَعْلَم البارز في حياة الأمَّة، ولكن الشُّذوذ في واقع الأمر يؤكِّد في الغالب القاعدةَ ولا يَنْفيها.

 

وأمَّا النمط الثاني: فهو يُمثِّل حالةَ الاصطِراع والتناقض والتَّنافر، ويَعْكس صورةً سلبيَّة على ظاهرة التعدُّد؛ ليس لأنَّها في ذاتها سلبيَّة، ولكن لما اعتراها من عوارض بسبب من الشَّهوة الإنسانيَّة، والهوى الشيطاني الَّذي لا يستطيع أن يتَعايش في إطارٍ من التنوُّع والتعدُّد، مع التوافُق فيما بين أطرافه المتعدِّدة، إنَّه الصِّراع ما بين العربي وغير العربي.

 

ومع الأسف أنَّ التاريخ حفظ لنا هذه الصُّورة المشوَّهة من تاريخ هذه الأمَّة؛ حيث أخذ جانبًا كبيرًا منها في وقائعها وأعصارها كما ظهر ذلك في الدولة الأمويَّة بين العرب والمَوالي، بل وبين العرب أنفُسِهم كما هو الحال في الصِّراع بين القيسيَّة واليمانية، وكل ذلك كان دافعه الهوى، والرَّغبة في امتلاك المناصب والمراتب والأملاك، على حساب تحقيق أهداف ومقاصد هذا الدِّين، وهذه الأُمَّة العظيمة.

 

إنَّ الكاتب في مقاله حاوَلَ إثبات أنَّ ظاهرة التعدُّد والتنوُّعِ لا تتَنافر مع ظاهرة التوحُّد الذي تميَّزَت بها الأُمَّة، وأنَّ هاتين الظاهرتَيْن إنَّما هما انعكاس للفِطْرة البشريَّة، فالتَّناغُم بينهما هو مُقتضَى هذه الفِطْرة حتَّى وإن كان ذلك في إطارٍ مِن التَّدافُع بالمَفْهوم الذي ذكَرْناه، وأنَّ الخروج بهذا المَفْهوم عن إطاره يُمثِّل شذوذًا يؤكِّد القاعدة ولا يَنْفيها.

 

المقال الثَّانِي: العلوم التطبيقيَّة في تاريخ المسلمين:

يُحاول الباحِثُ الرَّبْطَ بين الجانِب العقائديِّ والمَنْهج القرآني والنَّبوي والأصول الإسلاميَّة وبين ثِمار العَقْل وتحفيز الفعل الحضاري؛ لِيَكون الجانب التطبيقيُّ من العلوم الإنسانيَّة - وأَعْنِي به العلوم الطبيعيَّة والجانب العمرانِيَّ - دائرًا في إطار التَّوجيه الإسلامي، فتَكُون العقيدةُ موجِّهًا ومبينًا للطريق والهدَف، فلا يقتصر الأَمْرُ على مجرَّد تحقيق الجانب المادِّي بِغَضِّ النَّظر عن مقاصده وأغراضه، وهذا ما تُحاوله المدارس الماديَّة الغربيَّة التي حرصَتْ على إغفال الجانب الرُّوحي من العلوم التطبيقيَّة والطبيعيَّة.

 

والباحث في بَيانه هذا يُحاول أن يُعيد النَّظَر فيما حقَّقتْه البشريَّة من تطوُّرٍ مادِّي وعمراني كانت له جوانِبُه الإيجابيَّة، ولكن من جانبٍ آخَر ألغَتْ إنسانيَّة الإنسان، وجانبه الرُّوحي، وقِيَمه الأخلاقيَّة والرُّوحية، فأراد الكاتِبُ أن يجعل للتطوُّر الماديِّ والعمراني مَرْجعًا ومُوجهًا يصحِّح المَسار، ويَجْعل له هدفًا ومقصدًا هو عمارة الأرض وتسخيرها لخدمة الإنسان، ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].

 

حاوَل الكاتِبُ - حفظه الله - أن يَستند على الأُصول والوقائع التاريخيَّة في إمكانيَّة تَهْيئة بيئةٍ عِلميَّة منضَبِطة، ولِهذا أكَّد على الجوانب التَّالية:

1- أثَرُ العقيدة في تَحْرير العقل مِن الخرافة، وتوجيهه إلى الحقِّ بإعتاقه من القُيود الأرضيَّة، وهذا يُمثِّل تحوُّلاً في الإطار الاعتقاديِّ، جعل الإنسان يَنْطلق بحريَّة لاكتشاف سنن هذا الكون.

 

2- التَّأكيد على كَوْن الخِطَاب القرآني مثَّل بشتَّى صُوَرِه نسقًا معرفيًّا يجعل الإنسان محيطًا بِمَظاهر حياته وواقعه، مما فتحَ المَجال من خلال قراءة القرآن لقِراءة الكون فتجتَمِع القراءتان؛ القراءة الشرعيَّة، والقراءة الكونيَّة؛ للكشف عن السُّنن الربَّانية الحاكمة للكون، وهذا يمثِّل تحوُّلاً معرفيًّا مكَّن الإنسان من التعامل مع الكون والعالَم والوجود؛ لِكَشْف قوانينه وسُننِه، ولا غرابة إذًا في أن تكون أوَّل سورةٍ نزلَتْ هي سورة ﴿ اقرأ ﴾ التي جعلَتْ أوَّل لَفْظ في القرآن المُنَزَّل القراءة.

 

3- التَّأكيد على التحوُّل المنهجيِّ مِن خلال رَبْطِه باتِّجاهات ثلاثة:

الأوَّل: السَّببِيَّة التي تفيد ربْطَ الظَّواهر، سواء كانت كونيَّة أو اجتماعيَّة بأسبابِها، وهذا يُمثِّل صورةً من صُوَر التحَرُّر من الخرافة من خلال رَبْط الحقائق والوقائع بأسبابِها وعِلَلِها الحقيقيَّة.

 

الثاني: مُحاولة القرآن تَوْجيهَ العقل البشريِّ إلى معرفة كيفيَّة التَّعامُل مع التاريخ البشريِّ بحيث يتَجاوز مرحلة التَّجميع والعَرْض إلى مرحلة استِخْلاص القوانين التي تحكم مُختَلِف الظَّواهر.

 

الثَّالثة: الدَّعوة إلى استخدام المنهجي التجريبِي الحِسِّي في التَّعامُل مع الظواهر الكونيَّة، وهذا ما ركَّز عليه القُرْآن حيثُ دَعا إلى التأمُّل والتفكُّر والتعلُّم والتجريب، وإمعان النَّظَر في كلِّ ما حوله من ظواهِرَ كونيَّة واجتماعيَّة.

 

ثم عرَّج الباحث إلى بيان شُروط التَّفاعُل الحضاريِّ من خلال الملامح التي رسَمَها القرآنُ وبيَّنَتْها السُّنة النبَوِيَّة من أجل تَشْكيل مناخٍ حضاري ذي قُدْرة على الإبداع والإنجاز، ويُمْكِن تلخيصه فيما يَلي:

1- القراءة والعِلْم والقلَم، مفرداتٌ أكَّد عليها القرآن، جعلَت المُسْلِم في قلب العالَم، وليس بعيدًا عنه.

 

2- تحرير الإرادة البشريَّة من قُيودها وإعمال العَقْل.

 

3- النَّظْرة إلى الأَمام وعدَمُ الالتِفات إلى الوراء إلاَّ بِقَدْر تلَمُّس مَواطن الخطأ والصَّواب.

 

4- استِغْلال الطَّاقات والإمكانيَّات، وعدَمُ هَدْرِها.

 

5- امتِلاك ناصية المكان من خلال التَّفاعل معه وكَشْف سننه.

 

6- امْتِلاك ناصِيَة الزَّمان من خلال المُسابقة والمُسارَعة في استغلال الوَقْت.

 

7- إتقان العمَل وإِحْسانه.

 

8- التَّأكيد على جُمْلة من المَبادئ المُرتبطة بالعِلْم، وهي: الاستِخْلاف - التَّوازن - التَّسخير - الارتباط المَحْتوم بين الخَلْق والخالق.

 

9- حماية المُنجَزات من الاعتداء والمُصادَرة؛ ولذلك شرع الجهاد.

 

ثُم أسهَبَ الكاتِبُ في بيان مُنجَزات المسلمين وإبداعاتهم العلميَّة إلى الحدِّ الَّذي مدَحَها المُستشرِقون وعلماء الغَرْب، وهذا ظاهر؛ فإنَّ الغرب قد استَفاد من علوم المسلمين ومَناهجِهم وطُرق البَحْث عندهم وإنجازاتهم العِلميَّة في شتَّى صُوَرها العِلمية والنَّظرية والتطبيقيَّة، ثم يختم الباحِثُ مَقالَه بِما آل إليه الأَمْرُ في الحياة الإسلاميَّة حينما ظهرَتْ عقائد الإرجاء التي كانت عاملاً سلبيًّا في فكِّ الارتباط بين الإيمان والعمل، وكانت دافعًا إلى نُزوع المسلمين إلى العُزْلة والدَّعَة ونَبْذِ الإبداع والابتكار، وسِيادة التَّقليد، وغياب روح التَّجديد التي اتَّسمَتْ بها الأُمَّة في عصورها المتقدِّمة، مُظْهرًا عوامل الانتكاسة في الأُمَّة وهي السلبيَّة، والتقليد، وخيوط الظُّلم الاجتماعي والاستبداد السِّياسي، وقد ظهرَتْ محاولاتٌ لإصلاح الأوضاع على يد بعض الحركات كرَدِّ فعلٍ على الحالة المتدنِّية التي وصلَتْ إليها الأُمَّة، ولَم يكن ينقصها الإيمان والفكر والشجاعة، ولكن ينقصها الدَّعم الماديُّ والتطوُّر التقني والفنِّي، والسِّلاح، مِمَّا أفضى إلى هزيمة هذه الحركات ودَحْرِها؛ لِيُؤكِّد أن النُّهوض بالأمة، وإبراز مَعالِمها وتَحْقيق النَّصر إنَّما هو تَفاعل جملةٍ من المَعايير العِلميَّة والماديَّة والتقنيَّة ومُختلِف الجوانب التي تنهض بها.

 

المقال الثالث: الطَّريق إلى حطِّين:

حاول الكاتِبُ من خلال سَرْدِه التَّاريخي لمقدِّمات انتِصار المسلمين على الصليبيِّين في معركة حِطِّين أن يبرز عوامل الإنجاز التاريخيِّ التي تتمثَّل في البطَل والجمهور، وتراكم الجهد من خلال الفِعْل الإنساني، وهو بذلك يحاول التَّأكيد على أن النَّصر الذي تُحقِّقه الأُمَّة لا يقتصر على مجرَّد قيادةٍ فذَّة وجماهير داعمة، وعمَلٍ دَؤوب؛ وإنَّما هو جِماعُ ذلك كلِّه، وفي مقابل ذلك أظهَرَ الكاتب أنَّ الأزمات تُعتبَر عامِلَ توحُّدٍ للأمَّة لا عامل تفَرُّق، وهو أمرٌ نِسْبي لا يمكن إطلاقه على جميع النَّماذج، وإنَّما شأنه مرهونٌ بِظُروفه وإشكاليَّاته، فقد تَكُون الأزمة موحَّدة كما أنَّها قد تكون مفرَّقة، والمرحلة التي يؤرِّخ إليها الكاتب - وهي مرحلة الحروب الصليبيَّة - كانت بحقٍّ عامِلَ توحُّد في الأُمَّة استطاعت بما تَوافر فيها من عوامل ساعدَتْ على تهيئة الأُمَّة ودَفْعِها إلى تحقيق أهدافها ومَقاصدِها من تحرير بلاد الإسلام من أيدي الكُفَّار، وهذا ظاهِرٌ من خلال ما ذكَرَه الباحث من مؤشِّرات على هذه المرحلة على مستويَيِ القاعدة والقيادة كوَحْدة القيادة والجماهير، وزوال الكيانات الإقليميَّة، وتوحُّد الشام ومِصْر، ومن خلال المُمارَسات السياسيَّة التي دعمت التوجُّه الوحدويَّ في الأمة مِمَّا قادها إلى تحقيق النَّصر.

 

يمكننا ونحن نؤرِّخ لمرحلةٍ سابقة على مرحلة النَّاصر صلاح الدِّين أن نُجْمِل الجهد الَّذي ساعد على دَفْع صلاح الدِّين وتحقيقه النَّصر على الأعداء من خلال ثلاثة مراحل تسلسل فيها الباحث بِمُقتضى الوقائع التاريخيَّة؛ ليؤكِّد على أنَّ ما حقَّقه صلاح الدِّين لم يكن مُعْجِزة ينتظرها المسلمون، وإنَّما خلاصة جهودٍ كبيرة وتَضْحيات جليلة، وسياساتٍ حكيمة ساعدَتْ على ذلك، هذه المَراحل تتمثَّل فيما يلي:

أولاً: مرحلة آق سنقر البرسقي في المدَّة ما بين 518هـ - 520هـ، الذي استنجدَ به أهلُ حلبَ بعد حِصار الصليبيِّين لها، وقد استجابَ له البرسقي، ولَسْنا بِصَدد سَرْد الوقائع التاريخيَّة؛ فإنَّ الكِتَاب يُغْنِي عن ذلك، فضلاً عن غيره من كتب التَّاريخ المَشْهورة، ولكن الذي يَلْفت النَّظَر في أخبار هذا الأَمير والوالي ما قام به عند إغاثته أهل حلَب، فهو أوَّلاً أَمن الحماية للمدينة، وجعل لها حاجزًا دفاعيًّا من خلال استلامه لقلعة حلَب، ثم أزاح الصليبيِّين الذين تحوَّلوا إلى منطقةٍ أفضل من النَّاحية الدفاعيَّة، ولم يُسارع في هُجومه عليهم، بل حرصَ على تحسين الأوضاع المعيشيَّة في المدينة بعد أنْ أصابَهم الجوعُ والمرَض، فحَل مشاكلها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وأمن الغذاء وغيره للعامَّة، ونشر العدل، ورد الحُقوق إلى أَهْلها، ولكنه لم يلبث طويلاً حيث قتل بعد ذلك على أيدي الباطنيِّين عام 520هـ.

 

ثانيًا: مرحلة عماد الدين زنكي في المدَّة ما بين 521هـ - 541هـ، وكان أهمُّ سَعْيِ هذا الأمير بعد توَلِّيه المَوْصل هو أن يَعْبر الفرات، ويستولي على حلَب، وعلى غيرها من البلاد الشاميَّة، وكان رائده في سبيل تحقيق أهدافه تَقْوية أواصِر الوَحْدة الإسلاميَّة، ودَعْم قُوَاه وإمكانيَّاته الاقتصاديَّة والعسكريَّة قبل أن يَصْطدم بالصليبيِّين، وبالفِعْل نجح في ذلك، وكان سياستُه مبنيَّة - كسياسةِ سلَفِه البرسقي - على التَّوحيد والتحرير؛ وذلك من خلال توجيهه للظُّروف التاريخيَّة القائمة لصالح المسلمين؛ حيث جمعَ القوى الإسلاميَّة، وقضى على عوامل التَّجزئة والانقسام، ووحَّد المدُن والإمارات في نطاق دولةٍ واحدة؛ مِمَّا ساعَدَه على استِمْرار تحريره للبلاد الإسلاميَّة التي كانَتْ تحت سيطرة الصليبيِّين، ولكنَّه لَم يستَمِرَّ في سياسته؛ فقد تَمَّ اغتيالُه عند أسوار قلعة جعبر على نَهْر الفرات.

 

ثالثًا: مرحلة نور الدِّين محمود الزنكي في المدَّة ما بين 541هـ - 569هـ، وأهمُّ ما ركَّز عليه نور الدين محمود - بالإضافة إلى الأمرَيْن السَّابقين اللَّذَيْن ركَّزَ عليهما البرسقي وعماد الدين، وهما التوحيد والتَّحرير - هو بناء الجَبْهة الداخليَّة بناءً إيمانيًّا أصيلاً والاهتمام بالتَّعبئة العقَدِيَّة والنَّفْسية، وجعلها مقدَّمةً على غيرها في سُلَّم الأولويات، وهذا يَظْهر من خلال تتَبُّع سياسات نور الدين الإداريَّة والمالية والاجتماعية والتربويَّة والثقافية، حيث ربَطَها بالمقاصد الشرعيَّة، والمعايير الإيمانيَّة، بالإضافة إلى تَميُّزه بكثيرٍ من الصِّفات الحميدة؛ كالعَدْل، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ومُراعاة حقوق المَحْكومين، وإصلاح فَساد الجهاز الإداري، ورَفْع المَظالِم عن النَّاس، ورعاية شُؤون المَحْكومين، والعيش في مُعاناتهم من خلال زُهْدِه وورَعِه، وتوفير الخدمات العامَّة للنَّاس على مستوى الفَرْد والجماعة، بالإضافة إلى تقديره للعُلَماء وتَقْريبهم منه، كلُّ ذلك ساعدَ على تَقْوية الأُمَّة في وجه أعدائها وتَحْقيق النَّصْر عليها، مِمَّا يؤكِّد أنَّ الذي حقَّقَه صلاح الدين إنَّما هو ثِمَار سنِي الزَّرْع الذي بذَرَه من تقدُّمه مِن الأولياء والأمراء الصَّالحين، والكاتِبُ يوحي من خلال سَرْدِه لنا هذه الوقائع التاريخيَّة أنَّ الأُمَّة لا يمكن - حتَّى تخرج من مآزِقها - أن تنتظر معجِزةً تُعينها أو تُنقذها، إنَّ عوامل النُّهوض بالأُمَّة كامنةٌ فيها، وإنَّما تحتاج - كما عبَّر عنه الكاتِبُ - إلى قيادةٍ فذَّة، وجماهير كادحة، وجهدٍ مُتراكِم في مُدَد طويلة.

 

المقال الرابع: مُقارَبة لأبعاد التَّخريب المغولي في بغداد:

يُحاول الكاتِبُ من خلال سَرْدِه للوقائع التي شهِدَتْها بغداد إبَّان الغَزْو المغوليِّ لها عام 656هـ أن يُظْهِر التَّناقض في الرِّوايات التاريخيَّة حول الخَسائر التي خلَّفَها الغزْوُ المغولِيُّ لبغداد على المستويَيْن البشريِّ والعمراني، ودون الخوض في التَّفاصيل، فليس ذلك غرضَنا، يُشير إلى أنَّ الرِّوايات التاريخيَّة عن التَّخريب المغوليِّ تُصَنَّف في نَمطَيْن أساسيَّيْن: الأوَّل يقدِّم أحكامًا ونتائِجَ عامَّة، دون تحديد، وهو مسلَكٌ كثيرًا ما يفضي إلى المبالغة وعدم الدِّقة، والثاني يتميَّز بالتحديد، سواء على مستوى الأرقام، أو المَواقع، أو الأشخاص , أو غير ذلك؛ ولذلك فهو يَنْطوي على قيمةٍ تاريخيَّة بالغة، ينبغي اعتبارُها.

 

وبِسَرده للوقائعِ يُثبت الكاتبُ حجْمَ التناقض في أرقام وأعداد الخسائر، فضلاً عن التَّعارض في التَّواريخ، وهذا له أسبابُه، كما أشار الكاتب، ومنها: قلَّة المَصادر، واعتماد المُؤرِّخين على الأخبارِ والسَّماع، دون المشاهدةِ والمُعاينة، بالإضافة إلى عدم توفُّر وسائِلَ لإحصاء الخسائر.

 

والذي نَخْرج منه من خلال هذه المراجعة أمران:

الأوَّل: ضرورة التثبُّت من الوقائع، والدِّقة في توصيفها؛ خاصَّة مع تقدُّم العلم وآليَّاته وأدواته، وإذا كان المتقدِّمون مَعْذورين في عدم الدِّقة في توصيف الوقائع، فإنَّ المعاصرين ليس لهم أن يقَعوا فيما وقع فيه المُتقدِّمون؛ فإنَّ الوسائل قد تنوَّعَت، والإمكانيَّات قد تطوَّرَت.

 

الثاني: ضرورة مُراجعة كتب التَّاريخ وتهذيبها بِما يتَناسب على أقلِّ تقديرٍ مع الحقائق التاريخيَّة، والجهد الَّذي قدَّمَه الدكتور يُعتبَر نموذجًا لذلك؛ حيث حاول مُقاربة أبعاد هذا التخريب، والوصول إلى الحقائق، أو ما يُقاربها بحسب ما تبَيَّن له من قرائن أحوال، وسياقات كلام المؤرِّخين، مع دراسة الواقع في ذلك الوقت.

 

ولعلَّ من أمثلة ذلك: أنَّ المشهور في الخسائر البشريَّة أنَّها تضاربَتْ ما بين ثَمانِمائة ألف وبين مليون وثمانمائة ألف، وهذا كما أثبتَ الباحثُ لا يمكن تصديقه؛ فالعدد مبالَغٌ فيه، خاصَّة إذا علمنا أنَّ مدينة بغداد في ذلك الوقت ممتدَّة ما بين باب المعظم والباب الشرقيِّ، ولا يمكن أن يتجاوز سكَّانُها المليون بهذا الاعتبار؛ لذلك هو يرجِّح كما أشار إليه المؤرِّخ والرحَّالة الصينيُّ "شانغ تي" أنَّ الخسائر لا تتجاوز التِّسعين ألفًا.

 

المقال الخامس: الرُّؤية التربوية في "مُقدِّمة ابن خَلْدون":

يُشكِّل مفهوم التربية في نظَرِ الكاتب عملاً ديناميًّا، يستهدف صَقْلَ وتنميةَ قدراتِ الإنسان العقليَّة والرُّوحية، والجسَدِيَّة والوجدانيَّة، وهو يحاول إبراز هذا المفهوم من خلال قراءته لرؤية ابن خَلْدون التربويَّة، مُركِّزًا - وهو مُحِقٌّ في ذلك - على أن التوغُّل في دِراسة التَّاريخ يَهْدف إلى فَهْم أبعاد مُعْطَياته الحضاريَّة، واكتشاف القوانين التي تَحْكمه، موضِّحًا أنَّ هذه المعطيات إنَّما تتشكَّل من مادة البيئة التي تنبَثِق منها، ينطلق ابنُ خَلْدون - وفْقَ قراءة الكاتب له - من أساس أنَّ مصدر الرُّؤية التربويَّة هو الإسلام بما له من مَعايير وموازين ضابطة، وأنَّ الإنسان يتميَّز بالفكر والنَّظر، محاولاً التَّعامل مع الإنسان بكلِّ مكوِّناته، متجاوزًا النَّظرة التجزيئيَّة له، كما فعلَت المدرسة الماديَّة المعاصرة في تفكيكها للإنسان، دون أن تكون عندها القدرةُ على إعادة تركيبه، كما أنَّه يؤكِّد على حتميَّة النُّبوات التي تعتبر إعانةً من الله للإنسان على اكتشاف الطريق، واستخلافه في الأرض.

 

تَبْرز الرُّؤية التربويَّة لابن خلدون من خلال تأكيده على أهميَّة التعليم أوَّلاً، ودور المعلِّم ثانيًا، والعوامل المساعدة للتعليم، ومنها وسائِلُه ثالثًا، ومحتوى التعليم رابعًا:

أولاً - أهمية التعليم:

تَبْرز أهميَّة التعليم عند ابن خَلْدون من خلال:

1- تَحْقيق الرفاهية البشرية.

 

2- قَبول ما جاء به الأنبياء.

 

3- تَقْوية العقل البشري وتعميق النَّظَر من خلال الصنائع العملية، وأهميَّة الأخيرة في العمران البشري.

 

ويؤكِّد ابن خلدون على قيمة العمل، باعتباره ضرورةً من ضرورات العمران، ومدى ارتباطه بالتَّسخير الذي يؤكِّد عليه القرآن، فلا تتحقق مقتضَياته - أيِ: التسخير - إلاَّ بالعمل.

 

فالأمر عند ابن خَلْدون متلازمٌ بين التعليم والعمَل والعمران، ويربط - رحمه الله - بين الكسب والعمل، ويَجْعل العلاقة بينهما متلازمة طرديًّا، فكُلَّما زاد العمل زاد الرِّزقُ والكسب، وكلَّما قلَّ العمل قلَّ الرزق والكسب.

 

ثانيًا - دور المُعلِّم:

يرى ابن خلدون حتميَّة وجود المعلم كطرَفٍ أساسي في العملية التربويَّة، من خلال تأكيده على:

1- المَلَكة التي يتَّصِف بها المُعلم، ويُعرِّفها بأنَّها: صفةٌ راسخة تَحْصل عن استعمال ذلك الفعل، وتكَرُّرِه مرَّةً بعد مرة، حتَّى ترسخ صورته، وعلى نسبة الأصل تكون الملَكة.

 

2- جَوْدة التعليم، وهذا يظهر من خلال النتائج المتحقِّقة، فالمُعلِّم الجيِّد هو الذي تَحْصل به النتيجة الأفضل.

 

3- المهمَّة التي يُمارسها المعلِّم ليست ارتجالاً، وإنَّما يحتاج إلى عوامل مُساعدة، فهي برنامجٌ مرسوم، يتدَرَّج من البسيط إلى المركَّب، ومن الضروريِّ إلى الكمالي، وهذا يحتاج إلى زمَن، وتحضر الجماعة، فهو يرى أنَّ العلم يتطوَّر بتطوُّر الحضارة، بالإضافة إلى الجمع ما بين العلميِّ والعمَلي، أو النظري والتطبيقي.

 

4- تأكيد مِهنيَّة المعلِّم، وأنَّ ما يمارسه المعلِّم ليس مجرَّد علمٍ فحَسْب، وإنَّما هو منهجٌ للتَّوصيل، ولذلك فإنَّ اصطلاحات التعليم تمثِّل منهجيَّة العلم وليس العلم نفسه؛ لأنَّها تتغاير بَيْن مُعلم وآخَر، بخلاف العلم فهو واحد.

 

ثالثًا: العوامل المساعدة على تحسين العمليَّة التربوية:

يُركِّز ابن خلدون على أهميَّة العوامل المساعدة في رفع مستوى التعليم والعملية التربويَّة عمومًا، ومنها:

1- بناء المؤسَّسات التعليميَّة، من مدارس وزوايا ومساجد وربط.

 

2- وقف الأَوْقاف على هذه المؤسَّسات من أجل أن تَسِير العمَلِيَّة بِنَجاح.

 

3- وسائل التَّعليم، التي تُمثِّل توصيل الحقائق المعرفيَّة بين المُعلِّم والمتعلِّم، وهي عند ابن خلدون نوعان: الصِّيغة الشَّفاهية التي تتمُّ مباشرة بين العالِم والمتعلِّم، والصيغة الكتابيَّة التي تتمُّ بشكلٍ غير مباشر بينهما من خلال الكتُب والمؤلَّفات.

 

ويحاول ابن خلدون أن يقدِّم رؤيةً عن الكتاب، حيث يُؤكِّد أنَّ الكِتَاب يُعدُّ واحدًا من أهمِّ الوسائل التعليميَّة، ولكن من جهةٍ يَرْفض الإكثار من التَّآليف وتطويلها، ومن جهةٍ ثانيةٍ يندِّد بالتلخيصات والاختِصارات في المؤلَّفات المنهجيَّة، ويرى أنَّ ذلك يُخِلُّ بالتعليم.

 

4 - التَّأكيد على شروط التَّعليم، ومنها:

• ضرورة التدَرُّج في تقديم المادَّة.

 

• مُراعاة القدرات العقليَّة للطالب، واستِعْداده للتلقِّي.

 

• لا ينبغي للمُعلِّم أن يتَجاوز المُقرَّر الذي بين يدَيْه قبل أن يتمَكَّن الطالب منه.

 

• ضرورة عدم الخَلْط على المتعلِّم بتعليمه أكثر من عِلْم في وقتٍ واحد.

 

رابعًا - محتوى التعليم:

ثُم يختم الكاتِبُ حديثه عن محتوى التَّعليم عند ابن خَلْدون الذي قسم للعلوم، وهي قسمان: علومٌ مَقْصودة، وعلومُ آلةٍ، العلوم المقصودة بالذَّات كالشَّرعيات من التَّفسير والحديث والفقه وعلم الكلام وكالطبيعيَّات والإلهيَّات من الفلسفة، وعلوم هي آلةٌ ووسيلةٌ لهذه العلوم؛ كالعربيَّة والحساب وغيرهما للشرعيَّات، وكالمنطق للفلسفة.

 

وابنُ خَلْدون في تصنيفه لهذه العلوم يجعلها مندرِجةً تحت قسمين كبيرَيْن؛ أحدهما عقلي، والآخر نَقْلي، وفق ما كان مُتعارفًا عليه في حينه، ويُضيف إليها هذَيْن الصِّنفين: الصَّنائع التي يُعرِّفها ابن خلدون بأنَّها: ملَكةٌ في أمرٍ عمَلي فكري، وبكونه من الناحية العمليَّة: جسمانيًّا محسوسًا، والكاتب هنا يؤكِّد على أنَّ المُعطَيات التربويَّة والتعليميَّة، إنَّما هي وليدةُ البيئة التي تنبثق منها.

 

المقال السادس: حاجِّي خليفة ورؤيته التربويَّة:

أهَمُّ ما يمكن التأكيد عليه في هذا المقال أمْرَان؛ الأمر الأول - والذي أشار إليه الكاتب بصورةٍ جليَّة - أنَّ "حاجي خليفة" كان متأثِّرًا إلى حدٍّ بعيد بابن خَلْدون، ظهَرَ ذلك من خلال اقتباساته الكثيرة من مقدِّمته، وهذا يثبت إعجابَه الكبير بابن خلدون، ولكنَّه يَعِيب على المؤلِّف الذي عرَضَ رؤيته التربويَّة من خلال مقدِّمته لكتابه المشهور "كَشْف الظُّنون"؛ يعيب عليه عدَمَ الإشارة إلى المصدر، مما يَعْتبره الكاتبُ - وهو كذلك - عيبًا في منهج البحث العلميِّ، والأمر الثاني تأثُّر "حاجي خليفة" بابن خلدون في المَضامين والاقتباسات، ومنهج عَرْض المادَّة وتقسيماتها، فلا يَخْتلف كثيرًا عمَّا قاله ابن خلدون، وهذا ظاهرٌ مِن خلال عرضه لمفهوم التعليم ودَوْر المُعلِّم وشروط التعليم ووسائله - والتي كنَّا قد ذكَرْنا شيئًا منها في ثنايا هذه المراجعة.

 

ولكن ما يُظْهر خصوصيَّة المؤلِّف ويُميِّزه عن ابن خلدون تأثُّرُه بالفلسفة وعلم الكلام كثيرًا، وهذا شأن المهتَمِّين بالعلم في العصور المتأخِّرة؛ فقد أكَّد "حاجي" على أنَّ العمَلِيَّة المعرفيَّة محصورةٌ في التصوُّر والتصديق، فما لم يتحقَّق القُطْبان فإنَّ العلم ينتفي، علمًا بأنَّ منهج البحث العِلمي قد أثبت أن العلوم المنطقيَّة والتي أكَّدَت على قواعد أرسطو المنطقيَّة لم تَعُد قادرةً على اكتشاف المزيد من المعرفة، مِمَّا جعل المتأخِّرين ينتقدون منهجه كما فعل "فرنسيس بيكون" وغيره، ومن الفُروق بين "حاجي خليفة" و"ابن خلدون" أنَّ ابن خلدون يعتبر أكثر عمقًا وإسهابًا في عَرْضِه للمعطيات التربويَّة بخلاف "حاجي خليفة"؛ فإنَّه جعل حديثه مختصرًا.

 

وبعد:

فبعد هذه السِّياحة الفكريَّة في بحوث ومقالات الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، فإنه يَظْهر لنا بلا شكٍّ حَجْم السَّعة الفكريَّة والمنهجية التي اتَّصَف بها الكاتب - حفظه الله - حيث جعَلَنا نتجوَّل في رحلة ضمَّتْ علومًا مختلفة، ومعارِفَ شتَّى، وبصياغةٍ أدبيَّة رفيعة، تُخْرِج الكتاب من إطار كونِه مقالاتٍ أو بحوثًا صغيرة إلى كونه قراءةً موسوعيَّة في جوانب متعدِّدة من تاريخ هذه الأمَّة؛ من خلال كَشْفه لقوانين وسنن التَّغيير؛ لِتَكون دافعًا ينهض بالأُمَّة من جديد، وليثبت أنَّ التاريخ ليس مجرَّد وقائع وأحداث يتمُّ جمعها وتوصيفها، بل يتجاوز الأمرَ إلى كشف سننها وقوانينها، ولعلَّ هذه المُراجَعة تعطي للقارئ صورةً إجماليَّة عن أفكار هذا الكتاب، دون أن تُغنِي عن تفاصيله وأسلوبه وصياغتِه، وحُسْن عرضه الَّذي امتازَ به الكاتب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في كتاب "السنن الإلهية في الأمم والأفراد في القرآن الكريم"
  • تاريخ المسلمين ووادي باراك بولاية آسام
  • تاريخ المسلمين المغيب في أوروبا بين الحربين العالميتين (حوار مع د. عمرو رياض)

مختارات من الشبكة

  • الوحدة والتنوع في المجتمع الإسلامي خلال عصر صدر الإسلام (الموالي أنموذجا)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كيف تراجع كتابا (نموذج مقترح لمراجعة كتاب)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إسبانيا: مؤتمر إسلامي عن القوانين الإسلامية والتنوع الثقافي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تقنيات المراجعة الفعالة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مراجعة في كتاب "العناية بطلاب العلم عند علماء المسلمين" من تأليف الدكتور عبدالحكيم الأنيس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المحاسبة الحكومية وآليات مراجعة الوحدات الحكومية في ظل النظريات المحاسبية المستحدثة (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مراجعة كتاب: تحفظات المملكة العربية السعودية على المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان "دراسة مقارنة"(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • غامبيا: دار الإمام مالك تقيم احتفالها السنوي لمراجعة وتحفيظ كتاب الله(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حاجة المسلمين إلى مراجعة ما هم عليه وتصحيح أخطائهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور المراجعة الداخلية الحديثة وأثرها في الحد من المخاطر المصرفية (WORD)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب