• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام
علامة باركود

الشيخ هشام الحمصي.. خطيب الأدباء وأديب الخطباء

أ. د. محمد حسان الطيان

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي

تاريخ الإضافة: 3/9/2011 ميلادي - 4/10/1432 هجري

الزيارات: 24027

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا أعرف فيمن عرفت خطيباً يتوفر على خطبته كما يتوفر عليها الشيخ هشام.

 

ولا أعرف فيمن عرفت راوية للشعر والحكمة والأدب والطرفة يحفظ منها كما يحفظ الشيخ هشام ويروي منها كما يروي الشيخ هشام.

 

ولا أعرف فيمن عرفت عالما يتفرّد بالرأي ويقدح في زناد الفكر، ولا يهاب من جهره فيما تفرد أو اجتهد كما يتفرّد الشيخ هشام وكما يجتهد الشيخ هشام.

 

فملاك أمر الشيخ إذن أمور ثلاثة تميزه فيما أحسب عن كثير ممن عاصره، وهي: خطابة محكمة.. ورواية مرسلة.. وفكر حر أصيل.

 

أما الخطابة المحكمة فقد شهد لها القاصي والداني، وتوافدت لسماعها والإفادة منها الجموع الغفيرة من كل حدَب وصوب، وحيثما حل الشيخ أو ارتحل، بدءاً بمسجد الفردوس، ومرورا بالبدر وسعد بن معاذ، وانتهاءً بالثناء. وما أظن مسجدا من مساجد الشام يكتظّ فيه المصلون، أو يزدحم رواده في صلاة كما يكتظون ويزدحمون في هذه المساجد التي حل بها الشيخ هشام خطيبا، حتى إن دوريات المرور لتحفُّ بالمسجد من كل جانب تنظم وقوف السيارات، وتتابع الأرتال التي تتكدس في الشوارع المحيطة بالمسجد أو القريبة منه، بل إن بعض الجوار ليتأذى من كثرة الوافدين على تلك المنطقة إبان كل صلاة جمعة.

 

ولا تحسبن هذه الجموع – على كثرتها واختلافها وتنوع مشاربها ومواردها – من طَغام الناس وغوغائهم، بل هم النخبة علما وثقافة وفهما وحذقا، فيهم الطبيب والمهندس، والقاضي والمحامي، والوزير والسفير، والأستاذ الجامعي والمدرس المتميز، والضابط والطيار، وما لا أحصي من كرام الناس وعلية القوم، يجمعهم جميعا هم واحد هو الفوز بسماع خطبة بأوجز عبارة، وأحلى بيان، وأحسن استدلال، وأحكم تسلسل، وأجمع موضوع.

 

وكان والدي رحمه الله وأحسن إليه – وهو الأزهري الذي لم ينقطع عن طلب العلم وتعليمه - واحدا من المفتونين بخطبة الشيخ هشام، لاحقه في مساجده الأربعة، برغم كبر سنه وتعسر وجود المكان المريح لمثله، فقدكان يشق طريقه إلى مسجده مبكرا، متوسلا للوصول إليه كل وسيلة ممكنة، لا يصرفه عنه بعد، ولا يقعد دون غايته مرض أو عجز، حتى إنا كنا مرة بصحبته في نزهة بعين الفيجة – وهو منتزه جميل يبعد عن دمشق نحوا من عشرين كيلا- فلما لاحت تباشير الصلاة –أعني صلاة جمعة – هم بالقيام طالبا أن نيمم شطر الشيخ هشام، وأين منا الشيخ هشام، إنه على بعد ساعة من الزمان، وأقسم لولا إلحاحنا لمضى، فخطبة الشيخ عنده أحلى من أحلى سيران، وأجمل من أجمل بستان!

 

ولا غرو فالشيخ يحترم هذه العقول التي تفد إليه، ويقدرها حق القدر، باذلا وسعه ومستفرغا جهده في سبيل إفادتها بكل مفيد، وإطرافها بكل ماتع وجديد. ما أعلم أني حضرت له خطبة من خطبه، إلا خرجت بعلم غزير، وشعر وفير، وبيان عال، وفصاحة معجبة، وبلاغة مطربة.

 

وهو يحتشد لخطبته، يعدُّ لها ويحضِّرها، ويزوِّر الكلام في جنانه قبل أن يتفوه به بلسانه. بل إنه ليبدأ هذا الإعداد والتحضير من لدن فراغه من خطبة سابقة، لا يني ولا يفتر، يجيل الفكر فيما سيقوله في الخطبة اللاحقة، ويتبع الفكر القلم ليضع لخطبته مخططا يُحكم فيه محاورها، ويبرز أركانها، ويعدد فروعها، ويربط كل فرع بأدلته وشواهده وأمثلته، من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والشعر الرائق، والمثل السائر،والحكمة البينة. حتى إذا ارتقى ذرا المنبر هزَّه هزّاً بكلام بليغ، وإلقاء محكم، وإعراب لأواخر الكلم، لا يكاد يغفل واحدة منها، حتى تلك التي يقف عليها، إمعانا في البيان، وإبلاغا للكلام، وإحكاما للقول.

 

وله في الإلقاء عناية بالغة، تشد كل من يستمع إليه، وتأخذ بمجامع لبه، وتملك عليه قلبه وعقله، فهو يشتد في مواطن الشدة، ويلين في مواطن اللين، ويذكرني بعبارو كنت كتبتها في الخطابة جاء فيها: "إن الخطيب الحق هو الذي يأسر سامعه بسلامة لغته.. وعلو بيانه.. وجمال أدائه.. وتناغم صوته مع مضمون كلامه.. يعلو فيه ويجهر في مواضع الإنذار والوعيد حتى كأنه هدير الفحل..أو هزير الريح.. أو هزيم الرعد. ويلين في مواضع اللين والتبشير حتى يمتزج بأجزاء النفس لطافةً.. وبالهواء رقّةً.. وبالماء عذوبةً.. وبالطيب أريجاً..وبالنغم إيقاعاً وجرساً" وكذا هو الشيخ هشام.

 

فإذا تكلَّم خِلْتَهُ متكلّماً
بجميع عِدَّةِ أَلْسُنِ الخطباءِ

فكأن آدم كان علّمه الّذِي
قد كان عُلِّمَهُ مِنَ الأسماءِ

 

أذكر أنه تناول في إحدى خطبه موضوع القضاء والقدر، فأشفقت عليه وربي من تشعب هذا الموضوع ووعورة مسلكه، ثم راعني فيه أنه بينه وأحكمه وأوجزه في ثلث الساعة التي يلتزم بها في خطبه لا يكاد يزيد عليها إلا دقيقة أو اثنتين، فلما فرغ وجلسنا مجلسنا الذي يخصنا الشيخ به، أثنيت على الخطبة معجبا بحسن إحكامها، وروعة إيجازها، قائلا له: إنه إيجاز قارب حدّ الإعجاز، فأكد لي – حرس الله مهجته – أنه توفَّر عليها أسبوعا كاملا، وكتب فيها ثلاث خطط، لتأتي بهذه الحلة القشيبة.

 

سحبان يقصر عن بحور بيانه
عجزاً ويغرق منه تحت عباب

وكذاك قس ناطق بعكاظه
يعيا لديه بحجة وجواب

 

ومن بديع أمر الشيخ أنه – على كثرة محفوظه من الشعر ووفرة ما تحصل لديه منه- لا يكتفي بما لديه، بل يتعهده ويزيد دائما عليه، قرأت في مجلة الفيصل مرة أبياتا رقيقة تعبر عن غيرة المرأة من الكتاب، لأنه يزاحمها على الاستئثار بزوجها، مطلعها:

 

تغار من الكتاب إذا رأتني
أقلبه وأترك وجنتيها

 

فلما كانت الجمعة سمعتها من شيخنا على منبر الفردوس، وهي الخارجة لتوها من فرن قائلها،إلا أنه أدخل عليها تعديلا لتليق بالمنبر فقال:

 

تغار من الكتاب إذا رأتني
أطالعه ولا أرنو إليها

 

فعجبت لفطنة لشيخ وقوة حافظته وحضورها، أمتعه الله بها وزاده من فضله.

 

وصعد المنبر يوما في يوم مثلج، والشام ترفل بحلة بيضاء من غيث السماء، فاستهل خطبته بقصيدة القواس:

 

طوفانُ ثلجٍ طَغَى، جلَّ الذي خَلَقَا
ونحن في فُلْكِ نوحٍ، نأمنُ الغَرَقا

أين السماءُ؟ وأين الأرض إنهما
رَتْقٌ، كما كانتا من قبلِ أن فُتِقا

هلِ الكواكبُ والأفلاكُ عائدةٌ؟!
وهل نرى قَمَرَيْها بعد أن مُحِقا؟!

لا فوقَ لا تحتَ لا أرجاءَ، قد مُزجَتْ،
مرأًى جميلٌ، ولكن يبهرُ الحَدَقا

الثلجُ ثوبٌ أنيقٌ، لا يُقاسُ به
ثوبُ العذارى، وإن غالتْ به أَنقا

قد جلَّلَ الأرضَ، دانِيها وقاصِيَها
كأنما اللهُ ألقى فوقَها طَبَقا

لما مشيتُ عليه خفْتُ أُفسدُه
إن الجمالَ حبيبٌ حيثما خُلِقا

 

والشيخ حفظه الله ورعاه يجمع إلى الموهبة المعرفة، وإلى الرواية الدراية، فهو عارف بشروط الخطبة الناجحة، خبير بكل ما يحتاج إليه لخطيب، وقد حضرت له في الكويت محاضرة ألقاها على الأئمة والخطباء بدعوة كريمة من وزارة الأوقاف، بسط فيها الكلام على كل ما ينبغي للخطيب، وما لا ينبغي، منوِّها بأهمية التحضير والإعداد للخطبة فضلا عما يشترط في الخطيب من شروط، ويقيني أنه من خير من حقق تلك الشروط التي نقلها الجاحظ في كتابه الماتع البيان والتبيّن عن أبي دواد حيث قال:

"رأس الخَطابة الطبْع، وعَمُودُها الدُّربة، وجناحاها رواية الكلام، وحَلْيُها الإعراب، وبهاؤُها تَخيُّر الألفاظ، والمحبَّة مقرونةٌ بقلّة الاستكراه"[1].

 

فالخطابة طبع لديه نشأ عليها مذ كان في مقتبل العمر وريّق الشباب، وقد تمرّس بفنونها، ونهد لها في كل محفل ومنبر، وعنده زاد وفير من رواية الشعر والحكمة والمثل والطرفة، والإعراب فنه وهمه وسدمه، وقد درَّس النحو وحاضر به في كبريات معاهد اللغة والشريعة، وله فيه تعليلات طريفة، وتخير الألفاظ صنعته وحذقه، وقد جبلت القلوب على محبته، ولعمر الله إن من كانت هذه صفاته لتهفو إليه النفوس، وتشتاقه الأرواح، وتشنف بسماعه الآذان، وتسعى إليه المنابر ولسان حالها يردد:

 

شرح المنبر صدرا
لتلقّيك رحيبا

أترى ضَمّ خطيبا
منك أم ضُمِخَ طيبا؟[2]

 

ومما يزيد خطبته بهاء وكمالا، حسن تخيره لما يقرأه من الآيات في صلاة الجمعة بعدها، إذ هي تناسب الموضوع الذي طرقه، وروعة أدائه لما يتلوه من هذه الآيات فيها، إذ هو يحبرها تحبيرا، ويصور ما فيها من معان تصويرا.

 

وأما الرواية المرسلة فأمر عرف الشيخ به أنى حل أو ارتحل، فهو نزهة المجالس، وسميرها، ومحدثها، وواسطة عقدها، يتسابق عارفوه ومحبوه إلى دعوته، ليحظوا بحديثه الشائق، وحكايته الأخبار وإنشاده الأشعار.

 

والحق أنه محدث لبق يطوي صدره على مخزون من الشعر ليس له قرار، فضلا عن الفقه والتفسير والنحو والصرف والبلاغة، وهو يدرك قيمة ما عنده، فينثره على محدثيه بنغمة شجية ندية، تسترعي الانتباه، وتلفت الأنظار، وتشد الأسماع، وتشحذ الأذهان، يلين في موضع النجوى واللين حتى لتحسبه الهامس بالحب والحنين، ويشتد في موضع الشدة حتى لتخاله الأسد الهصور، يصور كل حرف ينطق به، ويمثل كل تعبير يعبر عنه، فتعيش معه صورة الحدث، وروعة الموقف، وجمال الوصف، ورقيق المشاعر، وعذوبة الغزل، ورقة النسيب. وإذا كان البحتري قد ارتاب في تماثيل إيوان كسرى وصوره حتى قال:

 

يَغتَلي فيهِمُ اِرتيِابيَ حَتّى
تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ

 

فإنك حين تستمع إلى الشيخ هشام وهو ينشد الشعر تخال أشخاصه أمامك، تكلمهم ويكلمونك، وتجالسهم ويجالسونك.

 

لقد تعلمت من الشيخ هشام ألا ألقي الكلام الفصيح – شعرا كان أو نثرا- على عواهنه، بل أنشده إنشادا، أترنم بكل كلمة فيه، وأعطي كل حرف حقه وكل تعبير مستحقه. وهي سنة سنها لنا حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول:

 

تغنَّ بالشعر إمّا كنت قائلَه
إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

 

وهو يخصني مع بعض الصحب بجلسات ودعوات ونزهات فيها رواحنا ومراحنا، وسرورنا وحبورنا، وسعادتنا وهناءنا، عمودها وذروة سنامها حديثه الذي يتدفق كالسيل الأتيِّ أو البحر الذي لا تنقضي عجائبه، فلكل موضوع عنده محفوظاته الحاضرة وشواهده البادية، عظة كان أم خبرا، غزلا كان أم وصفا، مدحا كان أم ذما، شعرا كان أو نثرا...

 

صحبته يوما في رحلة إلى لبنان، تلبية لدعوة كريمة دعانا إليها الأخ الحبيب الشيخ رمزي دمشقية رحمه الله وطيب ثراه، وحضرها جمع من الإخوة أذكر منهم الشيخ ناصر العجمي والأستاذ أحمد شميس والأستاذ إبراهيم الزيبق والأستاذ بسام الجابي، فمازال ينشدنا الأشعار ويروي أطايب الكلام حتى انقضى النهار ولم ينفد جزء مما في جعبته.

 

على أنه يجمع إلى قوة حافظته وسعة روايته دراية بالنظم، وشاعرية مسعفة كثيرا ما صحح فيها خللا تبين له في قصيدة يرويها، أو تمم نقصا تبدَّى له في مقطوعة يحفظها، بل إن له قصائد مفردة في الحب والطبيعة والإخوانيات والطفولة بثها فيما نشر من كتب، وتداولها إخوانه وأصحابه فيما بينهم. فمن ذلك قوله في البنت:

 

ما قدَّم الله ذكرَ البنتِ في آيٍ
تُتلى على الدهر تعليما وقرآنا

وأوعد الله من يُلقي بها سفهًا
تحت التراب هوانًا ثم نيرانا

وطالب النسل تفضيلًا لأمهمُ
على الأبوّة إكراما وتحنانا

إلا لنوقنَ ما في البنتِ من كرمٍ
وأنها خيرُ ما أعطى وأولانا

فنحمد الله في سرٍّ وفي علنٍ
على عطيته شكرًا وعرفانا

ما في الجمال وما في اللطف من أثرٍ
إلا لها منه أوفى القدر ميزانا

 

وأما علم الشيخ وفقهه فقد أخذه عن أربابه، ثم زكا عنده ونما، إذ تربى في كنف والده الشيخ عبد الرزاق الحمصي مفتي سورية الفقيه والخطيب المفوه، ونشأ في رحاب الثانوية الشرعية ليأخذ عن جلة شيوخها من أمثال شيخنا العلامة محمد صالح الفرفور، والشيخ لطفي الفيومي، وتخرج بكلية لشريعة التي كانت تضم أساطين العلم والمعرفة بالفقه والقرآن والحديث والعربية، أمثال الأستاذ محمد المبارك والأستاذ الدكتور فوزي فيض الله، والأستاذ الدكتور فتحي الدريني ...وغيرهم. ثم حصل على دبلوم التربية، وكان من خير المؤهلين لمتابعة الدراسات العليا، ونيل درجة الدكتوراه، ولكن الله قدر أن يكون أعلى من ذلك وأنبل، ولعمري إن كثيرا من حملة الدكتوراه ليتمنون مكانه ومنزلته ويفيدون من علمه وفضله ولسان حالهم يقول: كل الصيد في جوف الفرا.

 

وكان يرفده في طلب العلم حب للكتاب وشغف بالمطالعة وإدامة نظر في قضايا العلم ومسائله، حتى استوى عالما يناقش كبار العلماء ويتخير من آرائهم ما يقنع به عقله ويستقيم مع جادة فكره، ولهذا قد يجتهد فيخالف في ما يراه آراء معاصريه حول بعض المسائل الفقهية وتفسير بعض الآيات القرآنية، وهو اجتهاد مؤيد عنده بالدليل والبرهان العقلي والنقلي، ومبني على أساس متين من فهم اللغة وأسرارها لا يتطرق إليه شك.

 

والشيخ واحد من عشاق العربية، وحاملي رايتها، الذائدين عنها، المنافحين دونها، العاملين ليل نهار في سبيلها وسبيل قرآنها، وقد اشتهر بين الناس حرصه على اللغة والأدب وكثرة عنايته بهما في خطبه، وإلحاحه على تنبيه الناس على أسرار اللغة وجمال الأدب والشعر، حتى عيب ذلك عليه، وهو لعمري ليس بعيب، بل مفخرة من مفاخره.

 

وقد أخرج الشيخ هشام عصارة علمه وفقهه، وروائع حفظه واختياراته في كتب صغيرة الحجم، عظيمة القدر، كبيرة الفائدة والنفع، أقبل عليها الناس يقرؤونها ويفيدون منها، وكنت واحدا منهم، بل إني لم أستغن عنها في مغتربي فهي دائما معي أنهل منها وأعلّ، وينهل معي أولادي، وكل من يبلغه خبرها من أصحابي، أذكر منها: عيون الأشعار وروائع الأفكار، وقطوف الآداب وثمرات الألباب، والجديد في فقه لغة القرآن المجيد، ونظرات في كتاب الله تعالى، وخير الأدب عند العرب، ودراسات منهجية في التفسير والحديث والفقه واللغة، وجواهر الفوائد في علوم اللغة والتفسير والقواعد.

 

وبعد فإني أسأل الله العلي العظيم أن يبارك في حياة الشيخ هشام، ويسعده، ويمتع به، ويقر عينيه بأولاده وطلابه وعلمه ولغته، ويجزيه عنا وعن الأمة خير الجزاء وأوفاه، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



[1] البيان والتبيين 1/44.

[2] قالهما أبو عبد الله بن القيسراني الشاعر لهارون بن أحمد بن عبد الواحد (ت 537) عندما ولي خطابة حلب. معجم الأدباء لياقوت الحموي 5/581.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • كلام المؤرخ ابن الحمصي عن شيخه العلامة السيوطي في (حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ مصطفى الحمصي.. رجل السماحة والنور(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ د. عصام بن صالح العويد في محاضرة بعنوان (أركان تربية القرآن)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالرحمن الدوسري مع الشيخ صالح الحيدان - الإيمان بالقضاء والقدر(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
8- (وما يعلم حنود ربك إلا هو)
هيثم أحمد طرقجي - ألمانيا - سوريا 08-08-2015 03:03 PM

رحم الله العالم المعلم الشيخ هشام الحمصي وقد علمت بالخبر متأخرا لإقامتي في ألمانيا, وأنا الذي كنت متواصلا مع فضيلة الشيخ أثناء زياراتي وإقامتي في دمشق, وأتعلم منه كما أتبادل معه الرأي ولو هانفيا أحيانا في مواضيع إسلامية وفكرية متعددة. ولي الشرف أن أتلاقى معه في الكثير من الأمور الفكرية والبحثية الإسلامية. وقد تمنيت أن أنال موافقته بترجمة كتبه إلى لغات أخرى إضافة إلى كتبي وأبحاثي ولكن فوجئت وفجعت بخبر وفاته رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وأمد العالم بذخر علمه وأدبه من بعده:

فالخط يبقى زمانا بعد كاتبه...وكاتب الخط تحت الأرض معتصم

7- تعزية بالشيخ وكل من يعزي فيه يحتاج إلى أن يعزى
عبد القادر - الإمارات 22-03-2015 11:11 PM

رحم الله الشيخ وأجزل له المثوبة انا لله وإنا إليه راجعون وجزى الله أخانا الدكتور حسان خير الجزاء على مقالته وتقريظه للشيخ الأديب العلم بن العالم

6- لفت نظر
عبد الرزاق هشام الحمصي - سورياـ دمشق 20-12-2013 12:03 AM

السلام عليكم : سلمت يداك يا دكتور حسان الحبيب على كلماتك العطرة ووصفك الجميل الأديب الذي يدل على صدق محبتك لوالدي الحبيب وعلى إخلاصك بإعطاء العلماء مكانتهم التي تليق بهم , وبوصفهم بما يستحقون , واسمح لي بتعقيب بسيط هو: أن والدي قد درس علوم الشريعة كلها بجميع مذاهبها , ودرَسها في الجامعات, وهو من مجتهدي الأمة الإسلامية ,حيث ظهرت عبقريته بالتفسير القائم على فهمه للغة القرآن الكريم , وفقهها, وله دراسات ونظرات في القرآن لم يسبقه أحد إليها عبر القرون السابقة , وكل ذلك نبع من خلال اجتهاده و قراءاته الكثيرة , ومقارنته للنصوص وجمع الأدلة المناسبة لما ذهب إليه من آراء جديدة, فألفت النظر إلى أن والدي فقيه وعالم كبير بعلوم الشريعة والقرآن الكريم لامثيل له قبل أن يكون لغوياً أديباً وشاعراً,وشكراً لحسن تقديرك وأدبك .

5- سؤال
ابو الجود - سوريا 17-12-2013 01:36 AM

السلام عليكم أود معرفة أي موقع أجد من خطب الشيخ هشام من يعلم أرجو أن يرشدني وجزى الله الجميع كل خير

4- قوة تاثيره
سميح علي الشيخ - سوريا ..الغوطة الشرقية .. مدينة سقبا 20-10-2013 08:16 AM

التزمت خطبه في جامع بدر...مرورا بسعد... وانتهاء بجامع الثناء فما أذكر فاتتني خطبة منذ عام 1987 إﻻ لسبب قاهر فقد تأثرت .. بأسلوبه .. وبلاغته ... ودقة اختيار مواضيعه تأثرا اتعبني وأتعب الخطباء من بعده ... عافاه الله وحفظه من كل مكروه وسوء وأمد في عمره وجزاه الله عن المسلمين كل خير.

3- خاتمة الخطبة
أيمن - سوريا 24-08-2013 01:51 AM

عندما كان يريد إنهاء الخطبة ينهيها بطريقة رائعة اما بآية أو ببيت من الشعر، وكثيرا ما كان ينهي بأحد البيتين :

                         من ذا يعيرك عينه تبكي بها.........أرأيت عينا للبكاء تعار

                        ولي كبد مقروحة من يبيعني بها.........كبدا ليست بذات قروح

 وقد زارنا -تشرفنا بزيارته- مرتين في مزرعتنا وكنا لا نمل من مجالسته وكان يلقي علينا الأشعار التي تناسب المقام اللهم اطل في عمره وانفعنا بعلمه. أيمن

2- لله رجال
المعتصم بالله خادم السيدة رقية - سورية 29-01-2013 09:51 AM

بسم الله والحمد لله إن الدنيا لا تخلو دوما من مثل هؤلاء حفظهم الله ولكن لا يكفي تقدير الناس بتهافتهم على سماع خطبهم بل نقول تجاوزا أعزكم الله كيف الناس يقدرون المغنية والراقصة فكم من عالم مات محتاجا اللهم عرفنا نعمك بدوامها وقبل زوالها وهؤلاء من أكبر النعم
اللهم بارك بهم وأكثر من أمثالهم وعرفنا قدرهم

1- الوضوء
ابو راني - سوريا 11-11-2011 03:15 PM

كنت قد سمعت من الشيخ هشام حفظه الله وأطال عمره لنفيد من علمه وأدبه في إحدى خطبه التي ذكر فيها أن الله تعالى طلب من أن نمسح الرأس عند الوضوء لا أن نغسله حفاظا على الرأس من حرارة أوبرودة الماء فهل يمكن القول أيضا بما أن المرأة ستتوضأ أيضا فلذلك من الصعب عليها غسل شعرها لما سيسببه لها من الانتظار طويلا حتى يجف مما سيؤخر صلاتها عن وقتها؟ والله أعلم
أشكر لك كل ما زودتنا به من علم في أمورنا الدينية والدنيوية وفقك الله لما تحبه وترضاه.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب