• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (6)

قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (6)
د. فارس العزاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/4/2012 ميلادي - 13/5/1433 هجري

الزيارات: 8445

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الركن الخامس: الحث على طلب العلم:

قال الباجيُّ في وصيته الولدية: "واعلما أنَّكما تَصِلان إلى أداء هذه الفَرائض والإتيان بِما يَلْزمكما منها - مع توفيق الله لكما - بالعلم الذي هو أَصْل الخير، وبه يُتَوصَّل إلى البِرِّ، فعليكما بِطَلبِه؛ فإنَّه غِنًى لِطالبه، وعِزٌّ لِحَامله، وهو - معَ هذا - السَّببُ الأعظم إلى الآخِرَة؛ به تُجتنَب الشُّبهات، وتَصِحُّ القُربات، فكم من عاملٍ يُبعده عمَلُه من ربِّه، ويكتب ما يتقرَّب به من أكبر ذنبه! قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

 

والعلم سبيلٌ لا يُفْضِي بصاحبه إلاَّ إلى السَّعادة، ولا يَقْصر به عن درَجة الرِّفْعة والكَرامة، قليلُه يَنْفع، وكثيره يُعْلي ويَرْفع، كَنْز يَزْكو على كلِّ حال، ويَكْثُر مع الإنفاق، ولا يَغْصبه غاصب، ولا يُخاف عليه سارِقٌ ولا مُحارب، فاجتَهِدا في طلبه، واستعذِبا التَّعبَ في حِفْظِه، والسَّهرَ في درسِه، والنَّصَب الطويل في جَمْعه، وواظِبا على تقييده ورِوايته، ثم انتَقِلا إلى فهمه ودرايته، وانظُرا أيَّ حالةٍ من أحوال طبَقات الناس تَخْتاران، ومَنْزلةَ أيِّ صنفٍ منهم تُؤْثِران؛ هل ترَيان أحدًا أرفع حالاً من العلماء، وأفضلَ مَنْزلة من الفقهاء؟ يحتاج إليهم الرَّئيسُ والمرؤوس، ويَقْتدي بهم الوضيعُ والنَّفيس، يَرْجع إلى أقوالِهم في أمور الدُّنيا وأحكامها، وصِحَّة عُقودها وبياعاتها، وغَيْر ذلك من تَصرُّفاتِها، وإليهم يُلْجَأ في أمور الدِّين، وما يلزم من صلاةٍ وزكاة وصيام، وحلالٍ وحرام، ثُمَّ مع ذلك السَّلامة من التَّبِعات، والحَظْوة عند جميع الطَّبَقات.

 

والعلم ولايةٌ لا يُعزَل عنها صاحِبُها، ولا يُعَرَّى لابِسُها، وكلُّ ذي ولايةٍ وإن جلَّت، وحرمةٍ وإن عَظُمَت، إذا خرجَ عن ولايته، أو زال عن بلدتِه، أصبحَ من جاهه عاريًا، ومن حاله عاطِلاً، غير صاحب العلم؛ فإنَّ جاهه يصحَبُه حيث سار، ويتقدَّمه إلى جميع الآفاق والأقطار، ويبقى بَعْدَه في سائر الأعصار".

 

هذا النصُّ من وصية أبي الوليد لِولَدَيْه، قوامُه جملةٌ من الأصول والأسُس التي ترتبط بِمَآلات الإنسان في العاجل والآجل، وحتَّى يتسنَّى لنا الوقوفُ على مقاصد الباجيِّ من هذا النَّص مع ظهوره وجلائه، كان لا بدَّ من تفكيكه، وإعادة تركيبه بِما يتَناسب مع مقاصد قِراءتنا الموضوعيَّة لوصيَّتِه الولديَّة، والمبتَغى من ذلك أمران: الأوَّل: معرفةُ المنهجيَّة الصحيحة في قراءة النُّصوص، الثاني: إدراك الفوائد العِلميَّة والمعرفيَّة، وفي هذا السِّياق نرى أنَّ هذا النصَّ يتأسَّس على الآتي:

أولاً: الارتِباط والتَّلازُم بين حُسْن أداء الفرائض والقيام بِمُقتضاها وفقًا لِمَقاصد الشَّارع من جهة، وبين العلم بِها من جهةٍ أخرى؛ إذْ لا يمكن أن تؤدَّى هذه الفرائض بِشُروطها وأركانها وكيفيَّاتها أصولاً وفروعًا دون التلَبُّس بالعلم المُفْضي إلى إدراكها، وتحصيل مقصودها، وعلى أساس هذه القاعدة تأسَّس النَّهْج والهَدْي النبويُّ، حيث التَّأكيد على تعَلُّم الفرائض ومعرفة صفاتها وهيئاتها وكيفيَّاتها وما تعلق بها، ولو تأمَّلت في إطار السِّياق الموضوعيِّ لنصوص الكتاب والسُّنة، لأدرَكْتَ قيمة هذا التَّرابط بين طرَفَيْ هذه القاعدة، وحِرْص الشَّارع على تعَلُّم العلم والأَخْذ به وتَنْزيله، وهذا التأكيد قد أخذَ مِساحة واسعةً من الخِطاب القرآني وبيانه النبوِي، سواءٌ في إطاره العامِّ أو إطاره الخاص:

أمَّا على وجهه العامِّ، فقد قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، وقال أيضًا: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((طلَبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم))[1].

 

وأمَّا على وجهه الخاصِّ، ففي قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))[2]، وقوله: ((خُذوا عنِّي مناسِكَكم))[3].

 

ثانيًا - الأثَرُ الذي يترتَّب على الأخذ بالعلم والتلبُّس به، فقد ألمحَ الباجيُّ - رحمه الله - إلى المآلات المَنْظورة التي يسَعُ المرء الوقوف عليها في عاجلته قبل آجِلَتِه، ومنها:

• أنَّ العلم أصلُ كلِّ خير، ألاَ ترى أهل العلم وطلبته ومكانتهم وأثرَهم بين النَّاس، ومدى التَّوقير والاحترام والتقدير الذي يَنالونه عندهم، فما مِن مُشكِل إلاَّ وكان للعلماء الدَّورُ الأكبر في دَفْعِه أو رفعه، وما من أزمةٍ حادثة بين الناس كبارًا وصغارًا إلاَّ ولأهل العلم أثَرُهم في تعطيلها أو التقليل من أثَرِها... إلخ.

 

• أن العلم يُتوصَّل به إلى البِرِّ، وهي قضيَّة فيما يَظْهر من المُسلَّمات، فما من خصلة خَيْر إلاَّ وكانت وسيلتها العلم؛ إذْ كيف يتسنَّى للعبد فِعلُ الخير دون أن يَقِف على حقيقته وهيئته، وما لا يتحقَّق إلاَّ بالعلم والوقوف على مصادره ومرجعيَّته - الكتاب والسُّنة.

 

• أنَّ العلم غِنًى لطالبه، وعِزٌّ لِحامله، وإذا كان العالِمُ يرى ثَمرة عِلمه في حياته جليَّة ظاهرة، فإنَّ علمه يكون أكثر تأثيرًا وثَمرة بعد مَماتهم، وهذا حالُ كثيرٍ منَ العلماء والفقهاء والمُحدِّثين، فكم من أجيالٍ عرفَتْها البشريَّة، ولكن مَن مِنهم كان أشهرَ ولا أعرف من أهل العلم وطلَبتِه، وما زالَتْ كتب الطَّبقات تنقل لنا تاريخَ العلماء وسِيَرهم، وما أبلغَ عبارةَ الباجيِّ وهو يُجلِّي لولدَيْه ولنا مَنْزلةَ العلمِ وفضلَه في الدُّنيا قبل الآخرة؛ إذْ بالعلم رِفْعةُ الدَّرجة والمَنْزلة، وهو موضع الحاجة، ومَحلُّ الاقتداء والائتِساء، وعليه وعلى حمَلَتِه تتوقَّف صحَّة المعاملات وعقود الناس وبيوعهم.

 

• أنَّ العلم سبيل إلى تجَنُّب الشُّبهات والبعد عنها، ولا يخفى أنَّ سبيل أهل العلم المُحقِّقين يَظْهر بجلاءٍ في مواقف الشُّبَه والفِتَن، فما من فتنةٍ تَنْزل بالناس إلاَّ وكان لأهل العلم أثَرٌ في كشْفِها، وتحذير الناس منها قبل وُقوعها، فالفِتَن كما قال بعضُ السَّلَف يَعْلمها العلماء قبل وقوعها، بخلاف غيرهم؛ لا يعلمونها إلاَّ بعد وقوعها، وقد نصَّ الكتاب المبين على قيمة أهل العلم في مواطن الشُّبهات، فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، فالفارق بين أهل العلم الرَّاسخين في العلم، وبين غيرهم: أنَّهم على السَّبيل والصِّراط المستقيم، يتَّبِعون نَهْج الحقِّ والهُدى، ويفرقون بين الحقِّ والباطل، بل هم يُدْرِكون بعِلْمِهم وتَوْفيق الله لهم خيرَ الخيرين وشرَّ الشرَّيْن في مواطنِ تَزاحُم الأحكام وما أكثرَها! وانظر إلى البيان النبويِّ في تأويل وبيان هذه الآية الكريمة؛ إذْ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيتُم الَّذين يتَّبِعون ما تشابَهَ منها، فأولئك الذين سَمَّى الله، فاحْذَروهم))[4].

 

ثالثًا: مآل العامل بغير عِلْم، ومصير الانفِصام بين الهدى والعمَل على خلافه، وهنا جاء تحذيرُ الباجيِّ؛ لِيَكون إعلانًا يُدوِّي ويَقْرَع الأسماعَ والقلوب والعقول، ويَمْلؤها رهبةً وخشية من التلبُّس بالعمَلِ بعيدًا عن العلم، "فكم من عاملٍ يبعده عمَلُه من ربِّه، ويكتب ما يتقرَّب به من أكبر ذنبِه!".

 

بِهَذه الكلمات أعلنَ الباجيُّ مدى الخَسار الذي يَلْحق بالمرء عند البُعْد عن العِلم ونَهْجه القويم، وما ضلَّ أهل الكتاب وخاصَّة النَّصارى إلاَّ على إثر العمل بلا عِلْم، وإذا كانت الآياتُ التي ساقها في وصيَّتِه ظاهرةَ المبنى والمعنى، فإنَّ السُّنة النبوية جاءت مؤكِّدة مُقْتَضاها ومَقْصودها، قال العِرْباضُ بن سارية: "وعظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا بعد صلاة الغَداة موعظةً بليغة، ذرفَتْ منها العيونُ، ووجلَتْ منها القلوب، فقال رجلٌ: إنَّ هذه موعِظَةُ مُودِّع، فماذا تَعْهَد إلينا يا رسول الله؟ قال: ((أوصيكم بِتَقوى الله، والسَّمْع والطَّاعة، وإنْ عَبْد حبَشي؛ فإنَّه مَن يَعِشْ منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأُمور، فإنَّها ضَلالة، فمن أدركَ ذلك منكم، فعليكم بِسُنَّتِي، وسُنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ))[5]، وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ))[6]، وفي رواية مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمْرُنا فهو رد))[7].

 

رابعًا - في نصِّ الباجيِّ المتقدِّم إشارةٌ منهجيَّة إلى طريقة التعلُّم والتعليم المُفضَّلة عنده، وهي التَّقْييد والجمع، ثم الفَهْم والتفَقُّه بعد الجمع، ولقد ثارَ جدَلٌ في العصور الحديثة حول طريقة المُتأخِّرين الموروثة في جامعات التَّعليم العتيق، التي لَم تزَلْ تعتمد الحِفْظ والاستِظْهار للنُّصوص، دون أن تُكلِّف نفْسَها عناء الدُّخول في مدارج التفقُّه، بقواعده ومناهجه، فكانَ أنْ جَمُدَ التَّعليم، وساد الجهل والتَّقليد، لكن هذا أدَّى إلى نوعٍ من الغلُوِّ في رَدِّ الفعل، فكانَتْ طائفةٌ من الناس بسبب ذلك، يُقلِّلون من شأن الجَمْع والحفظ والاستظهار لِنُصوص التُّراث، والحقيقة أنَّ الأمر ليس على إطلاقه، فالجمع مهمٌّ جدًّا؛ لأنَّه يكون مخزونًا ثقافيًّا للطالب، ويُعينُه على سرعة الاستحضار للنُّصوص والشواهد والأفكار.

 

وهذه المنهجيَّة تعين الطالب من جهةٍ أخرى على التمَرُّس بلغة التُّراث الإسلاميِّ، بما هي مفتاح المفاتيح لِفَهم القرآن الكريم والسُّنة النبوية، إلاَّ أنَّه لا بد من التنبيه إلى أنَّه ليس كلُّ شيء صالحًا للحفظ والاستظهار، وإنَّ خير الحفظ والاستظهار إنَّما هو ما كان حفظًا للقضايا والأفكار، لا ما كان حفظًا حرفيًّا للعبارات، وتَنْغيمًا للكلمات، فإنَّما يُحفَظ بالحروف والألفاظ كتابُ الله وحْدَه، ثم سُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلُّ جهد في غيرهما أوْلَى أن يأخذه طالِبُ العلم في إطار الفَهْم والتفَقُّه والتفكُّر؛ لأنَّ هذا أدعى لِتَكوين الملَكةِ العقليَّة الاجتهاديَّة، والشخصيَّة النقديَّة الاستنباطية التي تُحلِّق في سماء الإبداع والتجديد[8].

 

وهذا لا يَمْنع من القول: إنَّ من طلبة العلم مَن يجمع بين الحفظ والفَهْم، فيكون حافظًا فقيهًا مجتهدًا؛ كحال الرَّعيل الأوَّل من الأسلاف، ومَن سار على منهجهم، إلاَّ أنَّه لا يَغيب عن الأذهان أنَّ عصورنا الحديثة تَقْضي أن يكون طالِبُ العلم متخصِّصًا بعد أخْذِه إطارًا عامًّا لعلوم الشَّريعة؛ وذلك لِتَشعُّب العلم وكثرة مَسائله وفنونه، مِمَّا يجعل صعوبةً في إدراكه على الوجه الجمعيِّ التَّام؛ إذْ هذا يَخْرج عن إطار المعقول والممكن، مع تَناقُص القدرات والإمكانيَّات لدى كثيرٍ من طلَبة العلم مع وجود الشاغلات والمُلْهِيات.



[1] أخرجه ابن ماجه في "سننه"، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم 224، وصححه الألباني "المشكاة" رقم 218.

[2] أخرجه البيهقيُّ في "السُّنن الكبرى"، رقم 3672.

[3] المرجع السابق، رقم 9307.

[4] أخرجه مسلم، باب النهي عن اتِّباع متشابه القرآن، رقم 6946.

[5] أخرجه الترمذي، باب الأخذ بالسُّنة واجتناب البدع، رقم 2676.

[6] أخرجه مسلمٌ، باب نَقْض الأحكام الباطلة ورد المُحْدَثات، رقم 4589.

[7] المرجع السابق، رقم 4590.

[8] "مفهوم العالم والعالمية: من الكتاب إلى الربانيَّة"، فريد الأنصاري، ص48.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (1)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (2)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (3)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (4)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (5)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (7)
  • قراءة في وصية أبي الوليد الباجي (8)
  • ترجمة أبي الوليد الباجي
  • النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي (1)

مختارات من الشبكة

  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهمية القراءة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص مفاهيم القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أبو الوليد الباجي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • رجال الفكر والإصلاح في الغرب الإسلامي: الإمام أبو الوليد الباجي نموذجا (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • وقل رب زدني علما(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • القراءة المقبولة والمردودة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الزمخشري في الاستشهاد بالقراءات القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قياس وتدريبات القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب