• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (8/11)

د. محمد بركات

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/12/2010 ميلادي - 21/1/1432 هجري

الزيارات: 8343

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تابع: الأزمات الاقتصادية في خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي

 

على هذا النحو كانتِ الأزمات الاقتصادية في خلافة الحاكم بأمر الله، ولعلَّنا لاحظنا أنَّها كانت أكثر وأقسى من تلك الأزمات التي حدثتْ في خلافة أبيه وخلافة جَدِّه، وقد أرجعنا تلك الأزمات إلى أسباب ذكرناها في مواضعها، إلاَّ أنَّ الجدير بالملاحظة هو موقف الحكومة الذي لم يكن فوق مستوى الشُّبهات في بعض الأحيان، إذ وجدناها تُحقِّق أرباحًا طائلة من وراء الأزمة النقديَّة في سنة 387هـ وصلت - في تقديرنا - إلى 60% من قيمة العُملة المطروحة للتداول وقتذاك، وهو الأمر الذي جعلَنا نُشير بأصابع الاتِّهام إلى تلك الحكومة، وإن كنَّا رأيناها في مواضعَ أخرى تُواجِه أزماتٍ أخرى بالشدَّة والحزْم الواجبَين، حتى إنَّ الحاكم بأمر الله تمكَّن من تخفيف وعلاج أزمة سنة 399هـ الضاربة بما واجهها به من تدابيرَ صارمة، وهو الأمر الذي يؤكِّد مسؤوليةَ الحكومات في حالة تراخيها، وعدم مواجهة الأزمات بالوسائلِ الناجعة لعلاجِها، ممَّا يؤدِّي إلى تفاقُم الأزمات وتصعيدها، وشَهِدت خلافةُ الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي عددًا من الأزمات، يمكن إجمال أسبابها فيما يأتي:

 

1- ضَعْف سلطة الخليفة، فقد تولَّى الظاهر وهو لم يتجاوزِ السادسة عشرة من عمره بعدُ؛ لذلك تولَّت عمَّتُه ست الملك الوصايةَ عليه حتى وفاتها سنة 415هـ، لكنَّه بعد وفاتها وقع تحتَ تأثير رجال الدولة الأقوياء الذين وجدوا في قلَّة خبرة الخليفة[1] فرصةً سانحة لتسيير دفَّة الأمور على النحوِ الذي يروق لهم، ويُحقِّق مصالحهم الخاصَّة دون اعتبار للمصلحة العامَّة، فدخلوا مجالَ تجارة الغلال، وتلاعبوا بالأسعار بُغيةَ تحقيق أعلى ربح [2].

 

2- القلاقل الداخليَّة وعلى الحدود، ففي الداخل وقعتْ أحداثُ النهب التي قام بها العبيدُ وغيرهم، حتى إنَّ الأهالي كانوا يتحارسون ويخندقون على أنفسِهم الخنادق، ومع ذلك نهب العبيدُ الساحلَ وبعض جهات الرِّيف، حتى إنَّهم نهبوا بلد الأشمونين بأسره والعرب معهم[3]، وقطع في النهاية الطريق على حجيج مصر والمغاربة بعدَ تجاوزهم بِركة الجبِّ أكثرَ من مرَّة[4]، وعلى الحدود، وقعتْ عدَّة معارك بين الفاطميِّين وحسان بن مفرج بن الجراح الذي انتهز وفاةَ الحاكم وتولِّي ابنه الصغير الخلافةَ؛ ليهاجمَ مصر نفسَها، فاقتحم الفرما سنة 411هـ وفرَّ أهلها إلى القاهرة[5]، ثم عاود الكرَّةَ بعد أربع سنوات سنة 415هـ، فهاجم العريشَ وأحرقها، وسَرَت إشاعاتٌ بين الناس بتسلُّل قواته إلى داخل البلاد، حتى خشي أهلُ القرافة على أنفسهم، فانتقلوا عنها إلى الفسطاط [6].

 

3- نقص النيل في بعض السنوات، مثلما حَدَث في سنة 414هـ التي انتهت زيادةُ النيل فيها إلى أربعة عشر ذراعًا وإصبع واحدة[7]، وهو ذرع معناه أنَّ النيل لم يبلغ حدَّ الكفاية، وأنَّ البلاد تهددها القحطُ والمجاعة.

 

4- تَعرُّض المزروعات في بعض السنوات للآفات، مثل: إتلاف الفِئران لزروع مصر سنة 416[8].

 

5- نقص حيوانات الحقل السليمة القادرة على الحَرْث، حتى تطلَّبَ الأمرُ تدخُّلَ الحكومة؛ لتسنَّ القوانين اللازمة لحماية المتبقِّي منها، مثلما حَدَث في سنة 414هـ التي مُنع فيها ذبح الأبقار لِقلَّتِها[9]، وتأكَّد هذا الاتِّجاه في سنة 417هـ، إذ منع الظاهر ذبْحَ الأبقار التي تصلح للحرْث؛ لأنَّ في ذبْحها غايةَ الفساد، وإضرارًا بالعباد والبلاد"[10]، لم تكن الأزمات الاقتصاديَّة التي حلَّت بالبلاد في خلافة الظاهر أقسى من مثيلاتها في خلافة أبيه الحاكم بأمر الله[11]، ويمكن ملاحظةُ ذلك بوضوح في ضَوْء الاعتبارات الآتية:

 

بدأت بوادر أزمة سنة 414هـ حينما لم تتعدَّ زيادة النيل أربعة عشر ذراعًا وإصبعًا واحدة، حتى يوم النوروز القبطي (أول التوت)[12] لإحدى عشرة ليلةً خلت من جمادى الأولى، ولَمَّا لم يزدِ النيل عن ذلك بعد مُضيِّ أسبوع آخر، ركب الخليفة لفتح الخليج دون أن يبلغ النيلُ حدَّ الكفاية[13]، وزاد الطِّينَ بِلَّةً أنَّ النيل لم يمكثْ طويلاً على هذا الذرع، بل إنَّه انصرف انصرافًا متداركًا فاحشًا - على حدِّ قول المسبحي - قبل أوانِه بشهر، فلم تُروَ الأراضي، وضجَّ الناس وخرجوا للاستسقاء، وتعذَّرت الأخبار في الأسواق، وازدحم الناس على الغلاَّت، وكان سعرُ القمح قبلَ الغلاء دينارًا لكلِّ تليس، ولم يجسر أحدٌ من تجَّار الغِلال على رفْع السِّعر علانية، فأخفوا القمح وباعوه سرًّا في السوق السوداء بضِعْف سعره، كل تليس بدينارين، وبيعت حملةُ الدقيق بدينارين وربع، وبيع الخبز أربعة أرطال بدرهم وثُمن، وبيع التبن الحمل بعشرين درهمًا [14].

 

أجرى الظاهر - أو بالأحرى مَن كانوا يُدبِّرون له الأمور - تغييرًا إداريًّا لمواجهة الأزمة، فصرف ابن عزَّة المحتسب في الخامس من رجب، وولَّى بدلاً منه على الحسبة دواس بن يعقوب الكتامي، الذي أظهر حزمًا وشدَّة في مباشرة مهامِّ وظيفته، فبادر بجمع الخبَّازين والدقَّاقين، وضرب قومًا منهم وشهرهم، فظهرت الأخبار واستقامت الأحوال إلى حين[15]، لكنَّ الأمور عاودت سيرتَها السيِّئة بعد أربعة أيَّام فقط، ففي التاسع من رجب، اشتدَّ تعذُّر الأخبار بالفسطاط، وكثرت الزحمة في الدكاكين، حتى أمر ببيع الخبز مبلولاً ثلاثة أرطال بدرهم، واتخذت بعض الإجراءات السريعة، ففُتِحت مخازن الجماعة من رِجال الدولة، وأطلق للناس من السواحل علَّة كثيرة، وضرب دواس جماعةً من الخبَّازين وشهرهم بسبب ترافُعهم في السعر وتشدد على الطحانين[16].

 

ويبدو أنَّ قلَّة أعلاف الماشية، وارتفاعَ أسعارها جعل الناس يُكثرون من ذبْحها؛ ليقتاتوا بلحومها، وليخفِّفوا عن أنفسهم مؤونتَها، فأدَّى الذبْح الكثير إلى قلَّة الماشية، فأمر الظاهر بمنْع ذبح الأبقار؛ حرصًا على البقية الباقية منها، ولأهميتها لأعمال الحقل[17].

 

وفي سنة 415هـ، في الثامن والعِشرين من شهر ربيع الآخر ترافع السِّعر، واشتدَّ بسبب شراء القصر لشحنةٍ كبيرة من القمح كانت قد وردت في مراكبَ إلى ساحل الفسطاط، فتسلَّم جميعَ ما فيها من القمح للقصر[18].

 

والواقع أنَّنا لا نستطيع القول: إنَّ القصر دخل حينذاك في تجارة الغِلال فلم يُشِر المسبحي لذلك، والأحداث التالية طَوالَ العام لا تدلُّ على أنَّ القصر مارس هذه التجارة، كذلك لا نستطيع القول أنَّ القصر أخذ في تخزين مخزون إستراتيجي يُفيد عامَّةَ البلاد في وقت المِحْنة، فالوقائع لا تدلُّ على ذلك أيضًا، ولكن يبدو أنَّ القصر كان يُؤمِّن احتياجاتِه الخاصَّة في هذه الفترة الحَرِجة من العام، في فترة الانتقال بين الغلَّة القديمة والغلة الجديدة[19]، وأدَّى هذا إلى إثارةِ مخاوف الناس مِن جهة، كما قلَّل المعروض من القمحِ للطلب العام، ومَن ثَمَّ تزايد السِّعر بسبب أنانية القَصْر واستيلائه على كلِّ الشُّحنة؛ لتوفير احتياجاتِه دون اهتمام بالصالح العام.

 

تصاعدتِ الأزمة حتى وصلتِ الأسعار في شهر شوَّال إلى أن بِيع القمح بسعر التليس ثلاثة دنانير إلاَّ ثُمن، وبيع الشَّعير ست ويبات بدينار، وحلَّت ليلة الميلاد في العشرين من شوال، والناس عنها في شُغل شاغل، فلم يشتروا الحلوى كعادتهم في هذه المناسبة، ولم يتورَّع في النهاية عن مهاجمة الحجيج بعدَ أن جاوزوا بِركة الجب[20]، وكشف المحتسب عدَّة حالات من التلاعُب في الموازين، فضَرَب جماعةً من الخبَّازين ضربًا موجعًا؛ لأنَّه وجد موازينهم للأرطال باخسة، وصنجهم التي يزنون بها الدراهم زائدة [21].

 

وفي الثالث عشر من ذي القعدة اشتدَّ الغلاء عن ذي قَبل، فبيع القمح بسعر التليس ثلاثة دنانير، والدقيق بسِعر الحملة أربعة دنانير ونصف وقيراطان، وبيع الخبز السميد رطلان بدرهم وربع، والخبز الجشكار رطلان بدرهم، وبيع اللحم أربع أواق بدرهم؛ لقلَّة البهائم، ولقرار الظاهر في العام السابق بمنْع ذبْح الأبقار، وكَثُر الموت نتيجةَ سوء التغذية، لا سيِّما في الفُقراء والمساكين الذين كانوا لا يَجدون ما يُطعمون به أولادَهم سوى العسالجِ الخشنة من القنبيط[22]، التي ينزِعها البقَّالون عن رؤوس الكرنب ويرمونها، فيَقتات بها الضعفاءُ مع القليل من كُسب اللوز وكُسب السمسم، وغَلَت القطاني كلُّها وجميع الحبوب، وحلَّ بالناس ضرٌّ ومسغبة، وغَلت روايا الماء لتعذُّر علف الدواب وعدم مَن يسقي عليها، فبيعت رواية الجمل بثلاثة دراهم، وراوية البغل بدرهمين، وتقاضَى الطحَّانون أجرًا عن طحن القفة خمسة دراهم[23].

 

وفي منتصف ذي القعدة تجمهر الناس حولَ موكب الخليفة الذي شقَّ البلد، وكأنَّه غير عابئ بمعاناة أهلِها، أو كأنَّه لا يدري عنها شيئًا، فهتفوا به مندِّدين: الجوع، الجوع، لم يصنع بنا هكذا أبوك ولا جَدُّك، وكادتِ الفِتنة أن تقع، وانعكس ذلك بطبيعة الحال على الأسعار، فتصاعدتْ تصاعدًا جنونيًّا، حتى بيع الدقيق: رطلٌ واحدٌ ونصف بدرهم، والخبز الأسود رطلان بدرهم وربع، فجَمَع دواس بن يعقوب حمَّالي القمح وسماسرته، وضَرَب بعضَهم وهدَّد البعض الآخر، حتى أرشدوه إلى مائة وخمسين مخزنًا سِريًّا للقمح، فصادر على ما فيها حتى يتصرَّف فيه في الغداة، لكنَّه استدعى للقصر، إذ يبدو أنَّ الظاهر قد انزعج من الهِتافات العدائية التي لاحقتْ موكبَه بالأمس، وبينما كانت تجري مساءلة المحتسِب في القصر، كانت صيحاتُ الناس تتعالَى في الطرقات، فشدَّد الظاهر على دواس بضرورة تدارُك الأزمة قبلَ وقوع الفِتنة، فنزل المحتسب من القصر وأطلق القمح من المخازن التي تحفظ عليها، وسعره للطحانين التليس بدنيارين ونصف، وسَعَّر الدقيق أربعة دنانير للحملة، والخبز رطلان ونصف بدرهم، فسَكَن الناس لذلك قليلاً[24]، لكن سياسة التسعير - كما هي العادة - كانت تؤدِّي إلى اختفاء الغلاَّت وبيعها في السُّوق السوداء، ولتلافي ذلك، وللمحافظة على مستوى الأسعار دونَ ضغط؛ استصدر المحتسِب أمرًا برفْع المكوس عن الغلاَّت في الثالث والعشرين من ذي القعدة، ثم أوقف التسعير وأطلق حرية البيع، فاستقرَّت الأسعارُ عند ثلاثة دنانير إلاَّ ربع لتليس القمح، والخبز السميد رطلان بدرهم وربع، والخبز الحواري رطلان بدرهم، وهي زيادة طفيفة في السِّعر، ولكن قابَلَها ظهورُ الدقيق في الأسواق، وكثر الخبز[25].

 

غير أنَّ الأسعار اضطربتْ مرَّة أخرى في ذي الحجة، فوَصَل سِعر القمح التليس بأربعة دنانير وثلث، وحملة الدقيق بستة دنانير، والخبز رطل بدرهم، وكان يجدد الغلاء بسبب حوادث النَّهب التي قام بها عَبيدُ الدولة وبعضُ العربان، حتى إنَّهم نهبوا بلدَ الأشمونين بأَسْرِه[26]، ثم نهبوا ساحل الفسطاط، فتحارس الأهالي منهم، واشتبكوا معهم في عدَّة وقائع، وأُغلِقت العديد من الحوانيت وأُخلِيت بعض الدُّور، وانقضت السَّنة والناس في أنواع من البلاء[27].

 

واستمرَّت الأزمة الاقتصاديَّة في عام 416هـ؛ لسببٍ جديد لم يكن في الحسبان، إذ كثرتْ الفئران في تلك السَّنة، فأتلفت المحاصيلَ وأكلت المزروعات[28]، إلاَّ أنَّ الإدارة الفاطميَّة نشطت - فيما يبدو - لعلاج هذه الأزمة الطاحنة وإزالة آثارها، واستلزمتْ عمارةَ البلاد الحفاظُ على الأبقار اللاَّزمة للحرْث، فأعاد الخليفة الظاهر تأكيدَ قانون منْع ذبْح الأبقار، خصوصًا السليمة من العيوب الصالحة للحرْث؛ لأنَّ في ذبْحها - على حدِّ رأيه - غايةَ الفساد، وإضرارًا بالبلاد والعباد [29].

 

وتحسَّنت الأحوال، غيرَ أنَّ الأزماتِ الاقتصاديةَ أطلت برأسها مرَّة أخيرة في خلافة الظاهر سنة 423هـ، ربَّما من قبيل إثبات الوجود، إذ يصرِّح ابن أبيك أنَّ هذه السَّنة كانت شديدةً على الناس من الغلاء والقحط، وإن كنَّا لا نفهم سببَ القحط على وجه التحديد؛ لأنَّ ابن أبيك نفسَه يُسجِّل أنَّ النيل بلغ ستَّة عشر ذراعًا وأربع أصابع[30]، وهو حدُّ الكفاية الذي لا تقحط معه البلاد.

 

ويبدو أنَّ الأحوال تحسَّنت بعد ذلك تمامًا، فلم نسمعْ عن أزمات أخرى بقية خلافة الظاهر الذي توفِّي سنة 427هـ، بل واستمرَّت كذلك فترةً ليست بالقصيرة مِن خلافة ابنه المستنصر بالله.

 


[1] فضلاً عن صِغر سنِّ الظاهر لإعزاز دين الله حين تولِّيه، فلم يُعن أبوه الحاكم بأمر الله بتدريبه على الحُكم؛ إذ إنَّه لم يجعله وليًّا لعهده، وإنَّما عهد بولاية عهده إلى واحد من بني عمومته، هو عبدالرحيم بن إلياس سنة 403هـ؛

انظر: المقريزي، "الخطط"، (4/73).

[2] أحمد السيد الصاوي: "المجاعات وتأثيرها على النواحي المالية والحضارية زمن الفاطميين"، (ص: 57).

[3] المسبحي: أخبار مصر، (ص: 203)، (ص: 208)، والمقريزي، "خطط"، (2/168).

[4] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 194)، والسيوطي، المصدر السابق، (2/285).

[5] المقريزي: "خطط"، (2/68)، وأمينة بيطار: المرجع السابق، (ص: 92).

[6] ابن خلدون: "العبر"، (4/61)، وأمينة بيطارك المرجع السابق، (ص: 92).

[7] المسبحي: "أخبار مصر"، (ص: 28).

[8] ابن ابيك: المصدر السابق، (ص: 32).

[9] المقريزي: "خطط"، (2/168).

[10] السيوطي: "حسن المحاضرة"، (2/285).

[11] أعدَّ الباحث أحمد الصاوي بحثًا طيِّبًا عن المجاعات زمنَ الفاطميين، نال عنه درجة الماجستير من كلية الآثار جامعة القاهرة سنة 1985، وقد بذل الباحث جهدًا مشكورًا، وانتهى إلى نتائج يتوافق بعضُها مع ما انتهينا إليه في بابه.

إلاَّ أنَّ الباحث في تقيمه للأزمات الاقتصادية - أو المجاعات على حدِّ تسميته - في خلافة الظاهر، وفي مقارنتها بمثيلاتها في خلافة الحاكم بأمر الله حمل حملة قويَّة على الظاهر، وصرَّح بأنَّ عصره كان أسوأَ بكثير من عصر أبيه، ويبدو أنَّه تأثَّر في رأية هذا بالوصف المسهب الذي ورد عند المسبحي للأزمة الاقتصاديَّة في عامي 414 - 415هـ، وهو وصف لم يتوافرْ مثلُه لأزمات عصر الحاكم بأمر الله؛

ويجعلنا ما ورد فيه - على قِصر المدَّة التي يتعرَّض لها - نشعر بالأسى الشديد لفقدان هذا السِّفر الجليل، أو عدم توصلنا لأصولِه حتى الآن.

 

[12] في الحالات التي يحسن فيها الفيضان، ويصل إلى حدِّ الوفاء في أوانه، يكون يوم النوروز القبطي - كما سبق أن أشرنا - موعدَ بدء المرحلة الثانية في الري، وفيها تُكسر السدود التالية على سدِّ الخليج.

[13] المسبحي: "أخبار مصر"، (ص: 28).

[14] المصدر نفسه، (ص: 32).

[15] المصدر نفسه، (ص: 33).

[16] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 35).

[17] المقريزي، "خطط"، (2/168).

[18] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 61).

[19] كان شهر توت فيما يبدو شهرًا حرجًا في حالة الأزمات الاقتصادية؛ لأنَّ حالة النيل من النقص أو الزيادة تتضح في هذا الشهر؛ لذلك كانت الأسعار ترتفع فيه لإقبالِ الناس على التخزين فيه تحسُّبًا للمجهول، ولِمَّا استولى القصر على هذه الشحنة الكبيرة على مشارف هذا الشهر تخوف الناس، وقلَّدوا القصر في التخزين، وكثُر طلبهم وهي الفرصة التي ينتهزها التجَّارُ مادة لرفْع الأسعار.

[20] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 188 – 189).

والمقريزي: "خطط"، (2/168).

[21] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 191).

[22] العسالج الخشنة من القنبيط: يُقصد بها العروق الصلبة الخشنة التي تُغلَّف رؤوس الكرنب، والتي تنزع عنها وتُرمى حين أكلِها.

[23] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 194).

[24] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 193 – 194).

[25] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 193 – 194).

[26] المسبحي: المصدر السابق، (ص: 203).

[27] المصدر نفسه، (ص: 208).

والمقريزي: "خطط"، (ص: 169).

[28] ابن أبيك: المصدر السابق، (ص: 320).

[29] السيوطي: المصدر السابق، (2/285).

[30] الدرة المضيئة، (ص: 333).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (4/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (5/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (6/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (7/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (9/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (10/11)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (11/11)

مختارات من الشبكة

  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (3/11)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (2/11)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية (1/11)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الصحافة الاقتصادية الإسلامية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • كيف تخفض الشركات إنفاقها في الأزمات الاقتصادية الحالية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأزمة الاقتصادية وأثرها على الأمة الإسلامية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تحديات الأزمة الاقتصادية.. رؤية إسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخصائص العالمية للتربية الاقتصادية الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نحو خطاب دعوي متزن في الأزمات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أزمة قراءة ... أزمة نقد(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب