من أنتم، من أنتم، من أنتم؟!

من أنتم، من أنتم، من أنتم؟!

(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة الثانية)

إنْ جُرِحت كرامتي يومًا، وضعتُ مَن جرحَها في مكبِّ النفايات، وأدرت له ظهري، ولا أبالي.

من أنتم، من أنتم، من أنتم؟!

نحن ملايين من البشرِ أُريقت كرامتُهم على طرقاتِ العبث وانعدام الضَّمير واللامبالاة.

نحن شيخٌ مريض يشتكي الفاقةَ، الْتهم المرضُ جسدَه لا يقوى على شراءِ الدَّواء.

نحن طفلٌ رضيع انتظر والداه قدومَه قرابةَ العشر السنوات، حتى إذا جاء لم يجدْ حضَّانةً، واستقبله الموتُ وكان الوداع.

نحن شاب ذو كفاءة حُرِم من وظيفةٍ حُجزتْ لابن أحد الأغنياء.

نحن أم تعولُ خمسةَ أبناء، ليس لها زوج ولا مال، ليس لها في سعيها إلا الدُّعاء.

نحن ملايين الشَّبابِ العاطل، وملايين الفتيات اللاتي فاتَهنَّ قطارُ الزَّواج.

نحن الغرباءُ في أوطاننا، سلبتمونا روحَ الانتماء، وحتى نقاوة الهواء.

وأنتم جدران تصدَّعتْ على رؤوسِ أصحابها للغشِّ في البناء، ومواد متسرطنة أهلكتِ الزَّرعَ والنسل، والتهمت فلذاتِ الأكباد، وفساد استشرى حتى تأذَّى منه الدَّواب، وسجونٌ امتلأت بأفواهِ الحقِّ، وتعذيب لكلِّ مَن استعصى على الجواب، وموالاة لأعداء كان لهم في الإجرامِ إسهاب.

نحن دعاءُ المظلومين.

نحن شعبٌ أرادَ استردادَ كرامتِه.

نحن شعب أرادَ الحياة.

احذر شركَ الموت... (لافتة) يجب أن توضعَ على الكراسي التي تصنع العداء، وتجيد زراعة البغضاء، استعدَتْ قلوبَ الملايين من أبناءِ الشَّعبِ عندما سكنت برجًا عاجيًّا فوق السَّحاب، ورأت النَّاسَ كالذَّرِّ لا تستحقُّ إلا الجحور سكنًا والفتات غذاء، ناهيك عن أخلاقٍ انتُهكت عذريتُها، وإغراق في ثلاثيةِ الضياع؛ (مخدِّرات، وجهل، وغِناء)، وتنحية الدِّينِ لدواعٍ أمنية، وإشعال الفتن الطائفية من أساليبِ البقاء.

والبشر لا تحملُ لهم همًّا في ظلِّ ثلاثيةِ الإلهاء؛ (دروس خصوصية وفقر وغلاء)، وهمُّ الأمَّةِ وقضايا فلسطين بركانٌ خامل خمد بفعلِ الكليبات والأفلام والمسلسلات، و(الروشنة) و(التهييس) والعاميةُ لغةٌ اخترعها الخواء؛ خواء الصُّدورِ من حبِّ الفصحى والتباهي بلغةٍ عرجاء، ينطق بها العجمُ ولغتنا في السَّماء.

وأراضٍ بِيعت، وأخرى نُهبت، ومصانعُ أُغلِقتْ، وأسر شُرِّدت، ولا عزاءَ للبؤساء.

وبطانة سوء اقتربت من السُّلطةِ زلفى وسرت فيها كالوباء، وأواصرُ وحدةٍ تقطعتْ ونزاع وفرقة واختلاف عصفت ريحها بالأشقَّاء.

أنتم هذه الحقبةُ السوداء.

ونحن شعبٌ أراد استردادَ كرامتِه، شعبٌ أراد الحياة.

نحن سكبنا دموعًا، عانينا حرَّ وقعِها على وجنتَيْنا لتردي الأوضاعِ، وأنتم ملء الأفواه تضحكون، وملأ البطون تنامون.

لم نرَ من وعودِكم إلا السَّراب، لم نرَ انفراجةً تنزل على رمضاء قلوبنا بردًا وسلامًا، لقد جاوزَ الظَّالمون المدى، واستحال العيشُ كالنَّعام، فكانت ثورتُنا لله، ثم عزتنا المسلوبة وكرامتنا المتردية، وكانت ثورتُكم لكبريائكم المهان، وكراسيكم المهدَّدة، فأُريقت الدِّماءُ، وسادت الفوضى، وانعدم الأمنُ والأمان، من حملك على هذا؟

قتل الأبناء، وختم تاريخك بهالةٍ سوداء، وأي ذكرى تركتَها لنا؟!

زراعة الصحراء أم قتل الشُّهداء، بناء مساكن للشَّبابِ أم نهب الأموال وسرقة الأملاك؟!

أنتم أفسدتم أذواقَنا، وقتلتم الحياءَ في نسائنا، وفيكم دعاةُ باطلٍ وسفراء فساد.

أنتم كممتم أفواهَنا، وزرعتم البغضاءَ في قلوبِنا، والضعفَ في أبدانِنا، والسوء في أخلاقنا، والخور في همتنا.

ونحن شعبٌ أراد استردادَ كرامتِه، شعب أرادَ الحياة.

وأنتم حقبةٌ طُوِيت صفحتُها، وما زالت آثارُها قابعةً في النُّفوسِ تئنُّ منها الأبدان لعطشى الحرية، لن تغير وجه الأرض إلا بكلمةِ حقٍّ لا تخشى فيها لومةَ لائم، وشعلة الأمَّةِ لن تنطفئ ما دام للحقِّ رجالٌ، وللإخلاصِ راية، وللجهادِ وفاء.