ساحل العاج.. نذر التمزق والحرب الأهلية

ما زال العالم يتابع تداعيات الانتخابات الرئاسيَّة في ساحل العاج، التي أعقبها تأزم سياسي، وتحذيرات دولية من إمكانية اندلاع حرب أهليَّة، ظهرت إرهاصاتها حينما استخدم الرئيس المنتهي ولايته "لوران جباجبو"، المنهزم في الانتخابات الأخيرة، ما أُطلق عليه "فرق الموت" لتشيع الفزع والذعر بين أفراد الشعب، وتهدد بإشعال حرب أهلية إذا ما تدخل المجتمع الدولي، وفي المقابل دَعَا "الحسن وتارا" الرئيس الجديد للبلاد، حسب نتائج اللجنة العليا للانتخابات، إلى إضراب عام لحين تنحي جباجبو واعترافه بالهزيمة، كما جدّدت الأحزاب الموالية للرئيس الفائز في الانتخابات دعوتها للعصيان المدني قائلين في بيان: "ينبغي ألا نسمح لهم باغتيال انتصارنا".

وبين نذر الحرب الأهلية، والتهديد بالعصيان المدني والإضراب العام، لم يجد الكثير من الشعب في ساحل العاج سوى الهروب من نيران الفرقة والصراع على السلطة، حيث أعلنت المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة، أن أعمال العنف التي اندلعت في ساحل العاج، في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، دفعت أربعة عشر ألفا من السكان الدولة للفرار إلى ليبيريا.

وقد شهدت البلاد أزمة سياسيَّة بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز الحسن وتارا، إلا أن المجلس الدستوري التابع للرئيس السابق "جباجبو" قام بإلغاء نتائج الانتخابات، وأعلن فوز الرئيس جباجبو فيها، وهو ما أثار حفيظة الكثير من الدول، مثل الولايات المتحدة وفرنسا بالإضافة إلى العديد من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، ملوحين بعصا الحصار المالي والسياسي لحمل جباجبو على التنحي.

جدير بالذكر أن ساحل العاج تنقسم بين شمال ذات أغلبية مسلمة، وينتمي إليه "الحسن وتارا"، وجنوب ذو أغلبية مسيحية، وينتمي إليه "لوران جباجبو"، وقد استطاع الأول كسب بعض الأصوات من الجنوب إلى جانب الشمال الذي كان يدعمه ويسانده مما جعله يفوز بأغلبيَّة بسيطة على منافسه جباجبو.

تصعيد "جباجبو"

وبخلاف ما يقوم به جباجبو ومؤيدوه من ملاحقة واستهداف أنصار المعارضة بما يسمى "فرق الموت" فقد هدَّد جباجبو بإشعال حرب أهليَّة حال تدخل المجتمع الدولي، وطالب قوات الأمم المتحدة بمغادرة البلاد، خاصة بعد اتهام الأمم المتحدة الرئيس المهزوم بتجنيد مرتزقة من ليبريا من أجل كسر الحصار السياسي والعسكري الذي يفرضه المجتمع الدولي.

لكن جباحبو وصف ما يحدث بـ "المؤامرة التي تقودها فرنسا والولايات المتحدة" لإبعاده عن السلطة، وندد بنشاط سفيري فرنسا والولايات المتحدة في الأيام التي تلت الانتخابات الرئاسيَّة، وردًّا على تهديد بعض دول الاتحاد الإفريقي بالتدخل العسكري، قال: ينبغي النظر إلى هذه التهديدات "على محمل الجد".

أما السكان فقد لقي العشرات منهم حتفهم بعد مرور أسبوعين على اندلاع أعمال العنف ونزح عشرات الآلاف منهم إلى ليبيريا خشية عودة شبح حرب أهلية أخرى، خاصة بسبب الرعب الذي تبثه "فرق الموت" التي تقوم بدوريات "غارات" ليلية وإطلاق النار في الهواء، فيفر الناس إلى منازلهم ومن لا يتمكن من ذلك يتمّ اختطافه.

ضغوط دوليَّة

وعلى الصعيد الدولي، دعت فرنسا رعاياها المقيمين في ساحل العاج، والبالغ عددهم 15 ألف شخص بمغادرة البلاد مؤقتًا إذا لم يكن هناك حاجة ملحة لبقائهم وذلك بسبب تصاعد حده التوتر كما نصحت الفرنسيين الذين يعتزمون الذهاب إلى ساحل العاج بتأجيل زيارتهم، وهذا ما ينذرُ بوقوع مذابح أهلية وإمكانية فك الارتباط الدولي كما حدث في رواندا.

أما بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة فقد أشار أن ساحل العاج تنزلق نحو حرب أهلية وطالب جباجبو بإنهاء الحصار المفروض على مقر المعارضة ورفضت السماح بنقل الإمدادات لهم، مضيفًا "أنه لا يمكن أن يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج في ظل هذا التحدي السافر والمباشر للأمم المتحدة"، كما وجَّه البنك الدولي إنذارًا شديد اللهجة مفاده "جباجبو لقد خسرت الانتخابات وعليك بالتنحي".

تحدي "واتارا"

برغم ذلك فإن هناك حقيقة لا تخفى على أحد، فإذا فشل المجتمع الدولي في إجبار جباجبو على التخلي عن السلطة سياسيا وربما اقتصاديا، فسيكون من الصعب الاعتماد على الحل العسكري حيث أن حكومة جباجبو مازالت مسيطرة على الجيش في البلاد بل ومعظم مؤسَّسات الدولة.

وعلى النقيض، فإن الفائز في الانتخابات والمعترف به دوليًّا، السيد وتارا، والذي ما زال عالقا ويحتمي في فندق يحرسه حوالي 800 جندي من قوات حفظ السلام، فإنه يحاول جاهدا إقامة إدارة موازية للبلاد ولكنه في القوت ذاته يشجع الضغوط الملاحقة لخصمه المهزوم، موجهًا نداءً إلى البنك الإقليمي بمنع وصول الأموال إلى جباحبو، وهذا ما يجعله غير قادر على الدفع للجيش ومؤسسات الخدمة المدنية فتقلب ضده.

في نهاية المطاف، يظل هناك واقع يفرض نفسه على الانتخابات الرئاسية أو السلطة في ساحل العاج وأفريقيا بوجه عام وهو أنه لدى وصولك للسلطة فقد حصلت على كل شيء كما أنك تخسر كل شيء عند خروجك منها، مما يؤكد أن الأوضاع بساحل العاج في قابل الأيام لا زال يسمح فيها بجميع الاحتمالات بما فيها بطبيعة الحال اندلاع حرب أهلية وتمزق الدولة ومقتل المئات.