• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الوسط المنحرف

محمود محمد الزاهد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2011 ميلادي - 11/4/1432 هجري

الزيارات: 6326

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

انتشر شِعار الوسط والوسطيَّة لدى الكثيرين من أصحاب الفكر الإسلامي، وأصبح الشعار المفضَّل عند البعض؛ لما يبدو من أوَّل وهلة أنَّه هو الشعار المشتق من الأمة الوسط التي كتَب الله لها أنْ تكون هي خاتمة الأمم.

 

قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

 

فالأمَّة المسلمة وسَط بين الأُمَم، باعتبار الطريق السويِّ القويم والصراط المستقيم، الذي هو وسَط بين طرق الزيغ ومسالك الرَّدى، المنحَرِفة عن طريق الحق، والمعوجَّة عن بلوغ الغاية، وهي أمَّةٌ وسَط باعتبار اعتِصامها بالحق الذي هو وسط بين طرفين؛ طرف فيه غلوٌّ وتشديد، وآخَر فيه جفاءٌ وتفريط، وهي أمَّة وسط بين الأمم السالكة باعتبار ما اختارَه الله لها من الخِصال الحميدةِ؛ بحيث يكونوا خيارًا وعُدُولاً محققين بالعلم العملَ.

 

لكنَّ الكثير من أهل الاختيار الوسط لا يعنون به هذه المعاني ولا تلك المقاصد، بل يَرُومون به مواقف منهجيَّة تختارُ الوسط من كلِّ شيء بغضِّ النظر عن قُربِه أو بُعدِه عن الحق الأصيل الذي بيَّنَتْه الشريعة وارتَضاه الخالق لإصلاح البشر، فيَمِيلون بالوسط ناحيةَ الطرف، حتى أصبح طرفًا في مقابل الإفراط والتشدُّد، بدَلاً من كونه وسَطًا بين ذلك الإفراط وبين التفريط والتسيُّب.

 

كما قال ابن أوسٍ الطائي:

كَانَتْ هِيَ الوَسَطَ المَحْمِيَّ فَاكتَنَفَت
بِهَا الحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا [1]

 

وهؤلاء جعلوا الوسطيَّة اختيارًا نسبيًّا لما عليه الحال وما يفرضه الواقع، أو رد فعل للاختيارات المطروحة هنا وهناك؛ بحيث يَنأَى الوسطيُّون بكلِّ حالٍ عن أوصاف التشدُّد وخِصال الغلوِّ، دون أنْ تُوزَن هذه الاختيارات بميزان القصد والاعتدال الذي به يُعرَف منزلتها من الحق قُربًا أو بُعدًا، ممَّا جعَل شعار الوسط والوسطيَّة مثارًا لكثيرٍ من الريبة؛ حيث أصبح إشارةً وعلامةً على التميُّع والتسيُّب، وقبول رأي الغير وإنْ كان باطلاً دُون اعتراض أو إنكار مطلوب، ما يعني في النهاية المُداهَنة والمُجامَلة على حِساب الحق.

 

وهناك لونٌ آخَر من أهل الوسط هم الذين أَلِفُوا الوُقوفَ في الوسط، واختارُوا هذه البُقعة البَيْنِيَّة التي تقع في مَفارِق الأمور ومنتصف القضايا، وغرسوا بها أقدامهم، ونصبوا بها مساكنهم، فلا أرادوا الحقَّ وبحثوا عنه، ولا ارتدُّوا إلى الباطل والتزَمُوه، بل هم المتربِّصون الذين ينتظرون ما تَؤُول إليه المواقف، وما تُسفِر عنه الأحداث، يقول الله - تعالى - في شأن هؤلاء الصِّنف: ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].

 

إنهم هؤلاء الصِّنف الذين يقفون في منتصف الطريق، ويريدون أنْ يمسكوا العصا من المنتصف، فلا يريدون أنْ يخسروا هؤلاء ولا أنْ يعادوا أولئك، فالمسألة بالنسبة لهم هي المكسب والخسارة؛ ما يوقعهم في كثير من الحيرة والاضطراب عند تقدير المصالح الدنيويَّة والمفاسد الوجاهيَّة، فيُلجِئهم ذلك إلى التلوُّن بلون باهت، والتزيِّي بلباسٍ فضفاض، لا تُعرَف لهم وجهة، ولا تُدرَك لهم غاية، خِطابهم رنَّان، ولكن دون فحوى، وألفاظهم حمالة أوجه، لا تكاد تُدرِك لها معنى أو تَقِفُ منها على مقصد، وهم يُراهِنون على عنصر الوقت الذي هو عنصر مهمٌّ في التربُّص بالظروف والأحوال؛ لذا فهم يتحلَّون بالتباطُؤ والإبطاء حتى تنكشف لهم النتائج، وتتَّضح لهم المآلات.

 

فالمواقف الباهتة والأقوال المحتملة قد تكون التُّرس الذي يتترَّسون وراءه؛ لئلاَّ تنكشف سَرِيرتهم، ويُفضَح باطنهم، ولكنَّهم على محاولاتهم المضنية للتذاكي والدَّهاء تفضحهم المواقفُ، وتكشف عوْراتِهم الأزماتُ، فتزيل كل هذه الأصباغ التي يتلوَّنون بها، وتترُكهم نَدامَى خاسِرين، وقد فضَحَهُم الله، وأفشى سريرتهم، ووصف لنا حالهم وأماراتهم؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 72 - 73].

 

فتأمَّل كيف أنَّ مدار النجاح عندهم هو تحقيقُ الفوز الشخصي، وإحرازُ الهدف الدنيوي، وكيف أنَّ ردودهم مُعدَّة سلفًا، وألسنتهم حداد على أهل البذل والتضحية والفداء، ولاحِظ كيف اعتادوا الوقوفَ موقفًا حذرًا في قَضايا الدين والنصرة، موقفًا وَسَطًا بين التأييد والخِذلان، وإنْ كان في حقيقته هو الخذلان بعينه.

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة: 50].

 

إنهم مع حالتهم هذه قد فقَدُوا الحياء الذي يَلِيق بأهل العجز والمعوقين، بل ربما كان يسَعُهم الصمت أو الاعتذار، ولكنَّهم راحوا يُطَنطِنون هنا وهناك، أيًّا كانت النتيجة وفي جميع الاحتمالات، فمقولاتهم حاضرة، وكلامهم مُجهَّز لكلِّ موقف بحسبه، كلُّ هذا دُون أنْ يقدموا سعيًا، أو يبذلوا فداءً، بل هم عبءٌ على صفِّ الإيمان.

 

قال - تعالى -: ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ [الأحزاب: 19].

 

إنَّ الحرصَ على تحقيق المكاسب الشخصيَّة والمطامعِ الدنيويَّة - لَيَقودُ الناسَ أحيانًا إلى عدم الوضوح؛ وذلك لشُعور أحدهم بِخُبث نيَّته، وسُوء طويَّته، فلا يستطيع أنْ يُظهِر ذلك للناس فينفروا منه، بل يتجمَّل بالأقوال والأفعال التي تجعله في المنتصف؛ فلا تُلحِقه بأي من الفريقين، بل قد تجعله حائرًا قَلِقًا لا يستطيع اتِّخاذ قَرار أو إعلان انتماء لأحد الفئتين.

 

﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 143].

 

إنَّ النفاق موقفٌ شائن بالرغم من أنَّه وسط، وإنَّ بذرته متى نبتَتْ بقلب المرء أفسدَتْ عليه دِينَه بحسَب تمكنها منه، فهي تُحِيلُه إلى ذلك الموقف المضطرب، ظاهرُه مع أهل الإيمان، وباطنه مع أهل الكفر، فهو متذبذبٌ في المنتصف لا يستطيع أنْ يلحق بهؤلاء ولا أنْ يُغادِر إلى هؤلاء، مضطربٌ في المواقف وردود الأفعال، مرَّة يستتر، ومرَّة ينكشف.

 

بل ربما لو أجمع أحدهم أمرَه، واتَّخذ قَراره بالانضِمام لصفِّ الإيمان، لزادَهم بقَراره هذا ضعفًا، ولكان انضِمامُه لهم أحدَ أسباب التعويق والتوهين في الصف.

 

﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 47].

 

فنَقاء السريرة، وإصلاح الباطن وتنقيتُه من الخُلود إلى الأرض، أو الرُّكونِ لأهل الظُّلم - هو أعظم أسباب الرشد، خاصَّة في مُفتَرقات الطرق ومِحَنِ الاختيار.

 

﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21].

 

وإلا فإنَّ هؤلاء - أصحاب الوسط المنحرف - لا يعرفون سنن الله الجارية، ولا يُحسِنون قراءتها ولا التعامُل معها، بل قد يُحاوِلون إيقافها والوقوف ضدَّها، وأنَّى لهم ذلك؟! فقد طمَس الله على قلوبهم فلا يلمَحُون أطياف القدَر، ولا يُدرِكون أسرار التصاريف، بل أكثرهم يَقِفُ عاجزًا مع الواقفين من أهل العمى، حتى يكون هو أوَّل التعساء في يومٍ يفرح فيه المؤمنون بنصرٍ من الله، أو يشفي صدورهم بالتنكيل بأعدائه.

 

وقد تكون المُساوَمة هي الدافع الأكبر للوُقوف في الوسط، فالباطل يَعجِز كثيرًا عن مواجهة صَفاء الحق ونقائه؛ فيحتاج أنْ يستميل بعضَ الناس لتحقيق مراميه، ولو كانتْ هذه المرامي مجرَّد التفريط في بعض الأجزاء من الحق، أو التقارُب مع الباطل في منتصف الطريق.

 

هي مُحاوَلات الباطل دائمًا مع السائرين في طريق الدعوة إلى الله، "محاولة إغرائهم لينحرفوا - ولو قليلاً - عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يُغرُونهم بها في مقابل مغانم كثيرة، ومن جملة الدعوات مَن يُفتَن بهذا عن دعوته؛ لأنه يرى الأمر هيِّنًا، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أنْ يترك دعوته كليَّةً، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق، وقد يَدخُل الشيطان على حامِل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصوَّر أنَّ خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازُل عن جانب منها! ولكنَّ الانحراف الطفيف في أوَّل الطريق ينتهي إلى الانحِراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يَقبَل التسليم في جزءٍ منها ولو يسيرًا، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيلاً - لا يملك أنْ يقف عند ما سلم به أوَّل مرَّة؛ لأنَّ استِعدادَه للتسليم يَتزايَدُ كلَّما رجع خُطوةً إلى الوراء!"[2].

 

"فهي المساومة إذًا والالتقاء في منتصف الطريق، كما يفعلون في التجارة، وفرقٌ بين الاعتقاد والتجارة كبير؛ فصاحب العقيدة لا يتخلَّى عن شيءٍ منها؛ لأنَّ الصغير منها كالكبير، بل ليس في العقيدة صغير وكبير، إنها حقيقةٌ واحدة متكاملةُ الأجزاء، لا يطيع فيها صاحبُها أحدًا، ولا يتخلَّى عن شيءٍ منها أبدًا"[3].

 

لذا جاء التنبيهُ والتحذيرُ في القُرآن الكريم للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والأمَّة من بعده من اتِّباع أهواء البشَر وتنفيذ مطالبهم على حِساب الحق ولو في نزرٍ يسيرٍ.

 

﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49].

 

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 24].

 

فقبول المساوَمة والتنازُل عن حقٍّ من حُقوق الدِّين وثابتٍ من ثوابته - هو أوَّلُ الطريق لطاعة الباطل والرضا به، حتى ولو كان في بعض الأشياء وليس في كلِّها؛ ولذا فإنَّ ذلك كلَّه يحدُث سرًّا، والله هو المطَّلِع على هذه السرائر، وهو القادر على كشفها.

 

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ [محمد: 26].

 

اختفاء الوسط:

ولكن بالرغم من كلِّ هذه المواقف وتلك الانحِرافات التي تَقِفُ وَراء لافتة الوسط والوسطيَّة، فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لا يترُك الأمر هكذا طويلاً، وإنما يُقدِّر الله التمييزَ لأنواع البشر عن طريق التمحيص والشدَّة.

 

يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ... ﴾ [آل عمران: 179] الآية.

 

وعند ذلك يختفي أهل الوسط المنحرف؛ حيث يصبح الناس صِنفَيْن لا وسط بينهما، ويتميَّز الفريقان وتَذُوبُ المساحة البينيَّة التي يعيشُ بها المتلوِّنون الذين يمسكون العصا من المنتصف، وعندها يكون الاختيار الصعب وتُبتَلى وقتها السرائر، فيُسفِر كلُّ إنسانٍ عن مكنونات صدره وبَواطِنه التي طالما سعى لتزيينها وتبريرها، ولكنَّ ذلك لن يُجدِي في هذه الأوقات الفاصلة التي يبتَلِي بها الله المؤمنين ليتميَّز الخبيث من الطيِّب.

 

إنَّ خُدعة كبرى تلك التي يخدع بها الإنسانُ نفسه ومَن حولَه، حين يظنُّ أنَّ الحيل التي يمكن أنْ تَرُوج عند الناس يمكن أنْ تَرُوج عند الله، وأنْ يسمي ذلك أمامَ نفسه وأمامَ الناس دينًا يدينُ لله به، فيكون الخلود إلى الأرض لدَيْه مُبرّرًا، ومُهادَنة الباطل والرُّكون إليه أمرًا مشروعًا يصبُّ في مصلحة الدعوة، والإسرار بطاعة أهل الضلال والشقاق نوعًا من الحكمة والنظرة العميقة لمآلات الأمور، ولكن كل هذا لا ينفع عند الله، وسينكشف لا محالة بين وقتٍ وآخَر، في الدنيا قبلَ الآخِرة، وقد بيَّنَه الله لنا في أحسن بَيان؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 26 - 35].

 

إنَّ اختيارَ الطريق الوسط، والكلام الوسط، والموقف الوسط، والطرح الوسطي على حِساب الحق والتفريط في الدِّين - أمرٌ مرفوضٌ في الإسلام، وهو نوعٌ من الانحراف المُقنَّع الذي لا ينطَلِي على مَن درس القرآن وتدبَّرَه، فليس كلُّ وسطٍ معتدلاً، وليس كل طرف سقيمًا، فالوقوف في المنتصف مع كونه وسطًا لكنَّه هو الوسط المنحرف.


[1] والمعنى: أن الأوساط تكون محميَّة مَحوطة بما حولها، ولكن لما أصابتها الحوادث والخلل مالتْ وانحرفت حتى أصبحت طرفًا.

[2] "في ظلال القرآن" تفسير سورة الإسراء الآية 73- ج4 - ص2245.

[3] "في ظلال القرآن".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوسطية: مفهومًا ودلالة
  • الوسطية والطرفية
  • الوسطية الحديثة عند بعض الناس
  • ولكم في "الوسطية".. حياة

مختارات من الشبكة

  • حديث: كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الإنسان فقير وسط خيراته جائع وسط تخمته!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الموقف الوسط(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • أثر الوسط الفاسد في إلحاد عبدالله القصيمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة المسلك الوسط الداني إلى الدر الملتقط للصاغاني (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصراط المستقيم والأمة الوسط(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مخطوطة المسلك الوسط الداني الى الدر الملتقط للصاغاني (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأدب الإسلامي: وسطية المنهج ومنهجية الوسط(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الوسط بين الجافي والغالي(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • إفريقيا الوسطى: إجلاء أكثر من 90 مسلما من بانغي إلى وسط البلاد(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
4- شكر وثناء
أبو مريم محمد الجريتلي - مصر 13-04-2011 03:51 AM

بارك الله فيك وجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة

3- احتج إلى من شئت تكن أسِيرهُ، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره
محمود محمد الزاهد - مصر 30-03-2011 04:37 PM

الأخ الكريم أبو إبراهيم
أشكر إضافتك الرائعة للموضوع ، جزاك الله خيرا

وإنما يتسرب الضعف للنفس البشرية حين ترنو بقضاء حوائجها إلى تصريف البشر ، فتفتقر إليهم ولا تستغن عنهم بينما الذي يستغن عن الناس بافتقاره إلى رب الناس هو الذي يتضلع بالقوة ويأبى الخضوع لمن لا ينبغي له الخضوع
قال حاتم الأصم ـ لما سئل‏:‏ فيم السلامة من الناس‏؟‏ قال‏:‏ "أن يكون شيئك لهم مبذولاً وتكون من شيئهم آيسًا"،

2- شكر وتقدير
محمود محمد الزاهد - مصر 22-03-2011 04:51 PM

الأخ الفاضل سيد مجدي
أشكر ومرورك وتعليقك ، بار ك الله فيك

1- ماشاء الله لا قوة إلا بالله
sayed magdy - المدينة المنورة 21-03-2011 11:32 PM

رااااااااااااااااااااااائع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب