• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

حكمة الدين

وحيد الدين خان

المصدر: من كتاب: حكمة الدين تفسير عناصر الدين ومقتضياته
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2008 ميلادي - 25/6/1429 هجري

الزيارات: 16543

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
إن علم "حكمة الدين" أو "أسرار الشريعة" من العلوم التي نشأت لشرح الإسلام وتفسيره، كما أن هذا العلم يهدف إلى البحث عن الحكم وراء التعاليم الدينية والتنقيب عن المصالح الكامنة فيها؛ فتحديد أركان الحج وواجباته، وتبيين أسلوب تأديته هو الفقه، أما أن تبين فوائد الحج فتقول: "إن الحج يكون - حول محور عبادة الله - مجتمعًا عالميًّا لأهل الحركة الإيمانية"؛ فهذا هو علم حكمة الدين.

وكما أن معظم الحركات الإسلامية بدأت مع ظهور الإسلام وتطورت فيما بعد؛ فكذلك كان البحث عن حكمة الدين من الموضوعات المحببة إلى نفوس علماء الأمة ومفكريها منذ ظهور هذا الدين.

إن قدرًا كبيرًا من المعلومات في هذا الموضوع متناثر في مكتبتنا الإسلامية الضخمة، ولكن الكتب التي تناولت هذا الموضوع نفسه قليلة جدًا؛ فإنه يمكننا أن نشير إلى مئات الكتب حول فن ما من الفنون أو علم ما من العلوم الإسلامية، إلا أن الأمر يختلف فيما يتعلق بموضوع حكمة الدين، ولعل كتاب "حجة الله البالغة" للإمام ولي الله الدهلوي أبرز جهد في هذا الحقل، بيد أن هذه الجهود تتعلق بجانب واحد من جوانب حكمة الدين؛ فإنك لو ألقيت النظرة من جانب آخر على هذه الجهود لتبين لك أن علم "حكمة الدين" كان أقل حظًّا وأندر اهتمامًا من جانب علماء الأمة.

إن حكمة الدين قسمان:
أولاً: دراسة حكمة كل جزء من أجزاء الدين، على حدة؛ كأن تبحث عن حكمة الصلاة أو الصيام أو الجهاد.. إن معظم الأعمال الإسلامية حول "حكمة الدين" تتناول هذا الجانب فقط؛ لقد اهتموا بتبيين حكمة الأحكام الإسلامية واحدًا واحدًا، وتحت عناوين مختلفة. 

ثانيًا: دراسة حكمة الدين بوصفه كلاًّ جامعًا؛ حيث نبحث عن الحكمة الكلية الجامعة التي تربط كل أجزاء الدين؛ فنعرض الدين كلاًّ جامعًا مرتبطًا بعضه ببعض، في إطار شرح يظهر وحدته الجامعة الحكيمة، ويفسر الحكمة التي جمع بها أجزاءه في كل واحد.

لقد بذل الكتاب في العصر الحديث محاولات للبحث عن تفسير من هذا النوع؛ حتى إنهم توصلوا - فيما يتعلق بأنفسهم - إلى تفسير يرون الدين في ضوئه "كلاًّ جامعًا"، وحيث إن التفسير الباحث عن الحكمة له بريقه ورواؤه في حد ذاته، كما أن عرض دعوة فكرية ما في صورة نظرية متكاملة يجذب إليها الأنظار؛ فقد نجحت بعض هذه المحاولات، ولم يكن غريبًا أن يجد أمثال هؤلاء الكتاب أتباعًا لهم متحمسين لدعوتِهم، إنك تعرف أن كل مجموعة من الأفكار ليست حقيقيَّة بالضرورة، إن جمع أجزاء متفرقة في مجموعة فكرية مفهومة دليلٌ فحسب على أن تلك الأفكار كانت أجزاء حقيقية ما، لكن الاحتمال يبقى قائمًا بشدة ألا يكون ترتيب المجموعة في حد ذاته حقيقيًّا؛ فالأجزاء كلها حقيقية، أما أسلوب جمعِها فهو من معجزات العقل الذي قام بذلك الجمع، لا أكثر.

إنه من الممكن أن يتم اكتشاف عظام متحجرة في منطقة ما أثناء إجراء الحفريات، ومن الممكن أن تتناول عظامًا من تلك المجموعة وتقيم هيكلاً معينا بربط بعضها ببعض، ثم تعلن أن ذلك الهيكل يخص حيوانًا معينًا وجد في عصر ما من التاريخ، سيبدو في ظاهر الأمر أن ادعاءك قائم على دليل، بيد أن الذين درسوا الارتقاء الحياتي يعرفون أن كثيرًا من العلماء قد خدعتهم هياكل افتراضية كهذه؛ فرفعوا نظرية الارتقاء من مقام الفرض إلى مقام الحقيقة، وقد ثبت غيرَ مرَّة أن مثل هذه الترتيبات في العظام والهياكل كانت غير حقيقية بل مزيفة أحيانًا.

إنه يحدث كثيرًا أن الرجل يربط أجزاء متفرقة فيعطيها صورة مخصوصة بسبب افتراضات ثبت في مخه، بالرغم من أن تلك الصورة لا علاقة لها بالواقع، أي: إن الأجزاء قد تتعلق بصورة وهيكل فيربطونها - بمحض الافتراضات - بصورة أخرى وهيكل آخر، وعلى سبيل المثال: فإن العلماء ظلوا يؤمنون بأن "إنسان بلت داون Piltdwon Man   هو أقدم هيكل لإنسان ما قبل التاريخ، ثم توصلوا بعد إجراء التجارب إلى أن ذلك الهيكل لم يكن إلا تلفيقًا مزيفًا لبعض العظام التي لم تكن لها علاقة ما بإنسان ما قبل التاريخ!!

وكذلك الحال معنا؛ فإن تفسيرًا من هذه التفاسير الخاطئة الرامية إلى شرح الدين بوصفه كلاًّ جامعًا قد أقام صورة للدين متكاملة، وقد استخدم هذا التفسير في تلك الصورة جميع أجزاء الدين، ولكن الفكرة الأساسية التي هي حجر الزاوية في هذه الصورة لم تكن هي الفكرة الصحيحة، ويمكننا أن نتصور علاقة تلك الصورة بالدين الحقيقي، بأن نهدم بيتًا ثم نستخدم طوبه وأحجاره وخشبه وحديده في تشييد بيت جديد، في ضوء تخطيط معماري يختلف عن تخطيط البيت القديم؛ فبالرغم من أن البيت الجديد سوف يحتوي على ما كان يحتويه البيت القديم من مواد البناء؛ إلا أنه سيمثل صورة معمارية مغايرة للصورة القديمة، وهذا ما وقع فيه صاحب التفسير المشار إليه أنفًا.

إنَّ هذا الأسلوب لوضع تصور جامع جديد باستخدام أجزاء الدين لا يطابق روح الدين نفسه في شيء، بالرغم من أن هذا التصوُّر الجامع يحتوي كل أجزاء الدين الحقيقية، ولهذا السبب اصطدم التصور الجديد مع التصور الصحيح للدين.
لقد بَحَث هذا التفسير عن حكمة جامعة بين مختلف أجزاء الدين، ثم حاول ربط جميع تعاليم الدين وأحكامه في ضوء تلك الحكمة الجامعة، وهذه الحكمة الجامعة هي فكرة "النظام"، أي: إن الإسلام نظام كامل جامع للحياة، وإن جميع أجزاء الدين ترتبط ببعضها تحت هذه الفكرة.

يقول صاحب هذا التفسير: "إن الإسلام هو نظام الحياة الذي يربط جميع قضايا الحياة الفردية والاجتماعية وما بعد الطبيعية، وهو يعالج جميع تلك القضايا بما يطابق العقل والفطرة".

ليس من الخطأ أن نقول: إن الإسلام (نظام للحياة)، ولكن رفع "النظام" حتى يصبح هو الجامع بين كل أجزاء الدين؛ فذلك هو الخطأ بعينه.

إن هذا الفكر يدرس الدين في ضوء الفكرة المسبقة القائلة بأن الدين هو نظام الحياة، إن الفكرة الجامعة لدى أنصار هذا الفكر هي أن "النظام" هو أصل المجموعة الدينية، هذا بينما الأصل في الدين هو كونه عنوانَ العلاقة بين الرب وعبده، إن الدين ليس محضَ نظام دستوري قانوني وسياسي على غرار سائر الأنظمة الدنيوية بل هو مظهر العلاقة النفسية للعبد مع الله.

إن الدين عند تنفيذه يشمل عناصر كثيرة يمكن أن يطلق على مجموعها بأنها "نظام الحياة"، ولكن هذا مظهر من مظاهر الدين وحقيقة من حقائقه، إنَّها حيثية إضافية من حيثيات الدين، وليست هي الحيثية الأساسية.

إن الذين حاولوا دراسة الدين في ضوء فكرة "النظام" قد وقعوا في نفس الخطأ الذي قد وقع فيه الذين أقاموا لدراسة الإنسان النظرية القائلة: "إن الإنسان حيوان اجتماعي"، إنه مما لا شك فيه أن للإنسان وجودًا اجتماعيًّا في حياته العامة، ولكن هذه الحيثيَّة ليست هي الحيثية الأساسية للإنسان؛ فكونه اجتماعيًّا مظهرٌ واحد من المظاهر التي يكتمل بها الوجود الإنساني، إن الحيثية الأساسية للإنسان أنه مخلوق ذو روح وذو إرادة، أما الحيثيات الأخرى - من اجتماعية وغيرها - فكلها خارجة من بَطنِ هذه الحيثية الأساسية.

فالقول بأن "الإنسان حيوان اجتماعي" هو بمثابة القول بأن كون الإنسان اجتماعيًّا هو الأساس الذي يمكننا فهم الإنسان في ضوئه، ويتَرتَّب على هذا أن جميع حيثيات الإنسان سوف تتفرَّع من هذا لأصل، وسوف تكون جزءًا من أجزاء هذا الأساس، ويقتَضِي هذا التفسير لظاهرة الإنسان أن تكون جميع الحيثيات التي لا بدَّ منها لظهور الإنسان - تابعةً لحيثيته الاجتماعية؛ فمثلاً يقتضي كون الإنسان حيوانًا اجتماعيًّا أن يظهر في صورة الجسد والروح، وأنه لهذا السبب يتمتَّع بالروح والجسد، وهو يقتضي أن تكون للإنسان سياسة؛ فلذلك يوجد لديه هيكل فكري سياسي، وهذا التصور يقتضي أيضًا أن يقوم الحيوان الاجتماعي بتفسير علاقته بالكون؛ ولذلك ظهرت فلسفة خاصة به إلى الوجود.. إلخ.

وإن هذا التفسير لظاهرة الإنسان يتناول في ظاهر الأمر كل حياة الإنسان، ويبدو تفسيرًا متكامِلاً، ولكنك لو أمعنت النظر لوجدت فيه أخطاء عديدة:
أولاً: أن الحيثية الأساسية للإنسان في ضوء هذا التفسير هي التمدن، أما العناصر الأخرى فلا تجد لها مكانًا إلا كتوابع لهذه الحيثيَّة الأساسية، هذا بالرغم من أن الأصل في الإنسان هو كونه ذا روح، أما جميع الحيثيَّات الأخرى فهي مظاهر أو توابع أو مقتضَيات لهذا الأصل.

ثانيًا: لقد تغيَّر المطلوب من الإنسان بتغيُّر النظرة إليه؛ ففي ضوء هذا التفسير يكون المطلوب أساسًا هو كل ما يساعد الإنسان على النهوض بتمدُّنه، بالرغم مِن أن المطلوب الأساسيَّ يَجب أن يكون الشيء الذي يكون مطلوبًا منه كوجود روحانيٍّ.
ثالثًا: والأمر لا يتوقَّف عند هذا الحدِّ بل إنك إذا نظرت إلى الأمر من الناحية العملية؛ فستجِد أنَّ كلَّ شيء قد اختفى، فمَنبَع جميع نشاطات الإنسان ومَظاهرُه هو الروح، ولِذَلك لا يمكن توقُّع نتيجة هامة في الحياة الإنسانية، إلا إذا كان يسندها اعتقاد راسخ في نفس الإنسان وأعماقِه بضرورة تلك النتيجة وحَتمِيَّتها لوجوده.

إنَّ جميع هذه الأخطاء قد وقع فيها التفسير الآنف الذكر للإسلام، لقد جعل هذا التفسير "النظام" محورَ التصور الديني وحكمته الجامعة، ولذلك أصبح "النظام" الحيثيَّة الأولى للإسلام في هذا التفسير، فلم يعد بالإمكان فَهْم الإسلام إلا في ضوء النظام!! وكانت النتيجة أن جميع أجزاء الدين قد ابتعدت عن أماكنها الحقيقية على الرغم من وجودها في هذا التفسير الجامع، إن جميع أركان الإسلام أجزاء هذا التفسير، ولكن كأجزاء تابعة للنظام، فالعقائد جزء من هذا التفسير؛ لأنها "الأسس الفكريَّة" لنظام الحياة هذا، والعبادات جزء من هذا التفسير؛ لأنها "مِنهاج التَّربيَة" لإعداد رجال هذا النِّظام، والأحكام الإسلاميَّة حول السلوك الاجتماعي جزء من هذا التفسير؛ لأنها "الأسس الفكرية" لنظام الحياة هذا ولأنها "القوانين الأخلاقية" التي يراعيها رجال هذا النظام في حياتهم الاجتماعية، والحدود والقوانين جزء من هذا التفسير؛ لأنها "الأساس الحضاري (التمدني)" لهذا النظام، والخلاقة والإمارة جزء من هذا التفسير؛ لأنها تعطي النظام صفة الإدارة القاهرة الرادعة وتمكِّنه من تنفيذ القوانين.
وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التفسير أن تَغيَّر المطلوب الحقيقي.

لقد برز الدِّين - بوصفه نظامًا - بروزًا عظيمًا في خريطة هذا التفسير، وأصبح جانبُه الحقيقي - عبادة الله ومراقبته - في غاية الضعف والإهمال، وانحطت الحيثية الأساسية الداخلية للدين بينما طغت عليه حيثيته الخارجية، فكما أن مسؤولية الإنسان في التفسير الاجتماعي كانت تغيير الأحوال الاجتماعية وتحسينها، وليس تحسين الروح والفكر، ففي هذا التفسير أصبح هدف الكفاح الديني هو قلب النظام الباطل لإقامة النظام الحق، بينما كان الهدف الحقيقي للمسلم في دنياه، ولأجل الفوز في الآخرة - هو المجاهدة للحصول على الصلة القلبية والروحانية مع ربه، وهو الشيء الذي قد اصطلح له القرآن الكريم كلمات الذكر والشكر، الخشية والإنابة، التضرع والإخبات.. وغيرها.

وكان نتيجة عدم التطابق التام بين الفطرة والواقع أن مُنِيَت هذه النظرية بفشل ذريع في أول تجربة لها؛ لقد خلقت "النظرية الكاملة" للدين مؤمنين ناقصين، لم تنبت أية أجزاء الشجرة في صورتها المطلوبة، بسبب عدم وضع البذرة في مكانها الصحيح، إن العلاقة بين العبد وربه - وهي علاقة على أعظم درجة مِن الرِّفعَة واللُّطف - قد أصبحت في خريطة هذا التفسير علاقة سياسية، وهذا هو السبب في أن النظرية لا تطابق آيَ القرآن الكريم، كما أن سير السلف الصالح ليست بكاملة على "مقياس" هذه النظرية..

إن القرآن الكريم لا يحتوي على آية واحدة صريحة تدعم الخريطة الدينية التي أعدَّها هذا التفسير، إن خلاصة هذه الخريطة أن الدين هو النظام الكامل للحياة الإسلامية، وأن الكفاح لإقامة هذا النظام على الأرض هو الواجب الإسلامي الملقى على عاتق المؤمنين، ولكن كتاب الله لا يحتوي على فقرة ما تدل على هذا الهدف دلالة قاطعة... هذا هو الخطأ الأيديولوجي في هذا التفسير.

أما من الناحية العملية؛ فإن تاريخ الأمة كله يفتقر إلى مجاهد واحد كافح لأجل "حركة ثورية جامعة" من هذا النوع؛ لقد انتشر المسلمون في معظم أنحاء الأرض وقاموا بالدعوة إلى الإسلام، وأقاموا دولاً إسلامية في بلاد كثيرة، ولكن لم يحدث في مكان ما أنهم بدؤوا دعوتهم بالمناداة بالثورة الإسلامية، أو بإقامة "الحكومة الإلهية"، وإذا كان بعض كُتَّابِ هذا التفسير قد حاول البحث عن بعض الأمثلة لمثل هذه الدعوة في تاريخ الإسلام؛ فإن ذلك لا يعد من باب التاريخ بل هو تأليف التاريخ، أما إذا ادعى مختَرِعو هذا التفسير أن جميع الحركات الإسلامية في تاريخنا الطويل كانت حركات ناقصة، أو أنَّ أصحابها لم يكونوا على دراية كاملة بالدين - فإنَّ مثل هذا التأويل إنما هو اعتراف بخطأ هذا التفسير وعدم علاقته بالإسلام الصحيح لَيسَ غَير؛ وذلك لأن الاعتراف بخطأ أفكار رجل ما أهون من أن نعتبر تاريخ الدعوة الإسلامية كله ناقصًا!

إن بعض الناس يشعرون بخطأ هذا التفسير، ولكنَّهم يفتقدون الشعور الواضح المحدد لنوعية هذا الخطأ، إن هؤلاء الناس لم يتمكنوا من تحليل ذلك الخطأ؛ ولذلك لم يفكروا بعد في أسلوب الحل الصحيح.. إن خلاصة شعورهم أن الجانب الروحي من الإسلام قد تعرَّض للانحطاط في خريطة هذا التفسير بينما برَز جانبه السياسي بروزًا كبيرًا، إنهم يرون أن للمصادفة دخلاً في ذلك، ومرده إلى الظروف الخاصة التي بدأ فيها صاحب هذا التفسير في عرض أفكارِه؛ فقد كان ذلك هو عصر الطوفانات السِّياسيَّة والحركات التي كانت قائمة على قدم وساق ضد الاستعمار الإنجليزي، وكان من جرَّائه أن غلب الطابع السياسي على كتاباته، والحل أمام هؤلاء هو العمل على إبراز الجوانب التي تعرَّضت للإهمال عن طريق الخطابة والنشر، وبذلك نقدِّم التصور المتوازِن للدين؛ حتى تستعيد الجوانب الأخرى من الدين مكانتها إلى جانب السياسة والحكم.

ولكن هذا تقدير ناقص جدًّا للصورة؛ إن هؤلاء يعتبرون أن هذا الفكر تأثُّر وقتي نابع من الظروف، بينما هو تفسير جديد مستحدث للدين، وللسبب نفسه يفكر هؤلاء الناس في اتخاذ تدابير مؤقتة، إنهم يريدون تصحيح الفساد الكلي بالترميم الجزئي، ومثلهم في هذا كمثل الطفل الذي يجد لعبة (الجغساو) gigsaw puzzle[1] فيرتب أجزاءها على صورة الجمل، على الرغم من أنَّها للحصان في حقيقتها، وإذا ادعى أحدهم أن العنق فقط هو الذي طال في هذا الترتيب الخاطئ، وأننا سنحصل على صورة الحصان لو أنقصنا شيئًا من طول العنق، والواضح أن هذا ليس تدبيرًا صحيحًا؛ لأن كون الأجزاء خاصة بالجمل أو الحصان، إنما يتعلق بالحكمة الجامعة لتلك اللعبة، أما إذا خُيِّل لأحد الناس أن الأجزاء الخاصة بالحصان هي للجمل، ثم يقيم صورة له، فالذي سيحدث نتيجة لذلك ليس هو طول العنق فقط بل لا بد أن صاحبه قد حاول أعطاء المجموعة كلها صورة الجمل بدلاً من الحصان بمجرد تقصير مسافة عنق الجمل بل يجب وضع الأجزاء كلها من جديد مكانها المناسب.

التصور الصحيح للدين:
إن التصور الصحيح للدين الذي يمكننا أن نفهم بإدراكه كل أجزاء الدين، والذي ينطبق على التاريخ الإسلامي كله - هو أن الدين في حقيقته الأساسية إيجاد علاقة الخوف والمحبة والولاية والتوكل مع الله، والمظهر اللازم لهذه العلاقة هو "العبادة"، والنتيجة الحتميَّة عندما يجعل المرء الله معبوده ومطلوبه وحبيبه أن ينفذ أوامر الله وتجنب نواهيه في حياته، ويجعل إرادته تابعة لإرادة الله، ولذلك فإنَّ كونَ المرء عابدًا ومُطيعًا لربِّه يَقتَضي بالضرورة أن يُسخِّر حياته لأجل ذلك المشروع العظيم الذي هو مشروع الله، والذي يُحب أن يراه الله قائمًا في الأرض، ومن هذه النقطة تبدأ جميع جوانب تبليغ الحق ونصرة الدين تغلب على حياته؛ فالحكمة الجامعة للدين هي "علاقة العبد بالله"، أما الأشياء الأخرى كلها فهي مظاهر هذه العلاقة الداخلية أو مقتضيات لها، وليست حكمة الدين الجامعة هي فكرة "النظام" التي حاول بعض الناس ربط مختلف جوانب الدين النظرية والعملية على أساسها.

فالتَّعالِيم الدينية ليست فهرسًا لأحكام من نوعيَّة أو درجة واحدة، وهو الأمر الذي تقتضيه فكرة النظام، إن للدِّين حقيقة، والأشياء الأخرى كلها جوانب من تلك الحقيقة، وتظهر في حياة المؤمِن لمقتضيات شتَّى، وبعبارة أخرى: فإن بعض أجزاء الدِّين مطلوب كحقِيقَة، أمَّا البعض الآخر من أجزائه فمَطلوب بصفة إضافيَّة، والمراد بالمقتَضيَات الحقيقية للدِّين: أن يكتَشف المؤمِن اللهَ داخليًّا وحسيًّا؛ حتى يَصِير عَبدًا لله ومُحبًّا له، أمَّا المقتضَيات الإضافيَّة فهي كلُّ تِلكَ الأحكام التي تُعالِج حياة المؤمن الخارجِيَّة، الَّتي تبيِّن سلوك أهل الإيمان تجاه مختلف الظروف والمعاملات الدنيوية، والمقتضيات الحقيقية مطلوبة من كل إنسان، وفي كل الظروف، ولا يؤثر فيها الزمن ولا الأحوال، وهي الأصل والمطلوب الأول الذي هو سبيل الخلاص في الحياة الآخرة، أما المقتضيات الإضافية فمطلوبة حسب الأحوال والظروف، وتتسع دائرة تكليفها أو تنكمش حسب دائرة الاختيار والتحرك المتاحة لعبد من العباد، فإذا كان العمل بالمقتضيات الإضافيَّة متاحًا للعبد؛ فهي مطلوبة منه بالضرورة، تمامًا كالمقتضيات الحقيقية نفسها، أما إذا كانت الظروف غير متاحة للعمل بالمقتضيات الإضافية، فأهل الإيمان لا يتحمَّلون وزر عدم التزامهم بها.

فهذا التمييز بين أحكام الدين - من حقيقية وإضافية - إنما يوضح الفرق النوعي بين الأحكام الإسلامية، وهذا الفرق النوعي بين أحكام الدين ليس حول وجوب حكمٍ ما أو عدم وجوبه بل هو عن الظروف التي يجب فيها الانصياع لحكمٍ ما أو عدم وجوب الانصياع له، أما إذا كانت الأحكام - من كلا النوعين - واجبة ومطلوبة من العبد في ظرف من الظروف؛ فلا فرق بينَهما من ناحية الأداء البتة، أي: إن كليهما يكون حينذاك مطلوبًا بقدر واحد من الأهمية.

إنَّ هذا الخلاف الفكري الذي بيَّنَته أنفًا ينشأ عنه الخلاف في النظر إلى المهمة ذاتها التي تَقَع على عاتق المؤمن بنظرية ما؛ فإن وجودَ الشيء - الجامع بين مجموعة ما - يعنِي وجود المجموعة كلها، وانعدامه يعنِي انعدامِها، كذلك، والمؤمن بنظرية ما يسعى إلى تَحقيق الشيء الجامع بين أجزاء المجموعة قبل أن يسعى لتحقيق أجزائها الإضافية.

والذي لاحظناه بين رجال التفسير المشار إليه آنفًا أنهم يهتمون أشد الاهتمام بإقامة النظام، ومردُّه إلى هذه العقلية الخاصة التي جعلت الدين "نظامًا"، ولكن نرى على العكس من ذلك أن الكفاح الأساسي لدعاة الإسلام كان يرتكز على ترسيخ مفاهيم الله والآخرة في أذهان الأمة، وكان السبب في ذلك أن دعاتنا كانوا يؤمنون بأن هذا هو الأساس الذي تقوم عليه جميع المظاهر الدينية الأخرى.

ــــــــــــــــــــ
[1]  هي لعبة مكونة من أجزاء خشبية، يتم تركيبها، فتعطي صورة معينة [المترجم].




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة المسجد النبوي 12/3/1431هـ
  • كتابة الدين والإشهاد عليه
  • حكم تقسيم الدين إلى لب وقشور

مختارات من الشبكة

  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جواب شبهة: نقصان الدين قبل نزول آية الإكمال واختلاف العلماء على مسائل الدين مع كمالها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إجازة بخط الحافظ شمس الدين السخاوي (831هـ - 902هـ) لتلميذه جمال الدين القرتاوي سنة (899هـ)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصيدة ثائية في أسماء المجددين وأن منهم الحافظ السيوطي جلال الدين للعلامة بدر الدين الغزي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلامة جلال الدين السيوطي في عيون أقرانه ومعاصريه (1) علاء الدين المرداوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام علم الدين البلقيني لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام محيي الدين الكافيجي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إجازة الإمام شمس الدين السيرامي لتلميذه العلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم الشعراء: البهاء زهير - ابن سناء الملك - نجم الدين - مهذب الدين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم الشعراء: صلاح الدين الصفدي - صفي الدين الحلي - ابن سعيد المغربي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب