• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

حينما ينطق الجهل بالإسلام على لسان المثقّف العربي

حسن فاضلي أبوالفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/4/2011 ميلادي - 29/4/1432 هجري

الزيارات: 10578

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حينما ينطق الجهل بالإسلام على لسان المثقَّف العربي

(نموذج: عبدالله العروي، ومحمد عابد الجابري)


بسمِ الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحْبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

 

هذا بحثٌ في مظاهر الأزمة التي أصابتْ المثقَّف العربي، والتي أفقدتْه الرؤية الواضحة والسَّيْر السليم، وجعلتْه يسير بقدمِ المنهج الغربي المادِّي ويرَى بعين الفلسفة اليونانية.

 

فقدْ كانتِ البداية من ضعْف التديُّن عندَ رِجال الحكومة، وتراجُع أخلاقهم، وتفريغها مِن محتواها العقَدي، الشيء الذي أدَّى إلى انتعاش عروق الجاهلية ونزعاتها في البِلاد الإسلاميَّة، وإخلاد الكثير منهم إلى التَّرَف والملاهي والملاعِب، ففقدتْ بذلك حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطانَها؛ لأنَّها لا تستند إلى قوَّة ولا تحميها حكومة، وإنما يقوم بها متطوِّعون لا قوةَ لديهم ولا عقاب[1]. الأمر الذي جعَل الباب مفتوحًا أمام كلِّ غريب فِكري، وكل بعيد عقدي، وكل دخيل سُلوكي، فدخَل نبذ الدِّين والتراث والعقيدة، واستُقبلت العَلمانية بالترحيب في البيئة العربيَّة الإسلاميَّة، لزرْع الإلحاد في نفوس وعقول الشباب المسلِم، ووجد دُعاةُ القومية وعشَّاق الماركسية وأحباب الاشتراكية مقاعدَهم في هذه المجتمعات المغلَّفة بالإسلام، فبدأ تبنِّي الغزو الثَّقافي والاحتلال الفِكري[2]، إلى أنِ انتهى إلى فقدان حاسَّة الدِّين الإسلامي، وضياع الفِطرة التي فَطَر الله الناس عليها، فبدأ اعتقادُ الشعار القائِل إنَّ: "ما هو أصلٌ وأساسي وطبيعي، يُعَدُّ استثنائيًّا وشذوذًا وعارضًا وثانويًّا، ومدعاة للدهشة والاستغراب... (وإنَّ) الفِكر المتغرِّب يُعَدُّ أصلاً وأساسًا"؛ لكي تكون النتيجة المنطقية الأخرى، إعطاء الشرعيَّة"[3] لاستهلاك هذا الفِكر وتطبيقه.

 

وهذا الشِّعار هو أساسُ كلِّ الويلات التي بدأتْ تظهر في البلدان الإسلاميَّة، أولها "الحُكم على الإسلام مِن خلال المناهج المادِّية الغربيَّة التي كانتْ تعبِّر عن التغيير الحضاري داخل نمطية الحياة الغربيَّة، والتي أدَّتْ إلى عدِّ الإسلام حلقةً في سلسلة الثقافة الإنسانية، مِن خلال الآراء المتنوِّعة التي نتجتْ عن الدراسات النفسيَّة والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة والفلسفيَّة في الغرْب"[4].

 

هذا الشُّؤم كانتْ بدايته الأولى مع الشبابِ الذي سافَر إلى الغرْب قصدَ التعلُّم، ثم الرُّجوع بذلك العِلم؛ لتستفيدَ منه الدولة والشعْب، وقبل أن يحدُث هذا الأمر، يُشحَن أولاً بالثقافة الغربية ومناهجها الفِكرية الإلحادية، حتى إذا ترسَّخَ ذلك في عُمْقه، عاد إلى بلاده لأداء مهمَّته، بتبليغ فِكره الذي يعتقِده، ثم ما تعلَّمه مِن العلوم الفكريَّة والتقنيَّة والطبيعيَّة.

 

إنَّ الأمر هنا يتعلَّق بفقدان الحاسَّة الدِّينيَّة، التي تفقد نتائجها، أو تضعُف باستمرار، إلى أن تصلَ إلى نقطة الصفر، ويمكن أن نشبِّه ذلك بفاقِد إحدى الحواس، فـ"كما أنَّ مَن فقد حاسَّةً مِن الحواس الظاهرة، بطلتْ محسوساتها الخاصَّة بها، فلا تحصُل له بحاسة أخرى إلا بطريق خرْق العادة، ولا تحل حاسَّة مهما كانتْ قويَّة وصحيحة محلَّ الحاسة الأخرى، كذلك من فقَد الحاسَّة الدِّينيَّة لطارئ مؤثِّر، أو حُرِمها (...) بطلتْ نتائجها الخاصَّة بها، وانعدمتْ في حقِّه، بحيث لا يستطيع أن يتصوَّرها أو يُصدِّقها، شأن الأعمى لا يبصر الألوان والأجرام المرئية، وقد يُعاند ويكابر في إنكارها، وشأن الأصمِّ الذي ليستِ الدنيا الصاخبة إلا مدينة الأموات عندَه، ليس بها داعٍ ولا مجيب، كذلك مَن حُرِم الحاسَّة الدينية جحَد الغيب، وكابَر فيما وراء الطبيعة، وعانَد في المعاني الدينيَّة، وقسا على الرقائق والقوارع التي تهزُّ النفوس، وترقِّق القلوب وتذرف العيون"[5]. وهذا تمامًا هو ما حدَث مع أجيال الشباب التي هاجرتْ إلى الغرب، ولم تتذوَّقْ بعدُ لذَّةَ الإيمان، ولم تتشبع برُوح الإسلام، وعاؤها فارغ من كلِّ هذه المعاني، ما جعلها متعطِّشةً إلى الفكر المادي العلماني؛ ذلك لأنَّها ترى فيه التقدُّمَ والحَدَاثة والازدهار والتحضُّر المنشود، فلَّما تمكَّنت منه وعاشتْه في موطنه، ابتلعتْه بلهف واستهلكته بشَرَهٍ، وكانت النتيجة الكارثية هي كلَّ مظاهِر المادية والعَلْمَنة والفساد الفِكري والعقم العقلي، التي عرفتْها بلدانهم الأصلية.

 

إنَّ الاستِعْجال وعدمَ الصبر على الانتظار، والتفكير في إيجاد الحلول السريعة الجاهزة، دفَع هذه الفئةَ إلى سلوك الطريق السهل، وهو نقْل وترجمة الحلول الغربية الجاهِزة، لا سيَّما وأنَّ الحلول الإسلاميَّة، لم تكن موجودةً في صورة مذهبيَّة واقعيَّة حديثة.

 

ولَمَّا بدأتِ استجابات علماء ومفكِّري الإسلام للتحدِّي الحضاري الغرْبي، فكَّروا في تقديم المذهبيَّة الإسلاميَّة في أسلوبها المعاصِر، ومِن خلال مشاكلِ الحياة المعاصرة، وهمومها، وقطَعوا في ذلك مرحلةً لا بأس بها؛ استعادةً لأصالة الأمة وتوضيحًا لرؤيتها، وتحديدًا لشخصيتها الحضارية، فرفَض هؤلاء الذين تربَّوْا على موائدِ الثقافة الغربيَّة ذلك الجهد رفضًا قاطعًا، مع توجيه الإرهاب الفِكري والسخرية وهزِّ الأكتاف، بل حاربوه بحجَّة "السلفيَّة" في أسلوب تَهْريجي لا علمي ولا منهجي، دون الاعتماد على دراسةٍ ميدانية واسعة لما كتَبَه المسلمون[6] في هذا الباب، مما يُبيِّن بوضوح أنَّ هؤلاء يعتقدون اعتقادًا قاطعًا أنَّ ضوابط الإسلام على سلوك الإنسان وفِكره تَهدِم كوامنَ الإبداع عنده، "ولكي يستطيع تفجيرَ تلك الكوامن والقوى لا بدَّ - كما يفترون - من هدْم تلك الضوابط وإعطاء الحريَّة للمسلِم، كما هو واقعُ الحال في الغرْب.

 

ويظنُّ أولئك السُّذَّج أصحاب الأهواء، أنَّنا في ديار المسلمين عندما نهدِم تلك الضوابط التي أَمَرنا بها الإسلام، ونخرُج على تلك الثوابت التي جاء بها سيِّدُ الأنام محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - نستطيع وبلمحِ البصر أن نُرسِل مركبات فضائية تجوب أجواءَ الفضاء (...)، وبلمح البصر كذلك نبني مصانعَ لإنتاج طائرات الأشباح (...)، وبملح البصرِ أيضًا ستتحوَّل بلادنا إلى أوراش صناعية، تنتج كلَّ هذه الألوان مِن التقنيات العلميَّة في شتى المجالات: الطبيَّة والفلكيَّة والهندسيَّة وغيرها، وقد غابَ عن هؤلاء أنَّ سببَ تخلُّفنا التقني والعِلمي، هو أنَّنا لم نأخذ بالأسباب، التي تؤهِّلنا لأن نتقدمَ في هذا المجال، فضلاً على أن نستلم الرِّيادةَ من الآخرين، وغاب عنهم كذلك أنَّ هناك أُممًا وثنية تفوَّقت على كثيرٍ من المجتمعات الغربية في الجانب التقني والعِلمي، مع أنَّها لم تزلْ محافظةً على عقائدها الوثنية، وما أمرُ اليابان عنَّا ببعيد، وإنَّنا بصفتنا مسلمين لو استجبْنا لدعوات هؤلاء مِن أصحاب الأهواء، لازداد ضياعُنا، ولفقدنا الهُويَّة الإسلامية التي جعَلَنا الله تعالى بها خيرَ الأمم"[7]، وهو ما يبيِّن كذلك أنَّ هؤلاء قد اعتقدوا بعُمق "أنَّ الدين أبعدُ ما يكون عن (العلم)، وأنهما ضدَّان لا يجتمعان"[8]، وهذا الاعتقاد باطلٌ ناتج عن الجهْل بطبيعة كلٍّ مِن الدِّين والعِلم؛ إذ العلمُ دائرةٌ صغيرة داخل دائرة الدِّين الكبيرة، وهو لا ينفكُّ عنه، وفي آيات كثيرة حثَّ على العِلم واستعمال العقْل، "وقد نصف هذه الطائفة بأنَّها مستلبةٌ في ذاتها وفي كيانها، وفاقدة لهُويتها وأصالتها"[9]، كما هو حال أستاذ هؤلاء، علي عبدالرَّزَّاق في كتابه "الإسلام وأصول الحُكم"، وكما هو حال زَكي نجيب محمود في كتابه "خُرافة الميتافيزيقا"، وكـ"توفيق الحكيم" و"حسن حنفي"، وكما هو حال طه حسين في كتابه "الشعر الجاهلي"، وهؤلاء جميعا تبنَّوا هذه الفِكرة بإخلاص، ودافعوا عنها بإصرارٍ واستماتة، وتفنَّنوا في الدعوة إليها بكلِّ الطرق والوسائل[10].

 

إنَّ المثقَّفين عندنا في المغرِب - أو أصحاب الأزْمَة من المثقَّفين بتعبير محسن عبدالحميد - نجدهم قد ضمُّوا هذه الفكرة إلى صدروهم بحرارة، وقبلوها بشدَّة، وهو ما يؤكِّد أنَّ هذه العدوى تسرِي في عروق البلاد العربيَّة الإسلاميَّة كلها، ولبيان الرَّواج الذي لقِيَه هذا المنهج المادي العلماني الفاسِد، نذكُر ما سطَّره عبدالله العروي في كتابه: "العرَب والفكر التاريخي"، قال في (الصفحة: 132): "إنَّ الماركسية والإسلام إيديولوجيتان، تحملهما وتروِّجهما وتستخدمهما قُوى اجتماعيَّة تكون في زمن معيَّن"، وقال في (الصفحة: 185): "إنَّ أحسنَ مدخل وأحسن مدرسة للفِكر التاريخي يجدها العرَبُ في الماركسية"، ثم قال في (الصفحة: 201): "ورُبَّ معترض يقول: ستكون حينئذٍ ثقافتنا المعاصرة تابعةً لثقافة الغير! وليكن، إذا كان في ذلك طريق الخَلاص"[11].

 

إنَّ الرجل في وصفِه للإسلام بالإيديولوجيَّة فيه دليلٌ على أنَّه لا ينظر إليه كدين شامل لحياة الإنسان وآخرتِه، إنما يعتبره إيديولوجيَّةً وفكرة، مثله مثل باقي الأفكار البشريَّة، ثم يبيِّن أنَّ بقاء "إيديولوجية" الإسلام كشقيقتها الماركسية - بعد أن اطمأنَّ قلبه إلى أنَّ الإسلام والماركسية إيديولوجيتان على خطٍّ مِن التساوي - رهين ببقاء القُوى الاجتماعيَّة التي تحملها وتروِّجها وتستخدمها، وهو جهلٌ مِن الرجل بحماية الله تعالى وحِفْظه لدينه وكتابه؛ إذ لو كان الأمرُ راجعًا إلى القوَّة الاجتماعيَّة وبنِي البشَر - كما يعتقد العروي - لانْقَرض الإسلام منذُ زمن بعيد، ثم إنَّ عطفه الإسلام على الماركسية فيه مِن القصد ما فيه؛ إذ الترتيبُ مقصودٌ عند الرجل.

 

وأمَّا النص الثاني والثالث فضعفُهما أبين مِن أن يحتاجَا إلى تعليق، فالناظر فيهما يفهم للوهلة الأولى أنَّ أزمة الرجل تُجاهَ الإسلام تمسُّه حتى النُّخاع، فهو لا يرى العلاجَ والخَلاص إلا في طريق الغرْب.

 

ونذكُر كذلك ما سطَّره عابد الجابري في كتابه "الخطاب العربي المعاصر"، قال في (الصفحة: 35): "... العقل السَّلفي إذًا مكبوح الجماح مردودُ الشطط، لا ينتج العِلم بل هو صديقٌ له فقط، يبحث في أسرار الكون، ولكن مع احترام الحقائق الثابِتة"[12]، فتركيز الرجل على "العقل السَّلَفي" فيه ما فيه من بيان غصَّة "المنهج السلفي" التي تعوقه في حلْقه؛ والمقصود بقوله: "لا ينتج العلمَ، بل هو صَدِيق له فقط"، هذا الذي لا ينتج العِلم هو العِلم الشرعي، وعلوم الدِّين بصفة عامَّة، وليستِ العلوم التقنية والطبيعيَّة - زَعَمَ - أي: إنَّه يريد أن يقول: إنَّ العقل السَّلفي بهذا المنهج لا يُمكن أن ينتجَ معرفةً جديدة، وإنما سيظلُّ يدور حولَ ما أنتجه الأوائل، ويلفُّ حوله، وهو بهذا يستهدف غايةً فاسدة.

 

فمعلومٌ أنَّ "العقل السلفي" - بتعبيره - يعتمد منهجَ الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين ومَن بعدَهم مِن الأئمَّة الأربعة وغيرهم مِن المجتهدين في فَهْم الدِّين، ومعلوم أنَّ منهج هؤلاء يجعل العقل سائرًا وراء النص، ومتحرِّكًا داخل دائرته، والغاية الفاسِدة التي يستهدفها وهي إنتاجُ العمل - في نظره - تعني الزهدَ في المنهج السلفي، أو في منهج الأوائل مِن الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين - رحمهم الله - ومَن بعدهم، القائم بسُلطة النص على العقل، وتقديم العقل على النصِّ؛ أي: هو يريد أن يسبَح بعقله في بحْر الدِّين دون ضوابط أو حدود، حتى إذا كان الأمرُ كذلك، أصبح كلُّ مَن دخل إلى القرآن يخرُج بفهم جديد للدِّين، أو بدِين جديد ما أنزل الله به من سُلطان، وعلى هذا فكلُّ مَن درس اللغة وفلسفة اليونان يستطيع أن يدخُل إلى القرآن ويخرُج بالحلال والحرام، كما فَهِمه عقلُه، لا كما أراد الله تعالى ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتتحقَّق بذلك الثورةُ على "احترام الحقائق الثابتة".

 

هذا هو المشروع الذي نذَر الرجلُ نفْسَه لخدمته بشكلٍ واضح وعلَني - وإن كانتِ البداية مع كُتبه الأولى، تمهيدًا للمرحلة الموالية فيما بعد - مع "المدخل إلى القرآن"، لتأتي الأجزاءُ اللاحقة تأويلاً للقرآن الكريم، على أساسِ المذهب الذي اختاره الرجلُ وارتضاه له أساتذته الأوائل؛ تنفيذًا لوصيتهم القائمة على تأليه العقْل، وفي الجزء الصادر بداية سنة 2009، أرضية شاسعة لتطبيقِ تعاليمهم وتوصياتهم.

 

فإذا اجتاحتِ الفَوضى "المنهج" المعتمد في شرْح الدِّين وتفسير القرآن الكريم، بأن يستنبط كلُّ واحد مِن هؤلاء ما اشتهاه هواه، وأشار به عليه عقلُه، ضاع القرآن أولاً، ثم يضيع الدِّين ثانيًا ونهائيًّا، وهذا هو الهدفُ المنشود من طرَف أعداء الدِّين والحقِّ، والرحمة والعدْل والسعادة، ولكن هيهات! فإنَّ الله تعالى قد قيَّض لهذا الدين مَن يذود عنه إلى أن يرِث الأرض ومَن عليها، ويحذر مِن العقم الذهني والإعاقة الفِكرية التي تجتاح هذه الفِئةَ مِن مؤلِّهي العقل.

 

إنَّنا نظنُّ أنَّ هذا العقم الذهني والإعاقة الفكرية التي ترسَّختْ في رؤوس هؤلاء، ناتجة عن مبدأين:

الأوَّل: الثِّقة الكلية التي رَسَمُوها على العقل بعدَ تحقيقه نتائجَ مختبريةً مقبولة، وبعدَ فصْله بين عالَم الوهم وعالَم الحقيقة.

والثاني: نظرُهم إلى الإسلام مِن خلال منظار التثليث والحيف الكنسي، وغاب عنهم الفرقُ الجوهري بين النصرانيَّة والإسلام الذي جاء "كي ينقُلَ الناس من عبادة أنفسهم إلى عبادةِ خالقهم، فكان مجيئُه تحريرًا للإنسان مِن داخله ومن خارجه، تحريرًا لعقله وقلبه وكيانه، بلا وصايةٍ لفرْد أو مؤسَّسة بشريَّة عليه.

 

بينما المسيحيَّة تؤمن بثالوث غامِض، أفسدَ العقول وشوَّه صفاءَ عقيدة التوحيد، التي جاء بها الأنبياءُ والمرسَلون، ومنهم المسيحُ - عليه السلام - وسلَّم مصاير الناس إلى رِجال الكهنوت ومؤسَّسة الكنيسة، في استلابٍ كامل لكيان الإنسان، وإلْغاء أبدي لعقْله وحرَكة غرائزه، مِن خلال مبادئ مصطنعةٍ صاغتْها عقول الرِّجال عبْرَ العصور مِن خلال متغيرات الحياة، وفي إطار مبادئ مشوَّهة وصلتْ إلى الأجيال التالية دون مراجعةٍ وتقويم، ودون نقْد واعتراض"[13]، فكانتِ النتيجة كما نرَى ونعيش.

 

إنَّ هؤلاء لم ينالوا الحَظوة ولَم يَتَبَوَّؤوا المكانةَ المبرزة، ولم يُلاقوا بالإعجاب من طرَف غِلمان الفِكر، إلا بعدَ أن أسبغتْ عليهم الألْقابُ ونُعِتوا بالعالِمية، من طرَف أعداء الفِطرة السليمة والعقل السوي، فقدْ "كانت الخُطَّة اللازمة لإعدادِ هؤلاء العملاء تستلزم أن تُسلِّط عليهم أجهزة الإعلام بمختلف فروعها، مِن صحافة ومجلاَّت ودوريات وإذاعة وتلفزيون أضواءَها دائمًا، فكانوا يبْنون ويُنشِئون بالطريقة التي يُبنى بها نجومُ التمثيل والرقْص والغناء، بالمداومة على الإعلان عنهم، والإشادَةِ بهم، ونشْر أخبارهم، وذلك في الوقت الذي يُهمَل فيه الكتَّاب المسلمون الملتزمون، الذين يُمثِّلون الفِكر المضاد"[14].

 

ولذلك كان عشَّاقُ هذه المذاهب المادية ومحبُّو أصحابها، يعيشون انفصامًا فكريًّا، وإعاقةً على مستوى العقْل والقلْب، فهم قدْ وُجِدوا في البيئة المسلِمة، وعاشوا في ظلِّ الفِطرة السليمة لسنوات، ثم لما انبهروا بهؤلاء: تسرَّبتْ خطيئة التقليد إلى رُؤوسهم، ورأوا المثاليةَ في الانتماء لهؤلاء، ومِن ثَمَّ أصبح المصابُ بهذا الداء يعيش بين رغَبات فِطرته الأصلية السليمة، وبيْن شهوات عقله المفتون، فتغدو "حياته... مزقًا مبعثرةً لا يجمعها رباطٌ ولا يشدُّها مصير، يدخل المحراب ليسجدَ لله ويَلعَن الطبيعة، ويخرُج إلى المصنع لينحني للآلة ويَكفُر بالله، ويركُض وراء (العقل) ليخطِّط له منهاجًا في الحياة الجماعيَّة، ويسعى إلى الدِّين ليهبَه الطريقَ في حياته الفردية، دُنياه تتَّجه إلى الشِّمال وأخراه تتَّجه إلى اليمين، فإنْ أراد الدنيا ابتعَد عنِ الآخرة، ضاع منه مصيرُه الخالد، وإنْ أراد الآخرةَ ابتعد عن الدنيا، ضاع منه مصيرُه الحيوي الواقعي القريب، وإنْ وقَف في المنتصف يريد أن يوحِّد مصيرَه هنا وهناك، رُوحه وجسده، عقله وإلهه، مِحرابه ومصنعه، تمزَّق! لأنَّه يعتقد - في قرارة ذاته - أنَّ إرادة الله تسير في اتِّجاهٍ معاكس تمامًا لإرادة الإنسان"[15]؛ تبعًا لما يعتقده أساتذتُه من مكفوفي الذِّهن ومعاقي الفِكر، الذين اتَّخذهم قُدوةً يستنير بفِكرهم، ويسير على خُطاهم.

 

وخلاصةً لهذا البحث يمكن أن نقول: إنَّ العور والعرَج الذي اجتاح الغرْبَ العَلماني في كلِّ جوانب حياته الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، والسياسيَّة والفكريَّة والخُلقيَّة و... إلخ، الذي أفْسدَ عليه حياته، وحرَمه مِن سعادته، وجرَّ عليه كلَّ أشكال التعاسة والشقاء - وهذه تصريحاتُ بعضِ عقلاء الغرْب - فأفْقده توازنه، ممَّا أدَّى به إلى التراجُع المنتظم، فالضعف، فبوادر الأفول، ثم ارْتِقاب السقوط والانقراض.

 

هذه المظاهر كلها، كانتْ نتيجةً طبيعية للمنهج والنظام الذي اختاره الغرْبُ كأساس في الحياة، فكان سيصل إلى ما وصَلَ إليه، سواء في القريب العاجِل، أو في البعيد الآجِل، غير أنَّ الإشكال يكمُن في ظهور هذا الفسادِ الفِكري في البلاد المسلمة، ولما بانَ ذلك بوضوحٍ عَلِمنا أنَّها هي كذلك قد بدأتْ تختار نفس المنهج والنظام الذي اختاره الغرْبُ العلماني، في أكبرِ جوانب حياته، فيكون سقوط هذه البلدان - إذا ما استمرَّتْ على نفس المنهج - أسرعَ وأشد؛ لأنَّها لم تصلْ بعدُ إلى ما وصل إليه الغربُ مِن الوسائل المادية التي يمكن أن تُؤجِّل السقوط إلى وقت لاحق.

 

فكيف يُمكن للإنسان سليمِ الفِطرة أن يُجابَه أزمةَ حضارته العلمانية، ويتغلَّب على تهديدها المباشِر لرُوحه وعقله؟وكيف تتخلَّص البلدان المسلِمة مِن عدوى المادية التي نزلتْ بهم عبرَ رِياح المتأزِّمين تُجاه الإسلام؟

 

والحمدُ لله ربِّ العالَمين.


[1] ماذا خسر العالم؟ (ص: 147) بتصرف.

[2] "الفكر الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية" (1/166) بتصرف كبير.

[3] "ردود على أطروحات علمانية" (ص: 13).

[4] "أزمة المثقفين تجاه الإسلام في العصر الحديث" (ص: 38).

[5] ماذا خسر العالم؟ (ص:141- 142).

[6] "أزمة المثقفين تجاه الإسلام في العصر الحديث" (ص: 99) بتصرف.

[7] "فقه السياسة الشرعية في ضوء الكتاب والسنة" (ص: 73 - 74).

[8] "تهافت العلمانية" (ص: 59).

[9] "الفكر الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية" (1/ 346).

[10] "الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام" (ص: 124) بتصرف.

[11] نقلاً عن "أزمة المثقَّفين تُجاه الإسلام في العصر الحديث"، (ص: 81).

[12] نفسه، (ص: 97).

[13] "أزمة المثقفين تجاه الإسلام" (ص: 69-70).

[14] "الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام" (ص: 123).

[15] "تهافت العلمانية" (ص: 83).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العلمانية العربية تخلط أم تخطط؟!
  • سقوط المثقفين في بئر التمويل الأجنبي
  • حقيقة عميان العصر نظرات في الاتجاه العلماني وموقفه من الإسلام
  • الإلحاد أخطر تبعات الجهل بالإسلام

مختارات من الشبكة

  • حينما ينسج القلم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • حينما توجه أسئلتك الشرعية إلى محرك البحث (قوقل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حينما تسقط الأقنعة لن أستطيع أن أكون غيري!!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حينما يصبح "لا أدري" عيبا!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حينما تزهر الحروف (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • حينما تنبو الحروف (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • حينما تغيب الهوية تستعمر الأرض وتضيع البلدان (التجربة الصليبية في العصور الوسطى أنموذجا)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حينما كنا صغارا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حينما تصبح الفلسفة مصدر إزعاج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حينما يتعطش الورد للندى(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- بارك الله بكم
لامعة في الأفق - المملكة العربية السعودية 04-04-2011 11:17 PM

ماشاء الله مقال مميز

1- الشكر للكاتب
عمر عبد الله - ألمانيا 04-04-2011 01:07 PM

الشكر للكاتب على هذا المقال. فقد مللنا إباحيات وماديات الغرب
وقد وجب على الذين عاشوا في الغرب أن يتعظوا منه بما حصل فيه من الانحلال الأخلاقي الذي باتوا حتى يفخرون به
ومن يضلل الله فلا هادي له

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب