• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

قراءة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية وفتح المدائن

د. سعد بن عبدالرحمن العبيسي

المصدر: مجلة الدرعية، السنة الخامسة، العدد 20، ذو الحجة 3241هـ، مارس 3002م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/5/2011 ميلادي - 29/5/1432 هجري

الزيارات: 154876

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد:

فإنَّ النصوص التاريخيَّة الواردة في "تاريخ الطبري" عن معركة القادسية، وفتح المدائن، ومعركة جلولاء، تُعدُّ أهمَّ المصادر التاريخية الأصلية، التي اعتمد عليها الباحثُ في دراسة موضوع بحْثه الموسوم بـ"قراءة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية وفتح المدائن".

 

فتاريخ الطبري يُعدُّ من المصادر التاريخية الأصلية في أخبار الفتوحات الإسلامية في العراق في العصر الراشدي، فقد تتبَّع أخبارَها، ورَصَد أحداثها، وعلَّل أسبابها، ودوَّن مادةً علميةً غزيرةً عنها ذات قيمة تاريخية، قلَّما يَجِدُ الباحثُ مثلها في غزارتها، وشمولها، واتِّساعها في مصدر تاريخي آخر، حتى في المصادر التاريخية الموسومة بـ"فتوح البلدان".

 

وقد اعتمد الطبريُّ في تتبُّعه لأخبار الفتوحات الإسلامية في العراق، ورصْده لأحداثها على مصادر تاريخية أصلية ضاعتْ أصولها، فحفظ لنا كثيرًا من مادتها العلمية في كتابه الموسوم بـ" تاريخ الرسل والملوك، أو تاريخ الأمم والملوك ".

 

وإنَّ مَن يطالع كتاب "الفهرست" للنديم، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة، والكتب التي عُنِيت بتاريخ التراث العربي الإسلامي[1]، يلاحظ أنَّ عددًا من الأخباريِّين والمؤرخين المسلمين ألَّفُوا كتبًا في الفتوح غطَّتْ معظمَ أقاليم الفتوح في صَدْر الإسلام، إلاَّ أنَّ عددًا كثيرًا من تلك المؤلفات فُقِدتْ أصولها، لكن كثيرًا من مادتها العلمية وصلتْ إلينا عن طريق الطبري، وغيره من المؤرِّخين المسلمين.

 

ومَن يقرأ النصوص الواردة في تاريخ الطبري "تاريخ الرسل والملوك، أو تاريخ الأمم والملوك"، يلاحظ أنَّ الطبري اقتبس كثيرًا من مادة تاريخِه العلمية المتعلِّقة بأخبار القادسية، وفتح المدائن مِن مصادرَ أصلية في الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق، اتَّسمت بالدِّقَّة والتفصيل خلالَ تتبعها لأخبار فتح العراق، وقد حَفِظ الطبريُّ كثيرًا من مادتها العلمية في تاريخه.

 

وإنَّ مَن يُمعن النظر في النصوص الواردة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية، وفتح المدائن يلاحظ: أنَّ مرويات سَيْف بن عمر[2] في الفتوح تُعدُّ من أهمِّ المصادر الأصلية، التي اعتمد عليها الطبريُّ في إيراده لأخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق.

 

وقد رَصَدتْ مروياتُ سيف بن عمر معلوماتٍ جيِّدة عن تسلسُل أحداث القادسية وترابطها، ودَوَّنتْ معلوماتٍ واضحةً عن أسباب القادسية، وأحداثها وأيَّامها.

 

وعن أهمِّ النتائج التي ترتَّبتْ على نصْر المسلمين فيها، وكشفتْ مرويَّات سيف، عن خطط المسلمين لفتح المدائن، وعن الخُطوات والوسائل التي اتَّخذوها لتحقيق ذلك، وقد بلغت مرويات سيف بن عمر التي دوَّنها الطبريُّ في تاريخه عن معركة القادسية، وفتح المدائن، ومعركة جلولاء، مائتين وإحدى وعشرين رواية[3].

 

وقد حَفِظتْ مرويات سيف مادةً علمية غزيرة عن القادسية، وفتح المدائن، قلَّما توجد في مصدر تاريخي آخرَ، حتى في المصادر الموسومة بـ"فتوح البلدان".

 

ويُعدُّ تاريخ الطبري من أهم المصادر التاريخية الإسلامية في أخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق؛ وذلك أنَّ مرويات الأخباريِّين في الفتوح التي تُعدُّ مصادرَ أصليةً في أخبار الفتوحات الإسلامية قد فُقِد كثير منها، فلم تصل إلينا.

 

ومِن هنا صار للنصوص التاريخية الواردة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية، وفتْح المدائن قيمةٌ علميَّة تاريخيَّة، وذلك للأسباب التالية:

1- كون الطبري إمامًا من أئمَّة المسلمين، وعالِمًا من علمائهم، عاش في زمن متقدِّم من تاريخ الإسلام "القرن الثالث الهجري".

 

2- كون تاريخ الطبري الموسوم بـ"تاريخ الرسل والملوك"، أو "تاريخ الأمم والملوك" من أقدم المدوَّنات التاريخية لتاريخ الإسلام وأوسعِها، وأكثرها شمولاً، ممَّا جعله أوسعَ المصادر التاريخية لعصر الخلافة الراشدة[4]، وخاصة في جانب الحياة السياسية، والنشاط الدعوي والعسكري لحركة الفتح الإسلامي.

 

3- كون الطبري اطَّلع على مصادرَ أصليةٍ في الفتوحات الإسلامية، اتَّسمت بغزارة مادتها العلمية عن فتوحات العراق بصورة عامَّة، وعن معركة القادسية، وفتح المدائن بصورة خاصَّة، وقد فُقِد كثيرٌ من أصول تلك المصادر، فحَفِظ الطبريُّ في تاريخه كثيرًا من مادتها العلمية، لا سيَّما كتاب "الفتوح" لسيف بن عمر، الذي يُعدُّ من المصادر الأصلية التي اعتمد عليها الطبري في أخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق.

 

4- أنَّ تاريخ الطبري يُعدُّ من المصادر التاريخيَّة الإسلاميَّة الرئيسة لأخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق، فلا يستطيع باحثٌ أن يُقدِّم بحثًا علميًّا موثقًا عن معركة القادسية، وفتح المدائن دون الرجوع إليه، والاقتباس منه.

 

5- أنَّ الطبري صدَّر مادته العلمية الواردة في تاريخه عن أخبار القادسية، وفتح المدائن، وغيرها من الحوادث والوقائع بالأسانيد غالبًا، وهذه ميزةٌ ازدانَ بها تاريخُه، قلَّما تجد كتابًا في تاريخ الإسلام على مِثْل شمول تاريخه وسَعتِه اهتمَّ بالأسانيد[5]، لكن مادته التاريخية بصورة عامة، وما يتعلَّق بعصر النُّبوَّة والخِلافة الراشدة على وجه الخصوص تحتاج دراستُها إلى موازينَ نقديةٍ واضحة.

 

6- أنَّ مَن جاء بعد الطبري من مؤرِّخي المسلمين اعتمدوا على تاريخه، إذ اعتبروه مصدرًا أصليًّا من مصادر تاريخ الإسلام، فنقلوا منه نصوصًا كثيرة، وإنَّ نظرة متأنية في تاريخ ابن الجوزي "المنتظم"، و"دلائل النبوة" لأبي نعيم الأصبهاني، و"الكامل" لابن الأثير، و"تاريخ الإسلام" للذهبي، و"البداية والنهاية" لابن كثير، تؤكِّد ذلك.

 

تُعدُّ مرويات سيف بن عمر أحدَ المصادر الأصلية التي اعتمدَ عليها الطبري في تاريخه عندما دوَّن أخبارَ الفتوحات الإسلامية في العصر الراشدي، فقد بلغتْ مرويات سيف بن عمر التي وردتْ في تاريخ الطبري مائتين وستًّا وستِّين رواية[6]، وقد ذُكِر اسم سيف بن عمر في أكثر من 300 موضع من تاريخ الطبري، وورد اسمه لأوَّل مرَّة في حوادث سنة عشْرٍ للهجرة، وورد اسمُه لآخِرِ مرة في حوادث سنة ستٍّ وثلاثين للهجرة، ولم يذكر الطبري روايةً له بعد ذلك[7].

 

وسيف بن عمر الذي ورد ذِكْره كثيرًا في تاريخ الطبري هو: سيف بن عمر الضَّبِّي الأسدي، ويقال التميمي، مصنِّف الفتوح والرِّدَّة[8]، وقد عُرف سيف باطلاعه الواسع على تاريخ الإسلام، خصوصًا ما يرتبط بالعصر الراشدي كالرِّدَّة والفتوح، والفِتنة التي وقعتْ في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه.

 

ويُعدُّ كتاب سيف "الفتوح" مصدرًا مهمًّا لأخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق، لا سيَّما معركة القادسية، وفتْح المدائن، ومعركة جلولاء.

 

وإذا كان رجالُ الحديث وضعوا شروطًا مشدَّدة في قَبول الحديث، فإنَّ ذلك يرجع إلى أهمية الحديث النبوي، وتَعلُّق الأحكام الشرعية به، فلا بدَّ من التشدُّد في نَقْده قبل قَبوله، والإسناد هو المحور الأساس الذي يدور حولَه النقد؛ لذا فإنَّ المحدِّثين لم يقبلوا روايةَ سيف بن عمر وأمثاله في الحديث، فلم يحظَ سيف بتوثيق أحد من المحدِّثين[9]، بل رمَوْه بالضعف[10]؛ لكنَّ عددًا من رجال الحديث الذين لم يَحظَ سيف بتوثيقهم فلم يقبلوا روايته في الحديث، قَبِلوا روايتَه في الأخبار، فأوْرَدُوا عددًا من مروياته في الأخبار في كتبهم، ونعتوه بنعوت جيِّدة، فقد وصَفَه الذهبي بقوله: "كان أخباريًّا عارفًا"[11]، وقد صدر كتابه "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" وهو يتحدَّث عن المصادر التي أَخَذ منها مادة كتابه العلمية بقوله: "ولكن أذكر المشهورين ومَن يشبههم، وأترُك المجهولين ومَن يشبههم،... وقد طالعتُ على هذا التأليف من الكتب مصنفاتٍ كثيرة"، ثم عدَّد مجموعة من المصنَّفات.... إلى أن قال: "والفتوح لسيف بن عمر"[12]، وقد أورد عددًا من روايات سيف في أخبار الرِّدَّة والفتوح والفِتنة، ولم ينقدْها باعتبار أنَّ سيفًا ضعيفٌ في الحديث، بل أثبتها في كتابه[13].

 

أما ابن حجر، فقد نَعَت سيف بن عمر بقوله: "ضعيف في الحديث، عُمدة في التاريخ"، وقال: "أفحشَ ابنُ حبَّان القولَ فيه حين اتهمه بالزندقة، ورواية الموضوعات عن الأثبات"[14]، وقد أورد ابن حجر في "الإصابة" وغيرها من كتبه عددًا من مرويَّات سيف، بعضها نقدَها بقوله: "لكن سيف بن عمر ضعيف"، وبعضها - وهي كثيرة - سَكَت عنها ولم ينقدْها، بل قَبِلها، ومن ذلك: قصة "يا سارية الجبل"، وخبر وفادة "زريق بن عبدالله الفقيمي" على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودعاء الرسول - عليه الصلاة والسلام - له ولِعَقبه، وخبر وفادة "زهير بن حوية" وإسلامه، وشهوده القادسية، وقصَّة أبي محجن الثقفي في القادسية، وحديث سيف عن أمانة طُليحة الأسدي، وعمرو بن معد يكرب الزيدي، وقيس بن مكشوح المرادي، وشجاعة القَعْقاع بن عمرو التميمي، وأخيه عاصم وبلائهما في القادسية، إلى غير ذلك من الأخبار التي أخَذَها ابنُ حجر من كتاب سيف بن عمر "الفتوح"، ولم يُعقِّب عليها بنَقْد، بل سَكَت عنها مما يدلُّ على قَبولها[15].

 

وقدِ احتفظ سيفُ بن عُمر بتقدير المؤرِّخين لقدرته على رَسْم صور الأحداث ببراعة واتساق[16].

 

وقد أخذ سيف بن عمر مادتَه العِلميَّة من مشاهير الأخباريين والنسَّابين، مثل: هشام بن عُروة بن الزبير، وهو مِن محدِّثي المدينة، ومحمَّد بن إسحاق صاحِب السِّيرة، ومحمَّد بن السائِب الكلبي، وطلحة بن الأعلم وأمثالهم[17].

 

كان لمرويات سيف بن عمر التي أوردها الطبريُّ في تاريخه عند ذكْرِه أخبار القادسية، وفتح المدائن، ومعركة جلولاء التي بلغتْ مائتين وإحدى وعشرين رواية ثقلها وقيمتها العلمية والمصدرية.

 

أما ما ذَكَره بروكلمان من أنَّ سيف بن عمر: "صَرَف هَمَّه في تاريخه للفتوح إلى تمجيد قبيلته تميم، وأنه كان مولعًا بالخَوض في المحسنات والتزايق الخيالية، وأنَّ الطبري بالاعتماد عليه من دون سواه تقريبًا، أضلَّ المؤرِّخين الذين جاؤوا من بعده واعتمدوه في تأليفهم"[18]، فهو رأي ينقصه التوثيق، ويحتاج إلى دراسة وبحْث، فقد أفْحَش بروكلمان القولَ في سيف دون مَن سواه من الأخباريين الذين هم أضعفُ منه لدى رِجال الحديث[19]، فقال عن أبي مِخنف لوط بن يحيى: "أخْرَج الأخبار في ترسُّل رائع ينتظم أكثرَ من ثلاثين مقالة مستقلَّة، تتألَّف كل منها في الأعمِّ الأغلب من مشاهد مفردة ومحاورات... ثم قال: وعلى الرغم من أنَّ أبا مخنف، بما هو كوفي، كان يَميل إلى عليٍّ، فإنَّ أخباره لم تظهر هذا التشيع"[20].

 

إنَّ من يقرأ مرويات سيف بن عمر التي أوْرَدها الطبريُّ عن معركة القادسية، وفتْح المدائن لا يلحظ أنها مجَّدت قبيلةَ تميم دون من سواها من القبائل العربية التي شاركتْ في فتوح العراق، فقد تضمَّنت مرويات سيف عن القادسية وفتح المدائن أخبارًا قليلةً عن شجاعة بعض رجالات تميم، كالقَعْقاع بن عمرو، وأخيه عاصم، وغيرهما، بينما تضمَّنت أخبارًا عديدةً عن شجاعة رجال من عشائر عربية أخرى، مثل شجاعة سعْد بن أبي وقَّاص، وابن أخيه هاشم بن عُتبة، وقيس المرادي، وابن الرفيل الأسدي، وأبي مِحجن الثقفي، وغيرهم كثير[21].

 

وقد اتسمت مرويات سيف في الفتوح بأنها تناولتِ الفتوحَ في العصر الراشدي تناولاً شاملاً، وبأنها كاملةُ الأسانيد[22] في الغالب، وأنها تورد الخبرَ بطُرق متعدِّدة[23]، مما يقوِّي بعضها بعضًا، وأنها أخذتْ بعضَ أخبار القادسية وفتح المدائن من شهود عِيان شاركوا فيهما، مثل: أبو عثمان النهدي، وأبو مالك حبيب بن صهبان، وقيْس بن أبي حازم، والقعقاع بن عمرو، وعصمة بن الحارث الضبِّي، وعبيد بن جحش السلمي، والرفيل، وكرب بن أبي كرب العُكلي[24].

 

وقد تُوفِّي سيف بن عمر في خلافة هارون الرشيد سنة 180هـ.

 

وعلى الرغم من أنَّ النصوص التاريخية الواردة في تاريخ الطبري عن أخبار معركة القادسية وفتح المدائن ومعركة جلولاء تُعدُّ مصدرًا أصليًّا للبحث، إلاَّ أنَّ دراسة الموضوع لم تقتصرْ عليها، بل استفادتْ من نصوص وردتْ في عدد من كُتب السُّنة، وعِلم الرجال، وتراجم الصحابة، وكُتب البلدان، والمعاجم اللُّغوية، كما استفادتْ من نصوص تاريخيَّة وردتْ في عدد من المصادر التاريخية الأخرى، مثل: "تاريخ ابن خيَّاط"، و"فتوح البلدان" للبلاذري، و"دلائل النبوَّة" لأبي نعيم الأصبهاني، و"المنتظم" لابن الجوزي، وغيرها ممَّا سوف يطَّلع عليها القارئ.

 

هذا، وقد تناول البحث دراسة الفقرات الآتية:

• مقدمة خُصِّصت لدراسة مصادر البحث.

• توطئة خُصِّصت لدراسة مقدِّمات الفتح الإسلامي للعراق.

• أسباب القادسية.

• إعداد الجيش الإسلامي.

• وصول الجيش الإسلامي إلى العراق.

• المفاوضات بين المسلمين والفرس وأهم نتائجها.

• أحداث المعركة وأيَّامها.

• أهم نتائج المعركة.

• فتح المدائن.

• وقفات مع فتح المسلمين للمدائن.

• معركة جلولاء ونهاية الصراع العسكري بين المسلمين والفرس في العراق.

• الخاتمة، وقد رصد فيها بعض نتائج البحث.

• قائمة بأهم مصادر البحث.

 

توطئه:

كان التخطيط لفتْح العراق ودعوة أهله إلى الإسلام أولَ نشاط عسكريٍّ قامتْ به دولة الخلافة الراشدة بعدَ القضاء على حركة الرِّدَّة في جزيرة العرب.

 

فقد أمر أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - خالد بن الوليد أن يتوجَّه إلى جنوب العراق ليتألَّف أهلَ فارس ومَن كان في ملكهم من الأمم إلى الإسلام، ويدعوهم إلى الله - عزَّ وجلَّ[25]، فتوجَّه خالد بن الوليد بالجيش الإسلامي إلى جنوب العراق، فلمَّا وصل إلى منطقة - الحفير - تصدَّى له - (هرمز) - القائد الفارسي في المنطقة، فلم يُصغِ لدعوة الإسلام، ويحقن الدماء، ويقر السلام في المنطقة، بل أعدَّ جيشًا لقِتال المسلمين، فدارتْ معركة بين المسلمين والفُرس قُربَ (كاظمة) - تعرف (بكاظمة وبذات السلاسل)، انتصر فيها المسلمون، وقُتل  (هرمز) [26]، ثم توالت هزائم الفرس في (المذار)، و (الولحة)، وفي (أليس) الْتقى خالد بنصارى العرب فانتصر عليهم، فأصبح المسلمون على مشارف (الحيرة)، فانتاب حاكمَها الخوفُ من قدوم المسلمين إليه، فاحتاط لأمره، وتهيَّأ لحرْب المسلمين إلا أنَّ خططه العسكرية أخفقت في صد المسلمين فلم تُغنِ عنه شيئًا، فهرب وترَك مسألة الدِّفاع عن (الحيرة) إلى أعيانها، فعَجَزوا عن دفْع المسلمين، وانتهى أمر (الحيرة) بفتحها، وخضوعها لسيادة الدولة الإسلامية، وقد أعْطَى خالدٌ أهلَها الأمان، وأقرَّهم على دِينهم، وقد اقتفى دهاقين القرى المجاورة (للحيرة) بأعيان (الحيرة)، فأقبلوا على خالد بالحيرة، فصالحوه ببذْلِ الجِزية، والخضوع لسيادة الدولة الإسلامية، فأعطاهم خالد الأمانَ، وأقرَّهم على ما بأيديهم[27].

 

وقد نشط خالد في دعوة أهْل المنطقة إلى الإسلام، فأسلم عددٌ من - دهاقين - المنطقة، كما نجح في إقرار الأمْن والسلام في المنطقة التي خضعتْ لسلطان المسلمين، واتخذ الحيرة قاعدةً للجيش الإسلامي في جبهة العراق، ومقرًّا للإدارة المدنية، ولم يتعرَّض في لقاءاته العسكرية مع الفُرس وحلفائهم من نصارى العرب للفلاَّحين، بل أحسن إليهم، ورَفَق بهم، فأخذ منهم الجزية، وصاروا أهلَ ذِمَّة، وبقيت لهم أرضهم حسبَ تعليمات الخليفة أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه[28].

 

لَمَّا اطمأنَّ خالد بن الوليد على اسْتِتباب الأمْن، واستقرار الأوضاع في الحيرة، توجَّه إلى الأنبار وعين التَّمْر، وقد نَجَح في مهمَّته، حيث فتح المنطقة وأخْضع كثيرًا من الأراضي الواقعة على شاطئ الفُرات لسلطان المسلمين.

 

هذا، وقد آزر خالدَ بن الوليد عِياضُ بن غنم الغنوي، الذي عَهِد إليه أبو بكر القضاء على التمرُّد والعِصيان في دومة الجندل، فتمكَّنَا من فتح الدومة، والقضاء على التمرُّد والعِصيان فيها، وإخضاعها لسيادة الدولة الإسلامية، وبذلك أصبحتِ الطرق البرية التي تربط جزيرة العرب بالعراق والشام تحتَ الإدارة الإسلامية.

 

انتهز نصارى العرب القاطنون على شاطئ الفُرات غيابَ خالد في دومة الجندل، فأعْلنوا تمرُّدَهم على الإدارة الإسلامية، واتخذوا من "حصيد" و"الخنافس" قاعدةً لهم، غير أنَّ خالدًا لما رجع إلى الحيرة قضى على الاضطرابات في المنطقة[29]، ثم انطلق بالجيش إلى "الفراض"، حيث اجتمع فيها الفرس والروم ونصارى العرب، وتحزَّبوا ضد المسلمين، فقاتلهم المسلمون قتالاً شديدًا بصبر وثبات، ونية صالحة، فنَصَر الله عبادَه، وهُزِمت الأحزاب، وتفرَّق جمعهم، وكان ذلك في منتصف ذي القعدة سنة 12هـ.

 

ظلَّ خالد بن الوليد في العراق حتى ربيع سنة 13هـ[30]، حيث صدرتْ إليه التعليمات من الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بالتوجُّه بنِصْف الجيش الإسلامي في العِراق إلى الشام لمساعدة المسلمين هناك[31].

 

تولَّى قيادة الجيش الإسلامي في العراق المُثنَّى بن حارثة الشيباني، وقد اتَّسم بالحَذَر والحيطة، والفطنة ومتابعة أخبارِ عدوِّه، فأخَذ يراقب الأوضاع العامَّة في المدائن وفي الأراضي الخاضعة لسلطان المسلمين، فأذكى العيون، وأقام المسالح[32]، غير أنَّه أدرك أنَّ قدرات الجيش الإسلامي في العراق غيرُ كافية للتصدِّي للفُرْس، الذين توحَّدت جبهتُهم الداخلية بتولِّي يزدجرد القيادة السياسية، فطلب المثنَّى من الخليفة أبي بكر الصديق أن يمدَّه بقوة عسكرية، فلمَّا تأخَّر المدَد، قرر أن يرحل إلى المدينة ليطَّلع الخليفة على أوضاع المنطقة، فلمَّا وصل إلى المدينة، وجد الخليفة أبا بكر مريضًا قد عهِد بأمر المسلمين إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلاَّ أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - لم يشغلْه مرضُه رغم شدته، فأصْغى إلى المثنَّى بن حارثة، فلما وقف على أوضاع المنطقة، وعلى أوضاع الجيش الإسلامي في العراق، أرسل إلى عمر، فلمَّا حَضَر عنده قال له: اسمعْ يا عمر ما أقول لك، ثم اعملْ به، إني لأرجو أن أموتَ مِن يومي هذا، فإن أنا متُّ فلا تمسين حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، وإن تأخرتُ إلى الليل، فلا تصبحنَّ حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، ولا تشغلنَّكم مصيبةٌ وإن عظمت عن أمْر دِينكم ووصية ربِّكم[33].

 

فلمَّا توفي أبو بكر الصِّديق - رضي الله عنه - مساء الاثنين الحادي والعشرين من شهر جُمادَى الآخرة سنة 13هـ بايع الناسُ عمر - رضي الله عنه - البيعةَ العامة في المسجد صبيحةَ يوم الثلاثاء، فكان أوَّلُ عمل استفتح به عمر - رضي الله عنه - خلافتَه نَدْبَ الناس، وحثهم على الخروج للجهاد في سبيل الله في جبهة العراق، فكان أوَّلُ مَن خرج إلى المكان الذي حدَّده عمر لاجتماع الناس أبا عبيد بن مسعود الثقفي، فأمَّرَه عمرُ على الجيش؛ لسبقِه الناس، وجرْأته على قِتال الفُرْس[34]، وأمَر عمرُ المثنَّى بن حارثة أن يعود إلى العراق؛ ليكونَ طليعةً للجيش الإسلامي هناك.

 

قدم المثنَّى بن حارثة إلى "الحيرة" في وقتٍ اضطربتْ فيه الأوضاع العامَّة في المناطق الخاضعة لسلطان المسلمين؛ نتيجةً لتدابير رستم وخططه العسكرية، فقدِ اتصل رستم بدهاقين المنطقة، وشجَّعهم على نقْض عهود المسلمين والثورة ضدَّهم، فثار أهلُ الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله[35].

 

فطِن المثنَّى بن حارثة لتدابير رستم وخططه العسكرية، فأعدَّ للأمر عُدَّته، وخرج بالجند من "الحيرة"، وعسكر جنوب العراق؛ لئلاَّ يُؤتى من خلفه بشيء يكرهه[36]، ظلَّ المثنَّى معسكرًا جنوب العراق ينتظر وصولَ أبي عبيد الثقفي بالمدَد من المدينة، فلمَّا وصل أبو عبيد بن مسعود الثقفي انضمَّ إليه المثنى بن الحارثة بالجُند، فالْتقَى المسلمون بالفُرس في "النمارق" فهزموهم، ثم توالتْ هزائم الفُرْس في "كسكر" وغيرها، مما جعل رستم يُعدُّ جيشًا قويًّا لمنع تقدُّم المسلمين في المنطقة، وقد زوَّد رستم الجيش الفارسي بسلاح الفِيَلة، وهو سلاح فتَّاك؛ ليخيفَ جُندَ المسلمين وخيلهم وإبلهم، لعلَّه يُحقِّق تفوقًا عسكريًّا عليهم، وأسند قيادةَ الجيش إلى - بهمن جاذويه - فنزل الجيش الفارسي "قس الناطف"، فأصبح نهر الفرات بينه وبين المسلمين، فطلَب من أبي عبيد الثقفي قائدِ الجيش الإسلامي أن يَعْبُرَ إليه النهر، أو يأذن له في العبور، فاستشار أبو عبيد عددًا من القادة المسلمين، فأشاروا على أبي عبيد بعدم عبور النهر؛ لئلاَّ يُحصرَ المسلمون بين النهر والعدو، لكن أبا عبيد فضَّل عبور النهر؛ لئلاَّ يكون الفُرْس أجرأَ على الموت من المسلمين[37]، فطلب أبو عبيد من بعض دهاقين المنطقة إقامةَ جسر على نهر الفرات؛ ليعبرَ عليه جندُ المسلمين إلى الفُرْس المعسكرين في "قس الناطف"[38]، وهناك دارتْ معركة بين المسلمين والفُرس في مكان ضَيِّق المطرد، كثير المستنقعات، أبْلَى المسلمون فيه بلاءً حسنًا، غير أنَّ خيلهم نفرتْ من الفِيلة فتَرَكها المسلمون وترجَّلوا، واتجهوا إلى الفِيلة؛ ليضربوها بسيوفهم، ولم يكن للمسلمين معرفةٌ بمقاتل الفيلة، فلمَّا ضَرَب أبو عبيد الفيلَ بسيفه خبَطه الفيل بيده، فأَرْداه شهيدًا[39]، فاضطرب جيش المسلمين، ولَمَّا أراد جند المسلمين العودةَ إلى معسكرهم خلفَ النهر، اجتهد أحدُ الجند فقطع الجسر؛ ليمنعَ هزيمة المسلمين وتقهقرهم[40]، فسَقَط عددٌ من جند المسلمين في النهر، غير أنَّ المثنَّى بن حارثة وعددًا من قادة الجيش الإسلامي تمكَّنوا من إصلاح الجِسر، وحماية ظهر الجند، فعَبَر الجند نهرَ الفُرات إلى معسكرهم[41].

 

كانت هزيمة المسلمين في معركة الجِسر أولَ هزيمة تلحق الجيشَ الإسلامي في جبهة العراق، فكانتْ قاسيةً على نفوسهم، لدرجة أنَّ بعض جند المسلمين وصَل إلى المدينة المنورة، والبعض منهم بقي بالبوادي يغلبهم الحياء[42].

 

لَمَّا علم عمر - رضي الله عنه - بهزيمة المسلمين في الجِسْر، ومَقْتل أبي عبيد وغيره من جند المسلمين، قال: يرحم الله أبا عبيد، ثم أَخَذ يندبُ الناس ويحثُّهم على الخروج للجهاد في سبيل الله في جبهة العراق، فلمَّا رأى من الناس تثاقلاً في الخروج إلى العراق لقتال الفُرْس، أَذِن لِمَن حَسُن إسلامه وظهرتْ توبتُه وندمُه من أهل الرِّدَّة بالخدمة العسكرية، وأمدَّ بهم جبهة العراق[43]، وكان المثنى بن حارثة قد نَعَت أهلَ الرِّدَّة الذين حَسُن إسلامهم بقوله: "بأنهم مِن أرغب الناس وأنشطهم في قِتال فارس وحربها"[44].

 

هذا، وقد عالج المثنَّى بن حارثة الآثارَ المادية والنفسية لمعركة الجِسر، ونجح في قيادة الجيش الإسلامي، والْتقى مع الفُرس في "البويب"، حيث دارتْ معركة بين المسلمين والفُرْس، كان الجيش الفارسي فيها مزهوًّا بنشوة النصر في معركة الجسر، فأقبل نحوَ المسلمين في صفوف ثلاثة أمامَ كل صفٍّ فيل، فتلقَّفهم المسلمون بثبات وصَبْر، وصِدْق نية، فحطَّموا كبرياء الفرس وغرورهم، وانتصروا عليهم وقتلوا قائدَهم، وهزموا جنده، فولَّوْا هاربين نحوَ الجسر الذي أقاموه خلالَ عبورهم نهرَ الفرات، فسبقهم إليه المثنى بن حارثة، وقطعه وبذلك سدَّد المسلمون للفُرْس ضربةً قوية، وغنموا غنائمَ كثيرة[45].

 

كانت معركة "البويب" التي وقعتْ في شهر رمضان سنة 13هـ خاتمةَ مُقدِّمات الفتح الإسلامي للعراق، حيث بدأ الفتحُ الحقيقي، وسيادة الدولة الإسلامية على العراق بعدَ نصْر المسلمين على الفُرْس في معركة "القادسية".

 

من أسباب معركة القادسية:

كان الصِّدام العسكري بين المسلمين والفُرس قد قطع شوطًا في جبهة العراق في خلافة أبي بكر وأوَّل خلافة عمر - رضي الله عنهما - لكنَّه لم يبلغْ مرحلةَ اللِّقاء العسكري الحاسم بين الطرفَين، فانتصار المسلمين في معركة "البويب" لم يُنهِ الوجودَ السياسي والعسكري للفُرْس في العراق، ويمكِّن الدعوة الإسلامية أن تشقَّ طريقَها إلى الناس في العراق بأمْن وسلام.

 

فكان لا بدَّ مِن لقاء عسكري حاسِم يُنهي الوجود السياسي والعسكري للفُرْس في العراق، ويمكِّن الدعوة الإسلامية أن تشقَّ طريقها إلى الناس في العِراق، ويجعل العراقَ دار إسلام، وأمْن وسلام، فكانتْ معركة "القادسية" ذلك اللِّقاء العسكري الحاسم.

 

هذا، وقد تعدَّدتْ أسباب معركة "القادسية"، فمنها:

1- توحيد الجبهة الداخلية في بلاد الفرس:

كانتِ الجبهة الداخلية لدولة الفرس عشيةَ قدوم المسلمين إلى بلاد العراق مضطربة، وكان التنافسُ على عَرْش المدائن شديدًا، غير أنَّ الفرس كانوا مُجْمعين على حرْب المسلمين، ومنع وصول الدعوة الإسلامية إلى بلاد العراق[46]، فلما مَخَر المسلمون السواد، وفتحوا بعضَ مدن العراق، كالحيرة وعين التمر، والأنبار، أدْركتِ القيادةُ السياسية والعسكرية لدولة الفرس أنَّه لا يمكن مواجهةُ المسلمين والتصدِّي للدعوة الإسلامية بجبهة داخلية مضطربة، مما جعلهم يَحْزمون أمرَهم، ويعقدون عزمَهم على تتويج "يزدجرد ابن شهريار" مَلِكًا للدولة الساسانية، فاجتمع إليه الفرس واستوثقوا، وتبارَى الرؤساء في طاعته ومعونته، وبذلك توحَّدتِ الجبهة الداخلية لدولة الفرس، وتفرَّغت القيادة السياسية والعسكرية لحرْب المسلمين، وطرْدهم من العراق، فكان هذا مما هيَّج أمر "القادسية"[47].

 

2- إعلان حالة الطوارئ في بلاد الفُرْس للتصدِّي للدعوة الإسلامية:

أعلن يزدجرد حالةَ الطوارئ والاستنفار العام في بلاده، وشَرَع في إعداد جيش قويٍّ زوَّده بعتاد حربي جيِّد، وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس العسكريِّين، وأسند قيادته إلى "رستم"؛ لرتبته العسكرية، ولعبقريته في الحرب، ومهارته في القتال؛ وذلك لحرْب المسلمين وطرْدهم من العراق، والتصدِّي للدعوة الإسلامية.

 

3- اضطراب الأوضاع الأمنية في العراق:

شرَع "رستم" في إعداد خطَّة عسكرية لضرْب الوجود الإسلامي في العراق، تقوم على الاتصال بالدهاقين وأهل السواد، وتشجيعهم على التمرُّد والعِصيان، فاضطربتِ الأوضاع العامَّة في الحيرة، وغيرها من المناطق التي فتَحَها خالدٌ والمثنَّى؛ وذلك استجابةً لدعوة "رستم"، وتنفيذًا لخطته العسكرية، فنقض أهلُ الذِّمَّة عهودهم وذِممهم، وآذوا المسلمين هناك[48].

 

4- إعلان الاستنفار العام في جزيرة العرب:

لَمَّا علم أميرُ المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - باجتماع كلمة الفرس على يزدجرد وتتويجه ملكًا عليهم، وعلم أيضًا بعزْم قيادتي الفُرْس السياسية والعسكرية على حرْب المسلمين، وطرْدهم من العراق، والتصدِّي للدعوة الإسلامية، أدْرك خطورةَ الموقف وأبعاده، وما سوف يُفرزه من آثار سلبية على سَيْر الدعوة الإسلامية في العراق، فقرَّر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مناجزةَ الفُرْس، ومنازلتهم في لقاء عسكري حاسِم، يُنهي الوجود السياسي والعسكري للفرس في العراق، ويُمكِّن الدعوة الإسلامية من الوصول إلى الناس في العراق بأمْن وسلام.

 

فأعلن عمر - رضي الله عنه - حالةَ الطـوارئ والاستنفار العام في جزيرة العرب، وذلك لإعداد جيش إسلاميٍّ كبير، فكتب إلى أمراء البلدان، ورؤساء القبائل في جزيرة العرب "يأمرهم ألا يَدَعُوا أحدًا له سلاحٌ أو فَرَس، أو نجدة أو رأي، إلاَّ انتخبتموه، ثم وجهتموه إليَّ، والعَجَلَ العَجَل"[49].

 

5- فشل المفاوضات بين المسلمين والفرس في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة:

بَعَث سعدُ بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - إلى ملك الفُرْس وفدًا من أهل الرأي والمناظرة والجلد، يدعونه إلى الإسلام، وإلى إقرار الأمْن والسلام في المنطقة.

 

وصل الوفد إلى المدائن، والْتقى بقادة الفرس، فعَرَض عليهم الإسلام ودَعاهم إليه، وقد جَرَت بين رسل المسلمين وقيادة الفُرْس مناظرة ومحاورة، أدْلى كلٌّ منهما فيها بحُججه ووجهة نظره في المسألة، وقد جنح رسلُ المسلمين في مناظرتهم لقادة الفُرْس السياسيِّين والعسكريِّين إلى الحكمة والموعظة الحسنة، متخذين من قول الله – تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، ومن قوله – تعالى -: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43 - 44] منهجًا في محاورة ومناظرة خصومهم، غير أنَّ قادة الفُرْس ظنُّوا أنَّ جنوح رسل المسلمين إلى اللِّين والحِكمة والموعظة الحسنة في المجادلة والمناظرة راجعٌ إلى ضَعْف دولة الخلافة الراشدة؛ وذلك بسبب استهزاء قادة الفُرس بعرب الجزيرة واحتقارهم، وبسبب جَهْلهم بالإسلام ودولته، فقد غرَّتْهم قوتُهم، فركنوا إليها، وجنحوا إلى التهديد بالقوَّة العسكرية، والتحدِّي بدفْن المسلمين في خَنْدق "القادسية" في ساعة مِن نهار، فلم يُصغوا لدعوة الإسلام والأمْن والسلام.

 

انتهتِ المفاوضات بيْن المسلمين وقيادة الفُرْس دون أن تحقِّق أهدافَها الإسلامية في إقرار الأمن والسلام في المنطقة، فكان فشلُ المفاوضات بين المسلمين والفُرْس في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة مما هيَّج أمر "القادسية"، فأصبح اللِّقاء العسكري بين المسلمين والفُرْس أمرًا لا مفرَّ منه.

 

إعداد الجيش الإسلامي:

استجاب عربُ الجزيرة لاستنفار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأخذتْ قوافلهم تحطُّ بالمدينة، فازدحمتْ طرق المدينة وسِككُها بالجند، فخرج عمر بالناس، ونزل على ماء يقال له (صرار)، فعسكر به.

 

كان رأي عامَّة الجند أن يتولَّى الخليفة قيادة الجيش، فبعث عمر إلى أهل الرأي يستشيرهم في المسألة، فاجتمع إليه وجوه أصحاب الرسول "وأعلام العرب وفرسانهم، فاستشارهم في ذلك، فاجتمع مَلؤُهم على أن يقيمَ عمر في المدينة، ويُسندَ قيادةَ الجيش إلى واحد من الصحابة، ويمدَّه بالجنود، وأشاروا عليه بسعد بن أبي وقَّاص؛ لصُحبته وسَبْقه، ولجرأته وشجاعته في القتال، فأرسل إليه عمر، فلمَّا حَضَر عنده ولاَّه قيادة الجيش، وقال له: إني قد وليتُك حرْبَ العراق، فاحفظْ وصيتي، فإنك تَقْدَم على أمر شديد كِريه، لا يخلص منه إلاَّ الحق، فعوِّد نفسَك ومَن معك الخير، واعلم أنَّ عتاد الحرْب الصبرُ، فاصبرْ على ما أصابك، تجتمعْ لك خشيةُ الله، واعلم أنَّ خشية الله تجتمع في أمرين؛ طاعته، واجتناب معاصيه"[50].

 

وصول الجيش الإسلامي إلى العراق:

سار سعْد بن أبي وقاص بالجيش متمهلاً في سكينة وطُمأنينة، وكان إذا مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب نَدَبهم إلى الجِهاد في سبيل الله.

 

كان المثنَّى بن حارثة قد انسحب من الحيرة، ونزل مع جنده بذي قار، ينتظر وصولَ سعد بن أبي وقَّاص إليه، فلمَّا وصل سعدٌ بالجيش إلى مكان يقال له "زرود" انتفض جُرْح المثنَّى بن حارثة، الذي أصابه يوم الجِسْر، فمات قبل أن يَلْتقي بسعد، وكان كلُّ واحد منهما مشتاقًا لرؤية صاحبه، واصَل سعد سيرَه، حتى بلغ مكانًا يقال له "شراف" فعَسْكر به.

 

قدم المُعنَّى بن حارثة الشيباني بوَصية أخيه إلى سَعْد وهو بـ"شراف"، وكان من وصية المثنَّى لسعد: ألاَّ يتوغَّل في بلاد الفُرْس، وأن يقاتلَهم على حدود أرْضهم، على أدْنى حجر من أرض العرب، وأدنى مَدَرة من أرض العجم، وقد أكَّد عمر ذلك في كتابٍ وصل إلى سعد وهو بـ"شراف".

 

كتب عمر - رضي الله عنه - إلى سعد وهو بـ"شراف" يأمره بنزول "القادسية"، وأن يأخذَ الطرق والمسالك على الفُرْس، وأن يجعل على أنْقاب "القادسية" مسالح لحراسة المسلمين، ومراقبة العدو، وأمَرَه أن يلزم مكانَه في "القادسية" فلا يَبرحْه، وأن يبدأهم بالشدِّ والضرب، وأن يصف له "القادسية"، ويكتب له بأخباره وأخبار عدوِّه كأنَّه ينظر إليه، وأمَره أن يكون محتاطًا حذرًا، مستعدًا للقاء عدوِّه[51].

 

سار سعْدٌ بالجيش من "شراف"، فنزل "العُذَيْب"، ثم سار حتى نزل "القادسية"، فعسكر على حائط "قديس"، بحيال القنطرة، وجعل الخندق وراءَه.

 

انضمَّ إلى سعد في "القادسية" جندُ المسلمين وقادتهم في العراق، فأصبح عددُ جيش المسلمين في القادسية قريبًا من ستة وثلاثين ألفًا، منهم ثلاثمائة من الصحابة، منهم بِضعة وسبعون من أهل بدر، وسَبْعمائة من أبناء الصحابة، وعدد مِن أعلام العرب وقادتهم وفرسانهم[52]، يُعدُّ جيش المسلمين في "القادسية" أكبرَ جيش عبَّأه المسلمون لفتْح بلاد العراق[53].

 

ظلَّ سعدٌ مقيمًا بالقادسية شهرًا دون أن يرى أحدًا من الفُرْس، فأرسل عددًا من السرايا تُغير على شاطئ الفرات ما بين "كسكر"، و"الأنبار"، وتعود بالغنائم، أراد سعد بن أبي وقَّاص أن يعلم خبرَ عدوِّه، فأرسل عيونًا إلى "الحيرة"؛ ليأتوه بخبر الفُرْس، فذهبوا إلى هنالك ورجعوا إليه، وأخبروه بأنَّ مَلِك الفرس "يزدجرد بن شهريار" قد أعدَّ جيشًا كبيرًا لمنازلة المسلمين وطَرْدِهم من العراق، وقد هيَّأ لهذا الجيش كلَّ ما تملكه دولةُ فارس من عَدد وعُدَّة وعتاد حربي، وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس وقادتهم العسكريين، أمثال: الجالينوس والهرمزان، ومهران الرازي والبيرزان، وذو الحاجب، وغيرهم، وأسند قيادةَ هذا الجيش إلى رستم بن الفرَّخزاد الأرمني[54].

 

كتب سعدٌ إلى أمير المؤمنين عُمرَ يصف له "القادسية" وما جاورها من البلدان، ويخبره أنَّ جميع مَن صالح المسلمين قبله من أهل السواد ألْبٌ لأهل فارس قد خفُّوا لهم، واستعدوا لقتالنا، ويخبره أيضًا أنَّ الفُرْس قد أعدُّوا جيشًا بقيادة رستم وأضرابه، وعسكروا في "ساباط" يحاولون إنغاضنا وإقحامنا، ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم، وأمرُ الله بعدُ ماضٍ، وقضاؤه مُسلِم إلى ما قُدِّر لنا وعلينا، فنسأل الله خيرَ القضاء، وخيرَ القدر في عافية[55].

 

تتابعتْ تعليمات عمر - رضي الله عنه - لسعد بن أبي وقاص كأنه يُدير المعركة، ويتحكَّم في حركة الجيش وسعد يُنفِّذ ما يُؤمر به[56]، فقد كتب عمر لسعد يقول: "لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم، ولا يأتونك به، فقد أُلْقي في رُوعي أنكم إذا لقيتم العدوَّ هزمتموهم، فاطرحوا الشك، وآثروا اليقين عليه، واستعِنْ بالله وتوكَّل عليه"، وأمره الوفاء بالعهد، وحذَّره من الغَدْر وعاقبته، وأمره أن يبعثَ إلى ملك الفُرس وفدًا من أهل الرأي والمناظرة والجلد، يدعونه إلى الإسلام[57].

 

المفاوضات بين المسلمين والفرس وأهم نتائجها:

بعث سعْد بن أبي وقاص إلى ملك الفرس يزدجرد وفدًا من أهل الرأي والقوَّة والشَّرَف يدعونه إلى الإسلام، سار الوفد الإسلامي من القادسية، فاجتاز مدينة ساباط جنوب غربي المدائن.

 

وصل الوفد إلى المدائن فالْتقى بقادة الفُرْس، وتحدَّث إليهم، فعَرَض عليهم الإسلام ودعاهم إليه، تحدَّث النعمان بن مقَّرِّن المُزني أحد رجال الوفْد إلى يزدجرد، ودعاه إلى الإسلام بلين ولطف، وبيَّن له فضلَ الإسلام ورحمته بالناس، وعدلـه وإنصافه، فقال: فنحن ندعوكم إلى دِيننا، وهو دين حسَّـن الحَسَن، وقبَّح القُبْح كلَّه، فإن أجبتم إليه خلَّفْنا فيكم كتابَ الله، على أن تَحْكُموا بأحكامه، ونَرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فالمناجزة[58].

 

اعتقد يزدجرد أنَّ حُسن أدب الوفد الإسلامي، وملاطفته في المناظرة دليلٌ على ضعْف المسلمين، فتطاول عليهم وأَخَذ يُذكِّرهم بحياتهم قبلَ الإسلام، وينعتهم بأنهم مِن أشْقَى الأمم، وأقلها عددًا، وأضعفها شأنًا، وأسوئها حالاً، فتصدَّى له المغيرة بن زرارة، فقال: يا هذا، إنك وصفْتَنا صِفةً لم تكن بها عالِمًا، فتحدَّث المغيرة عن حال العَرَب قبل دخولهم في الإسلام وما كانوا عليه، من ضلال وفُرْقة وذِلَّة، إلا أنَّ الله قد أبدلَ حالهم بالإسلام، فأصبحوا من أفضلِ الأمم عقيدةً، وأحسن الناس خُلقًا، تألَّفت قلوبهم، فاجتمعت كلمتُهم، واستقامتْ حالهم، وعزَّ جانبهم، ثم قال: إنَّ الله ورسوله أمَرضنا أن ندعوَ مَن يلوننا من الأمم إلى الإسلام، فاخترْ إن شئت أن تُسلِمَ فتنجي نفسك، أو تُعطيَ الجزية عن يدٍ وأنت صاغِر، أو السيف، فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا؟! قال: ما استقبلتُ إلاَّ مَن كلَّمني، ولو كلَّمني غيرُك ما استقبلتُك به، فغضب يزدجرد، وأخذتْه العِزَّة بالإثم، وكان سيِّئ الأدب، ضيقًا لجوجًا، لا يأخذ برأي ولا مشورة[59]، فأمر الوفد بالانصراف، وقال: لولا أنكم رسلٌ لقتلتُكم، ثم أمر بإحضار كيس من تُراب، فقال لرجاله: احملوه على أشْرف هؤلاء، فتسابق الوفدُ إلى حَمْله، وتفاءلوا به[60].

 

كان رستم قد عسكر بالجيش في ساباط، وأقام البريد بينه وبين المدائن؛ ليكونَ على اتصال دائم بالقيادة السياسية، وبات ينتظر نتيجةَ المفاوضات بين المسلمين وقيادته السياسية، وكان يتمنَّى ألاَّ يقع قتال بينه وبين المسلمين، غير أنَّ الرِّياح جرتْ بما لا تشتهي السُّفن، فقرَّر الذَّهاب إلى المدائن لمقابلة يزدجرد، فلم يجد لديه رأيًا سديدًا في المسألة، فرجع إلى ساباط كئيبًا غضبان، وكان منجِّمًا متشائمًا من قتال المسلمين، فأراد إطالةَ المكث في ساباط، لكن يزدجرد أزعجه بكثرة الرسائل والرسل، التي أخذتْ تحثُّه على المسير إلى القادسية لقتال المسلمين ومناجزتهم، لم يجدْ رستم بُدًّا من السَّيْر إلى القادسية، فسار بالجيش من ساباط متثاقلاً، وكان كلَّما مرَّ بمنزل رغيب خصيب نَزَل به، حتى وصل إلى النجف بعد أربعة أشهر مِن مخرجِه من المدائن، فعسكر بالجيش هناك، كان رستم يريد مطاولةَ المسلمين لعلَّهم يضجرون فيرحلوا، لكنَّ المسلمين وطَّنوا أنفسَهم على الصبر والمطاولة، فأقاموا واطمأنوا[61].

 

سار رستم من النجف فعسكر على نَهْر العتيق قُبالةَ جند المسلمين، فلمَّا استقرَّ في القادسية واطمأنَّ بها، أرسل إلى سعد بن أبي وقاص يَطلب أن يرسل إليه وفدًا يُفاوضه ويناظره، فأرسل إليه سعدٌ عددًا من الرجال يناظرونه ويَدْعونه إلى الإسلام، ويوضِّحون له سببَ مجيء المسلمين إلى العراق، منهم: ربعي بن عامر، وغيره من دُهاة العرب، وذوي الرأي فيهم، وصل رِبعي بن عامر إلى رستم، فقال له: ما جاء بكم....؟ قال رِبعي: إنَّ الله ابتعَثَنا؛ لنُخرِجَ مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومِن ضِيق الدنيا إلى سعتها، ومِن جَوْر الأديان إلى عَدْل الإسلام، فأرسلَنا بدِينه إلى خَلْقه ندعوهم إليه، قال رستم: قد سمعتُ مقالتكم، فهل لكم أن تؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظرَ فيه وتنظروا...؟ قال ربعي: نؤجِّلكم ثلاثةَ أيام، فانظرْ في أمرك وأمرهم، واخترْ واحدة من ثلاث: الإسلام، أو الجِزية، أو المناجزة[62].

 

تتابعتْ رسلُ سعد بن أبي وقَّاص على رستم، وكانوا على نَسَق واحد في صِدْق المقالة، ووضوح العبارة، وبلوغ الهدف، فقد دَعَوُا القوم إلى الإسلام، وقالوا لهم: فوالله، لإسلامُكم أحبُّ إلينا من غنائمكم[63]، غير أنَّ رستم أراد مطاولةَ سعد في اللِّقاء، فأرسل إليه يطلب رسولاً آخر، فأرسل إليه سعدٌ المغيرةَ بن شُعْبة، فلمَّا وصل المغيرة تحدَّث إلى رستم مؤكِّدًا مقالة مَن سبقه مِن رسل المسلمين، فاعتقد رستم أنَّ المسألة يمكن أن تُسوَّى بالمال، فتصدَّى له المغيرةُ، وحسم المسألة بقولـه: إنَّ الله بعث إلينا نبيه "فسعِدْنا بإجابته واتباعه، وأمَرَنا بجهاد مَن خالف أمرَنا، وأخبرنا أنَّ مَن قُتِل منا على دينه فله الجنة، ومَن عاش مَلَك وظَهَر على مَن خالفه، ونحن ندعوك أن تؤمن بالله وبرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتدخل في دِيننا، فإن فعلتَ كانتْ لكم بلادكم، ولا يدخل عليكم فيها أحدٌ إلاَّ مَن أحببتم، وإن أبيتَ ذلك، فالجزية عن يَدٍ وأنت صاغِر، وإن أبيت فالسيف بيننا وبينكم، والإسلامُ أحبُّ إلينا منهما، فاستشاط رستم غضبًا، وقال: لا صُلح بيننا وبينكم"[64]، فأصبح اللِّقاءُ العسكريُّ بين المسلمين والفرس أمرًا لا مفرَّ منه.

 

لم تحقِّق المفاوضات بين المسلمين وقيادتي الفُرْس السياسية والعسكرية أهدافَها الإسلامية في إقرار السلام في المنطقة، وكان لسلبية المفاوض الفارسي في المفاوضات دَورٌ رئيس في فشلها، وعلى الرغم من فَشَل المفاوضات في تحقيق الأهداف الإسلامية؛ إلا أنَّ رسل المسلمين نَجحوا في تبليغ دعوة الإسلام إلى قادة الفُرْس، وفي إنذارهم وإقامة الحُجَّة عليهم بوصول الدَّعْوة إليهم.

 

أحداث المعركة وأهم نتائجها:

عَبَر رستم بالجيش الفارسي نهر العتيق فنزل قبالة المسلمين على شفير العتيق، فكان عسكر المسلمين والفرس بين الخندق والعتيق[65].

 

استعدَّ سعد بن أبي وقَّاص لمنازلة الفُرْس ومناجزتهم، فلمَّا كان يومُ الاثنين السابع والعشرين من شهر شوال لسنة خمس عشرة للهجرة[66]، صلى سعْدٌ بالناس صلاةَ الظهر، ثم أَمَر القرَّاء أن يقرؤوا سورة الجِهاد[67] اقتداءً بالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا قُرئت هشَّت قلوبُ الناس، وذَرَفتْ عيونهم، ونزلت عليهم السكينة والطمأنينة، وتهيَّأت نفوسُهم لقتال عدوِّهم، ثم كبَّر سعد ثلاثَ تكبيرات؛ إيذانًا ببَدء المعركة باسم الله وفي سبيله.

 

كان سعد ابن أبي وقاص أجْرأَ الناس وأشجعَهم، نَزَل قصرًا غير حصين بين الصَّفَّيْن، فأشرف منه على الناس[68]، لكنَّ سعدًا لم يتمكَّن من قيادة المعركة في الميدان لجروح أصابتْه في مقعدته وفخذيه، غير أنَّه ظلَّ يخطط للمعركة ويشرف عليها، ويتابعها من تلٍّ مرتفع، وكان خالد بن عرفطة العذري يقود المعركة، وينفِّذ تعليماتِ سعد، ويبلغها للقادة العسكريين في الميدان[69].

 

يوم أرماث:

يُعرف اليوم الأول للمعركة بيوم أرماث، بدأ القتال فيه بعدَ الزوال، وكان قتالاً شديدًا ضاريًا، وقد استخدم الفُرْس فيه سلاح الفِيَلة، وهو سلاح فتَّاك يُخيف الإنسان، ويُفزع الخيول والإبل، التي لم تتعوَّد على رؤيته، فقد اشترك في المعركة ثلاثةٌ وثلاثون فيلاً، يتقدَّمها الفيل الأبيض وهو أقدمها، وكانت الفِيَلة تألفه، وكانتِ الفِيلة تحمل توابيت رُبطت بوضنها[70]، وفي داخلها الرِّجال معهم السِّهام والنبال، وكان عواء الفيل ومنظرُه وما يحمله من صناديق يُفزِع خيول المسلمين وإبلهم، فتَحيد وتُحجم، فلَقِي المسلمون منها أذًى كثيرًا، غير أنَّ المسلمين سدَّدوا ضرباتِهم للفيلة، فقطعوا وضنها، وكسروا توابيتها، وقتلوا أصحابها[71]، فاضطربتْ وولَّت الأدبار، واستمرَّ القتال، حتى غربتِ الشمس دون أن يتمكَّن أحدُ الفريقين من حَسْم المعركة لصالحِه، فلما ذهبت هدأة الليل تحاجز الفريقان، وتوقَّف القِتال، وذهب كلٌّ إلى معسكره.

 

يوم أغواث:

أصبح المسلمون على تعبئة واستعداد لاستئناف القِتال، ومنازلة الفرس في يوم أغواث، وهو اليوم الثاني للمعركة، وقد بدَأ المسلمون يومَهم بنقْل شهدائهم إلى وادي مشرق[72] ودفنهم في مقابر هُيِّئت لهم، ونقل الرثيث[73] إلى مكان هُيِّئ لعلاجِهم، فلمَّا استقلَّت الإبل بالشهداء والجَرْحى، وتوجَّهت بهم نحوَ "العذيب"، قَدِمت طليعة مدد الشام يتقدَّمها القعقاع بن عمرو، وذلك أنَّ أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - كتب إلى أبي عُبيدة بن الجرَّاح بالشام يأمره أن يمدَّ سعدًا بأهل العراق الذين قدِموا إلى الشام مع خالد بن الوليد، أرسل أبو عبيدة الجيش مع هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص ابن أخي سعد بن أبي وقاص، فجعل هاشم على مقدمته القعقاع، وطوى الأرض وتعجَّل، فقَدِم بفِرقته على المسلمين بالقادسية صبيحةَ يوم أغواث[74].

 

لَمَّا وصل القعقاعُ بن عمرو بفرقته إلى ميدان المعركة كان القِتال قد نشب بين المسلمين والفُرْس، فقام القعقاع بمناورة عسكرية لرفْع الرُّوح المعنوية لدَى جند المسلمين، فقد قسَّم فِرقته إلى فرق صغيرة، قوامُ كلِّ فرقة مائة رجل تدخل ميدان المعركة مكبِّرة، فيكبر المسلمون بتكبيرها، تتابعتِ الفِرق في دخولها، واستمرَّتْ جلجلة التكبير، فازداد المسلمون ثباتًا وقوَّة، ووهن الفُرْس، وقد حذَا حذوَ القعقاع قادة مدد الشام جميعهم[75].

 

لم تظهر الفِيَلة في ميدان المعركة يومَ أغواث لانشغال الفرْس بإصلاح التوابيت ووضنها، التي أصابها ضررٌ بالِغ يوم أرماث.

 

في يوم أغواث بَرْقَع المسلِمون إبلَهم فنفرتْ منها خيول الفرس وفزعت، فلحقهم أذًى كثير، وعندئذٍ سدَّد المسلمون ضرباتٍ قوية لقوَّات الفرس، وقتلوا كثيرًا من أعلامهم، وكان لأبي محجن الثقفي في يوم أغواث بطولةٌ وشجاعة، فقد كان فارسًا ذا بأس ونجدة، أخرج عبدالرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين: أنَّ أبا محجن كان لا يزال يُجلد في الخمر، فلمَّا أكثر عليهم سَجَنوه، وأوثقوه، فلمَّا كان يومُ القادسية رآهم يقتتلون، فكأنَّه رأى أنَّ المشركين قد أصابوا من المسلمين، فجعل يتمثل:

كَفَى حَزَنًا أَنْ تَرْتَدِي الْخَيْلُ بِالْقَنَا
وَأُتْرَكُ مَشْدُودًا عَلَيَّ وِثَاقِيَا

 

فأرْسل إلى امرأة سعد يقول لها: "إنَّ أبا محجن يقول لك: إنْ أخليتِ سبيلَه، وحملتِه على هذا الفَرَس، ودفعتِ إليه سلاحًا، ليكوننَّ أوَّلَ مَن يرجع إليك إلا أن يُقتل، فحلَّتْ عنه قيوده، وحمل على فَرَس كان في الدار، وأُعطي سلاحًا، فخرج يركض حتى لَحِق بالقوم، فقاتل قتالاً عظيمًا، وكان يكبِّر، ويحمل على مَن أمامه من الفُرْس، فيقتله ويدقُّ صُلْبه، وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قد نَزَل قصرًا بين الصفَّين، فصَعِد فوقَ البيت؛ لينظرَ ما يصنع الناس، فنظر إليه سعد، فجعل يتعجَّب منه، ويقول: مَن ذلك الفارس؟ فلمَّا توقَّف القتال رجع أبو محجن، ورد السلاح، وجعل رجليه في القَيْد كما كان، فلمَّا علم سعد بقصَّته، حلَّ قَيْده، وقال: لا أَجْلِدك في الخمر أبدًا، فقال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدًا[76].

 

وقد استمرَّ القِتال شديدًا إلى منتصف الليل، ثم توقَّف الفريقانِ عن القتال، وتحاجزوا[77].

 

يوم عَمَاس[78]:

كان أوَّل شيء عمِله المسلمون يومَ عَمَاس - وهو اليوم الثالث للمعركة - أن بدؤوا يومَهم بنقْل موتاهم إلى وادي المشرَّق ودفنهم، ونقْل جَرْحاهم إلى مكان خُصِّص لعلاجهم، أما قتْلَى الفرس فظلَّت بين الصَّفَّين، وكان الفُرس لا يتعرَّضون لموتاهم، فكان ذلك مما شدَّ الله به المسلمين، وأوهن الفُرْس[79].

 

كان القَعْقاع بن عمرو قد بات ليلةَ عَمَاس يُسرِّب أصحابه إلى خارج مَيْدان المعركة، دون أن يعلم به أحد، فلمَّا أصبح الناس يومَ عَمَاس، أقْبَلوا مائةً مائةً، كل فِرْقة تتبع أختها، وكلَّما دخلت فرقة كبَّرت، فكبَّر الناس بتكبيرها، وقد حذَا أخوه عاصمٌ حَذْوَه، فلما وصل أمير مددِ الشام هاشم بن عُتْبة بن أبي وقاص حذَا حذَوْهما، فتجدَّد رجاءُ الناس في النصر[80].

 

عادتِ الفِيلة مرة أخرى إلى مَيْدان المعركة في يوم عَمَاس، فلحق المسلمين منها أذًى كثير، مما جعل سعدَ بن أبي وقَّاص يُرسل إلى عدد من مُسلِمة الفُرْس، فسألهم عن مقاتِل الفِيَلة، فأخبروه بأنَّ مقاتلها في مشافِرها وعيونها، فأرسل سعدٌ إلى القعقاع وعاصم ابْنَي عمرو، فقال لهما: اكْفياني الفِيل الأبيض، وأرسل إلى حمَّال والرُّبيَّل الأسديين، وقال لهما: اكفياني الفِيل الأجرب، فقتلوا الأبيض، وأصابوا الأجرب، فصاح الفِيلان صياحَ الخِنزير، ثم ولَّى الأجربُ، فوثب في نهر العتيق، فاتَّبعه الفِيَلة فخَرَقتْ صفَّ الأعاجم، فعبرت العتيق في أثرِه، ووصلتْ إلى المدائن في توابيتها، وهلك مَن فيها[81]، فلمَّا ذهبتِ الفيلة، وخَلِي ميدان المعركة منها، تفرَّد المسلمون بالفُرْس، فاقتتلوا بالسيوف قتالاً شديدًا، لم يكن في أيام القادسية مثل يوم عَمَاس في البلاء والشِّدَّة والصبر، وقد صَبَر الفريقان فيه على ما أصابهم صبرًا شديدًا[82].

 

ليلة الهَرِيرِ:

لَمَّا جنَّ ليل عَمَاس لم يتوقَّف القتال، ولم يتحاجزِ الفريقان كعادتهما في يومي أرماث وأغواث، بل استقبلوا اللَّيل استقبالاً بعدَما صلَّى المسلمون العشاء، فاجتلدوا بالسيوف تلك الليلةَ من أولِها حتى الصباح، وقد انقطع الكلام بين المسلمين والفُرْس تلك الليلة، فكان كلامهم الهرير[83]، وقد أفرغ عليهم الصبر إفراغًا، ولم يكن قتالٌ بليل بالقادسية سوى ليلة الهرير، وتُعرف أيضًا بليلة القادسية من بيْن تلك الليالي، وقد قاتل المسلمون في ليلة الهرير في صفوفٍ ثلاثة، فصَفٌّ فيه الرجالة أصحاب الرِّماح والسيوف، وصفٌّ فيه المرامية، وصفٌّ فيه الخيول، وهم أمام الرجالة[84].

 

وقد استمرَّ القِتالُ ليلةَ الهرير الليلَ كلَّه، واشتدتْ ضراوته في الصباح.

 

انقطعتِ الأخبار في ليلة الهرير عن سعد ورستم، وبات سعدُ بن أبي وقاص بليلةٍ لم يَبِتْ مثلها في التلهُّف على أخبار المسلمين، والحِرْص على سلامتهم، فأقبل على الدعاء والصلاة، حتى الصباح[85].

 

يوم القادسية:

اشتدتْ وطأة القتال بين المسلمين والفُرس في صباح اليوم الرابع للمعركة، ويُعرف بيوم القادسية، وقد بلغ جهدُ الناس فيه مبلغًا كبيرًا، واشتدَّ البلاء، فاشتدَّ صبر المسلمين، وقويتْ عزائمهم، وأبلوا بلاء حسنًا في هذا اليوم، وكان للقعْقاع وأخيه عاصم، وخالد بن عرفطة وضرار بن الأزور، وجرير بن عبدالله البجلي وطليحة الأسدي، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وأضرابهم من أهل البلاء والشجاعة دَورٌ كبير في شدِّ أزْر الناس، وتقوية عزائمهم، وحثِّهم على الصبر والثبات في يوم القادسية.

 

فلمَّا كان وقتُ الزوال من هذا اليوم هبَّتْ رِيح شديدة، رفعتْ خيامَ الفُرْس عن مكانها، وألْقَتْ سرير رستم على الأرض، ومال الغُبار على الفُرْس، فتشاءم رستم من تلك الرِّيح، وبلغ منه اليأس في تحقيق النصر مبلغًا كبيرًا، فأصبح مذهولاً حائرًا، وبينما هو كذلك إذ وصَل القعقاع بن عمرو على رأس فِرقة صغيرة إلى مَقرِّ قِيادة الفُرْس، فعثروا بسرير رستم، فلمَّا أحسَّ رستم بهم، بادر إلى بغال كانتْ واقفةً، فاستظلَّ في ظلِّ بغل وحَمَلِه.

 

ضرب هلال بن عُلَفَّة التيميُّ الحَمَلَ الذي استظل به رستم، فهرب رستم إلى نهر العتيق، فرمى بنفسه فيه، وأخَذَ يعوم في الماء، فاقتحم عليه هلالٌ النهر فأخذ برِجْله، ثم خرج به إلى شاطئ النهر، وضرب جبينه بالسَّيف حتى قتلَه، ثم جاء به حتى رمى به بين أرْجُل البِغال، ثم صعد سرير رستم، فنادى: قتلتُ رستم وربِّ الكعبة، فلمَّا علم الفُرْس بمقتل قائدهم اضطربوا، وعمَّت الفَوْضى في عسكرهم، فحلَّت الهزيمـة بهـم، وهـرب الجاليـنوس والـهرمزان، ومهران الرازي، وغيرهم من قـادة الفرس.

 

أرسل سعد بن أبي وقاص في أثَر الجالينوس فرقةً بقيادة زهرة بن حوَّية التميمي، فأدركه زهرة عند الخرَّارة فقتلَه[86].

 

من نتائج معركة القادسية:

انتهتْ معركة القادسية بعدَ قتال شديد بين المسلمين والفُرْس، دام أربعةَ أيام وثلاثَ ليال بنصرٍ حاسِم للمسلمين، وقد ترتَّب على انتصار المسلمين في القادسية نتائجُ مهمَّة على مجريات الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة، وعلى سَيْر الدعوة الإسلامية فيها، ومِن تلك النتائج ما يلي:

1- تُعدُّ معركة القادسية من المعارك الفاصِلة في تاريخ الشَّرْق، فقد نَتَج عن انتصار المسلمين في المعركة نتائجُ مهمَّة على جوانب الحياة السياسية والدينية والمدنية في تاريخ الشَّرْق بصورة عامة، وفي تاريخ الفُرْس على وجه الخصوص، فقد تقلَّص نفوذ آل ساسان عن العِراق، فباتَ إحدى الوحدات السياسية والجغرافية لخريطة الدولة الإسلامية.

 

2- قرَّرت القادسيةُ مصيرَ العراق، ومصيرَ الدعوة الإسلامية فيه، فقد خضع خضوعًا مباشرًا لدولة الخِلافة الراشدة، ممَّا ساعد المسلمين على نشْر الدعوة الإسلامية، وإبلاغها للناس في العراق، فقدِ اعتنق الإسلام أربعةُ آلاف من جُند رستم عَقِب المعركة مباشرةً، وكذلك وَفَد على سعد بن أبي وقاص كثيرٌ من قبائل العرب المقيمة على ضِفاف الفُرات، فأعلنوا إسلامهم، وكذلك أسلم عددٌ من سكَّان العراق ودهاقينه[87].

 

3- كان انتصار المسلمين في القادسية بدايةً لانتصارات إسلاميَّة لاحِقة في المنطقة، كان من أهمها فتْح "المدائن" - عاصمة الفُرْس - في شهر صفر سنة ست عشرة للهجرة، ووقوع معركة جلولاء، وفتح حلوان في ذي القعدة من السَّنَة نفسها[88].

 

4- كانت بلاد العراق التي فتَحَها خالد والمثنَّى قد نقضتْ عهودها وذممها سوى أهل بانيقيا وبسما، وأهل أليس الآخِرة، فلمَّا انتصر المسلمون في القادسية عاد الجميع، وادَّعوا أنَّ الفُرْس قد أجبروهم على نقْض العهود، فقَبِل منهم المسلمون ذلك، وصدَّقوهم تألفًا لقلوبهم[89]، فصار أهل السواد من الفلاَّحين وغيرهم أهلَ ذِمَّة وعهْد، وبذلك استتب الأمن في العراق، واستقرَّت الأوضاع العامة فيه، وصار دارَ إسلام وأمن وسلام.

 

5- غَنِم المسلمون في معركة القادسية غنائمَ كثيرةً كان مِن ضمنها رايةُ فارس الكبرى - درفش كابيان - وهي رايةٌ مصنوعة من جلود النمور، طولها اثنا عشر ذراعًا، في عَرْض ثمانية أذرع على خشب طوال موصول، وكانتْ مرصَّعة بالياقوت واللؤلؤ، وأنواع الجواهر[90].

 

فتح المدائن:

أقام سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - في القادسية شهرين، حتى استجمَّ وأراح جُندَه وظهره، واستقرَّت الأوضاع العامَّة في المنطقة، ثم سار بالجيش نحوَ المدائن الغربية (بهرسير) متبعًا في ذلك تعليماتِ الخليفة عمر - رضي الله عنه.

 

وقد ترك سعدٌ في القادسية فِرقةً من الجيش لحماية نِساء المسلمين وذراريهم، ولحماية ظهْر المسلمين، وإقرار النِّظام في المنطقة، وصل سعد إلى بهرسير في ذي الحجَّة سنة خمس عشرة للهجرة، فوجدَها محصَّنة ذات أسوار عالية، ودفاعات قوية[91].

 

أرسل سعد عِدَّة فرق عسكرية تجوب المنطقة، فلم تجد أثرًا للجيش الفارسي، بل وجدتْ مائة ألف فلاَّح، فاستفتى الخليفة في شأنهم، فتَرَك أمرهم إليه، فعفَا عنهم سعد، ورفق بهم، وأحسن صُحبتهم، وضَرَب عليهم الجزية، وتَرَك أرضهم بأيديهم؛ تألُّفًا لقلوبهم، فسعِد الناس بحكم الإسلام، وأمنوا، واغتبطوا، واستقبلوا الخَراج[92].

 

أرسل سعد إلى أهل (بهرسير) سلمان الفارسي يدعوهم إلى واحدة من ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فامتنعوا أشدَّ الامتناع، واستعدُّوا للقتال، فنصبوا المجانيق والعرادات على المسلمين. ضرب سعد على (بهرسير) الحِصارَ، واستعد لقتالهم، فأمر بصُنع عشرين منجنيقًا نصَبَها على بهرسير، وكذلك أمر بصنع عدد من الدبابات[93] من الجلود والخَشَب وصفيح الحديد.

 

اشتدَّ الحال بأهل (بهرسير)، ونفذتِ المؤن فيها، فغادروها إلى المدائن الشرقيَّة، دخل سعد (بهرسير)، وأخضعها لسيادة الدولة الإسلامية، وكان ذلك في شهر صفر سنة ست عشرة للهجرة[94]، وبذلك أصبح المسلمون على مشارِف المدائن الشرقية - طيسفون - لا يفصلهم عنها سوى نهر دجلة.. لمَّا علم يزدجرد بقُرْب المسلمين من عاصمته غادرها إلى حلوان، فأقام فيها مع حاشيته وكِبار رِجال دولته[95].

 

ظلَّ سعد أيامًا في بهرسير يبحث عن سُفن؛ ليحملَ الجند عليها إلى المدائن الشرقية - طيسفون -فوجد الفرس قد رفعوا المعابر، وضمُّوا السفن إلى - الفراض- على الشاطئ الشرقي لدجلة، وأحرقوا الجِسْر، فاغتمَّ سعد والمسلمون إذ لم يجدوا إلى العبور سبيلاً، فدَلَّ علج من أهل المدائن سعدًا على مخاضة تُخاض إلى صُلْب الوادي، فتردَّد سعد في عبور دجلة عن طريقها، وبينما هو كذلك إذ فجأ المسلمين المدّ، فقد طفحتْ دجلة بماء لم يُرَ مثله قطُّ تتابع صيفها، فاسودَّ ماؤها ورمتْ بالزبد[96]، لكنَّ سعدًا لم يَيْئس من رَوْح الله، ولم يَخْلُد إلى الراحة، بل أخذ يفكِّر في المسألة ويشاور فيها، وبينما هو كذلك إذا رأى رؤيا، فقد رأى أنَّ خيولَ المسلمين اقتحمتْ دجلة فعبَرَتْ، وقد أقبلتْ من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه ولتعذُّر الحصول على شيء من وسائل العبور على خوْض دجلة بالخيل، فأخبر جنده واستشارهم في ذلك؛ فقالوا له: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل[97]، فنَدَب سعد الناس إلى العبور، ورسْم خُطَّة عسكرية بارعةً لعبور نهر دجلة، وذلك بإقامة رأس جِسْر من فرسان المسلمين على الشاطئ الشرقي لدجلة، تضرب قوَّة العدو المرابطة هناك وتدمِّرها، وقد عهد سعدٌ تنفيذ خُطَّته العسكرية إلى كتيبتي الأهوال والخرساء، وكان أوَّل مَن عَبَر النهر ستون فارسًا من أهل البأس والشجاعة من كتيبة الأهوال يتقدَّمهم قائدهم عاصم بن عمرو، فاشتبكوا مع فرسان العدو، وأزالوهم عن - الفراض - واستولوا عليها، ثم عَبَرتْ بقية الكتيبة النَّهر، ثم تقدَّمت كتيبة الخرساء بقيادة القعقاع بن عمرو فعبرت النهر[98].

 

باتتِ الكتيبتان تمثلان رأسَ جسر من فرسان المسلمين على الضِّفَّة الشرقية لدجلة، وأصبحتَا قادرتين على حماية المسلمين خلال عبورهم النهر، لمَّا اطمأنَّ سعد على نجاح خطته العسكرية بعبور كتيبتي الأهوال والخرساء نهرَ دجلة بأمْن وسلام، أذِنَ للجيش بنزولهم الماء وعبورهم النهر، وأمرهم أن يقولوا عند دخولهم الماء: نستعين بالله، ونتوكَّل عليه، حسبُنا الله ونِعم الوكيل، لا حولَ ولا قُوَّة إلا بالله العلي العظيم، ثم اقتحم سعدٌ بفَرَسه دجلة، واقتحم الناس على أثَرِه لم يتخلَّف أحد، فساروا في النهر كأنَّما يسيرون على وجه الأرض، فعامتْ بهم الخيل[99]، وأخذ الناس يتحدَّثون على وجه الماء، كما يتحدَّثون على وجه الأرض، وذلك لِمَا حصل لهم من الطمأنينة والسكينة والأمْن، والوثوق بأمر الله ووعده، ونصره وتأييده[100].

 

كان سلمان الفارسي يساير سعدًا في الماء ويتحدث معه، فجعل سعدٌ يقول: حسبُنا الله ونِعم الوكيل، والله لينصرنَّ الله ولِّيه، وليظهرنَّ الله دِينَه، وليهزمنَّ عدوَّه، إن لم يكن في الجيش بَغْي أو ذنوب تغلب الحَسَنات[101].

 

كان سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - مجابَ الدعْوة، فدعَا لجيشه بالسلامة والنصْر[102]، فعَبَر المسلمون دِجلةَ بأمْن وسلام، لم يفقدوا شيئًا، ولم يغرقْ لهم أحد[103]، وقد فجأ المسلمون أهلَ المدائن ومَن انضوى إليهم من فلول القادسية وبهرسير بأمر لم يكن في حسبانهم؛ إذ كانوا يعتقدون أنهم في عِصمة من المسلمين بدِجلة، لا سيَّما أنَّهم قد سحبوا السفن والمعابر، وأحرقوا الجسر، وأنَّ دجلة في ذلك الوقت قد طفحت بماء لم يُرَ مثله قط، فلمَّا رأى الفُرْس المسلمين على الجانب الشرقي لدجلة أصابهم الذُّعْر والخوف، فانطلقوا لا يَلْوُون على شيء[104].

 

كانت كتيبتَا الأهوال والخرساء أوَّل مَن دخل المدائن، فجاسوا في سِككها، فلم يجدوا فيها أحدًا، وذلك أنَّ كثيرًا من أهلها قد غادروها إلى جلولاء وحلوان، ومَن بقي منهم في المدائن الْتجأ إلى القصْر الأبيض يحتمي به، أحاطتِ الكتيبتانِ بالقصر الأبيض، وضربتَا عليه الحِصار، فلمَّا وصل سعدٌ بالجُند إلى المدائن أرسل سلمانَ الفارسيَّ إلى أهل القصر يعرض عليهم واحدةً من ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فاختاروا الجِزية والذِّمَّة، وطلبوا الصُّلح، فصالحهم سعد، واستثنى من ذلك ما كان لآل كسرى، ومَن خرج معهم فهو غنيمةٌ للجيش ولبيت مال المسلمين[105].

 

دخل سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - القصر، فلمَّا انتهى إلى إيوان كسرى قرأ قوله – تعالى -: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الدخان: 25 - 28]، وقد صلَّى سعدٌ في الإيوان صلاةَ الفتح[106]، واتخذه مسجدًا جامعًا[107].

 

كان فتْح المدائن في شهر صفر سَنةَ سِتَّ عشرةَ للهجرة، وكان أعجبَ شيء في فتح المدائن ركوبُ المسلمين الماء، وعبورُهم نهْرَ دجلة بأمْن وسلام في وقت فيضانه وطفحِه، وكان ذلك من لُطفِ الله، وحُسْنِ تدبيره.

 

كان يومُ عبور المسلمين دجلة يُعرف بيوم الماء، ويوم الجراثيم، وذلك أنَّه كان إذا أعيَا أحدٌ من جند المسلمين في الماء نشزتْ له جُرثومة من الأرض يستريح عليها كأنَّه على وجه الأرض[108].

 

وقفات مع فتح المسلمين للمدائن:

أوردتْ مصادر التاريخ الإسلامي خبرَ عبور المسلمين دجلة، وفتحهم للمدائن دون أن يستخدموا وسيلةً من وسائل عبور الأنهار، أو الأودية العميقة، ولم يَسْكُروا دجلة خلالَ عبورها، كما فعل رستم "بنهر العتيق" لَمَّا عَبَره بجيشه إلى المسلمين بقديس.

 

ذكرتْ كتب البلدان أنَّ المدائن القصوى "طيسفون" تقع على الجانب الشرقيِّ لدجلة، فلمَّا فتح المسلمون "المدائن الغربية - بهرسير" صار دجلة يحول بينهم وبيْن "المدائن القصوى".

 

هذا، وقد ورد في كُتب السُّنَّة وفي عدد من مصادر التاريخ الإسلامي نصوصٌ متعلِّقة بفتح المسلمين "للمدائن القصوى" يمكن الاستئناسُ بها كشاهد ودليل على أنَّ فرسان المسلمين اقتحموا دجلة بالخَيْل وهي تطفح بماء كثير، فقد عامتْ بهم الخيل، فخرجتْ إلى الجانب الشرقي لدجلة وهي تنفض أعرافَها لها صهيل.

 

ولعلَّ من المفيد للموضوع بعدَ قراءة تلك النصوص وغيرها ممَّا له صلة "بالمدائن القصوى" وفتحها، تدوين عددٍ من النِّقاط خلال الفِقْرات الآتية:

1 - موقع المدائن القصوى - طيسفون:

تقع المدائن على جانِبَي دجلة شرقًا وغربًا، ودجلة يشقُّ بينهما، وهي عبارةٌ عن عِدَّة مدن سُمِّيت بذلك لكثرة ما بَنَى بها الملوكُ من قصور، وتركوا من آثار عديدة، وتُعرف "المدائن" التي يوجد بها الإيوان وأبيض كسرى الذي ورَدَ ذِكْره في الحديث. بـ "أسْبانْبُر"، وتُسمَّى بعدة أسماء، منها: "المدائن القصوى - والمدينة الشرقية العتيقة - وطيسفون"، وهي تقع على الجانب الشرقي لدجلة.

 

أما الجانب الغربيُّ لدجلة فيقع عليه مِن مدن المدائن "بهرسير"، وتُسمَّى بــ"المدائن السفلى"، و"بالمدائن الغربية"، وعلى فرسخ من أسفلها "ساباط"[109]، فلما فتح المسلمون "بهرسير" أصبحوا على الجانب الغربي لدجلة.

 

ومِن المقطوع به أنْ ليس للمسلمين طريقٌ إلى المدائن إلاَّ باجتياز دجلة، وليس لفرسان المسلمين من وسيلة لعبوره إلا بخَوْضه[110]، فقد رفع الفُرْس المعابرَ، وأحرقوا الجِسْر، وضمُّوا السفن إلى "الفراض" الواقعة على الجانب الشرقي لدجلة.

 

2 - بشارة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفتح المدائن:

بشَّر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابه أنَّ الله أعطاه مفاتيحَ فارس، وأنه أبْصر أبيض كسرى في المدائن، ممَّا يُوحِي بأنَّ أمَّته تفتح المدائن، وكان لهذه البشارة، ولتأويل رؤيا سعد، ولتعذُّر حصولِ المسلمين على شيء من وسائل العبور أثرٌ رئيس في عزيمة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وفرسان المسلمين على خَوْض دجلة.

 

وقد وردتْ تلك البشارة في غزوة الأحزاب خلالَ حَفْر المسلمين للخندق، فقد عَرَضتْ للمسلمين في بعض الخندق صخرةٌ بيضاء كَسَرتْ معاولهم، فاشتكوا إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخذ المِعْوَل، فقال: ((بسم الله، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال: الله أكبر! أُعطيتُ مفاتيحَ الشام، والله إني لأُبْصِر قصورَها الحُمْر الساعة، ثم ضَرَب الثانية، فقطع الثلث الآخر، فقال: الله أكبر! أُعطيت مفاتيحَ فارس، والله إني لأُبْصِر المدائن أبيض... الحديث))، وقد أشار ابن حجر إلى أنَّ البيهقيَّ أخرج الحديث مطوَّلاً، وفيه زيادة قال - عليه الصلاة والسلام - : ((فأخبرني جبريلُ أنَّ أمتي ظاهرةٌ عليهم... وفي آخِره: ففَرِح المسلمون واستبشروا))[111].

 

فلمَّا توجَّه المسلمون بقيادة سعْد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - إلى فتح المدائن الشرقية - طيسفون - عرضتْ لهم دجلة وهي تطفح بماء كثير، وكان الفُرْس قد رفعوا المعابرَ والقناطر وأحرقوا الجسر، وضمُّوا السفن إلى "الفراض" على الجانب الشرقي لدجلة[112]، وبذلك تعذَّر على المسلمين تحصيلُ شيء من وسائل العبور، بَيْد أنَّ سعدًا وفرسان المسلمين لم ييأسوا مِن رَوْح الله، ولم يَخْلُدوا إلى الأرض، فقد كانوا موقِنين بتحقُّق بشارة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفتح المدائن، وكانوا يَرْجُون أن تتحقَّق على أيديهم، فلمَّا عزم سعد على خوض دجلة بالخيل عرض المسألة على فرسان المسلمين، فقالوا - وهم موقِنون بنصر الله وتأييده -: "عَزَم الله لنا ولك على الرُّشْد، فافعل"، وكان أبيض كسرى قد لاحَ للمسلمين ليلاً، وهم في "بهرسير" على الجانب الغربي لدجلة، فلمَّا رأوه، قالوا: "الله أكبر! أبيض كِسرى، هذا ما وعَدَنا الله ورسوله"، وأخذ الناس يُكبِّرون إلى الصبح[113].

 

فَكان فرسان المسلمين خلالَ خوْضهم دجلةَ يتحدَّثون كما يتحدَّثون على وجه الأرض، وذلك لِمَا حصل لهم من الطُّمأنينة والأمْن، والوثوق بأمر الله ووَعْده، ونصْره وتأييده[114].

 

3 - إخبار الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّ أمَّته ستُنفق كنوز كِسرى في سبيل الله:

أخبر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابه بأنَّ أمَّته ستنفق كنوز كسرى في سبيل الله، ممَّا يوحي بأنَّ المسلمين سيفتحون بلاد فارس ويملكونها، لا سيَّما حاضرة بلادهم، وقصبة مُلْكهم، ومقر خزائنهم وكنوزهم "المدائن - طيسفون"، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أصحابَه: أنَّ الله زوى له الأرض، فرأى مشارقَها ومغاربها، وإنَّ مُلْك أمته سيبلغ ما زُوي له، وأخبر - عليه الصلاة والسلام -: أنَّه أُعطِي الكَنْزين الأحمر والأبيض، وهمَا الذهب والفضَّة؛ كنزي قيصر وكسرى.

 

كان الصحابةُ والتابعون لهم بإحسان موقِنين بأنَّ ما أخبر عنه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسند صحيح سيقع كفَلَق الصُّبح.

 

وكان ممَّا شجَّع فرسانَ المسلمين على خوْض دجلة بالخيل لَمَّا تعذر عليهم تحصل شيء من وسائل العبور، يقينهم بتحقيق موعود الله ورسوله بنصْر عبادِه المؤمنين، واستخلافهم في الأرْض، وقد قال سعدُ بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - وهو يخوض دجلة: "والله لينصرنَّ الله ولِّيه، وليُظهرنَّ دِينَه، وليهزمنَّ عدوَّه، إن لم يكن في الجيش بغي، أو ذنوب تغلب الحسنات"[115].

 

وقد ورد خبرُ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإنفاق كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله، وأنَّ مُلْك أمته سيبلغ ما زُوِي له في السُّنَّة النبوية بسند صحيح.

 

ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((إذا هلك كسرى فلا كسرى بعدَه، وإذا هلك قيصرُ فلا قيصر بعدَه، والذي نفسي بيده لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله))[116]، وفي مسند الإمام أحمد: ((لا كِسْرى بعدَ كسرى، ولا قيصر بعد قيصر، والذي نفسي بيده لينفقنَّ كنوزهما في سبيل الله))[117].

 

وفى صحيح مسلم عن ثوبان - رضي الله عنه - في حديث طويل: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها،..... وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي، وأُعْطِيت الكَنْزين؛ الأحمر والأبيض... الحديث))[118].

 

لم تكن الغنائم سببًا للفتوحات الإسلامية، بل كانتْ من الخصائص التي فُضِّلت بها أمَّة محمَّد على مَن سبقها مِن الأمم، فأُحِلَّت لها.

 

كان من نتائج انتصار المسلمين في معركة القادسية أن غَنِم المسلمون من الفُرس غنائمَ كثيرة، لكنَّ كنوزَ كِسْرى، مثل: تاجه وثيابه، وحليته وأمواله، وغيرها، لم يغنمها المسلمون إلاَّ بعد فتح المدائن، فكان فتْح المدائن تحقيقًا لبشارة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفتحها، وتصديقًا لخبره بإنفاق كنوز كِسْرى في سبيل الله.

 

وقد تحدَّث الطبريُّ وغيره من مؤرِّخي المسلمين عن كنوز كسرى التي غَنِمها المسلمون بعد فتحهم للمدائن، فذكروا أصنافًا عديدة... مما يدلُّ على كثرتها وتنوُّعها[119].

 

4- أن أمير جيش المدائن كان مجاب الدعوة:

كان أمير جيش المدائن: سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - من السابقين إلى الإسلام، ومِن المهاجرين الأوَّلين، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة، وممَّن فداه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأبويه، فقال له: ((ارم فداك أبي وأمي))[120]، وقد تُوفِّي - عليه الصلاة والسلام - وهو راضٍ عنه [121]، ودعا له فقال: ((اللهم أَجِبْ دعوتَه، وسدِّد رميته))، وفي رواية: ((اللهم سدِّدْ سهمَه، وأجِب دعوته))[122]، وفي رواية: ((اللهمَّ استجِبْ لسعد إذا دعاك))[123]، وفي أخرى: ((اللهم سدِّد سهمَه، وأجِبْ دعوته))، فكان سعدٌ لا يدعو إلاَّ استجيب له[124]، وكان مجابَ الدعوة، مشهورًا بذلك[125]، يقول ابن كثير: "والمقطوع به أنَّ سعدًا دعَا لجيشه بالسلامة والنصر، فسدَّدهم الله وسلَّمهم[126].

 

وكان سعدٌ قد قال لفرسان المسلمين لَمَّا أذِن لهم في اقتحام دجلة: قولوا: "نستعين بالله، ونتوكَّل عليه، حسبُنا الله ونعم الوكيل، لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم".

 

وكان سلمان الفارسيُّ يساير سعدًا في الماء، فكان سعدٌ يقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل، واللهِ لينصرنَّ الله وليه، وليظهرنَّ دينه، وليهزمن عدوَّه، إن لم يكن في الجيش بغيٌ، أو ذنوب تغلب الحسنات"، فقد خاض فرسانُ المسلمين دجلة، فعامتْ بهم الخيل، فخرجتْ تنفض أعرافَها لها صهيل، لم يفقدوا شيئًا، ولم يَغْرَقْ لهم أحد[127].

 

5 - أن تاريخ الطبري يعد من المصادر الأصلية في أخبار فتح العراق:

أورد الطبريُّ أخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العِراق مفصَّلة في الغالب، فمن ذلك ذكْرُه للوسائل التي استخدمها المسلمون والفُرس في حَرْبهما إذا اعترض طريقهما مجْرَى مائي من نهر ونحوه، فذكر: أنَّ خالد بن الوليد - رضي الله عنه - حمل جنده في السُّفن لما توجَّه إلى الحيرة، وعقد ابن صلوبا لأبي عبيد بن مسعود الثقفي جِسرًا على الفُرات، عَبَر عليه وجندُه إلى الجيش الفارسي في قس الناطف، وأذِن المثنَّى بن حارثة لقائد الجيش الفارسي لأنْ يعقدَ جسرًا على الفرات عَبَر عليه بجنده إلى المسلمين في البويب.

 

وفي معركة القادسية أَذِن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لرستم: أن يَعْبُر بالجيش الفارسي نهرَ العتيق، فأراد رستم أن يَعْبُر من خلال القنطرة، فقال سعد: "لا، ولا كرامة، أمَّا شيء غلبْناكم عليه فلن نردَّه إليكم، تكلَّفوا معبرًا غير القناطر"، فأمر رستم بالمَعْبر أن يُسْكَرَ، فبات ليلته يَسْكُر بالزرع والقصب والتراب، حتى أصبح وقد تَرَكه جسرًا[128].

 

لكنَّ الطبري وغيره من مؤرِّخي المسلمين لم يذكروا أنَّ سعدًا - رضي الله عنه - استخدم وسيلةً من وسائل عبور الأنهار المعروفة في ذلك العصر: (السفن. المعابر. الجسور. القناطر)؛ لأنَّ الفُرس - كما ذكر البلاذري والطبري، وأبو نعيم وابن الجوزي، وابن الأثير والذهبي، وابن كثير - رفعوا المعابرَ، وضمُّوا السفن إلى الفراض على الشاطئ الشرقي لدجلة، وأحرقوا الجسر؛ لكيلا يدخلَ عليهم أحدٌ من المسلمين.

 

وذكر الطبري: أنَّ جندَ المسلمين الذين عَبَروا دجلة، وفتحوا المدائن، كلهم كان فارسًا ليس فيهم راجل، فخاضوا دجلةَ على الخيل، فلمَّا وصلوا الفراض على الجانب الشرقي لدجلة أرسل سعدٌ السفن تأتي بالناس والدواب والأثقال[129].

 

6 - اختلاف المصادر حول عبور فرسان المسلمين دجلة عن طريق المخاضة:

ورد ذكر المخاضة في عدد من مصادر التـاريخ الإسلامي عـندَ ذكْرهم فـتْح المدائن الشرقية، إلاَّ أنَّ تلك المصادر تعدَّدت وجهاتُ نظرها حولَ عبور الجيش الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - دجلة عن طريقها، فالطبري، ومَن أخذ عنه من مؤرِّخي المسلمين - وهم كثير - ذكروا: أنَّ عِلجًا من أهل المدائن دلَّ سعدًا على مخاضة[130] تُخاض إلى صلب الوادي، فتردَّد سعدٌ في عبور دجلة عن طريقها، وبينما هو يفكِّر في الأمر، إذ فجأ المسلمين السيل، وطفحت دجلة بماء لم يُرَ مثله، ورمت بالزبد من كثرة الماء بها، ثم إنَّ سعدًا رأى رؤيا أنَّ خيول المسلمين اقتحمتْ دجلة فعبرت، وقد أقبلتْ من المد بأمر عظيم، فعزم سعدٌ - لتأويل رؤياه ولتعذُّر حصول المسلمين على شيء من وسائل العبور - على عبور دجلة بالخيل، فشاور فرسانَ المسلمين في ذلك، فقالوا: "عزم الله لنا ولك على الرشْد، فافعل".

 

ذكر قدامة بن جعفر: "أنَّ المسلمين عبروا دجلةَ خوضًا إلى الجانب الشرقي"[131].

 

وذكر البلاذري: أنَّ سعدًا لمَّا لم يجد معابر دُلَّ على مخاضة عند قرية الصيادين، فأخاضوها الخيل[132].

 

بينما ذكر البغدادي: أنَّ علجًا من أهل المدائن دلَّ سعدًا على مخاضة بقطْرَبُّل، فخاضها المسلمون، حتى انتهوا إلى ساباط[133].

 

من خلال ما ذَكَره البلاذري والبغدادي، فإنَّ المخاضة التي خاضَها المسلمون عند قرية الصيادين وطسوج. قطْرَبُّل[134]، قد استلمهم إلى "ساباط" الواقعة أسفل "المدائن الغربية" على الجانب الغربي لدجلة، وبذلك لا تزال دجلة تحول بين المسلمين والوصول إلى المدائن القُصوى التي يوجد بها الإيوان، والقَصْر الأبيض.

 

وبما أنَّ الفرس ضمُّوا السفن إلى الفراض[135] على الجانب الشرقي لدجلة، ورفعوا المعابرَ، وأحرقوا الجسر، فقد تعذَّر على المسلمين تحصيلُ شيء من وسائل العبور، فلم يكن أمامَهم سوى الخيل لعبور دجلة، أو العوم في النهر، وقد ذكر الطبري: أنَّ المسلمين خاضوا دجلةَ، حيث عامتْ بهم الخيل إلى الجانب الشرقي منه، فخرجتْ تنفض أعرافها لها صهيل[136].

 

وَصَف الطبري اقتحامَ المسلمين دجلة بالخيل: "بأنه لم يكن بالمدائن أمرٌ أعجب من ذلك"[137]، ووصفه ابن كثير: "بأنه كان يومًا عظيمًا، وأمرًا باهرًا، وخَطْبًا جليلاً، وخارقًا باهرًا، ومعجزةً لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خَلَقها الله لأصحابه، لم يُرَ مثلها في تلك البلاد"[138]، فاقتحام فرسان المسلمين دجلة بالخيل يُعدُّ جُرْأةً نادرة، أعجزتِ الفُرسَ عن صدِّ المسلمين، وهذا مما يؤكِّد أنَّ فرسان المسلمين عبروا دجلة خوضًا بالخيل، فمصادر التاريخ الإسلامي التي تحدَّثتْ عن فتح المدائن لم يَرِدْ فيها ذكْرُ وسيلة استخدمها فرسان المسلمين لعبور دجلة سوى خوضها بالخيل.

 

معركة جلولاء وفتح حلوان:

كانت فلول الفُرْس في القادسية وبهرسير والمدائن قد تملَّكها الخوف، فانطلقوا لا يلوون على شيء، حتى وصلوا إلى جلولاء، فرَأَوْا أنَّ ما بعدها مفترق سبل، فقرَّروا التجمع فيها، والتصدي للمسلمين، وإعادة ترتيب أوراقهم وخططهم العسكرية، فخَنْدقوا على أنفسهم، ورموا حولَ الخندق ممَّا يلي المسلمين حسكَ الحديد؛ لكيلا تقدمَ عليهم خيل المسلمين، واستعدُّوا لملاقاتهم وقتالهم بقيادة مهران بن بهرام الرازي[139] أحد قادة الفُرْس في القادسية، لكنَّ المسلمين فوَّتوا الفرصةَ عليهم، وذلك أنَّ سعد بن أبي وقاص لمَّا بَشَّر أمير المؤمنين عمر بفتح المدائن، أخبره بتجمُّع الفرس في جلولاء، فأمره بالبقاء في المدائن، وأن يرسلَ ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص على رأس جيش إلى جلولاء.

 

سار هاشم بن عتبة بالجيش من المدائن، وكان فيه وجوه المهاجرين والأنصار، وقادة العرب وفرسانهم[140]، لمَّا وصل هاشم إلى جلولاء حاصر جموعَ الفُرْس، وأحاط بخندقهم، فأراد الفُرْس مطاولة المسلمين، فكانوا يقاتلون، فإذا حَمِي القتال عادوا إلى خندقهم، لكنَّ القتال اشتدتْ وطأتُه، فتقاتل الفريقان قتالاً شديدًا يشبه قتالَهم في ليلة الهرير بالقادسية، حتى إنَّ المسلمين صلوا الظهر إيماءً[141]، غير أنَّ هاشم بن عُتبة، والقعقاع ابن عمرو، وطليحة الأسدي، وأضرابهم مِن أهل البأْس والشجاعة والصبر تمكَّنوا من تحطيم قوَّة الفُرْس، وإنهاء المعركة، ودخول جلولاء وفتحها.

 

فلمَّا علم يزدجرد بذلك غادر حلوان إلى إقليم الجِبال، فوصل إلى الري، وأقام بها[142].

 

أرسل هاشم بن عتبة فِرقة بقيادة القعقاع بن عمرو لملاحقة فلول الفُرْس، فأدرك مهران الرازي فقتله، ثم وصَل القَعْقاع بن عمرو إلى حلوان، ففتحها وأقام بها، ودعا أهلَها ومَن حولها مِن المدن والقرى إلى الإسلام، فأبوا فضَرَب عليهم الجزية.

 

كانت وقعة جلولاء وفتح حلوان في ذي القعدة سنة ست عشرة للهجرة[143].

 

الخاتمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، والصلاة والسلام على مَن بعث رحمةً للعالمين؛ نبينا محمَّد، وعلى آله وصَحْبه ومَن سار على هديه واتَّبع سنته... أما بعد:

 

فإنَّ قراءة النصوص التاريخية الواردة في تاريخ الطبري "تاريخ الرسل والملوك"، أو "تاريخ الأمم والملوك" عن معركة القادسية وفتح المدائن، ودراستها، نَتَج عنها نتائجُ عديدة، يمكن رصْد عدد منها من خلال النقاط الآتية:

1- يعد تاريخ الطبري "تاريخ الرسل والملوك"، أو "الأمم والملوك" مصدرًا أصليًّا في أخبار الفتوحات الإسلامية في جبهة العراق، وتُعدُّ مرويات سيف بن عمر أحدَ المصادر الأساسية التي اعتمد عليها الطبريُّ في تدوين أحداث معركة القادسية، وفتْح المدائن، فقد بلغتْ مرويات سيف بن عمر التي أوردها الطبريُّ عن معركة القادسية، وفتح المدائن، ومعركة جلولاء، وفتح حلوان مائتين وإحدى وعشرين رواية، وعلى الرَّغْم من أنَّ سيف بن عمر لم يحظَ بتوثيق رجال الحديث، فلم يقبلوا روايته في الحديث، إلا أنَّ عددًا من رجال الحديث قَبِلوا كثيرًا من مروياته في الردَّة والفتوح، ونعتوه بأنه: "عُمدة في التاريخ، وإخباريٌّ عارف"[144]، وقد اتسمتْ مرويات سيف بن عمر في الفتوح بأنها تناولتِ الفتوح في العصر الراشدي لا سيَّما ما يخصُّ العراقَ تناولاً شاملاً، وأنها كاملة الأسانيد في الغالب[145]، وأنها تورد الخبر بطرق متعدِّدة[146].

 

2- كان نصر المسلمين في معركة القادسية، وفتْحهم للمدائن نهايةً للوجود السياسي والعسكري للفُرْس في العراق، فقد صار دارَ إسلام، وأمن وسلام، وبذلك هَيَّأَ المسلمون لأهل العراق الظروفَ المناسبة للتعرُّف على الإسلام، فدعوهم إليه وشجَّعوهم على اعتناقه، دون أن يجبروا أحدًا أو يكرهوه، فاعتنق عددٌ كثير من عربه ومواليه ودهاقينه الإسلامَ، وكان اعتناقهم للإسلام بمحض إرادتهم، وفي جوٍّ من الهدوء والسلام[147].

 

3- كان عبور المسلمين دجلةَ وفتْحهم للمدائن تحقيقًا لبشارة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمته بفتْحِها ومُلْكها، وتصديقًا لخبره - عليه الصلاة والسلام - بإنفاق كنوز كسرى في سبيل الله.

 

4- كانت معركة جلولاء خاتمةً للصِّراع الحربي بين المسلمين والفُرْس في العراق، فقد سقطتْ الخطوط النهائية للمقاومة الفارسية في العِراق، ممَّا جعل أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - يُصدر أمره إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - بعدم الانسياح في بلاد الفُرْس، والاكتفاء في هذه المرحلة بالعِراق العربي، وبذلك أصبحتْ جبال طوروس حدًّا فاصلاً بين المسلمين والفرس في جبهة العراق، حتى معركة نهاوند.

 

5- انتهج أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد القادسية وفتح المدائن سياسةً مالية جديدة، تقوم على ترْك أرض السواد وغيرها من الأراضي المفتوحة في العراق في أيدي أهلِها من الفلاَّحين وغيرهم، القادرين على عمارتها وإصلاحها، وضَرْب الخراج عليها؛ ليكون موردًا ثابتًا لبيت مال المسلمين[148].

 

وبذلك ربطتْ دولةُ الخلافة الراشدة الفلاَّحين بأرضهم، وحررتهم من الرِّق، فكسبت ولاءهم، فساعد ذلك على انتشار الإسلام بينهم، وعلى نشاط الحياة الاقتصادية في العراق، عن طريق ازدهار الزراعة في السواد، وغيره من أراضي العراق.

 

6- أقامتْ دولة الخلافة الراشدة في العراق إدارةً إسلاميةً بأداة حكومية منظَّمة، تكفل لها سيادتَها على العراق، ورقابتها لمجريات الأحداث فيه، وتُحقِّق لأهل المنطقة الأمنَ والسلام والنظام، وقد استفادتِ الإدارة الإسلامية في العراق من خِبرةِ وأجهزةِ رجالِ الإدارة المحليَّة في المنطقة، فوظَّفتْ بعض عناصرها.

 

وقد نجحتِ الإدارة الإسلامية في العراق في تحوُّل المنطقة تدريجيًّا من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية، وبذلك تجاوزتِ المنطقةُ ظروفَ الحرْب في وقت قياسي، فشاع الأمن والسلام، والاستقرار في العراق.

 

7- كان لتقيُّد المسلمين بأحكام الإسلام وقِيَمه وآدابه في السِّلم والحرب أثرٌ رئيس في عدم صدور شكاية من أهل العراق ضدَّ الجيش الإسلامي، أو الإدارة المدنية، في وقتٍ كان الناس يشتكون فيه من زهو الجيوش المنتصرة وبطشها، وانتهاكها لحقوق الإنسان الدِّينية والمدنية، لكن المنطقة لم تشهدْ شيئًا من ذلك خلالَ فتحها، وبعد خضوعها للسيادة الإسلامية، فقد الْتزم المسلمون بأحكام الإسلام وقِيَمه وآدابه، فكان الوفاءُ بالعهد، والصِّدق والأمانة، والعدل والإنصاف، والرفق بالناس - قِيَمًا تَميَّز بها المسلمون، وطبَّقوها على أرض الواقع، فسَعِد أهل المنطقة بحُكم الإسلام، فلم يبقَ في غربي دجلة إلى أرض الفرات سوادي إلاَّ أمِن واغتبط بحكم الإسلام[149].

 

المصادر والمراجع:

• ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد الجزري (630هـ)، الكامل في التاريخ، ط2، بيروت: نشر دار الكتاب العربي، 1387هـ/ 1967م.

• أُسْد الغابة في معرفة الصحابة، ط1- بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417هـ/ 1996م.

• أرنولد، توماس، الدعوة إلى الإسلام؛ ترجمة د. حسن إبراهيم ود. عبدالمجيد عابدين، ط3- القاهرة: نشر مكتبة النهضة المصرية، 1390هـ/1970م.

• البلاذري، أحمد بن يحيى (ت 279هـ)، فتوح البلدان، ت د. صلاح المنجد0- القاهرة: نشر النهضة المصرية.

• بروكلمان، كال، تاريخ الشعوب الإسلامية؛ عربه نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط7، بيروت: نشر دار العلم للملايين.

• حاجي خليفة، مصطفى بن عبدالله (ت 1067هـ)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، بيروت: نشر دار الفكر العربي، 1402هـ / 1982م.

• ابن حبان البستي، أبو حاتم محمد بن حبان، (354هـ)، السيرة وأخبار الخلفاء، ط1- بيروت: نشر مؤسسة الكتب الثقافية، 1407هـ / 1987م.

• ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني (852هـ). الإصابة في تمييز الصحابة، ط1، القاهرة: مطبعة السعادة، 1328هـ.

• تقريب التهذيب.

• فتح الباري في شرح البخاري، ط2، القاهرة: نشر دار الريان للتراث، 1409هـ / 1988م.

• ابن حنبل، الإمام أبو عبدالله أحمد بن حنبل (240هـ)، فضائل الصحابة؛ تحقيق: وصي الله بن محمد، نشر مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، 1403هـ/ 1992م.

• المسند؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، ط3- مصر: نشر دار المعارف، 1374هـ/ 1955م.

• د. جميل المصري، الدعوة إلى الإسلام في زمَن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والخُلفاء الراشدين، ط1، المدينة المنورة: نشر مكتبة الدار، 1407هـ/ 1987م.

• ابن الجوزي، عبدالرحمن بن علي (ت 597هـ)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ط1- بيروت: دار الكتب العلمية، 1412هـ/ 1992م.

• د. جواد علي، موارد الطبري، بحث منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الثاني، 1371هـ / 1951م.

• الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت 463هـ)، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، بيروت: نشر دار الكتاب العربي، ب ت.

• ابن خيَّاط، أبو عمرو خليفة بن خياط (240هـ). تاريخ خليفة بن خياط؛ ت. د. أكرم العمري.

• الذهبي: أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (عهد الخلفاء الراشدين)، ت د. عمر عبدالسلام، ط1، بيروت: نشر دار الكتاب العربي، 1407هـ / 1987م.

• ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ت: علي محمد معوَّض، ط1- بيروت: دار الكتب العلمية، 1416هـ / 1995م.

• د. سزكين، فؤاد: تاريخ التراث العربي " تدوين التاريخ "، نشر جامعة الإمام محمد ابن سعود 1411هـ / 1991م.

• السلمي، د. محمد بن صامل، منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ط1، الرياض: نشر دار طيبة، 1406هـ / 1986م.

• السيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد (ت 911هـ)، الخصائص الكبرى.

• الصنعاني، عبدالرزاق بن همام (ت 211هـ)، المصنف؛ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط1- بيروت: دار القلم، 1390هـ / 1980م.

• الطبري، محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، تاريخ الرسل والملوك؛ تحقيق د. أبو الفضل إبراهيم، مصر: نشر دار المعارف.

• ابن عبدالبر، أبو عمر يوسف بن عبدالله (ت 463هـ)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الملحق بالإصابة لابن حجر.

• ابن عثيمين، محمد بن صالح (ت 1421هـ)، القول المفيد على كتاب التوحيد، ط4، الدمام: نشر دار ابن الجوزي، 1421هـ.

• العمري، د. أكرم، مقدمة تاريخ خليفة بن خياط، ط2، الرياض: دار طيبة، للنشر والتوزيع، 1405هـ / 1985م.

• عصر الخلافة الراشدة، ط1- المدينة المنورة: نشر مكتبة العلوم والحكم، 1414هـ / 1994م.

• غوستاف، لوبون. حضارة الإسلام؛ تعريب، عادل زعيتر، ط3- بيروت: نشر دار إحياء التراث العربي، 1399هـ / 1979م.

• الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (817هـ)، القاموس المحيط، ط2- بيروت: نشر مؤسسة الرسالة، 1407هـ / 1987م.

• ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر (ت751هـ)، زاد المعاد في هَدْي خير العباد؛ ت: شعيب الأرناؤوط، ط 15، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1407هـ / 1987م.

• ابن كثير، عماد الدين أبي الفداء إسماعيل (ت 774هـ)، البداية والنهاية؛ تحقيق: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية، ط1، القاهرة: دار هجر، 1418هـ / 1998م.

• مَجْمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، القاهرة: نشر المجمع العلمي.

• المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسن (ت 346هـ)، مروج الذهب، ط4، القاهرة: نشر مكتبة السعادة، 1384هـ / 1964م.

• النديم، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب (ت 380هـ)، الفهرست، ط3، نشر دار المسيرة، 1408هـ / 1988م.

• أبو نعيم الأصبهاني: (ت 430هـ)، دلائل النبوَّة، ت د. محمد رواس قلعجي، ط1، 1392هـ / 1972م.

• اليحيى، د. يحيى. مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري.

• اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب (ت284هـ)، كتاب البلدان، ط1- بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1408هـ / 1988م.

 


[1] للاطِّلاع على أسماء الكتب المطبوعة في الفتوح يراجع كتاب "الفهرست" للنديم، ص 32، وكتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"؛ لمصطفى بن عبدالله، المعروف بحاجي خليفة، المجلد الثاني، وكذلك "تاريخ التراث العربي"، د. فؤاد سزكين، المجلد الأول، الجزء الثاني " التدوين التاريخي ".

[2] لمزيد من المعلومات عن سيف بن عمر، ومروياته، يراجع الصفحات السبع التالية.

[3] للوقوف على مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري، يراجع: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج3، وج4، حوادث السنوات 14، 15، 16هـ.

[4] يراجع: د. أكرم ضياء العمري. عصر الخلافة الراشدة، ص: 19.

[5] يراجع د. يحيى اليحيى. مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ص: 13، ود. أكرم العمري: المرجع السابق، ص: 18.

[6] يراجع، د. محمد السلمي. منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص: 466.

[7] يراجع د. جواد علي. موارد تاريخ الطبري، مجلة المجمع العلمي العراقي، سنة 1371هـ، 1951م، ج الثاني، ص: 163.

[8] الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج3، ص: 353.

[9] د. أكرم العمري. مقدمة تاريخ ابن خياط، ص: 15 وعصر الخلافة الراشدة، ص: 18.

[10] الذهبي. المصدر السابق، وابن حجر. تقريب التهذيب، ج1، ص: 344.

[11] المصدر السابق.

[12] يراجع مقدمة كتابه "المغازي"، ص: 24.

[13] يراجع كتابه "عهد الخلفاء الراشدين" فقد ورد فيه أكثر من اثنتي عشرة رواية عن سيف بن عمر.

[14] المصدر السابق.

[15] يراجع الإصابة. رقم الترجمة 2790، 2802، 2821، 3034، باب الكُنى 1017.

[16] د. أكرم العمري، عصر الخلافة الراشدة، ص: 18.

[17] د. جواد علي. موارد الطبري. مجلة المجمع العلمي العراقي، 1370هـ/ 1951م، الجزء الثاني، ص: 163.

[18] تاريخ الشعوب الإسلامية؛ نقله إلى العربية، نبيه فارس ومنير البعلبكي، ص: 195.

[19] قال الذهبي وابن حجر عن سيف بن عمر: ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ، وإخباري عارف، بينما قالاَ عن أبي مِخنف: إخباري تالف لا يوثق به. يراجع ميزان الاعتدال ج3/299، ولسان الميزان ج4/492.

[20] المرجع السابق ص: 194.

[21] للوقوف على ذلك يراجع الطبري. تاريخ الرسل والملوك: أحداث القادسية وفتح المدائن.

[22] د. فؤاد سزكين. تاريخ التراث العربي: التدوين التاريخي، ص: 134.

[23] الطبري. انظر: فتح المدائن تجد الخبر الواحد يرد بطرق متعددة.

[24] الطبري. نفسه.

[25] الطبري، محمد بن جرير (ت 310هـ). تاريخ الرسل والملوك؛ تحقيق أبو الفضل إبراهيم، (نشر دار المعارف القاهرة)، ج3، ص: 345.

[26] ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني (ت 630هـ). الكامل في التاريخ. ط02- بيروت: نشر دار الكتاب العربي، 1387هـ / 1967م، 2/262.

[27] ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء، إسماعيل (ت 774هـ). البداية والنهاية؛ (ت. د عبدالله التركي- القاهرة: نشر دار هجر، 1418هـ/ 1998م)، ج9، ص: 525.

[28] تاريخ الطبري 3/350.

[29] تاريخ الطبري 3/380.

[30] تاريخ الطبري 3/383.

[31] تاريخ الطبري 3/414.

[32] تاريخ ابن الأثير 2/285.

[33] تاريخ الطبري 3/414.

[34] تاريخ الطبري، ص: 448.

[35] ابن الأثير، الكامل 2/298.

[36] ابن الأثير، الكامل 2/298.

[37] الطبري، تاريخ الطبري 3/454، والمسعودي، مروج الذهب 2/316 و317، كان عمر - رضي الله عنه -  قد أوصَى أبا عبيد أن يستشير سليطَ بن قيس الأنصاري، ولا يخالفه، وكان رأي سليط ألاَّ يعبر نهر الفرات.

[38] تُعرف معركة الجسر في المصادر الإسلامية بأسماء عِدَّة مثل: القرس، قس الناطف، المروحة، الجسر.

[39] ابن الأثير، الكامل 2/301.

[40] وفي رواية أن أبا عبيد بن مسعود الثقفي لَمَّا عبر الجسر أَمَر بقطعه، يراجع المسعودي، مروج الذهب 2/316.

[41] الطبري، تاريخ الطبري 3/554.

[42] د. أكرم العمري، عصر الخلافة الراشدة 0- ط1- المدينة المنورة: نشر مكتبة العلوم والحكم، 1414هـ / 1994م)، ص: 339.

[43] الطبري، تاريخ الطبري 3/455، 460، 462.

[44] الطبري، المصدر السابق، ص: 414.

[45] الطبري، المصدر السابق، ص: 465 و467.

[46] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص: 268.

[47] الطبري، ج3، ص: 477 - 478.

[48] ابن كثير: البداية والنهاية، ج9، ص: 613.

[49] الطبري. تاريخ الرسل والملوك، ج3، ص: 479.

[50] يراجع الطبري. ج3، ص: 481 - 483.

[51] يراجع الطبري تاريخ الرسل والملوك، ج3، ص: 490 - 491.

[52] الطبري، ج3، ص: 487 و490 - وابن الأثير في الكامل ج2، ص311.

[53] د. جميل المصري، تاريخ الدعوة في زمن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والخلفاء الراشدين 0- ط1 0- المدينة المنورة: نشر الدار، 1407هـ / 1987م)، ص: 286.

[54] الطبري ج3، ص: 595 و596.

[55] الطبري، ج3، ص: 492 - وابن كثير ج9، ص: 617.

[56] د. جميل المصري، تاريخ الدعوة، ص: 286.

[57] الطبري، ص: 495.

[58] الطبري، ج3، ص: 499.

[59] الطبري، ج3، ص: 498، 500، 501، 504.

[60] الطبري، ج3، ص: 500.

[61] المصدر السابق، ص: 501، 504، 506، 509، وابن كثير، ج9، ص: 620.

[62] الطبري، ج3، ص: 520، وابن كثير. البداية والنهاية: ج9، ص: 622.

[63] الطبري، ج3، ص: 528.

[64] يراجع البلاذري، أحمد بن يحيى (ت 279هـ). فتوح البلدان (نشر النهضة المصرية 1957م) ص: 315، والطبري. تاريخ الأمم ج3، ص: 525، وابن حبَّان، أبو حاتم محمد البُستى (354هـ)، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 0-ط1- بيروت: نشر مؤسسة الكتب الثقافية، 1407هـ - 1987م، ص: 468.

[65] الطبري، تاريخ الأمم، ج3، ص: 535.

[66] اختلف المؤرِّخون في تحديد معركة القادسية، فذهب ابن إسحاق والبلاذري وابن خياط: أنَّها وقعت سنة خمس عشرة، وقد أخذتُ بهذا الرأي؛ لأنَّ سَيْر العمليات العسكرية في الشام والعراق يؤيد ذلك، فمعركتَا اليرموك والقادسية تعدَّان معركتين فاصلتين في تاريخ الشرق، حيث حدَّدت مصير دولتي الروم والفرس في المنطقة، وبما أنهما وقعتَا في زمن متقارب جدًّا، اليرموك في رجب سنة 15 والقادسية في شوال سنة 15 - مما كان سببًا في عدم تقارب الفرس والروم وتشاورهما، وتعاونهما في التصدِّي لدولة الخلافة الراشدة.

ومن جهة أخرى، فإنَّ إعادة جيش العراق الذي قدِم إلى الشام مع خالد بن الوليد إلى العراق يدلُّ على أنَّ معركة اليرموك التي ثبتت قدم المسلمين في الشام قد انتهتْ، فأصبحتْ حاجة المسلمين في الشام إلى جيش العراق الذي قدِم مع خالد بن الوليد غير ملحَّةً، ممَّا جعل أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - يأمر أبا عبيدة بن الجراح قائدَ الجيش الإسلامي في الشام بإعادة فِرقة خالد إلى العراق لمؤازرة المسلمين في مواجهتهم للفُرْس في القادسية؛ يراجع البلاذري. فتوح البلدان ص: 313، وابن خياط ص: 132، والمسعودي: مروج الذهب ج2، ص: 328، بينما ذهب الطبري - وقد تابعه ابن الأثير وابن كثير -: أنَّ القادسية وقعتْ سنة أربع عشرة.، وقد أورد بن كثير رأي ابن إسحاق الذي يرى أنَّ القادسية وقعتْ سنة خمس عشرة للهجرة يراجع: البداية والنهاية ج7، ص: 47.

[67] سورة الجهاد: هي سورة الأنفال.

[68] الطبري، ج3، ص: 580.

[69] المصدر السابق، ص: 530 و531.

[70] الوضن: بطان عريض منسوج من سوار أو شعر.

[71] الطبري. ج3، ص516 و538 و540.

[72] وادي مشرق: واد بين العذيب وعين الشمس.

[73] جمع رثاث، وهو الجريح.

[74] الطبري. ج3، ص: 542 و543.

[75] الطبري. ج3، ص: 543، وابن حجر، الإصابة، باب الكُنى، ج4، ص174.

[76] المصنف، ج9، ص: 240، والطبري، نفسه 545 و546 و547.

[77] الطبري، المصدر السابق، ص: 549.

[78] العَمَاس: الحرب الشديدة. المعجم الوسيط، ج2، ص: 628.

[79] الطبري، نفسه ص: 551.

[80] الطبري، ج3، ص552.

[81] ابن الأثير، الكامل، ج2، ص: 333.

[82] الطبري، ج3، ص557.

[83] الطبري نفسه، ص: 557 و559 و561 و562، والهَرير: صوت الكلب دون النباح؛ المعجم الوسيط، ج2، ص: 981.

[84] الطبري نفسه ص: 559 و564.

[85] ابن الأثير، الكامل، ج2، ص334.

[86] يراجع الطبري، ج3، ص: 565 و576، وابن الأثير، الكامل، ج2، ص: 25.

[87] ذكر البلاذري أسماءَ عدد ممَّن أسلم من دهاقين العراق بعد معركة القادسية؛ يراجع فتوح البلدان، والدهقان: هو كبير القرية، أو مَن له مركز أدبي واجتماعي ومالي في القرية.

[88] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص: 5، 6، 8، 23، 24، أما ما ذكره ابن خيَّاط ص: 133، من أن فتح المدائن كان سنة 15هـ، فهو لا يتفق مع ما ذكره ص: 132 بأن أول أيام القادسية كان يوم الاثنين لثلاث بقين من شوال سنة 15هـ، فإنَّ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -  أقام بجُنده في القادسية بعد المعركة شهرين، حتى استجم وأراح جُندَه، ثم سار بالجيش نحوَ المدائن الغربية - بهرسير - فوجدها محصنة ذات أسوار عالية، فأقام المسلمون عليها قريبًا من شهرين، يرمونها بالمجانيق، ويدبُّون إليها بالدبابات، ويقاتلون أهلَها بكلِّ عُدَّة، وخلال حصار المسلمين - لبهرسير - وقع في أيديهم مائةُ ألف فلاح، فاستفتى سعدٌ أمير المؤمنين في المدينة بشأنهم، فأجابه عمر في شأنهم وترك أمرهم إلى سعد، وعلى هذا فإنَّ سير الأحداث بعد القادسية يتَّفق مع ما ذَكَره الطبري بأنَّ المدائن فُتِحت في صفر سنة 16هـ.

[89] يراجع ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص: 47.

[90] المسعودي، مروج الذهب ج2، ص: 417 و328.

[91] يراجع الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص: 618.

[92] الطبري نفسه ج4، ص: 5.

[93] الطبري، نفسه ج4، ص: 6.

[94] الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص: 1.

[95] الطبري، تاريخ الطبري. ج4، ص: 14.

[96] البلاذري، فتوح البلدان ص: 322 و323، وابن كثير، البداية والنهاية 10/8، والفراض: فُوهة النهر، وهي محطَّة السفن، وكانت تقع على الجانب الشرقي لدجلة.

[97] الطبري ج4، ص: 9.

[98] ابن كثير نفسه، ص10.

[99] الطبري، ج4، ص10 و11.

[100] ابن خياط أبو عمر خليفة (240هـ) تاريخ ابن خياط ص: 134، وابن كثير، البداية والنهاية 10/11.

[101] الطبري، نفسه، ص: 12.

[102] ابن كثير، نفسه، ص: 12.

[103] الطبري، نفسه 12 و13.

[104] الطبري. ج4، ص: 10 و11، وابن الأثير ج2، ص: 357.

لمزيد من المعلومات عن خوض المسلمين دجلة بالخيل، تراجع الفقرة التالية التي بعنوان "وقفات مع عبور دجلة"، ففيها نصوص وشواهد تؤكِّد ذلك.

[105] الطبري، نفسه ص: 14.

[106] صلاة الفتْح: صلاة تُصلَّى شكرًا لله عقب الفتح، وقد صلاها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقب فتح مكة في بيت أم هاني بنت أبي طالب، وكانتْ ضحى، فظنَّها مَن ظنَّها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح، وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حِصنًا، أو بلدًا صلوا عقبَ الفتح هذه الصلاة، اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهي تصلَّى بسبب الفتح شكرًا لله؛ ابن القيم، زاد المعاد، ج3، ص: 117، وقول أم هاني: ما رأيتُه صلاها قبلها ولا بعدها - يؤكِّد أنها بسبب الفتح، وأنها صلاة الفتح؛ متفق عليه.

[107] يراجع الطبري، ج4، ص: 16، وابن الأثير ج2، ص: 358.

[108] الطبري، نفسه ص: 8 و13، والجرثومة: جُرثومة الشيء  بالضمِّ - أصلُه، وهي التراب المجتمع حولَ أصول الشجر الذي تسفيه الرِّياح؛ المعجم الوسيط، ج1، ص: 114، والمراد به هنا: ما أعيا فرس إلاَّ اجتمع تحته من تراب النهر ما يستريح عليه.

[109] اليعقوبي، كتاب " البلدان "، ص: 82، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج1، ص: 128.

[110] خاض الماء: يخوضه خوضًا وخياضة: دخله بالفرس، أورده الماء؛ القاموس المحيط، ص: 827، وخاض فلان بالفرس خوضًا وخياضًا: أورده الماء، والماء دخله، ومشى فيه؛ المعجم الوسيط ج1، ص: 262.

[111] فتح الباري ج7، ص: 458، وانظر: صحيح السيرة، إبراهيم العلي ص: 354، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق الله، ص: 448.

[112] البلاذري، فتوح البلدان، ص: 323، والطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص: 9.

[113] الطبري، المصدر السابق، ص: 8، وابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج4، ص: 205، وابن كثير، ج10، ص: 8.

[114] ابن خياط. تاريخ: ص: 134، والطبري، المصدر السابق، ص: 10، وابن كثير: ص: 11، المصدر السابق.

[115] الطبري. تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص: 12.

[116] متفق عليه، واللفظ لمسلم.

[117] المسند: إسناده صحيح رقم الحديث، 7472.

[118] صحيح مسلم، كتاب الفتن، ج4/2215، انظر ابن عثيمين: القول المفيد على كتاب التوحيد، ج1، ص: 471 - 473.

[119] الطبري، المصدر السابق، ص: 16 - 24.

[120] ابن حجر، فتح الباري، ج7، ص: 26- 65- 75، والإمام أحمد: المسند ج2، ص: 92، سنده صحيح.

[121] ابن حجر، المصدر السابق، ص: 458.

[122] السيوطي، الخصائص الكبرى، ج3، ص: 68.

[123] الإمام أحمد، فضائل الصحابة، ج2، ص: 750، سنده صحيح، وقال الحاكم في المستدرك: ج3، ص: 499، حديث صحيح الإسناد.

[124] السيوطي، المصدر السابق.

[125] ابن عبد البر، الاستيعاب، ملحق بالإصابة، ج2، ص: 19، وابن الأثير: أسد الغابة، ج2، ص، والذهبي: تذكرة الحفاظ ج1، ص: 22، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ص: 144، وابن حجر: الإصابة، ج2، ص33.

[126] البداية والنهاية: ج10، ص: 12.

[127] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص: 12، 13، وأبو نعيم. دلائل النبوة، ج2، ص: 735، وابن الأثير. الكامل ج2، ص: 357، وابن كثير. البداية والنهاية، ج10، ص: 11، 12.

[128] ابن خياط، تاريخ، ص: 134، والبلاذري، فتوح البلدان ص: 308، و311، والطبري، تاريخ الرسل والملوك ج3، ص: 454، والمسعودي، مروج الذهب ج2، ص: 315، 316، وابن حبان، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، ص: 469، وابن الأثير، الكامل: ج2، ص: 323 و324، والذهبي، تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء الراشدين، ص: 127، وابن كثير. البداية والنهاية ج9، ص: 624.

[129] البلاذري، المصدر السابق، ص: 323، والطبري، المصدر السابق، ج4، ص: 9، وابن الأثير، المصدر السابق، وابن كثير، المصدر السابق.

[130] المخاضة: جمع مخاض ومخاوض: وهي من النهر الكبير: الموضع القليل الماء الذي يعبر فيه الناس النهر مشاة وركبانًا؛ المعجم الوسيط، ج1، ص: 262.

[131] الخراج وصناعة الكتابة، ص: 360.

[132] فتوح البلدان، ص: 322، وخاض الماء يخوضه خوضًا وخياضة، دخله بالفَرَس، أورده؛ القاموس المحيط، ص: 827، وخاض فلان بالفرس خوضًا وخياضًا أورده الماء، والماء دخله ومشى فيه؛ المعجم الوسيط ج1، ص: 262.

[133] تاريخ بغداد، ج1، ص: 169.

[134] طسوج قَطْرَ بُّل: إحدى طساسيج دجلة الواقعة على الجانب الغربي منها، وهي من سقي الفرات؛ يراجع قدامة بن جعفر، المصدر السابق، ص: 161.

[135] الفراض. محطُّ السفن، وهي تقع على الجانب الشرقي لدجلة.

[136] الطبري، المصدر السابق، ص: 11.

[137] الطبري المصدر السابق، ص: 13.

[138] البداية والنهاية، ج10، ص: 12.

[139] الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص: 24 و26.

[140] الطبري تاريخ الطبري، ج4، ص: 25.

[141] الطبري، نفسه، ص: 27.

[142] ابن كثير، البداية والنهاية، ج10، ص: 21، 22.

[143] الطبري، نفسه، ص: 23، 32 وابن كثير: ج10، ص: 24.

[144] الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج3، ص: 353، وابن حجر: تقريب التهذيب، ج1، ص: 344.

[145] د. فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي، التدوين التاريخي، ص: 134.

[146] للوقوف على ذلك: انظر الطبري، تاريخ الرسل والملوك: ج4، أحداث فتح المدائن.

[147] غوستاف، حضارة الإسلام ص: 169، وتوماس، الدعوة إلى الإسلام، ص: 238 -239.

[148] أبو يوسف. الخراج: ص: 86 و87.

[149] الطبري، المصدر السابق، ج4، ص: 5، 140، 157.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القادسية معركة غيرت مسار التاريخ
  • موقعة القادسية
  • الإمام الطبري: اسمه ونسبه
  • مراثي الإمام الطبري
  • معركة القادسية ملحمة رمضانية
  • قصة معركة القادسية
  • الحياة الاجتماعية في عصر الطبري

مختارات من الشبكة

  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهمية القراءة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص مفاهيم القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قراءة مختصرة لكتاب: النهضة بين الحداثة والتحديث - قراءة في تاريخ اليابان ومصر الحديث (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وقل رب زدني علما(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • القراءة المقبولة والمردودة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الزمخشري في الاستشهاد بالقراءات القرآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة سعد بن أبي وقاص بطل القادسية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • بطولة أبي محجن الثقفي يوم القادسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قياس وتدريبات القراءة بقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب