• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد
علامة باركود

العلاقات الاسرائيلية – الأمريكية 1948 – 1982 (المسار، ومنطق التطور)

جمال عبدالجواد

المصدر: مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 13، ص9-54
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/1/2007 ميلادي - 5/1/1428 هجري

الزيارات: 23519

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
لم تترك تجربة السنوات الأخيرة من الخبرة العربية في التعامل مع الولايات المتحدة مجالاً للشك – إلا لصاحب مصلحة أو متواطئ – في مدى التعارض الجذري بين مصالح الشعوب العربية في التحرر والتنمية والسيطرة على مقدراتها وثرواتها الوطنية، وبين المصالح الأميركية المعادية لاستقلال الشعوب العربية والتي لا تتنازل عن استغلال الثروات والإمكانات العربية واستنزافها عبر مسارب تضيّع على الأمة العربية فرصة التنمية والتقدم. أيضاً فإن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت بالدرجة نفسها – إن لم يكن بدرجة أكبر من اليقين – أن بين الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقاً في المصالح وتحالفاً وثيقاً لتحقيق أهدافهما المشتركة.

هذه الخبرة تدفعنا لمحاولة تحليل عناصر ظاهرة العلاقات الأميركية – الاسرائيلية مفترضين عدداً من الافتراضات ننطلق منها للتدليل على عدد آخر من الافتراضات:
أولاً: إن مصالح الولايات المتحدة بحكم كونها قائدة المعسكر الامبريالي، تدخل في تناقض مستحكم مع مصالح الشعوب العربية.
ثانياً: إنه بينما تفسر المصالح الأمبريالية للولايات المتحدة التوجهات العامة والخطوط الرئيسية للسياسة الأميركية، فإنها لا تفسر وحدها كل قرار أو تطور دقيق يدخل على هذه السياسة. ذلك أنه بينما تتحدد السياسة العامة والتوجهات الرئيسية لدولة ما في حقبة تاريخية طويلة نسبياً، تبعاً لتفاعل عدد من القوى التي تمثل المصالح المهيمنة على السلطة السياسية في هذا البلد، ففي الحالة الأميركية فإنه منذ انتقلت الولايات المتحدة إلى المرحلة الأمبريالية فإن الاحتكارات والمصالح الرأسمالية الكبرى ترسم التوجهات الأساسية للسياسة الأميركية، وبالرغم من ذلك فإنه عند اتخاذ قرار محدد بصدد التعامل مع مشكلة جزئية معينة تتدخل عناصر أخرى لتساهم في صياغة وصنع ذلك القرار، بحيث يصعب فهم وتفسير دوافع ذلك القرار بالرجوع فقط إلى المقولة الأساسية والصحيحة عن المصالح الأمبريالية. ولكن لابد من أن ندخل في التحليل عناصر وعوامل أخرى مثل شخصية صانع القرار، والرأي العام، وجماعات الضغط، والعوامل الايديولوجية، وطبيعة وميكانيزمات عملية صنع القرار.. إلخ.
ثالثاً: إنه بينما لا تتعدد المصلحة الأميركية في الوطن العربي، أو في أية منطقة أخرى من العالم، فإنه يوجد أكثر من طريقة لتحقيق هذه المصلحة. أي إنه بينما لا يكون على صانع القرار الأميركي الاختيار بين مصلحة وأخرى، فإنه يدخل دائماً في مفاضلة بين أكثر من بديل لتحقيق هذه المصلحة.
رابعاً: إن القرار باختيار أحد البدائل لا يكون دائماً اختياراً سليماً مائة بالمائة، ليس بمعنى أن هذا القرار قد يتناقض تماماً مع المصلحة التي من المفروض أن يحققها، وإنما بمعنى أن هذا البديل ليس بالضرورة أكثر البدائل تحقيقاً للمصلحة المرجوة. وهذا يرجع بالذات إلى أثر عناصر الوعي الزائف أو الرؤية غير الصحيحة للواقع واختلال التقديرات Misperception، وهي كلها عناصر لا ينجو منها أي صانع قرار بحكم تأثره بعوامل البيئة المحيطة، وتعرضه لضغوط إجتماعية وبسيكولوجية وقيمية معينة. وفي هذا يقول البروفسور ((كينيث بولدينغ)) ((علينا أن نعترف بأن متخذي القرارات الذين تحدد قراراتهم سياسات الأمم لا يستجيبون للحقائق الموضوعية في الموقف. فالقرار يعني الاختيار الأفضل، يكمن في تصور صانع القرار))[1]. وحتى إذا كانت هذه العبارة تحمل بعض المبالغة في تأثير عناصر الإدراك، إلاَّ إنها تحمل جانباً هاماً من الحقيقة لابد من أخذه في الاعتبار.

وفي هذه الدراسة فإننا ننطلق من الافتراضات السابقة في محاولة لتفسير تطور العلاقات الأميركية – الاسرائيلية من أجل اختبار الافتراضين التاليين:
أولاً: إنه في العلاقات الأميركية – الاسرائيلية فإن الطرف الذي قدَّم المساهمة الأهم لصياغتها على ما هي عليه الآن هو إسرائيل، وهو ما يطرح إستفهاماً حول المدى الذي يمكن فيه لدولة صغيرة أن تساهم في تشكيل سياسة دولة كبرى بما يحقق مصالح هذه الدولة الصغيرة.
ثانياً: إنه بينما لعبت العوامل العقائدية والضغوط الداخلية دوراً هاماً في دفع الولايات المتحدة لمساندة المشروع الصهيوني خاصة في مراحله الأولى، فإن الدور الإسرائيلي في تحقيق المصالح الأميركية وفي الوصول بالنخبة الأميركية إلى القناعة بأن إسرائيل تمثل مصلحة وميزة استراتيجية للولايات المتحدة، قد لعب الدور الحاسم للوصول بالعلاقات الأميركية – الاسرائيلية إلى ما هي عليه. والدارس لتلك العلاقات يلاحظ بوضوح وجود أكثر من مرحلة ومن نقطة تحول في هذه العلاقة، ولعلَّ أشهرها نقطة التحول التي مثلها حرب حزيران (يونيه) 1967م. والمطلوب هو دراسة العوامل الأساسية التي ساهمت في تشكيل تلك العلاقات في كل مرحلة، والمنطق الذي تحكّم في عملية انتقالها من مرحلة إلى أخرى.

العلاقات الأميركية – الاسرائيلية.. مرحلة التشكل
هناك إطاران أساسيان لابد من التعامل معهما عند معالجة موضوع العلاقات الأميركية – الاسرائيلية. الأول: هو المصالح الأميركية في العالم العربي أو في منطقة الشرق الأوسط. والثاني: هو المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة وعلاقته بباقي الأجزاء المكونة للمجتمع والنظام الأميركيين.
فالوجود الأميركي في الوطن العربي قديم. فقد أبدت الولايات المتحدة قدراً من الاهتمام المبكر به في آسيا وأفريقيا، وانتشر منذ العام 1909م نوع من النفوذ الأميركي أدواته الهيئات الدبلوماسية وأصحاب المصالح التجارية والإرساليات التبشيرية والبعثات العسكرية والثقافية. غير أن المصالح الأميركية في الوطن العربي لم تكن بأهمية مصالح الدول الأوروبية الكبرى. وربما لهذا السبب لم تدخل الولايات المتحدة بنشاط في حلبة الصراع الدولي من أجل تقسيم الدولة العثمانية، بالإضافة لانشغالها بالتوسع في المحيط الهادي والبحر الكاريبي[2]. أي إنه برغم علاقة الولايات المتحدة غير القصيرة – نسبياً – بالوطن العربي، فلم يكن لها غير مصالح محدودة في المنطقة حتى قبل منتصف هذا القرن بقليل. فطوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى تقريباً اقتصرت المصالح الأميركية في الوطن العربي على تلك الناتجة عن وجود الإرساليات الدينية والمراكز الثقافية، وبعض المصالح التجارية المحدودة. حتى بدأت الاكتشافات النفطية تجتذب الشركات الأميركية للمشاركة في اقتسام ((الكعكة)). ومردُّ محدودية تلك المصالح عائد إلى البعد الجغرافي بين أميركا والوطن العربي في وقت كانت فيه وسائل المواصلات في مرحلة أقل تطوراً، بالإضافة إلى وقوع المنطقة فعلاً تحت النفوذ الأوروبي – البريطاني والفرنسي خاصة – وأيضاً لانشغال الولايات المتحدة بالنشاط الاستعماري في المناطق القريبة منها في أميركا اللاتينية والمحيط الهادي وشرق آسيا. هذه العوامل مجتمعة لم تساعد على دفع الولايات المتحدة للاهتمام ببذل جهود ذات شأن في صياغة استراتيجية واضحة ومحددة إزاء المنطقة، وإنما اكتفت انجلترا وفرنسا بمكاسب التجارة مع هذا الجزء من العالم الذي لم يمثل أهمية حيوية للولايات المتحدة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

ومن ثم، كانت السياسة الأميركية تجاه الوطن العربي في مرحلة التشكل والاختبار حتى فترة غير بعيدة. وفي فترات التشكل هذه فإن قناعة صانع السياسة بقرار أو بسياسة معينة تصبح أقل. ذلك أنه لن يكون في هذه المرحلة، مدافعاً عن استراتيجية واضحة تمّ اختبارها. أيضاً فإن التناقض في وجهات النظر والمواقف داخل جهاز صنع السياسة – في هذه المرحلة – تصبح أوضح وأكثر عمقاً، بحيث أن السياسة النهائية التي تلقى اتفاق أغلب الآراء أو بالأصح التي تجد طريقها للتنفيذ العملي، تكون محصلة للضغوط التي مارستها جماعات المصالح والهيئات المختلفة. خاصة وأن هيئات صنع السياسة في مرحلة التشكل تكون أكثر حساسية لضغوط جماعات المصالح، وبالتالي فإن نجاح جماعة أو تيار ما في ممارسة ضغوط ذات شأن على جهاز صنع السياسة في تلك الفترة سيرتب بدوره فوز هذا التيار بنصيب أكبر في تشكيل إدراك النخبة لمصالح الولايات المتحدة وطرق تحقيقها في المنطقة.

ويمكن القول إنه بتأييد الولايات المتحدة لتقسيم فلسطين واعترافها بإسرائيل بعد ذلك، فإن الجزء الأكبر من مرحلة تشكل السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط كان قد تمّ قطعه. وفي هذه المرحلة سعت أطراف عدة للتأثير في الرؤية الأميركية للمنطقة ولمصالحها فيها:

1 – جهات عربية: عن طريق البعثات الدبلوماسية للدول العربية وممثليها التي اهتمت بشرح الموقف العربي تجاه المشكلة الفلسطينية، والتي عرفت في ذلك الوقت ((بمشكلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين)). ولكن هذه الجهود اتسمت بعدم الاستمرارية والتبعثر وغياب التنسيق فيما بينها. خاصة وأنها كانت عبارة عن محاولة من الخارج للتأثير على صانع السياسة الأميركية (لم يكن العرب أبداً جزءاً من نسيج المجتمع الأميركي). ولهذا العامل أهمية كبرى تظهرها إجابة الرئيس الأميركي ((ترومان)) عندما ووجهت جهوده المساندة لإنشاء دولة إسرائيل بمعارضة قوية من المتخصصين الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط، والذين حذروه من أن ذلك سوف يورث الولايات المتحدة عداء العرب، وسوف يضر بمصالحها في الشرق الأوسط، فقد رد الرئيس ((ترومان)) على هذه الضغوط بقوله: "للأسف فإنه يجب عليّ أن أستجيب لرغبة مئات الألوف من الذين يهمهم نجاح الصهيوني، إذ لا يوجد مئات الألوف من العرب بين ناخبيّ"[3].
وعندما تلقى الرئيس ((ترومان)) تقرير اللجنة الأميركية – الانجليزية التي زارت فلسطين في ربيع العام 1946م، أرسل في 8 أيار (مايو) من العام نفسه إلى رئيس الوزراء البريطاني ((أتلي)) رسالة يستحثه فيها على تنفيذ توصيات اللجنة الداعية للسماح بهجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين، وأنه لتنفيذ هذه التوصيات يجب استشارة عدد من الجهات حددها كما يلي:
1 - مجلس الطوارئ الأميركي – الصهيوني.
2 - اللجنة الأميركية – اليهودية.
3 - المؤتمر اليهودي الأميركي.
4 - المجلس الأميركي اليهودي.
5 - المجلس اليهودي الأميركي.
6 - معهد الشؤون العربية – الأميركية.
7 - آغودات إسرائيل الأميركية.
8 - المنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا.
9 - الوكالة اليهودية.
10 - الجامعة العربية.
11 - اللجنة العربية العليا.
12 - حكومات العراق، سوريا، لبنان، مصر، شرق الأردن، العربية السعودية، اليمن[4].

ويلاحظ أنه من بين اثنتي عشرة جهة إقترحها الرئيس الأميركي للاسترشاد برأيها بشأن مشكلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، لم يكن هناك سوى ثلاث جهات عربية فقط، بينما كانت الجهات الست الباقية جهات يهودية. أيضاً فإنه على عكس جميع الجهات العربية فإن المنظمات اليهودية المقترحة – باستثناء الوكالة اليهودية – موجودة داخل الولايات المتحدة، وتمثل جزءاً من نسيج المجتمع الأميركي. ومن ثم فإن لها قدرة فعلية بالضغط على الحكومة والرأي العام باتجاه تبني سياسة معينة مؤيدة للمطالب الصهيونية.
وفي الجهات نفسها، نذكر إنه في جلسات الاستماع التي عقدتها أول لجنة أميركية في فلسطين 27 – 28 أيار (مايو) 1945م تحدث ((عوني بك عبدالهادي)) رئيس حزب الاستقلال لافتاً نظر عضو اللجنة ((كارل موندت)) إلى أن الولايات المتحدة تؤيد اليهود تأييداً غير عادل، فقال له موندت ((إن هذا عيب العرب لأنهم لم يهتموا بإرسال أحد يتكلم بإسمهم في الولايات المتحدة. كما لا توجد لهم منظمات تعبر عن إرادتهم)) فلما تعلل ((عوني عبدالهادي)) بأن العرب فقراء ولا يمكنهم الانفاق على ذلك، قال موندت: "إن الفقر لا يجب أن يحول دون ذلك خاصة وأن جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لم تظهر فيها بحال وجهة النظر العربية... ولهذا فإنه نظراً لنقص الدعاية العربية الكافية فإن أقل من 10% من الأميركيين يفهمون القضية تماماً والباقي لا يعرف عنها شيئاً. والأميركيون يعولون دائماً على الأغلبية".
وقد اعترف ((عوني بك عبدالهادي)) بأن العرب يتصورون أن مشكلتهم واضحة وعادلة ولا تحتاج إلى دعاية ولعل في ذلك – كما يقول هو – قدر من الحماقة[5].

2 – كذلك قامت شركات النفط الأميركية العاملة في الوطن العربي بالضغط على الإدارة لتعديل موقفها من تأييد إسرائيل. ومن ذلك المقابلة التي جرت في 6 كانون الثاني (يناير) 1948م بين وزير الدفاع ((فورستال)) وبين مدير شركة سوكوني فاكوم، الذي اشتكى من أن شركته وشركات أخرى متصلة بها، قد أوقفت العمل في أنابيب النفط السعودية نتيجة لنشوب القلاقل في فلسطين[6]. ولكن لأن مصالح الشركات النفطية في الوطن العربي لم تتأثر بسبب معاداة الولايات المتحدة للمطالب العربية في فلسطين، فإن ضغوط شركات النفط تضاءلت تدريجياً. وإن كانت لم تتقدم، فإنها تجمدت عند مستوى محدود، وعوّدت نفسها على التكيّف مع الوقائع الجديدة في المنطقة وفي السياسة الأميركية.

3 – الجماعات الصهيونية: بدأ اليهود في تنظيم أنفسهم كجماعة ضغط ملموسة في الثلاثينيات وأصبحوا منذ ذلك الوقت جزءاً ممّا يسمى بالتحالف الكبير الذي اعتمد عليه ((بنيامين روزفلت)) في كسب معركة الرئاسة في العام 1932م. وهو التحالف الذي ضمّ بين صفوفه، اتحادات العمال والأقليات غير البروتستانتية والمثقفين الليبراليين واليساريين غير الماركسيين. ومع ذلك لم يبدأ اليهود في ممارسة الضغوط على أي من الحزبين لتأييد الصهيونية إلاَّ بعد ذلك بعشر سنوات أي في العام 1942م حينما ذاعت الأنباء عن فظائع النازية. لقد كان ذلك عاماً حاسماً استطاعت فيه الصهيونية التي لم يؤيدها في الثلاثينيات إلاَّ حوالي 15% من مجموع اليهود الأميركيين، أن تكتسح كل مقاومة لها داخل الجماعات اليهودية وأن تكسب تأييد الأغلبية العظمى منها. ولذلك لم تأت حملة 1942م الانتخابية إلاَّ وكانت جماعة الضغط اليهودية قد ((تصهينت)) وأصبحت مجندة تماماً لخدمة الدعوة إلى فتح أبواب الهجرة في فلسطين أمام يهود أوروبا ثم إلى إنشاء دولة إسرائيل في حملة العام 1948م، ثم إلى زيادة الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل في كل إنتخابات تالية إلى الوقت الحاضر[7].

والواقع أن دراسة دور الجماعات الصهيونية في دفع الإدارة والنخبة الأميركيتين لإدراك مصالحهما وصياغة سياستهما في الشرق الأوسط بطريقة معينة، هو من أكثر الموضوعات تعقيداً وإثارة. ذلك أن عوامل عديدة قد ساهمت في إنجاح الجهود الصهيونية في هذا الاتجاه: من أهمها صعود النازية في أوروبا وما ارتكبته من مذابح ضد اليهود خلفت (تولد عنها قضايا اللاجئين اليهود) مناخاً عاماً في استعداد للتعاطف مع المطالب الصهيونية الداعية لتوفير ملجأ ليهود أوروبا المتضررين من النازية. وقد انعكس هذا المناخ على قدرة بعض السياسيين الأميركيين رؤية أهداف الحركة الصهيونية بالوضوح الكافي. ففي أواخر العام 1945م تحدث الرئيس ((ترومان)) في مذكراته عن تصوره لأهداف الحركة الصهيونية قائلاً: "في تقديري أن أهداف الحركة الصهيونية في هذه المرحلة هي إغاثة اللاجئين اليهود، بينما يجيء هدف إنشاء الدولة اليهودية في مرتبة ثانية"[8].
كما عبَّر وزير الخارجية الأميركي آنذاك عن عمق تأثره بقضية اللاجئين اليهود في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1944م بقوله: "لقد بحث اليهود طويلاً عن ملجأ، وأنا أعتقد أنه يجب أن يكون لنا هدف أكبر. إننا يجب أن نبني عالماً يتمكن فيه اليهود كأي جنس آخر، من التمتع بالحرية والكرامة"[9].

وفي عامي 1941 – 1942م شكلت الخارجية الأميركية عدة لجان متخصصة لبحث مستقبل المسألة اليهودية في عالم ما بعد الحرب والعمل على امتصاص اليهود في أميركا اللاتينية وخاصة البرازيل وكولومبيا[10]. وكان الاتجاه الغالب في الولايات المتحدة حتى ذلك الوقت، يطالب ببذل الجهود من أجل انقاذ يهود أوروبا الناجين من مذابح النازية، ولكن دون دعم للمطالب اليهودية في فلسطين بحيث رفضت الأغلبية الربط بين إنقاذ يهود أوروبا وبين فتح أبواب فلسطين أمام اليهود، وقبلت بوجهة النظر البريطانية التي قدمتها في تفسير إصدارها للكتاب الأبيض في العام 1939م والخاصة بضرورة مراعاة المصالح العربية. وقد ظهر ذلك الاتجاه واضحاً في المناقشات التي أجراها الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) 1943م بشأن تشكيل لجنة لانقاذ يهود أوروبا[11].

وكما ساهمت الظروف المتولدة عن الاضطهاد النازي ليهود أوروبا في اجتذاب تأييد الرأي العام الأميركي لصالح القضية اليهودية، فإنها لعبت الأثر نفسه في صفوف الجماعة اليهودية الأميركية نفسها والتي كانت حتى ذلك الوقت، ترفض – في معظمها – المطالب الصهيونية خوفاً على المكاسب التي حققتها نتيجة اندماجها في المجتمع الأميركي، وما قد تستثيره الدعوة الصهيونية لإنشاء وطن ((قومي)) لليهود، من التشكيك في أهلية اليهود لاكتساب حق المواطنية الأميركية. فحتى العام 1942م لم تكن المنظمات الصهيونية تضم سوى أقلية من اليهود الأميركيين، كما لم يكن لها أنصار كثيرون من بين غير اليهود. وبعد صراعات عديدة داخل الجماعة الصهيونية الأميركية – وخاصة بين أنصار ((بن غوريون)) من ناحية، وأنصار ((وايزمان)) من الناحية الأخرى – تبنت المنظمات الصهيونية خطة واضحة تقوم على:

أولاً: بناء التنظيمات الصهيونية وتوسيع عضويتها وإمكاناتها المالية، ثانياً: قلب الأوضاع داخل الرأي العام اليهودي، وتحييد قادة المنظمات اليهودية المعادية للصهيونية أو غير الصهيونية – على الأقل – ثالثا: تنظيم المجاهدين والدعاة المتجولين و((اللوبيات)) ووسائل وأدوات الاستعطاف، وبيع الأفكار الصهيونية لكل فئات ومستويات المجتمع – غير اليهودي – سواء من خلال الانتخابات في نيويورك أو عن طريق القساوسة أو الدعاة الدينيين في المناطق الريفية. وبهذا يتم توعية الرأي العام والكونغرس بمشكلة اللاجئين اليهود، وتوجيه ضغط متزايد للبيت الأبيض، ووزارة الخارجية. وكانت الأداة الأساسية لتحقيق هذه الجهود هي مجلس الطوارئ اليهودي – الأميركي الذي تأسس في العام 1939 ولكن لم يصبح مؤثراً إلا في العام 1943 تحت قيادة الحاخام ((سيلفر))[12].

– وتؤكد التطورات التي مرت بها الحركة الصهيونية، أنه من غير الصحيح إرجاع نجاحها في الولايات المتحدة فقط إلى الظروف الناتجة عن تطورات الحرب العالمية الثانية وحدها. فلابد من أن تعامل الجهود التي بذلها الصهاينة في هذا المقام بدرجة أكبر من الاهتمام، آخذين بعين الاعتبار عدة قوى تعمل في مواجهة الصهيونية مثل الدوائر العربية في الخارجية البريطانية، والمصالح النفطية بالإضافة إلى الجماعات التي عارضت الصهيونية من منطلقات عرقية. وبالرغم من أن خصوم الصهيونية كانوا يحتلون قلب الميدان، إلا إنهم لم يبذلوا الجهود نفسها لمواجهة الضغوط الصهيونية المتزايدة[13]. وهو التقدير نفسه الذي توصلت إليه الخارجية الأميركية التي كانت بأغلب هيئاتها، معارضة للمطالب الصهيونية، والتي بينما قدرت أنه لا معنى للخوف من نفوذ الصهيونية في الولايات المتحدة طالما كانت لا تمثل إلا اتجاه الأقلية بين اليهود، فإنها ووجهت بمشكلة كون الأغلبية اليهودية غير الصهيونية غير منظمة وغير مؤثرة في معارضة الصهيونية السياسية[14]. ويخرج الباحث الأميركي ((فيليب بارام)) من ذلك باستنتاج مؤداه أنه لولا الضغوط اليهودية في أميركا وفلسطين لما كانت الخارجية الأميركية لتهتم ولو قليلاً بمشكلة اللاجئين اليهود[15].

بدأت الجهود الصهيونية المتزايدة تؤتي ثمارها تدريجياً بإقناع ودفع أعداد متزايدة من المسؤولين الأميركيين لتبني المطالب الصهيونية. فبينما كان موقف الرئيس ((روزفلت)) تجاه المسألة الفلسطينية وطوال فترة رئاسته، غير محدد تقريباً حيث لم يعارض السياسة التي اتبعتها وزارة الخارجية تجاه هذا الأمر والتي لم تكن متعاطفة بوجه عام مع المطالب الصهيونية، نجده في أواخر حياته وبالتأكيد بأثر من الضغوط الصهيونية المتزايدة، قد بدأ يتبنى بعض الآراء المؤيدة للصهيونية. ففي حديث له مع الكولونيل ((هوسكنس)) في 5 آذار (مارس) 1943 قال روزفلت: "إن رفض الصهيونية لا يمكن أن يصمد كثيراً. وإن الدولة اليهودية لا يمكن بناؤها بغير العنف واستناداً إلى حقائق الأمر الواقع في المنطقة".
وفي 16 آذار (مارس) في حديث مع ((ستيفن وايس)) أيد ((روزفلت)) إلغاء القيود على الهجرة اليهودية فلسطين وإقامة دولة الصهيونية[16]. وقد عبر وزير الخارجية البريطاني((بيفن)) عن عمق التأثير الذي تمارسه الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة عندما حدد أمام اجتماع لحزب العمال البريطاني في العامل 1947 العقبات الأساسية التي تعترض خططه في فلسطين، في عقبتين أساسيتين:

أولاهما: الضغوط القوية التي يمارسها الصهاينة الأميركيون[17]. ويمكن أن نبين عمق التأثير الذي مارسته الجماعات الصهيونية على السياسة الأميركية في هذه الفترة، إذا لاحظنا بعض مظاهر العداء للصهيونية أو على الأقل عدم التعاطف معها والذي ظهر في أجزاء هامة من الإدارة الأميركية، ثم مقارنتها بالتطورات التي لحقت هذه المواقف وعلى السياسة الأميركية ذاتها في فترة لاحقة. فعادة ما أثير في المجتمع الأميركي تساؤل عما إذا كان يمكن لليهود أن يصبحوا مواطنين في مكان ما، وكان الرأي السائد في الخارجية الأميركية هو أنه لا يمكن لليهود أن يصبحوا مواطنين مخلصين قي أية دولة، ومن ثم فإنه على الولايات المتحدة أن تعزل نفسها عن أية نزعة إنسانية تطالب بتغيير الوضع السيئ ليهود أوروبا[18]. وكان الاتجاه الغالب في الخارجية الأميركية هو أنه لا يمكن حل المسألة اليهودية على أساس إقليمي، وإنما يجب حل مشكلة يهود أوروبا حيث يعيشون، بينما كان رأي اتجاه آخر هو ألن حلاً إقليمياً للمسألة اليهودية أمر ممكن. وتوزعت الآراء داخل هذا الاتجاه بين أميركا اللاتينية وأنغولا وليبيا كأماكن مقترحة لتوطين اليهود، والملاحظ أن أحداً من أصحاب هذا الاتجاه لم يطالب بتحول فلسطين إلى دولة لليهود[19]. أما الوزير الأميركي المفوض في مصر والسعودية في الفترة شباط فبراير) 1941 – تموز (يوليو) 1943. ((ألكسندر كيرك))، فكان يدين الصهيونية باعتبارها وهم ضد حقائق التاريخ والجغرافيا. وكان لأشخاص آخرين الرأي نفسه مثل ((دالاس موراي)) المسؤول عن شؤون الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية، ووزير الخارجية ((كود ويل هيل)) نفسه[20]. ففي بداية العام 1943 طرح ((موراي)) تصوراً لحل مشكلة الصراع حول فلسطين جاء فيه ((إن التسوية بين العرب واليهود لا يمكن أن تتم إلا على أساس تخلي اليهود عن طموحهم لإنشاء دولة، وأن يكتفوا بالقبول بنوح من المركز الثقافي والديني اليهودي في فلسطين في ظل أغلبية عربية يتم الحفاظ عليها بوضع حد للهجرة اليهودية إلى فلسطين))[21]. كما عارض ((موراي)) المشروع الذي دعا إليه ((حاييم وايزمان)) والخاص بجمع 80 مليون دولار لإعطائها كقرض لابن سعود مقابل موافقته على المشروع الصهيوني. فقد رأى ((موراي)) في ذلك توسيعاً للنفوذ والنشاط الصهيوني خارج فلسطين، ونوعاً من الإمبريالية الاقتصادية المحمية بموافقة دولية[22]. وعندما وقعت المصادمات بين العرب والمستوطنين الصهاينة في فلسطين في العام 1929، وهي المصادمات التي قتل فيها ثمانية من اليهود الأميركيين، طلبت الجماعات الصهيونية من الحكومة الأميركية التدخل لصالح اليهود في فلسطين، ولكن رئيس قسم شؤون الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية حدد موقف الوزارة من هذه الضغوط بقوله: "ليس من المعقول أنه من أجل مقتل ثمانية يهود أميركيين في بعض الاضطرابات أن نقوم بمساندة وجهة النظر الصهيونية"[23].

وفي كانون الثاني (يناير) 1942 أرسل القنصل الأميركي في القدس ((ل. بينكرتون)) للخارجية الأميركية رسالة يعلن فيها عن غضبه واستيائه من بريطانيا التي لا تبدي حزماً كافياً مع ((اليشوف))، ويلوم الولايات المتحدة لأنها لا تدفع بريطانيا لكي تكون أكثر تأييداً للعرب[24].
وفي مواجهة الضغوط الصهيونية المتزايدة لم تكتف وزارة الخارجية الأميركية بمعارضة الخطط الصهيونية في فلسطين، وإنما سعت إلى محاربة النفوذ الصهيوني داخل الولايات المتحدة ذاتها، خاصة بعد إعلان الحركة الصهيونية لبرنامج بلتيمور في أيار (مايو) 1942. وبناء على جهود وزارة الخارجية في هذا المجال تأسس في تشرين الثاني (نوفمبر) 1942 ((المجلس الأميركي لليهودية)) يضم مجموعة من اليهود الأميركيين المعادين للصهيونية برئاسة الحاخام ((موريس لازارون)).

لكن نقطة التحول الهامة حدثت عندما نجحت الجماعات الصهيونية في اجتذاب الرئيس ((ترومان)) لتبني مطالبها في فلسطين. ويفسر الباحث الأميركي ((فيليب بارام)) إيجابية ((ترومان)) تجاه القضية الصهيونية بأنه كان لديه اعتقاد (منطقي) بأن فلسطين هي الملجأ الطبيعي لليهود[25]. ويتحدث ((ترومان)) في يومياته عن الخلاف في وجهات النظر بينه وبين إدارته بشأن فلسطين في الأسابيع القليلة التي سبقت إعلان قيام دولة إسرائيل فيقول: "بخصوص الموقف من فلسطين فإن وزارة الدفاع كانت تتحدث دائماً عن أمرين الأول هو عدم قدرة الولايات المتحدة على إرسال قوات إلى هناك في حالة نشوب اضطرابات، والثاني هو الثروات النفطية في الشرق الأوسط. وكان رأي وزير الدفاع فورستال دائماً أنه من الخطر على مصالحنا النفطي في الشرق الأوسط، أن نستثير عداء العرب لنا، أما في وزارة الخارجية فإن المتخصصين في شؤون الشرق الأدنى وبدون استثناء كانوا غير محبذين لفكرة إنشاء الدولة اليهودية على أساس أن تأييدنا لهذه الفكرة سيورثنا عداء العرب والذي سيؤدي بهم بدوره إلى دخول في المعسكر السوفياتي. أما أنا – والكلام لازال للرئيس ترومان – فلم أكن مقتنعاً أبداً بآراء الدبلوماسيين هذه"[26].

هكذا وبدون أن يقدم ((ترومان)) أية حجج من أي نوع اللهم إلا عدم اقتناعه بكلام الدبلوماسيين وضع نفسه في صفوف المؤيدين للمطالب الصهيونية نفسها، واتهام مساعديه المخالفين له في الرأي بشأن هذأ الموضوع، بمعاداة السامية[27]. حتى أر الرئيس ((ترومان)) قد ضرب عرض الحائط كل القواعد المعمول بها داخل الإدارة الأميركية، وتجاهل اعتراضات مساعديه على الاعتراف بالدولة اليهودية، واختار العمل بصورة مستقلة مبرراً ذلك بتخوفه من قيام بعض المتخصصين في وزارة الخارجية بمعارضة الاعتراف بالدولة اليهودية لدرجة أن بعض كبار موظفي الخارجية فوجئوا بإذاعة نبأ اعتراف الحكومة التي يشاركون في توجيه دفتها، بإسرائيل[28]. وقد علق ((بن غوريون)) على هذا السلوك من قبل الرئيس ((ترومان)) بقوله: "إنه رجل يعرف كيف يستمع إلى نصيحة مستشاريه، ولكن يعرف أيضاً متى يتبع رأيه الشخصي"[29].
أما الرئيس ((ترومان)) فقد اعترف في يومياته بأثر الضغوط الصهيونية في دفعه لتبني المطالب الصهيونية في فلسطين فكتب يقول: "لقد قام اليهود الأميركيون بممارسة ضغوط شديدة علي لدفعي لاستخدام إمكانات الولايات المتحدة لصالح الطموحات اليهودية في فلسطين"[30].
حتى أن أحد الباحثين وصف التأييد الأميركي لقيام إسرائيل في عامي 1947، 1948، بأنه ((تأييد ذو طابع إكراهي لأنه كان بدرجة أكثر خضوعاً من الإدارة الأميركية لضغوط الجماعات الصهيونية))[31].

ومن المهم ملاحظة أن الرئيس ((ترومان)) لم يستخدم ولو مرة واحدة أي برهان يربط فيه بين مصالح الولايات المتحدة وبين قيام إسرائيل، بينما نجده في أكثر من مناسبة يعبر عن إعجابه وتعاطفه الشخصي مع المشروع الصهيوني. ففي رسالة كتبها إلى وزير خارجيته جورج مارشال في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1948 بشأن موقفه من إسرائيل يقول ترومان: "إنني أرغب في أن نساعد في بناء دولة قوية، غنية، حرة، وديمقراطية في فلسطين، وهذه الدولة يجب أن تكون واسعة وحرة وقوية بدرجة كافية لجعل شعبها مستقلاً وآمناً"[32].
كما كتب إلى ((حاييم وايزمان)) أول رئيس لدولة إسرائيل بمناسبة الذكرى الأولى لصدور قرار التقسيم ((أود أن أخبرك بمدى السعادة والتأثر اللذين أشعر بهما للتقدم الفريد الذي حققته دولتكم الجديدة، والذي يرجع الفضل فيه لكم أنتم أكثر مما يرجع لأي جهد آخر. وإنني على ثقة من أنه لا زال لديكم أكثر مما أعطيتم، وأكثر مما قدم العالم لكم. وهو ما يجعلني شديد الإعجاب بكم))[33].

حدود النجاح الصهيوني
وهكذا وصلت الجماعات الصهيونية إلى أقصى طموحاتها بفوزها بتأييد الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني في الأمم المتحدة وعلى الصعيد الدبلوماسي. لكن ذلك لا يعني أنها قد نجحت في إدخال تعديلات هيكلية على جدول أولويات وتوجهات السياسة الخارجية الأميركية. فعندما رأت الولايات المتحدة بأن تنفيذ قرار التقسيم قد يتطلب منها تحمل نفقات جديدة – بالمعنى المادي للكلمة – أحجمت عن اتخاذ القرارات التي قد تفرض عليها تحمل هذه النفقات. بل إنها كانت على استعداد لوقف تنفيذ قرار التقسيم حتى تجنب نفسها التورط في تحمل أعباء لم تكن مستعدة لتحملها. ومن ثم، فقد أصاب السياسة الأميركية في العالم العربي وخاصة تجاه المسألة الفلسطينية في الفترة اللاحقة لصدور قرار التقسيم، حالة واضحة من التردد لسببين أساسيين:
الأول: هو اتخاذ الولايات المتحدة لقرار تقديم الدعم الدبلوماسي اللازم لإنشاء دولة إسرائيل دون أن يكون لديها استعداد لتحمل النفقات المادية المترتبة على الالتزام بتنفيذ ذلك القرار.
والثاني: الخلاف الذي نشب بين فروع الإدارة الأميركية وخاصة بين الرئيس من ناحية، ووزارة الخارجية والدفاع من ناحية أخرى. والناتج عن انفراد الرئيس باتخاذ قرار الاعتراف بإسرائيل، إذ لا يستطيع الرئيس – بحكم آليات عمل الإدارة الأميركية – الاستمرار في تجاهل الأجهزة الأخرى لفترة طويلة، فإن المحصلة النهائية أخذت شكل تردد ومراوحة القرارات الصادرة عن الحكومة الأميركية تبعاً للتوازنات بين أركان الحكومة المختلفة وللأثر الذي يمارسه كل طرف لإصدار أو منع إصدار قرار بعينه.

لقد كانت الفترة الفاصلة بين صدور قرار التقسيم واستتباب الأوضاع بتوقف اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل، أكثر الفترات التي شهدت التردد والمراوحة الأميركية. فحين ساندت الولايات المتحدة قرار التقسيم كانت تتوقع تنفيذه في أقرب وقت ممكن، ولكن حين بدأت المقاومة العربية المسلحة المعارضة لتنفيذ القرار، بدا للولايات المتحدة أنها قد خسرت الرهان. فأخذ موظفو وزارة الخارجية يخففون بصورة مستترة من اندفاع حكومتهم في موالاة الصهيونية، فأوقفت واشنطن الإذن بنقل السلاح إلى الشرق الأوسط في الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1947[34]، وفي 91 آذار (مارس) 1948 طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن – وبرغم عدم موافقة الرئيس ترومان[35] – وقف العمل بخطة التقسيم واستبدالها بوصاية مؤقتة. وهو الاقتراح الذي تسبب في إزعاج شديد للقيادات الصهيونية[36]. وفي 29 آذار (مارس) أعلن وزير الدفاع الأميركي ((فورستال)) بأنه لا تتوافر لديه قوات لإرسالها إلى فلسطين. في الوقت نفسه الذي صرح فيه ((ترومان)) بأنه لا يرغب في الإدلاء بوعد قاطع بشأن إرسال قوات أميركية إلى فلسطين[37]. وفي 8 أيار (مايو) 1948 سافر ((موشى شاريت)) إلى واشنطن لمقابلة وزير الخارجية ((مارشال))، ووكيل الخارجية ((لوفيت)) اللذان أخبراه بأن القوات العربية النظامية ستغزو فلسطين عقب جلاء الإنجليز، فإذا كان اليهود مصرين على متابعة خطتهم فعليهم ألاَ يسعوا لمطالبة الولايات المتحدة بمساعدتهم[38]. أما المخابرات الأميركية فقد أعدت في شباط (فبراير) 1948 تقريراً يحمل عنوان ((التطورات المحتملة في فلسطين)) قدمت فيه عدداً من البدائل محتملة الحدوث نتيجة الأوضاع المعقدة في فلسطين. ومن بين هذه البدائل عدة صيغ لاستخدام القوة المسلحة عن طريق الأمم المتحدة، وبمشاركة أطراف دولية من بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. إلا إن المخابرات الأميركية نصحت بالعمل على منع هذا الاحتمال بناء على تقدير مؤداه أنه بينما لن تساهم الولايات المتحدة في أي عمل يتطلب منها إرسال قواتها المسلحة إلى فلسطين، فإن الاتحاد السوفياتي سيجد في ذلك فرصة للانفراد بنشر قواته في المنطقة[39]. وفي العام 1949 حذرت الولايات المتحدة إسرائيل وطالبتها بالتنازل عن بعض الأراضي مقابل الأراضي التي استحوذت عليها ولم تكن داخلة في مشروع التقسيم ضمن حدود الدولة اليهودية، أي إن واشنطن أبدت رفضها لحدود الأمر الواقع كما فرضتها إسرائيل[40].

نستطيع إذاً تلخيص الإنجاز الذي حققته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة في هذه الفترة وحتى قيام إسرائيل والذي انعكس بدوره على العلاقات الأميركية الإسرائيلية في الصياغة التالية: إنه من خلال الجهود الكثيفة التي بذلتها الجماعات الصهيونية – الأميركية والتي تركزت في أعمال الدعاية والضغط بأشكالها المختلفة، تمكنت الحركة الصهيونية من خلق تيار هام بين المواطنين الأميركيين وخاصة بين المسؤولين الأميركيين النافذين، يقبل بالمطالب الصهيونية في فلسطين. أي إنها استناداً إلى عوامل تاريخية وثقافية فيما يتعلق بالمجتمع الأميركي، واستناداً إلى الإمكانات الاقتصادية والفنية الكبيرة لليهود الأميركيين، وخاصة بالاستفادة من معطيات الحرب العالمية الثانية وما تعرض له يهود أوروبا من مآس على أيدي النازية، تمكنت الحركة الصهيونية من دفع قطاع هام من الأميركيين وخاصة من النخبة الأميركية إلى إدراك الواقع في فلسطين بطريقة مشابهة لتلك التي تدركها الحركة الصهيونية، أي إن الحركة الصهيونية قدمت مساهمة أساسية في صياغة وعي وإدراك قطاع كبير من النخبة والجمهور الأميركي تجاه فلسطين بطريقة تلائم المصالح الصهيونية. ولم تتمكن الحركة الصهيونية في هذه المرحلة من إقناع الأميركيين بأن نجاح المشروع الصهيوني يساوي تحقيق مصلحة أميركية معينة في المنطقة، بل على العكس فإن المساندة الأميركية للمشروع الصهيوني كانت تتم في الغالب، ضد المقولات المستقرة عن المصالح الأميركية قي الشرق الأوسط والتي تركزت حول ضمان استمرار تدفق النفط العربي، وعدم استثارة عداء الشعوب العربية تجنباً لتعريض المصالح النفطية الأميركية للخطر، ولدخول العرب في المعسكر السوفياتي، ومن ثم فإن نجاح المشروع الصهيوني لم يكن يمثل في ذلك الوقت، سوى مصلحة معنوية وأخلاقية لقطاع من النخبة والجمهور الأميركيين، وهو ما لم يكن كافياً لدفع الولايات المتحدة لتقديم المساندة المادية، وخاصة العسكرية اللازمة لإنجاح المشروع. وقد أشارت مصادر عدة إلى حدود الالتزام الأميركي تجاه إسرائيل في هذه الفترة. فقد كانت الولايات المتحدة مصممة على نقل الرسالة واضحة للصهاينة في فلسطين. يقول ((بن غوريون)) إنه تلقى قبل أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل رسالة من ((جورج مارشال)) وزير خارجية الولايات المتحدة ينصحه فيها بعدم إعلان قيام دولة إسرائيل ليس لعدم رغبته في قيامها ولكن لأن الجيوش العربية ستسحق هذه الدولة الضعيفة بمجرد إعلانها[41]. أي إن التأييد الأميركي لإسرائيل لم يتجاوز في هذه المرحلة حدود الالتزام بتقديم الدعم الدبلوماسي دون المادي للدولة الناشئة.

غير أن المشكلات بين إسرائيل والولايات المتحدة لم تنته عند هذا الحد، فحتى بعد قيام إسرائيل كانت الولايات المتحدة حريصة على الالتزام بحرفية قرار التقسيم أو بصيغة قريبة منه، فيما يتعلق بالمشكلات الثلاثة التي عالجها القرار: الحدود، اللاجئين، القدس. وحول هذه المشكلات ثارت خلافات هامة بين الإسرائيليين والأميركيين استمرت حتى شاركت الولايات المتحدة في إصدار الإعلان الثلاثي مع إنجلترا وفرنسا في منتصف العام 1950. ومن أمثلة ذلك أنه في كانون الأول (ديسمبر) 1948 وقبل توقيع اتفاقية الهدنة مع مصر، تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق الحدود المصرية واحتلال نقطة العوجة الحيوية القريبة من الحدود الفلسطينية – المصرية. وفي هذا الموقف أخذت الولايات المتحدة جانب الأمم المتحدة وطالبت إسرائيل بسحب قواتها، كما أرفقت هذا الموقف بالاحتجاج على التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد الأردن، مما اضطر إسرائيل في النهاية إلى سحب قواتها من الأراضي المصرية وإنكار واقعة تهديدها للأردن[42].

وبعد فشل مؤتمر السلام في لوزان العام 1949م أرسلت الحكومة الأميركية مذكرة شديدة اللهجة موقعة باسم الرئيس الأميركي وموجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ((بن غوريون))، حملت فيها إسرائيل مسؤولية فشل المؤتمر لرفضها تقديم تنازلات في مسائل الحدود وعودة اللاجئين وتدويل القدس. وقد أثارت هذه الرسالة أزمة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. إذ أعقبها عدد من الرسائل الحادة المتبادلة بين الحكومتين[43]. ومما تجدر الإشارة إليه أن إسرائيل كانت حريصة في ردودها على محاولة دفع الولايات المتحدة للتورط في مساندتها، في محاولة منها لإنهاء الالتزام الأميركي بعدم إرسال القوات والأسلحة إلى إسرائيل، وذلك بتصوير الأمر كما لو كان التعنت الإسرائيلي نتيجة للسياسة الأميركية التي ترفض تقديم المساعدة والدعم لإسرائيل، أو كما لو كان تغيير الموقف الإسرائيلي رهناً بتعديل السياسة الأميركية. فقد جاء في الرد الإسرائيلي ((أن إسرائيل لا تستطيع أن تعيد الأعداء لأراضيها. وهل إذا تعرضت إسرائيل لهجوم جديد سترسل الولايات المتحدة السلاح والقوات إلينا))[44].

لقد عبر ((كلارك كليفورد)) المتحدث باسم الرئيس الأميركي ((ترومان)) عن المنظور الذي دفع الولايات المتحدة للتعامل بهذه الطريقة مع إسرائيل. ففي لقائه مع ((جيمس ماكدونالد)) السفير الأميركي الأول في إسرائيل، طلب ((ماكدونالد)) من الإدارة الأميركية أن تلتزم بالواقعية في علاقتها مع إسرائيل فرد ((كليفورد)) قائلاً: "إن الناس يتساءلون ألم تقبل إسرائيل بتدويل القدس بقبولها لقرار التقسيم الصادر في 39 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، ألم تقبل خطة الأمم المتحدة بشأن اللاجئين، ما الذي سيحدث للأمم المتحدة لو استمرت الدول في انتهاك قراراتها بهذه الصورة؟"[45].
وقد أسفرت السياسة الأميركية المتعارضة مع السياسات الإسرائيلية إلى ظهور ردود أفعال معادية للأميركيين في إسرائيل كان لها أثرها في برودة العلاقة بين الدولتين. ومن مظاهر ذلك ما قامت به مجموعة من الإرهابيين الصهاينة بمهاجمة القنصل الأميركي في القدس في أيلول (سبتمبر) 1948 وهددته موجهة له تحذيرا مضمونه أنهم، أي الإسرائيليون، ((لن يسمحوا للولايات المتحدة أن تحل محل بريطانيا في السيطرة على فلسطين، وتبديد الحلم اليهودي))[46].

وبعد الأزمة التي نشبت نتيجة لفشل مؤتمر لوزان، راحت العلاقات الأميركية – الإسرائيلية تتحسن تدريجياً، وبدأت الولايات المتحدة تفهم وتقدر الموقف الإسرائيلي بطريقة تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية. على أن ذلك كان يجري في حدود معينة لابد من وضعها في الاعتبار. فالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل منذ قيامها وحتى صدور الإعلان الثلاثي في أيار (مايو) 1950، تميزت بسمتين أساسيتين: الأولى: في الموافقة على استمرار وبقاء إسرائيل، والثانية: العمل على إدخال تعديلات معينة في الأمر الواقع المترتب على الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى بإدخال بعض التعديلات على   الحدود القائمة وفقاً لاتفاقيات الهدنة، بحيث تتخلى إسرائيل عن بعض الأراضي التي احتلتها خارج الحدود التي عينها قرار التقسيم، والسماح لمن يرغب من اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، ورفع السيطرة الإسرائيلية عن الجزء الغربي من القدس لكي يتسنى تدويل المدينة، بمعنى أن الولايات المتحدة في الوقت الذي كانت فيه حريصة على استمرار الأمر الواقع بحرصها على استمرار إسرائيل، فإنها كانت أيضا حريصة على إدخال بعض التعديلات على واقع ما بعد الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى. وكان التقدير الأميركي وراء هذا الموقف المزدوج، هو أن الخطر الحقيقي على المصالح الأميركية الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة، هو خطر انفجار الموقف بين العرب وإسرائيل، وأنه لتجنب هذا الصدام لابد لإسرائيل من أن تقدم من جانبها بعض التنازلات الهامة للجانب العربي، ومن ثم فقد ألقت الولايات المتحدة تبعة تعذر التوصل للتسوية المطلوبة على التعنت الإسرائيلي. وقد عبرت السياسة الأميركية في هذه المرحلة عن نفسها بموقفها من عدم مد إسرائيل بالمعونات العسكرية والاقتصادية. فخلال السنوات الثلاث 1948، 1950، لم تحصل إسرائيل عن أية معونات اقتصادية أو عسكرية من الولايات المتحدة[47]. كما استمر قرار حظر إرسال السلاح لإسرائيل الصادر في كانون الأول (ديسمبر) 1947، سارياً لفترة غير قصيرة. ولكن على الجانب الآخر فإن العجز العربي في تدعيم هذا التصور الأميركي، جعله يفقد مصداقيته تدريجياً، فقد انهمكت الدول العربية بعد حرب 1948 في مشكلاتها الداخلية وأمور الصراع بينها، ولم يبذل أي منها جهوداً جادة للاستعداد لخوض حرب جديدة، ضد إسرائيل. بحيث أنه بمجرد توقيع اتفاقيات الهدنة أصابت الجبهات العربية مع إسرائيل حالة من الهدوء لم يقطعها إلا بعض أعمال الفدائيين المحدودة، وبحيث لم يعد الوضع القائم ينذر بانفجار شامل يهدد بخلق حالة من الاضطراب تخشى الولايات المتحدة منها على مصالحها بالمنطقة. وبحيث توصلت الإدارة الأميركية تدريجيا إلى تقدير يقلل من خطورة الوضع الناتج عن الحرب، بل وصلت إلى استنتاج مؤداه أن تجميد الوضع الراهن والحفاظ عليه، هو الطريقة الأكثر عملية لحفظ الهدوء في المنطقة. إذا، فالتغير الذي أصاب الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة هو تغير جزئي، إذ استمر الاعتقاد بأن تجنب المواجهة الشاملة بين العرب وإسرائيل هو الطريقة الملائمة لحماية المصالح الأميركية، في الوقت نفسه الذي لم تعد فيه الإدارة الأميركية ترى أن تقديم التنازلات من جانب إسرائيل هو الشرط اللازم لتحقيق الهدوء بينها وبين العرب. وقد توج هذا التحول بمشاركة الولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا في إصدار الإعلان الثلاثي في 35 أيار (مايو) 1950 والذي تضمن إعلانا باتفاق الدول الثلاث على العمل سوياً في إطار الأمم المتحدة وخارجها لمعارضة أية محاولة لتعديل خطوط الهدنة بالقوة، وإصرارها على منع اختلال توازن القوى بين العرب وإسرائيل.

وقد أصبح الحفاظ على توازن القوة بين العرب وإسرائيل هو عنوان هذه المرحلة في السياسة الأميركية التي استمرت أكثر من عقد من الزمان. وفي هذا الإطار يمكن فهم الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في توفير السلاح لإسرائيل بشكل مباشر أو عبر الوسطاء الأوروبيين. ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن الولايات المتحدة وحتى منتصف الستينيات تقريباً، لم تساهم بشكل نشط في عملية توريد السلاح للدول العربية أو لإسرائيل ووضعت لسياستها هذه عنواناً يشير إلى أنها ترفض أن تكون مورداً رئيسياً للسلاح إلى المنطقة، وان كانت من جهة أخرى تراقب الوضع بدقة، وتعمل على توفير السلاح اللازم لحفظ التوازن بين دول المنطقة عبر حلفائها الأوروبيين أو بشكل مباشر إذا كان ذلك ضرورياً.

من جانبها، حاولت إسرائيل مرات عديدة أن تحصل على السلاح الأميركي، ولكن في كل مرة كانت محاولاتها تبوء بالفشل، ومن ذلك أنه بعد أن عقدت مصر صفقة السلاح التشيكي في العام 1955، توجهت إسرائيل لإدارة ((إيزنهاور)) بطلب الحصول على السلاح، وبعد ستة أشهر من المماطلة أعلن وزير الخارجية ((دالاس)) أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أنه على إسرائيل ألا تعتمد على السلاح الأميركي في الحفاظ على أمنها، وإنما عليها أن تعتمد على إجراءات الأمن الجماعي طبقاً لمبادئ الأمم المتحدة[48]. هذا بالرغم من أن إسرائيل كانت تعاني من مأزق حقيقي قي هذا المجال، إذ إنها ولمدة خمسة أو ستة أشهر بعد عقد صفقة السلاح السوفياتية الأولى لمصر، لم تتمكن من توفير أي مصدر لإمدادها بالسلاح حتى كانت فرنسا مستعدة لفعل ذلك بسخاء بسبب إعدادها للاشتراك في حملة سيناء[49]. وقد علق الكاتب الأميركي ((ريتشارد جولد أدامز)) على الموقف الأميركي في هذا المجال وعلى بعض المواقف الأخرى المشابهة بقوله: "إن وزير الخارجية دالاس شعر بأن ارتباط أميركا التقليدي بوجهة النظر الإسرائيلية كان عائقاً خطيراً في محاولة التنافس مع الروس على يد الصداقة العربية"[50].
إذاً فإن الولايات المتحدة كانت تقدر أن تطوعها بإمداد إسرائيل بالسلاح بشكل مباشر، قد ينجم عنه الإضرار بمصالحها في الوطن العربي.

ولكن الولايات المتحدة من ناحية أخرى كانت تسهل لإسرائيل الحصول على السلاح والمعونات الاقتصادية من أطراف دولية أخرى، أو أنها كانت تعطي الضوء الأخضر لبعض الاتفاقات في هذا المجال. ومن ذلك، مثلا، موافقة الولايات المتحدة على إتمام صفقة بين إسرائيل وكندا في أواخر العام 1955 تتسلم إسرائيل بموجبها 34 طائرة مقاتلة نفاثة أميركية النوع تصنع بترخيص في كندا من طراز، ((ف – 86 سابر مارك 6)) F –86 Sabre MK.6 . ولكن الصفقة لم يتم تنفيذها إذ جرى إلغاؤها بضغط من الولايات المتحدة بعد بضعة أسابيع بسبب هجوم شنته القوات الإسرائيلية على القوات السورية شمال بحيرة طبرية[51].

ومن ذلك أيضاً موافقة الولايات المتحدة في 24/2/1956م على بيع فرنسا لإسرائيل 12 طائرة مقاتلة نفاثة من طراز ((ميستير – 4 أ))، وذلك بحكم أن فرنسا كانت ملتزمة بتنفيذ صفقة مولتها الولايات المتحدة مؤلفة من 150 طائرة من الطراز المذكور لدول حلف ((ناتو))، ولذلك كان من الضروري الحصول على موافقة الحكومة الأميركية على إعطاء إسرائيل أولوية في تسلم هذه الدفعة من طائرات ((ميستير)). ثم أعقب ذلك موافقة الولايات المتحدة في أوائل أيار (مايو) من العام ذاته على إعطاء فرنسا أولوية تسليم الأسلحة عموماً إلى إسرائيل، بما فيها مزيداً من طائرات ((ميستير – 4 أ)) بالنسبة إلى متطلبات حلف ((ناتو)) من الأسلحة الفرنسية[52]. ومن ذلك أيضاً الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في دفع ألمانيا الغربية لتقديم السلاح إلى إسرائيل فقد أدلى الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ((روبرت ماكلوسيم)) في 7/12/1965م، أي بعد افتضاح سر صفقة الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل، بتصريح جاء فيه ((إن العملية قد تمت بعمل وموافقة الحكومة الأميركية))[53]. كما أشار المستشار الألماني ((أديناور)) في مذكراته إلى أن الحكومة الأميركية قد أقنعت حكومة ((بون)) بتسوية مسالة التعويضات الألمانية. فقد كانت الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة مهتمة بإلقاء العبء الرئيسي في المعونة المالية لإسرائيل، على عاتق ألمانيا الاتحادية، حتى تتحاشى السخط في البلدان العربية على السياسة الأميركية الممالئة لإسرائيل[54]. على أنه لابد من الإشارة إلى سياسة الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، خلال فترة الخمسينيات، لم تكن دائماً في صالح سعي إسرائيل للحصول على السلاح الذي تريده من الدول الغربية الأخرى. فقد لجأت الولايات المتحدة أحياناً، خلال الفترة المذكورة، إلى عرقلة إتمام بعض صفقات السلاح بين إسرائيل ودولة أخرى كنوع من الضغط غير المباشر على إسرائيل، مثلما حدث بالنسبة لإلغاء كندا لصفقة طائرات ((سابر)) المشار إليها سابقاً. كما سبب رفض الولايات المتحدة منح إسرائيل السلاح الذي تريده بعض العقبات أمام محاولات إسرائيل الحصول على السلاح من دول أخرى. ففي بداية سعي إسرائيل للحصول على أسلحة من فرنسا قال ((كوف دي مورفيل))، وزير الخارجية الفرنسي رداً على محاولات ((شمعون بيريس)) في إقناعه بضرورة بيع فرنسا أسلحة لإسرائيل ((أين هو المنطق في اقتراحكم القائل بأن على فرنسا أن تحول نفسها إلى ((الفارس الوحيد في الشرق الأوسط)) بينما رفضت كل من بريطانيا التي حكمتكم من قبل الولايات المتحدة صديقتكم للغاية طلباتكم بتزويدكم بالسلاح بعناد))[55].

والجدير بالذكر أن جزءاً لا يستهان به من الشحنات التي تسلمتها إسرائيل من بعض دول أوروبا الغربية في الخمسينيات كانت تعبيراً عن التقاء مصالح الدول المذكورة مع مصالح إسرائيل. ومن أبرر الأمثلة على ذلك حصول إسرائيل على كميات كبيرة من الأسلحة الفرنسية في الخمسينيات الذي كان نتيجة للسياسة الفرنسية في الوطن العربي وعدائها المتزايد لمصر الناصرية بسبب موقفها المساند للثورة الجزائرية. وكما هو معروف فقد أسفرت السياسة الفرنسية عن تعاون فرنسا وإسرائيل وبريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول (أكتوبر) 1956.
وحتى تكتمل الصورة لابد من إضافة ملاحظة أخيرة، فالولايات المتحدة لم تقف موقفاً سلبياً تماماً من مسألة توريد السلاح الأميركي إلى إسرائيل. فقد استطاعت إسرائيل أن تحصل في أواخر الخمسينيات، على بعض الأسلحة الأميركية الدفاعية تضمنت مدافع مضادة للدبابات ومدافع مضادة للطائرات وأجهزة رادار[56]. وقد قرن وزير الخارجية الأميركي ((دالاس)) هذه الصفقة بمطالبة إسرائيل بالحد من ردود الفعل التي كانت تبديها ضد عمليات التسلل عبر الحدود العربية، كما قرنه بمحاولة إرضاء مصر فطالب إسرائيل بأن تتنازل لمها عن بعض الأراضي بغية خلق نقطة التقاء بين مصر والأردن قي وسط صحراء النقب، إلا أنه تراجع عن الطلب الأخير بسرعة. كذلك استجابت الولايات المتحدة لطلب إسرائيل بالحصول على السلاح في العام 1963، وباعت لها صواريخ ((هوك)) أرض – جو بمبلغ 33.5 مليون دولار تدفع على عشر سنوات بفائدة 3.5%. وقد شرح الرئيس ((كيندي)) وجهة نظر بلاده في هذه الصفقة ووصفها في إطار سياسة الولايات المتحدة الرامية لحفظ ميزان القوى متعادلا بما يمنع نشوب حرب جديدة بين العرب وإسرائيل... فقال أن هذه الصفقة لا تخرج عن خط السياسة الأميركية التقليدية في قضية تسليح الشرق الأوسط. فهذه السياسة لا تحول دون إرسال السلاح الأميركي إلى المنطقة بشكل عام، بل هي فقط تحول دون جعل أميركا مورداً رئيسيا للسلاح إلى المنطقة، ودون أن يخل هذا السلاح بتوازن القوى القائم في المنطقة، وإن حصول مصر على طائرات جديدة من الاتحاد السوفياتي من طراز ((تو – 16)) ذات المدى البعيد والقادرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة والأسرع من الصوت، هو الذي أخل بميزان التوى، وأصبح من الضروري إرسال هذه الصواريخ لإسرائيل لضبط الميزان من جديد[57].

لقد افترضنا حتى الآن سبباً واحداً لتفسير سلوك الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وهو حرص الولايات المتحدة على ميزان القوى بين العرب وإسرائيل متعادلاً بما يقلل من فرص نشوب حرب تراها الولايات المتحدة شديدة الخطر على مصالحها في المنطقة. وفي الاتجاه نفسه يمكن تقديم سببين إضافيين:
الأول: هو حرص الولايات المتحدة على علاقاتها بالدول العربية التي كانت ترى في إسرائيل عدوها الأساسي.
الثاني: هو حرصها على تقليص النفوذ السوفياتي في المنطقة وعدم إتاحة الفرصة له لتوسيع تواجده فيها وذلك بعدم دفع الدول العربية لتوطيد علاقاتها بالسوفيات إذا ما فقدت الثقة نهائياً بالولايات المتحدة. وبالعمل على تجنب حالة حادة من الاستقطاب تأخذ فيها الولايات المتحدة جانب إسرائيل، ويأخذ فيها الاتحاد السوفياتي جانب العرب بما يزيد من فرصة انتشار النفوذ السوفياتي في الوطن العربي. وفي تفسيره لسياسة الولايات المتحدة المتحفظة تجاه إمداد إسرائيل بالسلاح يقول شمعون بيريس إن ذلك يرجع إلى عامل سياسي أساسي: الوجود السوفياتي في الشرق الأوسط. فقد كانت واشنطن ترى آنذاك أن التسلل الشيوعي محدود، وكان ((دالاس)) يعتقد أن تطويقه أمر سهل، فاقتنع بقدرته على إبعاد ((عبدالناصر)) عن ((الهوة الروسية)) ولم يرغب عن طريق تزويد إسرائيل بأسلحة رئيسية في نسف هذا الاقتناع أو في فقدان تعاطف الدول غير المنحازة التي تزعمتها الهند ويوغوسلافيا ومصر[58]. وفي لقاء بين ((بيريس)) والرئيس الأميركي ((كيندي)) طلب الأول من الثاني أن تصدر حكومته إعلاناً صريحاً ضد الاعتداء في الشرق الأوسط، فاستوضح ((كيندي)) ما إذا كان الإعلان الثلاثي الذي صدر من أميركا وبريطانيا وفرنسا في العام 1951 لا يزال قائماً وكافياً، فأجاب ((بيريس)) إن الإعلان ينطوي على ثغرات كثيرة، وإنه لم يثبت جدواه في أية مناسبة أو تجربة جدية. فسأل كيندي: أي نوع من الإعلان يجب أن يصدر إذاً؟ فأجاب ((بيريس)): ((إن الإعلان يجب ألا يتطرق إلى الدول لكنه يشير إلى السياسة، أي يجب أن يكون إعلاناً صريحاً يشجب تجدد الاعتداء في الشرق الأوسط)). فتساءل كيندي ألا يجب أن يتضمن الإعلان ضمانة لحدود السعودية والأردن ولبنان وسوريا؟ وتساءل أيضاً: ماذا يكون موقفكم إذا أصدرت روسيا إعلاناً مماثلاً لصالح مصر. وقد علق ((بيريس)) على ذلك الموقف بقوله: "كنت أعرف حتى قبل أن ألج عتبة مكتب الرئيس أن العقبة الرئيسية أمام أي إعلان أميركي تكمن في الخوف من صدور بيان روسي مشابه قد يؤدي إلى مضاعفة تدخل الدول الكبرى في شؤون الشرق الأوسط"[59].
وتعليقاً على سياسة إغراق إسرائيل بالسلاح التي طبقتها الولايات المتحدة منذ العام 1973 كتبت مجلة Congressional Quarterly   تقول ((إن هذه السياسة تتناقض تناقضاً واضحاً مع السياسة الأميركية تجاه الأمر نفسه قبل أقل من عقد واحد عندما كانت الولايات المتحدة حريصة على كسب العرب إلى جانبها في الحرب الباردة ولحماية مصالحها النفطية في المنطقة. وهي العناصر التي شكلت عائقاً في وجه إمداد إسرائيل بالأسلحة في الخمسينات وبداية الستينيات))[60].

لقد شكل الاتحاد السوفياتي عنصراً مؤثراً وفعالاً في الشرق الأوسط في الفترة حتى منتصف الستينيات، حتى أن بعض السياسيين الأميركيين رأى أنه لا فكاك من القبول بنوع من النفوذ السوفياتي في المنطقة، واقترح تنظيم التعامل معه فعلاً في المنطقة. فاقترحت لجنة ((كلارك)) التي زارت عدداً من دول المنطقة في النصف الأول من العام 1967 العمل على التوصل إلى تفاهم مع الاتحاد السوفياتي بشأن الشرق الأوسط. واقترحت اشتراك الدولتين في الإشراف على المنطقة من خلال قوات بوليس دولي[61].
وهناك مظاهر عديدة لحرص الحكومة الأميركية على علاقتها بالوطن العربي في ظل الفترة، بما يساهم في تفسير سياستها تجاه اسرائيل عموماً، وتجاه إمدادها بالسلاح الأميركي على وجه الخصوص. ففي حزيران (يونيه) 1960 أعلنت الخارجية الأميركية قرار استئناف إرسال معوناتها لـ((ج.ع.م)) وقال ((باركهارت)) مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط و((جيمس جرانت)) نائب مدير مؤسسة التعاون الدولي لشؤون البرامج والتخطيط: "إن الخارجية الأميركية استأنفت برنامج المعونة دون استشارة الكونغرس مقدماً لأن علاقتها بـ((ج.ع.م)) كانت ستتعرض للضرر إذا حدث تأخير في تسليم المعونات"[62].

ومعروف أن هذا الإجراء كان يتم في مواجهة معارضة شديدة من الكونغرس الذي كان قد أصدر قراراً يربط بين الحصول على المعونة الأميركية وبين اتباع سياسات معينة. وفي مواجهة هذا المشروع حذر وزير الخارجية الأميركي بالنيابة الكونغرس من ربط المساعدات الخارجية بالحظر المفروض على إسرائيل في قناة السويس[63]. وكانت الحكومة الأميركية في السنة الأخيرة من عهد الرئيس ((إيزنهاور))، قد قررت رفع حجم المعونات الأميركية لمصر، وأعلنت التزامها بمنح مصر ما مقداره 150 مليون دولار سنوياً من فائض القمع الأميركي[64]. وقد حدث موقف مشابه في العام 1963 عندما وافق مجلس الشيوخ على قرار يقضي بمنع المعونة الأميركية عن أية دولة تستعد لعمل عسكري ضد أميركا أو ضد أية دولة تتلقى المعونات منها. وكان واضحاً أن القرار يعني ((ج.ع.م)) بالدرجة الأولى. إذ كان السناتور ((أرنست جرونينج)) أحد أصحاب المشروع، قد صرح أثناء الإعداد لإصدار القرار بأنه ((مصمم)) على شن حملة في الكونغرس لجعله يسن تشريعاً يقضي بمنع تقديم أية معونة أميركية لمصر. وقد هاجم وزير خارجية ((راسك)) هذا القرار باعتباره محاولة من بعض أعضاء الكونغرس لإخضاع السياسة الخارجية الأميركية للسلطة التشريعية. فرئيس الجمهورية هو المسؤول عن سياسة البلاد الخارجية وأنه هو الذي يتحمل المسؤولية إذا ساءت الأمور. فالكونغرس يسير ببطء شديد، بينما يتحرك العالم بسرعة بالغة[65]. أيضاً، ظهر المنحى الأميركي لتحسين علاقاته بالوطن العربي وخاصة بمصر في تباطؤ الولايات المتحدة في الاعتراف بحكومة الانفصال وسوريا حتى سبقها الاتحاد السوفياتي في الاعتراف بها، وفي الفتور الذي استقبلت به الولايات المتحدة الاقتراح الداعي لإنشاء قياده مشتركة للحلف المركزي تشترك فيها الولايات المتحدة[66]. مما أدى إلى تعطيل تنفيذ هذا الاقتراح.

العلاقات الأميركية – الإسرائيلية في المنظور الإسرائيلي
المشروع الصهيوني في فلسطين هو مشروع خاص بمعنى أن في الدرجة الأولى تعبير عن إرادة قطاع من يهود العالم رأوا في هذا المشروع الطريق الأمثل لحل المشكلة اليهودية التي كانت – في تقديرهم – مشكلة حقيقية خاصة في مجتمعات شرق ووسط أوروبا. ولا شك أن بعض القوى الإمبريالية قد وجدت نجاح المشروع الصهيوني تحقيقاً لمصالحها فوقفت منه موقف المساندة. وهذا تطور طبيعي للأمور بحكم التشابك والتعقيد الشديدين في ظروف عالمنا المعاصر. ولكن هذا لا ينفي عن المشروع الصهيوني طابعه الخاص، فخلط الأوراق في هذا المجال يؤدي بالتأكيد إلى غموض في الرؤية تؤدي بدورها إلى العجز عن التمييز بين المصالح والأهداف الخاصة لكل من القوى المنغمسة في الصراع بالمنطقة، ويؤدي بالمحلل إلى الوقوف موقف العاجز عن التفسير في بعض الأحيان عندما تتصادم المصالح والسياسات الإسرائيلية مع مصالح وسياسات قوى أخرى يظن البعض أن سياساتها ومصالحها تتطابق مع مصالح وسياسات إسرائيل.. حدث هذا الخلط قديماً في التعامل مع فترة (شهر العسل) البريطاني – الصهيوني زمن الانتداب الإنجليزي على فلسطين، ويحدث أحياناً اليوم في التعامل مع العلاقات الأميركية – الإسرائيلية؟.

فتحت أية ظروف لا يمكن الحديث أبداً عن تطابق في المصالح بين أية دولتين في النظام الدولي. وتتوقف دقة التحليل على الوقوف بدقة على مساحة الهامش الذي يفصل بين سياسات وأهداف أية دولتين ومهما بلغت مساحة الاتفاق بينهما. فطالما وجد هامش للاختلاف يصبح توسيعه أمراً ممكناً بشرط التعرف على العناصر التي تتحكم في عملية تضييق أو توسيع ذلك الهامش. وتؤكد عملية تطور العلاقات الأميركية – الإسرائيلية الفرضية السابقة. فقد رصدنا خلال هذه الدراسة مرحلة ليست بقصيرة اتسع فيها هامش اختلاف المصالح والسياسات الأوروبية عن مثيلتها الأميركية. ثم راح هذا الهامش عميق تدريب حتى منتصف الستينيات، وأخذ يقفز قفزات سريعة منذ حرب 1967 في الاتجاه نفسه، حتى كاد يختفي تماماً، وهو ما قد يثير الالتباس لدى من يكتفي بالنظر إلى المرحلة الحالية من العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. والفرضية التي نحاول إثباتها هنا هي أن تطور العلاقات الأميركية – الإسرائيلية في هذا الاتجاه كانت في جانب كبير منها نتاج لسياسة إسرائيلية ثابتة استهدفت دفع الأمور بالضبط في ذلك الاتجاه. فقد بدأت إسرائيل حياتها كدولة، وهي مهيئة لانتهاج سياسة غير منحازة بين الكتل المتصارعة على الصعيد الدولي، فقد حصلت على دعم يكاد يكون متساوياً من الكتلتين في سبيل إنشاء دولة. وأيضاً فإن المجتمع الإسرائيلي ضم بين صفوفه قوى متكافئة تقريباً يميل بعضها للتقارب مع السوفيات والكتلة الاشتراكية: الشيوعيون والجناح اليساري من الأحزاب العمالية، كما كانت التجمعات اليمينية: حيروت والأحزاب الدينية تميل للتقارب مع الولايات المتحدة والغرب. وقد عبر ((إيزا هاراري)) الناطق باسم حزب التقدميين الصهاينة في الشؤون الخارجية عن موقف الحياد هذا بقوله: "نحن لا نعلم من الذي سينتصر في الحرب الباردة أو الساخنة، ولهذا فإنه من الأفضل أن نبقى مستقلين".
وأضاف: "طالما كان هناك ملايين من شعبنا على الجانبين فإن علينا أن نحافظ على استقلالنا"[67].

كما عبرت إسرائيل في بعض من سلوكها الرسمي عن موقف غير منحاز – وإن كان هذا لم يستمر سوى لفترة قصيرة في بداية عمر الدولة – فعلى سبيل المثال كانت إسرائيل هي الدولة غير الشيوعية الوحيدة التي صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد توجه الانتقاد للاتحاد السوفياتي لتدخله في الحرب الأهلية الصينية في العام 1949[68]. وعن سياسة الحياد هذه يقول ((ناداف صفران)): "إن هذه السياسة لم تكن فقط تعبيراً عن امتنان إسرائيل للمساعدات التي تلقتها من القوتين أثناء الحرب، وإنما رأت فيها أيضاً أفضل طريق لضمان مصالحها القومية بالحفاظ على تدفق المهاجرين من شرق أوروبا والفوز بموافقة روسيا على ذلك. وفي الوقت نفسه الاستمرار في تلقي الدعم من اليهود الأميركيين وربما من الحكومة الأميركية ذاتها"[69].

ولقد ذكرنا قبل قليل أنه كان يوجد في إسرائيل نوعان من القوى السياسية المتعادلة تقريباً يضغط كل منها في اتجاه دفع إسرائيل للتقارب مع إحدى القوتين الأعظم، وكانت العناصر الأيديولوجية هي العامل الحاسم في دفع هذه القوى لتبني هذا الموقف أو ذاك. ولكن التيار الأساسي بين القوى السياسية الإسرائيلية وهو تيار ((الماباي)) ذو النزعة البراجماتية، والذي كان ولاؤه الأساسي لصالح المشروع القومي الصهيوني، ومن ثم كانت الرؤية الاستراتيجية أكثر من الرؤية الأيديولوجية هي المتحكمة في صياغة سياسات ((الماباي)) وبرامجه. وقد كان لشخصية ((ابن غوريون)) وطريقة تفكيره الاستراتيجية البراجماتية أثر حاسم في بلورة توجهات ((الماباي)) وإسرائيل كلها لفترة حوالي عقد ونصف من الزمان. ففي الوقت الذي كان فيه ((ابن غوريون)) حريصاً على استقلال إسرائيل تجاه الدول الأخرى كما عبر عن ذلك وعبارات كثيرة منها: ((إننا نتسلم المساعدات من كلا الجانبين ثم نشكرهم ونسير في طريقنا الخاص، فنحن لا نريد أن نكون تابعين لأحد))، فإنه كان واعياً أيضاً بأن تحقيق مصلحة إسرائيل إلى الحد الأقصى يستلزم معها ألا تتمسك بسياسة صارمة للحياد، أو حتى بأي حياد على الإطلاق، وإنما عليها أن تخلق نوعاً من الروابط القوية بينها وبين الولايات المتحدة. وقد عبر ((بن غوريون)) عن أهمية ذلك الارتباط بأكثر من صياغة من بينها قوله: "إننا ندفع ثمناً للسلاح الذي نحصل عليه من الكتلتين وكلاهما يريد الدولارات منا، ولكن الدولارات لا تأتي إلا من بلد واحد. فنحن نحصل على الملايين من الدولارات من الولايات المتحدة".
ويقول أيضاً: "لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفياتي يعطينا السلاح، ولكن إذا ما قالت الحكومة السوفياتية لنا لا، فإن كلمتها تصبح نافذة على كل فرد في الاتحاد السوفياتي. ولكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة"[70].

ويظهر في عبارة ((بن غوريون)) الأخيرة أحد الأركان الأساسية التي قامت عليها سياسة إسرائيل تجاه الولايات المتحدة والتي اعتمدت على محاولة التأثير على القوى غير الحكومية لبناء جماعة ضغط قوية موالية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة واستخدامها لدفع المؤسسات التنفيذية لتبني سياسات تخدم المصالح الإسرائيلية. وقد حققت إسرائيل في هذا المجال نجاحاً باهراً رأينا بعضاً منه في الدور الذي لعبته الجماعات الصهيونية في دفع الحكومة الأميركية لتأييد قيام إسرائيل. ومنذ ذلك الحين وحتى كاد هامش التناقض الأميركي – الإسرائيلي يختفي تماماً في بداية السبعينيات، يجد الباحث أن القوى غير الحكومية في الولايات المتحدة كانت دائماً أكثر تعاطفاً مع المطالب الإسرائيلية مقارنة بالجهات التنفيذية. ويتضح هذا من مقارنة مواقف كل من الكونغرس والحكومة تجاه إسرائيل والعالم العربي في تلك الفترة. فعلى سبيل المثال أثبتت أحداث لبنان 1958 لمجموعة كبيرة من أعضاء الكونغرس الأميركي – مثل ((جاكوب جافيتس)) النائب الجمهوري عن ولاية نيويورك – أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة كمرساة يمكن الاعتماد عليها من قبل العالم الحر في الأمور الاستراتيجية والعسكرية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وطالب ((جافيتس)) الولايات المتحدة بأن تتخذ المبادرة لتأمين إيجاد حل للنزاع العربي – الإسرائيلي وذلك بإرغام الدول العربية على تحمل مسؤوليتها بالنسبة للاجئين، وأن تزيد من المساعدة العسكرية لإسرائيل بصفتها حليفاً يمكن الاعتماد عليه. وكان ((إبراهام ملز)) نائب نيويورك قد سبق في التأكيد على أنه ((لا يمكن التفكير في إعادة توطين اللاجئين في إسرائيل)). كذلك عارض كل من ((جافيتس))، و((إبراهام ريبكوف)) النائب الديمقراطي من ولاية ((كونيكتت)) اقتراح ((جون كيندي)) بتخصيص المساعدات الأميركية لوكالة غوث اللاجئين في إعادة توطين اللاجئين في إسرائيل. وأعلن النائبان اللذان أصبحا عضوين في مجلس الشيوخ فيما بعد تأييدهما القوي لإسرائيل على اعتبار أنه من المستحيل أن تتحمل داخل حدودها عدداً متزايداً من الأعداء المحتملين. وطالب ((والتر جود)) النائب الجمهوري من ((مينسوتا)) بأن تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات توازن مساعداتها للعرب، وذلك ((لأن لإسرائيل جيشاً ممتازاً، كما أنها أظهرت صداقتها للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص)). وصرح ((جوزيف ماركومال)) النائب الديمقراطي عن ((ماساتشوستس)) والذي أصبح فيما بعد رئيساً لمجلس النواب، أن على الكونغرس أن يدرك ((أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأدنى التي نستطيع الاعتماد عليها، علماص بأننا لا نستطيع الاعتماد على غيرها))[71].

وبعد حرب العام 1967 طلب الإسرائيليون من الإدارة الأميركية تزويدها بطائرات ((فانتوم)) المقاتلة كي يتمكنوا من ردع الدول العربية عن شن حرب أخرى. وعندما أجلت الإدارة الأميركية البت بالطلب الإسرائيلي طيلة سنة 1968، وبسبب قلقه من هذا الموقف صادق الكونغرس على الطلب الإسرائيلي للحصول على طائرات ((الفانتوم)) من خلال تبنيه لقرار هذا نصه ((يرى الكونغرس أن على الرئيس اتخاذ الخطوات اللازمة بأسرع وقت ممكن بعد سن هذا التشريع للبدء بالمفاوضات حول اتفاقية مع حكومة إسرائيل تؤمن بيع الولايات المتحدة العدد الضروري من الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت لتزويد إسرائيل بالقوة الرادعة المناسبة والقادرة على منع اعتداءات العرب في المستقبل من خلال الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها الدول العربية، ومن أجل تعويض الخسائر التي لحقت بإسرائيل في صراع العام 1967)). ونتيجة لهذا القرار طلب الرئيس ((جونسون)) من وزير الخارجية المبادرة إلى إجراء مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية حول احتياجاتها من السلاح[72]. وفي رئاسة ((نيكسون)) الأولى تعرضت الإدارة الأميركية لضغوط مستمرة من أجل زيادة المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. ففي أيار (مايو) 1970 اجتمع وزير خارجية إسرائيل ((آبا إيبان)) مع القادة الأميركيين في واشنطن بمن فيهم الرئيس ((ريتشارد نيكسون))، وطالب بالمزيد من طائرات ((الفانتوم)) و((السكاي هوك)) إلى إسرائيل. فلما كان رد الفعل غير مشجع، وجه 73 شيخاً رسالة إلى الرئيس يحثونه فيها على التعهد بالحماية والدفاع عن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وهكذا فإن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط أصبحت مطابقة تماماً للاستجابة لطلبات إسرائيل. وفي أوائل أيلول (سبتمبر) من العام ذاته وافق مجلس الشيوخ بأكثرية 87 صوتاً ضد 7 أصوات على مخصصات بقيمة 501 مليون دولار لتزويد إسرائيل بالأسلحة[73].

على أن الأفكار التي صاغها ((بن غوريون)) لإدارة العلاقات الأميركية – الإسرائيلية لم تقتصر فقط على البعد الخاص بتنمية دور الجماعات الضاغطة الموالية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. فقد استوعب ((بن غوريون)) عدداً من الحقائق الهامة التي تبلورت في نهاية النصف الأول من هذا القرن. فمنع انهيار أوربا تحت ضربات النازيين أيقن ((بن غوريون)) أن الولايات المتحدة ستكون هي مركز عالم ما بعد الحرب. فانتقل مركز النشاط الصهيوني إليها منذ مؤتمر بلتيمور الشهير في العام 1942. وفي هذا الصدد يقول ((بن غوريون)): "لم أعد أشك في أن مركز الجاذبية لعملنا السياسي في الميدان الدولي قد انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي تزعمت العالم وتحتوي مجموعة كبيرة من اليهود. إن أوروبا أصبحت في قبضة النازيين وإنها حتى بعد أن تتغلب على ألمانيا، ستكون منهوكة القوى وستكون معتمدة اقتصادياً على أميركا لسنوات عديدة بعد التحرر، فحتى المسائل السياسية في أوروبا ستكون تحت النفوذ الأميركي"[74].
كذلك وعى ((بن غوريون)) حقيقة كون الولايات المتحدة أكبر مستودع لليهود والأغنياء القادرين على تمويل الحركة الصهيونية بما لا تستطيعه أية جالية يهودية أخرى. ففي الفترة بين 1939 ونهاية 1948 بلغ مجموع تبرعات المنظمات اليهودية والصناديق الخاصة في الولايات المتحدة للمستوطنين الصهاينة بين 282 و302 مليون دولار[75].

وبناءً على هذا، اتبعت إسرائيل سياسة ثابتة فحواها العمل على إقناع الولايات المتحدة بأنها هي حليفها الوحيد المضمون في الشرق الأوسط، وذلك عبر رسائل متوالية، وفي كل المناسبات، ولعل أولى هذه الرسائل ما حدث بعد شهور قليلة من قيام إسرائيل. فقد وصل السفير الأميركي الأول إلى إسرائيل في 11 آب (أغسطس) 1948 بعد ثلاثة أيام من وصول رئيس البعثة الدبلوماسية السوفياتية ((بافل دي يرشوف)). وفي افتتاح الأوبرا الإسرائيلية لأول مرة بعد قيام إسرائيل كان ممثلو البعثتين السوفياتية والأميركية في مقدمة المدعوين، ولكن عندما بدأ العرض تعمد الإسرائيليون بعد عزف النشيد الوطني الإسرائيلي ((الهاتكفاه)) أن يتجاهلوا تماماً النشيد الوطني السوفياتي، بينما عزفوا النشيد الوطني الأميركي، وهو ما أثار الأزمة الأولى بين السوفيات وإسرائيل، وحمل للأميركيين معان هامة[76]. وعندما نشبت الأزمة الكورية تبنت إسرائيل الموقف الأميركي بصورة كاملة وحاولت توظيف هذا الموقف لصالحها. ففي لقاء بين ((بن غوريون)) والسفير الأميركي في إسرائيل، قدم الأول تصوراً لخطة تستهدف تقوية إسرائيل لتمكينها من الصمود في وجه أي عدوان شيوعي في حالة نشوب أزمة مشابهة للأزمة الكورية في الشرق الأوسط[77]. وقد أدت هذه الرسالة غرضها بدرجة كبيرة، إذ علق السفير الأميركي في إسرائيل على هذا الموقف بقوله: "لقد أصبحت متيقناً من موقف إسرائيل المؤيد للغرب"[78].

وفي 23 كانون الأول (ديسمبر) 1950 أرسل ((موشيه شاريت)) وزير خارجية إسرائيل مذكرة سرية إلى الجنرال ((جورج مارشال)) وزير الدفاع الأميركي مضمناً إياها مشروعاً تفصيلياً للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. نص البند الأول منه على ((أن التوتر الحالي في العالم قد دفع حكومة إسرائيل إلى تفحص موقفها تحسباً لأي تفاقم جديد في الوضع من شأنه أن يمس الشرق الأوسط)) وقد شمل المشروع الإسرائيلي عدة بنود أهمها:
– تمكين إسرائيل من توفير قدر مناسب من احتياطات الغذاء والطاقة فوق أراضيها. فبالإضافة إلى أهمية ذلك بالنسبة لإسرائيل فإنه ((يشكل رصيداً مهماً للولايات المتحدة في دورها كدولة عظمى لها مصلحة في الدفاع عن الشرق الأدنى))… ((لهذه الأسباب فإن إقامة مستودعات احتياطيات الغذاء قبل نشوء حالة طوارئ سيخدم أمن إسرائيل من جهة وسيعزز إلى حد كبير الموارد الدفاعية للديمقراطية في الشرق الأوسط)).
وفي المجال العسكري قدمت المذكرة للمطالب الإسرائيلية بقولها ((إن الإنجاز العسكري لسكان أرض إسرائيل اليهود في الحرب العالمية الثانية، وما حققه الجيش الإسرائيلي في العام 1948 في مجال الدفاع عن دولة ولدت لتوها ضد القوات العربية المشتركة يشكل مؤشراً جيداً بالنسبة للمستقبل على الخدمة التي تستطيع إسرائيل تقديمها إذا نميت قدرتها العسكرية ونظمت في أقرب وقت)). ولتمكين إسرائيل من أداء خدماتها العسكرية للغرب فإنه يجب:
– تزويدها بالسلاح الأميركي.
– توحيد تسليح الجيش الإسرائيلي بالأنواع الأميركية.
– تنمية صناعة السلاح الإسرائيلية لسد احتياجات إسرائيل وجزء من احتياجات حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
– تحسين منشآت الموانئ الإسرائيلية فمثل هذا التحسين ((سيعزز من قيمة إسرائيل كرصيد للدفاع عن الشرق الأدنى ضد العدوان)).
– قيام الخبراء الأميركيين بدراسة القدرات العسكرية والصناعية الكامنة في إسرائيل. وكذلك دراسة منشآتها ومواصلاتها كمقدمة لبناء خطة للدفاع عن المنطقة.
– تمكين مزيد من الطلاب الإسرائيليين من الدراسة في الكليات العسكرية الأميركية.
– تزويد إسرائيل ببعض المعارف العسكرية ذات الطبيعة السرية[79].

وتعليقاً على المذكرة الإسرائيلية كتب وزير الخارجية الأميركي ((دين اتشيسون)) إلى سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل رسالة جاء فيها ((لقد قال الإسرائيليون إنهم مقتنعون الآن بخطأ سياسة ((عدم التماثل)) – يقصد عدم الانحياز – التي يتبعونها، وإنهم يعرفون أن أملهم الوحيد للخلاص هو الغرب. إنهم يريدون أن تؤخذ إسرائيل بالحسبان، بأكبر سرعة ممكنة، في خطط الغرب للدفاع عن الشرق الأدنى... وقد ألمع الإسرائيليون إلى أنهم سيكونون مستعدين في حال نشوب أزمة لأن يقترحوا على الغرب تقديم خدمات مثل ميناء حيفا ومطار اللد، حتى وان كان الأمر مرتبطاً باستخدام بريطانيا لهذه الخدمات))[80]. وبالرغم من أن الولايات المتحدة لم تستجب للمطالب الإسرائيلية إلا أن ذلك لم يمنع إسرائيل من الاستمرار في اتباع السياسة نفسهما. ففي محاولات متعاقبة لإلزام الولايات المتحدة بارتباط رسمي قوي مع إسرائيل، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة توقيع معاهدة دفاع بين البلدين وهو ما رفضته الولايات المتحدة حتى لا تسيء إلى علاقاتها العربية. كما عرضت إسرائيل في العام 1957 على الولايات المتحدة أن تقوم بتوسيع الموانئ والمطارات الإسرائيلية حتى تصبح صالحة للاستعمال كقواعد عسكرية للولايات المتحدة في حالات الطوارئ، وهو ما رفضته الولايات المتحدة أيضاً. وفي أواخر العام نفسه تقدمت إسرائيل بطلب للانضمام إلى حلف الأطلسي، لكن مجلس الحلف رفض هذا الطلب[81].
وحتى في أوقات الأزمات فإن إسرائيل لم تتخل عن هذا النهج. فبعد أن ردت بحدة واضحة على الخطاب الأميركي الذي حملها مسؤولية فشل مؤتمر لوزان للسلام، حرصت الحكومة الإسرائيلية على أن تنهي ردها على الخطاب الأميركي بعبارات ودية تعبر عن اهتمام إسرائيل ((بصداقة شعب وحكومة الولايات المتحدة كمصدر قوة في علاقات إسرائيل الخارجية لا يمكن أن تقاربه فيه دولة أخرى))[82].

وفي صيف العام 1966 قضى ((دايان)) عدة أسابيع في فيتنام لمتابعة الحرب هناك عن كثب وعاد مقتنعا بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، لما رآه من قوة عسكرية واقتصادية هائلة تستخدمها هناك، وهو الذي دفعه للقول بأن الولايات المتحدة يجب أن تلعب مثل هذا الدور في المستقبل في الشرق الأوسط[83]. وحتى في المرات التي رأت فيها إسرائيل أن مصالحهما تتعارض بشكل واضح مع المشروعات والخطط والسياسات الغربية، فإنها كانت تحاول بقدر الإمكان أن تجنب نفسها الدخول في مواجهة حاسمة مع الولايات المتحدة والغرب، بل على العكس فإنها كانت تحاول إيجاد طريق بديل للاستمرار في تدعيم علاقتها بالغرب وخاصة بالولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، فإنه بينما قبلت إسرائيل الإعلان الثلاثي الصادر في أيار (مايو) 1950، فإنها لم تنظر بعين الارتياح لإنشاء منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط تضم الدول العربية إلى جانب إسرائيل، وتؤدي ضمن ما تؤدي إليه إلى تقوية الجيوش العربية، ولكن إسرائيل لم تورط نفسها في معارضة هذا المشروع معارضة حازمة، إنما تركت هذه المهمة للاتحاد السوفياتي والدول العربية حيث أدت معارضتهم للمشروع. إلى تعطيل تنفيذه[84]. أيضاً فقد عارضت إسرائيل مشروع معاهدة حلف بغداد على أساس أن انضمام الدول العربية مع الغرب في حلف واحد سوف يؤدي إلى تقوية العرب في مواجهة إسرائيل، لذلك حاولت دفع أنصارها في الولايات المتحدة لمعارضة المعاهدة. ولما فشلت في ذلك، وأصبحت المعاهدة أمراً واقعاً بتوقيع العراق عليها، حاولت إسرائيل دعم علاقاتها الأميركية بطلب الانضمام لحلف ((الناتو))، فلما فشلت في الحصول على إجابة لهذا الطلب، دعت الولايات المتحدة لتوقيع معاهدة دفاع مشترك، وهو الذي رفضته أميركا خشية تعريض مصالحها في الوطن العربي للخطر[85]. لقد لخص الباحث الأميركي ((جيمس ريتشاردر)) في كتابه ((الإله الأميركي)) الموقف بقوله: "لقد كانت إسرائيل تبحث عن دور، وكنا نحن – الولايات المتحدة – نبحث عمن يقوم بهذا الدور"[86].
فقد كان موقع إسرائيل في إطار السياسة والاستراتيجية الأميركية في العالم العربي والشرق الأوسط، يتزايد تدريجياً، وكان هذا التزايد يتم عادة على حساب علاقات الولايات المتحدة – العربية، ودعم من هذا الاتجاه، وصول الرئيس ((جونسون)) إلى الحكم بعد اغتيال ((جون كيندي)) في العام 1963، وكان ((جونسون)) معروفاً بتعاطفه مع إسرائيل منذ كان عضواً بمجلس الشيوخ ورئيساً للكتلة الديمقراطية فيه، وكان أبرز المواقف التي تولى فيها ((جونسون)) الدفاع عن المصالح الإسرائيلية هو معارضته للتهديد الذي وجهه الرئيس ((إيزنهاور)) لإسرائيل بفرض عقوبات عليها إذا لم تنسحب من سيناء وقطاع غزة في العام 1957. وقال ((جونسون)) في تلك المناسبة: "إن الحكومة الأميركية فيما يبدو قد نسيت أن اليهود لم يفعلوا شيئاً أكثر من الدفاع عن النفس ضد ما أسماه بتهديد العرب لإسرائيل عن طريق غزوات الفدائيين والإبقاء على حالة الحرب ضدها"[87].
وفي عهد ((جونسون)) حصلت إسرائيل ولأول مرة على صفقة أسلحة أميركية ذات أهمية كبيرة. ففي شباط (فبراير) 1965 وأثناء زيارة ((فريل هاريمان)) نائب رئيس الولايات المتحدة لإسرائيل، وافقت الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بدبابات من طراز ((باتون))، وطائرات من طراز ((سكاي هوك)). وقد وصف ((بيريس)) هذه الصفقة بأنها قد وضعت حداً نهائياً للسياسة القائلة بأن أميركا لا ترغب في أن تصبح المصدر الرئيسي للسلاح إلى الشرق الأوسط[88]. وكان ((جوسمون)) قد أبلغ ((ليفي أشكول)) أثناء زيارته للولايات المتحدة في منتصف العام 1964 إن الولايات المتحدة ستساند إسرائيل بكل قوة، وإنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرضت إسرائيل لأي هجوم[89]. كما أعلن ((ليفي أشكول)) في حزيران (يونيه) 1966 أنه تلقى تأكيداً بأن الولايات المتحدة ستحافظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، وأن ذلك يشكل ثورة في التفكير الأميركي[90]. ويرى ((بيريس)) أن هناك عنصرين مباشرين فرضا التبدل الذي أصاب السياسة الأميركية في ميدان تصدير السلاح لإسرائيل:
الأول: هو انضمام الأردن للقيادة العربية المشتركة، وما ترتب عليه من اتفاق على تزويدهما بالسلاح ومن ثم رغبة أميركا في موازنة أثر هذا المتغير.
والثاني: هو العقدات التي عرقلت المساعي الإسرائيلية للحصول على دبابات من ألمانيا بعد أن اضطرت بون للخضوع للضغوط العربية فأوقفت شحنات السلاح التي كانت ترسلها إلى إسرائيل[91]. وكان هذا التحول يمثل انتصاراً هاماً للسياسة الإسرائيلية التي استهدفت منذ زمن طويل اجتذاب الولايات المتحدة إلى دائرة موردي السلاح إلى إسرائيل، وخاصة منذ حرب 1956 التي خرجت إسرائيل منها بدرس هام فحواه أن حصول إسرائيل على السلاح الأميركي هو أمر هام للغاية ليس فقط لأهميته العسكرية ولكن أيضاً بسبب قيمته السياسية في الصراع ضد العرب.
لقد تأكد هذا التحول بعد ذلك في أعقاب حرب حزيران (يونيه) 1967، وهو ما أظهرته نتائج الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي ((ليفي أشكول)) للولايات المتحدة في الفترة 4 – 7 كانون الثاني (يناير) 1968. وبرغم أن البيان المشترك الصادر في أعقاب الزيارة لم يشر بشكل واضح إلى أكثر من أن الولايات المتحدة سوف تضع حاجات إسرائيل موضع الاعتبار، وإلى حرصها على الحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط وعلى التزامها بالحفاظ على أمن إسرائيل. وقد أجادت المصادر الإسرائيلية فهم مضمون هذا البيان وهو ما عبرت عنه صحفها. فكتبت ((دافار)) إن ما يبرر قيمة البيان ليس فقط ما تضمنه، ولكن أيضاً جوهر المباحثات التي صدرت في أعقابها، والجو الودي الذي تمت فيه هذه المباحثات فكل ذلك له مغزى سياسي سيفهم جيداً في الأماكن التي يجب أن يفهم فيها. واتفقت ((دافار)) و((هتسوفيه)) على أن أهمية البيان تظهر في أنه أوضح أن أكبر دولة في العالم الحر ستحافظ على أمن إسرائيل. أما صحيفة ((سفاريم)) فقد كانت أكثر الصحف الإسرائيلية عمقاً وبعد نظر عندما كتبت تقول إن البيان قد أوضح أن تقوية إسرائيل هي الطريق الوحيد أمام الولايات المتحدة لإقناع الاتحاد السوفياتي بأنه لا فائدة من تسليح الدول العربية[92]. وقد أصبحت هذه النبوءة للصحيفة الإسرائيلية، غير المشهورة، عنواناً لمرحلة كاملة من السياسة الأميركية والشرق الأوسط لا تزال ممتدة حتى يومنا هذا. وعلى العكس من ذلك فهمت المصادر الغربية البيان الأميركي – الإسرائيلي بصورة أكثر استاتيكية. فقالت صحيفة ((الأسكوتسمان)) إن ((جونسون)) سيوازن بين طلب إسرائيل للأسلحة ورغبة الولايات المتحدة في عدم تعميق الصدام بينها وبين الدول العربية. وهو ما أكدته أيضاً صحيفة ((الموند)) وأضافت إليه أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لمنع إسرائيل كل ما تطلبه[93]. وواضح أن تعليقات الصحف الغربية كانت أكثر تأثراً باتجاهات السياسة الأميركية في الفترة السابقة على الحرب ودون أن تعطي وزناً كبيراً للأثر الذي تركته الحرب على توجهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

تحول السياسة الأميركية تجاه إسرائيل والمنطقة في فترة حرب 1967م
قلنا إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ إنشاء إسرائيل وحتى النصف الأول من الستينيات، كانت تقوم على مبدأ تجنب العنف انطلاقاً من تصور مؤداه أن الخطر الأساسي على المصالح الأميركية في المنطقة يأتي من اشتعال العنف فيها، خاصة بين العرب وإسرائيل. ورأينا أن الولايات المتحدة حاولت حتى العام 1950 دفع إسرائيل لتقديم بعض التنازلات التي تصورت الولايات المتحدة أنها ضرورية لتهدئة العرب ولمنع تجدد أعمال العنف بين العرب وإسرائيل. ولما اقترن التعنت الإسرائيلي في رفضه المطالب الأميركية بعدم الجدية العربية في الاستعداد لمواجهة إسرائيل، تضاءل تقدير جهاز صنع السياسة الأميركي للخطر الكامن في استمرار الأمر الواقع، وتحولت السياسة الأميركية تحولاً محدوداً، إذ توقفت عن مطالبة إسرائيل بتقديم التنازلات وإن تمسكت بمبدأ تجنب العنف كطريق وحيد للحفاظ على مصالحها في المنطقة، وترتب على ذلك التزامها بسياسة تهدف إلى الحفاظ على توازن القوى بين العرب وإسرائيل بما لا يغري أياً من الطرفين بمهاجمة الآخر. وفي هذا السياق كان الموقف الأميركي ضد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956. لقد تصور صناع السياسة الأميركية أنه بناء على حجم ترسانة الأسلحة الهائلة المكدسة لدى طرفي المواجهة، وحجم الجيش الذي يمتلكه كل منهما، فإن حرباً بينهما قد تمتد لوقت طويل، وتهدد بالانتشار على رقعة واسعة من أرض المنطقة، بما يضر إضراراً بالغاً بالمصالح الأميركية الاستراتيجية والاقتصادية. ولكن بعض التطورات التي حدثت في النصف الأول من الستينيات دفعت الأميركيين تدريجياً للاعتقاد بغير ذلك.

فعندما قامت الثورة اليمنية في أيلول (سبتمبر) 1962، اعترفت الولايات المتحدة بالجمهورية الجديدة ضد رغبة ومصالح حليفتها بريطانيا التي اعتبرت الثورة انقلاباً من تدبير المخابرات المصرية. ورأت فيه مقدمة لتساقط منطقة الجزيرة والخليج قطعة بعد أخرى تحت سيطرة عبدالناصر، وعلى العكس من ذلك رأت الولايات المتحدة في الثورة تطوراً داخلياً أصيلاً، وقدرت أن الخطر الحقيقي يكمن في محاولة التصدي للثورة بالعنف، بما قد يدفع عبدالناصر لزيادة تواجد، هناك، والذي يؤدي بدوره إلى اتساع رقعة المواجهة والعنف، وهو ما رأت فيه الولايات المتحدة مصدر الخطر الرئيسي على المصالح الأميركية في المنطقة، أي أن الولايات المتحدة تصرفت في بادئ الأمر بطريقة تهدف إلى تجنب استفزاز عبدالناصر، وتجنب مواجهة مسلحة تهدد بالاتساع في كامل المنطقة. ولكن نشوب المواجهة واستمرارها في اليمن كشف للولايات المتحدة أمرين جديدين:
الأول: هو أن الجيش المصري ليس بالقوة التي تخيلتها، وانه غير قادر على حسم المعارك في اليمن لصالحه بصورة تتناسب مع فارق الكم والكيف الذي يحوزه الجيش المصري. أما الأمر الثاني: فهو أن الخطر الذي تصوره صانعو السياسة الأميركية مترتباً على اشتعال المواجهة المسلحة لم يتحقق، فالحرب في اليمن استمرت لعدة سنوات دون أن يتمكن أي طرف من حسمها بصورة نهائية لصالحه، ودون أن يترتب عليها تداعيات تضر بالمصالح الأميركية في المنطقة. الأكثر من ذلك أن الحرب في اليمن تحولت إلى مستنقع راح كل من الجيش والاقتصاد المصري يغرق فيه تدريجياً، فكان أن اتبعت الولايات المتحدة خطة تستهدف مزيداً من التورط المصري في اليمن، لإنهاك عبدالناصر وجيشه واقتصاد بلاده طالما أن ذلك لا يضر بالمصالح الأميركية. لقد بلور عضو مجلس الشيوخ ((جوزيف س. كلارك)) الاستنتاج الأميركي بشأن قدرة الجيش المصري عندما كتب يقول في النصف الأول من العام 1967: "إن الجيش وسلاح الطيران المصريين لم يثبتا بعد أن لهما قدرة ذات بال على القتال والهجوم. وليس هناك ما يشير – سواء خلال أزمة السويس أو في اليمن – إلى أن قوات ناصر ستصمد وتقاتل ضد معارضة ذات تصميم"[94].

إذا، لقد خيبت النتائج العملية لحرب اليمن توقعات الولايات المتحدة الأولية عن قدرة الجيش المصري المتطورة، ومن ثم تعدلت وجهة نظر الولايات المتحدة بدرجة محسوسة تجاه ميزان القوى في المنطقة. الأكثر من ذلك إن الكفاءة المتواضعة للجيش المصري في حرب اليمن أخذت تغري الولايات المتحدة بالعمل على دفع ميزان القوى بين العرب وإسرائيل نحو الاختلال، خاصة بعد أن احتل عبدالناصر، بلا منازع، مكانة العدو الأول للمصالح الأميركية في المنطقة، كما أظهرت التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في مصر منذ العام 1961. ومنذ راحت جهود عبدالناصر المعادية للمصالح الأميركية تنتشر على رقعة واسعة قي أفريقيا والعالم، كما بينت أحداث الكونغو وغيرها. وزاد الأمور سوءاً تولي الرئيس جونسون – ذو الميول الصهيونية القوية – دفة الأمور في الولايات المتحدة.لقد أغرى ضعف الجيش المصري – كما بيَنته معارك اليمن – خصوم عبدالناصر في الإدارة الأميركية لانتهاج سياسة أكثر عدا ة في مواجهته. وهو الذي عكس نفسه في صفقات السلاح الضخمة إلى إسرائيل التي تمت خلال عامي 1965 و 1966. كما عكس نفسه في السلوك الأميركي العدواني خلال أزمة أيار (مايو) وحرب حزيران (يونيه) 1967. فقد توصل خصوم عبدالناصر إلى استنتاج نهائي مؤداه أن اختفاء عبدالناصر عن المسرح هو الطريق الوحيد لتنفيذ المشروعات الأمريكية في المنطقة[95]. وقصة التواطؤ الأميركي في حرب حزيران (يونيه) أشهر من أن تحكى ثانية، فالولايات المتحدة كانت متأكدة من تفوق الجيش الإسرائيلي، ووفقاً لتقرير تلقاه الرئيس ((جونسون)) من ((إيدل وهلر)) رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الأميركية، أصبح على ثقة من أن الإسرائيليين سيربحون الحرب خلال 3 أو 4 أيام إذا هم بدؤوا الهجوم الجوي[96]. ولم تورط الولايات المتحدة نفسها في خطة مشتركة للحرب مع إسرائيل مثل الخطة التي خاضت بها بريطانيا وفرنسا و إسرائيل حرب 1956. ولكن بناءً على معلوماتها الدقيقة عن مدى تفوق واستعداد الجيش الإسرائيلي، اكتفت الولايات المتحدة بأن أعطت لإسرائيل الضوء الأخضر لبدء العمليات. ففي 30 أيار (مايو) 1967 قام ((مائير عميت)) مدير المخابرات الإسرائيلية بزيارة إلى واشنطن خرج منها – بعد أن التقى بكل من روبرت ماكنمارا وزير الدفاع، وهيلمز مدير المخابرات الأميركية – بانطباع مؤداه ((أنه إذا تمكنت إسرائيل من إحراز انتصار بنفسها، فان أحداً في واشنطن لن يزعجه ذلك))[97] ويروي، ((ولبور إيفلاند)) المستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية رواية أخرى مفادها أنه قد أقيمت قناة اتصال خاصة بين ((إفرايم أفرون)) المستشار بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن، و((جيمس انجلتون)) من وكالة المخابرات المركزية بغرض تخطي القنوات الدبلوماسية العادية. ويقول ((إيفلاند)) أن الرئيس ((جونسون)) أذن ((لانجلتون)) بأن يبلغ الآخرين أن الولايات المتحدة تفضل أن تقوم إسرائيل بجهود لتخفيف حدة التوتر، ولكنها لن تتدخل لوقف هجوم على مصر[98].

وبقدر ما يعكس السلوك الأميركي في هذه المناسبة تحولاً في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، وتجاه الصراع العربي الإسرائيلي بوجه خاص، حيث انتقلت من موقف تجنب العنف بقدر الإمكان إلى إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لتشن هجوماً على مصر، فإنه يبين بالقدر نفسه كيف أن الولايات المتحدة كانت تتقدم على هذا الطريق بخطوات حذرة، بحيث أنها لم تشأ أن تورط نفسها في مساندة إسرائيل بشكل مباشر مما يعكس درجة محدودة من ثقة الولايات المتحدة في الاختيار الجديد كطريق لتحقيق المصالح الأميركية في المنطقة. ويبدو هذا واضحاً من التصريح الذي أعلنه مساعد وزير الخارجية الأميركي ((روبرت ماكلوسكي)) بعد ساعات قليلة من بدء القتال والذي جاء فيه، ((إن الولايات المتحدة تلتزم موقف الحياد في هذه الحرب)). وتعكس التطورات التي أعقبت هذا التصريح طبيعة وحجم العوامل المتداخلة التي ساهمت طوال السنوات الماضية في صياغة وتشكيل العلاقات الأميركية الإسرائيلية، إذ انتقد عدد من أعضاء الكونغرس هذا التصريح مؤكدين على الروابط التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل مما اضطر ((جورج كريستيان)) السكرتير الصحفي للرئيس ((جونسون)) أن يذيع تصريحاً آخر اعتذر فيه عن لفظ الحياد الوارد في تصريح ((ماكلوسكي)). إذ صرح بأن عبارة ((ماكلوسكي)) لم تكن إعلاناً رسمياً للحياد. ثم عقد ((دين راسك)) وزير الخارجية الأميركي مؤتمراً صحفياً في البيت الأبيض أعلن فيه إن الحياد في القانون الدولي يعني أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في الحرب، دون أن يعني بذلك عدم اهتمامها بما يجري هناك[99]. وليعكس هذا الحدث مدى تردد الحكومة الأميركية في المراهنة على الجانب الإسرائيلي من ناحية، كما يعكس من ناحية أخرى، أهمية الدور الذي يؤديه الكونغرس في دفع الحكومة الأميركية للسير بخطى أسرع على طريق تدعيم روابطها بإسرائيل. كما يبين عمق التواجد الإسرائيلي في قلب عملية صنع السياسة الأميركية ذاتها عبر التأثير الذي تمارسه على مجموعة هامة من رجال الكونغرس، وهو ما يبين أيضاً حجم الاتصالات التي أجرتها إسرائيل مع الولايات المتحدة منذ بداية أزمة أيار (مايو) 1967 والتي ترتب عليها درجة أعلى من التورط الأميركي في صنع الأزمة. فقد استهدفت إسرائيل من هذه الاتصالات وضع صانع السياسة الأميركي في قلب الأحداث ودفعه للشعور بحجم متزايد من المسؤولية تجاه إسرائيل، وهو ما يشير إليه الأستاذ محمد حسنين هيكل عندما يميز بين العلاقات المصرية – السوفيتية، من ناحية، والعلاقات الأميركية – الإسرائيلية من ناحية أخرى، فيقول إن إسرائيل هي التي زودت الولايات المتحدة بروايات مثيرة للقلق كجزء من عملية الاستمرار في إشراك الأميركيين في مصيرها، بينما كان الاتحاد السوفيتي هو الذي يزود مصر بأخبار مثيرة للقلق بشأن الأزمة. وكانت علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل – إذا صح التعبير – تدار من الداخل، في حين أن علاقة الاتحاد السوفيتي بالعرب كالت تدار من الخارج. وكان العرب يصرَوا دائماً على استقلالهم تجاه الاتحاد السوفيتي في حين فضَل الإسرائيليون تأكيد اعتمادهم المتبادل الوثيق على الولايات المتحدة[100]. لقد أسفرت الحرب عن نجاح واضح للسياسة الأميركية الجديدة ومن ثم فلم يكن هناك مبرر للتراجع أو حتى للتردد في الالتزام بها، وإن كان الكونغرس الأميركي أكثر اندفاعاً في تشجيع مثل هده السياسة، وهو ما أثبتته الأحداث بعد ذلك، فكلما كانت الإدارة تتردد في شحن مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، فإنها كانت تضطر تحت ضغط الكونغرس أن تذعن للمطالب الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، التقى ثمانية من الشيوخ الأميركيين – بعد انتهاء الحرب – مع وزير الخارجية ((روجرز)) وحثوه على استئناف شحن الأسلحة إلى إسرائيل، ولكن ((روجرز)) رفض الإذعان لهذا الطلب على اعتبار أنه قد يعرقل جهود السلام ويزيد تدهور الوضع في المنطقة. لكن مجلس الشيوخ اجتمع ووافق بأغلبية 82 صوتاً ضد 4 أصوات على مخصصات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 500 مليون دولار. ومع نهاية كانون الأول (ديسمبر) قررت الإدارة من حيث المبدأ استئناف تصدير ((الفانتوم)) إلى إسرائيل. وفي العام 1970 كان هناك طلب إسرائيلي آخر للحصول على مزيد من الطائرات المقاتلة، لكن الإدارة لم تكن مستعدة للالتزام بالاستجابة إلى الطلب الإسرائيلي. فأدخل الكونغرس تعديلات على قانون مبيعات الأسلحة للخارج بحيث يطلب من الرئيس عملياً تأمين أية مساعدة عسكرية تحتاجها إسرائيل بحيث نص القانون على ((تأمين إمدادات السلاح والاعتمادات إلى إسرائيل والدول الصديقة إلى الحد الذي يجد فيه الرئيس أن هذه المساعدة ضرورية لمواجهة التهديدات الموجهة إلى أمن واستقلال هذه الدول. و إذا ما أثبت التعديل الذي أدخل على قانون مبيعات السلاح للخارج، أن الصلاحية غير كافية لوضع هذه السياسة موضع التنفيذ، فإن على الرئيس أن يقدم فوراً إلى الكونغرس طلباً للحصول على الصلاحيات المناسبة))[101].

ويظهر تأخر الإدارة عن الكونغرس في مجال دعم العلاقات مع إسرائيل في الإجابة التي قدمتها وزارة الخارجية على تساؤل الشيخ ((وليم فولبرايت)) في أعقاب حرب 1967. فعندما اتضح حجم الدعم الأميركي الذي تتلقاه إسرائيل، تساءل ((فولبرايت)) عما إذا كان للولايات المتحدة أي التزام قوي لتقديم الدعم والمساعدة العسكرية لإسرائيل، أو أي بلد عربي، في حالة عدوان خارجي أو اضطرابات داخلية. فأجابته الخارجية بأن الرئيس ((جونسون)) والرؤساء الأميركيون الثلاثة الذين سبقوه قد اتفقوا على أن للولايات المتحدة مصلحة واهتماماً بدعم الاستقلال السياسي والتكامل الإقليمي لدول الشرق الأوسط. وهذا لا يعدو أن يكون إقراراً لسياسة معينة، وليس التزاماً باتخاذ إجراءات محددة في ظروف معينة[102]. وقد تطور هذا الموقف تدريجياً وراحت مظاهر ذلك التطور تظهر على السطح، فمن إنكار الخارجية الأميركية لوجود أي التزام تجاه إسرائيلي أو غيرها، برر الرئيس ((نيكسون)) في تموز (يوليو) 1972 المساعدات الأميركية لليونان وتركيا بأهميتها لتمكين الولايات المتحدة من إنقاذ إسرائيل[103]. ومن دعوة إسرائيل لتقديم بعض التنازلات الإقليمية للدول العربية في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات إلى دعوة الدول العربية للقبول بتعديلات للحدود بعد حرب 1967[104].

وقد بلور كل من ((برينجيسكي)) مستشار الأمن القومي للرئيس السابق ((كارتر))، و((واينبرغر)) وزير الدفاع الأميركي الحالي، سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه إسرائيل في عبارتين بالغتي الدلالة. يقول ((برينجيسكي)): "أن العرب يجب أن يفهموا أن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات الأميركية – العربية، لأن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي، والوحي الذي يتعزز باستمرار بواسطة النشاط السياسي لليهود الأميركيين، بينما العلاقات الأميركية – العربية لا تحتوي أي عامل من هذه العوامل"[105].
وقال ((واينبرغر)): "أن الولايات المتحدة لا تعتزم إرغام إسرائيل على تقديم تنازلات".
وقال: "إن الكثيرين في الشرق الأوسط يعتقدون أننا نستطيع فرض سيطرتنا على حكومة إسرائيل، وهذا خطأ تماماً".
وأضاف: "أننا نعتبر أن إسرائيل حليفاً هاماً وضرورياً ونعتقد أنه من الأهمية بمكان الإبقاء على هذه العلاقة، وأن وجود تهديدات سيلحق الضرر بها "[106].
وبالإمكان تلخيص مجمل التطورات التي لحقت بالعلاقات الإسرائيلية – الأميركية بالقول إن الولايات المتحدة قد قررت نهائياً وضع كل البيض في السلة الإسرائيلية، وإعلان دعمهما الكامل والعلني لإسرائيل، متفقين في هذا مع ما ذهب إليه أحد الباحثين العرب عندما استنتج أن السياسة الأميركية في المنطقة قد تبلورت وخاصة بعد العام 1969 – أي مع قدوم الثنائي كيسنجر/ نيكسون إلى الحكم – في سياسة إمداد إسرائيل بكل ما تحتاجه من السلاح لكي تظل متفوقة. وبشكل ظاهر على كل الدول العربية المحيطة بها. وحيث أن هدف هذه السياسة كان ردع العرب عن مجرد التفكير في الحرب، فلأن الولايات المتحدة توقفت عن ممارسة الصفقات السرية، أو من خلال طرف ثالث كما كانت تفعل في الماضي. لقد كان مجرد الإعلان عن كل صفقة جديدة من السلاح الأميركي إلى إسرائيل، هو بأهمية تسليم السلاح نفسه لإسرائيل، فالغرض هو تخويف العرب وردعهم عن البدء بأي قتال ولو كان محدوداً[107].

استنتاجات عامة
من تتبعنا لمسار العلاقات الإسرائيلية – الأميركية يتبين أن عدداً من العناصر قد لعبت دوراً مؤثراً في صياغتها وتوجيهها إلى المسار الذي سلكته:
أولاً: العوامل الثقافية والقيمية: فعدى خلاف الحال بين العرب والولايات المتحدة، فإننا نجد عناصر كثيرة متماثلة في كل من البناء الثقافي والقيمي لدى الأميركيين والإسرائيليين، وهو ما يوفر أرضية ملائمة للتفاهم والتعاطف بين الطرفين. برغم أن اليهود الشرقيين يمثلون الأغلبية بين سكان إسرائيل، إلاَّ إن النخبة من اليهود ذوي الأصول الغربية هي التي أخذت على عاتقها بشكل كامل تقريباً، مسؤولية تنفيذ المشروع الصهيوني، فالقوام الأساسي للمهاجرين اليهود إلى فلسطين حتى قيام إسرائيل هو من يهود أوروبا، وخاصة من يهود وسط وشرق أوروبا. وقد أتى هؤلاء عاملين معهم تراث الثقافة الغربية الحديثة، القومي، العلمي، العقلاني، النفعي (العلماني، الديمقراطي)، ومن ثم فقد كان وضع قواعد الدولة اليهودية في فلسطين يجري على أسس تتفق بدرجة كبيرة مع الأسس نفسها التي تقوم عليها الدولة في المجتمعات المتقدمة في أوروبا وأميركا. أما اليهود الشرقيون فقد هاجر أغلبهم إلى إسرائيل في فترة لاحقة لقيامها. إذ لم يعانوا في بلادهم الأصلية بقدر المعاناة التي تعرض لها اليهود الأوروبيين، مما يعني أن عوامل الجذب والإغراء التي مثلتها الدولة اليهودية بعد قيامها كانت أقوى من عوامل الطرد التي تعرض لها اليهود الشرقيين في أوطانهم الأصلية، ومن ثم كانت أقوى في دفع هؤلاء للهجرة إلى إسرائيل. وبالتالي فقد أتى هؤلاء بعد أن كان اليهود الغربيون قد أرسوا جذور المجتمع والدولة بما يعني أنهم لم يكونوا قادرين على التأثير بفعالية في صياغة شكل ونمط المجتمع والدولة في إسرائيل. وإلى اليوم فإنه برغم التفوق العددي لليهود الشرقيين بين سكان إسرائيل إلا أن مساهمتهم المحدودة في إدارة الدولة والمجتمع بسبب ما ترسخ لليهود الغربيين من حقوق ومكانة في السنوات الأولى لقيام الدولة، تجعل الطابع الغربي هو السائد في إدارة مجالات الحياة المختلفة في إسرائيل. وبين إسرائيل والولايات المتحدة بالتحديد من بين كل البلاد الغربية عناصر ثقافية مشتركة عديدة، فإسرائيل مثل الولايات المتحدة مجتمع مهاجرين تتكون ثقافته وقيمه بناءً على انصهار المهاجرين القادمين من كل أنحاء العالم في بوتقة واحدة. وفي كلا المجتمعين يقوم أحد العناصر الثقافية والعرقية بالدور القائد في عملية الصهر الثقافي والاجتماعي هذه. الانجلوساكسون البروتستانت في الولايات المتحد ة والأشكنازيم في إسرائيل. وبالرغم من المفهوم الضيق لمصطلح الاشكنازيم في الأصل التاريخي له – حيث يشير تحديداً إلى يهود روسيا وبولندا – فإنه يستخدم اليوم للدلالة على اليهود الغربيين عموماً، بما يعني أن هناك مساحة واسعة مشتركة بين العنصر القائد في عملية الصهر الاجتماعي والسياسي في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. إن مواطناً أو مسؤولاً أميركيا واحداً زار إسرائيل لم يرجع لبلاده دون أن يشيده، باليهود الذين زرعوا الصحراء. وانبهار الأميركيين بهذا العنصر بالتحديد من عناصر التجربة الصهيونية، يعكس نوعاً من الاعتزاز بالتاريخ والتجربة الأميركية التي قامت على إعمار واستزراع مساحات لم يسبق أن كانت عامرة من قبل. بل إننا نستطيع القول أن التعاطف المحدود الذي أبداه الأميركيون تجاه الشعب الفلسطيني يرجع جانب منه إلى أن الأميركيين لا يقيمون وزناً لمثل هذه الأمور، فالتاريخ الأميركي ذاته هو تاريخ طرد الشعب الهندي من وطنه بل وإبادته، ومن ثم فإن الأميركيين ليس لديهم غير استعداد قليل للتعاطف مع الشعب الفلسطيني وتفهم مطالبه وإلا كان ذلك نوعاًَ من الإدانة الضمنية لتاريخ الولايات المتحدة ذاته وفي عبارة موجزة وبليغة لخص الرئيس الأميركي السابق ((ليندون جونسون)) كل هذه المعاني عندما قال ((إن إسرائيل تذكرني بطفولة الولايات المتحدة)).

وبمراجعة سريعة لتاريخ الدولة لصهيونية يكفي أن نقف على حجم الإنجاز الكبير الذي حققه الصهاينة خلال خمسة وثلاثين عاماً فقط، وحمو الإنجاز الذي جسد نفسه في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي بالذات. ولدى الأميركيين أن تنجز شيئاً ما، فهذا هو عين المطلوب، فلديهم يصير الإنجاز في حد ذاته قيمة يسعى الفرد للحصول عليها بغض النظر عن التبريرات الفلسفية والقيمية التي تقف وراء هذا الإنجاز. فليس المهم لدى العقل الأميركي أن يكون الحق معك، ولكن المهم أن تكون لديك القدرة على الإنجاز باتجاه تحقيق أهدافك. وعندهم فإن التبريرات الفلسفية والنظرية التي تقدم لتبرير عمل أو سلوك ما تكتسب مصداقيتها من قدرة صاحبها على إنجاز الخطوات والأعمال المترتبة على قوله بهذه التبريرات، فإذا فشل في الإنجاز فإن تبريراته الفلسفية والنظرية هي بالتأكيد خاطئة. أيضاً فإن الشكل الديمقراطي الذي يميز العملية السياسية في إسرائيل هو بالتأكيد عنصر هام يجعل الأميركيين أكثر تعاطفاً مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك فإن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التوراة التي هي الكتاب المقدس الذي يلعب دوراً محورياً في تجميع وتوحيد المستوطنين الصهاينة، هو في الوقت نفسه كتاب مقدس لدى المسيحيين عموماً وخاصة عند البروتستانت الذين يمثلون القوم الأساسي للمجتمع الأميركي. فنجد تياراً واسعاً من المسيحيين الغربيين والمعروف بالصهيونيين الأغيار – قد تولى التمهيد للدعوة الصهيونية حتى قبل تبني اليهود لها.

وقد ترك كل هذا أثراً واضحاً على الصورة التي كونها الأميركيون عن إسرائيل. ففي الدراسة التي قام بها ((موريس سميت)) على عدد من الأسر الأميركية في العام 1967، توصل إلى أن الأميركيين يرون أن إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة، وأن الإسرائيلي شجاع ومتحضر ويتمتع بحيوية بالغة، وهو ليبرالي التفكير، والمرأة الإسرائيلية متحررة وشجاعة وتعملي على الدبابة والجرار وترقص وتجمع البرتقال وتمسك بالسلاح في اليد الأخرى.، وعلى النقيض من ذلك كانت الرؤية الأميركية للعرب، فقبل العام 1967 وصف العرب، في الدراسة الأميركية المذكورة بنعوت ((الجبن)) و((التردد)) و((الشهوانية)). وبعد الحرب وصف العرب بأنهم ((غير مقاتلين)) خسروا حتى أحذيتهم، وأنهم متعصبون يريدون إلقاء إسرائيل في البحر، وأنهم ((إرهابيون برابرة))[108].
ثانياً: قوى الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة: فعملية صنع السياسة في الولايات المتحدة هي في جانب منها محصلة للصراع الدائر بين جماعات الضغط ذات المصالح المتعارضة. وبالنسبة للشرق الأوسط فقد نجحت إسرائيل في بناء جماعة ضغط صهيونية قوية ومنظمة في الولايات المتحدة، وقد لعبت هده الجماعة دوراً هاماً منذ ما قبل إنشاء إسرائيل، ولكنها أخذت شكلها الحالي مند منتصف الخمسينيات عندما تأسس في آذار (مارس) 1955 (مؤتمر المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسية) من أجل ((فحص الموضوعات المتعلقة بإسرائيل والمصلحة العامة والاهتمام الخاص للمجتمع اليهودي في الولايات المتحدة)). وفي العام 1970 أصبح مؤتمراً لرؤساء منظمة كبرى تشرف على العمل في 30 منظمة يهودية مختلفة. وكانت لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية – الأميركية التي تأسست في العام 1954 لكي تعمل من أجل سياسات أميركية أكثر تأثيراً في الشرق الأدنى من أجل تحقيق تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، كان قد تم تسجيلها في الكونغرس الأميركي وفقأ لقانون جماعات الضغط – اللوبي – المحلية.
وقد وصف عالم السياسة المعروف ((جابرييل ألموند)) اليهود في أميركا ((بأنهم أكثر الجماعات العرقية نشاط فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية)). وفي دراسة نشرت مؤخراً من قبل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، فإن جماعات المصالح المؤيدة لإسرائيل اعتبرت ((أكثر جماعات الضغط العرقية تأثيراً في مجال السياسة الخارجية على الكونغرس الأميركي))[109].
ثالثاً: المصالح الأميركية في الوطن العربي: المصالح الأميركية في الوطن العربي كثيرة ومتنوعة ويمكننا عموماً أن نصنفها في فئتين:
1 – المصالح الاقتصادية والتجارية، والتي تدور أساساً حول النفط والعائدات النفطية والاستثمارية الأميركية في الوطن العربي بالإضافة إلى الصادرات الأميركية إلى المنطقة.
2 – المصالح الإستراتيجية، هي المصالح الناتجة عن مركز الوطن العربي الجيوستراتيجي حيث يحتل مكانة هامة كمحور للمواصلات العالمية بحكم موقعه المتوسط بين قارات العالم القديم، كما يمثل موقعه القريب من المناطق الجنوبية للأجزاء الغربية من الاتحاد السوفيتي، ميزة إستراتيجية هامة بالنسبة للولايات المتحدة. بالإضافة إلى أن النفط العربي، في الوقت الذي يمثل فيه مصلحة اقتصادية للولايات المتحدة والوطن الغربي عموماً، فإنه يمثل أيضاً مصلحة إستراتيجية هامة إذ يمثل – حتى الآن – مصدر الطاقة الرئيسي للعالم الغربي، وخاصة أن الآلة العسكرية لحلف الأطلسي في أوروبا تعتمد على النفط العربي كمصدر للطاقة، وقد أدى الحجم الهائل للمصالح الأميركية في الوطن العربي إلى حرص أميركي شديد على تحقيق هذه المصالح والحفاظ عليها، ومن ثم إلى درجة عالية من الحساسية تجاه المنطقة والعوامل المؤثرة على المصالح الأميركية فيها، ولاقتناص وتوظيف البدائل المتاحة طالما تؤدي إلى تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة.

وبشكل عام فإننا نستطير تحديد ثلاثة بدائل أو خيارات إستراتيجية أساسية يعد كل منها طريقاً لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط:
البديل الأول: هو التواجد العسكري الأميركي المباشر في الوطن العربي عبر الوجود الإكراهي أو الاختياري في شكل القواعد وغيرها من أشكال التواجد المباشر. وهو بديل يتميز بارتفاع تكلفته الاقتصادية، وبوجود بعض القيود الداخلية في المجتمع الأميركي ذاته، والتي تحد من القدرة على إتباع ذلك البديل، بالإضافة إلى احتمالات تصعيد المواجهة العالمية المترتبة على ذلك الاختيار.
البديل الثاني: الحفاظ على علاقات صداقة قوية مع الأنظمة العربية، وتقوية هذه الأنظمة بما يمكنها من الدفاع عن نفسها وعن المنطقة في مواجهة الضغوط الخارجية. وتأتي القيود على هذا البديل من داخل البنية الاجتماعية والسياسية للأنظمة والمجتمعات العربية، فانخفاض مستويات التعليم والخبرة الفنية والتخلف الاجتماعي عموماً يحذ من قدرة الأنظمة العربية على بناء جيوش قوية قادرة على أداء المهمات المطلوبة منها. أيضاً فإن الطبيعة غير المؤسسية للأنظمة السياسية العربية تقلل من فرص وإمكانات تبني سياسات واضحة وثابتة تستمر لمدى زمني مناسب يسمح للآخرين بالوثوق فيها ورسم سياستهم على أساس منها. أيضاً فإن الانتماء القومي الواحد للدول المكونة للوطن العربي يشكل قيداً هاماً في تحرك هذه الدول ضد بعضها البعض إذا استدعى الأمر، وهو قيد غير وارد في حالة الاعتماد على قوة غريبة عن المنطقة.
البديل الثالث: ويقوم على تقوية إسرائيل لتمكينها من القيام بدور نقطة التمركز أو الوثوب الإستراتيجية للمشاركة في أعمال الدفاع عن المنطقة في إطار الإستراتيجية الأميركية، والمشاركة في حماية الأنظمة الحالية للولايات المتحدة، وضمان استمرار تدفق النفط العربي للغرب. والقيد الأساسي على استخدام هذا البديل هو أنه يدخل في تناقض مباشر مع البديل الثاني – تقوية علاقات أميركا العربية، وهذا أمر هام، ذلك أن وجود بدائل مختلفة لا يعني بالضرورة أنها متناقضة، بل إنها في أحيان كثيرة تمثل نوعاً من الخطط المتكاملة، وخاصة في حالة الحديث عن الاستراتيجيات طويلة الأمد. وان كار هذا لا يظهر بوضوح في حالة اتخاذ قرارات محددة بغرض معالجة قضايا ذات طابع طارئ وعاجل. وفي حالة البديل الإسرائيلي، فإن هذا الاختيار يدخل في تناقض واضح مع البديل العربي، والخطير في الأمر – من وجهة نظر المصالح الأميركية – إن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بالأساس مصالحها في البلاد العربية، ومن ثم فإن اختيار الولايات المتحدة للبديل الإسرائيلي قد يؤدي إلى دخولها في صدام مع الدول العربية بما يؤدي عملياً إلى الأضرار بمصالحها في المنطقة.

وكما حاولت هذه الدراسة أن تبين فإن إسرائيل لم تكن اختياراً أميركياً منذ اللحظة الأولى، وإنما راح البديل الإسرائيلي يتطور تبعاً لعملية رصدنا مراحلها ومنطقها. فمنذ فترة مبكرة كانت هناك داخل الجماعات الأميركية ذات النفوذ أصوات تنادي باتخاذ إسرائيل حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن هذه الأصوات كانت ضعيفة ولم يكن لها نفوذ هام على عملية صنع القرار الأميركي، ذلك أن الواقع المتحققة لم تكن بعد قد برهنت على أن لهذا البديل نصيباً كبيراً من النجاح. ففي العام 1949، وفي لقاء بين السفير الأميركي الأول في إسرائيل ((جيمس ماكدونالد))، و((لويس جونسون)) الذي أصبح بعد ذلك وزيراً للدفاع الولايات المتحدة قال ((جونسون)): "إن إسرائيل من الناحية الإستراتيجية هامة جداً بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن عليها أن تقبل بعودة عدد أكبر من اللاجئين"[110].

وبقدر ما تبين هذه العبارة أن ((جونسون)) كان يعتقد بأهمية إسرائيل الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تبين أيضاً أنه كان يشترط لتمكين إسرائيل من أداء ذلك الدور تقديمها لبعض التنازلات فيما يتعلق بالصراع مع العرب، ويبين ذلك أن البديل الإسرائيلي لم يكن قد تبلور بعد حتى في أذهان الأشخاص الذين تحمسوا له. كما يبين أنه لم يكن يمثل بالنسبة إليهم اختياراً مناقضاً للبديل العرب. وأخيرا فإنه يشير إلى حقيقة هامة في مجال العلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية عموماً وهي أن الشكل النهائي الذي تتخذه إستراتيجية معينة يتوقف بالأساس على التطورات التي تحدث على أرض الواقع، وليس على الأفكار والنماذج التي يبنيها أصحابها في رؤوسهم.

وقد كان التيار الداعي لتبني الاختيار الإسرائيلي أكثر نفوذاً في الكونغرس منه في فروع الإدارة، فنجد السناتور ((جيفيتس)) يعلن في العام 1962 إن ((إسرائيل حليف فعال يمكن للعالم الحر أن يعتمد عليه في الشرق الأوسط)). كما أن السناتور ((كيتبغ)) على أن ((إسرائيل مصلحة أميركية ثابتة كما هو الحال بالنسبة لبرلين)) وكان وراء هذين الشيخين طابور طويل من أنصار البديل الإسرائيلي أمثال السناتور ((باستور)) من رود ايلند، و((كيسي)) من نيوجيرسي، و((جروينج)) من ألاسكا، و((سكوت)) و((همفري))[111].

ولكن الاختيار الإسرائيلي لم يكن ليلقى النجاح الذي صادفه لولا الأداء الإسرائيلي المتفوق في الصراع ضد العرب، والذي قابله على الجانب الآخر أداء عربي رديء في المضمار نفسه. فنجاح إسرائيل في صراعها ضد العرب وخاصة منذ حرب حزيران (يونيه)، وما ترتب عليها من نتائج كانت في أغلبها تحقيقاً للمصالح والأهداف الأميركية، وبدون أن تتحمل الولايات المتحدة في سبيل ذلك الشيء الكثير، مما شجع الولايات المتحدة على اختيار البديل الإسرائيلي خاصة وأن ذلك قد ارتبط بعناصر هامة أخرى ساعدت على دفع الولايات المتحدة إلى السير في هذا الاتجاه:
– وجود الرئيس ((جونسون)) باتجاهاته المؤيدة لإسرائيل والصهيونية على قمة الحكم في الولايات المتحدة، والذي كان عاملاً مساعداً على انتصار البديل الإسرائيلي دون عوائق هام، خاصة وأن البيروقراطية في وزارتي الخارجية والدفاع لم يكن من السهل أن تغير قناعاتها وسياستها في فترة قصيرة وبسبب حادث واحد مثل حرب حزيران (يونيه) 1967 مهما بلغت أهمية ذلك الحدث. فارتباط السياسة ببيروقراطية ومؤسسات راسخة يكسبها نوعاً من الاستمرارية التي لا ترتبط بالضرورة بجدوى أو فعالية هذه السياسة.
– تطور العلاقات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية – خاصة مصر وسوريا – بسبب التوجهات الاجتماعية والسياسية للأنظمة الحاكمة في هذه البلاد، والدور الذي لعبته في مناصرة حركات التحرش الوطني في العالم، وما ترتب عليه من أضرار بالمصالح الأميركية. وقد أدى هذا المستوى المتدهور من العلاقات العربية الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تخشى كثيراً من تدهور علاقتها بالوطن العربي إذا ما اتبعت الخيار الإسرائيلي. ذلك أن علاقتها بجزء هام من الوطن العربي كانت قد تدهورت بالفعل، بحيث أنها تجاه هذا الجزء، لم يصبح أمامها سوى إتباع أساليب العقاب، والضغط التي أثبتت إسرائيل في حرب حزيران (يونيه) أنها أحسن أدوات تنفيذها.

وقد رصدنا قبل قليل، كما رصد اغلب الباحثين، التناقض الداخلي الكامن في البديل الإسرائيلي والمتضمن في محاولة حماية وتحقيق المصالح الأميركية في الوطن العربي بدعم إسرائيل عدو العرب الأول. وهذا التناقض هو الحجة التي اعتمد عليها ما يعرف بالمعتدلين العرب في دعوتهم للولايات المتحدة لكي تقلص من حجم تحالفها مع إسرائيل لحساب علاقاتها العربية حيث تكمن أهم المصالح الأميركية في المنطقة. فهذا التناقض هو مجرد تناقض ظاهري أو منطقي – بالمعنى الأرسطي – إذ لا يجد طريقة بالضرورة للتحقق في أرض الواقع. فالشرط اللازم لتحقق هذا التناقض هو أن يترتب على انحياز الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل مزيد من العداء والتصلب العربي ضدهما. أما الشرط الآخر اللازم لاكتمال هذا التناقص فهو أن تجري ترجمة العداء العربي المتزايد لإسرائيل والولايات المتحدة لأكثر من مجرد العداء اللفظي، لكي يأخذ صورة الإنجاز الفعلي في ميادين الحرب والسياسة والاقتصاد في مواجهة المصالح الأميركية. وأيضاً بشرط أن يكون هذا الإنجاز من القوة والثقل بما لا قبل للولايات المتحدة باحتماله.

ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فكل درجة جديدة من الدعم والانحياز الأميركي لإسرائيل كان يترتب عليها مزيد من الانصياع العربي للإرادة الأميركية، وعلى وجه الدقة فإنه كلما تدعمت قوة إسرائيل ووجهت ضربات أكثر قوة للعرب، كلما هرولت الأنظمة العربية لاستجداء العطف وتقديم التنازلات للولايات المتحدة لحثها على إيقاف إسرائيل. ولنقارن بين حجم الوجود الأميركي في الوطن العربي في منتصف الستينيات وبينه في بداية الثمانينيات وخاصة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان لنختبر صحة هذه الفرضية.
فإسرائيل تتوجه إلى الرأي العام والنخبة الأميركية لتنقل لهما رسالة محددة فحواها هي المقارنة بين الإنجاز الأميركي في جنوب شرق أسيا، والإنجاز الإسرائيلي في الشرق الأوسط في علاقة ذلك بالمصالح الأميركية. فالولايات المتحدة حاربت لأكثر من عشر سنوات في جنوب شرق آسيا لتخرج من هناك مهزومة ومثخنة بالجراح، ولتسقط أغلب دول المنطقة في يد الأحزاب الشيوعية وثيقة الصلة بموسكو. بينما أدى الأداء الإسرائيلي في الشرق الأوسط إلى إخراج السوفيت من المنطقة، وحماية المصالح الأميركية فيها، وتدعيم علاقات أميركا العربية، بل وحصول الولايات المتحدة على وجود عسكري مباشر في بعض دول المنطقة. فحصر الخدمات التي تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة طول. ويكفي ما اكتسبته الأسلحة الأميركية من سمعة في الشرق الأوسط بسبب ما أنجزته إسرائيل باستخدامها في حروبها بالمنطقة، حتى أن وزارة الدفاع الأميركية أرسلت لنظيرتها الإسرائيلية رسالة شكر بسبب ((حسن استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية))[112].

ويمكن أن نستنتج من كل ما سبق أنه في ظل عدد من المتغيرات: المصالح الأميركية في الوطن العربي، وطبيعة ومسار العلاقات الأميركية – العربية، والأداء العربي الرديء في الصراع ضد إسرائيل، والنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة. في ظل هذه المتغيرات قامت إسرائيل بدور حاسم في الوصول بعلاقتها بالولايات المتحدة إلى المستوى الذي وصلت إليه في بداية الثمانينيات، والذي بلغ ذروته بتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين وفي هذا الاتجاه اعتمدت إسرائيل أساساً على مجموعتين من عناصر القوة: المجموعة الأولى: وهي المتمثلة في قوى الضغط الموالية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة والمنتشرة في دوائر الصحافة والإعلام والمال والجامعات، والتي تلعب دوراً مزدوجاً بترويج الدعاية الملائمة للمصالح الإسرائيلية والتي يترتب عليها تكوين رأي عام مؤيد لإسرائيل يشكل بحد ذاته ضرورة لا غنى عنها لتحقيق المصالح الإسرائيلية في بلد يتميز نظامها السياسي بطابع ديمقراطي كالولايات المتحدة. ومن ناحية ثانية تقوم جماعات الضغط الصهيونية بإغراء رجال السياسة وخاصة رجال الكونغرس والضغط عليهم لدفعهم لتبني المطالب الإسرائيلية، حتى إن نفوذ جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، أصبح مسلَمة من مسلَمات الحياة السياسية الأميركية. وقد كتبت إحدى النشرات الدورية التي يصدرها الكونغرس الأميركي تقول إن ((الضغوط التي يمكن لإدارة أميركية أن تمارسها على إسرائيل تحددها قوة الضغط التي يمارسها أنصار إسرائيل في الكونغرس والمهتمين بالأصوات اليهودية، وتمويل الحملات الانتخابية))[113].
المجموعة الثانية: والمتمثلة في الإنجاز الإسرائيلي المؤاتي للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط والذي احتلت إسرائيل بموجبه مكانة هامة بين حلفاء الولايات المتحدة في العالم حتى أن ((راي كلاين)) أحد المفكرين المقربين من إدارة ((ريغان)) كتب يقول: "أن هناك 10 دول فقط يمكن الاعتماد عليها في إطار تحالف عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة ومن: الولايات المتحدة، كندا، ألمانيا الغربية، بريطانيا، إيطاليا، إسرائيل، اليابان، تايوان، أستراليا"[114].

وبحكم فارق القوه الواضح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الأخيرة استخدمت هاتين المجموعتين من عناصر القوة ليس للضغط على الولايات المتحدة لتبني سياسة معينة، وإنما أساساً لخلق مجموعة من عوامل الجذب والإغراء في هذا الاتجاه. صحيح أن هذه العملية تشهد بعضاً غير قليل من ممارسات الضغط، إلا إنها لا يمكن أن تكون هكذا في هيكلها العام بحكم ميزان القوى بين الطرفين، فبينما تتمكن دولة كبرى من التأثير في السياسات التي تتبعها دولة صغرى بإدخال تعديلات جذرية حتى على الأهداف والمصالح التي تسعى الدولة الصغيرة لتحقيقها، ومن ثم على الاستراتيجيات والبدائل التي تتبعها، فأن دولة صغيرة لا يمكن بأي حال إرغام دولة كبرى على تعديل مصالحها التي تتميز غالباً بدرجة عالية من الثبات والاستقرار في حقبة زمنية ممتدة. وإنما كل ما تستطيعه دولة صغيرة هو أن تدفع بعوامل الإغراء والمكافأة في المقام الأول بهدف إدخال تعديل على البديل الذي تتبعه الدولة الكبرى لتحقيق مصالحها الثابتة لتختار من بين قائمة البدائل المتاحة، أو لتبلور بديلا جديداً يكون ملائماً لتحقيق مصالح الدولة الصغيرة، في الوقت نفسه لتحقيق لا يتعارض فيه مع مصالح الدولة الكبرى.و على الأقل إقناع النخبة المؤثرة وقطاع هام من الجمهور بذلك.

ملحق
المساعدات الأميركية لإسرائيل 1948 – 1982 (بملايين الدولارات)*
السنة 
مجموع المساعدات(1) الأمريكية 
مجموع المساعدات الأمريكية لإسرائيل 
قروض اقتصادية لإسرائيل 
منح اقتصادية لإسرائيل 
قروض عسكرية لإسرائيل 
منح عسكرية لإسرائيل 
مخصصات توطين اليهود السوفيت 
  1948 
  3.017 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
  1949 
  8.267 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
  1950 
  4.850 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
   – 
  1951 
  4.350 
  0.1 
   – 
  0.1 
   – 
   – 
   – 
  1952 
  3.839 
  86.4 
   – 
  86.4 
   – 
   – 
   – 
  1953 
  6.496 
  73.6 
   – 
  73.6 
   – 
   – 
   – 
  1954 
  5.793 
  74.7 
   – 
  74.7 
   – 
   – 
   – 
  1955 
  4.864 
  52.7 
  3.8 
  21.9 
   – 
   – 
   – 
  1956 
  5.402 
  50.8 
  35.2 
  15.6 
   – 
   – 
   – 
  1957 
  4.976 
  40.9 
  21.8 
  19.1 
   – 
   – 
   – 
  1958 
  4.832 
  61.2 
  49.9 
  11.3 
   – 
   – 
   – 
  1959 
  4.954 
  50.3 
  39.0 
  10.9 
  0.4 
   – 
   – 
  1960 
  4.804 
  55.7 
  41.8 
  13.4 
  0.5 
   – 
   – 
  1961 
  4.737 
  48.1 
  29.8 
  18.3 
   –(2) 
   – 
   – 
  1962 
  7.034 
  83.9 
  63.5 
  7.2 
  13.2 
   – 
   – 
  1963 
  6.314 
  76.7 
  57.4 
  6.0 
  13.3 
   – 
   – 
  1964 
  5.215 
  37.0 
  32.2 
  4.8 
   – 
   – 
   – 
  1965 
  5.310 
  61.7 
  43.9 
  4.9 
  12.9 
   – 
   – 
  1966 
  6.989 
  126.8 
  35.9 
  0.9 
  90.0 
   – 
   – 
  1967 
  6.440 
  13.1 
  5.5 
  0.6 
  7.0 
   – 
   – 
  1968 
  6.894 
  76.8 
  51.3 
  0.5 
  25.0 
   – 
   – 
  1969 
  6.791 
  121.7 
  36.1 
  0.6 
  85.0 
   – 
   – 
  1970 
  6.787 
  71.1 
  40.7 
  0.4 
  30.0 
   – 
   – 
  1971 
  8.078 
  600.8 
  55.5 
  0.3 
  545.0 
   – 
   – 
  1972 
  9.243 
  404.2 
  53.8 
  50.4 
  300.0 
   – 
   – 
  1973 
  9.875 
  467.32 
  59.4 
  50.4 
  30.7.5 
   – 
  50.0 
  1974 
  8.79 
  2.570.7 
   – 
  51.5 
  982.7 
  1.550 
  36.5 
  1975 
  7.239 
  693.1 
  8.6 
  344.5 
  200.0 
  100.0 
  40.0 
  1976 
  6.413 
  2.229.4 
  239.4 
  475.0 
  750.0 
  750 
  15.0 
  1977 
  7.784 
  1.757 
  252.0 
  490.0 
  500.0 
  500.0 
  15.0 
  1978 
  9.014 
  1.811.8 
  266.8 
  525.0 
  500.0 
  500.0 
  20.0 
  1979 
  13.845 
  4.815.1 
  265.1 
  525.0 
  2.700 
  1.300 
  25.0 
  1980 
  9.694 
  1.811 
  261 
  525 
  500.0 
  500.0 
  25 
  1981 
  10.549 
  2.189 
   – 
  764 
  900.0 
  500.0 
  25 
  1982 
  8.993 
  2.219.0 
   – 
  8.6(3) 
  850 
  550 
  13.0 
1 - هذه البيانات لا تتضمن القروض التي تقدمها المصارف لعمليات الاستيراد والتصدير بين البلدين. 
2 - أقل من 50.000 دولار.
3 - يضم هذا الرقم مبلغ 21 مليون دولار من برنامج المساعدات الأمريكية لإسرائيل في العام 1981.
ــــــــــــــــــــــــ
[1]   
Michael Brecher, The Foreign Polley of Israel (London: Oxford University Press, 1972), p.12.
[2]  د.خيرية قاسمية، ((الولايات المتحدة والوطن العربي في الفترة ما بين الحربين))، في ((السياسة الأميركية والعرب (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1982)، ص20.
[3]   
  “The Middle East U.S Pollcy, Israel, Oll, The Arabs”, Gongressional Quarterly, Fourth Edition, July 1979, p.35.
[4]  
Harry S. Truman, Years of Trial and Hope 1946 – 1952, Memories (Garden City, N.Y: Doubleday & Company, INC., 1956), p.146.
[5]  د.عاصم الدسوقي، ((أول لجنة أميركية في فلسطين))، الدوحة، عدد 85، كانون الثاني (يناير) 1973م، ص132 – 139.
[6]  د.أحمد عبدالحليم مصطفى، ((الولايات المتحدة والمشرق العربي))، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نيسان (أبريل) 1978م، ص78.
[7]  د.سعد الدين إبراهيم، الانتخابات الأميركية وأزمة الشرق الأوسط (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، كانون الأول/ ديسمبر 1976م)، ص45.
[8]  Harry S. Truman, Op. Cit., p.144.
[9]  Philip Baram, Department of State in the Middle East, p.261.
[10]  Ibid., p.265.
[11]  راجع في ذلك الدراسة القيمة التي نشرها مسلسلة د.عاصم الدسوقي في مجلة الدوحة. أعداد 82، 83، 84، تشرين الأول (أكتوبر)، تشرين الثاني (نوفمبر)، كانون الأول (ديسمبر) 1982م.
[12]  Phillp Baram, Op. Cit, p265.
[13]  Ibid, p265.
[14]  Ibid, p263.
[15]  Ibid, p283.
[16]   .Ibid, p295
[17]   .Harry S. Truman, Op. Cit, p153
[18]  Phillp Baram, Op. Cit, p245.
[19]  Ibid, p281.
[20]  Ibid, p261.
[21]  Ibid, p277.
[22]  Ibid, 278. 
[23]  Ibid, p249. 
[24]  Ibid, p263.
[25]  Ibid, p296.
[26]  Harry S. Truman, Op, CIT, p162.
[27]  Ibid, p.164.
[28]  Ibid, p.164
[29]  Ben Gurion Loks Back, Talks with Moshe Peariman (New york, 1965), p116.
[30]  Harry S. Truman, Op, Cit, p153.
[31]   حسن أبو طالب، ((اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية إزاء إسرائيل))، السياسة الدولية، القاهرة، عدد 66، تشرين الأول (أكتوبر) 1981، ص87 – 92.
[32]  Harry 5. Truman, Op. Cit, p168
[33]  Ibid, p169.
[34]   د. أحمد عبدالرحيم مصطفى، مصدر سابق، ص77.
[35]  Harry S, Truman, Op, Cit, p163.
[36]   د. أحمد عبدالرحيم مصطفى، مصدر سابق، ص78.
[37]   المصدر السابق، ص80.
[38]   المصدر السابق، ص83.
[39]   د. عاصم الدسوقي، ((رؤية المخابرات الفلسطينية لمشكلة فلسطين))، الدوحة عدد 87، آذار (مارس) 1983، ص68 – 73.
[40]   د. احمد عبدالرحيم مصطفى، مصدر سابق، ص87.
[41]  Ben Gurion Looks Back, Op, Cit, p10.
[42]  James G. Macdonald, My Mission In Israel (Londn: 1951), P107,113.
[43]  Ibid, p165 – 175. 
[44]  Ibid, p166. 
[45]  Ibid, p170.
[46]  Ibid, p163.
[47]  
Reproduce from the Washington report on middle east affairs, vol,I, no 15, November 29, 1982, p5.
[48]  Congressional Quarteriy, Op, Cit, p46.
[49]  
Nadav safran, from war to war, the arab Israell confrontaion, 1948 – 1967 (New York: pegasus, 1969), p162. 
[50]   آي. جي. نايدو، ((التأثير اليهودي في السياسة الخارجية الأميركية))، دراسات استراتيجية، المجلد الأول (بيروت: مؤسسة الابحاث العربية، دراسة رقم 24، كانون الأول/ ديسمبر 1980)، ص9.
[51]  
Shimon peres, David Sling: The arming of Israel (London: Welden – feld and Nicolson. 1970  (  , p88.  (هيئة التحرير)
[52]   أنظر في هذا الصدد:
– Kennett love, Suez: the twelee – fought war (London: Longman, 1969), p117 – 118. 
  – Nadav Safran Israel the Embattled Ally (U.S: the Belknap press of Harvard University press, 1978), p334. (هيئة التحرير  ).
[53]   عقيل هاشم، سعيد العظم، إسرائيل في أوروبا الغربية (بيروت: مركز الأبحاث، م.ت.ف، 1967)، ص178.
[54]   تاديوس فالشونيسكي، إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية (القاهرة: ترجمة ونشر هيئة الاستعلامات)، بدون تاريخ، ص37.
[55]  Shimon peres, Op, Cit, p46.
[56]   الأهرام، 5 أيار (مايو) 1960.
[57]   هيثم كيلاني، المذهب العسكري (بيروت: مركز الأبحاث، م.ت.ف، 1969)، ص91.
[58]  Shimo Peres, Op, Clt, p.88.
[59]  Ibid, p98.
[60]  The Middle East U.S. Policy, Op. Cit. P.46.
[61]   حرب أم سلام في الشرق الأوسط، تقرير لجنة كلارك، (القاهرة: ترجمة ونشر هيئة الاستعلامات، نيسان/أبريل 1967)، ص38.
[62]   الأهرام، 10 حزيران (يونيه) 1960.
[63]   الأهرام، 3 أيا ر (مايو) 1960.
[64]  Nadav Safran, Op. Cit, P136.
[65]   الأهرام، 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963.
[66]   الأهرام، 1 نيسان (أبريل) 1960.
[67]  
Ernest Stock, Israel on the Road to sinal (New York: Lornell University Press, 1967, p38.
[68]  Ibid, p47.
[69]  Nadav Safran, Israel the Embattled Alley, Op. Cit, p338.
[70]  Ernest Stock, Op. Cit, p39.
[71]   محمد السعيد إدريس، الرؤية الأميركية لإسرائيل في ((السياسة الأميركية والعرب))، مجموعة من الكتاب (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1982)، ص312.
[72]   آي. جي. نايدو، مصدر سابق، ص6.
[73]   المصدر السابق، ص7.
[74]   محمود عزمي، دراسات في الاستراتيجية الإسرائيلية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979)، ص33.
[75]   المصدر السابق، ص16.
[76]  James Macdonald, Op. Cit, p35.
[77]  Ibid, p206.
[78]  Ibid, p204.
[79]   نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، السنة الثانية عشرة، عدد 1، كانون الثاني/ يناير 1982، ص49 – 50.
[80]   المصدر نفسه، ص52.
[81]   تاديوس فالشينوسكي، مصدر سابق، ص61. وعقيل هاشم، سعيد العظم، مصدر سابق، ص169.
[82]  James Macdonald, Op. Cit, p167.
[83]  
David Limche/ Dan Bauly, The sand storm. The Arab Israel War of 1967: Prelude and Aftermath, New York 1968, p62  . 
[84]  Nadav Safran, Israel the Embattled Alley, Op. Cit, p339. 
[85]  Nadav Safran, from war to war, Op. Cit, p105. 
[86]   العميد الركن محمد وليد جلاد، ((إنعكاسات التحالف الأميركي الصهيوني على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية))، استراتيجياً، عدد 13، السنة الثانية، شباط (فبراير) 1983، ص35 – 37.
[87]   حول زيارة أشكول للولايات المتحد ة (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، 1968)، ص38.
[88]  Shimon Peres, Op. Cit, p108. 
[89]  Ibid, p103. 
[90]   د. أحمد عبدالرحيم مصطفى، مصدر سابق، ص38.
[91]  Shimon Peres, Op. Cit, p107.
[92]   حول زيارة أشكول للولايات المتحدة، مصدر سابق، ص28.
[93]   المصدر السابق، ص63.
[94] حرب أم سلام الشرق الأوسط، مصدر سابق، ص13.
[95] المصدر السابق، ص40.
[96] المقدم الهيثم الأيوبي، ((أضواء على الإستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط))، دراسات عربية، بيروت، السنة الرابعة، عدد 12، تشرين الأول/ أكتوبر 968 1، ص9.
[97]
William Quandt, Decisions, American policy Toward the Arab – Israeli conflict 1967 – 1976, (California university of California press 1977), p. 50.
[98] د. مروان بحيري، في السياسة الأمريكية والعرب، مصدر سابق، ص61.
[99] The Middle East U.S policy, OP.CIT., P.35.
[100] د. مروان بحيري، مصدر سابق، ص59.
[101] آي. جي. نايدو، مصدر سابق، ص7.
[102]The Middle East U.S policy, OP.CIT., P.35. 
[103] د. سعد الدين إبراهيم، كيسنجر والصراع في الشرق الأوسط، (بيروت: دار الطليعة،1975)، ص159.
[104] يوجين ف. روستو، مشكلة الشرق الأوسط وأعماقها، كانون الثاني (يناير) 1968، ترجمة ونشر الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، بدوى تاريخ، ص14.
[105] محمد السعيد إدريس، مصدر سابق، ص211.
[106] الأهرام، 30 أيلول (سبتمبر) 1983.
[107] د. سعد الدين إبراهيم، كيسنجر والصراع في الشرق الأوسط، مصدر سابق، ص، 14.
[108] محمد السعيد إدريس، مصدر سابق، ص332.
[109] د. عمد المنعم سعيد ((معركة واشنطن. المواجهة العربية الإسرائيلية في أميركا))، الموقف العربي، القاهرة، عدد 38، حزيران (يونيه) 983 1، ص131.
[110] James G. Macdonald, OP. Cit. p 172.
[111] محمد السعيد إدريس، مصدر سابق، ص314.
[112] الوطن الكويتية، 1 كانون الثاني (يناير) 1983.
[113] The Middle East U.S policy, OP.CIT., P.35.
[114] نهى تادرس، السياسة الخارجية لإدارة ريغان، الفكر الاستراتيجي العربي، بيروت، العدد الثاني، تشرين الأول (أكتوبر) 1981، ص40.
  * المصدر:
Alie Hillal dessouki polities of strategic Imbalance, paper presented to the seminar of “comparative approaches to the settlement of the Arab Israeli conflict”, Cairo: Center for political and strategic studies , March 1983.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية "استراتيجية وتاريخ"
  • ماذا يحدث عولمة أم بلطجة أمريكية؟! (1)
  • ماذا يحدث عولمة أم بلطجة أمريكيَّة؟! (2)
  • خدعوك فقالوا: "اعرف عدوك"

مختارات من الشبكة

  • قاعدة ذهبية للمحافظة على جودة ومتانة العلاقات البشرية بين أطراف العلاقات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الشخصية اليهودية الإسرائيلية وأثرها في صياغة الحرب النفسية اليهودية الإسرائيلية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تدبير علاقة الصائم مع غيره(مقالة - ملفات خاصة)
  • تسويق العلاقات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صور من العلاقات الزراعية في العراق إبان القرن الثامن عشر (دراسة في وثائق تاريخية جديدة)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الرابع) رؤية نقدية للنظريات التفسيرية للصراعات الدولية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلاقات الدولية بين الوفاق والصدام (الجزء الثاني) النظريات التفسيرية للصراعات الدولية قبل الحرب الباردة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (الجغرافيا)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مسائل عقدية في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب