• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

تماما كالفاعلية الشيئية في (مجتمع الخنازير)

حسن فاضلي أبوالفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/5/2011 ميلادي - 19/6/1432 هجري

الزيارات: 5412

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فقد كانت لتلك الحروبِ الطَّاحنةِ التي دارتْ في ساحة العقل والدِّين في المجتمعاتِ العلمانية مظاهر ونتائج، اختلفتْ من حيثُ مآسيها، وحصد نتائجها الخطيرة، وقضاؤها على آخرِ ما تبقَّى من إنسانيةِ الإنسان، كلُّ ذلك بحسبِ الإيمانِ بهذه الفكرة ومستوى تطبيقِها على أرضِ الواقع، فالإنسانُ - في ظلِّ هذا التَّدافُع - أصبح عليه "أنْ يختارَ أحدَ المصيرين؛ لأنَّه فهم أنَّ التناقضَ بينهما عميقٌ، بعيدُ الأغوار، لا مجالَ معه للتَّوافق والانسجام، وإذا رأى في الدُّنيا عرضًا زائلاً، وفي الآخرة حياة خالدة، فقد ضحَّى بمصيرِه الأول في سبيل مصيرِه الآخر، وركَّز فعاليتَه ونشاطَه جميعًا ليشد ذاتَه بهذا المصير، وهذا هو الذي يفسِّرُ لنا انتشارَ (الرَّهبانية) كنظامٍ للحياة، بعد فترةٍ قصيرة من ظهور المسيحية"[1].

 

وأمَّا الصِّنفُ الثَّاني ممن ضحَّى بمصيرِه الآخر في سبيلِ مصيرِه الأول، فقد ركن إلى الدُّنيا، ولم ير في الحياةِ إلا الجانبَ المحسوس، وهذا هو "صاحب الاتِّجاه المادي، الذي يقعُ كلية تحت تأثيرِ هذه الحياةِ الدُّنيوية من مالٍ، وأولاد، وجاه، هو الذي لا يغريه ولا يجذبُه في هذه الحياةِ إلا الجانبُ المحسوس من جوانبِها المشاهَدة، ولا يحفلُ بقِيَمٍ ولا بمبادئَ إنسانية، ولا بعَلاقاتٍ طيبة مع الآخرين معه في مجتمعِه وأمَّتِه، إلا بقدرِ ما يدرُّ عليه انتسابُه لهذه القِيمِ والمبادئ من مكاسبَ شخصية.

 

صاحبُ الاتجاه المادي ليس هو الذي يستمتعُ بمتعِ الحياة بكلِّ طيباتِها، ويتزينُ بزينتِها في غير إسرافٍ وفي غير تقتير، ليس هو الذي يعملُ لدنياه كأنَّه يعيش أبدًا ويعمل لآخرتِه كأنَّه يموتُ غدًا، ليس هو الذي ينظرُ إلى الحياةِ نظرةً فيها اعتدال، وفيها رغبة في المشاركة في العمل على صفاءِ النُّفوس والعيش بسلام، إنَّما هو الذي يمعنُ في الاستجابة لمفاتنِ هذه الحياة وإغرائها، دون نظرٍ إلى ما يترتَّبُ على هذه الاستجابةِ الجامحة من ضررٍ للآخرين معه"[2].

 

ونظرًا للظُّروفِ التي عرفها الغربُ ويعرفُها، أصبح الإنسانُ العصري ذو النزعة العلمانية لا يرى نفسَه إلا في الصنف الثَّاني، وهو ما يبين أنَّ "المسارَ الذي تسلكُه الحضارةُ الغربية الآن تأكيدٌ للمادية، وقضاءٌ على آخرِ ما تبقَّى من النَّشاطاتِ الرُّوحية، وسعيٌ حثيث من أجلِ خلق (مجتمع الخنازير) التي تتميَّزُ بكفاءة فذَّة في توجيهِ فاعليتِها الشيئية، وقدرة عجيبة على الاستجابةِ لدوافعِها الجسدية، ولكن دون أية كفاءةٍ أو قدرةٍ على إيجاد عَلاقاتٍ روحيَّة، أو إشباع دوافع الوجدان"[3]، والسَّائرُ على هذا الطَّريق في ثباتٍ واقتناع لا بدَّ وأنْ يقعَ في يومٍ من الأيام؛ لأنَّه هو الذي اختارَ المختبرَ ليرسمَ له طريقَه، والآلةَ لتسوقَه "كالأعمى يقومُ ويسقطُ إلى أن يأتيَ يومٌ يسقطُ فيه في الهوَّةِ التي لا قيامَ بعدها"[4]، فيكون خطُّ الوصولِ الحتْمي الذي ينتهي إليه هذا الطَّريقُ هو السُّقوط بكلِّ أشكالِه وفي كلِّ صوره؛ لأنها اختارتْ أن تبعدَ الإلهَ عن طريقِها، واختارتْ إنكارَ الرُّوحِ في أجسادِها، فكان وجودُ اللهِ في حياة المجتمعات المعاصرة - إنْ في الشَّرق أو في الغرب - "وجودَ خداعٍ أو عدم، (حيث سيطرة) الاتجاهِ المادي في الحياة على كلِّ جوانب هذه الحياةِ فيها؛ ولأنَّها مجتمعاتٌ مادية هي في صراعٍ غيرِ منقطع، وفي صراعٍ بعضها ضدَّ بعضٍ تعيشُ جميعًا في قلقٍ ورهبة، وإعدادٍ إلى يوم الفصلِ على هذه الأرضِ وحدها، وما تعده ليومِ الفصلِ هو لتدميرِ البشريةِ في لحظات، وفي الوقت نفسِه على حسابِ حياةِ العشراتِ من ملايين النَّاس كلَّ يومٍ، وهذه المجتمعاتُ المادية في تقدُّمِها العلمي والتكنولوجي، تخدم غرضًا واحدًا، هو غرض الصِّراع، هو غرض الإرهاب، فالإفناء، وفي الوقت نفسِه موجات الظُّلم والفساد والانحلال والسُّخرية بدينِ الله، والتَّنديد بالضُّعفاءِ، والاعتزاز بالقوةِ المادية وحدها، هذه كلُّها تعدُّ من الظَّواهر الواضحةِ لاتجاه هذه المجتمعاتِ، فإذا انتهى أمرُها إلى السُّقوطِ وإلى التغيير، فسيكون سقوطُها غيرَ متصوَّر في آثارِه ونتائجِه على البشرية كلِّها، وليس على أفرادِ مجتمعاتِ الشَّرق أو مجتمعات الغرب"[5]، بل قد تتجاوزُ الإنسانَ إلى الحيوانِ والطَّبيعة، وهذه النَّظرةُ المادية قد تتجاوزُ هذا الأمرَ؛ لتظهرَ المادية في الإيمان بالله؛ حيثُ تفسير سوء الأوضاع التي يعيشُها العالَمُ في العصرِ الحاضر، بسوءِ تدبير الإله[6]، وضعف حكمه، "ومن المناقشةِ التي أجرتْها إحدى المجلات[7] الألمانية مع شبابِ بعضِ الجامعات، وشابَّاتِ بعض المدارسِ الثَّانوية للبنات، بمناسبةِ المظاهرات الصَّاخبة التي يقومُ بها شبابُ الجيل الحاضر في ألمانيا، وفي أوربا وأمريكا - يتضِحُ أنَّ: الشَّبابَ اليوم في جملتِه يرفضُ الإيمانَ بالله، والسَّببُ في هذا الرَّفضِ كما يذكر: سوءُ الأوضاعِ في العَلاقات الإنسانية، ومن إجابةِ أحدِ الموظَّفين الشَّبابِ في قوله: (أنا لستُ ملحدًا، ولكن وجود الشَّقاءِ في كلِّ مكان في العالم، يوحي بأنَّ اللهَ إله سيء! ولم أصلْ بعد إلى رأيٍ نهائي، ولكن أعتقدُ أنَّه لا توجدُ طبيعة عليا في الكون)، يمكن أن يصور مطلوب الشَّباب في سبيلِ الإيمان بالله (بتحسين الأوضاعِ الماديَّة والعَلاقات بين النَّاس جميعًا)، وهو مطلوبٌ يتحدَّى به شبابُ الجيلِ الحاضر وجودَ الله"[8]، فعجبًا ممن يفسدُ ويطلب من غيرِه إصلاحَ ما أفسدَهُ هو، فلو أنَّه عاش في الكونِ وَفْقًا للنِّظام الذي وضعَهُ خالقُ الكون ومدبرُ أمورِه - سبحانه وتعالى - لَمَا انتكَسَ على عقبَيْه، خسرَ الدُّنيا والآخرة، وهذا حال "من يرى الحياةَ الدُّنيا متعًا نهائية، وأنَّ الدعوةَ إلى الانصراف عن تحصيلِها، هي دعوةٌ خادعة ومضلِّلة، لا بد أنْ ينكرَ متعًا أخرى وراءها، وبالتَّالي ليست هناك في نظرِه حاجةٌ إلى (بعث) ولا إلى دارٍ أخرى، يستمتعُ أو يشقى فيها الإنسانُ، وليس هناك تقييمٌ آخر لعملِه في الدُّنيا، ليس هناك حسابٌ ولا وزنٌ لما عملَ من قَبْلُ، ويرى أنَّ المقاييسَ التي تستخفُّ بمتعِ الدنيا أو تقنن السُّلوك والأعمال فيها، هي مقاييسُ وُضِعتْ لهدفٍ واحد، وهو الحيلولة دونَ الاستمتاعِ بزينةِ هذه الحياة لأكبرِ عددٍ ممكن من النَّاس، كي تتوفرَ هذه الزينةُ لقلَّة قليلةٍ منهم فقط، وهم الذين يستطيعونَ اقتناصَها بطاقاتِهم وقوتِهم المادية، والممثَّلة في الشَّرف، أو الجاه، أو المال والأولاد"[9]، وهذه النَّظرةُ المادية التي تنظرُ إلى الحياةِ الدُّنيا كغايةٍ في حدِّ ذاتِها، ولا تنظرُ إلى البعثِ على أنَّه شيء ذو بال، وتعتبرُ فرصةَ الحياةِ وسيلةً للاستمتاعِ بكلِّ اللَّذاتِ، وتصريفِ أنواع الشَّهوات، ثُمَّ لا شيء بعد ذلك؛ هذه النَّظرةُ جعلت "رجالَ السِّياسة والمسؤولية يرتكبون في بعضِ الأحيان جناياتٍ لا يتنزل إليها أكبرُ الآثمين، وذلك لمصلحةٍ سياسية وهمية لبلادِهم، وأمَّتِهم أو لجاه شخصي، أو ربحٍ مالي"[10]، ما دامتِ التربيةُ اللا دينية التي ليس فيها نصيبٌ للأخلاق ومخافة الله - عز وجل - والإيمان بالآخرة هي الأساس الذي تقومُ عليه حركةُ الحياة، ومجتمعٌ يقوم على هذا الأساسِ لا شكَّ أنه لا يهتمُّ "كيف يعاملُ الولدُ والدَه، أو الزوجةُ زوجَها، إذا كان هؤلاء الأفرادُ لا يزالون في الدَّائرةِ المدينة التي اختطَّها المجتمعُ حول أفرادِه، وما دام لا يحدِثُ عملُهم هذا اضطرابًا في المجتمع وثورةً على النِّظام، ولا يعرقِلُ سيرَ المدنيَّة، فلا بأسَ إذا كان هناك عقوقٌ من ولد، أو فركٌ من قرينة، أو جفاءٌ من زوج، أو دعارةٌ من امرأة، أو فسقٌ من رجل، أو خيانةٌ من زوجة"[11]، كلُّ ذلك لا بأسَ به ما دام لا يؤثِّر في السَّير العادي للنِّظام السِّياسي، ولا يشكِّل خللاً اجتماعيًّا، فيتجلَّى بذلك التطبيقُ الصَّريح للعلمانية، التي استُبدِلتْ بالدِّيني والمقدَّس، ومن الصور الواضحاتِ لهذا التطبيق، ما ذكره عبدُالله عزَّام في كتابه "الإسلام ومستقبل البشرية" واصفًا الأمراضَ، وكلَّ أنواعِ الفساد الاجتماعي التي تُعاني منها أوربا العلمانية: "الولوغ في الخمر، الإدمان على المخدِّرات، الأمراض العصبيَّة والنفسية، الجرائم البشعة، السُّعار الجنسي، الانتحار" (وهذه) بعضُ الأرقامِ المذهلة عن أمراضِ المجتمعات العلمانية:

1) عددُ الذين يُدمنون الخمرَ في أمريكا يزيد عن 50%.

2) عدد الذين يتعاطُون المخدِّراتِ 49% من الشَّعبِ الأمريكي.

3) 55% من أَسِرَّةِ المستشفيات، مخصَّصة للمرضى العَصَبيين.

4) في السويد 25% من الشَّعب مصابٌ بالأمراض النَّفسية، وتنفق الدَّولة 30% من ميزانيتِها لعلاجِهم، ونسبةُ الموظَّفين الذين يخرجون من وظائفِهم بسبب الأمراض النَّفسية 50%.


أمَّا عن أمراضِ الشُّذوذ الجنسي وجرائم السرقات والاغتصاب والقتل في أمريكا، فحدِّثْ عنها ولا حرج، فهناك 90% من الشَّباب الأمريكي مصابٌ بأمراضِ الزهري والسيلان."[12].

 

وقد لاحظنا أنَّ بعضَ البلدان الإسلامية، بدأتْ تحصدُ نفسَ النَّتائج، كنتيجةٍ طبيعية لاختيارِها المنهجَ العلماني القاصر، على حسابِ المنهج الرَّباني الشَّامل، بنسبٍ متفاوتة بين هذه البلدان، وبحسب اعتقادِها وإيمانها بهذا المنهج، فيكونان إذًا في الهلاكِ والسَّقوط سواء.

 

وإذا كان الإسلامُ يقوم على أساسِ إشباع عنصريِّ الإنسان، الجسدِ والرُّوح، فإنَّ المجتمعَ العلماني يقوم على أساسِ الإشباعِ المادي فقط للإنسان، مع إهمالِه تمامًا للناحية الرُّوحية والنَّفسية؛ لأنَّه استبعد الدِّين عن مجالِ الحياة، وأقام حضارةً عوراءَ، لا تنظرُ إلى الإنسانِ إلا بعينٍ واحدة، لذلك فقد الرؤيةَ الواضحةَ لهذا الإنسان، وحوَّله إلى (خنزير) يأكلُ ويعمل ولا همَّ له وراء ذلك، مما دمَّر الإنسان هناك وأفقده سعادتَه، فعلى الرَّغم من أنَّ الحضارةَ العلمانية الغربية قدمتْ للإنسان كلَّ وسائلِ الرَّاحة، وكلَّ أسباب التقدم المادي، إلا أنَّها فشلت في أن تقدِّم له شيئًا واحدًا، وهو السَّعادة والطَّمأنينة والسَّكينة، بل العكس، قدَّمتْ للإنسان هناك مزيدًا من التَّعاسةِ والقلقِ والبؤس والتَّمزُّق[13].

 

ولنأتِ على مثالٍ لهذا المنهجِ القائم على (خَنْزَرة) الإنسان، والذي يؤكِّد بالفعل أنَّ الحضارةَ الغربيةَ حضارةٌ عرْجاء عوراء، فاقدة للسَّيرِ المستقيم والرُّؤية الواضحة، إنه "بدلاً من أن يكونَ هدفُ الرِّداء تغطيةَ الجسد، أصبح هدفُه إمَّا جذب الأنظار إلى الجسدِ وتعميق الإحساسِ باللَّذة والتسخين الجنسي، أو مساعدة الإنسانِ على أداء وظيفتِه"[14]، على أنَّه لا يفهم من الهدفِ الثَّاني الملابس التي تساعدُ الإنسانَ على أداء حركتِه في العمل، وإنَّما المقصودُ الملابس المخصَّصة للوظائف النسويَّة، كما هو حال (سكرتيرة) المدير مثلاً؛ حيثُ نصف الفخذ وفتحة الصَّدر تحتَ أنظار (السيد المدير)، فكان هذا الأمرُ من الأبوابِ التي توجَّهتْ منه "العقلية الغربية إلى التعرِّي في كلِّ مجالات الحياة، ومن هنا شهد الغربُ ثقافةَ العُري، التي طبعت أدبَه وفنونَه، ومن ثَمَّ صدَّرها إلينا مع المثقف العربي المصنوع على النَّمطِ الأوربي.

 

ولذلك فليس عبثًا أن يتَّجهَ الفنُّ الإسلامي في العمارة، إلى التجريدِ بدل التَّجسيد؛ من خلال اعتمادِ الخطِّ العربي في الزَّخرفة والتعبيرِ والأشكال والهندسيةِ الانحنائية، المتكاتفةِ والمتعاطفة، نقوشًا وأسوارًا وأزقة، كتعاطفِ المصلِّينَ في الصَّف خلفَ الإمام، ثُمَّ الأشكال التجريدية في الأعمال من صيامٍ وقيام؛ كلُّ ذلك لأنَّ التجريدَ هو الفضاءُ الأقدر على التعبيرِ عن عقيدة التَّوحيد"[15]، وحضارةٌ هذا شأنُها، أخرجت الدِّينَ وأقصتِ المقدسَ، وسخَّرتْ كرامةَ الإنسان للأرباحِ المادية والنتائجِ السِّياسية، لَمَّا أدركتْ هذه الإعاقة - أو أدركتها - وتيقنتْ من أنَّها ضلَّتِ الطَّريقَ، وخرجت عن سلطةِ المبادئ الصَّحيحة، ونسفتْ حتَّى أحكامَ العقلِ السَّليم، انتابتْها رغبةٌ قوية في تحطيمِ العالم، وتسويدِ بياضِه وإحراق خضرتِه، لا لشيءٍ إلا لأنَّه يشعر بحقدٍ دفين تجاهه، وتشعرُ أنَّها دون هذا العالم، فاختارت الاستمرارَ على طريقِها المظلم والتفكير في وسائلَ تجعلُها تنتقمُ من هذا العالَم، وتعيدُ الاعتبارَ لذاتِها الشِّريرة، وهذا شأنُ كلِّ الغربيين الذين فقدوا الرغبةَ في الخير والصَّلاح، وضيَّعوا الأصولَ والمبادئ الصَّحيحة، وزاغتْ قلوبُهم وانحرفتْ، واعتلَّتْ أذواقُهم، فلم تزدْهم العلومُ والمخترعاتُ إلا ضررًا، بل لم تزدهم هذه الآلاتُ والمخترعات إلا قوةً وسرعةً في الهلاك والإهلاك، واستعانةً على الانتحارِ وتيسيرِه[16]، فلا بد إذًا ألا يشرف باسم (العلم) كل مصنوعٍ مصنوع، وكل آلة ألة، وكل مبتكر مبتكر، إلا إذا خدمَ البشريةَ جمعاء، دون القوي على حساب الضَّعيف، وخدم الإنسان والحيوان، دون الإنسانِ على حساب الحيوان، وخدم المادة والرُّوح، دون المادةِ على حساب الرُّوح، وفي أغلبِ المستجدات، لا نجدُها تقدر على هذا الشُّمولِ؛ لأنَّ فكرتَها الأولى والنَّظرية التي انطلقتْ منها لم تكن تقصدُ ذلك، وإنَّما استهدفتِ الرِّبحَ المادي والسَّيطرة الغابوية على بني البشر، فشتَّان إذًا "بين (علم) هيَّأ للإنسان - فعلاً - وحدتَه البشرية مع ذاتِه، ومع إخوته من بني الإنسان، وأتاح له - فعلاً - أن يكون سيدَ العالمين، وخليفةً لله - تعالى - في أرضِه، وبين (علم) سحقَ وحدةَ الإنسانِ الباطنية والجماعية، ودمَّرَ على بني آدم قدرتَه على تحويلِ الإنجازِ العلمي إلى وسيلةٍ لسعادةٍ حقَّةٍ في الأرضِ والسَّماء، علم أحدث تناقضًا مخيفًا بين كدحِ الإنسان المادي الملموس، وبين مطامحه الرُّوحية والأخلاقية النَّائية البعيدة، شتَّان بين علمٍ أخضع أعناقَ القوى المادية للإنسان، وبين علمٍ أخضعَ أعناقَ بني آدم للقوى المادية، واليوم تنصبُ طاقاتُ البحثِ والتجريب من أجلِ ابتكار أشدِّ الأسلحةِ مضاءً في قتلِ الإنسان ودمارِه..."[17].

 

ولَمَّا تُسيطِرُ هذه النَّظرةُ على المجتمعاتِ العَلَمانية، وتتغلغلُ في عمقِ مؤسساتِها، ويتبنَّاها الصَّغيرُ والكبير، والعاميُّ والمثقَّف، والحاكمُ والمحكوم - ستؤولُ بدونِ أدنى شكٍّ إلى نتيجةٍ واحدة، وهي نتيجة عرفتْها المجتمعاتُ والحضارات البائدة، وهي الخللُ فالتَّراجعُ فالضَّعفُ فالأفول، ثُمَّ الانقراضُ والعدم، أو بعبارةٍ أخرى: السُّقوط هو القانون الحتمي للمجتمعاتِ المادية، عندما تشتدُّ فيها "موجة الفساد والإجرام والظُّلمِ، باسترسالِ المترفين في ملذاتِ الحياة ومتعها الحسية والمادية.

 

وأمَّا (متى) تقعُ النَّتائج؟ فإنْ تولَّى المترفون مع فسقِهم وطغيانهم شؤونَ المجتمع، فيُرتقبُ بين لحظةٍ وأخرى سقوط المجتمع وتدميره، وإن لم يتولوا شؤونَه، فربَّما يحتاجُ الأمرُ في ترتيبِ النَّتائجِ ووقوعها إلى شيءٍ من الوقت، حتَّى تبلغَ الموجةُ العاتية أشدَّها، وحتَّى يصلَ الظُّلمُ والإجرام إلى نقطةٍ لا مفرَّ من التغيير والسُّقوط بعدها"[18]، فالنتيجةُ واحدةٌ وهي الهلاك والانتهاء، وقد تتراوحُ - هذه النتيجة - بين القريبِ العاجل وبين البعيدِ الآجل، بحسْبِ الأيدي التي تحرِّك محركَها، وتزرعُ محصودَها، وتخطِّطُ لمستقبلِها، وتنظِّمُ علاقاتِها.

 

هذه إذًا صورةٌ مصغَّرةٌ للمظاهرِ والنتائج التي عرفها الغربُ العلماني، والتي ضربتْه في عمقِ محركه وخرقته في إطار عجلته، فأفقدتْه السَّيرَ المستقيمَ والرُّؤية الواضحة، فبدأ يسقطُ بالتَّدريج إلى أنْ وصلَ إلى درك القعر.

 

والحمد لله ربِّ العالمين.



[1] تهافت العلمانية، ص 77.

[2] الدين والدولة من توجيه القرآن، ص 482.

[3] تهافت العلمانية، ص 131.

[4] نفسه، ص 20-21.

[5] الدين والدولة، ص 92.

[6] تعالى الله عما يقول هؤلاء علوًّا كبيرًا.

[7] مجلة Quick في عدد 30.

[8] الدين والدولة، ص 45.

[9] الدين والدولة من توجيه القرآن، ص 58.

[10] ماذا خسر العالم؟ ص 206.

[11] نفسه، ص 264.

[12] الأساليب الحديثة، ص 240.

[13] نفسه، ص.238 (بتصرف يسير).

[14] العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، ج.2، ص 155.

[15] سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة، ص 50.

[16] ماذا خسر العالم؟ ص 235، (بتصرف).

[17]- تهافت العلمانية، ص 43.

[18]- الدين والدولة، ص 86.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين العِلمانية والعَلمانية
  • مفهوم الفاعلية

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيرة المكتوب عليها "خالية من الكحول" ليست خالية تماما(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مخطوطة شرح ديوان أبي تمام ( شرح ديوان الحماسة لأبي تمام )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ثمرات الفاعلية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السويد: توزيع المصاحف والكتب مجانا على المهاجرين الجدد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مخطوطة الفوائد الحديث التمام (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار أبي تمام لمحمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ / 946م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مخطوطة فوائد تمام الرازي (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حاجة المجتمع الى الفاعلية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق السماحة - دعاؤنا لولي أمرنا بتمام العافية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب