• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

المادة الثانية من الدستور المصري بين التنظير والتطبيق

محمود محمد عراقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2011 ميلادي - 8/5/1432 هجري

الزيارات: 8553

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المادة الثانية من الدستور المصري بين التنظير والتطبيق

المقال الأول

توطئة

أشار  المستشارُ والفقيه الدُّستوري طارق البِشري رئيس لجنة التعديلات الدستوريَّة إلى ضرورة وجود "المرجعيَّة الإسلاميَّة" في التشريع وتفسير النصوص القانونيَّة، وعلَّل ذلك بأنَّ هُويتنا القانونية تبرز من خلال ذاتية التشريع، واستلهام تفسير القوانين المصريَّة من الفِقه الإسلامي - وذلك حسب الأمر الواقع - فيما يخصُّ الأحكام والنصوص القانونيَّة التي تجد أصلاً وأساسًا لها في الفِقه الإسلامي، وشدَّد النكيرَ على استمداد التفسيرات القانونيَّة مِن كتب الفِقه القانوني الغربي عامَّة والفرنسي خاصَّة؛ لأنَّ في ذلك تبعيةً ثقافيَّة للغرْب تُهدِّد - بل قوضت بالفعل - دعائمَ الاستقلال السياسي في كثيرٍ من المجالات والمناحي.

 

وأقول مدعمًا قول المستشار: إنَّ  تلك التبعية القانونية والثقافية مرادةٌ بنا منذ الاحتلال العسكري الغربي لأراضي الإسلام، فالاستعمارُ قدْ علِم يقينًا أنَّه سيأتي يوم وترحَل جيوشُه العسكريَّة من البلاد الإسلامية؛ لذا أعدَّ جيوشًا من عساكر الثقافة ومكَّنَ لهم، بحيث أفضى الأمر إلى وجودِ قواعد ثقافيَّة في البِلاد الإسلاميَّة العربيَّة تضمن تحقيقَ التبعية الثقافيَّة للغرْب، ثم دعم الاستعمار هذه التبيعيَّة بوسائلِ الاتصال والإعلام الحديثة، ومِن خُبثه ودهائه أنه يستخدم مواردَنا لتمويل عملية تجفيف المنابِع الثقافية، وخلْق جيل مفرَّغ مِن كل اتصال بالهُوية العربية الإسلامية؛ ليسهلَ عليه الاستعمارُ الفكري والشعوري لعقول المسلمين وقلوبهم، فتخفتْ تطلعاتُ المسلمين المستقبليَّة للنهوض بحضارتنا مِن كبوتها وسُباتها الطويل.

 

فعالَم الاستعمار عالَم غير غافل، وهو متمكِّن كلَّ التمكُّن من وضوح الرؤية، ومِن تملُّك أسباب العمل ووسائله؛ فهو يعيش أيامَه الباقيات في خوف وفزَع من مصير مرهوب مُفضٍ إلى تقويضه ودماره؛ لأنَّه يعلم أنَّ الحضارة دول، يتداولها الجنسُ الإنساني مرَّةً بعدَ مرة، وهو يعلم عِلمَ اليقين أنَّ عالَمنا العربي والإسلامي يرتبط به العالَم الإفريقي والأسيوي ارتباطًا عضويًّا، هو المؤهَّل للقيام بأعباء تجديد عمارة الأرض بحضارة متميِّزة بنقائها وبراءَتِها من الأدواء الكامنة التي أدَّتْ إلى تقويضه ودماره.

 

والاستعمار يعرف يقينًا أيضًا أنَّ أهمَّ ما يؤكد تلك "التبعية" هو التبعية القانونية، فالدولة الحديثة دولة قانون، تحكُم بالقانون؛ لذلك عمد بخبثه وسطوته إلى فرْض التشريعات الغربيَّة الدستورية والقانونيَّة على بلادِ المسلمين، وليس ذلك فحسبُ، بل أوحى إلى أفراخِ المستشرقين أن يمجِّدوا كتب الفِقه القانوني الغربي، فعليها - وعليها وحْدَها - تدور رحَى تفسير القوانين الوضعية التي قُيِّد بها العالَم الإسلامي عبرَ طواغيت زرَعهم الاستعمارُ، وعمِل على إنماء سلطتهم.


 

هكذا يسوِّل لهم الشيطانُ ويخوِّفهم من الحق؛ ليُعرضوا عنه، ويعملوا جميعًا على تقويضه خوفًا على كُفرهم ومتعهم، ولكن الشيطان يستغلُّ حمقَهم ويستهويهم ويستغويهم لتحقيقِ مأربه الأساس، ألاَ وهو الكفر بالرحمن، والكُفر بربوبيته سبحانه، مِن خلال فرْض القوانين الوضعية والكُفر بالحاكميَّة لله وحده، فالشيطان يستخدم الخوفَ الذي يقبع منذُ أزمنة بعيدة في عقول وأفئدة الغرْب من الإسلام وحضارته، ومِن المسلمين كوسيلةٍ لانتشار الكُفر بالله في ربوبيَّته وعبوديته التي هي واجبةٌ على العِباد والبلاد جميعًا.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 175 - 177].

 

فالشيطان يعمل مِن خلال حِزْبه على تقويض عبادة الله في أرْضه، وهيهات! ومِن أجلِّ العبادات لله سبحانه التعبُّد له بربوبيَّته وتوحيده بالتحاكُم إليه لا إلى غيره، فالقوانين بذلك هي نبراسُ الكفر للدَّلالة على كيْد الشيطان ببني آدَمَ أجمعين.

 

قال تعالى واصفًا حال حزْب الشيطان وكيفية إغوائه لهم: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴾  [النساء: 60].

 

ويُحذِّرنا الله من فِتنة إغواء الشيطان؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف:27]، وفي التحذير مِن الافتنان دَلالةٌ على وقوعه على عمومِ بني آدم.

 

وتأمَّل عزيزي القارئ الدليلَ الآتي على أنَّ الشيطان يُريد من الناس أن يتبعوا أمره، ويخالفوا أمْر الله، وأهم أوامر الله هي القوانين الحاكِمة في مصالِح الناس ورقابهم، وأنَّ الإغواء والفِتنة اللذين حذَّرنا الله منهما يتركَّزان على العبادة والحُكم والأمر، وأنَّ الشيطان يريد أن يُعبَد من دون الله؛ انظر معي قول الله: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [يس: 60 - 64].

 

وعَوْد على بَدْء أقول: إنَّ كلام المستشار طارق البشري يُشعرني بألَم كبير، فالرجل يُدرِك الواقع كما أُدركُه مِن طغيان القوانين الوضعية في التشريع المصري بصورة كبيرة، وأنَّ السعي لتطبيق شرْع الله في أرض مصر دونه الأمَد الذي قد يكون طويلاً أو قصيرًا، وهنا مصدر ألَمي، ألا يُتعبَّد الله في أرضه بشَرْعه الآن وفي كل وقت.

 

ولكن، إنْ كان الأمرُ كذلك فليس من الحِكمة أن تشلَّ عقولنا وبناننا عن البحث عن السُّبل المفضية لهدفنا المنشود، وهو تعبيدُ الخلق لربهم ومولاهم الله - سبحانه وتعالى.

 

وعلى ذلك فكلام المستشار فيما يتعلَّق بوجود المرجعيَّة الإسلاميَّة في تفسير النصوص القانونية المصرية، هو سبيلٌ من سُبل الحفاظ على هُويَّتنا الإسلامية، وهو سبيلٌ لمحاربة المدِّ الاستعماري الثقافي عبرَ التبعيَّة الفكريَّة.

 

ومِن هذا المنطلق أُحاول فيما هو آتٍ أن أؤصل لأحد القوانين المصريَّة المهمَّة وَفْق المبادئ الإسلامية؛ ليعلم الجميع أنَّنا لسنا في حاجةٍ لاستيراد قوانين غربية ذات أصول كُفرية، لا تُعبِّر عن ذاتنا ولا حياتنا ولا حضارتنا، وأنَّ الرجوع لكتب فقه الإسلام هو سبيلٌ قويم لتفسير القوانين المصريَّة وتأصيلها، فعلينا - معشرَ الكتَّاب والباحثين والقضاة - أن تكون مرجعيتُنا فيما نخطُّ ونكتب تفسيرًا أو تحليلاً أو استدلالاً - أن تكون مرجعيتنا كُتُب الفقه الإسلامي، لا كتب الفقه القانوني الغربي، وبذلك نُسهِم - ولو بالقليل - في تكوين جيل يتغذَّى برحيق وعبق الإسلام وفِقهه تمهيدًا لتكوين قاعدةٍ عريضة مِن القرَّاء والباحثين وطلاَّب العِلم، تكون أساسًا مستقبليًّا لإرساء شرْع الله في البلاد، وتحكيمه في العباد.

 

وأرجو مِن الله - عزَّ وجلَّ - أن يوفِّقني ويوفِّق كل عامل ومجاهد في سبيله بإخلاص النية وإفراغ الوُسع، ونستعيذ به أن نكونَ من المقصِّرين.

 

 

نظرة تأصيلية

لقانون "حماية المنافَسة ومنْع الممارسات الاحتكارية رقم 3 سنة 2005"

في ضوء التشريع الإسلامي

دراسة وصفية نقدية

إعداد

محمود محمد عراقي

باحِث أكاديمي بكلية الحقوق جامعة عين شمس

وكلية دار العلوم

 

مقدمة

هذه دراسةٌ موجَزة تسعى لتأصيل مبادئ قانون حماية المنافسة المصري، الصادر سنة 2005 في ضوْء التشريع الإسلامي، وهي دراسةٌ وصفيَّة نقديَّة في آنٍ واحد، تصِف أهداف القانون بصورة مجملة، مُقَارِنَةً بينها وبين أحكام المنافسة والممارسات الاحتكارية في قانون التشريع الإسلامي، باعتباره أحدَ مصادر التشريع القانوني المصري وَفق ما قرَّره الدستور المصري (دستور 1971).

 

وقد توصلتِ الدراسة إلى أنَّ أحكام القانون لا تخرُج عمَّا قرَّره التشريع الإسلامي في هذا الشأن في الغالِب، مع اختلاف في صُور بعض الممارسات المُستَجَدَّة التي أحدثها التوسُّعُ الكبير في النشاط الاقتصادي في العصر الحديث.

 

وقدْ تخلَّل الدراسة بعضُ الملحوظات التي تخصُّ بعض جوانب صياغة هذا القانون، وبعض المقترحات التي تسعَى لتكميلِ دور هذا القانون مِن وجهة نظر الباحث.


تأصيل مبادئ قانون "حماية المنافسة المصري رقم 3 سنة 2005"

في ضوء التشريع الإسلامي:

موضوعات الدراسة:

• مقدمة:

• تمهيد

• الفصل الأول:بيان معنى الاحتكار، وملامح تطوُّره.

• دَلالته اللُّغوية ودَلالته في الاصطلاح.

• تعليق على التعريفات السابقة.

• الفصل الثاني: تنبيه واقتراح.

• الفصل الثالث : بيان معنى التنافُس.

• الفصل الرابع: حُكم الاحتكار الضار والمنافَسة غير العادلة.

• الفصل الخامس: مُشابَهَة "جهاز الحِسبة" في الخِلافة الأموية، وجهاز حماية المنافَسة.

• الفصل السادس: أُسس تدخُّل الدولة في منْع الممارسات الاحتكاريَّة والتسعير.

 


تمهيد

حدَّدتِ الأستاذة منى يس - رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة - في كلمتها الافتتاحية لكُتَيِّب التعريف بقانون حماية المنافسة ومنْع الممارسات الاحتكارية الصادر بقانون رقم (3) لسنة 2005 - أهداف هذا القانون بأنَّه: "جاء لإرْساء وتثبيت قواعِد المنافَسة بين مختَلف الوحدات الاقتصاديَّة بما يضمن دُخولَ الأشخاص إلى السُّوق والخُروج منها وَفقًا للقواعد التي تحكُمها".

 

وهذه الأهداف تتَّفق مع التحوُّل الحادث في مِصر نحو الاقتصاد الحر، والمنافسة الحرَّة مِن أهم عناصر اقتصاد السوق الحر، بل هي مِن أهمِّ الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي المحقِّق للرخاء الشامل والعادل لجُلِّ فئات المجتمع.

 

ومِن المعلوم أنَّ عنوان أيِّ شيء يحمل مضمونَ وحدودَ ذلك الشيء، وبحق جاء عنوان قانون حماية المنافسة جامعًا مانعًا لما يتضمَّنه من حدود وضابط قانونية.

 

ومنطوق القانون "حماية المنافسة" يعني: حماية المنافسة الشريفة، حماية حريَّة المنافسة العادلة وَفْقَ قواعد القانون، فالمنافسة العادِلة يُحدِّدها العُرْف أولاً وقواعد العدالة الاجتماعية المنبثِقة عن تقاليد دِينيَّة - في الغالب - وغير دِينيَّة، ومع بزوغ شمس الدولة الحديثة بدأ سَنُّ القوانين في كلِّ دولة أو جماعة بشريَّة تجمعها روابط جُغرافية ولُغوية ودِينيَّة.

 

والحريَّة المطلقة تؤدِّي أحيانًا إلى التعسف والظلم وخلْق وضع احتكاري قد يستغلُّه البعضُ لتحقيق مكاسب على حساب إضرار الغير، وفي ذلك تقول الأستاذة منى يس: "قد تؤدِّي  سياساتُ تحرير التجارة وجذْب الاستثمار والخصْصة التي تنتهجها الحكومةُ إلى زِيادة التركُّز، أو إلى خلْق وضْع مسيطر لأحد الأشخاص في السوق، مما قد يؤثِّر سلبًا على النشاط الاقتصادي".

 

وقالت أيضًا: "إنَّ التنافس بين الأشخاص الذين يسعَوْن إلى زِيادة حصَّتهم السوقية أو لتعظيم عائدِ استثماراتها، قد يَنتُج عنه بعضُ التشوُّهات التي تمنع حُريَّة المنافسة أو تُقيِّدها أو تضرُّ بها".

 

إذًا جاء هذا القانون لحماية المنافسة الحُرَّة العادلة، ومنْع الممارسات الاحتكارية التي تضرُّ بهذه الحريَّة التي تضمن تحرُّكَ الاقتصاد في آفاق رحْبة بلا عوائقَ تقيِّده أو تحدُّ مِن حريته المقيَّدة بعدم الإضرار بالغير - أيًّا كان هذا الغير؛ أشخاصًا  طبيعيِّين أو اعتباريِّين، أو كيانات أو اتحادات اقتصاديَّة.

 

وقد جاءتِ المادة الأولى من هذا القانون صريحةً في هذا الشأن ودون لبس: "تكون ممارسةُ النشاط الاقتصادي على النحو الذي لا يُؤدِّي إلى منْع حرية المنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها، وذلك كله وَفْقَ أحكام القانون".

 

حاولتُ فيما سبَق أن ألخِّص فكرة "قانون حماية المنافسة ومنْع الممارسات الاحتكارية"، وأسبابه وأهدافه؛ وذلك لأزدلفَ به إلى البحْث في تأصيل مبادئه في ضوء التشريع الإسلامي كأحدِ أُسس التشريع المصري كما جاء صريحًا في الدستور المصري (دستور 1971).

 

 

الفصل الأول: بيان معنى الاحتكار، وملامح تطوره


دَلالته اللُّغويَّة ودلالتُه في الاصطلاح:

لما كان الحُكمُ على شيءٍ ما فرعًا عن تصوُّره مِن جُلِّ أو كلِّ جهاته، فإنَّ هَمِّي ينصبُّ على التعرُّف على معنى ودَلالة عنوان قانون حماية المنافَسة، ومنْع الممارسات الاحتكاريَّة، كألفاظ مفْرَدة، وكلفظ مركَّب مخصِّص.

 

ودلالة الألفاظ تتعدَّد تبعًا للتطوُّر المصاحِب للبيئة والمستجدَّات الحياتية، وتعدُّد الألفاظ لا أقصِد به كثرةَ المعاني للفظ الواحدِ، إنَّما أقصد أنَّ اللفظَ العربي - بعد بزوغ شمس الإسلام - صار أوسعَ مما كان؛ أي: صار يَحتمل عِدَّة دلالات، فاللفظُ له دلالة لُغويَّة، وله دلالةٌ اصطلاحية، وله دَلالة في حقيقته الشرعِيَّة، ولم يكن همُّ العلماء بهذا التقسيم هو اتباعَ سنن المنطق والتشقيق والتفريع، إنَّما كان قصدُهم وغايتهم دفْعَ الغلط في الحُكم على الأشياء.


ولذلك ولغيرِه اعتنيتُ بِجانبِ تعريف ما أقوم ببَحْثِه هنا؛ عَلَّني أصل بهذا الأساس إلى فَهمٍ صائب عن القانون، ولا أُخطئ فيه.

 

وعمَلي في ذلك هو سرْد تعريفات العلماء مِن جِهة اللُّغة والاصطلاح القانوني (وحقيقته الشرعيَّة) لمصطلحي المنافسة والاحتكار، مع إعمال عقلي في الترجيح والإنشاء.

 

تدور معاني كلمة "حكر" في اللغة: على إدْخال المشقَّة والمضرَّة على مَن يعاشره الشخص ويعايشه، مِن خلال حبْس ما يعدُّ مِن ضرورات الحياة - على اختلاف صورها من عصر لآخَر - لتحقيقِ أكبر نفْع من جرَّاء بيْع الشيء المحبوس عن السوق أو الأشخاص وقتَ الغلاء.

 

فالحَكْرُ لغةً: الظُّلْمُ وإساءَةُ المعاشَرَة[1]، وفلانٌ يَحكِرُ فلانًا: إذا أَدخَلَ عليه مَشَقةً ومَضَرَّةً في مُعاشَرته ومُعايَشته، أو في أسبابهما [2].

 

والحَكْرُ أيضًا: الشَّيْءُ القَلِيلُ مِن الماءِ والطَّعَامِ واللَّبَنِ.

 

الحَكَر بالتَّحْرِيك: ما احْتُكرِ مِن الطَّعَامِ ونَحْوِه ممَّا يُؤْكَل؛ أي: احْتُبِسَ انْتِظارًا لغَلائِه.

 

وفَاعِلُه "حَكِرٌ"، يُقال: إِنَّه لحَكِرٌ لا يَزال يَحْبِس سِلْعَتَه والسَّوقُ مادَّةٌ حتَّى يَبِيعَ بالكثير، ومعنى: "والسُّوقُ مَادَّةٌ"؛ أي: مَلْأى رِجَالاً وبُيُوعًا[3].

 

وحَكَرَ بالشيء يحكِر حكرًا: استبدَّ به واستقلَّ[4].

 

وهذا المعنى يوجد في اللغة الإنجليزية:

حَكَر، حُكَر: سِلْعَةٌ مُحْتَكَرَة[5].

 

حبس ما يضرُّ بالناس حبسُه؛ بغيةَ إغلاء السعر، وعندَ البعض: حبس الأقوات.

 

وفي الاصطلاح القانوني:

"الاحتكار هو: حبْس الشيء والامتناع عن بيْعِه مع شدَّة حاجة الناس إليه؛ حتى يغلوَ سعره، أو ينقطع عن السوق، وذلك لغرضٍ اقتصادي أو سياسي أو غيرِهما ممَّا يقصده المحتكر"[6].

 

قلت: هذا التعريفُ ينصبُّ على نوع مِن الممارسات الاحتكاريَّة، وليس كل أنواعه؛ ولذلك فهو تعريفٌ قاصر، وليس جامعًا مانعًا.

 

الاحتكار في الاصطلاح الشرعي:

"الاحتكار الشرعي إمساكُ الطعام عنِ البيع، وانتظار الغَلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه"[7].

 

قال الأوزاعي: المحتكر مَن يعترض السوق؛ يعني: يترقَّب الذي يحتاج إليه الناس في السوق للبيع، فيَحُول بينهم وبينه، هذا هو المحتكِر، ويدخل فيه الذي يتلقَّى الرُّكْبان ثم يحتكِر الشيء الذي تلقَّاه والناس بحاجةٍ إليه.

 

تعليق على التعريفات السابقة:

يُلاحَظ مدى التقارُب بيْن معنى الاحتكار في اللُّغة والاصطلاح القانوني والشرعي، فتدور معاني كلمة "حكر" في اللُّغة والاصطلاح القانوني والشَّرْعي على إدخال المشقَّة والمضرَّة على مَن يعاشره الشخصُ ويُعايشه، مِن خلال حبْس ما يعدُّ مِن ضرورات الحياة - على اختلاف صورها من عصر لآخَر - لتحقيقِ أكبر نفع من جرَّاء بيْع الشيء المحبوس عن السُّوق أو الأشخاص وقتَ الغلاء.

 

لكن تعريف الاحتِكار في الاصطلاح القانوني أوْسَع منه في اللُّغة والاصطلاح الشرعي:

ففي القانون الاحتكار هو:

"حبْس الشيء والامتناع عن بيْعه مع شدَّة حاجة الناس إليه؛ حتى يغلوَ سعره أو ينقطع عن السُّوق، وذلك لغرضٍ اقتصادي أو سياسي، أو غيرهما ممَّا يقصده المحتكر"[8].

 

ولفظ "الشيء" عام لم يقيَّد بنوع معيَّن من أنواع الحاجات، كما في التعريف الشرعي.

 

فالشيءُ المقصود في التعريف القانوني هو كلُّ شيء تشتدُّ حاجة الناس إليه في السوق المعني.

 

 

أما في التعريف الشرعي:

"الاحتكار الشَّرْعي إمساك الطعام عن البيع، وانتظار الغَلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النَّاس إليه"[9].

 

فتقيَّد تعريف الاحتكار بالطعام وما يَقتات الناسُ به، ومِثل هذا التقييد جاء في معظمِ التعريفات اللُّغوية التي وقفتُ عليها.

 

وقد دعا التطوُّر الهائل في المستحدَثات في النَّشاط الاقتصادي التجاري والصناعي والزِّراعي إلى هذا التوسُّعِ في مفهوم الاحتكار، كما أنَّ بساطة الحياة إبَّان وضع التعريفات اللُّغوية الشرعيَّة  للاحتكار جعَلها أضيقَ مفهومًا.

 

ولكن قال الأوزاعي: المحتكِر مَن يعترض السُّوق؛ يعني: يترقَّب الذي يحتاج إليه الناس في السوق للبيع، فيحول بينهم وبيْنه، هذا هو المحتكِر، ويدخُل فيه الذي يتلقَّى الرُّكبان ثم يحتكِر الشيءَ الذي تلقَّاه والناس بحاجة إليه.

 

فإذا ضممْنا كلام الأوزاعي لكلام ابن حجرٍ المعرِّف للاحتكار الشرعي، لاتفقَا التعريفان القانوني والشرعي مِن حيثُ عدم التقيُّد بالطعام، بل يمتدُّ لكلِّ ما يحتاجه الناسُ في السوق المعنيَّة.

 

وهذا ما أَميل إليه من وجهة نظري، وما يتَّفق مع رُوح التشريع الإسلامي ومقاصده، فالظروف الحياتيَّة تتغيَّر والحاجات الإنسانية تختلف وتتنوَّع من عصر لآخَر، ومِن مجتمع لآخَر، ومِن سوق لآخَر، وما يعد كماليًّا في مجتمع بدائي يكون ضروريًّا في مجتمع مدَني متطوِّر، والتشريع الإسلامي تشريعٌ عالمي يصلُح لكل زمان ومكان، وعلى علمائه أن يَحكُموا في النوازل الفقهية وَفقَ مقاصد الشريعة، ومنع الاحتكار وتحريمه هدفُه عدمُ إضرار الناس وإلحاق المشقة بهم، وكذلك هدفُه دفْعُ عجلة الاقتصاد بتحريكه في حريَّة، مما تجعل الاستثمارات تزدهر، ولا يركد الاقتصاد بسببِ الاحتكار، وعدم تحوُّل المحتكِر إلى قوَّة اقتصادية مسيطرة متحكِّمة في حاجات الناس، وتبعًا لذلك تؤثِّر على القرار السياسي في الداخل والخارج.

 


الفصل الثاني: تنبيه واقتراح

لم يُعرِّف قانون حماية المنافسة ومنْع الممارسات الاحتكاريَّة المصري رقم3 لسنة 2005، ولا في التعديل في قانون رقم 190 لسنة 2008، ولا في اللائحة التنفيذيَّة الصادرة لقرار رئيس الوزراء رقم 1316 لسَنة 2005 - الاحتكارَ!


فقدِ اقتصر المشرعُ على تعريف الأشخاص والمنتجات والجِهاز والمجلس، وذلك في المادة الثانية من قانون حماية المنافسة.

 

وعرَّف السُّوق المعنية في المادة الثالثة، و"السيطرة" في الرابعة.

 

وكذلك لم تذكُر اللائحةُ التنفيذيَّة في فصل التعريفات تعريفَ الاحتكار.

 

وكان ينبغي أن يُعرِّفَ المشرعُ القانوني الاحتكارَ تعريفًا يُزيل أيَّ لبسٍ مستحدث.

 

فرغم ورود لفظ الاحتكار في عنوان القانون: "حماية المنافَسة ومنْع الممارسات الاحتكارية"، لم يعرف الاحتكار!

 

فهل نسي المشرع؟!


المتأمِّل في موادِّ القانون يجد أنَّ المشرع حرَص على دقَّة الألفاظ ووضوحها، لكنَّه هل غفَل عن تعريف الاحتكار  تعريفًا جامعًا؟

 

الظاهر عندي أنَّ المشرع لم يغفل، لكن لمَّا كان قانون حماية المنافسة قانونًا مستحدثًا، مأخوذًا معظمه مترجمًا عن قوانين أجنبيَّة، فجاءتْ لفظة السيطرة لتحلَّ محلَّ الاحتكار، والمسيطِر تحلُّ محلَّ المحتكِر!

 

ولهذا أصل في اللغة العربية:

فقد جاء في كتب اللُّغة: وحَكَرَ بالشيء يحكِر حكرًا: اسْتبدَّ به واستَقَلَّ[10]، وهما بمعنى السيطرة.

 

لكن لماذا لم يذكُرِ المشرع أنَّ لفظ السيطرة مساوٍ للفظ الاحتكار، فلا مشاحةَ في الاصطلاح كما يُقال؟

 

ولكن هل تعريفُ القانون للسيطرة يتَّفق مع معنى الاحتكار حتى يكون مساويًا له أم يقصُر عنه أم يَزيد عليه؟

 

تقول المادة 4 قانون حماية المنافسة: "السيطرة على سُوق معنيَّة في تطبيقِ أحكام هذا القانون هي قُدرة الشَّخْص الذي تَزيد حصَّته على (25%) من تلك السُّوق على إحداث تأثيرٍ فعَّال على الأسعار أو حجْم المعروض بها دون أن تكونَ لمنافسيه القُدرة على الحدِّ من ذلك".

 

فالسيطرة في تعريفِ هذا القانون: "هي قُدرة الشَّخص الذي تَزيد حصَّتُه على (25%) من تلك السُّوق على إحداث تأثير فعَّال على الأسعار أو حجم المعروض".

 

فالسيطرة مجرَّد قُدرة الشخص على إحداثِ تأثير فعَّال في السوق!

 

أمَّا الممارسات الاحتكارية (الاحتكار) فهي أفعال تتعدَّى القُدرة والسيطرة، أو هي نتاج القُدرة والسيطرة، يترتَّب عليها إضرارٌ بالنشاط الاقتصادي العام أو أحد الأشخاص.

 

وإذًا أُقرِّرُ أنَّ المشرع بذلك لم يُعَرِّف الاحتكار تعريفًا اصطلاحيًّا، وإن كان حدَّد ابتداءً مِن المادة السادسة صورَ المُمارسات الاحتكاريَّة، فكأنَّه آثَر أن يكونَ تعريفُه عمَليًّا لاشتهار معنى الاحتِكار.

 

ولكن الأفضل تحديدُ الحدود والتعاريف؛ ليقلَّ الخطأ والتضييق في التفسير أو التوسُّع فيه، فكما عرَّف المشرعُ الجهازَ والمجلس والمنتجات في المادَّة الثانية، لعدم اللبْس، فينبغي كذلك تعريفُ الاحتكار.

 

تعريف مقترح:

ولذلك أقترح أنَّ يُضاف تعريف الاحتكار في التعديل القادِم للقانون، وأُسهِم كنوع مِن التدريب وإعمال المَلَكة القانونية لديَّ في هذا التعريف، وأرْجو مِن الله التوفيق في الصياغة.

 

الاحتكار (الممارسات الاحتكارية): هو محظورات قانونيَّة معاقَب عليها، تتمُّ داخلَ النَّشاط الاقتصادي عامَّة؛ لتحقيقِ مكاسب ذاتيَّة عن طريق حبْس مُنتج، أو استغلال الوضْع المسيطر، مما يضرُّ بأشخاص السوق المعنيَّة كلِّهم أو بعضهم.


 

شرح التعريف:

وأظنُّ أنَّ هذا التعريف للممارَسات الاحتكارية تعريفٌ أقربُ لأنْ يكون مانعًا جامعًا، ولتأكيد هذه الدعوى والتدليل عليها أسوق شرحًا له موجزًا.

 

فقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنَّها: "محظورات قانونية"؛ خروجًا بها عن المحظورات العُرفية أو الدينيَّة المحْضة.

 

وفي ذلك تقول المادة 1 مِن قانون حماية المنافسة: "تكون ممارسة النشاط الاقتصادي على النحوِ الذي لا يؤدِّي إلى منْع حرية المنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها، وذلك كله وَفْقَ أحكام القانون".

 

وقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنَّها: "مُعاقَب عليها"، وهذا ما أكَّدتْه موادُّ القانون 22، ومادة 22 مكرَّر، و22مكرَّر (أ)، ومادة 23، وَفْقَ تعديل 2008.

 

وقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنها: "داخل النَّشاط الاقتصادي عامَّة": وذلك ليشمل كلَّ نواحي المجالات الاقتصاديَّة داخلَ النشاط الاقتصادي في الدولة، سواء المجالات الحالية أو المستحدَثة مستقبليًّا، وبحيث لا يتحايل على القانون أحدٌ، بخلْق ثَغَرات صياغيَّة فيه.

 

وقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنها ترتكب: "لتحقيقِ مكاسبَ ذاتية".


ولم أقلْ لتحقيق مكاسب ماديَّة مثلاً؛ لأنَّنا في العصر الحديث وتغير صُور الحرب والتأثير على قرارات الشُّعوب والحكومات، تستخدم الممارسات الاحتكاريَّة كأنجحِ سبيلٍ لذلك، وأوضح مثال لذلك الوضعُ المسيطر للدول العربيَّة إبَّان حرْب 1973 فيما يخصُّ سوق النفط والبترول العالمي، حيث منَعوا تصديرَ البترول وخفَّضوا الإنتاج، وآثار ذلك معروفة.

 

هذا فيما يخص الوضع العالمي.

 

أمَّا في الداخل فقدْ شهِد العصر الحديث في مصر تنامي الاستثمارات الأجنبية والخَصْخصة، والسوق الحرة، وكلُّنا يعلم مهامَّ الشركات عابرة القارات ودورها السياسي والاقتصادي، خاصَّةً في دول العالم الثالث (النامي).

 

فقولي: مكاسب ذاتية أعم مِن المادية والسياسية، فقد يكون سببُ الممارسات الاحتكارية أسبابًا شخصية لخلافات شخصية بيْن المتعاملين في السوق المعنية، وهذا مشاهَد معلوم لمَن يتابع الأسواق.

 

وقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنها ترتكب: "عن طريقِ حبْس منتَج، أو استغلال الوضْع المسيطر أو اتفاقات".

 

لقد تأملتُ الممارساتِ الاحتكاريةَ التي تحدُث في الواقع العملي داخلَ النشاط الاقتصادي، فما وجدتها تخرج الآن - في حدِّ عِلمي الحالي - عن هذه الطُّرق.

 

وهذا ما أكَّدتْه اللائحةُ التنفيذيَّة في الأبواب الثاني والثالث والرابع، وكذلك الباب الخامس.

 

وقولي عن (الممارسات الاحتكارية) أنَّها ترتكب: "مما يضرُّ بأشخاص السُّوق المعنية كلِّهم أو بعضهم أو حريَّة المنافسة".


 

وهذا خروج عن الممارسات الاحتكارية التي لا تضرُّ أشخاص السوق المعنيَّة أو بعضهم، ففي بعضِ الأقطار تُعدُّ الخِدمات المقدَّمة للجمهور؛ مِثل الكهرباء، والغاز، والماء وشَرِكات الهاتف احتكارات في يدِ الدولة لا غيرها.


وهدف ذلك واضِح؛ لأنَّ تلك الأشياء صارتْ مِن حاجات الناس الضروريَّة التي لا غِنى لهم عنها، فإنْ صار إنتاجها في يدِ الأشخاص لضرَّ ذلك الناس؛ لسعي أشخاص السُّوق المحتكرين للمكسب المادي الكبير؛ لذلك تحتكِر الحكومات غالبًا هذه الخِدمات أو المنتَجات وتدعمها لتصلَ للجمهور.

 

ومثل هذه الاحتكارات لا تضرُّ، بل تنفع في ظلِّ دولة القانون، الدولة الحديثة, ولذلك جاء قولي: مما تضرُّ.

 

ولهذا أشارتْ - بطريق خفي- المادةُ رقم 14 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، حيث قرَّرت عدم سريان أحكام هذا القانون على المرافِق العامَّة للدولة، مع بعض القيود في المادة 15 من الباب الخامِس من اللائحة.

 

 

فصل

بعد تعريف السيطرة في المادة الرابعة، أعْطَى المشرع جهازَ حماية المنافسة قدرًا من الحرية في تحديدِ حالات السيطرة، لكنَّها مقيَّدة بما ورَد في اللائحة التنفيذيَّة، حيث قال: "ويحدِّد الجهازُ حالات السيطرة وفقًا للإجراءات التي تبيِّنها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

 

وجاءتْ صور الممارسات الاحتكارية وصور الأفعال المضرَّة لحماية المنافسة خلوًا عن تحديدها؛ هل ما ذكَره القانون على سبيلِ الحصْر أم المثال؟

 

والظاهر - بل الصحيح - أنَّها مذكورةٌ على سبيلِ الحصْر.

 

والممارسات الاحتكاريَّة تتجدَّد بتطوُّر المستحدَثات القانونيَّة، وبتطوُّر صور النشاط الاقتصادي وتنوُّعه.

 

وكان جديرًا بالمشرع أن يمنح الجهاز - جهاز حماية المنافسة - المنوط به تَطبيق هذا القانون بصريح المادَّة 11 وغيرها – أقول: كان جديرًا بالمشرع أن يمنح الجهاز قدرًا من الحرية والتقدير لبعضِ الممارسات الاحتكارية المستحدَثة مما لم يرد ذِكرها في القانون، ويضَع مِن القيود ما يشاء مما يحدُّ مِن إمكانية استغلال الجِهاز لهذه الحريَّة لغير ما أُنشِئ من أجله، مثلما فعل فيما يخصُّ تحديد حالات السيطرة.

 

ونجد مثل هذه المادة في قانون المنافسة الإنجليزي حيث جاء فيه:

"معرفة ما إذا كانت الاتفاقاتُ مناهضةً للمنافسة مِن عدم مناهضتها يتمُّ تقييمها على أساس موضوعي، أو تأثيرها على المنافَسة، بدلاً مِن صياغتها بشكلٍ محدود.

 

 

 

 

 

الفصل الثالث: بيان معنى التنافُس

نافسَ في الشيء: بالَغ فيه، ورغب، ونافس فلانًا في كذا: سابقه، وباراه فيه من غير أن يلحق الضررَ به[11].

 

وتنافسَ القومُ في كذا: تسابقوا فيه، وتباروا دون أن يُلحِق بعضهم الضرر ببعض.

 

والتنافُس في الشيء هو الرَّغْبة فيه، والمغالاة في طلبِه والتزاحُم عليه[12].

 

إذن - وكما قلت آنفًا - فنمطوق القانون "حماية المنافسة"؛ يعني: حماية المنافَسة الشريفة، حماية حريَّة المنافسة العادِلة وَفقَ قواعد القانون، فالمنافسة العادلة يحدِّدها العرف أولاً وقواعد العدالة الاجتماعيَّة المنبثِقة عن تقاليد دينيَّة - في الغالب - وغير دِينيَّة، ومع بُزوغ شمس الدولة الحديثة بدأ سَنُّ القوانين في كلِّ دولة أو جماعة بشريَّة تجمعها روابطُ جغرافيَّة ولغويَّة ودينيَّة.

 

فأصلُ التنافُس لُغويًّا: التسابق دون إلحاق الضرر بالغير، وعليه فلا حمايةَ للمنافسة التي تسعَى للإضرار بالغير.


ولم يعرِّف القانون  المنافَسة المحمية قانونًا الواردة في عنوانه لاشتهار معناها.

 

التنافُس الاحتكاري (أضراره ومنافعه):

السَّعي للاستئثار بالمنفعَة تنافس غير شريف، ويؤدِّي لأضرارٍ جمَّة غالبًا؛ فإنَّ الشَّرِكات المحتكرة تدرُّ أرباحًا كبيرة مقارنة بالشرِكات المنافسة، فالمحتكر يستطيع بيْع إنتاج منخفض الجودة، دون أن يُعاني خسارةً في المبيعات.

 

ومِن المعروف في دوائر الاقتصاد أنَّ الاحتكار إذا تحقَّق لمركز إنتاجي في سُوق معينة، فإنَّ مِن المتوقَّع أن يبدأ المنتج في إفساد السِّلعة، بتقليل جودتها اعتمادًا على الاحتكار المتاح له وطمعًا في رِبْح أوفر.

 

ورغم ذلك فإنَّ بعض علماء الاقتصاد يعتقدون أنَّ الاحتكار يمكن أن يكون مفيدًا، فالمحتكِر مثلاً يمكن أن يكونَ أكثر كفايةً مقارنةً بمجموعة شرِكات متنافسة.

 

ويعتقد بعضُ الخبراء أيضًا أنَّ الاحتكارات تُرَقِّي البحْث والاختراع؛ لأنَّ الشرِكاتِ الكبيرةَ يمكنها رعاية مزيد مِن برامج البحوث، نتيجة لأرباحها الإضافية، وقد أوضحتِ الدراسات أنَّ كثيرًا من الشركات لا تزيد مِن ميزانيات بحوثها بعدَ الشروع في الصناعة.

 

ضرورة المنافسة لإعمار الأرض:

يقول الإمام الشعراوي[13]:

"الحق سبحانه يُريد في الكون حركةً متبادلة، وهذه الحرَكة المتبادلة لا تنشأ إلاَّ بوجود نوْع من التنافُس الشريف البنَّاء، التنافُس الذي يُثري الحياة، ولا يُثير شراسة الاحتكاك، كما قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ﴾  [المطففين: 26].


كما يتنافَس طالبُ العِلم مع زميله المجدِّ؛ ليكون مِثْله أو أفضل منه، وكأنَّ الحق سبحانه يعطينا حافزًا للعمل والرُّقي.


فالتنافُس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية، بل تنافُس مَنْ يحبُّ للناس ما يحب لنفسه، تنافس مَنْ لا يشمت لفشَل الآخرين.

 

وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:

عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ
فَلاَ أَبْعَدَ الرحْمَنُ عَنِّي الأَعَادِيَا
هُمُ بَحَثُوا عَنْ زَلَّتِي فَاجْتَنَبْتُهَا
وهُمْ نَافَسُونِي فَاكْتَسبْتُ المَعَالِيَا

 

ويقول ابن القيِّم في بيان أنواع الحسَد[14]:

"والحسَد الثالث: حسد الغِبطة، وهو تمنِّي أن يكونَ له مثل حال المحسود مِن غير أن تزولَ النِّعمة عنه، فهذا لا بأسَ به ولا يُعاب صاحبه، بل هذا قريبٌ من المنافسة، وقد قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]".


 

لذلك تتَّفق نظرتَا التشريع الإسلامي والقانون حولَ ضرورة المنافَسة الحرَّة، فقد جاءتِ المادة الأولى مِن هذا القانون صريحةً في هذا الشأن ودون لبس: "تكون ممارسة النشاط الاقتصادي على النحو الذي لا يؤدِّي إلى منْع حرية المنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها، وذلك كله وَفْقَ أحكام القانون".

 


الفصل الرابع: حكم الاحتِكار الضار والمنافَسة غير العادلة في التشريع الإسلامي

حكم الاحتكار الضار والمنافَسة غير العادِلة في التشريع الإسلامي يوضِّحه صريحُ الحديث الصحيح عن رسولِ الإسلام ومِن القواعد الفقهيَّة ومقاصد الشريعة.

 

أولاً:

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لاَ يَحتكِر إلا خاطئ)).

فقلت لسعيد: فإنَّك تحتكِر! قال: ومعمر كان يحتكِر.

 

قال أبو داود: وسألتُ أحمد، ما الحُكرة؟ قال: ما فيه عيشُ الناس.

 

قال أبو داود: قال الأوزاعيُّ: المحتكِر مَن يعترض السوق[15].

 

ورَوى مسلم في صحيحه عن معمَر بن عبدالله أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال : ((لا يَحتكِر إلا خاطِئ)).

 

بيان وجه الحديث:

"خاطِئ" بالهمزة هو العاصِي الآثِم، وبمعنى: ظالِم[16].

 

وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن احتَكَر فهو خاطئ))، وفي رواية: ((لا يَحتكِر إلا خاطئ))، قال أهلُ اللغة: الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثِم، وهذا الحديث صريحٌ في تحريم الاحتكار[17].

 

لكن هل كل احتكار حرام شرعًا:

مِن الوجهة الإسلاميَّة ليس كلُّ احتكار محرَّمًا شرعًا:

فقدْ حدَّد الإمام أحمد بن حنبل الحكرة - الاحتكار - قال: ما فيه عيش الناس.

 

يعني: الذي به قوتُ الناس وطعام الناس، بحيث يسدُّ فاقتَهم ورمقهم، هذا هو الذي فيه الحُكرة، ولا يكون في كلِّ شيء؛ لأنَّ بعض الأشياء يمكن أن تخزن والناس ليسوا في ضرورة إليها، مِثل الكماليات التي الناس بغُنية عنها وقد لا يحتاجون إليها[18].


وقال الفقيه ابن تيميَّة: "المحتكِر هو الذي يعمد إلى شِراء ما يحتاج إليه الناس مِن الطعام فيحبسه عنهم، ويُريد إغلاءه عليهم، وهو ظالِم للخلْق المشترين".

 

ويؤكِّد هذا كلامُ الإمام ابن حجر - نزيل مصر - فقد قال: "الاحتكار الشرعيُّ إمساك الطعام عن البيع، وانتظار الغلاء، مع الاستغناء عنه وحاجةِ الناس إليه"[19].

 

 

وطبقًا لهذا الرأي فيقتصر الاحتكارُ المحرَّم في التشريع الإسلامي على الطعام والقوت، وتفسير ذلك هو تحوُّل كثيرٍ من الكماليات في العصر الحديث إلى ضرورات تبعًا للتطور.


والاحتكار يأتي في كلِّ ما يضرُّ بالعامة في قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى.


ويقول صاحب المجموع شرْح المهذب (13/ 45): " فهذه الأحاديثُ بمجموعها لا شكَّ أنَّها تنتهض حُجَّةً للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فُرِض عدم ثبوت شيء منها، وأخذت بمجموعها، فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم، والتصريح بأنَّ المحتكِر خاطئ كافٍ في إفادة عدم الجواز؛ لأنَّ الخاطئ هو المذنِب العاصي، وهو فاعِل مِن خَطِئ من باب عَلِم إذا أثِم في فعْله؛ قاله أبو عبيدة، وقال: سمعتُ الأزهري يقول: خَطِئ إذا تعمَّد، وأخطأ إذا لم يتعمَّد.

 

قال الأصحاب مِن الشافعية: إنَّ المحرَّم إنما هو احتكار الأقوات خاصَّة لا غيرها، ولا مقدار الكفاية منها، وإلى ذلك ذهب الزيدية أيضًا.

 

وذهَب الشوكانيُّ إلى أنَّ الأحاديث ظاهرُها يحرِّم الاحتكار مِن غير فرق بين قوت الآدمي والدواب، وبين غيره، والتصريح (بالطعام) في بعضِ الرِّوايات لا يَصلُح لتقييد بقية الروايات المطلقة.

 

ويمكن الردُّ عليه بأنَّ المقرَّر في قواعد الأصول: أنَّ المطلَق يُحمل على المقيَّد، وأن العام يُحمل على الخاص، إلا أنَّ الشوكاني يخرج مِن هذا المأزق بقوله: إنه من باب التنصيص على فرْد مِن الأفراد التي يُطلق عليها المطلق؛ وذلك لأنَّ نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقَب، وهو غير معمولٍ به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلُح للتقييد على ما تقرَّر في الأصول أيضًا.

 

قال الحنابلة[20]: ويحرُم الاحتكار بثلاثة شروط:

1- الشرط الأول: أن يكونَ المحتكَر قوتًا، فإن كان المحتكَر غير قوت فيجوز ذلك، قالوا: لأنَّ سعيد بن المسيب وهو الراوي عن معمر كان يحتكِر النوَى - أي نوى التمر - والخبط - وهو علَف الدواب - والبذر - أي بذور النَّبات - وفي المسند أنَّ سعيد بن المسيب كان يحتكِر الزيت، قالوا: ولا يعقل أنَّ هذا الإمام يخالف روايتَه إلا أن يكون هذا خارجًا عن رِوايته، وقد ثبت أنَّ معمر بن عبدالله كان يحتكِر، قالوا :فدلَّ هذا على أن المحتكَر الممنوع احتكاره إنما هو القوت، وذهب أبو يوسف صاحِب أبي حنيفة - وهو اختيار الشوكاني - إلى أنَّ ذلك محرَّم، وهذا هو الراجِح لعموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((لا يحتكِر إلا خاطئ))، وأما الجواب عن فِعل معمر بن عبدالله وسعيد بن المسيب فيتَّضح في الشرط الثاني الذي اشترَطه الحنابلة.

 

2- الشرط الثاني: ألاَّ يكونَ للناس في المحتكر حاجَة، وعلى هذا يحمل احتكار معمر واحتكار سعيد، وأنَّ احتكارهما ليس في الناس حاجة إليه، فلا يتضرَّر الناس باحتكارهما، فيجوز للشخْص أن يحتكر القوت وغيره إن لم يكُنْ للناس فيه حاجة؛ إذ لا ضررَ على أهل السوق في ذلك، وهذا الشَّرْط واضح وصحيح، ويدلُّ عليه فعلُ معمر، وفعله يخصِّص ما رواه، ورأي الصحابي ولا سيما راوي الحديث أو فعله مما يُخصِّص روايته، كما أنَّ المعنى يدلُّ على ذلك؛ إذ لا ضرر في احتكار ما لا يحتاج إليه الناس، سواء أكان مِن أقواتهم أم مِن غيرها.

 

3- الشرط الثالث: أن يشتريَه من البلد، فإذا جلبَه مِن خارج البلد أو صنعه بنفسه أو كان هذا مِن مزرعته فإنَّ هذا جائز، واستدلوا بما رواه ابن ماجه أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال : (الجالب مرزوقٌ، والمحتكِر خاطئ) [جه 2153، فيه عليُّ بن سالم بن ثوبان، وعلي بن زيد بن جدعان، وكلاهما ضعيف]، والراجح خلاف ما ذَكَروه، فإنَّ الحديث:

أولاً: ضعيف.

 

ثانيًا: لا فرْقَ بين احتكار ما لم يجلب واحتكار ما يجلب مِن خارج البلد، فما دام أنَّ في الناس حاجةً إلى ذلك ففي احتكاره تضييقٌ عليهم، وعلى ذلك يظل قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((لا يحتكِر إلا خاطئ)) على عمومِه، فإنَّ الصور التي استثناها الحنابلةُ داخلة في عموم النهي، فليس لأحدٍ أن يحتكر شيئًا وإنْ جلبَه مِن خارج البلد؛ لأنَّه بذلك قد قدَّم المصلحة الخاصَّة على المصلحة العامَّة.

 

الفصل الخامس: مُشابَهَة

"جهاز الحسبة" في عصْر الخلافة الأُموية، وجهاز حماية المنافسة المصري

بالتأمُّل في مهامِّ جهاز الحسبة في الخِلافة الأُموية، نجد تشابهًا ظاهرًا بينه وبين جهاز حماية المنافسة المصري، المكوَّن بقانون رقم 3 سنة 2005.

 

وهذا  تشابهٌ محدود بالطبع بمدَى التطوُّر الحادِث في المستجدَّات المعاملاتية في النشاط الاقتصادي في العصْر الحديث.

 

وفيما يلي أذكُر مهامَّ الجهازين فيما تشابهَا فيه:

أولاً - جهاز الحسبة:

والمقصود هنا بالحسبة: المعنى الضيِّق؛ أي: عملية الإشراف على تنظيمِ الأسواق والعمليات التجاريَّة فيها.

 

وقد كان مِن مهامِّ المحتسِب - رئيس جهاز الحسبة - في الدولة الأُموية جباية ضرائبِ المبيعات، وتحصيل أُجرة الدَّكاكين التابِعة للدولة[21]، إضافةً إلى مسؤوليات السوق، والتي مِن أبرزها[22]:

• منْع الارتفاع الفاحِش لأسعار السِّلع الأساسيَّة.

• منْع حالات الاحتكار إنْ وُجِدت، وإجبار المحتكِر على بيع ما احتكَره[23].

 

إنَّ الحياة الاقتصاديَّة في بداية الدولة الأُمويَّة كانتْ بسيطة، وعليه فقد سار ولاةُ الأقاليم على نهْج الخِلافة الراشدة، فكان الولاة - كل في إقليمه - يُباشِر الحسْبة بنفسه.

 

لكن هذا لم يمنعْ من ظهور وظيفة العامل على السوق في مدينة البَصرة في عهد ولاية زياد بن أبيه (45 - 53هـ) [24].

 

ويُمكن القول - مِن خلال التتبُّع - بأنَّ نِظام الحسبة كان موجودًا منذُ بداية العصر الأموي، وإن لم يكن يحمل لفظَ الحِسبة، إنما دور المحتسِب في تنظيم السوق كان متواجدًا طوالَ العصر الأموي، وقد نما النظام وتطوَّر بما يوافق تطوُّرَ قطاع التجارة، والأسواق، فيلاحظ أنَّه في بداية الأمر كان الوالي يتولَّى بنفسه أعمال الحسبة، ثُمَّ تطوَّر الأمر لأن يكون هناك شخصٌ معيَّن وظيفته الإشرافُ على السوق، ثم تطوَّر الأمر ليكون لهذا المعيَّن أعوانٌ يعينونه في عمله[25].

 

ومِن خلال المادة 11 مِن قانون حماية المنافسة رقم 3 لسنة 2005 يتبيَّن أنَّه قرر إنشاء جهاز حماية المنافسة ومنْع الممارسات الاحتكارية، وأوكل له عِدَّة اختصاصات إدارية قوامها تطبيقُ هذا القانون.

 

ولما كان هذا القانون قد "جاء لإرساءِ وتثبيت قواعِد المنافسة بيْن مختلف الوحدات الاقتصاديَّة بما يضمن دخولَ الأشخاص إلى السُّوق والخروج منها وفقًا للقواعد التي تحكمها" كما قالتِ الأستاذة منى يس، وكما هو واضحٌ من عنوان الجهاز "حماية المنافسة ومنْع الممارسات الاحتكارية"، فإنَّ التشابه ظاهرٌ بين الجهازين.

 

فقد ذكرتُ أنَّ مِن مسؤوليات المحتسب أو جهاز الحسبة[26]:

• منْع الارتفاع الفاحِش لأسعار السِّلع الأساسية.


وجاءت بقريب مِن هذا المعنى المادَّة العاشرة مِن قانون حماية المنافسة المصري رقم 3 لسنة 2005، فقالت: "يجوز بقرارٍ مِن مجلس الوزراء تحديدُ سِعر بيع منتَج أساسي أو أكثر لفترةٍ محدَّدة، وذلك بعد أخْذ رأي المجلس".

 

وذلك لما لرأي المجلس مِن اعتبار؛ إذ إنَّه يتابع الأسواقَ والأسْعار.

 

وهذا الجواز جاء بالطَّبْع كأداة لمنْع الارتفاع الفاحِش لأسعار السِّلع الأساسية.


وعبارة: "بعد أخْذ رأي المجلس" يقابلها في التشريع الإسلامي ما جاء فِي كتاب "الاخْتِيار شَرْح المُخْتار": "ولا يَنبغي للسلطانِ أن يُسعِّر؛ لما بينَّا - يعني: أنَّ المسعِّر هو الله تعالى - قال الشارح: إلا أن يتعدَّى أربابُ الطعام تعديًا فاحشًا في القيمة فلا بأس بذلك بمشورة أهلِ الخِبرة؛ لأنَّ فيه صيانةَ حقوق المسلمين عن الضياع[27].

 

وسيأتي تفصيل ذلك.


الفصل السادس: أُسس تدخل الدولة في منْع الممارسات الاحتكارية والتسعير

 

أولاً - الأساس القانوني:

المادَّة العاشِرة من قانون حماية المنافَسة المصري رقم 3 لسنة 2005، فقالت: "يجوز بقرار مِن مجلس الوزراء تحديدُ سعر بيع منتج أساسي أو أكثر لفترة محدَّدة، وذلك بعد أخذ رأي المجلس".

 

ثانيًا - الأساس الشرعي:

قاعدة: يُدفعُ الضَّررُ العامُّ بتحمُّل الضَّررِ الخاصِّ.

 

يقول الشاطبي:

"وأما المحتكر؛ فإنه خاطئٌ باحتكاره، مرتكِب للنهي، مضرٌّ بالناس؛ فعلَى الإمام أن يدفَع إضرارَه بالناس على وجهٍ لا يستضرُّ هو به.


وأيضًا؛ فهو مِن القسم الثالث الذي يحكم فيه على الخاصَّة لأجْل العامة، هذا كله مع اعتبار الحظوظ[28].

 

ويُمكنُ التَّعبيرُ عن هذه القاعِدَةِ بصيغَةٍ أُخرَى، هيَ: (اعتبارُ المصلحَةِ العامَّةِ مُقدَّمٌ على اعتبارِ المصلحَةِ الخاصَّة).

 

ومن فُروعهَا: تدخلُ الدَّولةِ في تسعيرِ السِّلعِ عندَ الغلاءِ بفِعْل التُّجَّارِ ممَّا يضرُّ بالنَّاسِ، وإجبارُ التَّاجرِ المُحتكرِ على البيعِ لحاجَةِ النَّاسِ[29].

 

وجاء في "الاخْتِيار شَرْح الْمُخْتَار": "ولا يَنبغي للسلطان أن يُسعِّر؛ لِمَّا بينَّا - يعني: أنَّ المسعِّر هو الله تعالى - قال : إلا أن يتعدَّى أربابُ الطعام تعديًا فاحشًا في القيمة، فلا بأسَ بذلك بمشورة أهل الخِبرة؛ لأنَّ فيه صيانةَ حقوق المسلمين عن الضياع[30].

 

قلت: إضافةً لدليل أنَّ المسعِّر هو الله بالنسبة لتحريمِ التسعير مِن قِبل الإمام، فإنَّ الثمن حقُّ العاقد، فإليه تقديره فلا يَنبغي للإمام أن يتعرَّض لحقه إلا إذا تعلَّق به دفْع ضررِ العامة.

 

بل نقَل البعض الإجماعَ على عدم جواز تسعير الإمام، فقال: "ولا يُسعِّر بالإجماع إلا إذا كان أربابُ الطعام يتحملون ويتعدّون عن القيمة، وعجَز القاضي أو الإمام عن صِيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فلا بأسَ به إنْ كانَ بمشورةِ أهل الرأي والبصر.


ويقول الإمام الفقيه ابنُ تيمية في  كتابه "الحسبة"[31]:

"المحتكِر هو الذي يعمد إلى شِراء ما يحتاج إليه الناسُ مِن الطعام، فيحبسه عنهم ويُريد إغلاءَه عليهم، وهو ظالِمٌ للخلق المشترين، ولهذا كان لوليِّ الأمر أن يُكرِه الناس على بيْع ما عندهم بقِيمة المِثل عند ضرورةِ الناس إليه، مِثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناسُ في مَخْمَصة، فإنه يُجبر على بيعه للناس بقِيمة المثل".


وقال أيضًا:

"ومِن هنا يتبيَّن أنَّ التسعير منه ما هو ظلمٌ لا يجوز، ومنه ما هو عدلٌ جائز.

 

فإذا تضمَّن ظلمَ الناس وإكراههم بغير حقٍّ على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم : فهو حرام.

 

وإذا تضمَّن العدلَ بيْن الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم مِن المعاوضة بثمن المِثل، ومنْعهم مما يحرُم عليهم مِن أخْذ زِيادة على عوض المِثل: فهو جائِز، بل واجب.

 

فأمَّا الأول: فمِثل ما روَى أنس، قال : غلاَ السِّعرُ على عهد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا : يا رسولَ الله، لو سعرتَ؟ فقال : ((إنَّ الله هو القابِض الباسِط الرازق المسعِّر، وإني لأرجو أنْ ألْقَى الله ولا يطلبني أحدٌ بمظلمة ظلمتُها إيَّاه في دمٍ ولا مال))؛ رواه أبو داود والترمذيُّ وصححه.

 

فإذا كان الناس يَبيعون سِلعَهم على الوجه المعروف مِن غير ظُلم منهم، وقد ارتفع السعرُ إما لقلَّة الشيء، وإما لكثرة الخلْق، فهذا إلى الله، فإلزامُ الخلْق أن يبيعوا بقيمة بعَينها إكراهٌ بغير حق.

 

وأما الثاني: فمِثل أن يمتنِعَ أربابُ السلع مِن بيعها مع ضرورةِ الناس إليها إلا بزيادة على القِيمة المعروفة، فهنا يجبُ عليهم بيعُها بقيمة المثل، ولا معنَى للتسعير إلا إلزامهم بقِيمة المِثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به.

 

والواجب إذا لم يمكن دفْعُ جميع الظلم أن يُدفَع الممكن منه، فالتسعيرُ في مِثل هذا واجب بلا نِزاع، وحقيقته: إلزامهم ألاَّ يَبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمَن المِثل.


ختامًا:

هذا جهد على عجالة، تأملتُ فيه قانونَ حماية المنافسة المصري محاولاً تأصيله وَفْقَ مبادئ الإسلام، وأرجو أن أكونَ وُفِّقتُ في العرْض، آملاً أن أرجع إليه في المستقبل القريب منقِّحًا ومزيدًا ومستدركًا مواضِع الزلل، وواجبك عزيزي القارئ نحو أخيك المسلم أن تنصحَه وتُريَه الحق، وعليَّ أن أستجيب للحق، والعِلم رَحِمٌ بين أهله، فأبِنْ عن الخطأ الذي تراه خطأً، وأرْشِد إلى الدليل تجدْني - إن شاء الله - سلسًا هيِّنًا منقادًا للحق.


[1] القاموس المحيط (1/484).

[2] كتاب العين  (3/61).

[3] القاموس المحيط (1/484).

[4] معجم الأفعال المتعدية بحرف (1/38).

[5] قاموس المحدث  (1/9669)، معجم لغة الفقهاء (1/222).

[6] مجلة الحقوق العدد الثاني، السَّنَة الرابعة والعشرون 1421هـ - 2000م، جامعة الكويت.

[7] فتح الباري - ابن حجر - (4/348).

[8] مجلة الحقوق العدد الثاني، السَّنة الرابع والعشرون 1421هـ - 2000م جامعة الكويت.

[9] فتْح الباري - ابن حجر - (4/348).

[10] "معجم الأفعال المتعدية بحرف" (1/38).

[11] المعجم الوسيط  (2/940).

[12] التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي  (1/2576).

[13] تفسير الشعراوي  (1/5117).

[14] التفسير القيم لابن القيم  (2/298).

[15] سنن أبى داود  (9/305 رقم2990).

[16] شرح النووي على مسلم  (11/43)، باب تحريم الاحتكار في الأقوات (1605).

[17] القاموس المحيط (1/484).

[18] شرح سُنن أبي داود، عبد المحسن العباد  (18/51).

[19] فتح الباري، ابن حجر  (4/348).

[20] شرح زاد المستقنع للحمد (13/54).

[21] التطوُّر الاقتصادي في العصر الأموي (1/223).

[22] الإدارة في العصر الأموي (1/223).

[23] وكذلك: التأكُّد مِن دقَّة الأوزان، والمكاييل، والمقاييس المستعملة في عمليات السوق؛ منعًا لحدوث غبْن في التعامُل، والتفقد المفاجِئ لعيار الحبَّات، والمثاقيل لضمان عدم الإخلال بها.

[24] التطوُّر الاقتصادي في العصر الأموي (1/223).

[25] المصدر نفسه (ص: 224)، وينظر أيضًا: معالِم الإصلاح والتجديد (1/455).

[26] الإدارة في العصر الأموي (1/223).

[27] غمز عيون البصائر (2/99).

[28] الموافقات (3 /62).

[29] تيسير علم أصول الفقه؛ للجديع (3/63).

[30] غمز عيون البصائر (2/99).

[31] (1/27 وما بعدها).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التجارة في الإسلام (الاحتكار)
  • لحل غلاء الأسعار وممارسة الاحتكار
  • لما تخافون من الإسلام وقد جربتم حكم الطواغيت؟!
  • الدستور أولاً ومصادرة فرص الإسلاميين
  • نقد قانون (الوصية الواجبة) في التشريع المصري ومن سار على دربه

مختارات من الشبكة

  • إغراء المادة والتنافس بين الناس(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المادة اللغوية في القواميس العربية، وأبرز قضاياها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لماذا الهجوم على المادة الثانية من الدستور؟!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإخفاق في مناقشة المادة المدروسة(استشارة - الاستشارات)
  • بنية المادة في فيزياء الكوانطا ومآلاتها الإبستمولوجية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حكم قول: المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معايير اختيار المادة القاموسية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المقدمة في المادة وفيما وراءها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المادة الماتعة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • استخدام الحاسوب في تحرير المادة الصحفية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- أحسنت
خالد - مصر 23-04-2011 04:49 PM

أحسنت جزاك الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب